الحمدُ للهِ والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد.
هذه أبياتٌ للإمامِ الشوكانيِّ من كتابِ "
الصوارمِ الحدادِ القاطعةِ لعلائقِ مقالاتِ أربابِ الاتحادِ " ، وهذا الكتابُ نقل فيه أقوالَ العلماءِ أهلِ السنةِ في الحُكمِ على ما تضمنتهُ الكتب الصوفية من الضلالِ والإضلال ، مثل الفصوص ، والفتوحات لابن عربي ، والبد لابن سبعين ، والإنسان الكامل لعبد الكريم الجيلي ، والتلمساني ، وشعر ابن الفارض المسمى بالقصيدةِ التائيةِ ، وغير ذلك .
قال الإمام الشوكاني في الأبياتِ :
فهمُ الذين تلاعبوا بين الورى ** بالدينِ وانتدبوا لقصد خرابه
وقد نهج الحلاجُ طرقَ ضلالهم ** وكذاك محيي الدين لا حيا به
وكذاك فارضهم بتائياتهِ ** فرض الضلال عليهم ودعا به
وكذا ابن سبعين المهين فقد عدا ** متطوراً في جهلهِ ولعابهِ
رام النبوءة لالعاً لعثورهِ ** روم الذبابِ مصيره كعقابهِ
وكذلك الجيلي أجال جوادهُ ** في ذلك الميدانِ ثم سعى به
إنسانهُ إنسان عين الكفر لا *** يرتاب فيه سابح بعبابه
والتلمساني قال قد حلت له ** كلُّ الفروجِ فخذ بذا وكفى به
نهقوا بوحدتهم على رؤوس الملا ** ومن المقال أتوا بعينِ كذابه
إن صح ما نقل الأئمةُ عنهم ** فالكفر ضربة لازب لصحابه
لا كفر في الدنيا على كلِّ الورى ** إن كان هذا القول دون نصابهِ
قد ألزمونا أن ندين بكفرهم ** والكفر شرُّ الخلقِ من يرضى به
فدعِ التعسفَ في التأولِ لا تكن ** كفتى يغطي جيفةً بثيابهِ
قد صرحوا أن الذي يبغونهُ ** هو ظاهرُ الأمر الذي قلنا بهِ
هذي فتوحاتُ الشؤومِ شواهدٌ ** إن المراد له نصوص كتابهِ
قال الإمام محمد بن الأمير الصنعاني - رحمه الله - في كتابه الشهير "
تطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد" يبين حال التصوف والصوفية:
أما المتسمون بالمجاذيب
الذين يلوكون لفظ الجلالة بأفواههم ويقولونها بألسنتهم ويخرجونها عن لفظها العربي فهم من أجناد إبليس اللعين، ومن أعظم حمر الكون الذين ألبستهم الشياطين حلل التلبيس والتزيين، فإن إطلاق الجلالة منفرداً عن إخبار عنها
بقولهم ( الله الله) ليس بكلام ولا توحيد، وإنما هو تلاعب بهذا اللفظ الشريف بإخراجه عن لفظه العربي ثم إخلاؤه عن معنى من المعاني ولو أن رجلاً عظيماً صالحاً يسمى بزيد وصار جماعة يقولون (زيد زيد) لعُد ذلك استهزاء وإهانة وسخرية، ولا سيما إذا زادوا إلى ذلك تحريف اللفظ.
ثم انظر هل أتى في لفظة من الكتاب والسنة ذكر الجلالة بانفرادها وتكريرها؟ أو الذي في الكتاب والسنة هو طلب الذكر والتوحيد والتسبيح والتهليل، وهذه أذكار رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدعيته وأدعية آله وأصحابه خالية عن هذا الشهيق والنهيق والنعيق الذي اعتاده الذي من هو عن الله وعن هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته ودله في مكان سحيق. ثم قد يضيفون إلى الجلالة الشريفة أسماء جماعة من الموتى، مثل (ابن علوان) و (أحمد بن الحسين) و(عبد القادر) و(العيدروس) بل قد انتهى الحال إلى أنهم يفرون إلى أهل القبور من الظلم والجور كعلي رومان وعلي الأحمر وأشباههما وقد صان الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم وأهل الكساء وأعيان الصحابة عن إدخالهم في أفواه هؤلاء الجهلة الضلال، فيجمعون أنواعاً من الجهل والشرك والكفر.
فإن قلت :
إنه قد يتفق من هؤلاء الذين يلوكون الجلالة ويضيفون عليها عمل أهل الخلاعة والبطالة خوارق عادات وأموراً تظن كرامات ، كطعن أنفسهم بالآلات الحادة وحملهم لمثل الحنش والحية والعقرب وأكلهم النار ومسهم غياها بالأيدي وتقلبهم فيها بالأجسام .
