رحم الله شيخ الاسلام .. القصيدة رائعة واستوقفتني وقد طرحتها في قسم الشعر
واستسمحكم لنقل شرحها الذي تجدون فيه إجابة عن بعض التساؤلات
القصيدة :-
يا سَائِلي عَنْ مَذْهَبِي وعَقيدَتِي *** رُزِقَ الهُدى مَنْ لِلْهِدايةِ يَسْأَل
وكأن الشيخ يشير إلى أنه يجيب على سؤال ورد إليه ، عن مذهبه وعقيدته ، فقسم السؤال إلى قسمين : الأول سؤال طلب الهداية للخير ومعرفة الحق ، وهذا سيكون له عون من الله وتوفيق للوصول له فقد رزق الهدى ، وسائل يسأل للتعجيز والتعنت فهو ونيته .
اسمَعْ كَلامَ مُحَقِّقٍ في قَـولـِه *** لا يَنْـثَني عَنـهُ ولا يَتَبَـدَّل
يحث الشيخ على السماع لكلام محقق باحث في قوله والمعتقد الذي لي هو عليه ، ليس كمن قالوا : (( إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون )) ، لا بل هذا كلام عالم محقق مجتهد .
فلما كان القول لعالم محقق متثبت في المسائل ، فإنه لا ينثني عنه ولا يرجع وكذلك لا يتبدل ولا يغيره عن مذهبه ومعتقده شبهة ، بعد التحقيق والبحث .
حُبُّ الصَّحابَةِ كُلُّهُمْ لي مَذْهَبٌ *** وَمَوَدَّةُ القُرْبى بِها أَتَوَسّــل
وبدأ رحمه الله ببيان عقيدته وأول ما بدأ به : مذهب أهل السنة والجماعة في الصحابة رضي الله تعالى عنهم جميعًا ، وقوله كلهم : أي لا استثني منهم أحدًا في الحب ومعرفة القدر والفضل ، (( رضي الله عنهم ورضوا عنه )) ، فلا يجوز لمسلم أن يطعن فيهم أو يتنقص منهم وأن يخوض في أعراضهم ، بل الواجب حبهم والترضي عنهم فهم خير البشر بعد الرسل والأنبياء ، وقد دلت الآيات والأحاديث على ذلك .
قوله : ومودة القربى : أي مودتي ومحبتي لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأهل بيته ، أتقرب بها إلى الله تعالى ، فإنه عمل صالح وواجب على المسلمين ، بأن يحبوا أهل بيته ويعرفوا قدرهم وفضلهم ، فإنا نتقرب بحبهم إلى الله تعالى ، ونتوسل بهذا العمل الصالح له ، كما فعل أولائك النفر الثلاثة الذين أنسد عليهم الكهف فلم يستطيعوا الخروج منها فتوسلوا إلى الله تعالى بأعمال صالحة قاموا بها ففرج الله تعالى عليهم الكرب ونجاهم منها ، والحديث في الصحيح .
وَلِكُلِّهِمْ قَـدْرٌ وَفَضْلٌ سـاطِعٌ *** لكِنَّما الصِّديقُ مِنْهُمْ أَفْضَـل
أي للصحابة وأهل البيت فضل عظيم وقدر جليل ساطع ، لكن ابا بكر الصديق خيرهم وأفضلهم ، فهو أعلاهم شأنًا ، وكان أقرب الناس لرسول الله عليه الصلاة والسلام ، (( ثاني اثنين إذ هما في الغار )) ، والآيات والأحاديث التي تدل على فضله وقدره كثيرة جدًا ليس المجال لعرضها وذكرها ، ومن أراد ان يعرف فضائل الصديق ، فاليقرأ كتب السنة ، وما جاءت فيها من فضائل الصحابة عمومًا وفضائل أبي بكر رضي الله عنه خصوصًا .
