للاستفادة من هذا النظام ينبغي استيفاء مجموعة من الشروط تتمثل في:
01- أن يكون المحبوس محكوم عليه نهائيا: بأن يكون قد صدر في حقه حكما أو قرارا أصبح نهائيا ، قضى عليـه بعقوبة سالبة للحرية و تم ايداعه بمؤسسـة عقابية تنفيذا لذلك ، و بالتالي يستثنى المحبوسين مؤقتـا و المحبوسين تنفيذا لإكراه بدني من الاستفادة من هذا النظام.
02- قضاء فترة معينة من العقوبــة: و في هذا المجال ميز قانون تنظيم السجـون و إعادة الإدماج الاجتماعـي للمحبوسين بين المحبوس المبتدئ و اشترط أن يكون قد قضى ثلث (1/3 ) العقوبة المحكوم بها عليه، و بين المحبـوس الذي سبق الحكم عليه بعقوبة سالبة للحرية و الذي يتعين عليه أن يكون قد قضى نصف العقوبة المحكوم بها عليه.
03- صدور مقرر الوضع في نظام البيئة المفتوحة: يتولى قاضي تطبيق العقوبات طبقا لأحكام المادة 111 صلاحية إصدار مقرر الوضع في نظام البيئة المفتوحة بعد استشارة لجنة تطبيق العقوبات مع إشعار المصـالح المختصة بـوزارة
العدل و بذلك خفف القانون الجديد من مركزية القرار التي كانت في ظل أمر 72/02 الملغى ، حيث كان يتــم الوضع بموجب قرار من وزير العدل و باقتراح من قاضي تطبيق الأحكام الجزائية بعد أخذ رأي لجنة الترتيب (2).
و في حالة مخالفة المحبوس للالتزامات المفروضة عليه يقرر إرجاعه إلى نظام البيئة المغلقة بنفس الطريقة التي تم بهـا الوضع في نظام البيئة المفتوحة بموجب مقرر صادر عن قاضي تطبيق العقوبات.
و قد استفاد من نظام البيئة المفتوحة حسب إحصائيات إدارة السجون 152 سنة 2006 ( الملحق رقم 3-د )، منهم 98 مسجون تم تشغيلهم في ميدان الفلاحة بالمستثمرات الفلاحية الواقعة بتليلات ولاية ادرار ، الخيثر ولايــة البيض ، البيوض ولاية النعامة ، البرواقية ولاية المدية و مسرغين ولاية وهران (3).
الفرع الثاني: مزايا و مساوئ نظام البيئة المفتوحة(4).
أ- المزايا: لنظام البيئة المفتوحة مزايا كثيرة مقارنة مع نظام البيئة المغلقة يمكن إجمالها في:
- تعتبر أقل تكلفة مقارنة مع مؤسسات البيئة المغلقة لأنها لا تتطلب بنايات قوية و مدعمة.
- توفر للمساجين العاملين حياة صحية باعتبارها تطبق في أماكن بعيدة عن المدينة و اكتظاظها.
- تجنيب المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية لمدة قصيرة أو المحكوم عليهم لأول مرة مخالطة المودعين في السجـون المغلقة و ما يترتب عن ذلك من آثار سلبية.
ــــــــــــــ
(1) Bettahar Touati : l’ouvrage précédent , p 132 .
(2) المادة 175 من أمر 72/02 الملغى.
(3) مجلة رسالة الإدماج: العدد الثاني، المرجع السابق، ص 41.
(4) أ/ محمد صبحي نجم: المدخل إلى علم الإجرام و علم العقاب، المرجع السابق، ص 78.
Bettahar Touati : l’ouvrage précédent, p 134.
الفصل الأول: أساليب إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
- يسمح للمسجون المستفيد من نظام البيئة المفتوحة و المفرج عنه و يسهل له ايجاد عمل ، إذ أن الظروف المحيطـة بالعمل الذي يزاوله داخل تلك البيئة لا تختلف في طبيعتها عن ظروف العمل خارج المؤسسة ، مما يكسبه خبرة خاصة و يجعله أكثر استعدادا و مقدرة على أداء عمله على الوجه المطلوب.
- تجنيب المساجين العاملين الشعور بالتوتر الذي كثيرا ما يعاني منه المساجين الآخرين بالمؤسسات المغلقة و الذي قد ينعكس أثره على حالتهم النفسية فيصابون باضطرابات مختلفة قد تؤثر في مدى قدرتهم على التكيف.
ب- المساوئ: من أهم أوجه النقد التي وجهت إلى هذا النظام أنه يساعد على هروب المساجين خاصة و أنه يطبق في مراكز فلاحية و مؤسسات صناعية مفتوحة و غير مزودة بعوائق مادية كالحيطان و الأقفال تحت رقابة مخففة، كما انه يهدر القيمة الردعية للعقوبة و التي لا تظهر إلا بانتهاج أسلوب البيئة المغلقة حيث الأسوار العالية و الحراسة المشـددة و الأشغال الشاقة.
لكن هذه الانتقادات لم تثبت أمام النتائج الإيجابية التي حققها نظام البيئة المفتوحة من جهــة و من جهة أخرى فالغرض الرادع للعقوبة ليس هو الغرض الوحيد الذي تهدف إليه في ظل السياسة العقابية الحديثة ، بالإضافة إلى ذلك فإن الإيداع في المؤسسات المفتوحة يتضمن سلبا للحرية و هذا ما يحقق في حد ذاته الردع المطلوب.
الفصل الثاني: أنظمة و آليات إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
الفصل الثاني:
أنظمة و آليات إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
لقد بينا فيما تقدم أن تنفيذ برنامج إصلاح العدالة يعد أولوية وطنية باعتباره ركنا أساسيا في بناء دولــة الحق و القانون ، هذا الإصلاح الذي أولى أهمية قصوى لعصرنه قطاع السجون من خلال رسم معالم سياسة عقابية حديثة تواكب مسارات الأنظمة الدولية المتطورة في هذا المجال.
و من هذا المنطلق و بعد التحول الذي عرفته السياسة العقابية الحديثة و التي ترجح كفـة إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين ضمن المجتمع مجددا ، بما يضع حدا لسياسة الحبس من أجل الحبس و العقاب من أجل العقاب إذ هي سياسة غير مجدية و عقيمة من حيث أنها لا تفضي إلى تغيير سلوك المحبوس بما يحقق اندماجه بنجاح في المجتمع و يضع حدا لظاهرة معاودة الجنوح و الإجرام.
و في سبيل ذلك ، شرع المشرع في إدخال إصلاحات على المنظومة العقابية شملت الجوانب القانونية و التنظيميــة و الهيكلية و في مقدمتها صدور قانون تنظيم السجون و إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين رقم 05/04 و الذي ألغى الأمر رقم 72/02 ، حيث جاءت مادته الأولى لتجسيد شعار المعاملة العقابية الحديثة بنصها:" يهدف هــذا القانون إلى تكريس مبادئ و قواعد لإرساء سياسة عقابية قائمة على فكرة الدفـاع الاجتماعي التي تجعل من تطبيق العقوبة وسيلة لحماية المجتمع بواسطة إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين".
هذا و قد جاءت أحكام قانون تنظيم السجون أعلاه و بقية المراسيم التنفيذيـة و النصوص التطبيقية الـتي تلت صدوره كعصارة لأحدث ما توصلت إليه البحوث و الدراسات في السياسة العقابية الحديثة من جهــة ، و تكييف أحكامه تماشيا مع المبادئ العامة التي أقرتها بلادنا في إطار ما صادقت عليه من الاتفاقيات الدولية و إلمامها بتوصيـات مجموعة قواعد الحد الأدنى لمعاملة المساجين الصادرة بجنيف سنة 1955 و المستوحـاة أساسا من مبـادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من جهة أخرى.
و لمزيد من التفصيل في أهداف المعاملة العقابية الحديثة التي سطرها قانون 05/04 ، سنتطرق في هذا الفصــل لتحديد مضمون سياسة إعادة الإدماج الاجتماعي وفق الأنظمة و التدابير الجديدة ( مبحث أول ) ، و عرض مختلف الآليات المستحدثة لتطبيق برامج إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين ( مبحث ثان ).
الفصل الثاني: أنظمة و آليات إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
المبحث الأول:
مضمون سياسة إعادة الإدماج وفق الأنظمة و التدابير المستحدثة
إن التوجه التحديثي لمفهوم العقوبة يولي أهمية بالغة لمسألة إصلاح المحبوسين و إعادة إدماجهم في المجتمع ، و ما من شك أن القراءة الجديدة التي جاء بها قانون تنظيم السجـون و إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين الجديـد تمثل عصارة ما وصلت إليه القوانين و الأنظمة المقارنـة في المعاملة العقابية الحديثة ، لا سيما تكريسه لمبــادئ الدفاع الاجتماعي التي تجعل من تطبيق العقوبة وسيلة لحماية المجتمع و الجاني معا ،عن طريق إعادة تربيته ثم إعادة إدماجه في المجتمع.
ولضمان تحقيق الغرض المنشود ، استحدث المشرع العقابي مجموعة من الأنظمة و التدابير التي من شأنها التأثير على المحبوسين كمـا و كيفا ، بإخضاعهم إلى علاج عقـابي وفق أسس علمية مدروسة تتناسب مع درجـة خطورتهم و شخصيتهم (1 ) ، بما يضمن إصلاحهم خلال مرحلة تنفيذ العقوبة و رعايتهم لاحقـا بعد الإفراج عنهم لتحضير عودتهم للعيش ضمن المجتمع في ظروف عادية .
و لتبيان ذلك يتطلب منا في مرحلة أولى تحديد مضمون سياسة إعادة الإدماج (المطلب الأول ) ، ثم نحــاول في مرحلة ثانية تبيان الأنظمة و التدابير الجديدة التي تضمنها قانون تنظيم السجـون (المطلب الثاني ) ، مدعمين عرضنا بمجموعة من الإحصائيات العددية التي حققتها إدارة السجــون ميدانيا في سعيها الحثيث لإعادة إدماج المحبـوسين و ذلك منذ تنصيب آليات إعادة الإدماج سنة 2005.
المطلب الأول:
مضمون عملية إعادة الإدماج الاجتماعي
قديما، اقتصرت مهمة إدارة السجـون على سلب حرية المحكوم عليهم بحبسهم في السجـون العالية الأسوار لمنع هروبهم و معاملتهم معاملة قاسية.
لكن تطور أغراض العقوبة أدى بإدارة السجون إلى التخلي عن هذا الدور التقليدي ، كون سلب الحرية لم يصبـح هدفا في ذاته كما كان في الماضي و إنما أصبح وسيلة تسمح بتحقيق أغراض العقوبة و على رأسها تأهيل المحكوم عليه و إصلاحه (2) ، و هذا ما تنبه إليه المشرع الجزائري من خلال انتهاجه في أحكام قانون تنظيم السجون رقم 05/04 و الذي ألغى الأمر 72/02 ما توصلت إليه الدراسات العقابية الحديثة و التي تولي أهمية قصوى لعملية تأهيل المحبوس و إصلاحه حتى يعود إلى المجتمع مواطنا صالحا ، لذلك فإن أساليب المعاملة العقابية الحديثة تنوعت و تعددت حـتى تلاءم ظروف كل حالة على حدة.
ــــــــــــــ
(1) أ/ طاشور عبد الحفيظ: المرجع السابق ، ص 74.
(2) د/ محمد صبحي نجم: أصول الإجرام و العقاب، طبعة 2002، المكتبة القانونية، ص 116.
الفصل الثاني: أنظمة و آليات إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
و قد اقتضى ذلك تنوع المؤسسات العقابية و تخصيصها و تقسيم المحكوم عليهم داخل المؤسسة الواحدة ، حتى يمكن تحقيق فكرة التدرج في المعاملة .
فنظام المعاملة العقابية الحديثة التي تبناها قانون تنظيم السجون أوجدت صيغا و تدابير و آليـات متنوعة ، تتضمن في مجملها نظام علاجي يخضع له المحبوس أثناء تنفيذ عقوبته السالبة للحرية داخل المؤسسة العقابية كمرحلـة أولى ، و يمتد هذا النظام العلاجي بعد الإفــراج على المحبوس لاستكمال عملية إعادة الإدماج التي بدأت داخـل السجن و تدعيمها بالرعاية اللاحقة كمرحلة ثانية.
و لمزيد من التفصيل سنحاول تبيان مضمون المعاملة العقابية الحديثة و التي سايرها المشرع الجزائري على مرحلتين، خلال تنفيذ المحبوس للعقوبة السالبة للحرية ،ثم استكمال ما تم تحقيقه من إصلاح و تأهيل له لإعادة إدماجه في المجتمع بإمداده بالرعاية اللاحقة عند الإفراج عنه.
