منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - انعقاد الزواج وآثاره.doc
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-02-11, 21:17   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 اضافة1

و متى كان كذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه بدون إحالة " .
و تجدر الإشارة إلى أن هذه الشروط يجب أن تكون مجتمعة ليمكن الحكم بإثبات النسب، و متى اختل شرط انتفى النسب، و هذا طبعا فيما يتعلق بالأسباب المنشئة للنسب، و لا شك أن هذه الأحكام تختلف في الأسباب الكاشفة للنسب فما هي أحكام هذه الأخيرة ؟ هذا ما سنحاول بيانه فيما يلي :
ب – الأسباب الكاشفة للنسب : إذا انتفت أسباب النشوء – المشار إليها أعلاه -، أمكن إثبات النسب إما عن طريق الإقرار أو البينة، و سنوضحهما تباعا فيما يلي :
* الإقرار : اللفظة في أصلها كانت تطلق على حمل النسب على الغير فقط، واستعملت أخيرا للجمع بين ما كان إقرارا بثبوت النسب على النفس أو الغير، و من ثمة جمعت لنا القسمين معا .
و قد سماه الإمام أبو زهرة بثبوت النسب بالدعوى، بمعنى أن النسب يثبت بالإقرار وحده من غير أن يقرن به ما بين وجهه لأنه إن بين الوجه كان ذلك هو السبب دون الإقرار المجرد .
و الإقرار بالنسب قسمين و هما :
- الإقرار بالنسب على النفس : وهو ما كان يطلق عليه فقهاء الشريعة الإسلامية اسم الإستلحاق، و يعرف بأنه ادعاء المدعي أنه أب لغيره، و من ثمة خرج لنا ادعاء من لم يكن أبا كالأم اتفاقا .
و للإقرار بالنسب على النفس شروط و هي :
- أن يولد لمثله، بأن يكون المقر في سن تسمح له بأن يكون مثل المقر له ابنا له .
- أن يكون المقر له مجهول النسب، لأنه إن كان معلوم النسب لا يصادف الإقرار محلا للتصديق فيكذب، و لأنه لا يمكن ثبوت نسب ولد من رجلين، بل لا بد أن ينتفي أحدهما، و لا يكفي مجرد الإقرار لنفي نسب الآخر.
- أن لا يذكر أنه ولده من زنا لأنه الزنا لا يصلح سببا للنسب– كما ذكر قبلا– لقوله صلى الله عليه وسلم:" الولد للفراش "، و لأن نعمة النسب لا تثبت بجريمة الزنا.
- أن يصدق المقر له إن كان من أهل التصديق بأن كان مميزا و لا حاجة إلى التصديق إذا كان الولد غير مميز.
- الإقرار بالنسب على الغير : أي تحميل النسب على الغير ، بمعنى أن الإقرار في هذا النوع لا ينسب فيه الشخص المقر له بالنسب إلى النفس، و لا ينتسب هو إلى غيره، و إنما شخص ثالث يحمل نسبه على غيره، و من ثمة قيل بأن النسب فيه متعد متى توافرت شروطه الأربعة.
و لكن لكي ينتج هذا النوع من الإقرار أثره فلا بد من الإضافة إلى شروط الإقرار بالنسب على النفس الشرط التالي :
- تصديق المحمول عليه النسب لهذا الادعاء، و هذا وفق ما جاء في نص المادة 45 من قانون الأسرة، و من هذا يتضح جليا أن الإقرار بالنسب على الغير لا يملكه المقر، و لا يملك غيره إلا بالتصديق له، كما أن الآثار الناتجة عن هذا الإقرار منصرفة إليه دون غيره من الأقارب، بخلاف الإقرار بالبنوة فانه بثبوت نسبه من أبيه تثبت الأخوة بينه و بين بقية الأبناء، و يشاركهم في الميراث من أبيهم و إن توفى أحدهم ورثه و لا يستطيع غيره رده أو منعه من ذلك .
إضافة إلى هذا فان المالكية اشترطوا لكي يتم النسب بهذا النوع أيضا شهادة شخصين عدلين أو قيام بينة فان لم يكن هذا و لا ذاك لا يثبت النسب ، غير أن هذا الرأي غير مأخوذ به في قانون الأسرة الجزائري .
و لقد جاء في قرار المحكمة العليا المؤرخ في 15/12/1998، ملف رقم 202430 ما يلي : " من المقرر شرعا أنه يثبت النسب بالإقرار لقول خليل في باب بيان أحكام الإقرار - ..... و لزم الإقرار لحمل في بطن المرأة ...... -الخ .
كما أن إثبات النسب يقع التسامح فيه ما أمكن لأنه من حقوق الله فيثبت حتى مع الشك و في الانكحة الفاسدة طبقا لقاعدة إحياء الولد .
و متى تبين في- قضية الحال – أن المطعون ضده أقر بحمل الطاعنة بشهادة جماعة أمام الموثق بتاريخ 06/04/1997، فان هذه الشهادة لا تعتبر صلحا بل هي توثيق لشهادة جماعة عن إقرار المطعون ضده بحمل الطاعنة، كما أن المادتين 341 و 461 من القانون المدني لا تنطبق على قضية الحال التي هي من قضايا الحالة التي يحكمها قانون الأسرة .
كما أنه لا يمكن الجمع بين الإقرار بالحمل و بالدفع بالمادة 41 من قانون الأسرة التي تحدد مدة الحمل، لان الإقرار في حالة ثبوته يغني عن أي دليل آخر و لا يحق للمقر أن يثير أي دفع لإبطال مفعول هذا الإقرار .
كما أنه لا يمكن الجمع بين الإقرار بالحمل و طلب الطلاق قبل الدخول قصد الوصول إلى استرداد نصف الصداق، رغم أن الصداق المدفوع في قضية الحال يغلب عليه معنى التعويض أكثر منه مقابل الصداق.
و عليه فان القضاة لما لم ينتبهوا إلى وجوب سماع جماعة الشهود الذين حضروا إقرار المطعون ضده أمام الموثق، فانهم خالفوا الشرع و القانون و عرضوا قرارهم للقصور في التسبيب " .
و من آثار الإقرار أنه حجة قاصرة على المقر دون غيره معنى ذلك أن أثر الإقرار لا يتجاوز المقر من أحكام، و لهذا كان للإقرار آثاره بالنسبة للمقر فقط دون غيره .
و إذا كان ثبوت النسب عن طريق الإقرار يعتبر من الأحداث الخطيرة التي يمكنها قلب الموازين و خلط الصالح بالطالح، و ذلك بالحضور و الادعاء أن ولدا ما ولده و لو كان ولد زنا، فإنه وجد طريق آخر أكثر موضوعية يثبت به النسب و هو البينة، كما أننا نرى أن الإمام مالك كان محقا عندما اشترط في إقرار النسب على الغير وجود بينة، فما هي البينة باعتبارها طريقا لإثبات النسب و ما هي أحكامها ؟
هذا ما سنحاول توضيحه فيما يلي :
* البينة : و يقصد بها كل حجة أو دليل يؤكد وجود واقعة مادية وجودا حقيقيا بواسطة السمع أو البصر أو غيرهما من وسائل الإثبات القانونية و الشرعية مما ورد النص عليها في قوانين الإجراءات أو لم يرد .
و عرفت أيضا بأنها : الحجة و يطلقها جمهور الفقهاء على معنى مرادف و هو الشهادة، و يعلق ابن القيم على هذا فيقول :" البينة اسم لكل ما يبين الحق و يظهره، و من خصها بالشاهدين لم يوف مسماها، و لم تأت البينة في القرآن قط مرادا بها الشهادة، و إنما أتت مرادا بها الحجة " .
و يكون الإثبات بالبينة الكاملة عن طريق شهادة رجلين عدلين أو رجل و امرأتين
عدول .
والإقرار كما أكد أغلب الفقهاء يقوم على التصديق بين المقر و المقر له بينما البينة لا يلزم لإثبات النسب بها إقرار المراد إثبات نسبه أو تصديق للمدعي .
و عليه فانه يبدو جليا من خلال ما تم عرضه أن المشرع الجزائري اعتمد قاعدة أن إثبات النسب يقع التسامح فيه ما أمكن لأنه من حقوق الله فيثبت حتى مع الشك و في الانكحة الفاسدة طبقا لقاعدة * إحياء الولد* منتهجا في ذلك منهج الشريعة الإسلامية السمحاء .
لكن إذا كان الحال كذلك في طرق إثبات النسب، فما هو الحال في طرق نفيه، هذا ما سنحاول توضيحه في النقطة الموالية :
2 – طرق نفي النسب : لقد جاء في المادة 41 من قانون الأسرة الجزائري: "أن الولد ينسب لأبيه ...... و لم ينفه بالطرق المشروعة "، و ما يهمنا في هذه المادة هو معرفة الطرق المشروعة التي يقصدها المشرع في نفي النسب خاصة أن اجتهادات أغلب الفقهاء و القانونيين استقرت على أن الطريقة الوحيدة لنفي نسب الولد هي اللعان، و هو الإتجاه الذي سارت عليه المحكمة العليا في اجتهاداتها، فإلى أي حد يمكن اعتبار هذا الإجتهاد و هذا الرأي صائبا؟ و هل يمكن الإعتماد على طرق أخرى لنفي النسب ؟ وما موقف المشرع الجزائري منها ؟
الراجع – كما سبق القول – لدى كل الفقهاء و القانونيين أن النسب لا يمكن نفيه إلا باللعان إلا أن الدكتور عبد الرحمن الصابوني و معه الدكتور عمر فروخ لهما وجهة نظر أخرى في طرق نفي النسب نحاول تلخيصها فيما يلي :
إذ يرى الدكتور الصابوني و من معه : "أنه إذا ثبت نسب الولد بالزواج مع توافر شروطه فلا يجوز نفي هذا النسب إلا عن طريق اللعان .
أما إذا لم يستوف النسب بالزواج شروطه فحينئذ لا يعتبر النسب صحيحا كما لو ثبت عدم اللقاء بين الزوجين أو أثبت أحدهما استحالة إنجاب الآخر ولدا، و حينئذ يجوز نفي نسبه لعدم تحقق شروط إثباته .
و في جميع هذه الحالات يجب ألا يصدر عن الزوج دلالة على الاعتراف بالنسب، لأنه يشترط لنفيه أن يكون عقب الولادة أو خلال فترة التهنئة أو حين العلم بها و أن لا يصدر عنه أي شيء يدل على رضاه بالولد، بل أن حتى سكوته خلال هذه الفترة يعتبر اعترافا بالولد، و متى ثبت النسب فلا يجوز نفيه لأنه لا يقبل الفسخ بعد ثبوته".
و صور نفي النسب كما حددها الدكتور الصابوني وفقا للقانون السوري هي :
أ – نفي النسب عن طريق إنكار ولادة الولد : يجوز للزوج أن ينكر ولادة زوجته لنفي نسب الولد إذا كان يجهل أنها حامل قبل ولادتها، إذ أن علمه مع سكوته بحمل زوجته لا يتيح له نفي النسب إلا إذا ادعى عدم العلم، و إذا عجز الزوج عن إثبات ذلك فالقول قول المرأة لأن الأصل صحة النسب بصحة الولادة ما دام عقد الزواج صحيحا و شروط النسب متوفرة .
و يجوز للزوجة إثبات الولادة بشهادة القابلة أو غيرها لان شهادة المرأة الواحدة في هذه الحالة تكفي .
ولا يجوز نفي الولادة بعد إقرار الزوج بها صراحة أو دلالة.
ب- نفي النسب لعدم إمكان الإنجاب :إذا صحت واقعة الولادة من الزوجة و في عقد زواج صحيح، فلا يثبت نسب الولد إذا كان الزوج ممن لا يتصور منه حدوث الحمل سواء كان صغيرا، مراهقا أو كبيرا ، عقيما أو مصابا بمرض جنسي يحول دون الإنسال، و نفي النسب في مثل هذه الحالة نفي قاطع و لو أقر الزوج أن الولد ابنه لأن من شروط الإقرار بالنسب كما ذكرنا – أن يكون المقر له ممن يولد مثله لمثل المقر، و ما دام هناك مانع من الزوج لصغر أو مرض قرر الأطباء استحالة إنساله فان نسب الولد لا يثبت.
ج – نفي النسب لعدم مرور الفترة المحددة للحمل : للزوج نفي نسب الولد إذا جاءت به زوجته لأقل من ستة أشهر من تاريخ العقد أو لأكثر من سنة ، غير أنه في هذه الحالة يجوز للزوج الإقرار بنسب الولد.
و في جميع الحالات لا يثبت نسب الولد إذا أقر أنه ابنه من زنا.
د – نفي النسب عن طريق اللعان : إذا توافرت شروط النسب فان الولد يثبت من أبيه بيقين، و لا يصح نفيه إلا بعد اللعان و بحكم من القاضي في الحالات التي تجوز فيها الملاعنة بين الزوجين .
و على هذا يكون اللعان بين الزوج و زوجته التي جاءت بولد خلال فترة الحمل المقررة شرعا و كان الزوج ممن يتصور حدوث حمل منه و ثبتت الولادة إلا أنه يشك بل يعتقد أن الولد جاء نتيجة صلة غير شرعية أو خيانة زوجية، و لهذا أجاز الشارع لمثل هذا الزوج أن يلجأ إلى اللعان إذا تعذر عليه إثبات اتهامه لزوجته .
و اللعان يكون في حالتين : إذا قذف الزوج زوجته أي اتهمها بالزنا و في حالة نفي نسب الولد منها .
و الواقع أن هذه الطرق التي اعتمدها الدكتور الصابوني و من معه في نفي النسب منطقية و معقولة إذا ما قارناها بشروط إثبات النسب المحددة في المادة 41 من قانون الأسرة الجزائري و هي : - وجود عقد زواج شرعي، و إمكانية الاتصال بين الزوجين، و عدم نفيه بالطرق المشروعة.
و هذه الشروط كما بينا سابقا مرتبطة و مكملة لبعضها البعض، و عليه فان تخلف شرط منها يترتب عليها عدم ثبوت النسب، و من ثمة و إعمالا لمفهوم المخالفة فإنه يمكن الاعتماد على انتفاء شرط من هذه الشروط لنفي النسب .
و الحال غير ذلك في اللعان الذي تجتمع فيه الشروط المحددة في المادة 41 و التي بتوافرها يفترض ثبوت النسب، إلا أن الأب يتدخل بسلوك إيجابي فيقوم بنفي ذلك الولد عن طريق اللعان.
و الغريب في الأمر أن المحكمة العليا اعتمدت في قراراتها على اللعان فقط في نفي النسب ضاربة بذلك عرض الحائط الحالات الأخرى، ورغم أنه يتجلى بوضوح عند قراءة حيثيات قراراتها استحالة قيام النسب بين الولد المنفي و الأب المزعوم ( الطاعن )، و ذلك لتخلف إحدى شروط المادة 41 من قانون الأسرة، و كذا المادة 42 من نفس القانون، و لدينا في هذا الصدد قرارات كثيرة نذكر منها القرار رقم 165408 المؤرخ في 08/07/1997 و الذي جاء فيه :" من المقرر شرعا أن الولد للفراش و للعاهر الحجر.
و من المستقر عليه قضاء أن مدة نفي النسب لا تتجاوز 8 أيام .
و متى تبين- في قضية الحال – أن ولادة الطفل قد تمت و الزوجية قائمة بين الزوجين، و أن الطاعن لم ينف نسب الولد بالطرق المشروعة، و أن لا تأثير لغيبة الطاعن ما دامت العلاقة الزوجية قائمة .
و إن القضاة بقضائهم بإثبات نسب الولد طبقوا صحيح القانون.
و متى كان كذلك استوجب رفض الطعن " .
و لقد جاء في حيثيات هذا القرار ما يلي :
" عن الوجه الثالث : - المأخوذ من مخالفة المادة 42 من قانون الأسرة بدعوى أن قضاة الموضوع عندما قضوا بإثبات نسب الولد للطاعن فقد خالفوا نص المادة المذكورة التي تقضي بأن أقصى مدة الحمل عشرة أشهر، مع أن المطعون ضدها قد وضعته بعد 16 شهرا من غيبة الطاعن بفرنسا.
لكن و حيث أن المادة 42 من قانون الأسرة لا تنطبق على دعوى الحال لأن ولادة الطفل موضوع النزاع قد تمت و الزوجية قائمة بين الزوجين و الطاعن لم ينفه بالطرق المشروعة، و أن دعوى الغيبة لا معنى لها طبقا للمادة 41 من قانون الأسرة، التي طبقت قاعدة " الولد لفراش، و للعاهر الحجر"، و عليه فهذا الوجه، كسابقيه غير مؤسس ".
و أيضا القرار رقم 204821 المؤرخ في 20/10/1998 .