وأُقِـرُّ بِالقُرآنِ ما جاءَتْ بِـهً *** آياتُـهُ فَهُوَ القَديـمُ المُنْـزَل
أقر بالقرآن أي : أعترف به وأذعن له ، وبكل ما جاء فيه من توحيد و أمر ونهي وأخبار وقصص وأمثال ، وكل ما حوت آياته ، فهو القديم الذي ليس بحادث ، والمنزل من الله تعالى وليس بقول البشر ، وأنى للبشر أن يأتوا بمثله ، بل هو كلام الله تعالى المنزل بواسطة جبريل عليه السلام ، على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
ثم شرع في بيان عقيدة أهل السنة في آيات الصفات والأسماء ، فقال :-
وجميعُ آياتِ الصِّفاتِ أُمِرُّهـا *** حَقـاً كما نَقَـلَ الطِّرازُ الأَوَّلُ
وأَرُدُّ عُقْبَتَـهـا إلى نُقَّالِهـا *** وأصونُها عـن كُلِّ ما يُتَخَيَّلُ
أي كل ما جاء من آيات في الأسماء والصفات ، أمرها كما جاءت بلا كيف ، فلا أشبهها بصفات شيء من مخلوقاته ، ولا أعطلها فأجعلها دون معان ، ولا لتحريفها عن مراد الله تعالى ، ولا تمثيل ، ولا نخوض في كيفيتها ، بل نؤمن بها كما جاءت ، ونثبتها لله سبحانه دون كيف ، وهذا ما نقل لنا عن الطراز الأول من الصحابة ، فهم أعلم الناس به ، فقد نزل القرآن عليهم ، ورسول الله بينهم ، يبين لهم و يوضح ، وهو قول التابعين ومن تبعهم ،فهم خير الناس،كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قُبْحاً لِمَنْ نَبَذَ الكِّتابَ وراءَهُ *** وإذا اسْتَدَلَّ يقولُ قالَ الأخطَلُ
يدعو الشيخ رحمه الله بالتقبيح لمن ترك الكتاب وترك الاستدلال به ، والعمل به ، ولم يستسلم له ، فانشغل بقول فلان وعلان ، من شعراء وأهل كلام ، أمثال الأخطل ومن على شاكلته ، وأبرز من وقع في ذلك هم الذين انشغلوا بعلم الكلام ، والمعتزلة وغيرهم .
فمن هذا نعرف تحذير العلماء من نبذ الكتاب والسنة وتركه وراء الأظهر ، وانظر إن شئت شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز وما جاء فيه من نقول لكلام العلماء أمثال الشافعي وغيره ، وهم ينكرون على أهل البدع ذلك .
والمؤمنون يَـرَوْنَ حقـاً ربَّهُمْ *** وإلى السَّمـاءِ بِغَيْرِ كَيْفٍ يَنْزِلُ
ثم شرع الشيخ ببيان أعتقاد أهل السنة في رؤية الله تعالى يوم القيامة ، فقد أنكر أقوام أن المؤمنين يرون الله تعالى يوم القيامة ، وهذا خلاف ما جاء به القرآن : (( وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة )) وقوله تعالى : (( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون )) ، قال الإمام الشافعي : وفي هذه الآية دليل على أن المؤمنين يرونه عز وجل يومئذ . انظر تفسير ابن كثير .
وأثبت رحمه الله صفة النزول ، نزول الله تعالى بلا كيف فله صفات تليق بجلاله ، فهو ينزل سبحانه في الثلث الأخير من الليل ، كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : (فيقول : أنا الملك من ذا الذي يسألني فأعطيه ؟ من ذا الذي يدعوني فأستجيب له ؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له ) والحديث في صحيح مسلم ومسند أحمد . وانظر مختصر العلو للألباني ص115
وقوله بغير كيف : أي لا نعلم كيفية نزوله ، ولا نسأل عنها فقد زجر العلماء من قبل ، من كان يسأل عن ذلك وقصة الإمام مالك معروفة ، لما سأله الرجل عن : كيف استوى على العرش ؟ فأمر مالك رحمه الله : بإخراجه من المسجد لأنه صاحب بدعة ، فقال قولته المشهورة : ( الإستواء معلوم ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب ، والسؤال عنه بدعة ) ، وقل كذلك في كل الصفات ، وهذا مروي عن غير واحد من السلف . صفات الله سبحانه ليست كصفات البشر ، (( سمعنا وأطعنا )) .