الفـــرع الأول:
مضمون عملية الإدماج خلال مرحلة تنفيذ العقوبة
لم تعد العقوبة وسيلة للانتقام من الجاني كما كان عليه في الماضي ، بل أصبحت تهدف إلى إعادة تربية المحبـوس و العمل على تحضيره و إعداده الجيد لإعادة إدماجه مجددا بعد الإفراج عنه.
فخلال مدة سلب الحرية يخضع المحبوس لنظام علاجي حديث يتضمن برنامجه مجموعة من الطـرق و الأساليب التي يشرف على تحديدها و تطبيقها جهاز يتكون من أطباء و مربون و أخصائيون نفسانيون و مساعدات اجتماعيات ، مهمتهم المساهمة في إعادة إصلاح المحبوس و إدماجه في المجتمع .
و حتى يؤدي النظام العلاجي الذي يخضع له المحبـوس خلال هذه المرحلة النتائج المسطـرة ، نص قانون تنظيم السجون على أن تحدث كل مؤسسـة عقابية مصلحة متخصصة مهمتها ضمان المساعدة الاجتماعيـة للمحبوسين و المساهمة في تهيئة و تسيير إعادة إدماجهم الاجتماعي (1).
و صدر قرار وزاري مؤرخ في 2005.05.21 يتعلق بتنظيم و سير المصلحة المتخصصة أعلاه ، و هي مصلحة متخصصة للتقييم و التوجيه بالمؤسسات العقابية مهمتها دراسة شخصية المحكوم عليه و تقييم الخطر الذي يشكله على نفسه و على غيره من المحبوسين و الموظفين و على المجتمع ، و تعد برنامج إصلاح خاص به قصد إعادة إدماجـه في المجتمـــع.
و يشرف على إدارة و تسيير المصلحة مدير المؤسسة (2) و تضم مستخدمين مختصين في الطب العــام و الطب العقلي و علم النفس و المساعدة الاجتماعية و أمن المؤسسات ، و في سبيل أداء مهامها يمكنها أن تستشير أي شخص مؤهل في مجالات تدخلها ، و تزود بالتجهيزات الخاصة بالدراسـات و الأبحاث البيولوجية و النفسانية و الاجتماعية
ــــــــــــــ
(1) المادة 90 من قانون 05/04.
(2) انظر المادة 03 من القرار الوزاري المؤرخ في 2005.05.21 المذكور أعلاه، الجريدة الرسمية عدد 44 لسنة 2005.
الفصل الثاني: أنظمة و آليات إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
و يوجه إليها المحبوسين المحكوم عليهـم بعقوبات سالبة للحريـة تساوي سنتين أو أكثر ، و يخضع الموجهين إليهـا للفحوصات الطبية و النفسية و كذلك تلك الخاصة بقياس قدراتهم المعرفية و المهنية .
و تقوم المصلحة بعملية التقييم و التوجيه في أجل ستون (60) يوما على الأقل و تسعون (90) يوما على الأكثر، يتلقى خلالها المحبوس المتابعة من طرف المصلحة حصصا تحسيسية و توعوية في ميادين مثل الإدمان على المخـدرات و الوقاية من الانتحار ، و تحسيسه بسلبيات و آثار الوسط العقابي المغلق و كل برنامج آخر تعتمده المديرية العامـة لإدارة السجون و إعادة الإدماج.
تصدر المصلحة عند تمام العملية تقريرا مفصلا يتضمن أساسا درجة خطورته ، و صنف المؤسسة العقابية المناسبـة لدرجة خطورتـه و برنامج إصلاحه بالاعتمـاد على الميادين الآتية : العمل ، التربية و التعليـم ، التكوين المهني ، الانحراف الجنسي و الوقاية من إدمان المخدرات.
و تبلغ هذه التوصيات لكل من مدير المؤسسة و قاضي تطبيق العقوبات قصد متابعة تطبيقها.
هـذا و إذا كانت مرحلة سلب الحرية هي المكان المناسب لتحقيق النتائج المرجوة من العلاج العقابي ، فإنه يبقى من الضروري تدعيمها بعد الإفراج عن المحبوس ،و هذا ما نصت عليه المادة 14 من نفس القرار الوزاري أعــلاه: " لا يتوقف تنفيذ برنامـج الإصلاح إذا استفاد المحكوم عليه من نظام الإفراج المشروط أو أية تدابير أخرى لإعادة الإدماج ".
الفـــرع الثاني:
الرعاية اللاحقة بعد الإفراج عن المحبوس
غالبا ما يواجه المحبوس المفرج عنه حديثا صعوبات و عقبات و ظروف قاسية تعيقه في اندماجه مجددا في المجتمـع و الانخراط في الحياة العملية كبقية أفراد المجتمع ، و هذا ما يسمى بأزمة الإفراج أو أزمة الثقة بين المحبوس المفرج عنه و بين الناس في قبوله بينهم أو رفضهم له (1).
و هذا ما نوهت إليه روح القاعدة 80 من مجموعة قواعد الحد الأدنى لمعاملة المساجين بقولها :" يجب أن توجـه العناية ابتداء من تنفيذ العقوبة إلى مستقبل المسجون عقب الإفراج عنه ".
و على هذا الأساس ،فمن الضروري أن يتحمل المجتمع المدني مسؤوليته في محاربة الجريمة و القضاء على مسبباتها إذ أن واجب المجتمع لا ينتهي بالإفراج عن المسجون ، و لذلك يجب أن توجد هيئات حكومية أو خاصة قادرة علـى مـد المسجون المفرج عنه برعاية لاحقة فعالة تهدف إلى تقليل التحامل عليه و إلى إعادة تأهيله الاجتماعي (2).
و هذا ما يؤكد أن عملية إعادة تربية و إدماج المحبوس اجتماعيا هي عملية متكاملة و متواصلة ، ذلك أن الرعاية اللاحقة تدخل ضمن مضمون المعاملة العقابية الحديثة ،خاصة و أنها تكمل هدف العقوبة المتمثل في إصلاح و إعـادة
ــــــــــــــ
(1) د/ محمد صبحي نجم: أصول الإجرام و العقاب، المرجع السابق، ص 169.
(2) انظر القاعدة 64 من قواعد الحد الأدنى لمعاملة المساجين.
الفصل الثاني: أنظمة و آليات إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
الإدماج و هي المرحلة الثانية من مجمل مضمون عملية الإدماج الحديثة التي أقرها تنظيم السجون 05/04 ،و الـذي نص في المادة 114 منه على أن " تؤسس مساعدة اجتماعية و مالية تمنح للمحبوسين و المعوزين عند الإفراج عنهم" و قد صدر قرار وزاري مشترك(1) يحدد طريقة و كيفيات تنفيذ إجراء منح المساعدة الاجتماعية و المالية لفائدة المحبوسين المعوزين عند الإفراج عنهم و بموجبها يتحصل المحبوس المعوز على:
أ- مساعدة عينية: ألبسة، أدوية ...
ب- مساعدة مالية : نفقات النقل و المحددة ب 2000 دج .
و يتم إعداد ملف من طرف المحبوس المستفيد منها و يتعين على مدير المؤسسة العقابية إعداد تقارير سنوية مفصلــة تتضمن حصيلة المساعدات الاجتماعية و المالية و ترسل إلى السلطات الوصية ( إدارة السجون ).
إلى جانب المساعدات و التبرعات التي يتلقاها المحبوس عند الإفراج عنه (2).
و حرصا من المشرع الجزائري على إزالة العقبـات و الصعوبات التي تواجه المفرج عنه من نفور أفراد المجتمع عنـه، بسبب سوابقه الإجرامية و احتقـاره و يرفضون قبوله في أي مهنة أو عمل مما يسبب تهميشه و معاودته الانحـراف و الإجرام ، نص في المادة 115 من القانون أعلاه على إنشاء مؤسسة عمومية تقوم بتشغيل اليد العاملة العقابية.
و قد بلغ عدد المفرج عنهم المدمجين في إطار الأنشطة ذات المنفعة العامة 83 مستفيدا خلال شهر أفريل 2006.
و تفريعا على ما تم تقديمه من توضيح حول مضمون عملية الإدماج ، بأنها تبدأ بإخضـاع المحبوس خلال تنفيـذ عقوبته السالبة للحرية إلى نظام علاجي بالتركيز على مجموعة من التدابير الجزائية و الاجتماعية و التربويـة و النفسية و الطبية داخل المؤسسة العقابية و مواصلة العملية إلى ما بعد إطلاق سراحه بإمداده بالرعاية اللاحقة ، نتطرق إلى هذه الفقرة المدعمة لشرحنا السابق كالآتي :
Le processus de préparation a la sortie et a la resocialisation commence en prison et continue après la libération et que doit exister une solution de continuité entre : l'avant et l’après.
Dans la nécessiter d'une collaboration effective entre l'administration pénitentiaire et les associations d'aide a la resocialisations (3).
كما أنه و إلى جانب تعزيز أساليب إعادة التربية و الإدماج ، تضمن قانون تنظيم السجون و إعادة الإدمــاج الاجتماعي للمحبوسين ترتيبات لتطبيق العقوبات على مستويات مختلفة ، و يتيح التعاطي فرديا مع الحالات و تكييف
ــــــــــــــ
(1) انظر القرار الوزاري المشترك المؤرخ في 2006.08.02 الذي يحدد كيفيات تنفيذ إجراء منح المساعدة الاجتماعية و المالية لفائدة المحبوسين المعوزين عند الإفراج عنهم ، الجريدة الرسمية عدد 62 لسنة 2006.
(2) انظر الجدول المرفق بالملحق رقم 2-ج و الذي يوضح نموذج عن قائمة المحبوسين المستفيدين من الإعانات و المساعدات الاجتماعية بمؤسسة إعادة التربية بتمنراست.
(3) Pratique de la prison du bon usage des règles pénitentiaire internationale – pénal reform international, paris août 1997, p 115.
الفصل الثاني: أنظمة و آليات إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
العقوبات لأسباب استثنائية إنسانية و تربويـة و صحية من خلال تمكين المحبوس من التمتع بأنظمة إعـادة الإدماج الجديدة نتعرض إليها كما يلي:
المطلب الثــاني:
الأنظمة و التدابير الجديدة لإعادة الإدماج
لأجل إنجاح السياسة العقابية الجديدة و التي تتضمن معاملة عقابية حديثة تقوم على ترجيح كفـــة الإصلاح و إعادة تأهيل المحبوس لتحضير عودته و الاندماج في المجتمع، يتطلب إدخال أنظمة و تدابير جديدة في التشريع العقابي الأمر الذي تنبه إليه المشرع في الإصلاح الجديد من أجل تيسير تطبيق أنظمة إعادة التربية و إعادة الإدمــاج، نص قانون تنظيم السجون و إعادة الإدماج على عدة تدابير تهدف إلى جعل إعادة الإدماج حركية مستمرة و متواصلـة ترافق المحبوس و تتدرج به ، منها ما سبق عرضه في الفصل الأول عند دراستنا لأساليب إعادة التربية في البيئة المغلقـة و في البيئة المفتوحة . و سنحاول في دراستنا في هذا المطلب تبيان ما استحدثه المشرع في القانون الجديد تحت عنوان تكييف العقوبة (1) كما يلي :
- نظام الإفراج المشروط.
- إجازة الخروج.
- التوقيف المؤقت لتطبيق العقوبة .
- استعمال وسائل الاتصال عن بعد.
مع تدعيم ذلك بإحصائيات عددية اعتمدتها إدارة السجون في تطبيق هذه الأنظمة العلاجية منذ تنصيب لجنة تطبيـق العقوبات في شهر جويلية 2005 ، و ما تم تحقيقه من نتائج على مستوى مؤسسة إعادة التربية بتمنراست.
الفـرع الأول: نظام الإفراج المشروط.
يشكل نظام الإفراج المشروط إحدى صور التنفيـذ الجزئي للعقوبة خارج أسوار السجن ،و خاصة بعد إدخـال تعديلات جوهرية على هذا النظام بموجب قانون تنظيم السجون رقم 05/04 ، بحيث أصبح يشكل أهم مؤشر على حسن سير السياسة الإصلاحية المنتهجة بموجب القانون أعلاه من خلال النتائج المحققة ميدانيا ، و ذلك بالنظـر إلى الدور الذي يلعبه هذا النظام في إعادة تأهيل المحبوسين اجتماعيا (2). و لمزيد من الشرح نتعرض إلى:
أولا: تعريف الإفراج المشروط.
يقصد بالإفراج المشروط تعليق تنفيذ الجزاء الجنائي قبل انقضاء كل مدته المحكوم بها ، متى تحققت بعض الشروط و التزام المحكوم عليه باحترام ما يفرض عليه من إجراءات خلال المدة المتبقية من ذلك الجزاء (3).
ــــــــــــــ
(1) انظر المواد من 129 إلى 150 من القانون 05/04.
(2) Revue Pénitentiaire et de droit pénal – beltin de la société général des prisons et de législation criminelle – janvier, mars 1976, N 1, p 117.
(3) د/ محمد صبحي نجم: أصول الإجرام و العقاب، المرجع السابق، ص 160.