غير أنه يلاحظ من جهة أخرى أن المحكمة العليا رفضت في قرار آخر إثبات النسب على أساس عدم توافر شرط المدة و ذلك في القرار رقم 210478 المؤرخ في 17/11/1998 2 و الغريب من خلال كل ما سبق أن المحكمة العليا ترفض إثبات النسب في حالات انتفاء أحد شروط المادتين 41 و 42 من قانون الأسرة الجزائري، إلا أنه في الحالة العكسية أي الحالات التي يطلب فيها نفي النسب على أساس انتفاء الشروط المذكورة أعلاه فإنها ترفض على أساس أن الولد لم يتم نفيه باللعان . فأي منطق هذا الذي يجعل شروط المادتين 41 و 42 واجبة التحقق فقط في دعاوى إثبات النسب دون دعاوى نفي النسب ؟
و الواقع هنا أننا لا ندرك فحوى المشكل الذي قاد إلى هذا التفسير الخاطئ في أن اللعان هو الطريقة الوحيدة لنفي النسب، مع أن قانون الأسرة الجزائري الساري المفعول واضح عند وضعه شروط إثبات النسب، هذه الأخيرة التي يترتب على تخلف أحدها بالضرورة نفي النسب .
و لكن و لتجنب مثل هذه التأويلات الخاطئة للقانون فإننا نرى ضرورة تدخل المشرع بتبيان طرق نفي النسب و تحديدها تحديدا دقيقا كما فعل في طرق إثبات النسب، و حبذا لو فصل المشروع التمهيدي المقترح الخاص بقانون الأسرة في هذا، لكن للأسف الشديد فقد تجاهل في مقترحاته هذه النقطة رغم أهميتها.
و عموما و إذا كان إثبات النسب بالطرق الشرعية متفق عليها في كل التشريعات خاصة منها الإسلامية، فان الحال غير ذلك في إثبات النسب بالوسائل العلمية. فكيف ذلك ؟ هذا ما سنحاول توضيحه فيما يلي :
ثانيا: الطرق العلمية في إثبات و نفي النسب :
في طي الثورة العلمية التي شهدتها البشرية خاصة فيما يتعلق بعلم الجينات و استكمال الخريطة المورثية التي انعكست على مواد الإثبات المدنية و الجزائية، و نقلتها نقلة نوعية من غياهيب طرق الإثبات التقليدية إلى الحقيقة العلمية الواضحة و الدقيقة، و قد برز دورها جليا خاصة في مجال إثبات النسب و نفيه الذي استقطب كثيرا من الجدل الفقهي و القانوني بين رافض لها و آخذ بها، فما هو موقف المشرع الجزائري منها في ظل التشريع الساري المفعول ؟ و هل من جديد في مشروع التعديل؟ و إن كانت الإجابة بنعم، فما قيمة هذا التعديل ؟
هذا ما سنحاول الإجابة عليه في هذا الصدد و لكن بعد إعطاء نظرة موجزة عن أهم الوسائل العلمية المستحدثة في إثبات النسب، فما هي هذه الوسائل ؟
من أهم الوسائل العلمية المستحدثة خاصة في مجال طرق إثبات و نفي النسب : طريقة تحليل الدم، و طريقة الحمض النووي (ADN)، و كذا طريقة التلقيح الإصطناعي باعتبارها من مستحدثات المشروع التمهيدي المقترح (م 45 مكرر)، و هي التي سنحاول التفصيل فيها :
1 – إثبات النسب عن طريق تحليل الدم : أو ما يطلق عليه الفحص الدموي، و يقصد به البحث عن الزمرة الدموية لإثبات الأبوة أو نفيها .
إلا أن البحث العلمي الحديث اكتشف أن تحليل الدم وسيلة لنفي الأبوة أكثر منه وسيلة لإثباتها، إذ أن الجزم بتنافر فصائل الدم بين الابن المزعوم و الأب دليل على أنه ليس ابنه .
و الملاحظ أنه باستقراء مواد قانون الأسرة المتعلقة بالنسب، نلاحظ أن المشرع لم يتطرق إطلاقا إلى إثبات أو نفي النسب عن طريق تحليل الدم، إلا أن المحكمة العليا فسرت سكوت المشرع بالرفض، و ذلك طبقا للقرار الصادر عنها بتاريخ 15/06/1999، ملف رقم 222674 الذي جاء فيه : " ...و من المقرر قانونا أيضا أنه يثبت النسب بالزواج الصحيح و بالإقرار و بالبينة و بنكاح الشبهة و بكل نكاح تم فسخه بعد الدخول طبقا للمواد 32، 33، 34 من هذا القانون، و من ثمة فان القضاء بخلاف ذلك يعد مخالفة للقانون.
و متى تبين – من قضية الحال – أن قضاة المجلس لما قضوا بتأييد الحكم المستأنف القاضي بتعيين خبرة طبية قصد تحليل الدم للوصول إلى تحديد النسب خلافا لقواعد إثبات النسب المسطرة شرعا و قانونا طبقا لأحكام المادة 40 و ما بعدها من قانون الأسرة، فانهم بقضائهم كما فعلوا تجاوزا سلطتهم و عرضوا قرارهم للنقض .
و متى كان كذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه "
و قد جاء في حيثياته خاصة الوجه المثار تلقائيا من المحكمة العليا و المأخوذ من تجاوز السلطة .
"حيث أن القرار المنتقد القاضي بتأييد الحكم المستأنف القاضي بتعيين خبرة طبية قصد تحليل الدم للوصول إلى تحديد نسب الولدين بأن ينسبا للطاعن أم لا.
حيث أن إثبات النسب قد حددته المادة 40 و ما بعدها من قانون الأسرة الذي جعل له قواعد إثبات مسطرة و ضوابط محددة تفي بكل الحالات التي يمكن أن تحدث و لم يكن من بين هذه القواعد تحليل الدم الذي ذهب إليه قضاة الموضوع فدل ذلك على أنهم قد تجاوزوا سلطتهم الحاكمية إلى التشريعية الأمر الذي يتعين معه نقض القرار المطعون فيه و إحالته لنفس المجلس" .
و عموما – وبغض النظر عن قرار المحكمة العليا – فانه قد تم الاتفاق على أن وسيلة تحليل الدم هي وسيلة لنفي النسب و ليس لإثبات النسب مع احتمال نفي أبوة قد تكون فعلا صحيحة، و عليه ابتعد القضاء عن استخدام هذه الوسيلة كدليل إثبات خاصة بعد اكتشاف وسيلة علمية قاطعة هي الحمض النووي (ADN).
2- إثبات النسب عن طريق الحمض النووي (ADN) :
إن تطور العلوم البيولوجية أمكن الجزم بصورة دليليه قاطعة بأن نقطة دم أو مني أو شعر أو أي خلية بيولوجية أصبح الآن من الممكن نسبتها إلى صاحبها اعتبارا أن لكل شخص صورة خاصة به من تراكيب الحمض النووي (ADN) باستثناء التوأم الحقيقي، فما هو الحمض النووي ؟
الحمض النووي عبارة عن مادة غير حية موجودة داخل الخلايا، و هي مورثات موجودة داخل الحامض الريبي المنقوص الأكسجين Acide Soxyrihennculigne و يرمز لها بالمختصر (ADN)، إذ يشكل هذا الحامض المادة الأساسية المكونة للكروموزومات التي يبلغ عددها 23 زوجا في كل خلية، و تضم كل خلية أربع مجموعات كيميائية، بيولوجية لها أهمية خاصة في حياة الخلية و هي متصلة ببعضها البعض في شكل لولبي.
و تعد الثلاثة أنواع من المجموعات الأربع، و هي البروتينيات و السكريات و الدهنيات بمثابة قوالب الإسمنت أو كتل الحجارة المستعملة في البناء، و تمثل المجموعة الرابعة، و هي الأحماض النووية المحتوية على الحمض الريبي المنقوص الأكسجين (ADN) مادة الإسمنت الرابطة بين تلك الكتل و القوالب المدعمة لقيام بناء معين، و هذا الحمض يعمل كأنه حامل استعلامات خلوية، حيث يوجد بنواة الخلية و يضبط نشاطها.
و يمثل كل حمض أميني في الحمض النووي الريبي المنقوص الأكسجين (ADN) عن طريق مجموعة معينة متكونة من ثلاثة أسس مزدوجة و تتم معرفة تلك المجموعات عن طريق قراءة تلك الأزواج بثلاث و ثلاثين، مما يعطينا الدليل الكامل لبروتينية واحدة، و هذا الترتيب يشبه في شكله * الأعمدة المشفرة * .
و يمثل الحمض النووي ( ADN) الدليل الوراثي الذي يسمح للكائنات الحية بنقل خاصيتها إلى أنسالها، و من المعروف أن الخلية البشرية تحتوي على 46 صبغيا تشكل 23 زوجا من الكروموزومات بصفة عادية، إلا أن الخلايا التناسلية المذكرة و المؤنثة ليس لها إلا نصف هذا العدد، و أنها عندما تتحد في خلية واحدة فهي تؤلف جينة جديدة ليعود العدد الأصلي للكروموزومات كما كان من قبل، أي 23 زوجا صبغيا، و تحتوي الخلايا التناسلية كسائر الخلايا البشرية الأخرى على الحامض النووي (ADN) و عندما تتحد الخلية الذكرية مع البويضة في خلية جديدة فان هذه الأخيرة تتضمن شيئا من الحامض الذكري و شيئا من الحامض الأنثوي، و رغم أن التكوين الكيميائي للحمض النووي ( ADN) كان قد تحدد سنة 1923 فانه لم يتم الاكتشاف بأن هذا الجزئي متكون من سلكين ملفوفين على بعضها البعض في شكل لولبي إلا سنة 1953 من طرف العالم البريطانيCRICK- CHF و العالم الأمريكي WATSON- DJ .
و في سنة 1985 قدم الدكتور ALEX- JEFFREYS وبعض زملائه من وحدة بحث جامعة ليسيستر ( Leicister) تقريرا عن تقنية مفادها إمكانية إيجاد بصمة جينية تدعى ( ADN) و ذلك عن طريق أخذ عتاد خلوي من الخلايا البشرية، لان الخلايا ذات الأنوية التي تحتوي على الحمض النووي ( ADN) تتضمن كل المعلومات الجينية للفرد .
و نجد أن الباحثون البيولوجيون و الأطباء الشرعيون يفرقون بين نوعين من الحامض النووي ( ADN) و هما : الحامض النووي الوظيفي، و الحامض النووي غير الوظيفي، فالحامض الأول له دور هام في نقل الخصائص الوراثية، إذ أنه يوجد لكل إنسان في كل خلية من خلاياه بطاقة تعريف غير قابلة للتزييف، تتضمن إمارات خاصة بالأب و أخرى بالأم .
و عليه فإنه باللجوء إلى قوانين العالم البيولوجي مندل Mendel التي تنظم انتقال الخصائص الوراثية، فنصف يأتي من الأب و النصف الآخر ينبغي أن يأتي من الأم، و بمقارنة الحامض النووي الخاص بالولد، و الحامض النووي للأب المفترض، فان نصف تلك الخصائص يجب أن تتناسب مع علامات الأب، و يتم اللجوء إلى طريقة فحص الجينية بمقارنة بنية الحمض النووي (ADN) للمادة الجسمانية. فالحمض النووي (ADN) إذن هو كل العتاد الذي تتكون منه الكروموزومات البشرية، وهو الذي يحمل معه العلامات الجينية التي تجعل من كل فرد منا إنسانا فريدا من نوعه.
و لا شك أن هذه التقنية أصبحت اليوم تفتح آفاقا واسعة في مادة الإثبات ذلك أن منطقة الحمض النووي للعتاد الخلوي المأخوذة من جسم متى تطابقت المنطقتان فان ذلك يكون محققا، بل يكاد يكون مطلقا و دليلا قاطعا على أن العتاد الخلوي ناتج عن الشخص نفسه ما عدا في حالة التوأم أحادي البويضة، حيث يكون التحقق ناقصا.
و من ثمة فان وسيلة الحمض النووي هي وسيلة علمية في نفي و إثبات النسب معا، فما موقف القانون الساري المفعول، و مشروع التعديل المقترح من إثبات و نفي النسب عن طريق ( ADN) ؟
ارتأينا قبل الوصول إلى موقف المشرع الجزائري التعريج على التشريعات المقارنة لمعرفة موقفها من هذه النقطة، و اختارنا لذلك الأمثلة التالية :
أ – موقف التشريع الفرنسي : لقد نص المشرع الفرنسي في قانونه على إثبات النسب عن طريق العلم و ذلك بتبنيه وسيلة علم الجينات (ADN) المستحدثة لإثبات الأبوة، فنص القانون الفرنسي على إجراءات يجب اتخاذها و هي :
- يجب على المدعي أن يرفع دعوى قضائية يطلب فيها إثبات النسب و يلتمس إجراء خبرة الجينات .
- و أن رفع الدعوى يجب أن يكون خلال بلوغ الطفل سنتين أو بعد سنتين من بلوغ الطفل سن الرشد، حتى يمكن إجراء خبرة (ADN) على الطفل .
- فيأمر القاضي بعد أن يتبين له جدية النزاع بموجب أمر قضائي بإجراء خبرة جينية .
- وبعد إنجاز الخبرة الجينية يرجع المعني أمام القضاء إذا أثبتت الخبرة البنوة يأمر القاضي بإلحاق النسب لأبيه.
و نستخلص من هذا أن إلحاق النسب عن طريق العلم يجب أن يكون بموجب حكم قضائي وبعد إجراء خبرة جينية تؤكد ذلك.
ب- موقف المشرع الأمريكي : إن التشريع الأمريكي لم ينص في قانونه على الوسيلة العلمية المستحدثة (AND) لإثبات النسب، لكن يعمل بهذه الوسيلة عمليا وذلك أن المعني بإثبات النسب يتقدم أمام المخابر المختصة لإجراء الخبرة الجينية، وبعد تحصله على الخبرة يمكنه تسجيل الابن باسمه وإلحاقه بنسبه ودون حاجة إلى حكم قضائي ويكون ذلك حتى بالنسبة للآباء غير الشرعيين.
ج - موقف بعض الدول الإسلامية :
مجمع الفقه الإسلامي في مكة في دورته لسنة 1995 أجاز إثبات النسب بالحمض النووي.
كما أن تصريح الدكتور – السوداني – إبراهيم عثمان في محاضرته التي ألقاها على الطلبة القضاة – الدفعة 11 – تحت عنوان : - استخدام الوسائل العلمية في الإثبات و تقديم البيانات، أكد أن استخدام الحمض النووي جائز شرعا في إثبات النسب أو نفيه، و هذا يعني أن بلد السودان يجيز إثبات أو نفي النسب عن طريق الدليل العلمي.
كما أن الدكتور السعودي – زيد بن عبد الكريم زايد – مدير المعهد العالي للقضاء بالمملكة العربية السعودية . و بمناسبة زيارته للمعهد الوطني للقضاء و إلقائه محاضرات على طلبة الدفعة 11، أكد أنه يجوز إثبات النسب عن طريق الحمض النووي شرعا، لكن يجب أن تستخدم هذه الوسيلة العلمية لإثبات النسب و ليس لنفيه، لان النص القرآني فصل في ذلك باللعان .
د – موقف المشرع الجزائري :
إذا كانت جل التشريعات الإسلامية و الدولية تجيز الالتجاء إلى الوسائل العلمية كأدلة في إثبات النسب أو نفيه، فان موقف المشرع الجزائري ظل غير واضح و ذلك من خلال ما جاء في المادة 40 التي تنص على أنه : " يثبت النسب بالزواج الصحيح و بالإقرار و بالبينة و بنكاح الشبهة و بكل نكاح تم فسخه بعد الدخول طبقا للمواد 32 و 33 و 34 من هذا القانون" .
فالواضح من هذه المادة أن المشرع الجزائري عدد طرق إثبات النسب، و المشكل المثار في هذا الصدد هل هذا التعديد ورد على سبيل الحصر أم على سبيل المثال، أو بمعنى آخر يمكن القول أن المشرع سكت في فحوى النص عن تبيان إمكانية اعتماد الوسائل العلمية في إثبات أو نفي النسب فلم يمنعها و لم يجزها، و ذلك ما فتح المجال لتأويلات مختلفة في تفسيرها، و هو الشيء الذي ترتب عليه تضارب المحكمة العليا في قراراتها فمرة ترفض الأخذ بالوسائل العلمية كأدلة للإثبات، و مرة تجيزها.
