منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - حماية الطفل
الموضوع: حماية الطفل
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-02-22, 11:41   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










B10 swite

أما بالنسبة لجريمة هتك العرض بالقوة فقد جعلها المشرع المغربي جناية وذلك نظرا لتأثير العنف على نفسية الضحية فتجعلها تنقاد بسهولة لتمكن بالتالي الجاني من ارتكاب فعلته خاصة إذا كان الضحية قاصرا لسهولة خداعه أو إكراهه بسبب ضعفه الجسمي مما يقلل حظوظ مقاومته.
وعلى هذا الأساس فقد عاقب الفصل 485 ق.ج على جريمة هتك عرض القاصر بالعنف بالسجن من خمس إلى عشر سنوات، غير أنه إذا كان المجني عليه طفلا تقل سنه عن ثمان عشرة سنة، فإن العقوبة هي السجن من عشر إلى عشرين سنة . وتشدد هذه العقوبة إذا كان الجاني من أصول الضحية، أو إذا نتج عن الجريمة افتضاض المجني عليها لتصبح هي السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة .
وقد تعامل القانون المصري بدوره بنوع من التشدد مع هذه الجريمة، حيث نصت (المادة 268 قانون عقوبات) على انه كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد أو شرع في ذلك يعاقب بالأشغال الشاقة من ثلاث سنين إلى سبع، وإذا كان من وقعت عليه الجريمة المذكورة لم يبلغ ستة عشرة سنة كاملة أو كان مرتكبها من أصول الضحية أو من له سلطة عليها، فإن العقوبة يمكن أن تصل إلى أقصى الحد المقرر للأشغال الشاقة المؤقتة وإذا اجتمع هذان الشرطان معا يحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة . وفقا لهذا النص، يتبين أن المشرع المصري اعتبر قصر الضحية ظرفا مشددا للعقوبة.
وعموما إذا كان القانون الجنائي المغربي قد تضمن عقوبات صارمة في حق كل من سولت له نفسه هتك عرض الأطفال القاصرين، فإن هذه العقوبات لا تلقى تطبيقها السليم من طرف القضاء في بعض الحالات.
ويظهر ذلك من خلال بعض القرارات الصادرة عن مختلف محاكم المملكة، كما هو الشأن بالنسبة للقرار عدد 377/97 الصادر عن محكمة الاستئناف بوجدة سنة 1997 حيث توبع تاجر بجنحة هتك عرض قاصر بدون عنف وتمت أدانته بالحبس لمدة سنة واحدة فقط . فقد نزلت المحكمة في هذا القرار عن الحد الأدنى المقرر لعقوبة هتك عرض قاصر دون عنف والذي حدده القانون الجنائي المغربي في سنتين. وفي قرار آخر صادر عن استئنافية البيضاء حيث أدانت الجاني من أجل هتك عرض ابنته بالعنف بخمس سنوات سجنا نافذا فقط في حين أن العقوبة المقررة قانونا لمثل هذه الجريمة التي اجتمع فيها ظرفين من ظروف التشديد وهما: قصر الضحية وعلاقة الحرمة (الجاني أصلا للضحية) بالإضافة إلى العنف، هي السجن من عشرين إلى ثلاثين سنة.
وفي نفس السياق يمكن الاستشهاد بالقرار الصادر عن محكمة الاستئناف بوجدة الذي قضى بإدانة معلم من أجل هتك عرض قاصر تبلغ من العمر 11 سنة مما عرضها للافتضاض، فحكمت عليه المحكمة بالحبس ثلاث سنوات نافذة وتعويض مدني للضحية قدره 3000 درهم . في حين كان على المحكمة أن تشدد عقوبة الجاني في هذه النازلة، لأن المعلم هو من ذوي السلطة الفعلية، ومن ثم فإن صفته هاته تعتبر ظرفا من ظروف التشديد كما هو منصوص عليها في الفصل 487 ق.ج. وهذا ما قضت به محكمة التمييز اللبنانية في إحدى القرارات الصادرة عنها "... إن مدير المدرسة والمعلم من ذوي السلطة الفعلية..." .
والواقع إن المتأمل للقرارات السالف ذكرها، لا يسعه إلا أن يتأسف لها، لكونها تعكس ضعف الحماية القضائية للطفل ضحية جرائم هتك العرض التي أصبحت مستشرية في مجتمعنا المغربي ، وهنا لابد من الإشادة ببعض القرارات الصادرة عن محكمة التمييز الأردنية التي تضمنت عقوبات رادعة في حق مرتكبي جرائم هتك أعراض الأطفال، لتكون عبرة لمن سولت له نفسه اقتراف مثل هذه الجريمة ضد براءة الطفولة. فقد جاء في قرار لها صادر سنة 1984 والذي قضى بإدانة الجاني بجناية هتك عرض ابنته التي لم تتم الخامسة عشرة من عمرها بالعنف والتهديد –خلافا للمادة 296/2 من قانون العقوبات- مكررة ثلاث مرات في أوقات مختلفة ومعاقبته عن كل جناية من جنايات هتك العرض الثلاث بالأشغال الشاقة مدة سبع سنوات عملا بالمادة 296/2 من قانون العقوبات وتشديد كل عقوبة منها لتصبح هي الأشغال الشاقة مدة عشر سنوات ونصف. وفيما يتعلق بكون المجني عليه أحد محارم الجاني قضت محكمة التمييز الأردنية تطبيقا لذلك "إن تجريم المتهم بجناية هتك العرض خلافا لأحكام المادة (296/2 عقوبات) مكررة خمسا وعشرين مرة وعملا بذات المادة وضعه بالأشغال الشاقة المؤقتة من خمسة عشر عاما عن كل جريمة وعدم الأخذ بالأسباب المخففة لأن المجني عليه هو شقيق المتهم وتنفيذ العقوبة الأشد في حقه..." .
وأخيرا، آمل من القضاء المغربي أن يطبق العقوبات المنصوص عليها قانونا أحسن تطبيق لضمان حماية خاصة للأطفال من كافة أشكال الاعتداءات الجنسية.
المطلب الثاني: حماية الطفل من باقي أنواع الاعتداءات الجنسية:
إن التحرش الجنسي والتحريض على الفساد من بين أخطر أشكال سوء المعاملة تأثيرا على أخلاق الطفل، جسمه ونفسيته، لذلك عني المشرع المغربي بحماية الطفل من هذه الجرائم فخرج من صمته الطويل ليعلن بنص صريح تجريم التحرش الجنسي (الفقرة الأولى) وكذا تجريم كل ما من شأنه إيقاع الطفل في براثين الفساد (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: حماية الطفل من التحرش الجنسي:
يطرح مفهوم التحرش الجنسي صعوبة كبيرة في تحديده، وذلك بسبب اختلاف المؤشرات الدالة عليه ولتعدد الأفعال التي يمكن إدراجها ضمن هذا التعبير وأيضا بسبب تنوع مظاهره حسب الأوساط والثقافات، كما أن إحساس المتحرش بها يدخل كعنصر يحدد في اعتبار سلوك التحرش الجنسي، نظرا لطابع الذاتية في الإقرار بشعور الإهانة والمضايقة والمس بالكرامة بالنسبة للمتحرش به .
وقد عرفت اتفاقية منع التمييز ضد المرأة التحرش الجنسي بأنه كل سلوك لا أخلاقي يرمي إلى استهداف جسد المرأة في تنكر تام لرغبتها ورضاها وباستغلال السلطة الذكورية.
كما عرفته الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب بأنه كل سلوك يتضمن إيحاءات جنسية مباشرة أو ضمنية تستهدف الإيقاع بالطرف الآخر سواء كان ذكرا أو أنثى رغما عن إرادته في ممارسة جنسية مستغلا بذلك سلطته ونفوذه .
من خلال هذين التعريفين، يتبين أن مفهوم الاستغلال الجنسي هو الطابع المهيمن على هذه الظاهرة ويتخذ أشكالا مختلفة نذكر منها:
- المساومة سواء بالتلميح أو التصريح بالكلام اللطيف أو العنيف الشفوي في اغلب الأحيان والكتابي في بعض الأحيان.
- الإغراء بالوعود والتهديد بالوعيد بهدف الإذعان لرغبات المتحرش الجنسية.
- اللمس والمداعبات غير البريئة.
- الوعود بالمكافآت والترقية عندما يتعلق الأمر بالموظفات والعاملات.
ويبقى الغرض هو الوصول إلى الجنس دون اعتبار لرضا أو رغبة الطرف الآخر وتجدر الإشارة إلى أن استعمال السلطة والنفوذ من الأساليب الأساسية للتحرش الجنسي وبذلك يكون التحرش الجنسي هو كل السلوكات اللاأخلاقية الهادفة للوصول إلى أغراض جنسية في تنكر تام لرضا ورغبة المتحرش بها جنسيا وتكون السلطة والنفوذ من مكوناته .
وقد أصبحت ظاهرة التحرش الجنسي منتشرة بشكل كبير سواء في الشارع، في المدرسة أو مقرات العمل... على الرغم من غياب إحصائيات دقيقة تعكس الحجم الحقيقي للظاهرة باستثناء بعض الإحصائيات الجزئية التي قامت بها بعض الجمعيات.
ومن بين الأبحاث التي أجريت في هذا الموضوع، دراسة أنجزتها الجمعية الديمقراطية لحقوق النساء والتي شملت 500 طالبة و500 تلميذة إضافة إلى 45 مقابلة فردية معمقة مع بعض ضحايا التحرش الجنسي، حيث صرحت 52,9% منهن أن مجرد صدور سلوك يؤدي إلى مضايقة الفتاة وإزعاجها هو بمثابة تحرش جنسي في حين أكدت 57,7% منهن أن الفعل هو الذي يمكن اعتباره تحرشا جنسيا حقيقيا، وبالنظر إلى الأرقام، فإن حجم الظاهرة في تفاقم حيث أن 96,2% من الفتيات صرحن بأن التحرش الجنسي موجود داخل الأوساط التعليمية و35,8% منهن تعرضن له داخل المحيط الدراسي، حيث أن 83,8% منهن تعرضن لتحرش جنسي شفوي 58,8% عبر النظرات أما نسبة 28% فتمثل تحرشات جنسية جسدية. وتؤكد التلميذات أنهن تعرضن لهذا النوع من التحرش في أماكن مختلفة ومعزولة عن الأعين حيث أكدت 45,8% منهن بتعرضهن للتحرش الجنسي داخل الفضاءات التعليمية و53,5% بالقاعات الرياضية و26,6% حددت المقرات الإدارية و24,5% بقاعات الدروس والباقي أكدن وجود الظاهرة بالأماكن العامة مثل وسائل النقل العمومي، أو بجوار المؤسسات التعليمية...
وقد اعتبرت جل المستجوبات بنسبة 84,5% أن للتحرش الجنسي آثار جد سيئة وخطرة على الصحة النفسية و78,2% اعترفن بتأثيره على الحياة الاجتماعية و56,5% أكدن تأثيره على الحياة العائلية، في حين أكدت 57,1% تأثيره على الصحة الجسمية، كما أن 57,1% من المستجوبات أكدت على تأثير التحرش الجنسي على حياتهن الدراسية .
إن تحليل هذه الأرقام، يعكس بالملموس خطورة الظاهرة التي أصبحت منتشرة بشكل كبير خاصة ضد الأطفال، وما يزيد الأمر خطورة هو أن المؤسسات التعليمية بمختلف مستوياتها لم تسلم من هذه الظاهرة، الأمر الذي يؤثر سلبا على مردودية التلاميذ المتحرش بهم، بل قد يتسبب ذلك في بعض الأحيان انقطاعهم عن الدراسة أو على الأقل تغيير المؤسسة خاصة إذا كان المتحرش يتقنع بصفة مدرس أو إطار من أطر الإدارة التربوية لسلطتهم المعنوية على التلاميذ.
ونظرا لخطورة التحرش الجنسي على الراشد عموما وعلى الطفل على وجه الخصوص فقد دعت العديد من فعاليات المجتمع المدني والباحثين إلى تجريم التحرش الجنسي وهو ما استجاب له المشرع الجنائي مؤخرا حيث نص على أنه "يعاقب بالحبس من سنة على سنتين وبالغرامة من خمسة آلاف إلى خمسين ألف درهم من أجل جريمة التحرش الجنسي كل من استعمل ضد الغير أوامر أو تهديدات أو وسائل للإكراه، أو أية وسيلة أخرى مستعملا السلطة التي تخولها له مهامه، لأغراض ذات طبيعة جنسية .
من خلال هذا المقتضى يتضح بان المشرع المغربي لم يعرف التحرش الجنسي بل اكتفى بتعداد بعض أساليب ارتكاب هذه الجريمة كالأوامر أو التهديدات أو وسائل الإكراه الأخرى...التي قد يستعين الجاني في تنفيذها بالسلطة التي تخولها له مهامه أو وظيفته. بمعنى آخر لا يعتبر تحرشا جنسيا الأوامر أو التهديدات أو الإيحاءات والمضايقات التي قد يتعرض لها الشخص لأغراض ذات طبيعة جنسية من أحد المارة في الشارع العام مثلا، إذا لم تكن للفاعل سلطة على الشخص المجني عليه. في حين أن السلوكات السالفة الذكر تسبب أضرارا كبيرة للطفل الذي تعرض لها حتى ولو لم يكن للفاعل سلطة عليه، ومن هنا يمكن القول بقصور هذا النص لعدم اشتماله لكافة حالات التحرش الجنسي.
ولتجاوز هذا القصور، ففقد وسعت بعض التشريعات من الأفعال التي يمكن اعتبارها تحرشا جنسيا كما هو الحال بالنسبة للتشريع الفيدرالي الأسترالي لسنة 1984 بشأن الميز الجنسي بأستراليا الذي يعتبر أن شخصا قد ارتكب تحرشا جنسيا ضد شخص آخر إذا راوده عن نفسه أوجه له طلبا غير لائق يتعلق بممارسة جنسية أو إذا أتى سلوكا غير لائق وذي طبيعة جنسية عندما تكون لدى المجني عليه أسباب معقولة تجعله يوقن بان حالة رفض الطلب أو الاعتراض على السلوك، يمكن أن تجلب له الضرر والإساءة بأي شكل من الأشكال في مجال عمله، أو لنيل منصب أو شغل محتمل، أو إذا تبين فعلا أنه ترتب عن رفض المراودة أو طلب الاعتراض على السلوك، الإضرار بالضحية بأي شكل من الأشكال في عمله أو إمكانية تشغيله.