وأُقِرُ بالميـزانِ والحَوضِ الذي *** أَرجـو بأنِّي مِنْـهُ رَيّاً أَنْهَـلُ
وبدأ الشيخ بأمور الآخرة ، فمنها الميزان ،فذكر أنه يقر به ، وهو الميزان الذي توزن به الأعمال الصالحة والأعمال السيئة ، قال تعالى : (( والسماء رفعها ووضع الميزان )) .
والحوض هو الكوثر على الصحيح ، الذي بشر الله تعالى به نبيه ، والذي سيشرب منه المؤمنون المتبعون لسنة المصطفى عليه السلام ويتمسكون بها رغم انتشار البدع والضلال ، فدعى الشيخ ورجى الله تعالى أن يشرب منه ، وندعوا أن نكون ممن يشرب من الحوض ، شربة من يدي رسولنا صلى الله عليه وسلم ، لا نضمأ بعدها أبدًا ، والله نسأل أن يجمعنا مع شيخ الإسلام رحمه الله ، عند الحوض وفي الفردوس الأعلى .
وكذا الصِّراطُ يُمَدُّ فوقَ جَهَنَّمٍ *** فَمُوَحِّدٌ نَـاجٍ وآخَـرَ مُهْمِـلُ
وأقر وأومن بالصراط الذي يمده الله تعالى فوق جهنم – والعياذ بالله – والذي سيردها كل الناس لقوله تعالى : (( وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتمًا مقضيًا )) ، فالموحدون ينجيهم الله تعالى من هولها ويجتازوها إلى جنات الخلد ، (( ثم ننجي الذين اتقوا )) ، وأما الكافر فقد قال تعالى فيه : (( ونذر الظالمين فيها جثيًا )) ، اللهم جوزنا الصراط آمنين .
والنَّارُ يَصْلاها الشَّقيُّ بِحِكْمَةٍ *** وكذا التَّقِيُّ إلى الجِنَانِ سَيَدْخُل
والنار فيدخلها الشقي الكافر الظالم لنفسه ، الذي جعل لله نداً سبحانه وهو الذي خلقه ، فلما كفر وترك الإيمان ، كان من الحكمة أن يعاقب على ذلك فيكون من أهل النار ، وأما المؤمن التقي ، ففي الجنات ينعم ، بما كان منه من إيمان وعمل صالح ، فالحكمة أن يدخل الجنة ، والحكمة هو وضع الشيء في مكانه ، ومن اسماءه سبحانه ( الحكيم ) ، فهو الحكيم في عقابه وحكيم في ثوابه وفي خلقه (( ولا يظلم ربك أحدًا )) ، سبحانه منزه عن كل نقص وسوء .
ولِكُلِّ حَيٍّ عاقـلٍ في قَبـرِهِ *** عَمَلٌ يُقارِنُـهُ هنـاك وَيُسْـأَلُ
يقول رحمه الله : وأقر بأن كل إنسان عاقل مكلف ، في قبره يسأل عن ربه ودينه ورسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد صحت الأحاديث بذلك ، فمن ثبته الله تعالى فأجاب ، كان مع عمله الصالح منعمًا فيجعل الله تعالى له قبره روضة من رياض الجنة ، ويرى من نعيمها ، ومكانه فيها .
ومن لم يكن له تثبيت من الله تعالى ، فتركه هو وعمله السيء ، يصبح قبره حفرة من حفر النار - والعياذ بالله - ، قال سبحانه : (( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء )) ، فالقبر إما نعيم مقيم أو عذاب أليم ، وقد ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة ما يكون فيها من حياة برزخية فاليراجع في مضانه ، قال تعالى : (( ومن وراءهم برزخ إلى يوم يبعثون )) .
.
منقول للافادة