و عليه فالنص بشكله الحالي يطرح عدة تساؤلات أهمها : هل يجب التقيد الحرفي بنص المادة 40، و من ثمة الجزم باستبعادها إمكانية الاعتماد على الوسائل العلمية المستحدثة لإثبات أو نفي النسب ؟، أم يمكن تفسير سكوت النص بأنه فتح المجال للقاضي بتكوين قناعته من الدليل الذي يراه مناسبا، حتى و لو كان هذا الدليل هو الاعتماد على العلم الحديث ؟
و إن كان الجواب بجواز ذلك، فان أسئلة أخرى تطرح أيضا، و هي هل القاضي، يأمر بإجراء خبرة طبية للحمض النووي تلقائيا ؟ أم يجب أن يكون ذلك بناء على طلب الأطراف ؟ و الخبرة هل يمكن إسنادها لأي خبير ؟ أم يجب إسنادها لخبراء متخصصين و مخابر متخصصة .
إن هذه الإشكالات كلها لم يعالجها قانون الأسرة الجزائري الساري المفعول، بل أكثر من هذا جعلها مفتوحة للتفسيرات و التأويلات المختلفة، و كان بذلك القاضي باعتباره المتحسس الوحيد لهذه المشاكل من خلال ممارسته اليومية هو الضحية الوحيدة، خاصة إذا وقع بين فك تطبيق القانون و اجتهاده في تفسيره و البحث عن نية المشرع، وبين فك المحكمة العليا و اجتهاداتها في هذا الموضوع، هذه الأخيرة التي سبق لها رفض طريقة تحليل الدم كوسيلة لإثبات النسب، إلا أنها تراجعت عن ذلك في سنة 2003 بموجب القرار الذي اعتمدت فيها طريقة الحمض النووي (ADN) كطريقة لإثبات النسب.
إنه و نتيجة لكل هذا تدخل مقترحوا التعديل الجديد لقانون الأسرة بالمادتين 10 و 11 من المشروع التمهيدي للتعديل، محاولين بذلك حل معادلة إثبات النسب عن طريق العلم، فما هي هذه المقترحات و ما قيمتها ؟
هـ - جديد مشروع التعديل المقترح :
نصت المادة 10 من المشروع التمهيدي المكملة و المتممة للمادة 40 على إضافة فقرة ثانية لهذه الأخيرة فكان اقتراح التعديل بالشكل التالي : " و يجوز للقاضي في الحالات المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة اللجوء إلى الطرق العلمية لإثبات النسب ".
و بذلك تمت إضافة فقرة ثانية تفيد أنه يمكن إثبات النسب بالطرق العلمية الحديثة، مع مراعاة طبعا ضرورة توفر الشروط العامة للنسب، و كل هذا يعد تسهيلا في طرق الإثبات في هذا المجال تماشيا مع التطور العلمي.
و إن كان اقتراح التعديل بشكله هذا قد حسم النزاع، و بذلك يكون قد أصاب بتدخله بنص خاص يجيز اعتماد الوسائل العلمية كطرق لإثبات أو نفي النسب خاصة مع أهميتها التي أصبح من المستحيل إنكارها أو تجاهلها، خاصة أنها تعتبر وسيلة لردع الزوجات اللاتي لا يتقين الله في بيوتهن، و بذلك يتم منع اختلاط الأنساب، و كذلك وسيلة لردع الآباء عديمي المسؤولية، وذلك بمنع تعسفهم في نفيهم لأبنائهم، لا لمجرد شيء سوى إشباع غريزة الانتقام أو بغية التهرب من مسؤولياتهم اتجاههم.
إلا أنه و مع ذلك فان ما يعاب على هذا المقترح هو قصوره كونه لم يبين و لم يوضح كيفية اعتماد هذه الوسائل في القضاء و الإجراءات الواجب اتباعها، بل أنه لم يشر حتى إلى المخابر المتخصصة في ذلك.
و في الحقيقة فان المقترح الجديد بشكله هذا يكون قاصرا، و يكون بذلك قد قذف بالقاضي مرة أخرى في هوة عميقة يصعب الخروج منها.
و عليه فإننا نقترح الإبقاء على هذا المقترح الجديد، لكن مع ضرورة تحديد و بدقة كيفية إدماج هذه الوسائل العلمية في القضاء، كذلك الإجراءات الواجب مراعاتها فيه، أو الخبراء و المخابر المتخصصة بذلك، و كذلك لا بد من تحديد قيمتها في الإثبات بمعنى هل تعد وحدها دليلا كافيا لإثبات النسب ؟ أم أنها تخضع لسلطة القاضي في تمحيص أدلة الإثبات وفقا لقناعته ؟ .
أما عن موقف الشريعة الإسلامية فإننا لا نرى أن في هذه الأحكام ما ينافيها، فالدين الإسلامي الحنيف دين صالح لكل زمان و مكان يتماشى و مقتضيات كل عصر، و بذلك و إعمالا لمبادئ الاجتهاد فانه طالما كانت هذه الوسائل لها فائدتها و أهميتها في المجتمع، و طالما أنها لا تتناقض و مبادئ الشريعة الإسلامية فانه يمكن الاعتماد عليها و الأخذ بها لإحقاق الحق و إزهاق الباطل.
و من الجديد أيضا الذي جاء به المشروع التمهيدي لقانون الأسرة، و هو في الحقيقة لم يكن متوقعا، هو اعتماده لوسيلة التلقيح الاصطناعي كوسيلة أخرى يثبت بها النسب، و ذلك طبقا للمادة 11 من هذا المشروع المتممة لأحكام قانون 84/11 بالمادة 45 مكرر و المحررة على النحو التالي : " يجوز للزوجين اللجوء إلى التلقيح الاصطناعي .
يخضع التلقيح الاصطناعي للشروط التالية :
 أن يكون الزواج شرعيا.
 أن يكون التلقيح برضا الزوجين و أثناء حياتهما.
 أن يتم بماء الزوج و بويضة زوجته دون غيرهما.
 لا يجوز اللجوء إلى التلقيح الاصطناعي باستعمال الأم البديلة ".
و في الحقيقة فان هذه المادة ما هي إلا تأكيد آخر للاتجاه نحو اعتماد و تكريس الطرق العلمية المستحدثة في مجال النسب. و بذلك فانه يجدر بنا طرح عدة أسئلة أهمها : ما هو التلقيح الاصطناعي ؟ و ما هي شروطه ؟ و ما علاقته بالنسب ؟
كل هذه الأسئلة سنحاول الإجابة عليها فيما يلي :
بداية فان التلقيح الاصطناعي بغية الاستيلاد (بغير الطريق الطبيعي، و هو الاتصال الجنسي بين الرجل و المرأة ) يتم بأحد طريقين أساسين : طريق التلقيح الداخلي، و ذلك بحقن نطفة الرجل في الموقع المناسب من باطن المرأة، و طريق التلقيح الخارجي بين نطفة الرجل و بويضة المرأة في أنبوب اختبار في المختبرات الطبية ثم زرع البويضة الملقحة ( اللقيحة ) في رحم المرأة .
و قد تبين من خلال الدراسة أن الأساليب و الوسائل التي يجري بها التلقيح الاصطناعي بطريقيه الداخلي و الخارجي لأجل الاستيلاد هي ستة أساليب بحسب الأحوال المختلفة، للتلقيح الداخلي فيها أسلوبان، و للخارجي أربعة من الناحية الواقعية، بقطع النظر عن حلها أو حرمتها شرعا، و هي :
أ – في التلقيح الاصطناعي الداخلي :
الأسلوب الأول : أن تؤخذ النطفة الذكرية من رجل متزوج، و تحقن في الموقع المناسب داخل مهبل زوجته أو رحمها، حنى تلتقي النطفة التقاء طبيعيا بالبويضة التي يفرزها مبيض زوجته، و يقع التلقيح بينهما ثم العلوق في جدار الرحم بإذن الله، كما في حالة الجماع، و هذا الأسلوب يلجأ إليه إذا كان في الزوج قصور لسبب ما عن إيصال مائه في المواقعة من الموضع المناسب.
الأسلوب الثاني : أن تؤخذ نطفة من رجل و تحقن في الموقع المناسب من زوجة رجل آخر حتى يقع التلقيح داخليا ثم العلوق في الرحم كما في الأسلوب الأول، و يلجأ إلى هذا الأسلوب حين يكون الزوج عقيما، لا بذرة في مائه فيأخذون النطفة الذكرية من غيره.
ب – في التلقيح الاصطناعي الخارجي :
الأسلوب الأول : أن تؤخذ نطفة من زوج و بويضة من مبيض زوجته، فتوضعا في أنبوب اختبار طبي بشروط فيزيائية معينة، حتى تلقح نطفة الزوج بويضة زوجته في وعاء الاختبار، ثم بعد أن تأخذ اللقيحة بالانقسام و التكاثر تنقل في الوقت المناسب من أنبوب الاختبار إلى رحم الزوجة نفسها صاحبة البويضة لتعلق في جداره و تنمو و تتخلق ككل جنين، ثم في نهاية مدة الحمل الطبيعي تلده الزوجة طفلا أو طفلة، و هذا هو طفل الأنبوب الذي حققه الإنجاز العلمي الذي يسره الله، و يلجأ إلى هذا الأسلوب عندما تكون الزوجة عقيما بسبب انسداد القناة التي تصل بين مبيضها ورحمها (قناة فالوب).
الأسلوب الثاني : أن يجرى تلقيح خارجي في أنبوب الاختبار بين نطفة مأخوذة من زوج، و بويضة مأخوذة من مبيض امرأة ليست زوجته ( يسمونها متبرعة )، ثم تزرع اللقيحة في رحم زوجته، و يلجأون إلى هذا الأسلوب عندما يكون مبيض الزوجة مستأصلا أو معطلا، و لكن رحمها سليم قابل لعلوق اللقيحة فيه.
الأسلوب الثالث : أن يجري تلقيح خارجي في أنبوب اختبار بين نطفة رجل و بويضة امرأة ليست زوجته له (يسميان متبرعين)، ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة أخرى متزوجة، و يلجأون إلى ذلك حينما تكون المرأة المتزوجة التي زرعت اللقيحة فيها عقيما بسبب تعطل مبيضها لكن حملها سليم، و زوجها أيضا عقيم و يريدان ولدا.
الأسلوب الرابع : أن يجري تلقيح خارجي في وعاء الاختبار بين بذرتي زوجين، ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة تتطوع بحملها (ما يعرف بالأم البديلة)، و يلجأون إلى ذلك حين تكون الزوجة غير قادرة على الحمل لسبب في رحمها، و لكن مبيضها سليم منتج، أو تكون غير راغبة في الحمل ترفضها، فتتطوع امرأة أخرى بالحمل عنها .
هذه هي أساليب التلقيح الاصطناعي التي حققها العلم لمعالجة أسباب عدم الحمل .
و إن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي بمكة بعد النظر فيما تجمع لديه من معلومات موثقة مما كتب و نشر في هذا الشأن، و تطبيق قواعد الشريعة الإسلامية و مقاصدها لمعرفة حكم هذه الأساليب المعروضة و ما تستلزمه قد انتهى إلى ما يلي :
- أن الأسلوب الأول من التلقيح الداخلي جائز شرعا، و ذلك بعد أن تثبت حاجة المرأة إلى هذه العملية لأجل الحمل .
- و أيضا الأسلوب الأول من التلقيح الاصطناعي الخارجي هو أسلوب مقبول مبدئيا في ذاته بالنظر الشرعي، لكنه غير سليم تماما من موجبات الشك فيما يستلزمه و يحيط به من ملابسات، فينبغي ألا يلجأ إليه إلا في حالات الضرورة القصوى .
و في الحالتين المشار إليهما أعلاه يقرر المجمع أن نسب المولود يثبت من الزوجين مصدري البذرتين و يتبع الميراث و الحقوق الأخرى ثبوت النسب، فحين يثبت نسب المولود من الرجل و المرأة يثبت الإرث و غيره من الأحكام بين الولد و من التحق نسبه به، أما بقية الأساليب فقد قرر المجمع تحريمها لمخالفتها للشرع الإسلامي و أنه لا مجال لإباحة شيء منها، لان البذرتين الذكرية و الأنثوية فيها ليستا من زوجين، أو لأن المتطوعة بالحمل هي أجنبية عن الزوجين مصدري البذرتين .
هذا و نظرا لما في التلقيح الاصطناعي بوجه عام من ملابسات حتى في الصورتين الجائزتين شرعا، و من احتمال اختلاط النطف أو اللقائح في أوعية الإختبارات و لاسيما إذا كثرت ممارساته وشاعت فإن مجلس المجمع ينصح الحريصين على دينهم أن لا يلجأوا إلى ممارسته إلا في حالة الضرورة القصوى، و بمنتهى الاحتياط و الحذر من اختلاط النطف أو اللقائح .
و إن كان مقترحوا التعديل كما يبدو من خلال المادة 45 مكرر المضافة لأحكام النسب بموجب المادة 11 من مشروع التعديل المقترح قد استمدوا أحكامها من رأي المجمع الفقهي فأصابوا بذلك في وضع الشروط الملائمة، و طبقا لمقتضيات الشريعة الإسلامية و الأحكام العامة للنسب، إلا أن هناك جملة من المآخذ يمكن أخذها عليهم و تتمثل فيما يلي :
– عدم التعريف بهذا الأسلوب الجديد المستحدث، و كذا عدم تبيان الطرق المعتمدة منه دون غيرها، فالتلقيح الاصطناعي يتضمن التلقيح الداخلي، و التلقيح الخارجي الذي يتم عن طريق الأنابيب و هذا ما يطرح بدوره إشكاليات أخرى عند التطبيق خاصة في الواقع العملي .
– أنه لم يشر إلى الإجراءات الخاصة بهذه العملية، و لم يحل بشأنها حتى إلى التنظيم و هو الشيء الذي يخلق مشاكل لدى القضاة في كيفية تطبيق هذه المادة، و في كيفية مراقبة مدى صحة الشروط التي تضمنها مشروع التعديل، كما أن السؤال الجدير بالطرح أيضا في هذا الصدد هو : ماذا يترتب في حالة الغش في تطبيق شروط هذه المادة من طرف الأطباء و المختصين، فهل يمكن تكييف ذلك على أنه إخلال بواجب مهني و يتطلب جزاء تأديبيا فقط ؟ أم أنه وجب تدخل المشرع بتجريم مثل هذه التصرفات باعتبارها تمس كيان المجتمع بما يترتب عنها من اختلاط في الأنساب ؟ .
– كذلك كان يجدر بواضعي المشروع أن يبرزوا أهمية الملف الطبي المشكل للزوجين طالبي الاستفادة من هذه العملية، في إثبات مدى توافر الشروط المنوه عنها أعلاه.
و في الأخير فانه لا يسعنا إلا أن نقول أن اعتماد الوسائل العلمية في إثبات النسب ونفيه أصبح ضرورة لا مفر منها، و أنه من اللامعقول تجاهل أهميتها، خاصة في وقت أصبح فيه العلم هو مقياس تقدم الأمم، و بالتالي فان المشروع التمهيدي المقترح قد أصاب مبدئيا في تكريس الوسائل العلمية في إثبات و نفي النسب، إلا أنه بقي قاصرا في نقاط كثيرة، لذلك فإننا نلح على مقترحي التعديل بضرورة وضع تعديلات جذرية، لا تعديلات شكلية، تقذف بالقاضي إلى الحيرة و الريب و صعوبة الفصل في القضايا المطروحة أمامه.

خلاصة :
بعد أن عالجنا في هذا الفصل الاشكالات التي يطرحها عقد الزواج و آثاره بصفة عامة و لاحظنا الفراغ القانوني الذي اعتراه و إن كان مشروع التعديل المقترح قد نجح إلى حد ما في تغطية هذا الفراغ الذي خلفه التشريع الساري، إلا أنه خلق من جهة أخرى اشكالات جديدة تحتاج إلى كثير من النظر و التمحيص .
فإذا كان الحال كذلك بالنسبة لانعقاد الرابطة الزوجية فما هو الحال بالنسبة لانحلالها.























الفصل الثاني : إشكالات إنحلال عقد الزواج و آثاره

عرفت المادة 48 من قانون الأسرة الطلاق بأنه :" حل عقد الزواج و يتم بإرادة الزوج أو بتراضي الزوجين أو بطلب من الزوجة في حدود ما ورد في المادتين 53 و54 من هذا القانون ".