الفصل الثاني: أنظمة و آليات إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
و يرجع ظهور هذا النظام إلى كل من ميرابو و بونفيل دي مارسا نجي ،بفضل الدراسة التي أنجزاها و تقدما بها إلى الجمعية الوطنية الفرنسية عام 1848 و طبقته فرنسـا لأول مرة في 1885.08.05 ، في حين سبقتها كـل من إنجلترا التي أخذت به سنة 1803 ثم انتقل بعـد ذلك إلى البرتغال و ألمانيا و دول أخرى ، و قد أخذ به المشـرع الجزائري في أحكام الأمر رقم 72/02 الملغى.
و بالرغم من الضجة و الجدل الفقهي الكبير الذي دار حول تبني هذا النظام باعتبار أنه يمس مبدأ حجية الشـيء المقضي فيه من جهة ، و يخالف مبدأ الفصل بين السلطات من جهة أخرى،إلا أن هذا النظام يبرز عدة اعتبارات منها تشجيع المحبوس على التزام السلوك الحسن و الانضباط داخل السجن و خارجه حتى يستفيد من مزاياه ،خاصة إذا عرفنا أن المحبوس لا يستفيد منه بقوة القانون ، بمعنى أنه ليس حق له بـل هو منحة أو مكافأة للمحبوس الذي يلتزم بالنظام الداخلي للمؤسسة العقابية و يقدم ضمانات إصلاح حقيقــة من خلال استقامته طول فترة زمن الاختبار ، هذا ما أخذ به المشرع الجزائري في نص المادة 134 من القانون 05/04 و التي تنص:" يمكن للمحبوس الذي قضــى فترة اختبار من مدة العقوبة المحكوم بها عليه أن يستفيد من الإفـراج المشروط إذا كان حسن الســيرة و السلوك و أظهر ضمانات جدية لاستقامته".
ثانيا: شروط الإفراج المشروط.
من خلال استقراء نصوص قانون تنظيم السجون و إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين لا سيما المـادة 134 و ما يليها ، نستخلص منها شروط موضوعية و أخرى قانونية لاستفادة المحبوس من نظام الإفراج المشروط هي:
أ- الشروط الموضوعية: و هي شروط متصلة بصفة المستفيد نوردها فيما يلي:
- أن يكون للمحبوس سيرة حسنة داخل المؤسسة العقابية في الفترة التي أمضاها في الحبس.
- أن يقدم المحبوس ضمانات إصلاح حقيقية لاستقامته، من خلال وجـود أمارات تدل بما لا يدع مجالا للشك على سهولة اندماجه في المجتمع و تكيفه معه.
و إذا كان معيار حسن السيرة و السلوك معيارا ذاتيا يخشى من سوء استعماله ، فإن معيار إظهار ضمانات جدية للاستقامة معيار فضفاض يصعب التأكد منه، و لهذا نجد بعض التشريعات ( الايطالي و الألماني ) لم تأخذ به (1).
ب- الشروط القانونية:
- أن يكون المحبوس محكوما عليه نهائيا.
- قضاء المحبوس نصف العقوبة إذا كان مبتدئ ،و ثلثيها إذا كــان معتاد الإجرام و في هذه الحالة يجب أن لا تقل العقوبة عن سنة ، في حين المحبوس المحكوم عليه بعقوبة المؤبد فلا يمكنه الاستفادة من هذا النظام إلا بعد قضائـه فعليا 15 سنة سجنا.
- تسديد المصاريف القضائية و الغرامات و التعويضات المدنية المحكوم عليه بها، أو ما يثبت تنازل الطرف المدني عنها.
ــــــــــــــ
(1) د/ احسن بوسقيعة: الوجيز في القانون الجزائي العام، الطبعة الثالثة 2006 ، دار هومة للطباعة و النشر و التوزيع بوزريعة الجزائر، ص 336.
الفصل الثاني: أنظمة و آليات إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
إضافة إلى شروط شكليــة تضمنها بالتفصيل المنشور رقم 01/05 و المتعلق بكيفية البت في ملفات الإفـراج المشروط (1) أهمها:
- الطلب أو الاقتراح.
- الوضعية الجزائيـة.
- صحيفة السوابق القضائية رقم 02.
- نسخة من الحكم أو القرار.
- تقرير مدير المؤسسة العقابية عن وضعية المحبوس و سيرته و سلوكه خلال مدة حبسه.
ثالثا: السلطة المختصة بالإفراج المشروط.
إن السياسة الإصلاحية التي تبناها المشرع في قانون تنظيم السجون مست بشكل جوهري نظام الإفراج المشروط، حيث حسم في أمر سلطة منح الإفراج التي كانت محتكرة في يد وزير العدل حافظ الأختام في ظل الأمر 72/02 ، و بموجب المادة 141من القانون 05/04 تم التخلي عن مركزية القرار في السلطة التقريرية و توسيعها لقاضي تطبيق العقوبات في إطار نشاط لجنة تطبيق العقوبات ،و التي تختص بالفصل في ملفات الإفراج المشروط لفائدة المحكوم عليهم الذين بقي من عقوبتهم ما يساوي أو يقل عن أربع و عشرين (24) شهرا ، فيما أبقى على اتخاذ قرار الإفراج المشروط بالنسبة للمحكوم عليهم و الباقي على عقوبتهم مدة أكثـر من أربعة و عشرون (24) شهرا من اختصاص وزير العدل حافظ الأختام (2).
و بغرض تفصيل دور الإفراج المشروط بما لديه من أهمية في إعادة تأهيل و إدماج المحبوس في المجتمع مجددا ، جاء استثمار المشرع في هذا النظام في محله و هذا ما تبينه النتائج المسجلة في الميدان، منذ دخول هذا القانون حيز التنفيـذ و تنصيب الآليات المختصة في منحه، و سوف تقدم هذه الإحصائيات في موضعها.
كما أن الإصلاح المستحدث نوع من صور الإفراج المشروط إلى صور أخرى جديدة هي:
الصورة الأولى: الإفراج المشروط لأسباب صحية.
هذه الصورة نصت عليها المادة 148 من القانون أعلاه ،و يمكن أن يستفيد منها المحبوس دون استيفائه لشـروط المادة 134 المتمثلة في مدة الاختبـار ، في حين حددت المادة 149 من نفس القانون أعلاه إجـراءات و شـروط الاستفادة من هذه الصورة و هي:
- أن يكون المحبوس المستفيد مصاب بمرض خطير أو إعاقة تتنافى مع بقائه في الحبس ،و من شأنها التأثير سلبا و بصفة مستمرة و متزايدة على حالته الصحية و البدنية و النفسية .
- أن يكون مقرر الإفراج المشروط لأسباب صحية و الذي يصدره قاضي تطبيق العقوبات بعد أخذه رأي لجنة تطبيق
ــــــــــــــ
(1) انظر المنشور رقم 01/05 المؤرخ في 2005.06.05 المتعلق بكيفية البت في ملفات الإفراج المشروط الصادر عن وزير العدل حافظ الأختام،
الملحق رقم 4-د.
(2) المادة 142 من القانون 05/04.
الفصل الثاني: أنظمة و آليات إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
العقوبات مسببا بناءا على تقرير مفصل من طبيب المؤسسة العقابية مرفوقـا بتقرير خبرة طبية أو عقلية حسب الحالة
يعدها ثلاثة أطباء أخصائيين في هذا المرض
الصورة الثانية: الإفراج المشروط للمحبوس المبلّغ.
هذه الصورة المستحدثة بموجب نص المادة 135 من قانون 05/04 و التي يستفيد منها المحبوس المبلغ للسلطات المختصة عن حادث خطير قبل وقوعه ، من شانه المساس بأمن المؤسسة أو يقدم معلومات للتعرف على مدبريـــه
أو بصفة عامة يكشف عن مجرمين و إيقافهم.
و الغاية من تقرير الصورتين ،هو انه إذا كانت الأولى تعود إلى اعتبارات إنسانية بالدرجة الأولى إلى جانب توفير الخزينة العامة لمصاريف تثقل كاهلها ، فان الثانية تعود إلى اعتبار امني بالدرجة الأولى للحفاظ على أمن المؤسسـات العقابيــــة.
رابعا: الطعن و اثاره (1).
في حالة الطعن في مقرر الإفراج المشروط من قبل النائب العام في أجل ثمانية ( 08) ايام من تاريخ التبليغ ، يوقف تنفيذه إلى غاية الفصل فيه من طرف لجنة تطبيق العقوبات في غضون خمسة و أربعين ( 45 ) يوما من تاريخ الطعن، و نكون هنا أمام حالتين:
- في حالة رفض الطعن، يبلغ مقـرر الرفض الصادر عن لجنة تكييف العقوبـات بواسطة النيابة العامة لقاضي تطبيق العقوبات الذي يسهر على تنفيذه.
- و في حالة قبول الطعن يقوم بإلغاء مقرر الإفراج المشـروط و يقوم امين اللجنة بتسجيل المقرر في السجل المعد لذلك.
و إذا تم إلغاء مقرر الإفراج المشروط الصادر عن قاضي تطبيق العقوبات ،لا يمكن تقديم طلب جديد للاستفادة من الافراج المشروط قبل انقضاء مدة ثلاثة ( 03 ) أشهر من تاريخ مقرر لجنة تكييف العقوبات.
و يترتب على استفاد المحبوس من الإفراج المشروط اثر فوري يتمثل في إخلاء سبيله قبل الأجل من خلال إعفاءه مؤقتا من قضاء ما تبقى من عقوبته و اثر آخر في إمكانية الرجوع في قرار الإفراج المشروط إذا طرأت إشكالات عرضية من شانها إبطاله كصدور حكم جديد بإدانة المستفيد من الإفراج المشروط قبل انقضاء مدة العقوبة التي استفاد من اجلها من الإفراج و في حالة إخلاله بالالتزامات المفروضة عليه سواء تعلق الأمر بتدابير المراقبة و المساعـــدة أو بإجراءات المنصوص عليها في مقرر الإفراج المشروط نفسه.
و قد ذهب الدكتور احسن بوسقيعة إلى انه من المستحب أن لا ينظر عند منح الإفراج أو رفضه إلى ماضي المحبوس أي إلى الأفعال التي ارتكبها ، ذلك أن الإفراج المشروط مؤسسة موجهة للمستقبل و ليس للماضي(2).
ــــــــــــــ
(1) انظر المادة 141 و ما يليها من قانون 05/04.
(2) د/ احسن بوسقيعة: المرجع السابق، ص 342.
الفصل الثاني: أنظمة و آليات إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
خامسا: النتائج المسجلة بعد تنصيب لجنة تطبيق العقوبات.
منذ تخلي المشرع العقابي على نظام مركزية منح مقرر الإفراج المشـروط و الذي احتكره وزير العــدل حافظ الأختام في ظل أمر 72/02 بالقانون 05/04 و الذي جعل هذه السلطة في يد قاضي تطبيق العقوبات للفئة المحددة في نص المادة 141، و بعد تنصيب لجنة تطبيق العقوبات منذ شهر جويلية 2005 انعكس ذلك على النتائج المسجلة في الميدان من خلال نشاط هذه اللجنة الفعال، نبينه فيما يلي:
أ- النتائج المسجلة على المستوى الوطني ( مختلف المؤسسات العقابية ):
الملاحظ أن عدد المستفيدين من نظام الإفراج المشروط ارتفع بصورة نوعية و ذلك بداية من شهر جويلية 2005 تاريخ بداية نشاط لجان تطبيق العقوبات إلى غاية شهر افريل 2006 ، حيث بلغ العدد 1719 محبوس مستفيــد
و من مختلف فئات المحبوسين المحكوم عليهم نهائيا (1) ،و بلغ العدد 6618 مستفيد إلى غاية شهــر ديسمبر 2007 ( الملحق رقم 3-ب ).
ب- النتائج المسجلة على مستوى مؤسسة إعادة التربية بتمنراست:
نفس الشيء يلاحظ بخصوص النتائج المسجلة على مستوى مؤسسة إعادة التربية بتمنراست ، و يتجلى ذلك من خلال تزايد عدد المستفيدين من نظام الإفراج المشروط و خاصة بعد تنصيب لجنة تطبيق العقوبات التي يترأسها قاضي
تطبيق العقوبات ، إذ تمت استفادة ثلاثة ( 03 ) محبوسين سنة 2005 و ارتفع العدد إلى أربعة عشر ( 14 ) سنة 2006 و قفـز إلى ثلاثة و ثلاثون ( 33 ) مستفيد سنة 2007 ( الملحق رقم 3-ج ).
الفــرع الثاني: إجازة الخروج (2).