ولحماية العمال من التحرش الجنسي الذي يطالهم بنسبة كبيرة، فقد اعتبرت المادة 40 من مدونة الشغل التحرش الجنسي من بين الأخطاء الجسيمة المرتكبة من طرف المشغل أو رئيس المقاولة أو المؤسسة ضد الأجير والمؤدية إلى الحق في التعويض عن الفصل التعسفي إلا أن الشكل الذي تم به التنصيص على التحرش الجنسي، طرح عدة إشكالات قد تتحول إلى منزلقات خطيرة إذا لم يتم تداركها والقيام بالتعديلات اللازمة، حيث تم تغيب تعريف التحرش الجنسي ولم يتم التنصيص على كيفية إثباته، كما لم تنص مدونة الشغل على عقوبات رادعة للتحرش الجنسي، كما أنها ألقت عبء إثبات واقعة التحرش الجنسي على من يدعيه الشيء الذي يمكن اعتباره شبه مستحيل بالنسبة للمتضرر ، خاصة بالنسبة للأطفال العاملين.
ويتبين مما سبق، بأنه على الرغم من تجريم المشرع للتحرش الجنسي، فإنه لم ينص على مقتضيات حمائية خاصة للطفل تقضي بتشديد عقوبة الجاني متى كان المتحرش به طفلا، بسبب عدم نضجه العقلي والعاطفي مما قد يجعله يتأثر نفسيا بشكل كبير من سلوكيات التحرش الجنسي التي قد تدفعه إلى الانطواء والعزلة.
وللوقوف على كيفية تعامل القضاء المغربي مع هذه الجريمة، فإننا لم نعثر على قرار تضمن واعة التحرش الجنسي لكون معظم القضايا التي رفعت إلى المحاكم تم إيقاف المتابعات بشأنها لعدم كفاية الأدلة.
وفي غياب اجتهادات قضائية في الموضوع، فإننا نورد حكم محكمة حقوق الشخص بكندا لإبراز موقف القاضي من التحرش الجنسي الذي يتم في فضاء العمل فقد اعتبرت المحكمة المذكورة، "بأن توجيه نظرات إلى المجني عليها ووصفها بالجميلة وإرغامها على تنظيف منزل الطاعن... وضمها إليه من أجل مواساتها حسب زعمه... ومن أجل أن يريها حسن تنظيفها أماكن عالية في المنزل كان يمرر نظراته على بنيتها الجسدية وكان يقترب منها من الخلف ويهمس في أذنها من أجل أن يريها كيفية غسل ملابسها، كل هذه التصرفات اعتبرت تحرشات جنسية بسبب كون المدعية كانت تعمل تحت إشراف الجاني باعتباره رئيسا لها في مركز الإيواء، مع أنها كانت رافضة لكل تصرفاته مما اضطرها إلى التوقف عن العمل، وبذلك رأت المحكمة أنها تستحق التعويض عن الأضرار المعنوية وإلزام الفاعل بتوجيه رسالة اعتذار على الضحية .
وبعد هذه الإطلالة القانونية على اوجه الحماية الجنائية المقررة للطفل من جريمة التحرش الجنسي، يتضح وجود ثغرات كبيرة تستدعي تدخل المشرع من جديد من أجل ضمان حماية حقيقية للطفل من هذه الجريمة وذلك عن طريق وضع نص يعرف التحرش الجنسي ويجب أن يكون هذا التعريف عاما ليشمل كافة حالات التحرش الجنسي، كما يتعين التنصيص على وسائل إثباته، بالإضافة إلى ذلك، فإنه على المشرع أن يأخذ بعين الاعتبار ما للتحرش الجنسي من آثار سيئة على الطفل إذا ما قورن مع الراشد لذا يجب عليه اعتبار صفة الطفل ظرفا من ظروف التشديد في هذه الجريمة خاصة وأن الطفل يسهل التأثير عليه ومن تم إيقاعه في براثين الفساد.
الفقرة الثانية:تجريم تحريض الأطفال على الفساد وتسخيرهم في الأعمال الإباحية:
من الظواهر التي عرفتها البشرية منذ الأزل إلى يومنا هذا، ظاهرة تجارة الجسد أو تعاطي البغاء وهو نظام أقرته الشرائع والتقاليد لدى كثير من الشعوب المتحضرة فقد نظرت إليه الشعوب القديمة –وما تزال- بعين الرضا والاستحسان معتبرة إياه أمرا عاديا وطبيعيا لصرف طاقة جسدية مقابل الحصول على منفعة مادية .
فهذه التجارة لم تقتصر في وقتنا الحاضر على بيع أجساد النساء بل إنها تسخر حتى أجساد الذكور، وفي سن جد مبكرة، حيث يتعرض أطفال العالم لمختلف أشكال سوء المعاملة الجنسية مثل الدعارة بهم واستخدامهم في العروض والمواد الإباحية وكذا في مختلف الجرائم التي تلحق بهم اكبر الأضرار بصحتهم، أخلاقهم ونموهم الجسدي والعقلي والروحي والاجتماعي...
فلا أحد ينكر بان بغاء الأطفال أصبحت ظاهرة عالمية وتتم من خلال شبكات منظمة يعاني منها ملايين الأطفال في مختلف بلدان العالم وقد تطورت الظاهرة لتصبح وسيلة من وسائل الجذب السياسي خاصة من أوربا وأمريكا .
وقد شجعت مثل هذه التجارة على رواج هذه الظاهرة في العديد من المجتمعات العالمية الفقيرة مثل ما هو كائن في شرق آسيا والهند والمغرب أيضا الذي أصبحت فيه هذه الظاهرة مستشرية في بعض المدن السياحية كمراكش وأكادير، وذلك رغم الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي من اجل القضاء على هذه الظاهرة المهددة لأمن الطفولة .
ونظرا لخطورة جرائم إفساد الأطفال والزج بهم في مستنقعات الفساد والرذيلة فقد تضمن القانون الجنائي بعض المقتضيات التي تعاقب كل من حرض أو سهل أو ساعد الغير على تسخير الأطفال في البغاء.
ولقد عدد القانون الجنائي الجرائم التي تستهدف تسهيل البغاء ويمكن تصنيفها إلى ثلاثة أصناف وهي: جرائم التحريض أو المساعدة على البغاء، ثم جرائم الاستخدام أو الاستدراج أو الإغواء ثم أخيرا جرائم استبقاء شخص بغير رغبته في محل للفجور أو الدعارة.
فبالنسبة لجرائم تحريض أو تسهيل الفساد، فقد نص الفصل 497 ق.ج على أنه يعاقب بالحبس من سنتين إلى عشر سنوات وبغرامة من عشرين ألف إلى مائتي ألف درهم كل من حرض القاصرين دون الثامنة عشر على الدعارة أو البغاء أو شجعهم عليها ولم يستثن المشرع من العقاب كل من ساعد أو حمى ممارسة البغاء أو جلب أشخاصا أو استخدامهم لأجل البغاء حيث عاقب الجاني بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وبالغرامة من خمسة آلاف درهم إلى مليوني درهم وترفع هذه العقوبة إلى السجن لمدة تتراوح بين عشر سنوات وعشرين سنة إذا اقترنت هذه الجريمة بواسطة عصابة إجرامية . أما إذا صاحب ارتكاب هذه الجريمة التعذيب أو أعمال وحشية فإن العقوبة هي السجن المؤبد .
وإذا كان المشرع المغربي قد عاقب بشدة تحريض الأطفال على ممارسة البغاء فإنه لم ينص على معاقبة التحريض على الفجور والفسق كما هو الشأن في بعض القوانين المقارنة، مثل القانون الجزائري الذي جاءت صياغة القسم السابع منه واضحة (تحريض القصر على الفسق والدعارة) فلا تقتصر الحماية على الفسق أي كل ما يرتكبه الأطفال من أفعال جنسية غير مشروعة، بل يشمل كذلك فساد الأخلاق مثل مجالسة الرجال والتحدث إليهم في محلات معدة للدعارة . وإن كان لا يشترط المشرع الجزائري ضرورة ارتكاب الفحشاء بل تكفي المجالسة أو ارتكاب بعض السلوكات التي من شأنها أن تمس سمعة الطفل وأخلاقه كتعاطي الخمر أو المخدرات ولعب القمار .
ولحماية الطفل من بعض أشكال الاعتداءات الجنسية الخطيرة التي أصبحت منتشرة بشكل مخيف في وقتنا الحاضر مثل استغلال الأطفال في مواد إباحية، فقد نص الفصل 2-503 على أنه "يعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من عشرة آلاف إلى مليون درهم كل من حرض أو شجع أو سهل استغلال أطفال تقل سنهم عن ثمان عشرة سنة في مواد إباحية وذلك بإظهار أنشطة جنسية بأية وسيلة كانت أثناء الممارسة الفعلية أو بالمحاكاة أو المشاهدة أو أي تصوير للأعضاء الجنسية للأطفال يتم لأغراض ذات طبيعة جنسية". وتطبق نفس العقوبة على كل من قام بإنتاج أو توزيع أو نشر أو استيراد أو تصدير أو عرض أو بيع أو حيازة مواد إباحية من هذا النوع وتضاعف العقوبة إذا كان الفاعل من أصول الطفل أو مكلفا برعايته أو له سلطة عليه.
وعلى الرغم من المقتضيات الزجرية الهامة التي تقر عقوبات رادعة في حق الجناة فإن هذا النوع من الجرائم لازال منتشرا بشكل مخيف للغاية داخل مجتمعنا المغربي وتظهر خطورة هذا النوع من الجرائم في كون الجناة غالبا ما يقومون بإقناع الطفل بأن الجسد مجرد سلعة تباع وتشترى كما أن هناك قسما آخر من الجناة أكثر وحشية حيث يقومون بإجبار الأطفال للخضوع لرغباتهم تحت تأثير التهديد أو التخدير. ومع ظهور شبكة الانترنيت واتساع استخدامها عالميا أصبح مثل هذا النشاط أكثر اتساعا مما يجعل السيطرة عليه أمرا غاية في الصعوبة .
وخلاصة القول، إن الهدف الذي توخاه المشرع منذ سنة 1962 من سنه لمختلف هذه الجرائم المساسة بالآداب والعرض هو إعادة تربية هذا النوع من المنحرفين لإدماجهم من جديد في المجتمع وتأهيلهم لحياة أفضل وذلك عن طريق الزجر بعقوبات

سالبة للحرية، ورغم ذلك فإن هذه الجرائم في تزايد مستمر ومقلق مما يفند الرأي الذي يزعم أن استقرار الأمن والطمأنينة لا يتم إلا بسن عقوبات رادعة وصارمة والحقيقة أن العقوبات القاسية أثبت الواقع المعاش أنها غير مجدية للإصلاح والتقويم وبالتالي لم تعد تكتسي الطابع الوقائي والحمائي للأسرة والمجتمع .
وإذا كان المشرع قد اعتبر أسلوب الزجر والضرب بصرامة على أيدي مرتكبي هذه الجرائم هو الحل الأمثل لردع هؤلاء الجناة –على الرغم من عدم جدواه- فإنه لم يعر أي اهتمام للطفل الضحية باعتباره إنسان يعاني في صمت.






المبحث الثاني
الحماية الجنائية لصحة الطفل.
لقد شكل حق الطفل في الصحة إحدى أولويات المجتمع الدولي حيث دعت كل المواثيق الدولية لحقوق الإنسان إلى ضرورة ضمان هذا الحق بالنسبة للأطفال . ونظرا لالتزام المغرب بحقوق الطفل، فقد تضمن التشريع المغربي بعض المقتضيات الزجرية من أجل حماية هذا الحق، سواء تلك التي نصت بصفة مباشرة على حمايته أو تلك التي ضمنت حماية غير مباشرة له.
وتتمثل هذه المقتضيات في تجريم إهمال حق الطفل في الرعاية الصحية (المطلب الأول) وأيضا تجريم تشغيل الأطفال في الأعمال الشاقة والخطرة لما لذلك من انعكاسات خطيرة على صحتهم (المطلب الثاني).
المطلب الأول: تجريم الإهمال الصحي للطفل:
إن حماية حق الطفل في الصحة يتطلب ضمان رعاية صحية خاصة له وذلك عن طريق تمتيع الطفل بمراقبة صحية هامة، قبل ولادته وبعدها، فضلا عن تمتيعه بقدر كافي من الغذاء والخدمات الطبية والعلاجية والحماية من المخاطر (الفقرة الأولى) إلا أن هذا الحق لا يمكن ضمانه في كل الأحوال دون إقرار نصوص جنائية خاصة تجرم الإهمال الصحي للطفل (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: حق الطفل في الرعاية الصحية:
يبدأ حق الطفل في الرعاية الصحية منذ كونه جنينا في بطن أمه، لأن صحة الطفل مرتبطة بصحة الأم –بقاء الفرع رهين بقاء الأصل- لذلك يلزم تلقيح النساء
اللائي بلغن سن الحمل ضد العديد من الأمراض التي يمكن أن تنتقل إلى الجنين وأيضا تحسين مستواهن الغذائي وتمكينهن من خدمات الصحة الإنجابية، خاصة عند الوضع لحد من حالات وفيات النساء أثناء الولادة .
وعند ولادة الطفل، فإنه يجب أن يتمتع بعناية صحية خاصة سواء من حيث حمايته من الأمراض عن طريق إخضاعه لعملية التلقيح أمن حيث ضمان أمنه الغذائي وحمايته من الحوادث.
فبالنسبة لحماية الطفل من الأمراض، فإنه يجب إخضاعه لعملية التلقيح (التطعيم) ضد الأمراض الفتاكة، لأنه بعد الولادة يتعرض لميكروبات الأمراض المعدية في الوقت الذي يكون جهازه المناعي لم يستعد بالقدر الكافي لمقاومتها فيصبح معرضا بسهولة لمختلف الأمراض، ومن هنا جاءت أهمية الالتزام بالتلقيح الذي يؤدي إهماله إلى إيذاء الطفل وتعرضه للأمراض الخطيرة.