قلت :
هذه أحوال شيطانيه وإنك لملبس عليك أن ظننتها كرامات للأموات أو حسنات للأحياء لما هتف هذا الضال بأسماءهم وجعلهم أنداداً وشركاء لله تعالى في الخلق والأمر فهؤلاء الموتى أنت تفرض أنهم أولياء الله تعالى فهل يرضى ولي الله أن يجعله المجذوب أو السالك شريكاً له تعالى وندا؟ أن زعمت ذلك فقد جئت شيئا إدا، وصيرت هؤلاء الأموات مشركين وأخرجتهم وحاشاهم ذلك عن دائرة الإسلام والدين، حيث جعلتهم أندادا لله راضين فرحين، وزعمت أن هذه كرامات لهؤلاء المجاذيب الضلال المشركين التابعين لكل باطل، المنغمسين في بحار الرذائل الذين لا يسجدون لله سجدة ولا يذكرون الله وحده. فإن زعمت هذا فقد أثبت الكرامات للمشركين الكافرين وللمجانين وهدمت بذلك ضوابط الإسلام وقواعد الدين المبين والشرع المتين.
وإذا عرفت بطلان هذين الأمرين علمت أن هذه أحوال شيطانية وأفعال طاغوتية وأعمال إبليسية يبعلها الشياطين لإخوانهم من هؤلاء الضالين، معاونة من الفريقين على إغواء العباد، وقد ثبت في الأحاديث أن الشياطين والجان يتشكلون بأشكال الحية والثعبان وهذا أمر مقطوع بوقوعه فهم الثعابين التي يشاهدها الإنسان في أيدي المجاذيب. وقد يكون ذلك من باب السحر وهو أنواع، وتعلمه ليس بالعسير، بل بابه الأعظم الكفر بالله وإهانة ما عظمه الله من جعل مصحف في كنيف ونحوه.
فلا يغتر من يشاهد ما يعظم في عينية من أحوال المجاذيب من الأمور التي يراها خوارق، فإن للسحر تأثيرا عظيما في الأفعال. وهكذا الذين يقلبون الأعيان بالأسحار وغيرها.
وقال الأمير الصنعاني "رحمه الله" في قصيدة يمدح شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب:
ويعمر أركان الشريعة هادما **** مشاهد ضل الناس فيها عن الرشد
أعادوا بها معنى سواع ومثله ******* يغوث و ود بئس ذلك من ودِ
وقد هتفوا عند الشدائد باسمها *** كما يهتف المضطر بالصمد الفرد
وكم عقروا في سوحها من عقيرة *** أهلت لغير الله جهرا على عمد
وكم طائف حول القبور مقبّل ******* ومستلم الأركان منهن باليدِّ
وللأمير الصنعاني "رحمه الله" كتاب نفيس في هذا المجال ، تحت عنوان " الإنصاف في حقيقة الأولياء وما لهم من الكرامات والألطاف "
يقول
الإمام القرافي المالكي "رحمه الله" في كتابه الفروق ، معلقاً على احدى انحرافات الصوفية العقدية ، وهي إدعائهم أن أوليائهم لهم القدرة على التصرف في الكون ، وأنهم يقولون للشيء كن فيكون:
((وقد وقع ذلك لجماعة من جُهَّال الصوفية فيقولون: فلانٌ أُعطي كلمة ( كن ) ويَسْأَلون أن يُعْطَو كلمة ( كن ) التي في قوله تعالى {
إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون} وما يعلمون معنى هذه الكلمة في كلام الله تعالى ، ولا يعلمون ما معنى إعطائها ، إنْ صحَّ أنها أُعطيت، وهذه أغوارٌ بعيدة الرَّوْم على العلماء المُحَصِّلين فضلاً عن
الصوفيّة المُتَخَرِّصين فيهلكون من حيث لا يشعرون ويعتقدون أنّهم إلى الله تعالى مُتَقَرِّبون وهم عنه مُتَباعدون ، عصَمَنا الله تعالى مِنَ الفتن وأسبابها ، والجهالات وشُبهها .
.... وكذلك قال الله تعالى في كتابه العزيز حكايةً عن نوح عليه الصلاة والسلام {
إنّي أعوذ بِكَ أنْ أسأَلَك ما ليس لي به علم} أي بجواز سؤاله ، فاشترطَ العلم بالجواز قبل الإقدام على الدّعاء وهو يدل على أنَّ الأصل في الدُّعاء التحريم إلا ما دلَّ الدليل على جوازه ، وهذه قاعدة جليلة يتَخرّجُ عليها كثيرٌ من الفروع الفقهيّة ، وقد تقدَّم بسطها في الفروق)) انتهى
كتاب الفروق: (4ـ 1408) الفرق (272).