هذا التدبير مستحدث بموجب قانون تنظيم السجون الجديد،و بمقتضاه يتم السماح للمحبوس بترك السجن خلال فترة محددة ( 10 ايام ) لملاقاة و الاجتماع بأسرته و الاتصال بالعالم الخارجي ككل ، و قد نص المشرع علـى هذه الصيغة في المادة 129 من القانون أعلاه:" يجوز لقاضي تطبيق العقوبات بعد أخذ رأي لجنة تطبيق العقوبات مكافـأة المحبوس حسن السيرة و السلوك المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية تساوي ثلاث ( 03 ) سنوات أو تقل عنها بمنحه إجازة خروج من دون حراسة لمدة اقصاها عشرة ( 10) أيام.
ــــــــــــــ
(1) مجلة رسالة الإدماج : العدد الثالث جويلية 2006 ، المديرية العامة لإدارة السجون و إعادة الإدماج، ص 30.
(2) ننبه إلى اختلاف إجازة الخروج عن رخصة الخروج المنصوص عليها في المادة 56 من نفس القانون من حيث:
تمنح في حالات استثنائية ( ظروف إنسانية و عائلية ملحة كوفــاة ( AUTORISATION DE SORTIE ) - أن رخصة الخروج
أحد أفراد العائلة ) و غالبا ما تكون ليوم واحد و لا تتجاوز ثلاثة أيام. في حين أن إجازة الخروج تمنح كمكافأة للمحبوس دون اعتبارات أخرى
- تمنح رخصة الخروج للمحبوس مهما كانت وضعيته الجزائية متهم أو محكوم عليه عكس إجازة الخروج التي تمنح للمحبوس المحكوم عليه فقط.
- تمنح رخصة الخروج من طرف القاضي المختص الذي يتواجد على مستواه الملف ( قاضي التحقيق ، وكيل الجمهورية ، النائب العام ، غرفــة
الاتهام ) في حين تمنح إجازة الخروج من طرف قاضي تطبيق العقوبات في إطار نشاط لجنة تطبيق العقوبات.
الفصل الثاني: أنظمة و آليات إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
يمكن أن يتضمن مقرر منح إجازة الخروج شروطا خاصة تحدد بموجب قرار من وزير العدل حافظ الأختام".
في حين تمنح إجازة لمدة 30 يوما أثناء فصل الصيف للحدث المحبوس من طرف مدير مركز إعادة تربية و إدمــاج
الأحداث أو مدير المؤسسة العقابية،كما يستفيد من عطل استثنائية بمناسبة الأعياد الوطنية و الدينية مع عائلته في حدود 10 أيام في كل ثلاثة أشهر ، مكافأة لحسن سيرتــه و سلوكه حسب المادة 125 من نفس القانون .
من خلال نص المادة 129 أعلاه ، نستخلص شروط الاستفادة من إجازة الخروج كمرحلة أولى ، ثم نحدد طبيعتهــا القانونية كمرحلة ثانية ، و نصل إلى دورها في إعادة إدماج المحبوس المستفيد منها كمرحلة أخــرى ، و سندعم فقرتنا هذه بآخر إحصائيات إدارة السجون في هذا المجال.
أولا: شروط الاستفادة منها.
- أن يكون المحبوس محكوم عليه نهائيا.
- أن يكون المحبوس حسن السيرة و السلوك.
- أن يكون محكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية تساوي ثلاث ( 03 ) سنوات أو تقل عنها.
- إمكانية تضمين مقرر منح الإجازة شروطا خاصة يحددها وزير العدل حافظ الأختام.
و بالنسبة للأحداث فان استفادتهم من هذا التدبير غير مقترن بالشروط المذكورة أعلاه.
ثانيا: طبيعتها القانونية.
بالرجوع إلى نص المادة 129 أعلاه،تتضح الطبيعة القانونية لإجازة الخروج من حيث أنها لا تعد حقا للمحكوم عليه ، بل هي آلية جوازية في يد قاضي تطبيق العقوبات و الذي يكافئ عن طريقها المحبوس الذي تتوفر فيه الشروط المبينة أعلاه ، تشجيعا له على مواصلة حسن السيرة و السلوك داخل المؤسسة العقابية.و تجدر الإشارة إلى أن هذه الآلية تمنح لقاضي تطبيق العقوبات سلطة تقديرية في منحها من عدمه ،و كذا في تقدير مدة الاجازة بحسب جدية استقامة كل محبوس ، و لا تتعدى عطلة أو إجازة الخروج عشرة ( 10 ) أيام كأقصى حد لهـــا.
ثالثا: دورها في إعادة إدماج المحبوس المستفيد.
تبنى المشرع هذه الصيغة و النظام ( إجازة الخروج ) في قانون تنظيم السجون الجديد على غرار بقية التشريعـات و الأنظمة المقارنة المتطورة في هذا المجال ،منها النظام الفرنسي الذي أخذ بهذه الصيغة و صيغ أخرى لم يتبناها المشرع الجزائري بعـد ، بموجب المادة 9- 149D من قانون الإجراءات الجزائية الفرنســي و كذا المرسوم المــؤرخ في 1972.09.12 ( 1) ، و ذلك لما تحققه هذه الصيغة من فوائد في إعادة إدماج المحبوسين اجتماعيا نوردهـا في:
- أن خروج المحبوس و اجتماعه بأسرته يحقق فوائد عظيمة ، إذ يطمئن على أحوالهم و على أحوال المجتمع بصفــة عامة فتهدأ نفسه و تثمر معه المعاملة العقابية مما يساعد على تأهيله و إصلاحه (2).
ــــــــــــــ
(1) revue pénitentiaire et de droit pénal : ouvrage précèdent, p 109.
(2) د/ محمد صبحي نجم: أصول الإجرام و العقاب، المرجع السابق، ص 149.
الفصل الثاني: أنظمة و آليات إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
- أن إجازة الخروج تعد عطلة يكافأ من خلالها المحبوس و التي يستغلها في التقليل من حدوث المشاكل العائلية جراء اعتقالـــه.
- كما تعد إجازة الخروج في ظل السياسة العقابية الحالية المطبقة في النظام الجزائري أنجع علاج للمشكلة الجنسيـة ، ذلك أن الحرمان الطويل من إشباع الرغبـة الجنسية - و خصوصا في العقوبات الطويلة المدة - كثيرا ما تنشأ عنـه اضطرابات نفسية و عصبية و يفضي كذلك إلى ظواهر شـاذة كالعادة السرية و اللواط (1) ، لاسيمـا و أن المشرع الجزائري لم يسمح بإتاحة المحبوس زيارات زوجية ( حق الخلوة ) كما هو عليه في بعض الأنظمة المقارنـة التي تسمح للمحبوس أن يجامع زوجته إن كان متزوجا.
و في هذه النقطة أكدت منظمة الإصلاح الجنائي الدولي P.R.I و المهتمة بقطاع السجون على ما يلي:
- mais la meilleure façon d’encourager les relations des détenus avec l’extérieur est l’octroi de permissions ou de congés :
- le retour périodique du détenu dans son foyer peut atténuer certain
problèmes inhérents a l’incarcération.
En particulier les difficultés sexuelles et relationnelles avec leur
partenaires (2).
رابعا: النتائج المسجلة.
بلغت حصيلة نشاط لجان تطبيق العقوبات منذ تاريخ تنصيبها شهر جويلية 2005 على مستوى المؤسســات العقابية حيث تم منح 1186 إجازة خروج (3)، و بلغ العدد 7046 مستفيد إلى غاية شهر ديسمبر 2007 ( الملحق رقم 3-ب ).
و الملاحظ على مستوى نشاط لجنة تطبيق العقوبات بمؤسسة إعادة التربية بتمنراست أنها لم تطبق هذه الصيغة، أي لم تمنح إجازة الخروج للمحبوسين عكس ما هو عليه في باقي لجان تطبيق العقوبات الأخرى ، و يرجع ذلك حسب قاضي تطبيق العقوبات بصفته رئيس لجنة تطبيق العقوبات على مستوى هذه المؤسسة العقابية إلى طبيعة الجمهــور العقابي الذي يشكل المؤسسة العقابية ، حيث أن نسبة كبيرة منهم أجانب إضافة إلى نسبة كبيرة من المحبوسين ليس لهم إقامة ثابتة و مستقرة على مستوى مدينة تمنراست مما يتنافى و تحقيق الهدف المنشود من الاستفادة من هذا النظام المقرر أساسا للحفاظ على الروابط العائلية.
ــــــــــــــ
(1) د/ رمسيس بهنامر: علم الإجرام ، الجزءان الثاني و الثالث علم الاجتماع الجنائي و علم السياسة الجنائية أو الوقاية و التقويم ، الكتب القانونية ، منشاة المعارف بالإسكندرية ، ص 511-512.
(2) pratique de la prison : ouvrage précédent , p 99.
(3) أبواب مفتوحة على العدالة : المرجع السابق ، ص 110.
الفصل الثاني: أنظمة و آليات إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
الفرع الثالث:
التوقيف المؤقت لتطبيق العقوبة (1)
يمثل نظام التوقيف المؤقت لتطبيق العقوبة أحد التدابير و الأنظمة المستحدثة بموجب القانون الجديـد 05/04 ، مضمونه انه إذا كان الإفراج المشروط ينطوي على تغيير في كيفية تنفيذ الجزاء من الوسط المغلق إلى وسـط حر، فان
التوقيف المؤقت لتطبيق العقوبة يقتصر على مجرد تعليق و رفع قيد سلب الحرية خلال فترة تنفيذ العقوبة لمدة معينـة لا تتجاوز ثلاثة (03 ) اشهر ، و يواصل تنفيذ مدة العقوبة الباقية داخل الوسط المغلق.
و قد نصت المادة 130 من القانون 05/04 أعلاه انه يجوز لقاضي تطبيق العقوبات بعد أخذ رأي لجنـة تطبيق العقوبات إصدار مقرر مسبب بتوقيف تطبيق العقوبة السالبة للحرية لمدة لا تتجاوز ثلاثة ( 03 ) اشهر إذا كان باقي العقوبة المحكوم بها على المحبوس يقل عن سنة ( 01 ) واحدة أو يساويها.
أولا: شروط الاستفادة من هذا الإجراء.
من نص المادة 130 نستخلص هذه الشروط و هي:
- أن يكون المحبوس محكوما عليه نهائيا.
- أن يكون باقي العقوبة المحكوم بها اقل من سنة واحدة أو تساويها.
- أن يكون توقيف العقوبة مؤقتا في حدود ثلاثة اشهر.
- أن تتوفر في المحبوس إحدى الأسباب المذكورة في نص المادة 130 أعلاه.
ثانيا: آثار هذا الإجراء.
لهذا الإجراء أثرين هما:
- رفع القيد ( سلب الحرية ) مؤقتا خلال فترة توقيف العقوبة.
- لا تخصم فترة توقيف العقوبة من مدة العقوبة المحكوم بها.
ثالثا: إجـــراءاته.
للاستفادة من هذا النظام يجب:
- أن يقدم المحبوس أو ممثله القانوني أو احد أفراد عائلته طلب الاستفادة من تعليق العقوبة.
- يوجه الطلب إلى قاضي تطبيق العقوبات و الذي يفصل فيه خلال عشرة (10 ) أيام من تاريخ إخطاره.
- تبليغ مقرر التوقيف أو رفضه إلى النائب العام و المحبوس حسب الحالة في أجل ثلاث (3) أيام من تاريخ البت فيه.
- إمكانية الطعن في مقرر التوقيف المؤقت للعقوبة أو رفض الطلب في أجل ثمانية (8) أيام من تاريخ التبليغ و يكون له اثر موقف.
ــــــــــــــ
(1) و يختلف هذا التدبير عن نظام التأجيل المؤقت لتنفيذ العقوبة المنصوص عليه في المادة 15 من قانون 05/04 في أن هذا الأخير يستفيد منه المحكوم عليه نهائيا قبل تنفيذ العقوبة السالبة للحرية إذا توفرت الحالات المنصوص عليها في المادة 16 من نفس القانون.
الفصل الثاني: أنظمة و آليات إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
و المشرع الجزائري بتبنيه لهذا النظام ،فهو يراعي من خلاله ظروف المحبوس الاجتماعية و العائلية و لأسبــاب إنسانية (1) ملحة تعترض حياة المحبوس أثناء تنفيذه لعقوبته تقتضي وجوده خارج أسوار السجن ، للمساهمة في تقديم ما تفرضه تلك الأسباب أو الظروف من واجبات. فقد يمرض احد أفراد أسرته مرضا خطيرا يكشف عن دنـو اجله، أو قد يموت احدهم فيكون من المناسب خروج المحكوم عليه لكي يقف بجانب أسرته في هذا الظرف الإنساني، فيعود المريض الذي أشرف على الموت و يشترك في تشييع جنازة من مات منهم ، و يمكن أن يكون تعليق العقوبة مؤقتـا لمناسبات سعيدة مثل تأدية امتحان.
و قد نصت القاعدة 44/2 من مجموعة قواعد الحد الأدنى لمعاملة المساجين على:
- un détenu doit informé immédiatement du décès ou de la maladie grave d’un proche parent, en cas de maladie dangereuse d’une t’elle personne lorsque les circonstances le permettent.