وللوقوف على مدى تمكين الطفل من هذا الحق في المغرب، فقد تمكنت وزارة الصحة رغم ضعف الميزانية المخصصة لهذا القطاع (5% من الميزانية العامة) وبفضل البرامج المستمرة والأيام الوطنية للتلقيح، من تلقيح ما يزيد عن 90% من الأطفال دون السنة من عمرهم ضد الأمراض الستة الفتاكة، مما أدى إلى تقليص الحالة الوبائية وعلى الخصوص مرض الشلل حيث لم تسجل أية حالة بالمغرب منذ سنة 1999 ومرض الدفتريا منذ سنة 1992 .
أما بالنسبة للغذاء، فإنه يعتبر العنصر الأساسي الذي يبني جسم الإنسان ويمده بالطاقة اللازمة لنموه وليمارس حياته ونشاطه بقوة وحيوية لذلك يجب أن تبدأ رعاية الطفل غذائيا منذ فترة الحمل والولادة.
مما لاشك فيه أن الطفل عند الحمل يتغذى من أمه لذا يجب تمكين هذه الأخيرة من القدر الكافي من الغذاء لتمكن جنينها من كافة متطلبات النمو السليم والمتوازن.
أما بعد الولادة، فإن الرضاعة هي العنصر الغذائي الأوحد الذي يمكن أن يعيش به الطفل، ولهذا أشارت بعض الدراسات إلى أن رضاعة الأم لوليدها لا تقتصر على عملية التغذية فحسب ولكنها تعتبر عملية عطاء كاملة فيها الغذاء والدفئ والأمان والحنان أي أنها عملية إشباع بيولوجي ونفسي للطفل .
ولأهمية الرضاعة في بناء كيان الطفل البيولوجي والنفسي، فقد أوجبها الله سبحانه وتعالى على الأم لمدة عامين كاملين "والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة" ، واتفق الفقهاء على أن الرضاع واجب على الأم، وبأنها تسأل عنه أمام الله تعالى حفاظا على صحة الوليد وحياته، سواء أكانت متزوجة بأب الرضيع أم مطلقة منه وانتهت عدتها. واختلفوا في وجوبه عليها قضاء. فقال المالكية بالوجوب قضاء فتجبر عليه، وقال الجمهور بأنه مندوب لا تجبر عليه ولها أن تمتنع إلا عند الضرورة .
وبما أن الآية تحتمل الأمرين معا، فإن الفقهاء يعتبرون الرضاع واجبا على الأم في حالات وحقا لها في غيرها:
أولا: يجب على الأم أن ترضع ولدها في الحالات الآتية:
1- أثناء قيام الزوجية مادام الأب قد تمسك بإرضاع الأم ولدها، ولم يكن هناك ما يمنعها من هذا الرضاع.
2- إذا لم يقبل الرضيع ثديا غير ثدي أمه، أو كان ترك الأم لإرضاعه يضر به.
3- إذا كان كل من الولد الرضيع والأب معدما.
4- إذا لم يكن الأب موجودا، ولم يكن للوالد الرضيع مال.
ثانيا: ويكون من حق الأم أن ترضع ولدها في غير هذه الحالات وذلك إذا طلق الزوج زوجته ولهما ولد رضيع، فمن حقها أن ترضعه ولو امتنع الأب من ذلك قوله تعالى: "لا تضار والدة بولدها" إذ معناه انه لا يحل للأب أن يمنع الأم من إرضاع ولدها عند الطلاق بقصد الإضرار بها. غير انه للزوج أن يمنع زوجته من إرضاع الولد خيفة من الغيال، أي أن ترضعه وهي حامل ، أو إذا كانت تتعاطى لبعض الأدوية والعادات السيئة لإضرارها بالطفل كما سبقت وان أشرت إلى ذلك .
ولأهمية حق الطفل في الرضاعة، فقد مكنت مدونة الشغل الأم العاملة، أن تتمتع يوميا، على مدى اثني عشر شهرا من تاريخ استئنافها الشغل إثر الوضع باستراحة خاصة يؤدى عنها الأجر، باعتبارها وقتا من أوقات الشغل، مدتها نصف ساعة صباحا ونصف ساعة ظهرا لكي ترضع مولودها خلال أوقات الشغل، واعتبرت بان هذه الساعة مستقلة عن فترات الراحة المعمول بها في المقاولة ، وعاقبت المشغل بغرامة من 10.000 إلى 20.000 درهم في حال إخلاله بهذا المقتضى حفاظا على صحة الطفل .
وليتأتى للعاملات إرضاع مواليدهن خلال أوقات العمل، فقد ألزمت مدونة الشغل، المشغل بتجهيز غرفة خاصة للرضاعة داخل المقاولة، أو على مقربة منها مباشرة، إذا كان يشغل فيها ما يقل عن خمسين أجيرة تتجاوز سنهن السادسة عشرة وقد عاقبت المشغل الذي لم يتقيد بهذه الالتزامات بغرامة من 2000 إلى 5000 درهم .
وعلى الرغم من اهتمام مدونة الشغل بحق الطفل في الرضاعة، فإن تطبيقاته في الواقع ناذرة إن لم نقل مستحيلة لغياب جزاءات صارمة ولضعف أجهزة الرقابة ولتملص المشغلين من هذه المقتضيات بتشغيل عدد من النساء يقل عن الحد الملزم لإنشاء دور الحضانة والذي يعتبر مرتفعا، إذ حددته (المادة 161 م.ش) في خمسين أجيرة.
أما عن غداء الطفل في باقي مراحل حياته، فإنه لا يقل أهمية عن الرضاعة، إلا أن العديد من الدراسات تثبت عدم قدرة الأسر وخاصة الفقيرة منها على توفير الغذاء المتكامل والصحي لأطفالها، مما يعرضهم للأمراض وضعف المناعة.
كما أن من بين الالتزامات التي يجب مراعاتها ضمانا لحماية صحة الطفل، هي مراقبته لتفادي تعرضه للخطر والحوادث . لأن الطفل يتميز بقدرات جسمية وحركية وعقلية مهمة، خاصة في سن عدم التمييز والتي تنمي فيه رغبة اكتشاف محيطه..
وخلاصة القول بأن حق الطفل في الرعاية الصحية أمرا واجب ليضمن صحة سليمة ونموا متوازنا بعيدا عن المخاطر الجسمية والنفسية، ومن ثم فإن إهمال من يتولى شؤون الطفل القيام بهذا الواجب اتجاهه، يعتبر ضربا من ضروب الإساءة الموجهة إليه. لذلك أتساءل عن الضمانات الزجرية لحماية هذا الحق؟

الفقرة الثانية: الضمانات الحمائية لحق الطفل في الرعاية الصحية:
سبق وان أشرت بأن حق الطفل في الصحة من الحقوق الأساسية لنموه ورفاهيته لذلك تدخلت المنظومة القانونية المغربية من أجل حماية هذا الحق وذلك عن طريق سن العديد من المقتضيات الزجرية.
ومن بين النصوص الحمائية الواردة في هذا الإطار هناك الفصل 408 ق.ج الذي يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات كل من تعمد حرمان طفل دون الخامسة عشر من عمره من التغذية أو العناية حرمانا يضر بصحته، وتشدد عقوبة الجاني إذا كان من أصول الطفل أو شخصا مكلفا برعايته، لتصبح هي السجن من سنتين إلى خمس ، وتضاعف هذه العقوبة لتصبح هي الإعدام إذا كان حرمان الطفل من التغذية أو العناية قد ارتكب بهدف إزهاق روحه .
وتجدر الإشارة إلى أن الحق في الرعاية الصحية لا يقتصر فقط على القيام بتوفير حاجيات الطفل من أكل وملبس وتنظيف... بل إنه يتعدى ذلك لإلزام الوالدين بالسهر على حماية الطفل من الأمراض عن طريق تلقيحه وإخضاعه للعلاجات الضرورية.
ولنا في التشريع المصري خير مثال، حيث تضمن نصوصا قانونية صريحة تجرم إهمال حماية الطفل من العدوى، حيث أوجبت المادة رقم 55/1979 تطعيم الطفل وتحصينه بالطعوم الوقائية من الأمراض المعدية، وقد حددت المادة الرابعة من نفس القرار الجمهوري المسؤول عن تطعيم الطفل، حيث نص على أن "يقع واجب تقديم الطفل لتطعيمه أو تحصينه ضد الأمراض المعدية على عاتق والده، أو الشخص الذي يكون الطفل في حضانته" وقد أوضحت المادة 25 من نفس القرار الجمهوري العقاب الواجب توقيعه على من يهمل أو يمتنع عن تطعيم طفله، وتتمثل في الغرامة بما لا يقع عن 25 قرشا ولا تتجاوز مائة قرش" .
والحماية نفسها قررها المشرع الفرنسي، إذ نصت المادة 307/3 من القانون الجنائي الفرنسي على معاقبة الأب والأم الذين يهملان الرعاية الصحية لأطفالهم بالحبس بما لا عن ثلاثة أشهر ولا تزيد على عام واحد بالإضافة إلى الغرامة التي تتراوح بين 800 و8000 فرنك، ويمكن أن يحكم على الأب أو الأم بالحرمان من السلطة الأبوية متى صدر حكم جنائي ضد أيهما نتيجة للتقصير في العناية الصحية اللازمة لطفله.
ولمزيد من الضمانات الحمائية لحق الطفل في الرعاية الصحية، فقد عاقب القانون الجنائي المغربي أحد الزوجين الذي يترك بيت الأسرة دون موجب قاهر لمدة تزيد عن شهرين وتملص من كل أو بعض واجباته المعنوية والمادية الناشئة عن الولاية الأبوية أو الوصاية أو الحضانة ، وفي ذلك ضمانة لإلزام الأبوين بتولي شؤون الطفل لتجنب إهماله وما قد يترتب عن ذلك من أضرار صحية.
وفي نفس السياق ألزمت مدونة الأسرة الأب بالإنفاق على أطفاله، كما ألزمت الأم أيضا للإنفاق عليهم في حالة إعسار الأب ، كما اعتبرت حماية حياة وصحة الأطفال حقا من حقوق الأطفال على أبويهم، بل ذهبت أبعد من ذلك –مدونة الأسرة- حينما ألزمت الأبوين باتخاذ كل التدابير الممكنة للنمو الطبيعي للأطفال من أجل الحفاظ على سلامتهم الجسدية والنفسية والعناية بصحتهم وقاية وعلاجا .
وعليه، فإن أي إخلال بالالتزامات السالفة الذكر من قبل متولي شؤون الطفل، يدخل في حكم 482 ق.ج الذي ينص على أنه "إذا تسبب أحد الأبوين في إلحاق ضرر بالغ بأطفاله أو بواحد أو أكثر منهم، وذلك نتيجة سوء المعاملة أو إعطاء القدوة السيئة في السكر أو سوء السلوك أو عدم العناية أو التقصير في الإشراف الضروري من ناحية الصحة أو الأمن أو الأخلاق، يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنة وغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم، سواء حكم عليه بالحرمان من السلطة الأبوية أم لا".
وبناء على ما سبق، يتضح مدى اهتمام المنظومة القانونية بالحماية الجنائية لحق الطفل في الرعاية الصحية –سواء عن طريق نصوص مباشرة أو غير مباشرة- وذلك بإقرار جزاءات في حق الوالدين أو من في حكمهما إذا أهملوا الطفل صحيا، إلا أن هذه المقتضيات على الرغم من تعددها، فإنها تلاقي صعوبات كبرى في التطبيق.
ويمكن إرجاع ذلك لصعوبة إثبات حالات الإهمال الصحي للأطفال، فإذا كانت العديد من الدراسات التي تناولت الإهمال الصحي للأطفال، في بعض البلدان ذات المستوى العالي من التوثيق والمراقبة أثبتت أن هذه المشكلة مستترة يستعصي قياسها أو حصرها، نظرا لعدم كفاءة التقارير الطبية التي تشير إليها في تلك المجتمعات، فإن الوضع في المغرب أكثر غموضا وأشد استتارا .
هذا الوضع لا يعيشه المغرب لوحده، بل تشترك معه فيه باقي بلدان العالم العربي حيث لم تحظ الظاهرة –الإهمال الصحي- بنصيب وافر من الاستقصاء العلمي بالرغم من وضوح المشكلة من الناحيتين الثقافية والصحية، حيث يموت آلاف الأطفال يوميا بسبب الإهمال الصحي، مثل: سوء التغذية أو المعالجة الخاطئة سواء بالكي أو عن طريق الوصفات الشعبية أو وصفات المشعوذين والدجالين..
وينضاف إلى مشكلة الإثبات، امتناع العديد من الأسر التبليغ عن جرائم الإهمال الصحي للأطفال خوفا من المتابعة الجنائية، ليظل بذلك حق الطفل في الحماية من الإهمال الصحي حبرا على ورق في أغلب الحالات، لتبقى جرائم الإهمال الصحي من بين اكثر أنواع سوء معاملة الأطفال شيوعا داخل المجتمع المغربي، لتنضاف إلى ظاهرة الأطفال اقتصاديا وما يترتب عنها من أضرار صحية جسيمة لهم.
وختاما يمكن القول بأن حماية حق الطفل في الصحة لا يقتصر فقط على فرض عناية ورعاية صحة خاصة به، بل يجب حماية الطفل من بعض الأنشطة التي من شأنها أن تلحق بليغ الأذى في صحته كالإشتغال في سن مبكرة.
المطلب الثاني: تشغيل الأطفال؛ مساس بحق الطفل في الصحة:
يعد الاستغلال الاقتصادي للأطفال من أشد أنواع سوء معاملة الأطفال إيذاء لصحتهم حيث كثيرا ما يتعرض الأطفال في مجالات العمل لإصابات بليغة تضر بصحتهم، بل قد تجهز على حقهم في الحياة في بعض الأحيان، فضلا عما يتعرضون له من أمراض ومخاطر مهنية، ناهيك هم حرمانهم من العديد من الحقوق الأخرى.