فرغم أن استقرار الحياة الزوجية غاية من الغايات التي حرص عليها الشارع و المشرع و ذلك يجعل عقد الزواج يعقد للدوام و التأبيد إلى أن تنتهي الحياة و جعل الصلة بين الزوجين من أقدس الصلات و أوثقها إلا أنه قد يحدث ما يوهن هذه الصلة ويضعف من شأنها و يخلق الشقاق، فإن استحالت العشرة شرعت الفرقة و كان أبغض الحلال عند الله هو منفذ ذلك .و على هدى الشريعة الإسلامية نظم المشرع الجزائري حالات انحلال الرابطة الزوجية و كذا الآثار المترتبة عنها والتي طرحت العديد من الإشكالات نفصل أهمها فيما يأتي :


المبحث الأول : حالات انحلال عقد الزواج
إن استقرار الحياة الزوجية غاية من الغايات التي يحرص عليها الإسلام، و عقد الزواج يعقد للدوام و التأبيد إلى أن تنتهي الحياة ليتسنى للزوجين أن يجعلا من البيت مهدا يأويان إليه و ينعمان في ظلاله الوارفة و ليتمكنا من تنشئة أولادهما تنشئة صالحة، ومن أجل هذا كانت الصلة من أقدس الصلات و أوثقها لذا لا ينبغي الإخلال بها و لا التهوين من شأنها، و كل أمر من شأنه أن يوهن هذه الصلة و يضعف من شأنها فهو أمر بغيض إلى الإسلام، فعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : '' أبغض الحلال إلى الله الطلاق ''
وقد شرع الإسلام كحل واقعي علمي لما يطرأ على هذه الرابطة المقدسة من تشويش، و جعل له ضوابطه و قوانينه و جعله أبغض المباحات إلى الله تعالى وإلى نفوس العباد من ذوي الفطرة السليمة و ذلك أن الإسلام دين وحدة و الطلاق شرع للفرقة مما يستحق أن يصنف في خانة أبغض الحلال.
و تجدر الإشارة أنه قبل التطرق إلى موضوع الطلاق و الإشكاليات التي يثيرها بين القانون الساري المفعول و التعديلات المقترحة يتعين ذكر الأسباب التي تنحل بها الرابطة الزوجية.
و لعل أول سبب من أسباب انحلال عقد الزواج هو وفاة أحد الزوجين فإذا توفي الزوج أو الزوجة فإن عقد الزواج القائم بينهما سينحل تلقائيا من نفسه و بحكم القانون و لا يحتاج إلى إقامة دعوى أمام القضاء للحكم بانحلاله و انقضائه و تترتب عليه نفس آثار كل زواج صحيح من حيث التوارث و النسب و العدة واستحقاق مؤجل الصداق وغيرها ، وطالما هذا السبب لا يثير مشكلا أمام القضاء مثل بقية الطرق الأخرى التي تنفك بها الرابطة الزوجية ولذا سوف لن نتناوله بالدراسة والتحليل.
كما تنحل الرابطة الزوجية عن طريق الخلع الذي هو عبارة عن عرض الزوجة لمبلغ من المال معلوما و مقوما شرعا إلى زوجها مقابل طلاقها، فيتفقان على نوعه أو مقداره في جلسة الحكم أو يحدده القاضي بما لا يتجاوز صداق المثل وقت الحكم.
و علاوة على السبب السابق الذكر هناك سبب آخر المتمثل في الطلاق الذي يندرج ضمنه الطلاق بالإرادة المنفردة للزوج والطلاق بالتراضي.
كما تنحل الرابطة الزوجية بطلب من الزوجة وهو ما يسمى في القانون بالتطليق.

المطلب الأول : الطلاق :
الطلاق مأخوذ من الطلاق وهو الإرسال والترك ومعناه لغة : حل القيد سواء كان حسيا كقيد الفرس وقيد الأسير، أو معنويا كقيد النكاح وهو الارتباط الحاصل بين الزوجين.
ويستعمل الطلاق في حل القيد سواء حسيا أو معنويا ، و من ثم فاللغة تستعمل لفظ الطلاق أو التطليق في حل عقدة النكاح، فالطلاق كانوا يستعملونه في الجاهلية في الفرقة بين الزوجين، فلما جاء الشرع اقر استعماله في هذا المعنى بخصوصه، لهذا عرف في الاصطلاح بأنه إزالة النكاح.
في الشرع : هو حل رابطة الزواج وإنهاء العلاقة الزوجية
أولا: الطلاق بالتراضي :
لقد ورد في نص المادة 48 من قانون الأسرة على أن الطلاق حل عقدة الزواج ويتم بإرادة الزوج أو بتراضي الزوجين وهذا يعني أنه يمكن للزوجين بناءا على طلب أحدهما وموافقة الآخر أو بناء على رغبتهما المشتركة في حل عقد النكاح ووضع حد للرابطة الزوجية القائمة بينهما أن يتطالقا بتراضيهما ودون خصام أو نزاع ومثلما تلاقيا بالإحسان يفترقا بالإحسان، وعندها وبكل سهولة يمكن أن يتوجه الزوج أو حتى الزوجة إلى أمانة الضبط بالمحكمة، ويقدم أو تقدم له عريضة مكتوبة تشتمل على الهوية الكاملة والعنوان الكامل لكل واحد من الزوجين وتحتوي على عبارات صريحة تفيد اتفاقهما على حل عقد الزواج بتراض منهما دون ضعف من طرف أو إكراه من الآخر ويطلبان فيه من المحكمة أن تقضي بينهما بالطلاق الرضائي وان كانت هناك شروط تتعلق بالطلاق يحسن ذكرها في العريضة ذاتها .
وبعد قيام القاضي بمحاولة الصلح بين الزوجين يقوم فقط بالإشهاد على الطلاق بالتراضي الواقع بين الزوجين باعتبار أن دور القاضي في هذه الحالة كاشف لإرادة الزوجين.
لماذا لا يكون الطلاق حق مشترك كالزواج ؟
لو جعلنا أمر الطلاق يرجع إلى إرادة الزوجين بما وصل إلى اتفاق غالبا، لأن أحدهما يريد الفراق والأخر لا يريده، فيعمل على الكيد للآخر فتصبح الحياة جحيم لا يطاق ثم أنهما غير متساوين في المسؤولية فأحدهما سيغرم نتيجة لوقوع الطلاق والآخر لا يكلف بشيء.
إنه من غير الممكن جعل الطلاق حقا مشترك بين طرف يغنم و طرف يغرم، فالطرف الذي يغرم عادة لا يريد إيقاعه والطرف الذي يغنم قد يوقعه لأتفه الأسباب، وبالتالي لن يتفقا أبدا، ومن الواضح أن الطلاق في الشريعة الإسلامية ليس حقا مشتركا لأنه يقع برضا الطرفين .
وعليه فان الطلاق بالتراضي ليس معناه إجبارية أن يكون حقا مشتركا بين الزوجين ذلك أنه في حالة التراضي على الطلاق ، اتفاق إرادة الزوجين على وقوعه.
ما مدى حرية الزوجين في إنهاء العلاقة الزوجية بناء على اتفاقهما المشترك؟
طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية فإنه يحق للزوج إنهاء العلاقة الزوجية بناء على إرادته المنفردة ولا يحتاج إلى قبول الزوجة، لأن الأمر في هذه الحالة يتعلق بممارسة الحق الإرادي ولا تملك الزوجة إلا الخضوع في حين يستطيع الزوجين في التشريع الغربي إنهاء العلاقة الزوجية بناء على إرادتهما المشتركة لأن هذه الشريعة لا تسمح بانتهاء العلاقة الزوجية إلا إذا أثبت أحدهما إخلال الآخر بالتزامه، ويكون من باب أولى أن يحصل الطلاق إذا وقع اتفاق بينهما.
إن المشرع عندما نص على هذه الحالة فقد تأثر بالشريعة الغربية التي تعرف هذه الصورة من صور إنهاء العلاقة الزوجية وعليه فان صور الطلاق بالتراضي غير موجودة في الشريعة الإسلامية وإن كان يتقارب في المفهوم مع الخلع من حيث وجود الاتفاق إلا أن ميزة الخلع الأساسية هو المقابل المالي الذي تفتدي به الزوجة نفسها ويدفعه إلى الزوج مقابل طلاقها.
- ثانيا : الطلاق بإرادة الزوج المنفردة :
لقد أوكل المشرع مصير العشرة الزوجية إلى إرادة الزوج طبقا لأحكام القرآن ومقتضى السنة، وذلك ليس إنكارا لحق المرأة في الفرار من جحيم الحياة الزوجية متى فسدت العشرة بين الزوجين وكرهت البقاء معه و إنما تماشيا مع طبع الرجل الذي يغلب عليه الاتزان والحكمة والتروي لأنه خشن الإحساس بطيء التأثر، صبور في مواجهة المصاعب بخلاف الزوجة التي تتأثر لأبسط الصدمات وتتسرع في اتخاذ القرارات، وإن شذ البعض منهن وقد تعصف بالحياة الزوجية، فتهد أركانها تحت تأثير أزمة عصبية يمر بها الزوجان أو تمر بها الزوجة وهي في حالة حيض أو وحم أو أزمة عابرة في العائلة .
لماذا جعل الإسلام الطلاق بيد الرجل؟
إن الإسلام كي يحد من انتشار ظاهرة الطلاق وحتى يقيده جعله بيد الرجل أي الطرف الخاسر في إيقاعه. وإذا أردت أن تحافظ على أية قضية فاجعلها بيد الطرف الخاسر في ضياعها فانه يستعمل المستحيل لبقائها واستمرارها حتى لا يخسر، أو اجعلها في يد الطرف الذي تعب في إنشائها، فإنه سيحافظ عليها ولن يتلاعب بها.
إن جعل الطلاق بيد الطرف المتضرر يحد من انتشاره فالرجل عادة لا يحب الخسارة، والأصل فيه عدم التسرع واستعمال العقل خاصة وهو يعلم تكاليف هذا الطلاق.
فالحكمة في جعل الطلاق بيد الرجل هي الحد من انتشاره فالرجل ربما أنه المتضرر الأكبر، وعليه تقع كل واجبات الزواج و نفقات الطلاق و بما أن حضانة الأولاد من حق الأم فلا يوقعه إلا في حالات الضرورة القصوى. ضف إلى ذلك حتى لا يتلاعب الرجال بالطلاق الثلاث حرم الإسلام عودة المرأة لزوجها حتى تنكح زوجا غيره وليس هناك رجل يسمع هذا التشريع إلا وترتعد فرائصه، يكفي أن يتصور امرأته مع غيره، وإنه لا يمكنه استردادها إلا إذا ذاق غيره عسيلتها وذاقت هي عسيلة غيره، فهل هناك رجل يملك ذرة من غيرة وكرامة وعزة يتلاعب بالطلاق وهو يعلم أنه سيترتب عليه ما أسلفنا.
أهناك عقوبة و مذلة للرجل أكثر من انتظار أن يذوق غيره عسيلة التي كانت امرأته؟
هذا عقاب الإسلام للذين يتلاعبون بالطلاق فما هو عقاب القوانين الوضعية ؟ .
شروط المطلق :
يثبت حق الطلاق للزوج بمجرد عقد الزواج الصحيح، وكان الطلاق من الزوج أو من رسوله أو من وكيله ونظرا لخطورة الطلاق على الأسرة والمجتمع اشترط العلماء شروطا لابد من توفرها في المطلق حتى يمكنه إيقاع الطلاق .
وتتمثل هذه الشروط فيما يلي :
أولا : أن يكون زوجا أو رسولا منه أو وكيلا عنه، وإلا فإنه لا يمكن إيقاع الطلاق، وعلى هذا لا يملك الولي إيقاع الطلاق على زوجة من له الولاية عليه وذلك أن الطلاق حق شخصي للزوج، فلا يملكه غيره إلا بتوكيل أو إنابة صريحة منه، فللزوج أن يوكل غيره بالتطليق وأن يفوض المرأة بتطليق نفسها.
فالتفويض عرفه الحنفية بأنه تمليك الزوج زوجته حق تطليق نفسها أو تمليك غيرها هذا الحق بلفظ يفيده، وهذه الألفاظ ثلاث إن كان موجها للزوجة مثل : طلقي نفسك، أمرك بيدك، واختاري.
أما إن كان موجها لشخص آخر فيصح فيه أن يقول له لك أن تطلق زوجتي إن شئت، فهذا تفويض له لأنه علقه على مشيئته.
وقد فرق الأستاذ فضيل سعد بين التفويض والنيابة في الطلاق في الأحكام التالية:
- من حيث الرجوع فيه : فإن التفويض نهائي متى صدر منه، امتنع الرجوع فيه أو عزل المفوض إليه على خلاف الوكيل، فانه يمكن عزله في أي وقت .
- من حيث الأهلية : فإنها لا تتأثر بالتفويض متى انعدمت أهلية المفوض بخلاف الوكيل فان وكالته تبطل متى فقد موكله أهليته بالجنون أو العته .
- من حيت المدة :فإن التفويض يسقط بانفضاض المجلس الذي تم فيه التفويض إذا لم يكن مضاف إلى زمن بعيد، فإن ربطه بزمن معين بستة اشهر أخرى أو سنة أو اقل فانه لا يسقط بانفضاض المجلس و إنما بمرور الزمن المضاف إليه التفويض، في حين أن النائب يملك أن يطلق في المجلس أو بعده ما لم يعزله موكله .
موقف المشرع الجزائري :
بالقياس على المادة 20 من قانون الأسرة التي تنص على أنه" يصح أن ينوب عن الزوج وكيله في إبرام عقد الزواج بوكالة خاصة "، ذلك أنه عمليا نلاحظ بعض الآباء يقصدون المحاكم لتطليق أبنائهم من زوجاتهن من تلقاء أنفسهم إلا أنه لا يمكن أن يحصل ذلك إلا بعد الحصول على وكالة أو تفويض من الطرف المعني.
ثانيا: أن يكون المطلق بالغا عاقلا، لكن هل يجوز للولي أن يطلق نيابة عن الصغير أو المجنون إذا دعت المصلحة أو الضرورة إلى ذلك. على أنه يجب أن نلاحظ أنه إذا طلبت الزوجة التفريق وكان زوجها مجنونا أو صبيا فالقاضي يملك حق التفريق بينهما .
الطلاق بين القانون الساري المفعول والتعديلات المقترحة:
تنص المادة 49 من قانون رقم 84-11 الذي يتضمن قانون الأسرة : " لا يثبت الطلاق إلا بحكم بعد محاولة الصلح من طرف القاضي دون أن تتجاوز هذه المدة 3 أشهر " ومعناه أنه في حالة الطلاق بالإرادة المنفردة يتقدم الزوج إلى المحكمة ويطلب من القضاء حل الرابطة الزوجية والحكم بالطلاق بينه وبين زوجته استنادا إلى أسباب شرعية وقانونية، وذلك بموجب عريضة في أمانة الضبط بالمحكمة المختصة، وبعد المرور بالجلسة السرية للمصالحة وتعيين الحكمين للتوفيق بين الزوجين خلال أجل لا يتجاوز الشهرين وفقا للمادة 56 من قانون الأسرة يقوم القاضي بعد استدعائهما عن طريق أمانة الضبط بمحاولة ثانية للصلح بينهما على ضوء التقرير الذي قدمه الحكمان اللذان سبق أن عينهما في إطار مجلس عائلي لإعداد تقرير عن أسباب خلاف الزوجين و نزاعهما، وإذا فشل يدرج ملف دعواهما في جلسة مستقلة ويدعوهما لحضورها، ثم يصدر حكمه في موضوع النزاع استنادا إلى تقرير الحكمين و إحكام القانون وضميره.
وبالرجوع إلى المادة 49 من قانون الأسرة فإن المشرع الجزائري استعمل عبارة لا يثبت الطلاق ولم يستعمل عبارة لا ينشأ أو لا ينعقد أو لا يقع الطلاق إلا بحكم.
إن الطلاق لا يقع إلا بموجب حكم، فهو ليس شرطا للإثبات و إنما هو شرط للانعقاد ذلك أن المشرع عندما نص على أنه لا يمكن إثبات الطلاق إلا بحكم بعد محاولة الصلح، تبعا لذلك فإنه ينفي وقوع أي طلاق ما لم تسبقه محاولة الصلح التي يقوم بها القاضي ومن ثمة يكون المشرع قد إنحاز إلى الاتجاه الشكلي، فلا يعتد بالطلاق الذي يقع خارج مجلس القضاء بل يجب على الزوج أن يعلن عن إرادته في استعمال حقه الإرادي بصدور إشهاد من القاضي يثبت فيه استيفاء إجراء الصلح وتعبير الزوج عن إرادته في ذلك ومن تم يعد المحرر القضائي شرطا لصحة وقوع الطلاق، و لا يعد وسيلة بثباته، ومن ثم فلا يمكن قبول ادعاء الزوج بوقوع الطلاق ما لم يقدم محررا رسميا صادرا عن القاضي يثبت ذلك .
وتجدر الإشارة أن المشرع في نص المادة 50 من قانون الأسرة فرض على الزوج الذي أراد أن يراجع زوجته في عدة الطلاق - ذلك أن العدة تبدأ من يوم صدور الحكم بالطلاق - أن لا يعيدها إلا بموجب عقد جديد ومعنى هذا أن المشرع سلب من الزوج أحد حقوقه الإرادية وهو حقه في إرجاع زوجته أثناء عدة الطلاق الرجعي دون أن يحتاج إلى عقد أو مهر جديدين.
