محامو العرب بين تكسير القلم و تقبيل القدم وحرق العَلَمْ !
الدكتورة فريدة بلفراق كلية الحقوق باتنة
ذهب زمن القلم و حل زمن القدم،تلك عبارة قالها توفيق الحكيم ذات يوم، بعد اكتشافه بعملية حسابية ما يتقاضاه لاعبو كرة القدم، حسب ما رواه الفيلسوف والكاتب المصري أنيس منصور، في إحدى حلقات الشحن وتسخين الطبول والاستدراج الإعلامي العنيف لكل الطبقات الاجتماعية، الثقافية منها والفنية وحتى الدينية في عملية تحريض الجماهير، وتأليب الرأي العام ضد بلد شقيق لم يكن ذنبه سوى نجاح أبنائه في لعبة يفترض فيها التسلية والترويح عن النفس المكلولة لنسيان هموم الصراع من أجل العيش الكريم في هذا الوطن العربي البائس بذهنية التخلف التي ما زالت تطارده وتترسخ فيه يوما بعد يوم، بل عصرا بعد عصر. فهالني ما سمعت ورأيت عبر وسائل الإعلام وفي صفحات الجرائد، وأخطرها صورة حرق العلم الجزائري على أيدي فئة تحمل شعار نصرة الحق ممن يرتدون الجبة السوداء هناك في مصر، وقد استوقفني ذلك المشهد الغريب للحظات كنت أتربص فيها بلمّ شتات أفكاري، واستنفار قلمي للعودة إلى الكتابة بعد انقطاعه عنها بضعة شهور جراء تعرضه لمحاولة اغتيال فاشلة من قبل المسؤولين من ذوي الجبة السوداء هنا في بلدي، عقب معركة شرسة وغير متكافئة، شنتها منظمة وتخندقت فيها بكل أعضائها ووسائلها ولجانها المختلطة ومستشاريها وكتابها، بترساناتهم وقصورهم، كلهم ضد قلم ! فرُحت أفتش عن الكلمات الهاربة من سخافة الزمن الذي نحن فيه، والمواقف الهزيلة للعقول الضعيفة المستسلمة للخوف، والرؤوس المطأطئة للجبن والاستغباء عساني أضع النقاط على الحروف التي أصبحت هي الأخرى منهكة شاحبة، أو مستعصية عن الكتابة على الكومبيوتر من فرط تداول الأيدي على الجهاز، فكتبتُ بدل " خمار أسود " " حمار أسود " ، وإذا بصورة حمار يقود قطعانا من الحمير عليهم أردية سوداء اللون ونظارات شمسية قاتمة تطل على الشاشة، مكتوب عليها بالأبيض أبناء حمار الحكيم، فأوجست في نفسي حيرة وهلعا مما رأيت، فانفعلت متسائلة ما هذا؟ فتقدم الحمار القائد وبدت ملامحه أكثر وضوحا وقال بصوت مترنح: أنا ابن حمار الحكيم، ذلك الحمار المصري الذي زار منذ أمد بعيد الجزائر ورافق أحد أدبائها الأفذاذ كان يدعى رضا حوحو في جولة فلسفية كادت تؤدي به إلى حبل المشنقة، في كتابه المشهور " مع حمار الحكيم " سنة 1953.فقلت: ماذا تفعل في هذا الموقع ؟ ولماذا ترتدي الجبة السوداء أنت ومن معك؟ وهل غيّرت مهنة أبيك الفيلسوف؟ فرد مسرعا، أما عن وجودي على الموقع فلأنني لم أتمكن من أخذ التأشيرة إلى بلدكم، فوالدي كان محظوظا لأن دخول الأقطار الشقيقة في زمنه لم تكن تخضع لتأشيرة أو أي إجراءات معقدة، إذ لمّا ضاق به الحكيم ذرعا أرسله سيرا على الأقدام إلى الجزائر، فلم تعقه حدود ولم يتعرض لتحقيقات حول الهوية، ولا عن لون جلدته لأنه ينتمي بحكم جنسه لبني الحمير، فلا فرق بين حمار هنا وهناك إلاّ بإتقان طقوس الإستحمار، ولأنني ومن معي لم نود تفويت فرصة المشاركة في مسرحية تقديم الولاء للأسياد، وبحكم حماقة الحمير وانسياقها الفطري أمام العصي والركل بالأقدام، فإننا اتجهنا صوب شبكة الأنترنيت للوصول إليكم بأسرع وأضمن وسيلة ، لإسماع أصواتنا لكم وللعالم بأننا معترضين على النتيجة، ومساندين أولياء نعمتنا الذين لولاهم لما وقفنا في منابر النعيق والشهيق، ولمَا كنا رواد العرب في كل شيء ! أما بخصوص ارتدائي للجبة السوداء، فكانت تلك رغبة والدي الفيلسوف الذي قطع عهدا على نفسه بعد عودته إلى الديار على تطليق الفلسفة التي لم تؤكِّله عيشا، وجلبت له ولأصدقائه وجع الرأس أينما حل، وليته يعلم أنني أصبحت بعده من محترفي فن النعيق ولكن بفلسفة مغايرة له تماما، فأَوَكّل وزملائي للدفاع عن الخارجين عن القانون، وعن الذين ظلموا والذين تورطوا وورطوا، وكل من تقرب إلى البلاط زلفى، ونتمرغ في وحل المذلة حتى النخاع ولا نبالي ما دام الثمن رضا الملك والتودد لحاشية الملك، فأخذته العزة بالإثم وكشر عن نواياه بالمضي في التمادي والعنجهية الاستفزازية. فانتفضتُ مهددة إياه بالانقلاب على زعامة الاتحاد ونقل مركزه إلى الجزائر بمباركة جميع الأطراف العربية، بعدما تبين بالصوت والصورة الإقرار العلني بالتصرفات اللاحضارية الماسة بكل الأعراف والقوانين، والاعتراف سيد الأدلة كما يقال في الأوساط القانونية. وحاولت حينئذ أن أعيده إلى ثورته الأولى بعدما بدأت حركات أذنيه ورأسه تتأرجحان نحو الأسفل، لتمكيني من أخذ صور أخرى كأدلة دامغة على ضرورة سحب بساط رئاسة المحاماة من إخواننا المصريين لأنهم أثبتوا تقهقرهم وفشلهم على كافة الأصعدة. وأعدت السؤال مرة ثانية كيف أقدمتم على الاعتداء وإهانة مقدسات أمة عظيمة يشهد لها التاريخ وكل العالم، وهذه جريمة نكراء لا تغتفر؟ ولماذا أحرقتم العلم؟؟ فطفق ابن حمار الحكيم ناعقا بصوت هستيري مزعج وقال: إذا كانوا هناك عندكم يكسِّرون القلم، فعندنا هنا نُقبِّل القَدم ونمسح الجِِِِزَم ونحرق العَلَمْ .....و........ الدكتورة فريدة بلفراق
محامية موقوفة عن المهنة