إذا ثبت ذلك، فما هي اوجه الحماية الزجرية للأطفال من الاشتغال في سن مبكرة؟ (الفقرة الأولى) وحتى على فرض إمكانية تشغيل الأطفال بعد بلوغهم السن القانونية، فما هي الإجراءات الزجرية المتخذة لحمايتهم من الاشتغال في الأعمال الشاقة والخطرة التي تضر بصحتهم، (الفقرة الثانية).
الفقرة الأولى: الحماية الزجرية للطفل من الاشتغال في سن مبكرة؛ حماية لصحته:
لقد أصبح تشغيل الأطفال في سن مبكرة يؤرق مختلف القطاعات المهتمة بقضايا الطفولة نظرا للتزايد المتصاعد لفئات الأطفال العاملين في مختلف دول العالم، خاصة الفقيرة منها .
ففي سنة 1997 قام المكتب الدولي للعمل (bit) بحملة تحسيسية شملت 250 مليون طفل عامل في العالم تتراوح أعمارهم ما بين 5 و14 سنة، اكثر من نصف هؤلاء الأطفال يعملون لأكثر من ثمان ساعات في اليوم وغالبيتهم يعملون في الفلاحة والصناعة التقليدية . ويتعرضون لمخاطر صحية كبرى داخل مجالات العمل هذه.
مما حدا بمنظمة العمل الدولية إلى التدخل من اجل وضع حد لمعاناة وآلام الأطفال العاملون وذلك بإصدار الاتفاقية رقم 138 لتحديد السن الأدنى للقبول في الاستخدام فقد نصت في المادة الثانية منها على مبدأ أساسي مفاده، أن جميع الدول المصادقة على الاتفاقية ملزمة بتحديد السن الأدنى للقبول في الاستخدام أو العمل، على أساس ألا يقل هذا السن بصفة عامة عن ذلك الذي يقف عنده التعليم الإلزامي، وفي جميع الحالات يجب ألا يقل عن 15 سنة كما دعت الدول الأطراف إلى تبني سياسة وطنية ترمي إلى ضمان الإلغاء الفعلي لعمل الأطفال ورفع الحد الأدنى لسن القبول في الاستخدام أو العمل بالتدريج إلى مستوى ينسجم واكمل نمو بدني وذهني للأحداث .
وبسبب التزام المغرب بالمقتضيات الدولية المتعلقة بحقوق الطفل التي صادق عليها، فقد عمل على إدماج مقتضياتها ضمن التشريعات الوطنية وذلك في إطار إعماله لمسطرة ملاءمة القوانين الوطنية للتشريعات الدولية.
وارتباطا بموضوع تشغيل الأطفال، وانسجاما مع ما جاء في الاتفاقية رقم 138 التي صادق عليها المغرب ، فقد تضمن القانون رقم 99-65 الذي يعتبر بمثابة قانون الشغل في المغرب العديد من المقتضيات القانونية الآمرة وذلك من أجل وضع إطار قانوني لتشغيل الأطفال يأخذ بعين الاعتبار حداثة سنهم وعدم نضج قدراتهم البدنية والعقلية حفاظا على صحتهم وباقي حقوقهم الأخرى.
ومن بين هذه المقتضيات التي تهدف حماية صحة الطفل نجد المادة 143 من مدونة الشغل التي تمنع تشغيل الأحداث أو قبولهم في المقاولات أو لدى المشغلين قبل بلوغهم سن خمس عشرة سنة كاملة . وفي حال مخالفة هذا المقتضى، فإنه تفرض على المشغل غرامة تتراوح بين 25.000 إلى 30.000 درهم وفي حالة العود، تضاعف الغرامة والحكم على المخالف بعقوبة حبسية تتراوح بين 6 أيام و3 أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين .
كما أن حماية مدونة الشغل لصحة الطفل من خلال تحديد السن الأدنى للقبول في الاستخدام لم تقف عند هذا الحد، بل تضمنت بعض الأحكام الخاصة لرفع هذا السن إلى أكثر من 15 سنة خاصة في بعض مجالات الشغل التي تشكل خطورة كبيرة على صحة الطفل.
وعلى هذا الأساس منعت تشغيل أي حدث دون الثامنة عشرة، ممثلا أو مشخصا في العروض العمومية المقدمة من قبل المقاولات التي تحدد لائحتها بنص تنظيمي، دون إذن مكتوب يسلمه مسبقا للعون المكلف بتفتيش الشغل بخصوص كل وحدة على حدة، وذلك بعد استشارة ولي أمره . وفي حال عدم توفر المشغل على هذا الإذن فإنه يعاقب بغرامة تتراوح بين 2000 إلى 500 درهم.
وفي نفس السياق منعت مدونة الشغل على أي شخص أن يكلف أحداثا دون الثامنة عشر سنة بأداء ألعاب خطيرة أو القيام بحركات بهلوانية، أو التوائية، أو أن يعهد إليهم بالاشتغال في أعمال تشكل خطرا على صحتهم أو أخلاقهم. كما يمنع على أي شخص إذا كان يحترف مهنة بهلوان أو ألعبان أو عارض حيوانات، أو مدير سرك، أو ملهى متنقل أن يشغل في عروضه أحداثا دون السادسة عشر . ويعاقب المخالف في هذه الحالة بغرامة من 300 إلى 500 درهم .
ولتحقيق هذا الغرض، فقد ألزمن مدونة الشغل كل من يتعاطى المهن السالفة الذكر أن يتوفر على نسخ من عقود ولادة الأحداث الذين يتولى توجيههم، أو بطاقات تعريفهم الوطنية وان يدلي بها ليثبت هويتهم بمجرد طلبها من طرف العون المكلف بتفتيش الشغل أو من السلطات الإدارية المحلية . وإذا خالف المشغل هذا المقتضى، فإن العقوبة هي الغرامة من 2000 إلى 5000 درهم .
وحفاظا على صحة الأحداث من الآثار السلبية للعمل الليلي ، منعت مدونة الشغل هذا النوع من العمل على الأحداث الذين لم يبلغوا سن السادسة عشر من العمر. لكن للأسف نصت على استثناءات يمكن للمشغل في حال توفرها تشغيل الأحداث ليلا ، وبناء على ذلك يمكن القول بأن المشرع لم يأت بجديد مهم بهذا الخصوص لجعله يواكب ركب بعض التشريعات المقارنة التي ذهبت إلى حد المنع المطلق للعمل الليلي بالنسبة للأحداث كالتشريعين المصري والفرنسي .
وخلاصة القول، إن المغرب يتوفر على نصوص حمائية مهمة (على الرغم من بعض النقائص التي تعتريها) للأطفال من الاشتغال في سن مبكرة، إلا أن الواقع يظل شاهد إثبات على مدى إخفاقها في تحقيق الحماية الواجبة للأطفال.
وللوقوف على حقيقة هذا القول، فإنه يكفي الاطلاع على بعض الإحصائيات الرسمية أو غير الرسمية حول تشغيل الأطفال بالمغرب، فحسب الدراسة التي أنجزتها منظمة العمل الدولية ((oit بالمغرب فإن 5,61% من الأطفال العاملين لا تتجاوز أعمارهم 15 سنة، وترى المنظمة أن هذه النسبة يمكن أن ترفع إلى أكثر من ذلك بكثير إذا تم الأخذ بعين الاعتبار المشغلين بصفة غير مستقرة، والأطفال الذين يزاولون مهنا بالشارع، وكذا فئة الخادمات، تلك الفئة التي تمثل نموذجا صارخا للقهر الاجتماعي واستغلال براءة الأطفال في المغرب. فقد كشفت الدراسات حول ظاهرة الخادمات عن عدة ملابسات تكتسي صبغة استغلالية سواء تعلق الأمر بأعمار الفتيات الخادمات، أو بطبيعة الأعباء الملقاة عليهن، أو بوضعيتهن الصحية والمعاشية، هذا ناهيك طبعا عن الاعتداءات الجنسية والجسدية التي يتعرضن لها من طرف الأسر التي تشغلهم، فحسب البحث الميداني الذي قامت بإنجازه العصبة المغربية لحماية الطفولة بمساندة اليونسيف والذي شمل 450 طفلة خادمة دون الخامسة عشر سنة، تبين أن 26,4% من الخادمات تقل أعمارهن عن 10 سنوات وأن 45,5% منهن تتراوح أعمارهن بين 10 و12 سنة في حين تبلغ نسبة 28,2% من الخادمات 13 سنة فما فوق. أما بخصوص الأطفال العاملون بقطاع الصناعة التقليدية، فإن وضعهم لا يقل سوءا عن وضعية الطفلات الخادمات في المنازل، فقد أظهر البحث الذي أجراه صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة حول الأطفال المشتغلين بقطاع الصناعة التقليدية بمدينة فاس، أن 595 طفلا من بين 801 طفل تم إحصاؤهم، تتراوح أعمارهم بين 12 و15 سنة مقابل 108 أطفال تتراوح أعمارهم بين 9 و11 سنة و89 طفلا تتراوح أعمارهم بين 16 و18 سنة .
وختاما يستخلص من كل ما تقدمن انه على الرغم من توفر مدونة الشغل على عقوبات زجرية فإنها لم تتمكن من ضمان حق الطفل في الصحة عن طريق منع اشتغاله في سن مبكرة لتبقى بذلك براءة الطفولة رهينة الاستغلال الاقتصادي بشكل يومي وممنهج والأخطر ما في ذلك أن الأطفال يشتغلون في أعمال شاقة وخطرة مسيئة لصحتهم وأخلاقهم.
الفقرة الثانية: منع تشغيل الأطفال في الأعمال الشاقة والخطرة؛ حماية لصحة الطفل:
إذا كان المجتمع الدولي من خلال منظمة العمل الدولي يقر بضرورة محاربة تشغيل الأطفال في الأعمال التي تعتبر عادية، لمساسها بصحة الطفل، فإنه من باب أولى أن يجمع على تجريم التشغيل في الظروف التي تعتبر من أسوأ أشكال عمل الأطفال وفي هذا الإطار تمت صياغة الاتفاقية 182 بتاريخ الفاتح من يونيو 1999 حيث لاحظ المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية أن الحاجة إلى اعتماد صكوك جديدة ترمي إلى حظر أسوأ أشكال تشغيل الأطفال والقضاء عليها أصبحت ملحة .
ونظرا لخطورة مجالات العمل هذه على الطفل وخاصة على صحته، فقد حددت الاتفاقية أسوأ أشكال التشغيل من خلال أربعة نقط:
- الاسترقاق أو الممارسات الشبيهة بالرق كبيع الأطفال والاتجار بهم وكبودية الدين والقنانة والعمل القسري والإجباري بما في ذلك التجنيد الإجباري أو القسري للأطفال لاستخدامهم في الصراعات المسلحة.
- استخدام الأطفال لأغراض الدعارة أو لإنتاج أو تسويق أو أداء عروض إباحية.
- استخدام طفل أو تشغيله أو عرضه لمزاولة أنشطة غير مشروعة ولاسيما إنتاج المخدرات بالشكل الذي حددته المعاهدات الدولية ذات الصلة والإتجار فيه.
- الأعمال التي يرجح أن تؤدي بفعل طبيعتها أو بفعل الظروف التي تزاول فيها إلى الإضرار بصحة الأطفال أو سلامتهم أو سلوكهم الأخلاقي.
فلا يخفى على أحد ما لمجالات العمل هذه من انعكاسات خطيرة على صحة الطفل وأخلاقه، وهذا ما أكده التقرير الأخير الذي أعد في المغرب في إطار برنامج ipec ، والذي أوضح أن طبيعة الأعمال التي ينجزها الأطفال تعرضهم لمخاطر صحية بليغة، ففي صناعة الزليج مثلا:81% من العينة المدروسة يعانون من الإرهاق البصري و59% يتعرضون لمضاعفات صحية خطيرة خاصة على مستوى الظهر والكتفين أو العمود الفقري بسبب حمل الأثقال أثناء ممارستهم للعمل.
بالإضافة إلى ذلك فإن العديد من الأطفال يتعرضون في مجالات العمل إلى حوادث خطيرة بل ومميتة أحيانا كما هو الشأن بالنسبة لعمال الحدادة والنجارة بسبب استعمال بعض الآليات التي تتطلب القوة البدنية التي يفتقدها الأطفال.
أما على المستوى النفسي: فإنه للمعاملة العنيفة التي يتلقاها الأطفال من أرباب العمل (ضرب، شتم، سب، نظرات التنقيص والاستهزاء وغيرها من المضايقات المختلفة) إذ يتفنن بعضهم في تعذيب الأطفال وتوجيه مختلف أشكال الإساءة إليهم، والتي قد تصل إلى مستوى الاعتداء الجنسي، تلك الإساءة التي لا تكتفي عادة بترك بصماتها على الأجساد الغضة للأطفال، وإنما تتجاوز ذلك لتوجيه ضربات موجعة إلى نفسياتهم مطيحة بإحساسهم بالأمن والاستقرار النفسي الشيء الذي ينعكس سلبا على الصحة النفسية للأطفال، إذ كثيرا ما يصبحون أقل ثقة بأنفسهم وأقل اندماجا وتوافقا مع الآخرين كما يولد لديهم نوعا من الكبت والحرمان، خاصة عندما يشاهدون الطفل المتمدرس الذي يمثل بالنسبة إليهم الأمل والمستقبل المسلوب، وهذا يولد أيضا لديهم الشعور بالنقص وعدم النجاح والإحساس بالدونية .
لهذه الأسباب ولغيرها، دعت الاتفاقية 182 من خلال ديباجتها الدول الأطراف إلى سن تشريعات داخلية من أجل ضمان حماية جنائية خاصة الأطفال من مختلف أسوأ أشكال الاستخدام .
وعلى هذا الأساس، فقد عدد الباب الخامس من مدونة الشغل، الأعمال الممنوعة على الأحداث، كمنع اشتغال الأحداث دون الثامنة عشر في المقالع وفي الأشغال الجوفية التي تؤدى في أغوار المناجم ، نظرا لخطورة العمل في هذه المجالات والتي تترتب عنها أضرار صحية خطيرة للكبار فبالأحرى الأطفال.