Le détenu devait être autorisé a se rendre a son chevet soit sans escorte, soit librement (2).
و حرصا من المشرع على استعمال هذه التدابير أعلاه وفق ما سطره قانون تنظيم السجون بخصوص التجسيد الحقيقي و الفعلي لسياسة إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين اعتبر المحبوس المستفيد منها و لم يرجع إلى المؤسسة العقابية بعد انتهاء المدة المحددة له في حالة هروب و يتعرض للعقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات ( المادة 169 من قانون 05/04 ).
الفرع الرابع: وسائل الاتصال عن بعد.
إن الإصلاحات التي تبناها قانون تنظيم السجون الجديد أولت أهمية قصوى لتحديث عتاد و تجهيزات المؤسسات العقابية و تزويدها بالوسائل الحيوية ، التي من شانها التقليل من فوارق الحياة الموجودة بين خارج السجن و داخلـه ، لذا فالمشرع نص في المادة 72 من القانون أعلاه على انه " يمكن أن يرخص للمحبوس الاتصـال عن بعد باستعمال الوسائل التي توفرها له المؤسسة العقابية.
تحدد كيفيات تطبيق أحكام هذه المادة عن طريق التنظيم".
و قد جاء المرسوم التنفيذي رقم 05/430 الصادر في 2005.11.08 و الذي يحدد وسائل الاتصال عن بعـد و كيفية استعمالها من قبل المحبوسين (3) بهدف إبقاء المحبوس على علاقة مستمرة بأسرته ، و ذلك لما للرابطة العائلية من تأثير علـــى شخصيته و الرفع من معنوياته و تخفيف أعباء تنقل أفراد الأسرة لزيارته.
و يستفيد الحدث المحبوس على وجه الخصوص من استعمال وسائل الاتصال عن بعد تحت رقابة الإدارة ( المادة 119/2 من قانون 05/04 ).
ــــــــــــــ
(1) انظر المادة 130 من القانون 05/04.
(2) pratique de la prison : ouvrage précédent, p 107.
(3) انظر الجريدة الرسمية عدد 74 لسنة 2005.
الفصل الثاني: أنظمة و آليات إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
كما مكن القانون الجديد المحبوس بالمحادثة مع زائريه دون فاصلrapproché parloir وفقا للنظام الداخلي للمؤسسة العقابية ، و ذلك من اجل توطيد أواصر العلاقات العائلية للمحبوس من جهة ،و إعادة إدماجه اجتماعيـا أو تربويا من جهة ثانية ،أو لأي سبب اخر لاسيما إذا تعلق بوصفه الصحـي (1).
إن برنامج إصلاح السجون الذي جاء بتدابير و إجراءات قانونية جديدة سمح بترقية النشاط التربوي و الإصلاحي داخل المؤسسات العقابية و جعلها متفتحة اكثر مع العالم الخارجي ، و هذا ما تعكسه النتائج المسجلة خلال السنوات الأخيرة من حيث ارتفاع عدد المحبوسين المسجلين لمزاولة التعليم و التكوين في كل المستويات و التخصصات ، و كذا عدد المستفيدين من مختلف الأنظمة الجديدة من إفراج مشروط و إجازة الخروج و حرية نصفية ... إلا أن تطبيــق برامج إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين بشكل فعال ، يبقى بحاجة لتدخل المشرع من جديد لإثــراء قانون تنظيم السجون أسوة بقانون العقوبات و قانون الإجراءات الجزائية ، على غرار باقي التشريعات المقارنـــة و المتطورة في هذا المجال، بمجموعة من التدابير و الجزاءات البديلة للعقوبة السالبة للحرية و التي أثبتت فعالية نتائجها بخصــوص إصلاح المحبوس و حماية المجتمع معا ، و أكثر هذه الأنظمة شيوعا ما يلي:
العمل للصالح العام ، حبس نهاية الأسبوع Weekend pénal ، تخفيض العقوبة réduction de peine
و تجدر الإشارة إلى أن تطبيق هذه الأنظمة الجديدة التي سطرها المشرع بموجب الإصلاح العقابي الجديد ،بحاجـة إلى تضافر جهود الجميع من قطاعات دولة و مؤسسات المجتمع المدني، و هذا ما سوف نتطرق إليه في دراستنا الآتية.
ــــــــــــــ
(1) المادتين 69 ، 119/2 _5 من القانون 05/04.
الفصل الثاني: أنظمة و آليات إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
المبحث الثـاني:
الآليات الجديدة لإعــادة التربية
و الإدماج الاجتماعي للمحبوسـين
إذا كان المشروع الإصلاحي للسياسة العقابية الذي تبناه قانون تنظيم السجون فرضته التغيرات و المستجــدات الحديثة ، و في سبيل تقوية فرص الإدماج الاجتماعي للمحبوسين سواء أثناء مرحلة تنفيذ العقوبة أو بعد الإفــراج عنهم ، فان القانون المذكور أعلاه وضع آليات جديدة تتمثل في مختلف اللجان و المصالح و الهيئات و الجمعيــات المدنية ، و التي تعمل بالتنسيق فيما بينها قصد إعداد و تحضير المحبوسين للعودة للعيش ضمن مجتمعهم بصفة عادية كمرحلة أولى ، ثم التكفل بهم لنجاح إعادة إدماجهم من جديد و اتقاء انتكاسهم و معاودتهم الإجرام و بؤر الفساد كمرحلة ثانية ، من خلال إشراك المجتمع المدني باعتبار أن إصلاح المجتمعات لا يكون إلا بإصلاح الأفراد.
لذا سنحاول في هذا المبحث ، التعرض لمختلف اللجان و المصالح المتواجدة على مستوى المؤسسات العقابيــة و الإدارة المركزية المسندة لها مهام تطبيق برامج إعادة التربية و الإدماج خلال مرحلة تنفيذ العقوبة ( المطلب الأول )، ثم نتطرق إلى المصالح الخارجية و دور المجتمع المدني و مختلف الجمعيات في التكفل بالمحبوسين بعد الإفراج عنهـــم ( المطلب الثاني ).
المطـلب الأول:
الآليــات الجديدة لإعادة التربية
و الإدماج خلال مرحلة سلب الحرية
سبق و أن تناولنا أن عملية إعادة تربية و إدماج المحبوسين اجتماعيا تجد إطارها الفعال خلال مرحلة سلب الحرية، أي داخل الوسط المغلق باعتباره المكان المناسب لإخضاع المحبوسين لأساليب المعاملة العقابية الحديثة ، بحكم ما تتوفر عليه المؤسسة العقابية من إمكانيات مادية و بشرية هائلة تجعل من تطبيق برامج إعادة التربية و الإدمـاج الاجتماعي المستحدثة بموجب القانون الجديد ، و التي ترجح كفة الإصلاح و إعادة الإدماج و التأهيل عن طريق تغيير و توجيه سلوك المحبوسين إلى ما يفيد إعادة إدماجهم ضمن المجتمع بعد إطلاق سراحهم و استرجاع حريتهم.
و في سبيل ذلك ، يتعين أن يتولى تطبيق هذه البرامج و أنظمة إعادة الإدماج المستحدثة بموجب القانون أعلاه، جهاز فعال يتكون من مجموعة من الآليات أو اللجان و المصالح التي من شانها الدفع بوتيرة الإصلاحات إلى أن تحقق مراميها كاملة ، و سوف نتطرق إليها كما يلي:
الفصل الثاني: أنظمة و آليات إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
الفـرع الأول: قاضي تطبيق العقوبات
تبنى قانون تنظيم السجون الجديد مصطلح قاضي تطبيق العقوبات على غرار النظام الفرنسي و الذي اخذ بنفس المصطلح Le juge de l’application des peines ، عكس بعض الأنظمة التي أخذت بمصطلح قاضي الإشراف على التنفيذ (1).
أولا: اختيار و تعيين قاضي تطبيق العقوبات.
طبقا لنص المادة 22 من قانون تنظيم السجون و إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين يعين قاضي تطبيـــق العقوبات بموجب قرار من وزير العدل حافظ الأختام و يختار من بين القضاة المصنفين في رتب المجلس القضائي و ممن لهم دراية و يولون عناية خاصة بمجال السجون.
و قد يعين قاض أو أكثر في دائرة كل مجلس قضائي تسند له مهام قاضي تطبيق العقوبات.
من خلال المادة أعلاه ، نستنتج أن اختصاص قاضي تطبيق العقوبات يشمل كافة المؤسسات العقابية التي تتواجد في دائرة اختصاص المجلس القضائي الذي يعين فيه.
إلا أن الإشكال الذي يعيق قاضي تطبيق العقوبات في أداء مهامه على احسن وجه ، هو مدى إمكانية تفرغه كليا لهذه المهام فقط و إعفاءه من باقي المهام المكلف بها كقاضي حكم أو نيابة.
ثانيا: اختصاصات قاضي تطبيق العقوبات.
يختص قاضي تطبيق العقوبات بالسهر و الإشراف و مراقبة مشروعية تطبيق العقوبات السالبة للحرية و العقوبات البديلة عند الاقتضاء ، و على ضمان التطبيق السليم لتدابير تفريد العقوبة.
و بموجب القانون 05/04 فان مركز قاضي تطبيق العقوبات يعد من أهم آليات إعادة الإدمـاج ، خاصة و أن صلاحياته و سلطاته في إصدار القرارات و إبداء الرأي توسعت بشكل يساعد على أداء مهامه على النحــو الذي سطره هذا القانون.
و من أهم هذه المهام و الصلاحيات ما تضمنته نصوص قانون تنظيم السجون الجديد نجملها فيما يلي:
- دوره في النزاعات العارضة في تنفيذ الأحكام الجزائية: نصت المادة 14/2 من القانون أعلاه " يرفع هذا الطلب أمام الجهة القضائية التي أصدرت الحكم أو القرار أو من قاضي تطبيق العقوبات ".
- دوره في أنظمة الاحتباس: نصت المادة 46/3 من نفس القانون على أن المحبوس الخطير يتم وضعه في العزلة لمدة محدودة بناءا على مقرر يصدره قاضي تطبيق العقوبات كتدبير وقائي.
- دوره في حركة المحبوسين : جاء في المادة 53/2 على أن يأمر القاضي المختص باستخراج المحبوس لمثوله امام الجهة القضائية المختصة و يأمر به قاضي تطبيق العقوبات في الحالات الأخرى.
ــــــــــــــ
(1) من بين التشريعات التي أخذت بقاضي التنفيذ التشريع الايطالي.
لفصل الثاني: أنظمة و آليات إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
- دوره في الزيارات و المحادثة : نصت المادة 67 من القانون أعلاه على أن " للمحبوس الحق في أن يتلقـى زيارة الوصي عليه و المتصرف في أمواله و محاميه أو أي موظف أو ضابط عمومي متى كانت أسباب الزيارة مشروعة.
تسلم رخصة الزيارة للأشخاص المذكورين أعلاه من طرف قاضي تطبيق العقوبات ".
- دوره في شكاوى المحبوسين و تظلماتهم ( المادة 79 من نفس القانون ):
تم توسيع تدخل قاضي تطبيق العقوبات في تلقي شكاوى و تظلمات المحبوسين بغض النظر عن وضعيتهم الجزائيــة
( متهمين ، مستأنفين ، طاعنين ، محكوم عليهم نهائيا ) و هذا من خلافا للأمر الملغى رقم 72/02 و الذي كــان يحصر تدخل قاضي تطبيق العقوبات على فئة المحكوم عليهم نهائيا فقط.
- دوره في النظام التأديبي ( المادة 83 من القانون أعلاه ):
صنف القانون الجديد التدابير التأديبية إلى ثلاث ( 03 ) درجات و ترك أمر تحديد طبيعة الأخطاء التأديبية للنظام الداخلي للمؤسسة العقابية (1).
و تتخذ التدابير بمختلف درجاتها بمقرر مسبب من طرف مدير المؤسسة بعد الاستماع للمحبوس المعني.
مع الإشارة إلى أن القانون الجديد قلص من مدة الوضع في العزلة التأديبية من 45 يوما في ظل القانــون القديم إلى 30 يوما.
كما أن صلاحية الوضع في العزلة التأديبية لم يعد من صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات بل يعود القرار إلى مدير المؤسسة العقابية ، إلا انه للمحبوس المعاقب بموجب هذا التدبير أن يطعن فيه أمام قاضي تطبيق العقوبات في اجــل 48 ساعة من تاريخ التبليغ ، و يفصل فيه هذا الأخير في أجل خمسة ( 05 ) أيام من تاريخ الإخطار به.
كما انه لقاضي تطبيق العقوبات دور في إطار نشاط لجنة تطبيق العقوبات بصفته رئيسا لها نتناوله في الفرع الموالي.
ــــــــــــــ
(1) في ظل الأمر 72/02 الملغى كان ينص على مصطلح العقوبات التأديبية بدل التدابير التأديبية.