وهذا الحكم مخالف لما استقر عليه فقهاء الشريعة من أن الطلاق الذي يصدر بناء على إرادة الزوج يعد طلاقا رجعيا يملك الزوج فيه أن يعيد الزوجة إلى عصمته بدون عقد جديد .
لكن هنا نتساءل عن مدى شرعية الرجوع الذي يتمكن القاضي من إحداثه أثناء محاولة الصلح يكون خارج ميعاد العدة التي تحسب من يوم رمي الزوج لفظ الطلاق على زوجته، فمن المفروض أن يتم الرجوع خلال 3 اشهر من يوم طلاق الزوج لزوجته إلا أنه عمليا فإن الزوج يطلق زوجته في البيت وقد يرفع عريضته بعد شهر من يوم رمي الطلاق وبعد التأجيلات القضائية قد يقع الصلح بعد شهرين آخرين فنتساءل ما حكم الرجوع شرعا الذي تم بعد انقضاء العدة، هذه أخطاء مخالفة للشريعة الإسلامية السمحاء ينبغي تداركها من قبل القضاة، على الأقل استجواب الطرفين عن وقوع الطلاق الحقيقي للتأكد من شرعية الرجوع وإلا فلا داعي لإجراء الصلح أصلا إذا استوفت المرأة عدتها فهناك بعد كبير بما جاء في الشرع وما يجري به العمل القضائي.
فالطلاق ليس لغوا والمرأة تعتد خلال ثلاثة أشهر من تاريخ رمي يمين الطلاق على الزوجة، وان لم يقم بذلك واكتفى بالإعلان عن رغبته في الطلاق برفع عريضة أمام القضاء فالعدة يبدأ حسابها من تاريخ النطق بالحكم بالطلاق. وعلى العموم يبقى في رأينا مشكلا مطروحا ينبغي تداركه تفادي الوقوع في أخطاء إجراء الصلح بعد استنفاد الزوجة مدة العدة المقررة شرعا ؟
اقتراحات تعديل المادة 49 من القانون رقم 84-11 :
تنص المادة 49 " لا يثبت الطلاق إلا بحكم بعد عدة محاولات للصلح من طرف القاضي خلال مدة لا تقل عن 3 اشهر ابتداء من تاريخ رفع الدعوى .
يتعين على القاضي تحرير محضر يبين مساعي ونتائج محاولات الصلح يوقعه وكاتب الضبط و الطرفين ".
في عرض الأسباب التي جاء بها مشروع تعديل هذه المادة هو قصد إعطاء الزوجين فرصة للتراجع عن مواقفهما وتجاوز الخلافات القائمة بينهما، فإجراء القاضي لعدة محاولات للصلح خلال مدة لا تقل عن ثلاثة اشهر من تاريخ رفع الدعوى.
فالهدف المتوخى من التعديل هو تكرار محاولة الصلح للمحافظة على الأسرة.
حسب رأينا أبقى المشروع التمهيدي للتعديل على المضمون الجوهري لنص المادة 49 من قانون الأسرة آلا و هو الصلح، حيث أنه اقترح التعديل من محاولة صلح إلى عدة محاولات للصلح.
دون أدنى شك أن تكرار محاولات الصلح يعود بالفائدة على الزوجين في إعادة التفكير مرات و مرات وإخماد نار الثورة التي كانت بين الزوجين و إعادة التفكير في العدول عن الطلاق إذا رأينا أن الاقتران والرجوع خير من الفرقة والطلاق.
حسب اعتقادنا أن الجديد الذي جاء به المشروع هو تحديد مدة ثلاثة اشهر التي يبدأ حسابها من تاريخ رفع الدعوى على خلاف النص القديم لم يحدد ابتداء هذه المدة.
كما اقترح دعاة التعديل أن القاضي يتعين عليه تحرير محضر يبين فيه مساعي ونتائج محاولات الصلح مع التوقيع عليه وكاتب الضبط والطرفين.
في رأينا إن هذا الاقتراح جسد ما هو عمليا على المستوى القضائي عند إجراء محاولة الصلح فإن قاضي الأحوال الشخصية يقوم بإجرائه في جلسة سرية في مكتبه ويعمل جاهدا لإصلاح ذات البين وذلك بإعطاء النصائح والتوجيهات إلى الإصغاء والاحتكام إلى العقل، والنظر إلى قيمة الأسرة التي سوف تنهار، وإلى مصير الأولاد وتشتتهم بعد الطلاق مبرزا في ذلك سلبيات الطلاق ثم يقوم بتحرير محضر عدم الصلح وذلك بتدوين تصريحات كلا الطرفين، وفي الأخير يقوم القاضي بالتوقيع عليه مع كاتب الضبط والطرفين.
إن هذه الفقرة في الحقيقة لم تأت بالجديد، فإجراء الصلح يقوم به القاضي على مستوى كل المحاكم، وهو إجراء شكلي وعدم القيام به يؤدي إلى بطلان الإجراءات، إلا أنه ربما أرادوا تجسيد ذلك في المادة ليكون أكثر حجة على القضاة للعمل به علاوة على اجتهادات المحكمة العليا.

المطلب الثاني : التطليـق
أولا : أسبابه في القانون الساري :
إذا كان قانون الأسرة قد منح الزوج حق طلب الحكم له بالطلاق دون قيد أو شرط، فإن حق المرأة في طلب الطلاق بمقتضى إرادتها المنفردة وحدها مقيد بحالات معينة وردت في المادة 53 من قانون الأسرة على سبيل الحصر وتتمثل فيما يلي :
- طلب التطليق لعدم الإنفاق :
تنص المادة 53 من قانون الأسرة على ما يلي : "يجوز للزوجة أن تطلب التطليق للأسباب التالية :
عدم الإنفاق بعد صدور الحكم بوجوبه ما لم تكن عالمة بإعساره وقت الزواج مع مراعاة المواد 80.79.78 من هذا القانون ".
فإذا طلبت الزوجة من القضاء تطليقها من زوجها لعدم إنفاقه عليها فلابد من توافر شروط وهي:
- عدم إنفاق الزوج على زوجته وامتناعه عمدا أو قصدا عن تقديم ما تحتاجه من غذاء ولباس وعلاج وسكن وغيره.
- إمكانية طلب التطليق والحكم به، أي أن يكون صدر حكم من المحكمة بوجوب نفقة الزوج على زوجته، وهذا يعني أن يكون الزوج قد امتنع عن الإنفاق على زوجته امتناعا حقيقيا لمدة، والزوجة أقامت دعوى أمام المحكمة ضد زوجها فأثبتت امتناعه عن النفقة واستصدرت حكما على الزوج بأنه يجب عليه أن ينفق على زوجته ويدفع لها مبلغا معينا يقدره القاضي ويذكره في حكمه.
- يجب ألا تكون عالمة بإعساره وقت إبرام عقد الزواج ورضيت بحاله الذي هو عليه إلى أن دخل بها،فإن حقها في طلب التطليق يكون قد سقط برضاها بحالته، ولم تعد تستطيع أن تطلب تطليقها بسبب إعسار كانت تعلمه، وفي موضوع التفريق للإعسار أو عدم الإنفاق أربع آراء في الفقه الإسلامي :
فذهب الأحناف إلى عدم التفريق بين الزوجين للإعسار أو عدم الإنفاق، وللمرأة أن تستدين أو تنفق على نفسها إن كان لها مال على أن يكون هذا في ذمة الزوج حين يسره، وإذا تبين للقاضي أن الزوج ممتنع عن الإنفاق ولم يتمكن من التنفيذ جبرا عنه حكم عليه بالحبس لأنه يعتبر حينئذ ظالما في عدم الإنفاق، والدليل قوله تعالى : "لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله، لا يكلف الله نفسا إلا ما أتاها.... ".
أما مذهب الظاهرية فارتأى عدم التفريق للإعسار والزوجة ملزمة بالإنفاق من مالها على زوجها إن كانت غنية، فضلا عن الإنفاق على نفسها.
بينما رأى ابن القيم الجوزية أنه يجوز التفريق للإعسار في حالتين فقط وهما حالتي قدرة الزوج على الإنفاق وامتناعه عن ذلك،وكذا تغرير الزوج بالزوجة أثناء عقد الزواج على أنه غني والحال أنه فقير.
فيما ذهب جمهور المالكية والشافعية والحنابلة إلى التفريق للإعسار في جميع الحالات التي يمتنع فيها الزوج عن الإنفاق،ودليلهم في هذا قوله تعالى : " فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان "، وقوله أيضا :"ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ".
وقد أخذ المشرع الجزائري بمذهب الجمهور فأجاز للقاضي التفريق بين الزوجين إذا امتنع الزوج عن الإنفاق أو أعسر بناء على طلب الزوجة.
ولقد جاء في قرار المحكمة العليا الصادر بتاريخ 19/11/1984 ما يلي : (متى كان من المقرر فقها وقضاء في أحكام الشريعة الإسلامية أن عدم الإنفاق على الزوجة لمدة تزيد عن شهرين متتابعين يكون مبررا لطلبها التطليق عن زوجها، وإذا كان الثابت أن المطعون ضده أدين جزائيا من محكمة الجنح بتهمة الإهمال العائلي وحكم عليه غيابيا بسنة حبسا نافذا، فإن قضاة الاستئناف برفضهم طلب الطاعنة المتعلق بالتطليق قد خرقوا أحكام هذا المبدأ الشرعي).
- التطليق للعيوب :
التفريق للعيب مأخوذ من مذهب الإمام مالك، ومن ثمة يكون مذهبه هو المصدر التاريخي له، يرجع إليه في تفسير مجمله، وتقييد مطلقه وقد اختلف الفقهاء في التفريق للعيب، فقال الظاهرية بعدم التفريق بين الزوجين مهما كان نوعه وسواء كان موجودا بأحد الزوجين قبل العقد أو بعده .
وشروط التفريق للعيب عند الفقهاء :
اشترط الفقهاء لثبوت الحق في طلب التفريق للعيب شرطين هما :
أولا: ألا يكون طالب التفريق عالما بالعيب وقت العقد، فإن علم به وعقد الزواج لا يحق له طلب التفريق لأن قبوله التعاقد مع علمه بالعيب رضا منه به.
ثانيا: ألا يرضى بالعيب بعد العقد، فإن كان طالب التفريق جاهلا بالعيب ثم علم به بعد إبرامه العقد سقط حقه في طلب التفريق .
هل العيب الحادث بعد الزواج يعطي الحق في طلب التفريق؟
قال الحنفية : إن جب الرجل أو اصبح عنينا بعد الزواج ولو كان قد دخل بالمرأة ولو مرة واحدة فلا يحق لها طلب الفسخ لسقوط حقها بالمرة .
وقال المالكية : إذا كان العيب الحادث للزوج، فللزوجة الحق في طلب التفريق إن كان العيب جنونا أو جذاما أو برصا لشدة التأذي بها وعدم الصبر عليها، وليس لها الحق في طلب التفريق للعيوب التناسلية الأخرى من جب أو عنة أو خصاء.
لكن الشافعية والحنابلة : يريان أنه يجوز التفريق للعيب الحادث كالعيب القائم قبله لحصول الضرر به كالعيب المقارن بالعقد، ولأن لا خلاص للمرأة إلا بطلب التفريق بخلاف الرجل .
ولقد جاء في قرار صادر بتاريخ 22-12-1992 ما يلي: "من المقرر قانونا وقضاءا أنه يجوز للزوجة طلب التطليق استنادا إلى وجود عيب يحول دون تحقيق هدف الزواج كتكوين أسرة وتربة الأبناء. ولما أسس قضاة الموضوع قرارهم القاضي بالتطليق على عدم إمكانية إنجاب الأولاد استنادا لنتائج الخبرة الطبية التي خلصت إلى عقم الزوج فإنهم قد وفروا لقضائهم الأسباب الشرعية الكافية .
- والمشرع الجزائري لم يجعل هذه العيوب مشتركة بين الزوجين، بل اشترط أن تكون هذه العيوب في الزوج، فله ان يستعمل حقه في الطلاق دون حاجة لاستناده إلى تلك الأسباب، وإذا استند إلى واحد منها فإنه يرمى من ذلك إلى نفي التعسف عن نفسه في استعمال حقه في الطلاق .
- التفريق للهجر في المضجع :
اشترط المشرع في الهجر في المضجع أن يكون فوق أربعة اشهر وهو هجر يعني أن يدير الزوج ظهره لزوجته في الفراش ولا يهتم بها الإهتمام المطلوب منه كزوج، وقد يترك فراش الزوجية أو غرفة نوم الزوجين لينام في فراش آخر أو غرفة أخرى ويتركها عن قصد ودون سبب شرعي وذلك لمدة تزيد عن أربعة شهور كاملة قصد الإضرار بها أو تعذيبا أو تأديبا لها شريطة أن لا يقع بين الشهر والآخر أي اتصال بينهما.
إذا وقع الهجر في أوقات مختلفة ومتفرقة أو أنه وقع لمرض أو لعذر شرعي مثل التواجد بالمستشفى من أجل العلاج أو بسبب وجوده في مكان آخر من أجل القيام بوظيفته أو لآداء خدمة عامة مثل الخدمة العسكرية أومن أجل البحث عن مصادر الرزق الحلال لها ولأولادها، وإذا طلبت الزوجة التفريق في هذه الحالة فلا يجوز للمحكمة أن تقضي بتطليقها.
ومن الأمور التي تتفق فيها أحكام الإيلاء مع الهجر هي ترك وطء الزوجة وعدم الإقتراب منها ولمدة 4 شهور فأكثر على رأي الإمام مالك ، الشافعي وابن حنبل، وإلحاق الضرر بالزوجة بسبب هذا الهجر وهو حرام شرعا وغير مقبول قانونا لما يتضمنه من حرمان الزوجة من حق تملكه بموجب عقد الزواج ومقتضياته.
أما الأمور التي تختلف فيها أحكام الهجر عن أحكام الإيلاء فهي أن هذا الأخير يمين أو قسم على عدم الإقتراب من الزوجة وترك وطئها وجماعها، بينما الهجر في المضجع أو الفراش لا يفيد هذا المعنى صراحة بالقدر الذي يفيده معنى الإيلاء، وقانون الأسرة منح الزوجة حق طلب التطليق للهجر دون أن يشترط توفر نية الإضرار بالزوجة لدى الزوج .
وتجدر الإشارة أنه من الصعب جدا إثبات عناصر هذا السبب عند الحكم بالتطليق والمتمثلة في إثبات نية الهجر العمدي قصد الانتقام أو تأديب الزوجة. كذلك كيفية إثبات مدة أربعة اشهر متتالية غير متقطعة، فإذا عجزت الزوجة عن إثبات كل هذه العناصر فكيف للقاضي أن يحكم بتطليق الزوجة في غياب الدليل.
- التطليق للحكم بعقوبة شائنة مقيدة لحرية الزوج :
تنص المادة 53 فقرة 4 على أنه:" يجوز للزوجة طلب التطليق بسب الحكم عليه بعقوبة شائنة مقيدة لحرية الزوج لمدة أكثر من سنة فيها مساس بشرف الأسرة وتستحيل معها مواصلة العشرة والحياة الزوجية ."
التفريق بين المحبوس وزوجته منصوص عليه في فتاوى ابن تيمية الحنبلي، فقد جاء في باب عشرة النساء ما نصه القول في امرأة الأسير و المحبوس و نحوهما ضمن تعذر انتفاع امرأته به، و في الشريعة الإسلامية تقاس حالة زوجة السجين المحكوم عليه بعقوبة بدنية على حالة زوجة الغائب لأن كلتا الزوجتين تتضرر من بعد زوجها عنها و لممارسة الزوجة حق طلب التطليق في هذه الحالة لا بد توافر الشروط التالية:
الشرط الأول : صدور حكم قضائي ضد الزوج حائز لقوة الشيء المقضي فيه لم يعد يقبل طرق الطعن القانونية العادية أو الغير العادية في جريمة ارتكبها .
الشرط الثاني : أن تكون العقوبة مقيدة للحرية أي تتضمن عقوبة بدنية بالسجن أو الحبس، فإن كانت العقوبة بالحبس مع وقف التنفيذ أو الوضع تحت الحراسة أو الحكم بغرامة فقط أو الحرمان من الحقوق السياسية أو كانت العقوبة متصلة بالحياة التجارية كعقوبة الإفلاس مثلا... فإنه لا يجوز للزوجة في مثل هذه الحالات أن تطلب التطليق.
الشرط الثالث : أن تكون العقوبة المقيدة للحرية أكثر من سنة، مما يفيد أنه لا يجوز للزوجة أن تطلب التطليق إلا إذا كان الحكم الذي صدر ضد زوجها يتضمن عقوبة بالحبس لمدة سنة فما فوق.