كما يمنع على الأحداث دون الثامنة عشر الاشتغال في الأشغال التي من شانها أن تعيق نموهم أو تساهم في تفاقم إعاقتهم إذا كانوا معاقين، سواء كانت هذه الأشغال على سطح الأرض أو في جوفها .
ولم تتوقف مدونة الشغل عند هذا الحد، بل منعت تشغيل الأحداث دون الثامنة عشرة في الأشغال التي تشكل مخاطر بالغة عليهم، أو تفوق طاقتهم، أو قد يترتب عنها ما قد يخل بالآداب العامة .
وفي حال إخلال المشغل بهذه المقتضيات، فإنه يعاقب بغرامة من 300 إلى 500 درهم.
بعد هذه الإطلالة على أوجه الحماية القانونية التي أقرتها مدونة الشغل للأحداث لحمايتهم من الاشتغال في الأعمال الشاقة والخطيرة باعتبارها شكلا من أشكال سوء معاملة الأطفال داخل المجتمع، يتضح بالملموس ضعف هذه الحماية، لأن مدونة الشغل لم تحدد الأشغال التي يمنع على الأحداث الاشتغال فيها، بل اكتفت بالتنصيص في المادة 181 على انه سيصدر نص تنظيمي يحد لائحة هذه الأشغال وهو ما لم يصدر لحد الآن. الأمر الذي سيجعل هذه الحماية عديمة الجدوى، هذا من جهة، أما من جهة ثانية فالجزاءات المالية المفروضة على المشغل في حال الإخلال بالمقتضيات الحمائية للأطفال –السابقة الذكر- هزيلة جدا، ولا يمكنها أن تحقق الردع المطلوب ، هذا بالإضافة إلى صعوبة تطبيق هذه النصوص على أرض الواقع نظرا لغياب آليات صارمة للمراقبة باستثناء مفتشية الشغل التي تعاني من شلل شبه تام.
ولعل الواقع خير شاهد على عدم قدرة هذه المقتضيات الزجرية على إقرار حماية حقيقية للأطفال من الاشتغال في ظروف صعبة وخطيرة، حيث يشتغل الأطفال في أوضاع مهنية بليغة الخطورة والإساءة، وذلك بدءا بطبيعة الأعمال التي يقومون بها والتي تفوق غالبا طاقتهم وقدراتهم العضلية كحمل الأثقال المرهقة والبقاء في أوضاع جسدية غير سليمة لفترات طويلة (الانحناء الشديد في بعض الصناعات التقليدية كالزليج مثلا أو الجلوس على وضعية واحدة لساعات طويلة كما يحصل، في صناعات الزرابي مثلا، يضاف إلى ذلك التعرض الشديد لمؤثرات كيماوية وبيئية وغازات وحرارة وغبار... إلخ وصولا على المخاطر المتصلة بالتعامل غير الواعي مع الآلات وأدوات صممت أصلا للكبار. كل ذلك يؤدي على إصابة الأطفال بأمراض مزمنة كداء السل وأمراض صدرية أخرى والإصابة ببعض التشوهات في العمود الفقري وبعض الأمراض الجلدية الخطيرة الناتجة بصفة خاصة عن الاستعمال العشوائي لبعض المواد الكيماوية .
وفي ختام هذا القسم نستنتج بأن الحماية الجنائية للطفل ضحية سوء المعاملة تبقى ناقصة في بعض الأحيان بسبب الثغرات التي تعاني منها بعض النصوص الحمائية من جهة، ولتشتت هذه النصوص من جهة ثانية، بالإضافة على ضعف آليات الرقابة، الأمر الذي يستدعي تفعيل دور القضاء لتجاوز كل هذه الإشكالات.






القسم الثاني
حماية قانونية ناقصة ودور
القضاء في تجاوزها.



أولى المشرع المغربي للطفل والطفولة حماية خاصة من كل ما من شأنه أن يسيء معاملته منذ وجوده جنينا في بطن أمه ووليداً وطفلا إلى حين اكتمال نضجه البدني والعقلي والنفسي وذلك ببلوغه 18 سنة من عمره.
لكن على الرغم من أوجه الحماية الهامة التي حظي بها الطفل لينعم بالأمان والطمأنينة، فإن الواقع المعاش يشهد على خلاف ذلك، حيث يعكس صورة قاتمة يحياها الأطفال من اعتداءات تطال حقهم في الحياة، واستغلال جنسي وعنف بدني ونفسي واستغلال اقتصادي وإهمال صحي والعيش في أوضاع جد صعبة.
فالحاجة إذن تستدعي تدخل المشرع من جديد لتلافي الثغرات التي تعاني منها بعض النصوص الحمائية من جهة ولإيجاد نصوص جديدة لتجريم بعض أشكال سوء المعاملة الطفل داخل الأسرة مثل زنا المحارم، من جهة ثانية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الوصول إلى حماية حقيقية للطفل من جرائم إساءة المعاملة، فالأمر لا يستدعي فقط سد ثغرات النصوص الحمائية أو إيجاد نصوص جديدة لتجريم اعتداءات غير مجرمة، بل إن الأمر يستدعي إيجاد آليات قوية للمراقبة تسهر بشكل جدي وفعال على مراقبة مدى احترام المقتضيات الحمائية وكذا إيجاد جهاز قضائي يتميز أعضاؤه بتكوين خاص في ميدان الأسرة والطفولة ليطلع بدوره على أكمل وجه حماية للطفل الضحية.
فما هي إذن أوجه قصور الحماية القانونية المقررة للطفل ضحية سوء المعاملة؟ وما هي أهم الحقوق المقررة للطفل خلال مراحل التقاضي؟
هذا ما سنحاول الإجابة عليه في الفصلين التاليين:
الفصل الأول: تجليات محدودية الحماية الجنائية للطفل ضحية سوء المعاملة.
الفصل الثاني: الحماية القضائية للطفل ضحية سوء المعاملة.



الفصل الأول
محدودية الحماية القانونية.

لا يكفي لإقرار حماية حقيقية لطفل أن ينص المشرع على مجموعة من الضمانات الزجرية لتحصين حقوقه، بل يجب أن تكون هذه الضمانات المحصنة للحق دقيقة حتى تفي بالغرض منها من جهة وحتى تحقق علة التجريم هدفها من جهة ثانية حيث يصدق هذا القول على العديد من النصوص المحضة جنائيا لحقوق الطفل حتى لا يقع ضحية سوء المعاملة ولا أدل على ذلك ضعف الحماية المقررة للطفل ضحية زنا المحارم والطفل ضحية جرائم إهمال الأسرة وكذا الطفل في وضعية صعبة (المبحث الأول) كما لا يكفي لتحقيق علة التجريم هدفها أن توجد النصوص الزجرية المحصنة للحق سليمة من الثغرات ومحيطة بكافة جوانب الحماية المطلوبة، بل إن الأمر يستدعي تجاوز كل ما من شأنه أن يعيق تطبيق هذه النصوص كتجاوز ضعف آليات الرقابة من جهة وتشتت النصوص الحمائية من جهة ثانية (المبحث الثاني).

المبحث الأول
تجليات محدودية الحماية الجنائية للطفل
ضحية سوء المعاملة.
على الرغم من تعدد النصوص الحمائية للطفل ضحية سوء المعاملة، داخل المنظومة القانونية المغربية، فإنه توجد بعض النواقص التي تؤثر سلبا على هذه الحماية كما هو الأمر بالنسبة لغياب نصوص خاصة تجرم الزنا بين المحارم، حماية للطفل من هذا النوع من الجرائم التي أصبحت منتشرة داخل المجتمع المغربي بسبب الانحلال الخلقي وتراجع القيم الاجتماعية وضعف الوازع الديني وتأثير الحضارة الغربية (المطلب الأول) وأيضا تحرز القانون الجنائي من التدخل في بعض قضايا الأسرة كما هو الشأن بالنسبة لتحرزه في جرائم إهمال الأسرة، وأيضا لضعف الحماية المقررة لشريحة هامة من الأطفال وهم الأطفال في وضعية صعبة الذين أقل ما يمكن اعتبارهم أطفال ضحايا سوء معاملة (المطلب الثاني).
المطلب الأول: حماية جنائية محدودة للطفل ضحية زنا المحارم:
في المغرب كما في غيره من الدول، لا توجد بيانات دقيقة عما يقع من زنا بين المحارم، وذلك راجع إلى طبيعة هذه الجريمة من جهة وإلى الظروف التي تحدث فيها من ناحية أخرى مما جعل الإبلاغ عنها قليلا جدا بالمقارنة مع الواقع الحقيقي للظاهرة.
فزنا المحارم من بين الجرائم التي تهدد كيان الأسرة والمجتمع والأخطر ما فيها هو أن أغلب حالاتها تنضاف إلى الرقم الأسود لكونها جرائم صامتة وتشتد خطورتها إذا وقع قاصر ضحيتها، لما تخلفه من آثار مدمرة على نفسيته (المطلب الأول) وبالنظر إلى الخطورة التي تكتسيها هذه الجريمة فإنه قد حان الوقت لسن نصوص جنائية خاصة حماية للطفل من هذه الجريمة التي كثيرا ما يتعرض لها خاصة في السنوات الأولى من عمره (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: زنا المحارم بالمغرب؛ واقعه وانعكاساته على الطفل:
إن الزنا بالمحارم شأنه شأن الظواهر الإجرامية بصفة عامة نشأ عن عوامل متعددة بعضها اجتماعي والبعض الآخر اقتصادي والبعض الثالث ثقافي أو نفسي .
ومهما اختلف الأسباب فإنه لا يمكن الفصل بينهما، فالزنا بالمحارم باعتباره ظاهرة إجرامية، فإنه لا يشذ عن هذه القاعدة، فهو ينتج عن عوامل ثقافية واقتصادية ونفسية وعضوية قد تجتمع كلها أو بعضها فتؤدي إلى الجريمة .
وبالرغم من كون الزنا بالمحارم في المغرب لم يرق بعد ليصل إلى حد الظاهرة إلا أن تكرارها بشكل يثير القلق والخوف لدى الأسر المغربية، خاصة وأن بعض الصحف أصبحت تطالعنا بين الفينة والأخرى، بجرائم من هذا القبيل تعرض على محاكم المملكة في كافة أرجاء البلاد، ومع ذلك فإن هذا الموضوع لازال يشكل نوعا من الطابوهات رغم انه من أكثر الصور قتامة في مجتمعنا، فكل من السلطات والأفراد يتحفظون في الاعتراف بهذه الآفة.
ومن الأكيد أن زنا المحارم من أخطر أشكال الاعتداءات الجنسية التي يمكن أن يقع الطفل ضحيتها، وذلك لسببن على الأقل: الأول هو أن لكل اعتداء جنسي انعكاسات بدنية ونفسية خطيرة على الطفل ، أما الثاني لأن الاعتداء الجنسي في هذه الحالة يصدر عن الأشخاص الذين يفترض فيهم حماية الطفل وليس الإضرار به وهو ما يدفع الطفل إلى فقدان الثقة في كل الأشخاص المحيطين به.
وبناء على ذلك فإنه تترتب عن زنا المحارم آثار مختلفة تتفاوت فيما تحدثه من أضرار وهي تلك المتمثلة في التذمر الذي تشعر به الضحية مباشرة بعد حصول الاعتداء عليها وتتفاوت في الشدة بحسب سن الضحية، فإذا كانت صغيرة دون البلوغ فإن الصدمة تبلغ أشدها بخلاف البالغة التي قد تكون الصدمة خفيفة نسبيا بالنسبة لها بالإضافة إلى عدم التوازن والقلق الذي يصيب الضحية، هذا بالإضافة إلى الأضرار التي تصيب الأسرة والمجتمع مما قد يؤدي إلى تصدع الأسر وما يترتب عن ذلك من امتداد آثار هذه الجريمة إلى المجتمع ككل .
وعليه فإن عواقب الاستغلال الجنسي للطفل من قبل أحد أفراد الأسرة تتوقف على طبيعة السلوك الذي يسلكه المعتدي وعلى عمر الطفل وقت الحادثة، وكذا لطبيعة العلاقة التي تربط الطفل بالمعتدي، ولقد بين باحثون مختلفون أن النساء اللاتي تعرضن في طفولتهن لعنف جنسي تظهر عليهن اضطرابات صحية ونفسية متعددة مثل الاكتئاب العميق، القلق المزمن، اضطرابات حسية إدمان الكحول أو المخدرات، الشعور بفقدان السيطرة على المصير والأفكار الانتحارية، وتوجد معطيات تدل على أنه بين الفتيات اللاتي يحملن قبل الأوان سفاحا قبل العشرين من العمر يوجد عدد غير قليل منهن ضحايا الاستغلال الجنسي داخل الأسرة وتختلف نسبتهن بين الباحثين، فهناك من قدرها ب 54% فيما قدرها آخرون في 61% .
فزنا المحارم إذن ينتهك براءة الطفولة بأشد الطرق هدرا وتدميرا وغدرا، لأنها في الوقت الذي تتوقع فيه الحب من والدها وإخوتها وعمها وخالها، تجد نفسها في مواجهة تصرفات غريبة تظنها في أول الأمر تعبيرا عن الحب ولكنها سرعان ما يساورها الشك فيها، لأن من تحبهم وتفرض أنهم يحبونها يتصرفون معها على نحو لا ترتاح إليه ولا تتفهم سببه وهكذا يفسدون التطور الطبيعي للثقة التي يفترض أن تنمو لدى البنت نحو أقاربها الذكور فيقضون على أي فرصة لديها للشعور بالاستقلال والتقدير الذاتي ليحل محلها الشعور بالخوف وكراهية النفس والاشمئزاز مما يدفعها إلى العزلة والإنطواء السبب الذي قد يمهد الطريق أمام الضحية لارتياد الجنوح من بابه الواسع كالهروب من البيت الأسري الذي لم يوفر للضحية الأمن والطمأنينة وتعاطي المخدرات اعتقادا من الضحية بأن المخدرات هي الوسيلة الوحيدة لنسيان ما حصل لها.