الفصل الثاني: أنظمة و آليات إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
الفــرع الثاني: لجنة تطبيق العقوبات
من أهم الآليات المستحدثة بموجب قانون تنظيم السجون الجديد ما نصت عليه المادة 24 منه (1) و ما تضمنه المرسوم التنفيذي رقم 05/180 المؤرخ في 2005.05.17 ،إنشاء لجنة تطبيق العقوبات (2) يرأسها قاضي تطبيق العقوبات.
إن هذه اللجنة التي يكون مقرها بالمؤسسات العقابية تعد وسيلة فعالة تساعد على إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين.
و في إطار تأطير نشاطات إعادة تربية الأحداث و إدماجهم الاجتماعي،نصت المادة 126 من القانون أعلاه على إنشاء لجنة إعادة التربية لدى كل مركز لإعادة التربية و إدماج الأحداث و المؤسسات العقابية المهيأة بجناح استقبال الأحداث ، و يترأسها قاضي الأحداث (3) إضافة إلى عضوية كل من مدير المركز أو مدير المؤسسة العقابية، الطبيب، الأخصائي النفساني ، المربي ، ممثل الوالي ، رئيس المجلس الشعبي البلدي أو ممثله.
و سوف نركز في دراستنا هذه على لجنة تطبيق العقوبات من خلال النقاط الآتية:
أولا: تشكيلة اللجنة.
نصت المادة 02 من المرسوم التنفيذي رقم 180/05 على تشكيلة لجنة تطبيق العقوبات كمايلي:
- قاضي تطبيق العقوبات رئيسا.
- مدير المؤسسة العقابية أو المركز المتخصص للنساء حسب الحالة عضوا.
- المسؤول المكلف بإعادة التربية عضوا.
- رئيس الاحتباس عضوا.
- مسؤول كتابة الضبط القضائية للمؤسسة العقابية عضوا.
- طبيب المؤسسة العقابية عضوا.
- الأخصائي النفساني بالمؤسسة العقابية عضوا.
- مربي من المؤسسة العقابية عضوا.
- مساعدة اجتماعية من المؤسسة العقابية عضوا.
ــــــــــــــ
(1) تنص المادة 24 من قانون 05/04 على: تنشأ لجنة تطبيق العقوبات لدى كل مؤسسة وقاية و كل مؤسسة إعادة التربية و كل مؤسسة إعادة التأهيل و في المراكز المخصصة للنساء.
(2) انظر الجريدة الرسمية عدد 35 لسنة 2005.
(3) يعين رئيس لجنة إعادة التربية بقرار من وزير العدل حافظ الأختام لمدة 03 سنوات قابلة للتجديد بناء على اقتراح من رئيس المجلس القضائي
المختص و ذلك ما نصت عليه المادة 127 من قانون 05/04.
الفصل الثاني: أنظمة و آليات إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
ثانيا: مهــام اللجنة.
إن ما يميز عمل لجنة تطبيق العقوبات هو العمل الجماعي الذي يرمي إلى معرفة شخصية المحبوس ، و من ثم إخضاعه للعلاج العقابي الذي يناسب و يتماشى مع شخصيته ، و درجة خطورته ، و استعداده لتقبله، و تدرجه نحو إعادة تربيته و إدماجه من جديد ضمن المجتمع . و بغرض تحقيق ذلك ، ارتأى المشرع ضرورة استحداث هذه اللجنة بدلا من لجنة الترتيب و التأديب (1) الواردة في القانون السابق ، و خولها جملة من المهام و الصلاحيات هي:
- ترتيب و توزيع المحبوسين حسب وضعيتهم الجزائية و خطورة الجريمة المحبوسين من اجلها ، و جنسهم ، و سنهم ، و شخصيتهم ، و درجة استعدادهم للإصلاح.
- متابعة تطبيق العقوبات السالبة للحرية و البديلة عند الاقتضاء.
- دراسة طلبات إجازات الخروج ،و طلبات التوقيف المؤقت لتطبيق العقوبة ،و طلبات الإفراج المشروط و الإفراج المشروط لأسباب صحية.
- دراسة طلبات الوضع في الوسط المفتوح و الحرية النصفية و الورشات الخارجية.
- متابعة تطبيق برامج إعادة التربية و تفعيل آلياتها (2).
و أهم ما يميز إنشاء لجنة تطبيق العقوبات في الإصلاح الجديد هو:
أ- انه في كل مؤسسة عقابية سواء وقاية أو إعادة التربية أو إعادة التأهيل تنشئ لجنة تطبيق العقوبات ،عكس ما كان عليه الحال في ظل الأمر 72/02 حيث اقتصر تواجد لجنة الترتيب و التأديب على مستوى مقر مؤسسة إعادة التربية و إعادة التأهيل دون مؤسسات الوقاية ، و هذا لتدارك التأخر في الفصل في الملفات المطروحة على مختلف اللجان المتواجدة و إعطاء حركية أكثر فاعلية لسياسة إعادة الإدماج.
ب- فيما يخص صلاحيات لجنة تطبيق العقوبات ،فقد توسعت بشكل واضح بموجب القانون الجديد و أصبح لها سلطة اتخاذ القرار ، بعد أن كانت سلطتها في القانون القديم تقتصر على مجرد الاقتراح و إبداء الرأي بخصوص المنح أو التعديل أو الإلغاء لأنظمة و تدابير إعادة التربية و الإدماج، و ذلك بتخلي المشرع عن مركزية القرار و الذي كان بيد وزير العدل حافظ الأختام، ليمتد بموجب قانون 05/04 إلى قاضي تطبيق العقوبات في إطار ترأسه لنشاط لجنة تطبيق العقوبات التي لها اتخاذ القرار السيد دون الرجوع إلى الإدارة المركزية و بالخصوص:.
- منح الإفراج المشروط إذا كان باقي العقوبة يساوي أو يقل عن 24 شهر.
- منح مقرر الاستفادة من التوقيف المؤقت لتطبيق العقوبة لمدة لا تتجاوز ثلاثة ( 03 ) أشهر.
ــــــــــــــ
(1) انظر المادة 24 من قانون 05/04.
(2) جاء تعويض لجنة تطبيق العقوبات بدلا من لجنة الترتيب و التأديب على غرار المشرع الفرنسي الذي كان سباقا في هذا الشأن.
الفصل الثاني: أنظمة و آليات إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
- منح إجازات الخروج لمدة أقصاها عشرة ( 10 ) أيام.
- الوضع في الوسط المفتوح ، الحرية النصفية ، الورشات الخارجية.
إضافة إلى مهام أخرى لا تقل أهمية عن ما ذكر أعلاه ، حيث تسهر على ترتيب و توزيع المحبوسين فور دخـولهم المؤسسة ، و متابعة تطبيق العقوبات السالبة للحرية و البديلة عند الاقتضاء ،و متابعة تطبيق برامج إعادة التربيـــة و تفعيلهـــا.
ج- جعل القانون الجديد رئاسة لجنة تطبيق العقوبات لقاضي تطبيق العقوبات كما كان الشأن بالنسبة للجنــة الترتيب و التأديب سابقا ، إلا انه بموجب الإصلاح الجديد أصبح عمل لجنة تطبيق العقوبات اكثر جماعية و تشاوريا، و أصبح القرار الذي تتخذه اللجنة تداولي بين أعضائها و في حالة تساوي الأصوات يرجح صوت رئيس اللجنــة المتمثل في قاضي تطبيق العقوبات ، بعدما كان رأي أعضاء لجنة الترتيب و التأديب سابقا استشاري فقط و سلطة اتخاذ القرار النهائي تعود لقاضي تطبيق العقوبات.
ثالثا: دراسة الطلبات و آجال البت فيها.
تجتمع لجنة تطبيق العقوبات شهريا (1) و بطلب من رئيسها قاضي تطبيق العقوبات ،و بعد تحديد تاريخ الجلسة
يقوم أمين ضبط اللجنة بتحرير الاستدعاءات لحضور الجلسة ، و يرسلها بعد توقيعها من الرئيس إلى أعضاء اللجنـة
و ذلك في آجال معقولة.
يقوم أمين اللجنة بتحرير محضر الاجتماع و الذي يحمل توقيع أعضاء اللجنة و الرئيس و أمين الضبط.
كما يمسك أمين اللجنة سجلات مرقمة و مؤشر عليها من طرف قاضي تطبيق العقوبات.
تتداول لجنة تطبيق العقوبات في الملفات المعروضة عليها بحضور ثلثي أعضاء اللجنة على الأقل ، و تتخذ مقرراتها
بأغلبية الأصوات و في حالة تعادلها يكون صوت الرئيس مرجح.
يقوم أمين اللجنة بتبليغ مقررات اللجنة و خاصة الفاصلة في :
- ملفات الإفراج المشروط.
- طلبات الاستفادة من التوقيت المؤقت لتطبيق العقوبات.
و ذلك لأن المقررات الفاصلة فيها سواء بالمنح أو الرفض ، تخضع حسب الحالة إلى إجراء الطعن في غضون ثمانية
أيام من تاريخ التبليغ سواء من النائب العام أو من المحبوس، و توجه الطعون إلى لجنة تكييف العقوبات في خلال خمسة
عشر يوما ابتداء من تاريخ تسجيل الطعن.
ـــــــــــــــ
(1) انظر المادة 06 من المرسوم التنفيذي رقم 05/180 المشار إليه أعلاه.
الفصل الثاني: أنظمة و آليات إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
الفــرع الثالث: لجنة تكييف العقوبات
هي آلية جديدة نصت عليها المادة 143 من قانون تنظيم السجون و تحدث لدى وزير العدل حافظ الأختام في
حين يتواجد مقرها على مستوى المديرية العامة لإدارة السجون و إعادة الإدماج ، أنشئت بموجب المرسوم التنفيذي
رقم 05/181 المؤرخ في 2005.05.17 ( جريدة رسمية عدد 35 لسنة 2005 ) .
أولا: مهامهـــا.
نصت المادة 143 من قانون تنظيم السجون الجديد و المادة 10 من المرسوم التنفيذي رقم 05/181 الذي يحدد
تشكيلة لجنة تطبيق العقوبات و تنظيمها و سيرها ،على مهام اللجنة و التي تتداول فيها بحضور 2/3 من أعضائها على
الأقل، و يمكن إجمالهــــا في:
01- دراسة طلبات الإفراج المشروط التي تفوق مدتها (24 ) أربعة و عشرون شهرا و التي يؤول الاختـصاص فيها
إلى وزير العدل.
02- البث في الطعون المرفوعة ضد مقررات لجنة تطبيق العقوبات و خاصة :
- مقررات منح الإفراج المشروط أو الرفض.
- مقررات التوقيف المؤقت لتطبيق العقوبة أو الرفض.
03- الفصل في الإخطارات المعروضة عليها من طرف وزير العدل طبقا لنص المادة 159 من قانون تنظيم السجون
و إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين 05/04 .
04- إبداء رأيها في طلبات الإفراج المشروط التي يؤول الاختصاص فيها إلى وزير العدل .
ثانيا: آجال البث في الطعون و الإخطارات.
فيما يخص آجال البت نفرق بين:
أ- بالنسبة للطعون : يتم الفصل في الطعون المعروضة عليها في أجل خمسة و أربعون (45) يوما ابتداء من تاريـخ الطعن ( المادة 141 من قانون 05/04 و المادة 11 من المرسوم التنفيذي رقم 05/181 ).
ب- بالنسبة للإخطارات : تفصل في الإخطارات المعروضة عليها طبقا للمادة 161 من قانون تنظيم السجون في أجل 30 يوما ابتداء من تاريخ الإخطار ( المادة 11/2 من المرسوم التنفيذي رقم 05/181 ).
- في إطار نشاط لجنة تكييـف العقوبات التي يترأسها قاضي من قضاة المحكمة العليا منذ تاريخ تنصيبها شهـر
جوان 2005 إلى غاية شهر ديسمبر 2007، و بمناسبة نظرها في الطعون المرفوعة أمامها و الخاصة بملفات الإفراج المشروط، تم إحصاء مايلي ( الملحق رقم 3-ه ):
مجموع الملفات المطعون فيها:1529 المقبولة: 906 المرفوضة: 514 بدون موضوع: 109
هذا فيما يخص الآليات المنوط بها متابعة المحبوسين خلال مرحلة تنفيذ العقوبة ، بحيث تطرقنا إلى الأهمية البالغة التي أولاها قانون تنظيم السجون الجديد لهيئة قاضي تطبيق العقوبات بإعطائه صلاحيات واسعة تساعده علـى أداء
الفصل الثاني: أنظمة و آليات إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
مهامه على النحو الذي سطره القانون ، و إلى جانب تنصيب لجان تطبيق العقوبات على مستوى كل مؤسســة عقابية تحت رئاسة قاضي تطبيق العقوبات و لجنة تكييف العقوبات لدى وزير العدل (مديرية إدارة السجون ) ، ممـا
سمح من إعطاء فعالية ميدانية لتجسيد الإصلاحات التي جاء بها قانون تنظيم السجون أعلاه ، و لضمان استمــرار
تجسيد هذه السياسة ميدانيا نعرج إلى تبيان أهم الآليات المستحدثة و التي تتولى متابعة المحبوسين خلال مرحلة الإفراج.