الشرط الرابع : أن تكون العقوبة مشينة أي تعلق الفعل بأعمال منافية للأخلاق،و أن تكون الإدانة متصلة بشرف الأسرة و كرامتها و سمعتها، مثل عقوبة الاعتداء على العرض و الإغتصاب و الإحتيال .
الشرط الخامس : أن تكون العقوبة ماسة بشرف الأسرة يجب أن تكون الجريمة التي ارتكبها الزوج من الجرائم الماسة بشرف الأسرة و هي تلك الجرائم الماسة بالآداب العامة في المجتمع كارتكاب جريمة الزنا أو اغتصاب فتيات صغيرات أو السرقة أو الإحتيال .
الشرط السادس : أن تكون العقوبة قرينة على استحالة مواصلة العشرة الزوجية و تعذر الإستمرار في الرابطة الزوجية بما وصلت إليه من بغض و كراهية و حقد، أي توتر العلاقات بين الزوجين بسبب هذا الحكم و آثاره.
- التطليق للغياب :
جاء في المادة 53-3 من قانون الأسرة :" يجوز للزوجة أن تطلب التطليق من زوجها في حالة الغياب بعد مضي سنة بدون عذر ولا نفقة.
الغائب : هو من غادر مكانه لسفر و لم يعد إليه و حياته معلومة، و قد ذهب المالكية إلى أن المرأة إذا غاب عنها زوجها مدة كان لها طلب التفريق منه سواء أكانت الغيبة لعذر أم لغير عذر لأن حقها في الوطء مطلق عندهم.
شروط التفريق للغيبة حسب الفقهاء :
أولا: أن تكون غيبة طويلة، و قد اختلف في مدتها، فذهب الحنابلة إلى أن الزوج إذا غاب عن زوجته مدة 6 أشهر فأكثر، كان لها طلب التفريق لما روي عن عمر رضي الله عنه سأل حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها فقال يا بنيتي : كم تصبر المرأة عن زوجها ؟ فقالت : سبحان الله أمثلك يسأل مثلي عن هذا ؟ فقال : لو لا أني أريد النظر للمسلمين ما سألتك، فقالت : خمسة أشهر، ستة أشهر فوقت الناس في مغاريهم ستة أشهر يسيرون شهر و يقيمون أربعة أشهر و يسيرون شهرا راجعين.
و ذهب المالكية في المعتمد عندهم إلى أنها سنة فأكثر.
و في قول لابن عرفة و غيرهم : أن سنتين و الثلاث ليست بطول بل لا بد من الزيادة عليها، و هذا المبني منهم على الإجتهاد و النظر.
ثانيا : أن تخشى الزوجة على نفسها بسبب هذه الغيبة، و الضرر هنا هو خشية الوقوع في الزنا إلا أن هذا الضرر يثبت بقول الزوجة و حدها لأنه لا يعرف إلا منها إلى أن يكذبها ظاهر الحال.
ثالثا : أن تكون الغيبة لغير عذر، فإذا كانت الغيبة بعذر كالحج و التجارة و طلب العلم لم يكن لها طلب التفريق عند الحنابلة.
أما المالكية فلا يشترطون ذلك كما تقدم، و لهذا يكون لها حق طلب التفريق عندهم إذا طالت غيبته لعذر أم غير عذر على سواء.
رابعا : أن يكتب القاضي إليه بالرجوع إليها أو نقلها إليه أو تطليقها و يمهله مدة مناسبة إذا كان له عنوان معروف فإذا عاد إليها أو نقلها إليه أو طلقها فيها و إذا أبدى عذرا لغيابه لم يفرق عليه عند الحنابلة دون المالكية. و إذا أبى ذلك كله أو لم يرد بشيء و قد انقضت المدة الضرورية أو لم يكن له عنوان معروف أو كان عنوانه لا تصل الرسائل إليه طلق القاضي عليه بما يطلبه .
في حين بالرجوع إلي المادة 53 فقرة 5 من قانون الأسرة يشترط لطلب التطليق للغيبة ثلاثة شروط :
 مضي سنة فأكثر على الغياب ابتداء من يوم غياب الزوج إلى رفع الدعوى عليه.
 أن يكون الغياب بغير عذر مقبول و دون سبب شرعي ذلك أن مناط التطليق بين الزوجين للغياب هو الضرر الذي يصيب الزوجة.
 أن يكون الزوج قد غاب عن زوجته لمدة سنة كاملة و لم يترك لها مالا تستطيع الإنفاق منه على نفسها و على أولادها.
و تجدر الإشارة إلى أن التطليق للغياب يقوم على أساس الضرر الواقع و ليس الضرر المتوقع فقط، و من هنا يشترط قصد الزوج الإضرار بزوجته أو الإيذاء بتعنته لأنه غاب و لم يعلمها، فيجب معاقبته بإيقاع الطلاق عليه، فإن لم يقم به قام القاضي مقامه فيه.
إذا كان الغائب في مكان معروف و أمكن الاتصال به و وصول الرسائل إليه ضرب له القاضي أجلا و أعذر إليه بأن يطلقها عليه، إن لم يحضر للإقامة معها، أو ينقلها إليه أو يطلقها، فإذا انقضى الأجل و لم يفعل و يبد عذرا مقبولا تأكد القاضي من استمرارها على طلب التطليق فيحكم لها بذلك .
و يكون التطليق عند الإمام مالك طلاقا بائنا، و عند أحمد ابن حنبل فسخا، و تعتد المرأة عدة الوفاة اعتبارا من تاريخ الحكم.
و أخيرا فلو تزوجت الزوجة المطلقة بعد انقضاء عدتها ثم ظهر زوجها الأول لا يفسخ هذا الزواج الثاني لأن الزواج الأول إنتهى بالطلاق الذي أوقعه القاضي، أما لو حكم بوفاته ثم تزوجت الثاني جاء على أساس أن الزواج الأول إنتهى بوفاة الأول و ظهر أن هذا الأساس غير صحيح و أن الزواج الأول لا زال باقيا .
و تجدر الإشارة إلى أن المقصود بالغيبة الواردة في المادة 53 الفقرة 5، هي غيبة الزوج عن زوجته بإقامته في بلد آخر غير الذي يعيش فيه أما الغيبة عن بيت الزوجية و عيشه في بيت آخر في نفس البلد فهو من الأمور التي تدخل في الضرر الذي نص عليه المشرع في الفقرة السادسة من نفس المادة.
– التطليق للضرر المعتبر شرعا :
للزوج حق تأديب زوجته بمقتضى ولايته و رئاسته في الأسرة و هذا ما تنص عليه المادة 39 من قانون الأسرة فقرة 1 كما أنه يجب عليه نحو زوجته حسن المعاشرة و النفقة الشرعية حسب وسعه و العدل في حالة تعدد الزوجات طبقا لنص المادة 37 من قانون الأسرة.
و قد يسيء الزوج استعمال حقه في ذلك فيؤدب زوجته بالقول أو الفعل، كما يضربها ضربا غير لائق، أو يشتمها شتما مهينا، أو لا يقوم بالواجبات الشرعية المقررة نحوها، و هنا يجوز للزوجة في هذه الحالة رفع الأمر للقاضي و طلب التطليق، و بذلك أخذ القانون الذي نص في المادة 53-6 من قانون الأسرة بأنه يجوز للزوجة أن تطلب التطليق من زوجها في حالة الضرر المعتبر شرعا و لا سيما في المادتين 8 و 37 من قانون الأسرة.
إذا استطاعت أن تقنع القاضي بما لحقها من ضرر و أن تقدم بين يديه كل الحجج و الأدلة المؤيدة لذلك، فإن القاضي سيحكم بتطليقها من زوجها ليس استنادا إلى رغبته، و إنما استنادا إلى رغبة الزوجة المدعمة بالقانون.
و لكن إذا عجزت الزوجة عن إثبات الضرر المعتبر شرعا و تكررت شكاياتها، و ادعاءاتها أمام المحكمة فسيكون من واجب القاضي أن يحاول إصلاح ذات بينهما، و يعين حكمين أحدهما من أهل الزوج و الثاني من أهل الزوجة و يطلب منها إجراء تحقيق في موضوع مزاعم الزوجة و ردود الزوج من أجل معرفة سبب النزاع، و دوافع الشقاق والخصام، و من أجل التحقق من عناصر الضرر و إذا ثبت من خلال تقرير حكمين و مما استنتجه القاضي أن هناك ضرر من الزوج واقع على زوجته قضى أو حكم بتطليقها منه، و الزمه بالتعويض عن الضرر سواء كان ماديا أو معنويا إذا طلبت الزوجة ذلك و أصرت عليه .
- و القانون الجزائري فإنه يتفق في المادتين 55–56 مع الأفكار العامة التي تضمنها القانون التونسي و القانون السوري و لا سيما من حيث المساواة بين الزوجة و الزوج في منح حق طلب التفريق، عند ثبوت الضرر من أحد ضد الآخر بسبب الشقاق المستمر أو نشوز أحدهما و من حيث ضرورة تعيين حكمين من أهل الزوجين عندما يشتد الخصام و الشقاق و لم يثبت للقاضي بوضوح إضرار أحد الزوجين للآخر و يعجز هو عن الصلح و من حيث تكليف الحكمين ببذل المساعي الحميدة لبيان سبب النزاع و حصر المسؤولية مع تقديم تقرير عن مهمتهما خلال أجل معين ثم يضيف إلى ذلك حالتين يعتبرهما مصدر الضرر للزوجة و أشار إليهما بصفة خاصة هما حالة الزواج بثانية دون إخبار الزوجة السابقة أو اللاحقة و هي المشار إليها في المادة الثامنة و حالة الزواج بثانية دون القيام بواجب العدل بين الزوجتين أو عدم القيام بواجب النفقة الشرعية حسب وسعه ما لم تكن في حالة نشوز و هي ما أشار إليها في المادة 37 من نقس القانون.
– التطليق للفاحشة :
نص المشرع الجزائري في الفقرة الأخيرة من المادة 53 من قانون الأسرة على ارتكاب فاحشة مبينة و يقصد بها الخطأ المخل بالآداب بصفة خطيرة أو جسيمة في ضوء أحكام الفقه الإسلامي و العرف و الضمير الاجتماعي كالزنا أو الشرك بالله أو الردة أو الاعتداء على قاصرة أو انحراف عن الطريق السليم و إرادة المجتمع وإذا ثبت ارتكاب الفاحشة و كان الفعل إخلالا جسيما و خطيرا يؤدي إلى استحالة استمرار المعيشة المشتركة بين الزوجين و للقاضي سلطة تقديرية و موضوعية مطلقة في هذا الشأن.
و يقصد بالفاحشة المبينة هو القيام مثلا بالعلاقات الجنسية التي ترتكب بين ذوي المحارم المنصوص عليها بالمادة 337 مكرر من قانون العقوبات لكن هل جريمة الزنا تندرج ضمن الفاحشة مع العلم أن المشرع لم يدرجها في قانون العقوبات في حين أن الشريعة الإسلامية تعتبرها كذلك قوله تعالى : " و لا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة و ساء سبيلا ".
و طبقا لنص المادة 1 من القانون المدني أنه في حالة عدم وجود نص يمكن الرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية.
و عليه إذا ارتكب الزوج جريمة الزنا و حكم عليه بعقوبة سالبة للحرية لمدة أكثر من سنة ففي هذه الحالة تطبق عليه المادة 53 فقرة 4 من قانون الأسرة و أما إذا حكم عليه بعقوبة أقل من سنة أو حكم عليه بعقوبة مع وقف التنفيذ فيجب تطبيق المادة 53 فقر 6 من نفس القانون .
ثانيا : أسباب التطليق المقترحة طبقا لمشروع تعديل قانون الأسرة :
اقترح أصحاب التعديل من قانون الأسرة في المادة 53 على أن تكون الأسباب كالآتي :
1- عدم الإنفاق بعد صدور الحكم بوجوبه ما لم تكن عالمة بإعساره وقت الزواج مع مراعاة المواد 78 – 79 80 من هذا القانون.
2- العيوب التي تحول دون تحقيق الهدف من الزواج.
3- الهجر في المضجع فوق أربعة أشهر.
4- الحكم على الزوج عن جريمة فيها مساس بشرف الأسرة و تستحيل معها مواصلة العشرة و الحياة الزوجية.
5- الغيبة بعد مرور سنة بدون عذر و لا نفقة.
6- مخالفة الأحكام الواردة في المادة 8 أعلاه.
7- ارتكاب فاحشة مبينة.
8- الشقاق المستمر بين الزوجين.
9- مخالفة الشروط المتفق عليها في عقد الزواج.
10- كل ضرر معتبر شرعا.
من خلال سرد أسباب التطليق التي اقترحها دعاة التعديل لقانون الأسرة نلاحظ أن التعديل المقترح وسع في دائرة الأسباب علاوة على تعديل بعض الفقرات و إبقاء البعض منها دون تعديل فقد اقترح في الفقرة 4 كسبب للتطليق " الحكم على الزوج عن جريمة فيها مساس بشرف الأسرة و تستحيل معها مواصلة العشرة و الحياة الزوجية".
نلاحظ أن في هذه المادة حذف لمدة الحبس ذلك أنه يجوز للزوجة حسب القانون الساري المفعول طلب التطليق إذا حكم على زوجها بعقوبة شائنة مقيدة لحرية الزوج لمدة أكثر من سنة، كما أسقطوا عبارة مقيدة لحرية الزوج ربما أنهم رأوا أنه لا فائدة في اشتراط أن تكون عقوبة الحبس نافذة أو موقوف النفاذ، حتى عبارة شائنة أسقطوها من المادة فيكفي أن تكون العقوبة عندهم قرينة على استحالة مواصلة العشرة الزوجية و تعذر الإستمرار في الرابطة الزوجية بما وصلت إليه من البغض و الكراهية و الحقد، ربما أيضا إسقاط عبارة شائنة يرجع إلى الغموض الذي يعتريها، هل هي خاصة بالعقوبة أم بالفعل الذي قام به الزوج ؟ و من ثم فالمشرع كما يرى الأستاذ فضيل سعد يكون قد وصف عمل القاضي بالشينة و القبح و ترك العمل الشائن الذي ارتكبه المجرم.
كما يمكن تفسير إسقاطهم لاشتراط مدة العقوبة لأكثر من سنة، ذلك أن الفقهاء قاسوا السجين أو المحبوس الذي فقد حريته على حالة الغائب لمدة تزيد على سنة بلا عذر مقبول و الزوجة تتضرر من غياب الزوج حول هذه المدة سواء كان محبوسا أو بغير عذر لذا كان لها الحق في طلب التطليق للضرر و من ثم حسب اعتقادنا فإن هناك تكرار لهذا السبب من حيث المدة و بالتالي فإن دعاة التعديل قد أصابوا إلى حد كبير في تعديل هذه الفقرة.
الفقرة 6 : مخالفة الأحكام الواردة في المادة 08 أعلاه :
الرجوع إلى ما جاء في المادة 8 من قانون الأسرة نشير إلى أنه في حالة تعدد الزوجات يكون لكل واحدة الحق في رفع دعوى قضائية ضد الزوج في حالة الغش و المطالبة بالتطليق في حالة عدم الرضا، معناه لا بد من إشعار المرأة الأولى أنه يريد الزواج موضحا لها مبررات ذلك، كما يخبر الثانية أنه رجل متزوج من قبل و له أطفال إن كان له أطفال، فإن لم يكن له أخبرها بذلك، كما يخبرها بمستقبل وجودها في بيت الزوجية فيما إذا كانت مع الضرة أو في مسكن منفرد .
أما إذا أعلمها بالحقيقة سواء للأولى أو الثانية فإن حقها في رفع دعوى الغش يزول و يبقى لها الحق في طلب التطليق فقط، إذا رفضت العيش مع الضرة و في هذه الحالة فلا تعويض .
في رأينا اقتراح هذه الفقرة لم يأت بالجديد لأنه سبب كان مكرس من قبل في نفس المادة الفقرة 6 إلا أنه في اقتراحهم أرادوا أن يكون سببا مستقلا في فقرة لوحده نظرا للغش الذي يؤثر على نفسية و سمعة الزوجة، إلا أنه ما يعاب من المشرع سواء في القانون الجاري به العمل أو سواء في المشروع، فإنه يكرس مبادئ إلا أنه لا يبين لنا سبيل العمل الواضح بها على الأقل كان ينبغي أن يبين للقاضي كيفية إثبات علم الزوجة السابقة أو عدم علمها بالزوجة اللاحقة أم العكس فإنه عسير الإثبات و يمكن للزوجة أن تدعي عدم العلم لطلب التطليق كأن يكون الإبلاغ عن طريق رسالة موصى عليها أو عن طريق محضر قضائي و ذلك بنص قانوني صريح، كي يضفي على علم الزوجة الطابع المادي و القانوني تفاديا لأي إنكار بعدم العلم، و عليه فثمة فراغ قانوني يعرقل تطبيق هذه الفقرة سواء في القانون الساري المفعول أو في اقتراح التعديل .