وتزداد خطورة زنا المحارم لكونه جريمة تحاط بسرية وكتمان كبير حيث ناذرا ما تصل إلى علم العدالة الجنائية حتى ولو شاع خبر الجريمة داخـل المحيط الأسـري، لأن هؤلاء يجدون أنفسهم بين مطرقة التبليغ عن الجاني (الذي هو أحد أفراد الأسرة) وبين سندان مصلحة الأسرة لحمايتها من التشتت والانهيار خاصة إذا كان الجاني هو (أب) الضحية ومعيل الأسرة الوحيد.
وعلى الرغم من هذا التستر، فإن هذه الجريمة تعرض بين الفينة والأخرى على أنظار المحاكم، ففي سنة 1993 مثلا عرضت على محكمة الاستئناف بالدار البيضاء سبع حالات تدخل في خانة زنا المحارم . هذا الواقع تؤكده أيضا دراسات قامت بها هيئات لها وزنها الدولي مثل اليونسيف، إذ ورد في تقرير له حول "العنف ضد النساء" بأن جريمة زنا المحارم والاعتداءات الجنسية الأخرى المرتكبة في حق الأطفال والمراهقين داخل الأسرة تعتبر أخطر أشكال العنف المسكوت عنه، وذلك بسبب اعتبارها من الطبوهات التي يستعصي الجدل فيها في أغلب البلدان، وحسب نفس التقرير أثبتت بعض الدراسات أن نسبة 40% إلى 60% من الاعتداءات الجنسية داخل العائلة والتي تم الإفصاح عنها قد ارتكبت في حق طفلات يبلغن من العمر 15 سنة أو أقل . وحسب الإحصائيات الصادرة عن المرصد الوطني لحقوق الطفل فإن نسبة الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال من طرف الآباء تصل 6% وهي نسبة مرتفعة جدا وهو ما يعكس بجلاء تردي العلاقات داخل بعض الأسر بسبب تراجع الوازع الديني والانحلال الخلقي الذي أصبح سائدا داخل بعض الأسر المغربية، بالإضافة إلى عجز القانون المغربي عن حماية الطفل ضحية هذه الجريمة.
الفقرة الثانية: غياب مفهوم جريمة زنا المحارم في القانون المغربي:
لقد اعتبرت الشريعة الإسلامية الأسرة لبنة المجتمع، وجعلت الزواج السبيل الوحيد إلى بنائها، كما جعلت الزواج الطريق الوحيد لتلبية الرغبات الجنسية، وما دون ذلك فهو زنا، ولم تكتف الشريعة الإسلامية بهذا الحد بل منعت الزواج بين الأشخاص الذين تربط بينهم علاقة قرابة سواء كانت قرابة دموية أو كانت قرابة مصاهرة أو رضاع ...
وعليه فإن أية علاقة جنسية خارج الإطار الشرعي الذي رسمه الإسلام لها تعتبر زنا وتلقى استهجانا داخل المجتمع ومنتهى التفاحش في هذه الجريمة أن ترتكب بين المحارم، لأن الزنا بالمحارم بالإضافة إلى الأضرار الأخرى التي يشترك فيها مع باقي الجرائم الجنسية مع غير المحارم، فإنه يؤدي إلى تدمير الأسرة وتشتيت أواصر الرحمة أفراد الأسرة .
وإذا ثبت بأن لزنا المحارم خطورة كبيرة على الفرد، الأسرة والمجتمع أتساءل عن موقف القانون الجنائي المغربي من هذه الجريمة؟ بمعنى هل أخذ المشرع بعين الاعتبار أهمية علاقات الحرمة بين الأفراد كمنطلق في التجريم والعقاب على جرائم العرص؟ وهل أخذ المشرع بعين الاعتبار وضعية الطفل الذي يسهل جعله ضحية هذه الجريمة نظرا لضعف إدراكه من جهة وللثقة التي يضعها الطفل في أفراد أسرته من جهة ثانية؟
بالرجوع إلى القانون الجنائي المغربي نجده لا يتحدث عن جريمة إسمها زنا المحارم، كل ما هنالك أنه اعتبر من خلال بعض النصوص صفة "أصل الطفل الضحية" ظرفا من ظروف التشديد في بعض الجرائم الواقعة على القاصر، كما هو الشأن بالنسبة لجرائم هتك العرض والاغتصاب...
وحقيقة أن تشديد المشرع المغربي لعقوبة الجاني باعتباره أصلا للضحية في هذه الجرائم، لم يهدف من ورائه حماية أواصر القرابة وحماية العلاقات الخاصة التي تربط بين أفراد الأسرة والتي قد تسبب الصلات الجنسية بين أفرادها إلى انهيارها وإنما كان الهدف من هذا التشدد هو زجر الاعتداءات الجنسية ضد الأطفال من قبل أصولهم حماية للطفل نظرا لضعفه البدني والنفسي من جهة –كما سبقت الإشارة إلى ذلك- ولإخلالهم بالثقة التي وضعت فيهم اتجاه الطفل من جهة ثانية.
وما يؤكد صحة هذا القول هو أن المشرع لم يأخذ بعين الاعتبار علاقة القرابة بين الجناة في جريمة الفساد حيث ينص الفصل 490 ق.ج " بأن كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة الفساد ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة.." ولم تتم الإشارة في أي مقتضى تابع لهذا الفصل إلى تشديد عقوبة الجناة إذا كانت تربطهم علاقة قرابة، الأمر الذي يظهر بشكل واضح غياب حماية أواصر القرابة في القانون الجنائي المغربي من جريمة فضيعة تستهجنها الأخلاق.
ولسد هذه الثغرات، فإنه على المشرع المغربي أن يضع نصا خاصا يجرم الصلات الجنسية بين الأقارب وأن يضع تسمية خاصة لهذه الجريمة، لذلك فإنه في تقديري يجب التوسع في مدلول الفعل الذي يقوم به زنا المحارم على نحو يحقق العلة من العقاب عليه، ومن ناحية أخرى، فإذا كانت علة التجريم هي حماية التناسل والوقاية من الأمراض الوراثية، فإن ذلك لن يتحقق ما دام نطاق القرابة محصور جدا لا يتجاوز أصول الطفل، لذا يجب على المشرع أن يجرم كل العلاقات المحرمية في هذه الجريمة وأن يحدد بدقة من هم المحارم، لأن نصوص القانون الجنائي يجب أن تكون محددة بدقة ولا يكفي تحديد لفظ عام مثل كون الشريك في الصلة الجنسية محرما بل يجب أن يتكفل التشريع ببيان حدود هذه الصلة المحرمية ونطاقها بوضوح، كما يجب على المشرع أن يفرد لهذه الجريمة عقوبات رادعة بالنظر إلى جسامة الأخطار المترتبة عنها سواء بالنسبة للفرد الأسرة أو المجتمع.
كما يجب على المشرع المغربي أن يضع نصب عينيه قدسية أواصر القرابة التي يجب حمايتها من كل ما من شأنه أن يؤدي إلى زعزعتها وألا يحدو حدو بعض التشريعات النفعية التي حرمت العلاقات الجنسية بين المحارم ليس لقدسية أواصر القرابة وإنما لحماية أطراف ضعيفة فقط كالأطفال أو في حالة استعمال العنف أو الإكراه، أما إذا وقع الاتصال بين شخصين بالغين برضاهما، فإنه لا عقاب في هذه الحالة ما دام الاتصال خال من أي إكراه أو عنف وهذا ما أكدته لجنة مراجعة القانون الجنائي في الولايات المتحدة الأمريكية قائلة، "بأن القانون الجنائي يجب أن يقتصر على تحقيق أهدافه فحسب وان يبحث عن الوسائل الفعالة لتحقيقها وأن الصلات والأفعال الجنسية مهما كانت طبيعتها والتي تقع بالرضاء بين بالغين ليست محلا لتدخل القانون الجنائي مهما كانت أفعالا بغيضة أو مثيرة للاستهجان الأخلاقي وتشكل خطيئة أخلاقية وذلك ما لم ترتكب علنا وأن زنا المحارم بين الأخ وشقيقته البالغين بالرضا يجب أن يخرج من حيز التجريم، وأنه لا يوجد سبب جدير بالاعتبار يدعو إلى تدخل القانون في مثل هذه العلاقات فضلا عن نذرتها، فإنه لا تأثير لها على البنيان الأخلاقي للمجتمع ولا تنطوي على تهديد لنظام الأسرة أو إحداث ضرر بالغير ولا تتضمن كذلك أي عنصر من عناصر الاستغلال، بين طرفيها" وعلى عكس ما انتهت إليه اللجنة من إباحة زنا المحارم بين الأب وابنته فتقول: "إن غالبية أعضاء اللجنة شعر أن زنا المحارم الواقع بين الأب وابنته يتعين أن يبقى في نطاق التحريم والسبب في ذلك هو غلبة الاعتبار الأخلاقي على الاعتبار القانوني والعملي للغريزة وعللت اللجنة هذه التفرقة "بأن الابنة المجني عليها سيصيبها ضرر معنوي محتمل من فعل الأب، وأن هذا الفعل ينطوي على معنى الإفساد والاستغلال وأن المجني عليه تكون في سن تجعلها عرضة للتأثر وأن الأب يكون لديه السلطة في الأسرة .
ولاشك بأنه حتى من منظور التشريعات النفعية التي تحمي الممارسات الجنسية غير المشروعة، فإن زنا المحارم يجد سنده من التجريم لأنه يضر بمصالح العائلة ومن ثم فإنه يلحق بها أضرار بليغة كما يمس المجتمع بدوره بالإضافة إلى إضراره بالنسل وتسببه في العديد من الأمراض الوراثية، كما أنه ينطوي على استغلال جنسي لصغار السن، ولذلك نصت كثير من القوانين التي تبنت النفعية في تشريعاتها على تجريمه فجعلته بذلك استثناء من مبدأ الحرية الجنسية.
وفي هذا الصدد يمكن القول بأنه لا يوجد أي تبرير علمي يمكن أن يستند عليه المشرع المغربي لعدم عقابه على زنا المحارم، فإذا كانت العديد من القوانين الغربية التي تأخذ بمبدأ الحرية الجنسية كأصل لها في مجال العرض قد جرمته وعاقبت عليه كالقانون الأنجليزي والقانون الألماني والسويسري. فهل يكون المشرع المغربي إذن قد تبنى مبدأ الحرية الجنسية على نحو يفوق ما أخذت به هذه القوانين؟ أم انه لم ير في زنا المحارم فعلا يستوجب العقاب؟ وإذا كان المشرع المغربي قد جرم كثيرا من الأفعال غير المتصلة بالعرض وهي بمعيار الضرر الاجتماعي تقل كثيرا في أهميتها عن زنا المحارم، فهل رأى الشارع المغربي أن الضرر الناجم عن زنا المحارم لا يستهل عقابا؟
لذا يجب على المشرع المغربي أن يتدخل في أقرب الأوقات لتدارك هذه الثغرة ولإقرار حماية خاصة للطفل من الاعتداءات الجنسية المدمرة التي قد يتعرض لها داخل محيطه الأسري خاصة وأن الواقع يعكس في بعض الحالات تردي العلاقات الأسرية بسبب انتشار بعض أشكال الإساءة الجنسية للأطفال داخل المحيط الأسري، فحسب الإحصائيات الصادرة عن المرصد الوطني لحقوق الطفل، فإن 204 من بين 491.013 طفل معنف تعرضوا للاستغلال الجنسي من طرف أشخاص كبار من بينهم أقرباؤهم في الفترة الممتدة بين دجنبر 2000 وشتنبر 2003 .
المطلب الثاني:حماية جنائية محدودة للطفل في وضعية صعبة والطفل ضحية جرائم إهمال الأسرة:
يعاني الآلاف من الأطفال لوجودهم في وضعيات صعبة أو لوجودهم ضحايا جرائم إهمال الأسرة، وعلى الرغم من إقرار حماية خاصة لهذه الفئة من الأطفال إلا أن هذه الحماية تشوبها بعض الثغرات تجعلها حماية ناقصة.
هذا ما سأوضح من خلال هذا المطلب، حيث سأخصص الفقرة الأولى لإبراز جوانب قصور الحماية القانونية للطفل في وضعية صعبة باعتباره طفل ضحية سوء المعاملة في كل الأحوال، فيما الفقرة الثانية سأوضح من خلالها بعض جوانب قصور الحماية القانونية للطفل ضحية جرائم إهمال الأسرة.
الفقرة الأولى: حماية قانونية ناقصة للطفل في وضعية صعبة:
إن الطفل في وضعية صعبة هو طفل يعاني ولا يمكن لأي طفل أن يزج بنفسه ضمن هذه الفئة من الأطفال إلا إذا كان قد تعرض لشكل من أشكال سوء المعاملة الجسدية أو النفسية سواء داخل الأسرة، المدرسة أو المجتمع.
وقد تدخل المشرع المغربي من أجل إقرار حماية خاصة لهذه الفئة من الأطفال التي أصبحت منتشرة بشكل في المجتمع المغربي، إلا أن هذه الحماية تعتبر ناقصة وهو ما سأوضحه من خلال تأمل مقتضيات المادة 513 م.ج.
نصت هذه المادة على أنه يعتبر الحدث البالغ من العمر أقل من ست عشرة سنة في وضعية صعبة، إذا كانت سلامته البدنية أو الذهنية أو النفسية أو الأخلاقية أو تربيته معرضة للخطر من جراء اختلاطه بأشخاص منحرفين أو معرضين للانحراف أو معروفين بسوء سيرتهم أو من ذوي السوابق في الإجرام، أو إذا تمرد على سلطة أبويه أو حاضنه أو الوصي عليه أو المقدم عليه أو كافله أو الشخص أو المؤسسة المكلفة برعايته أو لكونه اعتاد الهروب من المؤسسة التي تابع بها دراسته أو تكوينه أو هجر مقر إقامته أو لعدم توفره على مكان صالح يستقر فيه.
من خلال مقتضيات هذا الفصل يتبين لنا بأن المشرع حدد سن الطفل الذي يمكنه الاستفادة من تدابير حماية الأطفال في وضعية صعبة إذا كان سنه أقل من 16 سنة وهو ما يعني حرمان فئة الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و18 سنة.