المطلب الثـــاني:
الآليات الجديدة لمتابعة المحبوسين خلال مرحلة ما بعد الإفراج
ينبغي أن نضع في عين الاعتبار أن عودة المفرج عنهم حديثا للاندماج في حظيرة المجتمع من جديد مشكلة عويصة
متعددة الجوانب ، و أنها ما لم تواجه بإجراءات فعالة فإن أي مفرج عنه حديثا سيجد أبواب العمل الشريف موصدة
في وجهه بطبيعة الحال ، و عندئذ سيضطر اضطرارا إلى سلوك طريق الانحراف من جديد (1) . و قد جاءت التوصية
الصادرة عن الحلقة العلمية العربية لدراسة قواعد الحد الأدنى لمعاملة المساجين سنة 1973 ببغداد بمايلي :" إن الحلقة
تؤكد دور الرعاية اللاحقة للمفرج عنهم كمرحلة مكملة للتنفيذ العقابي و إجراء لا غنى عنه لحماية المجتمع و المفرج
عنه من خطر العودة إلى الجريمة " ، و أوصت بأن تحظى هذه الرعاية بما تستحقه من اهتمام بأن تعد له الأجهــزة
المتخصصة و المدربة ، و ترصد لها الأموال الكافية و تتولى الدولة تنظيمها على نحو مباشر و دون إغفال لمساهمــة
الهيئات و الأفراد . و قد عنى المشرع الجزائري بما أوصت به المؤتمرات الدولية و الإقليمية ،و ما جاء في مجموعة قواعد
الحد الأدنى لمعاملة المساجين خاصة القاعدتين 80 و81 و ذلك إدراكا منه أن المحبوس هو إرث المجتمع ككل و هو
ما يجعل مهمة إعادة إدماجه اجتماعيا لا تقع على عاتق وزارة العدل وحدها ، بل تستدعي مساهمة مختلف قطاعات
الدولة و المجتمع المدني.
هذا و قد نص قانون تنظيم السجون على وضع آليات و مصالح و لجان ، مهمتها استكمال تنفيذ عملية الإدماج
الاجتماعي من خلال مد المفرج عنهم حديثا بالرعاية اللاحقة ، و سوف نتعرض إليها فيما يلي :
الفرع الأول: اللجنة الوزارية المشتركة لتنسيق نشاطات إعادة
تربية المحبوسين و إعادة إدماجهم الاجتماعــي
استحدثها قانون تنظيم السجون و إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين في مادته 21 ، و الغرض من إنشـاء
هذه اللجنة يهدف إلى إشراك كل قطاعات الدولة التي لها علاقة بعملية إعادة الإدماج.
و تعد هذه اللجنة الهيئة العليا التي تسهر على حسن تطبيق و فعالية السياسة العقابية الوطنية ، من خلال تركيبتها
التي تشمل كافة القطاعات و كل الفاعلين في مجال مكافحة الجريمـة ، على غرار ما هو معمول به في الأنظمــة
الراشدة في هذا المجال .
و قد تم تنصيب هذه اللجنة بموجب المرسوم التنفيذي رقم 05/429 المؤرخ في 2005.11.08 الذي حـدد
ـــــــــــــــ
(1) د/ عبد الرؤوف عبيد: أصول علمي الإجرام و العقاب ، الطبعة السادسة 1985 ، دار الفكر العربي ، ص 612-613.
الفصل الثاني: أنظمة و آليات إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
و نظم مهام و سير هذه اللجنة الوزارية المشتركة المختصة بتطبيق برامج إعادة التربية والإدماج الاجتماعــــي للمحبوسين (1).
أولا: تشكيلة اللجنة.
نصت المادة 2 من المرسوم التنفيذي رقم 05/429 أعلاه على: يرأس اللجنة وزير العدل حافظ الأختام أو ممثله و تتشكل من ممثلي القطاعات الوزارية ( للاطلاع على تشكيلة اللجنة انظر الملحق رقم 4-أ ).
و قد راعى المشرع في ضبط تشكيلة اللجنة على أن مسؤولية تحقيق سياسة إعادة الإدماج يتعدى حجمها ماديــا و بشريا إمكانيات و ميزانية قطاع وزارة العدل لوحدها ،و هذا بإشراك جميع القطاعات الوزارية.
كما خول اللجنة في إطار ممارسة مهامها الاستعانة بممثلي الجمعيات و الهيئات الآتية:
- اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان و حمايتها.
- الهلال الأحمر الجزائري.
- الجمعيات الوطنية الفاعلة في مجال الإدماج الاجتماعي للجانحين.
و يمكنها أن تستعين أيضا بخبراء أو مستشارين لتوضيح المواضيع التي تدخل في إطار مهمتها.
و طبقا للمادة 3 من نفس المرسوم، يتم تعيين أعضاء اللجنة بقرار من وزير العدل حافظ الأختام لمدة أربـــع سنوات، بناء على اقتراح من السلطات التي ينتمون إليها.
ثانيا:مهام اللجنة ( المادة 04 و 05 من المرسوم ).
في إطار عمل اللجنة تعقد اجتماعاتها في دورة عادية مرة كل ستة أشهر ،كما يمكنها أن تجتمع في دورة غير عادية بمبادرة من رئيسها ،أو بطلب من ثلثي أعضائها ، و تتولى المهام التالية:
01- تنسيق نشاطات القطاعات الوزارية و الهيئات الأخرى المساهمة في إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين.
02- تقييم وضعية مؤسسات البيئة المفتوحة و نظام الإفراج المشروط و كذا النشاطات المرتبطة بمجالات التشغيل في الورشات الخارجية و الحرية النصفية.
03- اقتراح كل نشاط في مجال البحث العلمي يهدف إلى محاربة الجريمة أو في مجالي الثقافة و الإعلام بهـدف محاربة الجنوح و الوقاية منه و كل تدبير تراه يعمل على تحسين ظروف الحبس بالمؤسسات العقابية.
04- المشاركة في إعداد و متابعة برامج الرعاية اللاحقة لهم بعد الإفراج عنهم.
و ما يستخلص من مهام هذه الآلية المستحثة بموجب المادة 21 من القانون 05/04 أن لها دور مزدوج وقائـي و علاجي ، إذ يبدأ بنشاطها التنسيقي بين مختلف القطاعات للوقاية من حدوث الجريمة و يستمر بعد وقوع الجريمـة و حبس الجناة بالعمل على تحسين ظروف الحبس و أنسنتها ، و من ثم إعداد و متابعة تطبيق برامج إعادة التربيـة
ــــــــــــــ
(1) انظر الجريدة الرسمية عدد 74 لسنة 2005.
الفصل الثاني: أنظمة و آليات إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
و الإدماج ، ليمتد نشاطها إلى ما بعد الإفراج من خلال منـح المساعدة و الرعاية اللاحقة للمحبوسين المفرج عنهم حديثــا.
و بغرض استكمال هذا الدور البالغ الأهمية ( و الصعب من جهة أخرى ) و تأثيره الايجابي على المجتمع و المحبوس معا ، تم استحداث إلى جانب اللجنة أعلاه آليات أخرى.
الفــرع الثاني:
المصالح الخارجية لإدارة السجون
تطبيقا لنص المادة 113 من قانون 05/04 و التي استحدثت المصالح الخارجية لإدارة السجون، و المكلفة بالتعاون مع المصالح المختصة للدولة و الجماعات المحلية بتطبيق برامج إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين، صدر المرسوم التنفيذي رقم 07/06 المؤرخ في 2007.02.19 يحدد كيفيات تنظيم و سير المصالح الخارجية لإدارة السجـون(1) و الذي يتضمن 16 مادة ، إذ نصت المادة الأولى منه على تسمية هذه المصالح الخارجية بمصطلح المصلحة في حين نصت المادة الثانية من الفصل الخاص بالأحكام العامة: "أن المصلحة تنشأ على مستوى كل مجلس قضائي و يمكن إحداث فروع لها عند الاقتضاء و بقرار من وزير العدل".
أولا: مهامهـا.
حددت المادة 03 من المرسوم أعلاه مهام المصلحة حيث تكلف بتطبيق البرامج المتعددة في مجال إعادة الإدماج
الاجتماعي للمحبوسين ، و بهذا الصدد تتولى على الخصوص:
أ- متابعة وضعية الأشخاص الخاضعين لمختلف الأنظمة و لا سيما الإفراج المشروط أو الحرية النصفية أو التوقيـف المؤقت لتطبيق العقوبة .
ب- السهر على استمرارية برنامج إعادة الإدماج الاجتماعي بالنسبة للأشخاص المفرج عنهم بناءا على طلبهم.
ج- اتخاذ الإجراءات الخاصة لتسهيل عملية إعادة الإدماج الاجتماعي للأشخاص الذين تتولى التكفل بهم ، و تزويد القاضي المختص بناءا على طلبه أو تلقائيا بكل المعلومات التي تمكنه من اتخاذ التدابير الملائمة لوضعيـة كل شخص.
تمارس المصلحة نشاطها بالتعاون مع السلطات القضائية و المصالح الأخرى المختصة للدولة و الجماعات المحليــة و المؤسسات و الهيئات العمومية (2).
ثانيا: تنظيم و سير المصلحة.
يدير المصلحة رئيس يعين بقرار من وزير العدل و تنهى مهامه بنفس الأشكال ، و يقوم مستخدمي المصلحــة
بزيارة المحبوسين الباقي عن تاريخ الإفراج عنهم ستة أشهر قصد تحضيرهم لمرحلة ما بعد الإفراج ، كما يمكـن ان تكون الزيارة بناءا على طلب المحبوس.
ــــــــــــــ
(1) انظر الجريدة الرسمية عدد 13 لسنة 2007.
(2) انظر المادة 4 من المرسوم التنفيذي 07/06.
الفصل الثاني: أنظمة و آليات إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
و يمكن لمستخدمي المصلحة القيام بتحقيق اجتماعي على المحكوم عليهم أو المتهمين بطلب من السلطـات القضائيـة
المختصــة.
و يستفيدون من مساعدة و مساهمة و تعاون كافة الإدارات و الهيئات العمومية أثناء أو بمناسبة أداء عملهم ومهامهم.
و تمسك المصلحة ملفات الأشخاص الذين تتكفل بهم ،و تعد تقريرا سنويا عن النشاط الذي تقوم به إلى السيد وزير العدل، و ترسل نسخة منه إلى النائب العام وقاضي تطبيق العقوبات المختصين.
و حتى تضطلع هذه المصالح الخارجية بمهامها على أحسن وجه، فقد صدر قرار وزاري مشتـــرك مؤرخ في
2006.08.02 يحدد كيفيات تنفيذ المرسوم التنفيذي رقم 05/431 المؤرخ في 2005.11.08 الذي يحدد شروط و كيفيات منح المساعدة الاجتماعية و المالية لفائدة المحبوسين المعوزين عند الإفراج عنهم(1).
و قد حددت المادة 02 من القرار الوزاري المشترك المساعدة الاجتماعية و المالية الممنوحة لفائدة المحبوســين
المعوزين عند الإفراج عنهم كما يأتي :
1- مساعدة عينية (ألبسة، أدوية ).
2- إعانة مالية (نفقات النقل و المحددة بألفين دينار جزائري ).
و نصت المادة 03 من المقرر الوزاري أعلاه على توقف منح الإعانة المشار إليها أعلاه بتقديم ملف.
و يتعين على مدير المؤسسة العقابية إعداد تقارير سنوية مفصلة تتضمن حصيلة المساعدات الاجتماعية و الماليـــة
و إرسالها إلى السلطة الوصية .
مثل هذه الرعاية تحتمها جميع الاعتبارات الإنسانية و الاجتماعية و الوقائية بل و الاقتصادية أيضا ، إذا ما روعي
في تحقيقها بذل عناية خاصة للمحبوس المفرج عنهم حديثا بتدبير وسائل العمل الشريف لهم ، و لتحقيق ذلك نـص
المشرع الجزائري في قانون تنظيم السجون على إنشاء مؤسسة عمومية تقوم بتشغيل اليد العاملة العقابية ، و قد بلـغ
عدد المفرج عنهم المدمجين في إطار الأنشطة ذات المنفعة العامة 510 مستفيد من سنة 2005 الى سنة 2006.
ـــــــــــــــ
(1) انظر الجريدة الرسمية العدد 62 لسنة 2006.