الفقرة 8 : الشقاق المستمر بين الزوجين : الأصل أن الحياة الزوجية تبنى على أساس المودة و الرحمة و السكينة بين الزوجين لقوله تعالى : " و من آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها و جعلنا بينكم مودة و رحمة " كما أن الزواج يهدف أساسا إلى تنظيم العلاقة بين الرجل و المرأة تنظيما شرعيا وفق قواعد و مراسيم دينية و قواعد قانونية ترمي إلى استتباب الأمن و الطمأنينة و إقامة الفضيلة بين جميع أفراد المجتمع البشري ضمن أسرة متحابة و متماسكة إلا أنه قد ترافق أو تطرأ بعد إبرام الزواج عيوب الزوجين، و في كل مرة تسوء فيها العشرة الزوجية، و يشتد الخلاف بين الزوجين و يتفاقم النزاع بينهما بحيث يتحول الحب إلى كره و التعاون إلى مكائد و الرحمة إلى حقد و بغض و يفقد الزواج معانيه السامية و تتحول الحياة الزوجية إلى جحيم لا يطاق، و لم يبق من علاج لهذه المعضلة إلا دواء و هو انحلال الرابطة الزوجية و بالتالي يكون اقتراح الشقاق المستمر بين الزوجين كسبب من أسباب التطليق صائب إلا أن المشكل المطروح، كيف يمكن إثبات هذا الشقاق المستمر بين الزوجين ؟ لأنه قد يقع القاضي في ثغرة الفرقة بين الزوجين بظلم من الزوجة بناءا على ادعاءات و مزاعم كاذبة للتطليق من الزوج.
الفقرة 9 : مخالفة الشروط المتفق عليها في عقد الزواج : قد يتفق الزوجان في مجلس العقد و في عقد الزواج المكتوب على شروط تعد بمثابة التزام يقع على عاتق الطرفين و يكون كل طرف ملزم باحترام تنفيذ بنود العقد، فالمرأة مثلا قد تشترط التمسك بوظيفتها، مسكن منفرد، عدم الزواج عليها، إلا أنه نلاحظ أن دعاة التعديل أرادوا ان يجردوا قانون الأسرة الذي هو ذو طبيعة خاصة والمستمد أصله من الشريعة الإسلامية وإضفاء الأحكام المتعلقة بالعقد المدني إلا أنه تجدر الإشارة إلى أنه إذا أردنا تطبيق خصائص العقد المدني على عقد الزواج فلا بد من تطبيقه بحذافيره، ففي حالة إخلال أحد الزوجين بالالتزامات الواردة في العقد فإن له الحق في طلب فسخ عقد الزواج لا طلب التطليق بطلب من الزوجة، لأننا بهذا سوف نطلق العنان لكلا الزوجين في اشتراط ما يريدانه الأمر الذي يتنافى مع أحكام الشريعة الإسلامية كاشتراط مثلا أن يكون عقد الزواج مؤقتا، عدم الإنفاق على الزوجة أو عدم الإنجاب .
الفقرة 10 : كل ضرر معتبر شرعا : هذه الفقرة هي نفسها الواردة في نص المادة 53 من قانون الأسرة الساري المفعول إلا أن دعاة التعديل أسقطوا عبارة (لا سيما إذا نجم عن مخالفة الأحكام الواردة في المادتين 8 و 37 ).
نلاحظ أن المادة 8 كسبب من أسباب التطليق ذكرت في فقرة مستقلة، و أغفلوا المادة 37 التي تعتبر جد مهمة، فقد وضحت واجبات الزوج نحو زوجته بالنفقة الشرعية حسب وسعه، إلا إذا ثبت نشوزها و العدل في حالة الزواج بأكثر من واحدة، فإذا لم يقم الزوج بالعدل بين زوجاته جاز للزوجة المتضررة طلب التطليق .
ما كان ينبغي هنا إسقاط هذا الأمر إلا أنهم يكونوا قد أصابوا عندما وسعوا في دائرة الضرر و جعلها مطلقة و لم يحدد أنواعا معينة من الضرر كما فعل القانون الجاري به العمل و إن كانت ليست على سبيل الحصر .
بحيث هنا يكون الضرر المعتبر شرعا هو الذي يؤدي إلى النزاع و الشقاق بين الزوجين، فعلى الزوجة أن تثبت الضرر و على القاضي أن يميز بين السلوك الضار و السلوك غير الضار، اعتمادا على المعيار الشخصي و انطلاقا من المعطيات الاجتماعية و الثقافية الخاصة بكل زوجة، لكن السؤال المطروح ما يعتبر ضارا بالنسبة لزوجة قد لا يكون ضارا بالنسبة لزوجة أخرى، و من ثمة فإن السلطة التقديرية أولا و أخيرا ترجع إلي تقدير القاضي للضرر المبرر شرعا .
هكذا و بعد أن تعرضنا لحالة الفرقة بين الزوجين بناءا على طلب من الزوجة،الذي لا يتحقق إلا بتوافر سببا من الأسباب ينبغي إثباتها لتطليق الزوجة، في المقابل قد تتمكن المرأة من الانفصال عن الزوج، و هو حق مكرس شرعا و قانونا، و لكن و في غياب أي سبب من الأسباب للفرقة وفقط لحاجة في نفسها ، و هذا ما يسمى بالخلع .
المطلب الثالث : الخلع
تعريفه لغة : الخلع، بفتح الخاء، هو الإزالة و النزع و نقول خلع الرجل ثوبه أي أزاله عن بدنه ونقول خلع الرجل زوجته خلعا أي أزال زوجيتها و خلعت المرأة زوجها مخالعة أي افتدت نفسها منه.
و الخلع، بضم الخاء، يستعمل في الأمرين كما يستعمل في إزالة الزوجية باعتبار أن المرأة لباس للرجل و العكس صحيح كما جاء في قوله تعالى في سورة البقرة الآية 187 : " هن لباس لكم و أنتم لباس لهن ".
و قد استقر الفقهاء على أن يستعمل الخلع، و بفتح الخاء، في إزالة غير الزوجية و الخلع، بضم الخاء، في إزالة الزوجية .
تعريفه شرعا : فقهاء الحنفية يرون أنه : إزالة ملك النكاح الصحيح بلفظ الخلع أو ما في معناه نظير عوض تلتزم به الزوجة، و قد جاء في التعريفات المختلفة للخلع أنه يحمل أحيانا معنى عاما و هو الطلاق على مال تفتدي به الزوجة و تقدمه، سواء كان بلفظ الخلع أو المبارأة أو حتى بلفظ الطلاق .
و شرطه هو شرط الطلاق مع فارق هام هو أن الخلع طلاق في نظير مال تقدمه الزوجة لزوجها .
و اسم الخلع أو الفدية و الصلح و المبارأة كلها تؤول إلى معنى واحد و هو بدل المرأة العوض على طلاقها .
و قد عرفه الأستاذ عبد العزيز سعد بقوله : " عقد معاوضة رضائي و ثنائي الأطراف، شرع لمصلحة الزوجة، غايته إنهاء الحياة الزوجية، بحكم قضائي، بناء على عرض أحد الزوجين و قبول الآخر تلبية لرغبة الزوجة مقابل مال و مقوم شرعا تدفعه الزوجة، فيتفقا على نوعه و مقداره في جلسة الحكم أو يحدده القاضي، بما لا يتجاوز صداق المثل وقت الحكم ".
أدلة مشروعية الخلع :
أولا : الأدلة الشرعية للخلع : ثابت بالكتاب والسنة و الإجماع .
أما الكتاب : فقد وردت آيات أثبتت مشروعية الخلع منها قوله تعالى في سورة البقرة الآية : 229 " الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، ولا يحل أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله، فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا تعتدوها، و من يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون " .
فالآية الكريمة منعت بشكل صريح الزوج أن يأخذ شيئا مما أعطاه للزوجة نظير طلاقها، إلا في حالة خوف الزوجين ألا يقيما حدود الله، حيث رفع الجناح و الحرج عليهما فيما تدفعه الزوجة لزوجها من مال نظير طلاقها، فلا إثم عليها فيما أعطت، و لا إثم عليه فيما أخذ .
في السنة النبوية الشريفة : فإن أول خلع في الإسلام، هو ما كان من جميلة بنت سلول تزوجت ثابتا بن قبس، فرفعت يوما جانب الخباء، فرأته مقبلا في عدة رجال فإذا هو أشدهم سوادا و أقصرهم قامة، و أقبحهم وجها، فوقع في قلبها النفور منه، قال ابن عباس " فأتت الرسول – صلى الله عليه و سلم – فقالت و الله ما أعيب على ثابت في دين و لا خلق و لكني أكره الكفر في الإسلام لا أطيقه بغضا، فقال النبي - عليه الصلاة و السلام – أتردين عليه حديقته و كانت تلك الحديقة هي مهرها الذي أخذته منه قالت : "نعم" – فأمره الرسول صلى الله عليه و سلم أن يأخذ منها حديقته و لا يزداد". الحديث رواه ابن ماجة و البخاري و النسائي .
و في الإجماع فقد ذكر الإمام القرطبي في شرح الحديث فقال : " فقال أنها كانت تبغضه أشد البغض، و كان يحبها أشد الحب، ففرق بينهما الرسول صلى الله عليه و سلم بطريق الخلع فكان أول خلع في الإسلام .
و قد ورد عند الإمام مالك ابن أنس : " لم أزل أسمع ذلك من أهل العلم و هو الأمر المجتمع عليه عندنا " و هو أن الرجل إذا لم يضرب المرأة و لم يسء إليها و لم تأت من قبل، و أحبت فراقه فإنه يحل له أن يأخذ كل ما افتدت به، كما فعل النبي صلى الله عليه و سلم في امرأة ثابت .
و قد خالف في ذلك بكر ابن عبد الله المزني الشافعي مستندا على الآية 20 من سورة النساء : " و إن أردتم استبدال زوج مكان زوج و آتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا و إثما مبينا "
فقد اعتبر المزني أن آية النساء ناسخة لآية البقرة، و يرى الدكتور محمد مصطفى شلبي أن المزني لم تبلغه أحاديث الخلع لذلك تبنى هذا الرأي، في الوقت الذي يكون الخلع فيه مشروعا بالقرآن و السنة و الإجماع 1.
ثانيا- دليل مشروعية الخلع :
المشرع الجزائري بموجب القانون رقم 84-11 المتضمن قانون الأسرة شرع الخلع و أكد على قانونيته مثبتا ما سبق من أحكام قضائية حكمت بالخلع حيث جاء في نص المادة 54 منه : " يجوز للزوجة أن تخالع نفسها من زوجها على مال يتم الاتفاق عليه فإن لم يتفقا على شيء يحكم القاضي بما لا يتجاوز قيمة صداق المثل وقت الحكم".
و في المادة 48 من نفس القانون عرف الطلاق على أنه حل عقد الزواج و يتم بإرادة الزوج ، بتراضي الزوجين ، أو بطلب من الزوجة في حدود ما ورد في المادتين 53 و 54 من هذا القانون.
و من خلال المادتين السالفتي الذكر يتضح أن المشرع الجزائري قصد بالخلع حل الرابطة الزوجية بطلب من الزوجة مقابل مال تقترحه على الزوج مفتدية به نفسها.
- الخلع بين اعتباره طلاقا أو فسخا في الفقه و القانون :
لقد أجمع الفقهاء على اعتبار الخلع من مسائل الأحوال الشخصية و ليس من المعاوضات المالية التي تطبق بشأنها أحكام القانون المدني و من ثم فهي تخضع لأحكام الشريعة الإسلامية الراجع إليها تقرير ما يجب أن يتم به رضى الزوجين و كيفية الإفصاح عنه من كليهما فيما يصدر عنه من إيجاب و قبول إضافة إلى الحالات التي يحكم فيها القاضي بالخلع، و كيف يكون ذلك معتبرا شرعا حتى تقع الفرقة و يستحق الزوج المال.
فبعد أن ذكر الله تعالى في الآية 229 من سورة البقرة أن الطلاق مرتان، و عقب كل مرة إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ذكر الله تعالى أن أخذ المال من الزوجة مما أعطاها محرّم ثم استثنى من ذلك حالة واحدة هي إذا ما خشي الزوجان عدم إقامة حدود الله فيما بينهما كبغض المرأة لزوجها أو سوء سلوكها، ففي هذه الحالة يجوز للزوج أن يأخذ من زوجته مالا ليطلقها و يسمى هذا خلعا .
غير أن اختلاف الفقهاء كان في اعتبار الخلع طلاقا أو فسخا و عليه نتطرق للآراء الفقهية المختلفة .
- اعتبار الخلع طلاقا :
هو رأي المذهب المالكي والحنفي والشافعي الجديد و منطلقهم في ذلك أن الأصل هو اعتبار العصمة بيد الزوج و في ذلك قال الأحناف ان الخلع هو إزالة ملك النكاح المتوقفة على قبول المرأة بلفظ الخلع أو ما في معناه .
و قال المالكية انه طلاق بعوض و تعريف الطلاق عندهم شمل الطلاق بأنواعه و هو الصريح و الكناية الظاهرة أو أي لفظ آخر إذا كان بنية الطلاق.
و قال الشافعية أن الخلع شرعا هو اللفظ الدال على الفراق بين الزوجين بعوض.
و منطلق أصحاب هذا الرأي أن الأصل هو جعل العصمة بيد الزوج إلا أن يقوم الدليل على عكس ذلك و من ثمة فما دام أن فك الرابطة الزوجية الصحيحة لا يكون دون رضا الزوج و أن الخلع يستلزم قبول الزوج فهو بمثابة طلاق معلق على مال .
و اعتبر الأحناف أنه إذا اختلعت الزوجة من زوجها فالخلع جائز و أنه تطليقة بائنة و حجتهم ما روي عن النبي صلى الله عليه و سلم قوله :" الخلع تطليقة بائنة "لأن النكاح بعد تمامه لا يحتمل الفسخ ما دام نشأ صحيحا و أن الخلع لا يكون إلا بعد تمام عقد النكاح فيكون لفظ الخلع عبارة عن رفع العقد في الحال مجازا و يرى جمهور العلماء أن الخلع طلاق بائن لأنه لو كان للزوج في العدة حق مراجعة زوجته لم يكن لافتدائها معنى.
و يرى جمهور العلماء أنه في كل موضع يبطل الخلع يقع الطلاق رجعيا أخذا عن رواية سعيد بن المسيّب من أن الخلع طلاق رجعي و عليه أن يرد البدل إذا راجعها بينما اعتبره الأحناف طلاقا بائنا حتى و لو بطل الخلع و أضافوا أنه إذا خالع الزوج زوجته بعد أن طلقها و هي في العدة فإن الخلع لا يصح .
أما إذا طلقها طلاقا رجعيا ثم خالعها في العدة على مال فإن الخلع يصح و يلزم المال لأن الطلاق الرجعي لا يزيل ملك النكاح و في مسألة الزواج الفاسد قالوا أنه إذا نكح امرأة نكاحا فاسدا ووطئها فان المهر يتقرر لها بالوطأ فإذا خالعته على مهر فإن الخلع لا يصح لأنه فاسد إذ هو إزالة ملك النكاح و العقد الفاسد لا يترتب عنه ملك النكاح .
كما يستند القائلون بأن الخلع طلاق,على رواية المحدثين من أن جميلة بنت سلول امرأة ثابت بن قيس جاءت إلى الرسول صلى الله عليه و سلم فقالت: "يا رسول الله لا أنا و لا ثابت و لا ما أعطاني" ، فسألها النبي صلى الله عليه و سلم عما أهداها ثابت من مهر فقالت : "أهداني الحديقة"، فقال الرسول عليه الصلاة و السلام : " خذ الحديقة و طلقها تطليقة ".
و جاء في اجتهاد أصحاب هذا الرأي ان ألفاظ الخلع خمسة و هي:
أولهما ما اشتق من لفظ الخلع : خالعتك-اختلعي-اخلعي نفسك-اختلعتك، ثانيهما لفظ بارئتك، ثالثهما لفظ باينتك، رابعهما لفظ فارقتك و خامسهما لفظ الطلاق على مال فإن قال لها طلقي نفسك على مائة دينار فقالت قبلت،وقع الطلاق بائنا ولزمها البدل.
اعتبار الخلع فسخا :
هو رأي الشافعي القديم ورأي الحنابلة اللذين قالوا أن الخلع هو فراق الزوج امرأته بعوض يأخذه الزوج من امرأته أو غيرها بألفاظ مخصوصة هذه الأخيرة التي تنقسم إلى قسمين : صريحة في الخلع، وكناية فيه فأما الصريحة فهي : خالعت، وفسخت، وفاديت .
فإذا استعمل الزوج الألفاظ السالف ذكرها مع ذكر العوض وقبلت الزوجة كان ذلك فسخا بائنا تملك به الزوجة نفسها ولكنه لم ينقص عدد الطلقات الثلاث .