وفي حقيقة الأمر يمكن القول بأن هذه التفرقة في الحماية لا تستند على أساس منطقي أو واقعي بل وتعكس ضعف الحماية القانونية المقررة للطفل حتى اكتمال نضجه البدني والعقلي من جهة كما تعكس عدم انسجام مفهوم الطفل في هذا النص مع المفهوم الذي أعطي له في الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل من جهة ثانية، كما أن هذا النص غير منسجم بخصوص تحديد سن الطفل حتى مع باقي مقتضيات المسطرة الجنائية الأخرى التي تضمن حماية ومعاملة خاصة للأطفال إلى حين بلوغ سن 18 سنة من جهة ثالثة.
ومن خلال تأمل التعريف الذي عرف به هذا الفصل الطفل في وضعية صعبة يتبين لنا أنه مفهوم ضيق لا يستوعب كافة حالات الأطفال الموجودين في وضعية صعبة. حيث أن النص حدد على وجه صريح الحالات التي إذا ما وجد الطفل في إحداها يعتبر في وضعية صعبة وهي إذا كانت سلامته البدنية أو الذهنية أو النفسية أو الأخلاقية أو تربيته معرضة وذلك لعدة أسباب حددها النص على سبيل الحصر وهي: اختلاط الطفل بأشخاص منحرفين أو معرضين للانحراف أو معروفين بسوء سيرتهم أو من ذوي السوابق في الإجرام، أو إذا تمرد على سلطة أبويه أو حاضنه أو الوصي عليه أو المقدم عليه أو كافله أو الشخص أو المؤسسة المكلفة برعايته أو لكونه اعتاد الهروب من المؤسسة التي يتابع بها دراسته أو تكوينه، أو هجر مقر إقامته أو لعدم توفره على مكان صالح يستقر فيه، وهذا موقف منتقد لأن هذا التعداد الحصري يقلص من جانب الحماية خاصة وأن النص لا يمكنه أن يشمل كافة الحالات التي يمكن اعتبارها إساءة معاملة سواء بالفعل أو باللإمتناع.
وبعبارة أوضح، إن زيادة المشرع المغربي في التعداد يؤكد أنه لم يستوعب بشكل منطقي مفهوم الطفل في وضعية صعبة، ولذلك لم يستطع أن يعبر عنه في هذا النص القانوني ويمكن الاستدلال على هذا القول بأن معظم الحالات المحددة تدخل في نطاق ما يعرف بالانحراف، وهي المادة التي سيطرت مضمونا ومصطلحا على تفكير المشرع المغربي وأصبح لا يفرز غيرها ويمكن تأكيد ذلك بما يلي:
أولا: إن جل الأفعال المعتبرة خطرا يهدد سلامة الطفل حسب النص مثلا: الاختلاط بأشخاص منحرفين أو التمرد أو الهروب أفعال لا يقومون بها إلا الأطفال الذين يصلون سنا معينا وغالبا ما يكون بعد 12 سنة وهي مرحلة بداية المراهقة ومن المستبعد أن يقوم بها طفل يقل عمره عن 6 سنوات مثلا، وهذا يبين على أن المشرع المغربي لم يفكر قط في الفئة التي يقل عمرها عن 12 سنة وإنما كأنها هاجسه هو حرمان الفئة التي يزيد عمرها عن 16 سنة .
ثانيا: إن هناك العديد من الأطفال المعتبرون في وضعية صعبة من الناحية الواقعية ويفصل بينهم وبين من ذكرهم المشرع المغربي في المادة 513 خندق من اللافهم ومع ذلك فإنهم لا يعتبرون في وضعية صعبة من الناحية القانونية طبقا لهذا الفصل، مثل الأطفال المتخلى عنهم والأطفال المستغلون جنسيا والأطفال ضحايا زنا المحارم وأطفال الأسر المعدمة .
ومن التدابير التي جاء بها المشرع المغربي لحماية الطفل في وضعية صعبة إعطاء الإمكانية لقاضي الأحداث لإيداع الحدث لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر بمركز مقبول ومؤهل لذلك كلما رأى أن حالة الحدث الصحية أو النفسانية أو سلوكه العام تستوجب فحصا دقيقا، إلا أن المشرع لم يحدد أولا من هو المسؤول على إحالة الحدث على قاضي الأحداث وذلك بخلاف القانون الفرنسي الذي يلقي هذه المسؤولية صراحة على الوالدين أو المؤسسة المكلفة برعاية الطفل أو ضباط الشرطة المختصين في قضايا الأحداث تحت طائلة المسؤولية الجنائية في حالة الإخلال بهذا الواجب .
وهو ما يفسر ارتفاع حالات الأطفال في وضعية صعبة في المجتمع المغربي دون أن يتم إحالتهم على قاضي الأحداث لاتخاذ تدابير الحماية الملائمة في حقهم وكأن مسؤولية حماية هذه الفئة لم تلق على عاتق أحد، ويمكن الاستدلال على صحة هذا القول بطفل الشارع الذي أقل ما يمكن القول عنه بأنه يوجد في وضعية أكثر من صعبة، حيث نرى هذه الفئة من الأطفال تجوب كل يوم شوارع المدن، سلامتهم الجسدية والنفسانية والعقلية جد مهددة.
إذ يوجدون في أوضاع جد مزرية، حيث ينامون في ظروف قاسية معرضين للبرد دون غطاء وفي أماكن غير مريحة ودون أمن وأمام الأزبال والتلوث والضجيع وفي خطر مستمر للتعرض إلى عنف الكبار من المنحرفين والمستردين خاصة الاعتداءات الجنسية، كما ينامون في أبواب بعض الإدارات العمومية والعمارات والحدائق حيث يكون نومهم قليلا ومتقطعا ومضطربا ومأكلهم غير منتظم، ويستنجدون أصحاب المقاهي والمطاعم... ويتعاطون لمختلف أنواع المخدرات خاصة شم بعض المواد السامة التي تدمر...، خلايا الدماغ مثل "الديليو" و"السلسيون"... هذه إذن بعض الظروف المتعلقة بأوضاع هذه الفئة من الأطفال المغاربة في وضعية صعبة وضحايا سوء المعاملة بمختلف أشكالها. وهي كما هو معلوم ظروف قاسية جدا وكأن النص الذي وضع لحماية هذه الفئة من الأطفال غير موجود البتة.
الفقرة الثانية: حماية جنائية محدودة للطفل ضحية جرائم إهمال الأسرة:
يعتبر الطفل دائما في حاجة إلى من يحتضنه ليقوم بتوفير مستلزمات حياته من طعام وملبس ومسكن وتطبيب ... وإذا ما أهمل أحد الأبوين الملقاة على عاتقه هذه المسؤوليات، فإنه يعتبر مرتكبا لجريمة إهمال الأسرة، إلا أن النيابة العامة لا يمكنها تحريك المتابعة ضد مرتكب هذه الجريمة مباشرة ما لم تتلقى شكاية من الزوج الآخر وذلك على الرغم مما قد يلحق الطفل من أضرار بسبب هذه الجريمة.
حيث ينص الفصل 481 ق.ج بأنه لا يجوز رفع دعاوى إهمال الأسرة إلا بناء على شكوى من الشخص المهمل أو المستحق للنفقة أو نائبه الشرعي مع الإدلاء بالسند الذي يعتمد عليه، (الحكم القضائي ومحضر الامتناع عن الأداء).
فإذا كان هذا القيد على ممارسة الدعوى العمومية يهدف إلى ضمان سلامة الأسرة وعدم تفككها عن طريق الشكاوى الطائشة والدعاوى التي تعود بالندم على أصحابها فإنه قد يترتب عنه إضرار بالطفل، فقد يتحاشى أحد الأبوين تقديم الشكوى ضد الأب الآخر المرتكب لجريمة إهمال الأسرة طمعا في عدوله وقد تدوم وضعية الإهمال هاته مدة طويلة وفي ذلك إضرار بليغ بمصالح الطفل .
وبما أن المشرع حدد الأشخاص المسموح لهم بتحريك المتابعة على سبيل الحصر، فإن ذلك طرح بعض الإشكالات في الواقع، كما هو الشأن بالنسبة للولد الذي يوجد تحت حضانة أمه بعد الطلاق مثلا أو في حضانة شخص آخر إذا امتنع أبوه عن أداء النفقة؟ فهل للشخص الحاضن الصلاحية لتحريك الدعوى العمومية؟
إن الجواب على هذه الأسئلة من الصعوبة بمكان، خصوصا وأننا لا نجد أي نص يتكلم عن ذلك والصعوبة تتفاقم حينما نجد أن الفصل 481 ق.م.م. يقتصر في إعطاء الصلاحية في تحريك الدعوى العمومية للشخص المهمل أو نائبه الشرعي لا غير وإذا رجعنا إلى مدونة الأسرة، نجد أن الشخص الحاضن ليس دائما هو النائب الشرعي طبقا لمقتضيات الفصلين 231 و232 من مدونة الأسرة.
فاقتصار الفصل 481 ق.ج على تخويل الصلاحية فقط للشخص المهمل أو نائبه الشرعي يعرقل للحاضنة في القيام بواجبها اتجاه المحضون طبقا لمقتضيات المادة 163 من م.أ. "الحضانة حفظ للولد مما قد يضره والقيام بتربيته ومصالحه".
لهذا وجب على المشرع أن يتدخل لحماية الطفل المهمل بإعطاء الشخص الحاضن الصلاحية لتحريك الدعوى العمومية.
كما أن من بين الإشكالات التي تثور بهذا الخصوص هي تلك المرتبطة بإلزامية استجواب المتهم وإنذاره طبقا لمقتضيات الفقرة 3 من الفصل 481 التي تنص بأنه "يجب أن يسبق المتابعة إنذار المخل بالواجب أو المدين بالنفقة أن يقوم بما عليه في ظرف خمسة عشر يوما، ويتم هذا الإنذار في شكل استجواب يقوم به أحد ضباط الشرطة القضائية وذلك بناء على طلب من النيابة العمومية". فعلى الرغم من أهمية هذا الإنذار الذي يسبق تحريك المتابعة في حماية الروابط الأسرية من التفكك، فإنه يتطلب مدة لا تقل عن 15 يوما. ويمكن أن تنضاف إليه إشكالية أخرى ممثلة في صعوبة إثبات هذا النوع من الجرائم، حيث لم ينص المشرع على أية قاعدة استثنائية في هذا المضمار، لهذا فقواعد الحق العام هي التي تطبق حيث الإثبات عبء على المدعي وعليه أن يثبت الفعل الجرمي للمتابع لذا فإنه على النيابة العامة أو المشتكي إثبات جميع الأركان المكونة للجنحة.
وبخصوص هذه الإشكاليات يقول الأستاذ أحمد الخمليشي: إن هذه الإجراءات عقدت كثيرا المتابعة بإهمال الأسرة، سيما بالنسبة للامتناع عن أداء النفقة، حيث يتطلب الأمر استصدار حكم قضائي ثم طلب تنفيذه وفقا للإجراءات المادية عن طريق كتابة الضبط، وبعد انتهاء إجراءات كتابة الضبط، ترفع الشكوى إلى النيابة العامة التي تطلب من ضباط الشرطة القضائية استجواب المعني بالأمر وإنذاره بأداء ما عليه داخل أجل 15 يوما كما أن هذه الأعباء التي تتطلب جهدا ماديا متواصلا وتستغرق فترات زمنية غير يسيرة لا تبدو متناسبة مع طبيعة النفقة وعلى الخصوص نفقة الزوجة والأولاد القاصرين .
وأخيرا إذا كانت هذه النقائص تضعف من الحماية المنشودة للطفل من جرائم إساءة المعاملة، فإن هذه الحماية قد تتهدد بشكل أكبر إذا لم تجد النصوص الحمائية آليات قانونية صلبة تسهر على مراقبة مدى تطبيقها.


المبحث الثاني
ضعف تطبيق النصوص الحمائية بين قصور آليات الرقابة
وتشتت النصوص الحمائية:
تتضمن المنظومة القانونية المغربية عدد غير قليل من المقتضبات الزجرية لحماية الأطفال من مختلف أشكال إساءة المعاملة، لكن للأسف الشديد، كثيرا ما نلاحظ مفارقات كبيرة بين ما تقره هذه النصوص من حماية وبين الواقع الذي يعكس في واضحة النهار الضعف الشديد لهذه الحماية، لتظل بذلك هذه الفئة من الأطفال تكتوي بنار أشكال سوء المعاملة.
ولعل مكمن هذا التناقض البين يرجع -في نظري المتواضع- لأمرين أساسيين: الأول يتمثل في غياب تفعيل حقيقي للنصوص الحمائية للأطفال بسبب ضعف آليات الرقابة التي من المفروض أن تسهر على مراقبة مدى احترام النصوص الحمائية. هذا الفشل الذريع في تطبيق النصوص الحمائية على أرض الواقع يجعل الطفولة تعيش في وضعية إساءة دائمة، لأن وجود نص قانوني دون تطبيقه على أرض الواقع كعدم وجوده، ولإبراز هذه الحقيقة سأقتصر فقط على نموذج لآلية من آليات الرقابة وهي مؤسسة مفتشية الشغل التي كثيرا ما فشلت في مراقبة مدى احترام النصوص الحمائية للأطفال في ميادين العمل وما يعزز هذا القول هو الواقع المزري الذي تعيشه هذه الفئة من الأطفال التي تتصدر لائحة الأطفال ضحايا سوء المعاملة (المطلب الأول) أما السبب الثاني فيتمثل في تشتت النصوص الحمائية للأطفال وما يترتب عن ذلك من مشاكل في تطبيقها تحد من الحماية المنشودة منها (المطلب الثاني).