الفصل الثاني: أنظمة و آليات إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
الفـــرع الثالث:
دور المجتمع المدني و الحركة الجمعويــة
في إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
إذا كان نجاح تطبيق برامج إعادة التربية و الإدماج مرتبط إلى حد كبير بمختلف الآليات التي بيناها فيما سبـق و خاصة في ظل الإمكانات و التدابير المستحدثة في ظل الإصلاح الجديد الذي تبناه قانون تنظيم السجون ، إلا أن عملية التأهيل و إعادة إدماج المحبوسين بشكل حقيقي و فعال، يتوقف بتفهم و تقبل المجتمع لأهداف السياسة العقابية
الجديدة ، و التي تجعل من تقارب المجتمع المدني و أعضائه المنحرفين كأحسن وسيلة لتقليل الفوارق بين الحياة داخل السجن و خارجه (1).
و قد جاء نص المادة 112 من قانون تنظيم السجون ليكرس احد المحاور الهامة في برنامج إصلاح السجــون،
و المتضمن إشراك المجتمع المدني في عملية إعادة التأهيل و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين،و يمكن إشراك المجتمع المدني
بالعمل على توجيه و توعية المجتمع بالسياسة العقابية الجديدة و الآليات لتطبيق هذه العملية يفرض كسب ثقة المجتمع
والحصول على مساهمته الفعلية في سير هذه الآليات و المصالح.
هذا و قد سعت وزارة العدل بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من خلال تنظيم المنتدى الوطني حـول
دور المجتمع المدني في إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين يومي 12 و 13 نوفمبر 2005 إلى تبصير المجتمــع
بدوره في محاربة الجريمة و مساعدة المحبوسين على الاندماج، لاسيما و إن المنتدى عرف مشاركة واسعة لممثلي الحركة
الجمعوية إذ بلغ عدد الجمعيات المشاركة 49 جمعية ناشطة عبر 39 ولاية من الوطن إضافة إلى ممثلي مختلف الدوائر
الوزارية (2).
و تكللت أشغال المنتدى باعتماد عدد من التوصيات الهامة التي تهدف أساسا إلى:
- تقليص الهوة بين السجن و المجتمع و فتح السجون أمام نشاط الجمعيات و إعانات المتطوعين.
- ترسيخ ثقافة الإدماج الاجتماعي في سلوك الأفراد و نشاط الحركة الجمعوية.
- تفضيل دور التعاون بين قطاعات الدولة و المجتمع المدني في مجال إعادة إدماج المحبوسين.
و موازاة لذلك و قصد تفعيل و تجسيد هذه التوصيات على ارض الواقع ،شرعت إدارة السجون في إبرام عـدة
اتفاقيات مع هيئات الدولة و المجتمع المدني منها:
01- الاتفاقية المبرمة بين المديرية العامة لإدارة السجون و المكتبة الوطنية الجزائرية بتاريخ 2004.12.21.
02- الاتفاقية المبرمة بين المديرية العامة لإدارة السجون و جمعية أمل لمساعدة المساجين بتاريخ 2003.10.02.
ـــــــــــــــ
(1) انظر عبد الحفيظ طاشور: المرجع السابق ، ص 250.
(2) مجلة رسالة الإدماج : العدد الثالث لسنة 2006 ، المرجع السابق، ص 13.
الفصل الثاني: أنظمة و آليات إعادة التربية و الإدماج الاجتماعي للمحبوسين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
03- الاتفاقية المبرمة بين إدارة السجون و المنظمة الجزائرية للكشافة الإسلامية بتاريخ 2003.07.09 ( الملحــق رقم 1-ج ).
04- الاتفاقية المبرمة مع الجمعية الجزائرية لمحو الأمية " اقرأ " بتاريخ 2001.02.19.
و قد حرصت إدارة السجون على تجسيد مضمون الاتفاقيات المبرمة من خلال سعيها الحثيث لعقد اجتماعات جهوية مع جمعيات المجتمع المدني التي تنشط في مجال إعادة إدماج المحبوسين اجتماعيا ، و هذا ما ترجمه موضوع الإرسالية رقم 1976/06 الصادرة عن المديرية العامة لإدارة السجون و إعادة الإدماج و الموجهة إلى السادة النواب العامون للمجالس القضائية ،لأجل دعوة قضاة تطبيق العقوبات لتحضير مداخلات حول ملامح فئـــات المحبوسين القابلين لإعادة الإدماج الاجتماعي ( انظر الملحق رقم 2-ب ).
هذا إضافة إلى اتفاقيات أخرى تم إبرامها بين وزارة العدل و مختلف الوزارات الحكومية منها المبرمة مع وزارة الصحة
سنة 1997 و كذا مع وزارة العمل و الحماية الاجتماعية في نفس السنة.
و على صعيد آخر عرف قطاع السجون في ظل مسار الإصلاح تفتحا على العالم الخارجي، هذا ما جسدته المادة
36 من القانون 05/04 بنصها يمكن بترخيص من وزير العدل أو النائب العام المختص إقليميا أن تستقبل المؤسسات العقابية زيارة الباحثين و الجمعيات و المنظمات الحكومية أو غير الحكومية ذات الطابع الإنساني أو الخيري المهتمــة بعالم السجون.
و عززت المادة 66/2 من نفس القانون هذا المسعى بقولها: يمكن الترخيص استثناء بزيارة المحبوس من طرف أشخاص
آخرين و جمعيات إنسانية و خيرية إذا تبين أن في زيارتهم فائدة لإعادة إدماجه اجتماعيا.
من هذا المنطلق ، و إدراكا من المشرع لشمولية هذا المسعى و الذي يتطلب إشراك و مساهمة جميع الفعاليـات
الحكومية و غير الحكومية ذلك لان حجمه يتجاوز إمكانيات وزارة العدل وحدها، تم فتح السجــون على مختلف
القطاعات الوزارية المعنيـة ، و كذا على فعاليات المجتمع المدني و وسائل الإعلام كما يشمل هذا التفتــح كافة
المنظمات و الجمعيات الإنسانية و بعالم السجون بصفة عامة.
و في هذا الصدد ، أبرمت اتفاقيات مع مختلف القطات الوزارية و مختلف الهيئات منها اتفاقية مع صندوق الأمم المتحدة للطفولة بتاريخ 2004.04.05 .
كل هذه الإجراءات ترمي إلى التقارب بين المجتمع و أفراده المنحرفين ،و تعمل على تغيير نظرة المجتمع المدني بخصوص
دور المؤسسة العقابية الذي لم يعد يقتصر على مجرد تقييد للحرية ، إلى جانب تعزيز ترقية حقوق الإنسان في الوسط
العقابي بفتح السجون أمام الزيارات الميدانية التي تقوم بها المنظمات العاملة تحت لواء الأمم المتحدة و كذا المنظمـات
الناشطة في مجال حقوق الإنسان و نسوق كمثال عنها منظمة العفو الدولية ، اللجنة الدولية للصليب الأحمر ، منظمة
الإصلاح الجنائي (P R I)و هذا بغرض وقوف هذه الأخيرة على الانجازات الإصلاحية التي حققتها إدارة السجون
في مجـال عصرنة المؤسسات العقابية و انسنة ظروف الاحتباس ، فضلا على أن هذه الزيارات تسمح لإدارة السجون
بالاستفادة من تطبيق أحسن الانطمة المتعلقة بمعاملة المحبوسين و تجاربها في هذا الشأن.
الخاتمــــة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
الخاتمـــة
تفريعا على ما تم تفصيله من دراسة للسياسة العقابية الحديثة التي تبناها المشرع الجزائري بتاريـــــخ
2005.02.06 بموجب القانون رقم 05/04 المتضمن قانون تنظيم السجون و إعادة الإدماج للمحبوسين يعد قفزة
نوعية نحو تجسيد أغراض المعاملة العقابية الحديثة تحت شعار" العقوبة وسيلة لحماية المجتمع بواسطة إعادة التربيـــة
و الإدماج الاجتمـاعي للمحبوسين" الذي ورد في روح القانون أعلاه في فحوى مادته الأولى. و أسندت هذه المهمة
لإدارة السجون التي تسهر على ضمان تطبيق العقوبات السالبة للحرية و العقوبات البديلة تحت إشراف قاضي تطبيق
العقوبات الذي يتولى مراقبة مشروعية تطبيقها.
و ما من شك أن التطورات التي يشهدها قطاع السجون في ظل مسار الإصلاح و عصرنة جهاز العدالــة
يعود أساسا إلى جملة التدابير العاجلة المتخذة من طرف وزارة العدل ، بخصوص إعادة الاعتبار لهذا القطاع باعتباره أحد الركائز الأساسية في إصلاح جهاز العدالة ككل ، و تتمثل في إعادة تأهيل المؤسسات العقابية الموروثة جلها من العهد الاستعماري و الإسراع في إطلاق برنامج بناء مؤسسات جديدة مصممة بما يتفق و المعايير المطلوبة في مجال حقوق الإنسان .
هذا بالموازاة مع الحركة الإيجابية التي شهدتها المنظومة القانونية بصدور قانون تنظيم السجون الجديـــد ،
و الذي ألغت أحكامه الأمر رقم 72/02 و المتضمن تنظيم السجون و إعادة تربية المساجين و الذي لم تعد أحكامه
و التحولات التي يشهدها المجتمع و بالخصوص تطور النشاط الإجرامي.
و بغرض سد هذه النقائص ، تم إثراء قانون 05/04 بمجموعة من الترتيبات و التدابير العلاجية التي جاءت
ملمة بالأبعاد الثلاثة التي ترمي إليها المعاملة العقابية الحديثة و هي الوقايـة و العلاج ثم الرعاية اللاحقة ، بحيث تطبق
على مستويات مختلفة بشكل يسمح بتحقيق الأهداف المسطرة في مجال تقرير طرق العلاج المناسبة ، و تتيح التعاطـي
فرديا مع الحالات و تكييف العقوبات لأسباب استثنائية ، إنسانية و تربوية بتمكين المحبوسين من الاستفادة من أنظمة
الحرية النصفية ، الإفراج المشروط ، إجازات الخروج ، التوقيف المؤقت لتطبيق العقوبة.
فضلا على وضع آليات جديدة تسمح بإشراك جميع فعاليات و قوى المجتمع في إعادة إدماج المحبوسين من خلال إمدادهم بالمساعدة الضرورية و الرعاية اللاحقة بعد انتهاء مدة حبسهم.
و يمكن اجمال الاحكام الجديدة للقانون 05/04 في النقاط التالية:
اولا: توسيع مجال تدخل ادارة السجون و عصرنة تسييرها و ادارتها.
ثانيا: وضع اليات جديدة لتطبيق انظمة اعادة التربية و الادماج الاجتماعي .
ثالثا: دعم حقوق المحبوسين و انسنة المعاملة.
رابعا: ادخال تدابير خاصة للتكفل بفئتي الاحداث و النساء.
خامسا: دعم الرعاية الصحية للمحبوسين.
الخاتمــــة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
سادسا: انسنة النظام العقابي المطبق على المحكوم عليهم بالاعدام.
سابعا: دعم صلاحيات قاضي تطبيق العقوبات.
و إذا كانت النتائج المسجلة في الميدان مشجعة و واعدة و تبعث على التفاؤل ،فإن الدفع بوتيرة الإصلاحات إلى أن تتحقق مراميها كاملة من أهم الرهانات المستقبلية لإدارة السجون، يتوقف نجاحها على ما يتم تقديمـــه من اقتراحات و توصيات نجملها فيما يلي:
- تعزيز المعاملة العقابية الحديثة المنتهجة بموجب قانون 05/04 و إثراء الترسانة القانونية المتعلقة بالسياسة الجنائيـة ككل عن طريق تعديل أحكام قانون العقوبات و قانون الإجراءات الجزائية بشكل يتماشى و أهداف سياسة إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين و خاصة تبني الجزاءات البديلة عن العقوبة السالبة الشائعة في الأنظمة المقارنة أهمها العمل للصالح العام ، حبس نهاية الأسبوع ، تخفيض العقوبة و الوضع تحت الاختبار.
- الإسراع في تجسيد المشاريع المبرمجة في إطار إصلاح قطاع السجون من خلال بناء مؤسسات عقابية متنوعة وفق المعايير الحديثة بشكل يسمح من توجيه و تصنيف المحبوسين حسب شخصيتهم و درجة خطورتهم و معاملتهم العقابية.
- التجسيد الحقيقي لمركز قاضي تطبيق العقوبات المستحدث بموجب قانون تنظيم السجون الجديد عن طريق دعم استقلاليته و العمل على تفرغه الكامل لمهامه و إعفائه من المهام القضائية الأخرى.
- إعادة الاعتبار لدور مدير المؤسسة العقابية و توسيع صلاحياته في اتخاذ القرارات و طرق العلاج المقترحة في مجال تكييف العقوبة تعزيزا لمهام و اختصاصات قاضي تطبيق العقوبات.
- العمل على توعية و تحسيس المجتمع و تعريفه بمختلف الأنظمة المستحدثة لتحقيق سياسة إعادة الإدماج باستعمال كافة الوسائل و استغلال الامكانيات المتاحة لاسيما منها الإعلام و تكنولوجيات الاتصال.