المطلب الأول: ضعف مفتشية الشغل؛ استدامة لإساءة معاملة الأطفال في ميادين العمل:
كما سبقت الإشارة فظاهرة تشغيل الأطفال في سن مبكرة أو تشغيلهم في أعمال شاقة وخطرة من بين أشكال سوء المعاملة الأكثر شيوعا داخل المجتمع المغربي، فبعد صدور مدونة الشغل تنفس المهتمون بقضايا الطفولة الصعداء حينما اعتبروا هذه المدونة بلسما لحماية الأطفال من انعكاسات هذه الظاهرة التي سلبتهم طفولتهم، لكونها تضمنت مقتضيات زجرية تصل إلى حد العقوبات الحبسية. إلا أنه سرعان ما خاب هذا الأمل، بعدما أظهر الواقع العجز الشبه التام لهذه المقتضيات الزجرية عن توفير أدنى حماية حقيقية لهذه الفئة من الأطفال ويرجع ذلك في تقديري لعدة أسباب يأتي ضعف مفتشية الشغل كآلية للرقابة في مقدمتها. إذن فما هي أوجه ضعف هذه المؤسسة التي يمكن اعتبارها سببا يحول تفعيل الحماية القانونية؟
قبل الإجابة على هذا السؤال لابد من إلقاء نظرة وجيزة على أهم الاختصاصات الموكولة لأعوان تفتيش الشغل.
إن من أبرز الوظائف التي يطلع بها أعوان تفتيش الشغل هي تلك المتمثلة في بسط الرقابة على محلات العمل للتأكد من مدى احترامهم لمقتضيات الشغل حيث حددت المادة 532م.ش مهام مفتش الشغل كالآتي:
1- السهر على تطبيق الأحكام التشريعية والتنظيمية المتعلق بالشغل.
2- إعطاء المشغلين والأجراء معلومات ونصائح تقنية حول أنجع الوسائل لمراعاة الأحكام القانونية.
3- إحاطة السلطة الحكومية المكلفة بالشغل علما بكل نقص أو تجاوز في المقتضيات التشريعية والتنظيمية المعمول بها.
4- إجراء محاولات التصالح في مجال نزاعات الشغل الفردية.
وليتأتى لأعوان تفتيش الشغل القيام بهذه المهام على أحسن وجه فقد سمح المشرع لهم الدخول بكل حرية ودون سابق إعلام إلى كل مؤسسة تخضع لمراقبة مفتشية الشغل في أي وقت من ليل أو نهار م 533 م.ش)، حيث يمكن لهم أن يباشروا كل أنواع المراقبة والبحث والتحري التي يرونها ضرورية للتأكد من أن الأحكام القانونية والتنظيمية مطبقة فعلا ويمكنه أن يعتمد على الخبرة التقنية في هذا الميدان أو باستفسار الأجراء والمشغلين.
إلا أنه على الرغم من هذه الصلاحيات المهمة التي أعطيت لأطر وأعوان تفتيش الشغل، فإنهم لا يتمكنون في أحسن الأحوال من القيام ولو بجزء يسير من هذه المهام على أحسن وجه، نظرا لتعدد العراقيل التي تصادفهم، الأمر الذي يتسبب في بقاء الطرف الضعيف في علاقات الشغل ضحايا الاستغلال الممنهج خاصة كلما تعلق الأمر بالأطفال.
ويمكن تصنيف هذه العراقيل إلى قسمين الأولى قانونية والثانية ذاتية، فبالنسبة للعراقيل القانونية فتتمثل في بعض النواقص والثغرات التي تعرقل مهمة مفتش الشغل، فمثلا عندما يجري عون تفتيش الشغل مهمة المراقبة ويكشف خروقات للقوانين أو النصوص التنظيمية للشغل كما هو الشأن مثلا بخصوص عدم احترام المشغل للأحكام المتعلقة بالصحة والسلامة، مثل تشغيل الأطفال في ظروف خطيرة قد تؤذي صحتهم فلا يمكنه في هذه الحالة تحرير محضر ضبطي إلا بعد انصرام الأجل المحدد لإنذاره (م 540 م.ش)، فهذه ثغرة يجب تجاوزها، لأن هذا الإنذار لا يمكن أن يكون له أي وقع على نفسية المشغل الذي يثري لنفسه على حساب أطراف ضعاف مثل الأطفال خاصة إذا غابت أخلاقه ونقص الوازع الديني عنده.
ويمكن أن نذكر في هذا الصدد أيضا ضعف السلطات الممنوحة لأعوان تفتيش الشغل، فعلى الرغم من اعتبار عون الشغل ضابط من ضباط الشرطة القضائية، فإنه لا يمكنه أن يوجه المحاضر التي يحررها بشأن الخروقات التي يسجلها بمناسبة ممارسة مهمة المراقبة حتى ولو كانت الخروقات المسجلة بالمحضر ترتب مسؤولية جنائية للمشغل كما هو الشأن بالنسبة لحالة العود عند تشغيل أحدات قبل 15 سنة، حيث يتعين على عون تفتيش الشغل في هذه الحالة أن يحرر المحضر في ثلاثة نظائر يوجه واحد إلى المندوب الإقليمي للشغل، فيما نظير آخر من المحضر يوجه إلى مديرية الشغل بالمصالح المركزية ويحتفظ بالنظير الثالث في الملف الخاص بالمؤسسة في حين كان على المشرع أن يمنحه الصلاحية لإحالة المحضر مباشرة على النيابة العامة باعتباره يحمل صفة ضابط شرطة.
هذه الثغرات القانونية إذن هي التي تفسر صراحة العقاب الشبه التام لقضايا أدين فيها أرباب عمل لتشغيلهم لأطفال تقل أعمارهم عن السن المسموح بها قانونا مع العلم أن الواقع يعج بأطفال يشتغلون قبل السن القانونية بل وفي ظروف مأساوية تهدد صحتهم أخلاقهم بل حياتهم أحيانا.
وما يزيد هذا الوضع تكريسا هو ضعف الغرامات التي لا تحقق أي ردع بالإضافة إلى طول المساطر وتعقدها حيث يجب على مفتش الشغل أن يحيل المحضر على المندوب الإقليمي للشغل ولا يمكنه أن يوجهه مباشرة إلى القضاء الجنحي وفي ذلك ضياع للوقت قد يستغله المشغل.
أما بالنسبة للمعيقات الذاتية، هي تلك المرتبطة بجهاز مفتشية الشغل نفسه الذي يعاني من خصاص كبير في أطر وأعوان التفتيش بالمقارنة مع عدد المؤسسات والمعامل التي يسهرون على تفتيشها، فإذا أخذنا على سبيل المثال مدينة فاس، باعتبارها من بين المدن الصناعية بالمغرب، فإننا نجد النفوذ الترابي لمندوبية الشغل يشمل مجموع ولاية فاس بالإضافة إلى إقليم تاونات كما نجد بها بالإضافة إلى دائرة واحدة للفلاحة أربع دوائر للصناعة والتجارة والمهن الحرة، مقابل ذلك فهي لا تتوفر سوى على أربعة مفتشين، أي مفتش واحد لكل دائرة . وأمام هذا النقص الفادح في أطر مفتشية الشغل، فإنهم يضطرون إلى تفتيش بعض المؤسسات والمعامل فقط ويهملون البعض في حين غالبا ما يغضون الطرف عن تفتيش المؤسسات السرية التي تشغل الآلاف من الأطفال في ظروف تنعدم فيها الكرامة الإنسانية.
ويمكن أن يضاف إلى ذلك ارتفاع عدد الزيارات المخصصة لكل عون من أعوان التفتيش بالإضافة إلى تباعد المؤسسات فيما بينها خاصة مع عدم تخصيص وسائل لتنقلهم الأمر الذي يضطرهم إلى اخذ وسائل تنقلهم الخاصة بالإضافة إلى هزالة التعويضات الجزافية الممنوحة لهم لتغطية مصاريف تنقلاتهم.
فضلا عن هذه لمعيقات التي تعاني منها مفتشيات الشغل يمكن الحديث عن عراقيل من نوع آخر وهي تلك المرتبطة بأعوان تفتيش الشغل، من حيث ضعف تكوينهن خاصة في بعض الجوانب التقنية التي تتطلب معرفة معمقة بمجالات الشغل للتأكد من كل الجوانب سواء التقنية الاجتماعية أو الاقتصادية لمعرفة مدى احترام المشغل للنصوص القانونية والتنظيمية خاصة وان اللجوء للخبرة في كل الحالات أمر غير يسير.
وعموما أمام هذه العراقيل والصعوبات المتعددة تبقى مفتشية الشغل مجرد جهاز شكلي عاجز عن القيام بالمهام المنوطة به على أحسن وجه وهو ما يشكل ثغرة كبيرة ينفذ منها بعض أرباب العمل أصحاب النفوس الميالة إلى استغلال براءة الطفولة في سن مبكرة وفي أعمال شاقة وخطرة أحيانا يعجز عن أدائها حتى الشخص المؤهل لها في بعض الأحيان، بسبب هذا الوضع الذي تعيشه مفتشية الشغل إذن تبقى النصوص الحمائية دون تفعيل حقيقي وهو ما يفسر استمرار تشغيل الأطفال ليحتل بذلك الصدارة ضمن لائحة أشكال إساءة معاملة الأطفال بالمجتمع المغربي.
وأخيرا إذا كان لضعف آليات الرقابة انعكاسات سلبية على الحماية المنشودة للطفل، فإن لعامل تشتت النصوص الحمائية للطفل نفس الانعكاس.
المطلب الثاني: تشتت النصوص الحمائية للطفل:
منذ مصادقة المغرب على اتفاقية حقوق الطفل وهو يولي عناية فائقة لحقوق الطفل، حيث عمل على ملاءمة القوانين الداخلية مع مقتضيات الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها كما هو الشأن بالنسبة للقانون الجنائي وقانون المسطرة الجنائية ومدونة الشغل ومدونة الأسرة كما عمل على إنشاء بعض المؤسسات الرسمية أو غير الرسمية من أجل دعم الحماية المرسومة قانونا.
إلا أن هذه المقتضيات الحمائية تبقى في بعض الأحيان مجرد فسيفساء لإثراء الترسانة القانونية المغربية وما يدعم هذا القول هي الإحصائيات الرسمية أو غير الرسمية التي تعكس وضعا قاتما للطفل المغربي الذي يتعرض لكافة أشكال سوء المعاملة من استغلال جنسي، اقتصادي وإهمال وكذا التعرض لكافة أشكال الاعتداءات الأخرى.
ويرجع السبب في صعوبة تطبيق هذه المقتضيات الحمائية على أرض الواقع بالإضافة إلى ضعف آليات الرقابة –كما أشرت إلى ذلك أعلاه- إلى تشتت النصوص الحمائية للطفل بين مختلف فروع القوانين حيث نجد القانون الجنائي يتضمن نصوصا تختص بحماية الطفل من الجرائم التي يمكن أن يقع ضحيتها، كما تضمنت المسطرة الجنائية إجراءات خاصة لحماية الطفل سواء جانحا أو ضحية أما مدونة الأسرة فقد تطرقت لحقوق الطفل من نسب وحضانة ونفقة ورضاع... فيما مدونة الشغل تكفلت بحماية الطفل في مجالات الشغل بالإضافة إلى المقتضيات الحمائية الأخرى المشتتة بين مختلف فروع القانون الأخرى.
ومما لاشك فيه أن هذا التشتت الذي تعرفه النصوص الحمائية للطفل بالمغرب يوازيه تعدد في الفلسفات التي تكون روح لكل مجموعة من القواعد القانونية بحسب انتمائها إلى إحدى التصنيفات القانونية الموجودة لكن هذا لا يعني أن هناك حواجز بين هذه النصوص إذ كلا منها يتمم الآخر وهدفها جميعا هو صيانة حقوق الطفل من كل اعتداء أو تلاعب كما يراد لها نظريا في الحلول الشيء الذي ينتج عنه وجود ثغرات قانونية يقع ضحيتها الطفل، إذ قد يؤدي عدم القيام بإجراء قانوني إلى عدم تمتع الطفل ببقية حقوقه ونذكر على سبيل المثال عدم تسجيله في الحالة المدنية مما قد يترتب عنه عدم الاعتراف بواقعة شرعية تثبت نسبه ويكرس الأمر في حالة غياب أدلة قانونية تثبت ميلاد الطفل داخل الأجل الشرعي لمدة الحمل كما في حالة الولادة داخل المنازل ولا توجد وثائق رسمية تثبتها مما يؤدي في حالة التخلي عن الطفل إلى اعتباره مهملا بل أكثر من ذلك أن ينعت غالبا بأنه ابن سفاح، وفي ذلك إضرار بليغ بنفسية الطفل ومن ثم يكون القانون قد كرس النظرة الواقعية لهذه الفئة التي أصبحت تتفاقم أكثر فأكثر وهي الصورة التي يتعين على القضاء تصحيحها. وهذه الأمثلة ما هي إلا غيض من فيض للواقع القانوني للطفل في المغرب الأمر الذي يتولد عنه انفلات اجتماعي خطير فنجد الآلاف من الأطفال المهملين والمشردين وعدد كبير من الأطفال مشتغلين في ميادين الشغل بشكل لا إنساني .
ولهذا التشتت بطبيعة الحال انعكاس على تحديد الجهات القضائية المعينة بحماية الطفل، فبالنسبة للحماية مثلا نجد هيئات قضائية متعددة تطلع بهذا الدور لأن النصوص الزجرية لا يقتصر تواجدها في مدونة القانون الجنائي فحسب، بل إنها موزعة على فروع قانونية أخرى كما هو الشأن بالنسبة للنصوص الزجرية التي تضمنتها مدونة الشغل أو مدونة الأسرة مثلا، السبب الذي يؤدي حتما إلى تعدد الجهات القضائية التي تنظر في قضايا الأطفال، لأن توزيع اختصاص المحاكم يتم بالنظر إلى طبيعة المادة التي تنظم القضية موضوع الطلب.
وعليه فإن من بين نتائج هذا التشتت الذي تعرفه النصوص القانونية وكذا الجهات القضائية التي تنظر في قضايا الطفولة، تضارب في تحديد المصلحة الفضلى للطفل.
ولتجاوز هذه النقائض أدعو المشرع المغربي أن يبادر إلى الإسراع لإخراج مدونة قانونية خاصة بالطفل تراعي خصوصياته ومصلحته الفضلى، هذه المدونة حتما ستمهد الطريق لإنشاء مؤسسة قضائية خاصة بالأطفال يتميز أعضاؤها بتكوين خاص في مجال الأسرة والطفولة لضمان فعالية أكثر في تحقيق الحماية المنشودة للأطفال عموما ولفئة الأطفال ضحايا سوء المعاملة على وجه الخصوص.