أما الطلاق مقابل مال فإنه يقع به طلاق بائن إذا قالت له : طلقني بمائة شاة مثلا، فقال لها : طلقتك،استحق المائة وطلقت منه طلقة بائنة بشرط أن ينوي الطلاق.
والحاصل أن الخلع بألفاظه السالفة الذكر يعد فسخا إلا إذا نوى به الطلاق، فإنه يكون طلاقا بائنا ينقص عدد الطلقات بخلاف الطلاق على عوض بلفظ الطلاق فإنه يكون طلاقا بائنا بشرط النية وقبول الزوجة .
وسند أصحاب هذا الرأي الآية 229 من سورة البقرة إذ أن الله تعالى ذكر أن الطلاق مرتان ثم ذكر الافتداء، ثم قال فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره. فلو كان الافتداء طلاق لكان الطلاق الذي لا تحل له فيه إلا بعد زواج، هو الطلاق الرابع.
موقف المشرع الجزائري من الطلاق والفسخ :
إن انحلال الرابطة الزوجية بحكم القاضي قد تكون طلاقا يحتسب من عدد الطلقات التي يملكها الزوج على زوجته بمقتضى عقد النكاح وقد تكون فسخا ينفصل بمقتضاه الزوجان من غيران يعد طلقة ، والفرق بين الفسخ والطلاق ليس مقصور على احتساب الفرقة من عدد الطلقات وعدم احتسابها بل الفرق في حقيقتها الذي انبنى عليها ذلك .
- إن حقيقة الطلاق توجب إنهاء الزواج وتقرير الحقوق السابقة وهو لا يكون إلا في الزواج الصحيح وهو من أثاره التي قررها المشرع كما ورد في المادة 48 من قانون الأسرة الجزائري التي اعتبرت أن الطلاق حل لعقد الزواج وهذا حتى ولو اتفق الزوجان في عقد الزواج على اشتراط ألا يطلق الزوج زوجته، كان الشرط باطلا لأنه شرط فاسد باعتباره مناف لمقتضى العقد والشريعة الإسلامية التي جعلت العصمة بيد الزوج وهو ما اقتبسه مشرعنا في المادة 35 من قانون الأسرة الجزائري : " إذا اقترن الزواج بشرط ينافيه كان ذلك الشرط باطلا والعقد صحيحا".
وقد بين المشرع الجزائري في المادة 48 من نفس القانون مفهوم الطلاق واعتبره حلا لعقد الزواج إما بإرادة الزوج أو بتراضي الزوجين أو بطلب من الزوجة في حدود ما ورد بالمادة 53 التي وضحت أحكام التطليق والمادة 54 التي نصت على الخلع إن حقيقة الفسخ لمنع بقاء النكاح لعيب شابه وقت إنشائه أو يكون تدارك لأمر طرأ على العقد يجعل استمراره مستحيل والمشرع الجزائري أورد أحكام الفسخ في المواد 32،33،34 من قانون الأسرة.
والفسخ ينقسم إلى أحدهما فسخ يكون كنقص للعقد من أصله وثانيهما فسخ لا ينقض العقد من أصله.
القسم الأول : هو ما كان سبب الفسخ فيه أمرا يتصل بإنشاء العقد وهو الفسخ المنصوص عليه في المادتين 33،32 من نفس القانون، حيث جاء بالمادة 33 أنه إذا تم الزواج بدون ولي أو شاهدين أو صداق يفسخ قبل الدخول ولا صداق فيه ويثبت بعد الدخول بصداق المثل إذا اختل ركن واحد ويبطل إذا اختل أكثر من ركن واحد فإذا ما تبين للقاضي سبب من أسباب الفساد قبل الدخول فسخ العقد بدون صداق .
أما القسم الثاني : فيوضحه محمد أبو زهرة في أن الفرقة التي تنقض العقد لا توجب شيئا من المهر سواء كانت من قبل الزوجة أو من قبل الزوج، لأن العقد كأنه نقض من الأصل والمهر حكم من أحكام العقد فيسقط ويكون في ذلك له نفس أثار الفسخ الواردة في القواعد العامة للقانون، أما الفرقة التي تكون فسخا لا ينقض العقد من أصله فإن كانت من قبل المرأة سقط المهر كله، وإن كانت من قبل الرجل ففيها نصف المهر.
موقف المشرع الجزائري :
يترتب عن الخلع الطلاق ويحسب من عدد الطلقات الثلاث التي يملكها فهو ليس مجرد فسخ، ذلك لأن انحلال الرابطة الزوجية أحيانا يكون طلاقا و أحيانا يكون فسخا،
والطلاق هو حل عصمة الزوجية بلفظ الطلاق الصريح أو الكناية ومنها الخلع، وهو إن كان بلفظ الخلع كان طلاقا صريحا، وكذا إن كان بلفظ الطلاق على مال.
واتفق جمهور العلماء على أن الفرقة بين الزوجين تكون تارة طلاقا وتارة أخرى فسخا. فتكون طلاقا فيما يلي :
أولا : في الطلاق الصريح وبالكناية .
ثانيا : في الفرقة بسبب الإيلاء .
ثالثا : في الخلع و هو طلاق صريح .
و تكون الفرقة فسخا عند فساد العقد لسبب من الأسباب.
و قد ساير مشرعنا موقف جمهور العلماء من حكم الخلع و اعتبره طلاقا، فبالرجوع إلى موقع النصوص المتعلقة بالفسخ نجد أحكامه واردة في الفصل الثالث من الباب الأول من قانون الأسرة تحت عنوان الزواج في المادة 32 و ما يليها .
بينما أورد أحكام الطلاق في الفصل الأول من الباب الثاني المعنون "بانحلال الزواج" و قد أورد حكم الخلع في المادة 54 من نفس القانون ضمن أحكام الطلاق .
فيكون مشرعنا بذلك قد اتجه إلى اعتبار الخلع طلاقا و يكون في ذلك مصيبا لأن الفسخ سببه وجود عيب يشوب العقد، بينما الخلع فيرد على علاقة زوجية صحيحة لم يرد عليها عارض يعيب العقد و إنما لورود ظروف و عناصر خارجية عن العقد مست العلاقة الزوجية و التي لا يمكن حلها إلا بالطلاق .
ولقد جاء اجتهاد المحكمة العليا موافقا لهذا الموقف كما سيرد بيانه فيما بعد حيث جاء قرار 05/02/1969 بما يلي"لا يلحق الطلاق إلا التي عقد عليها بنكاح صحيح" .
و في هذا الشأن يقول الدكتور العربي بلحاج أنه "لا يقع الطلاق على المرأة المتزوجة بعقد زواج فاسد لأن الطلاق إنهاء لعقد الزواج الصحيح و عليه فلا طلاق في عقد الزواج الفاسد بل يجب التفريق حالا بين الزوجين و فسخ العقد بقوة القانون سواء كان هذا الفسخ بسبب يوجب حرمة مؤبدة أو غير مؤبدة أم اختلال في أركانه الأساسية طبقا للمواد 31. 32 .33 . 34 من قانون الأسرة "
و يضيف أنه يشترط لصحة الخلع ما يشترط لصحة الطلاق .
و مما سلف ذكره عن الطلاق ينطبق على الخلع إذ هذا الأخير حسب الدكتور العربي بلحاج ما هو إلا طلاق دون نزاع.
ثالثا : الطبيعة القانونية للخلع:الخلع فقها و قانونا :
يقول الإمام محمد أبو زهرة : "الخلع يعتبر تعليقا للطلاق على قبول المال من جانب الرجل ومن جانب المرأة يعتبر معاوضة في حكم التبرعات، ولهذا الاعتبار اختلفت أحكامه في الرجل عند المرأة. "
أما القانون الجزائري فلم يتعرض لمسألة الخلع بالتفصيل تاركا هذه الأمور لمبادئ الفقه الإسلامي التي تعتبر المصدر التفسيري له تطبيقا لنص المادة 222 من قانون الأسرة.
وفي هذا الشأن أجمع الفقهاء على أنه يجوز للزوجة الكارهة إذا كانت بالغة، عاقلة، راشدة أن تتفق مع زوجها أن يطلقها في مقابل تعويض فينخلع كل منهما من كل الحقوق والواجبات التي يفرضها الزواج بينهما وتفتدي الزوجة نفسها من قيد الزواج بهذا التعويض وهذا ما أجمع عليه أصحاب المذاهب الأربعة.
أما الأستاذ الغوثي بن ملحة فعرف الخلع على أنه " عقد اتفاقي يستلزم عرض الزوج وقبول الزوجة "
والدكتور محمد أبو زهرة يقول أنه :" عقد ينعقد بإيجاب وقبول ".
وقد سوى المالكية في ذلك بين الخلع والطلاق على مال واعتبروا الخلع عقد على الطلاق بعوض، وحقيقة الأمر أن حالة تراضي الزوجان على الخلع لا تثير أي إشكال كون هذه الحالة لا تجد مصدرها في الطلاق بالتراضي وتخضع لأحكامه حيث قال الدكتور محمد أبو زهرة أنه يخضع لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين وفي الحالة السالفة الذكر فإنه لا يوجد إشكال بالنسبة للقاضي لأن دوره ينحصر في تثبيت ما اتفق عليه الزوجان.
لكن هل يستلزم الخلع دائما رضا الزوج ؟بمعنى آخر هل الخلع رخصة للزوجة تستلزم قبولها من الزوج أم هو حق لها يمكنها المطالبة به أمام القضاء حيث يمكن أن يحكم لها به حتى ولو لم يرضى الزوج ؟
بالرجوع إلى مذهب الإمام مالك نجده يشرح الحالة التي تستطيع الزوجة الكارهة أن تلجأ فيها إلى القاضي للمطالبة بالخلع،فيبعث القاضي حكمين للصلح بين الزوجين، فإن لم يفلحا في الصلح فرق بين الزوجين خلعا بغير رضا الزوج
بالرجوع إلى القانون المصري نجده في المادة 21 من قانون الأحوال الشخصية رقم 100 لسنة 1985 أخذ برأي المالكية فأجاز للحكمين اقتراح الخلع إذا كانت الزوجة كارهة فيقضي بالطلاق مع إلزام المسيء بغرامة مالية .
ونجد ما يقابل هذه المادة في قانون الأسرة الجزائري في المادة 56 التي تنص على أنه إذا اشتد الخصام بين الزوجين ولم يثبت الضرر وجب تعيين حكمين للتوفيق بينهما، كما جاء بالفقرة الثانية من نفس المادة أن الحكمين يقدمان تقريرا للقاضي .
ويقول الأستاذ الغوثي بن ملحة أن الحكمين على عاتقهما مهمة الإصلاح بين الزوجين وهما في ذلك يتصرفان كقضاة فعليين وعليهما في كل الأحوال اقتراح الحلول المناسبة لدى القاضي و أن الاجتهاد القضائي الحالي لا يمنع اللجوء إلى التحكيم .
ويرى الأستاذ عمر زودة أنه يحق للقاضي أن يطلق الزوجة من زوجها رغم رفض الزوج استنادا في ذلك إلى السنة النبوية، و إلى آراء الفقهاء حيث ذهبوا إلى عدم اشتراط الكراهية من طرف الزوجة لصحة الخلع وتبعا لذلك أصبح من حق الزوجة أن تطلب التفريق لقاء بدل تدفعه دون أن يتوقف ذلك على أي شرط، يجب أن تثبته وبالتالي أصبح حق التطليق مقابل ما تدفعه من مال، حقا إراديا تملكه الزوجة، ومن ثمة إذا تمسكت بالتفريق لقاء بدل تدفعه للزوج فلا يملك القاضي أن يرفض ذلك و ليس له أية سلطة تقديرية في ذلك ."
نستنتج من خلال ما سبق نقاشه من خلال الآراء الفقهية المختلفة للعلماء والأساتذة وكذا نص قانون الأسرة أنه لابد على القاضي أن يستجيب لطلب الزوجة في حالة إصرارها على الخلع و استحال الإصلاح بينهما، ذلك أن الخلع قد شرع لافتداء المرأة نفسها بعد كرهها و عدم تحملها لمعاشرة زوجها وخشيتها عدم إقامة حدود الله، فإذا اعتبرنا الخلع في حكم الطلاق بالتراضي مقابل مال يستوجب تطابق الإرادتين فقد الخلع ميزته وخصوصيته التي هي فك الرابطة الزوجية لاستحالة المعاشرة وقيدناها بإرادة الزوج الذي غالبا ما يتعنت في تسريح زوجته انتقاما منها غير مبال بما ينجر عن ذلك من استمرار علاقة زوجية غير مرغوب فيها، الشيء الذي يحول دون تحقيق المقصود من الخلع الذي هو تجنب الوقوع بالمعاصي .
ويكون الخلع طلاقا بالتراضي في حالة كون الإيجاب من الزوج والقبول من الزوجة كون الزوج له حق الطلاق بالإرادة المنفردة فحقه في فك الرابطة الزوجية هو حق إرادي له أن يستعمله دون مقابل وله أن يعرض على زوجته مقابل مالي تقبله الزوجة ويكون الخلع في هذه الحالة طلاق بالتراضي لتوافق الإراديتين أوفى حكم الطلاق مقابل مال لاستفاء الشرط الذي هو قبول الزوجة الإلزام بدفع العوض .
وقد اتفق الفقهاء على أن افتداء المرأة لنفسها هو حق شرع لها مقابل حق الرجل في الطلاق بإرادته المنفردة في حالة عدم قدرته في مواصلة العشرة الزوجية فكذلك الخلع حق للزوجة في حالة كرهها زوجها وعدم قدرتها على مواصلة معاشرته كما للزوج حق تطليق زوجته مقابل أ ن يدفع لها مستحقاتها المالية.
للزوجة كذلك حق مخالعة زوجها مقابل أن تدفع له مستحقاته المالية ويكون تقدير المستحقات المالية إما باتفاق الطرفين أو بتقدير من القاضي فسلطة القاضي حسب المادة 54من قانون الأسرة هو في تحديد بدل الخلع في حالة الاختلاف فيه وهذا لا يمس الخلع وإنما هو مجرد أمر غير جوهري لأنه أثر من آثار الخلع يتشابه إلى حد ما بسلطة القاضي في تقدير النفقة الناجمة عن الطلاق في حالة عدم رضا الزوجة بمقدار النفقة المعروضة من الزوج،الأمر الذي بدأ يتجسد من حلال الأحكام وقرارات المحكمة العليا، عرفت نقلة نوعية في مجال الاعتراف بحق الزوجة في الخلع، دون موافقة الزوج، ذلك أن الاجتهاد القضائي كان يستوجب موافقة الزوج كما جاء في قرار المحكمة العليا يقول :"من المقرر قانونا و قضاءا أن قبول الزوج للخلع أمر وجوبي و أن ليس للقاضي سلطة مخالعة الزوجة دون رضا الزوج، و من ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفة لأحكام الفقه.
و لما كان من الثابت –في قضية الحال – أن المطعون ضدها طلبت التطليق، و لما لم يكن لها سبب فيه أظهرت استعدادها لمخالعة زوجها دون ان يجد ذلك قبولا من هذا الأخير،فإن القضاء بتطليق المطعون ضدها على سبيل الخلع،يعد مخالفة للقواعد الفقهية الخاصة بالخلع، ومتى كان كذلك استوجب نقض الحكم المطعون فيه دون إحالة " وقد تأكد خيار الاعتداد برضا الزوج من خلال مشروع القانون العربي الموحد الذي لم يدخل حيز التنفيذ لاعتبارات كثيرة حيث جاء في المادة 99 منه و الخاصة بالمخالعة أنه "للزوجين أن يتراضيا على إنهاء عقد الزواج بالخلع ".
هذا وقد جاءت المادة 54 من قانون الأسرة مبهمة في هذا الشأن حيث نصت على كيفية تصرف القاضي،في حالة عدم الإتفاق على بدل الخلع،مما يجعل الرأي القائل بوجوب موافقة الزوج سائدا رغم أن التأمل في ترتيب المواد يجعلنا نلاحظ تعريف المادة 48 من قانون الأسرة للطلاق على أنه حل عقد الزواج،إما بإرادة الزوج أو بتراضي الزوجين أو بطلب من الزوجة في حدود ما ورد في المادتين 53-54 من قانون الأسرة،كما جاءت المادتان 51-52 تؤكدان حق الزوج وإرادته المنفردة في إيقاع الطلاق كما جاءت المادة 53 بسبع حالات بطلب الزوجة التطليق ثم جاءت المادة 54 لتخول لها حق فك الرابطة الزوجية مقابل عوض مالي تدفعه للزوج وهو ما يعرف بالخلع.
وبهذا التسلسل المنطقي المتواجد بقانون الأسرة يستخلص أن الخلع هو أحد صور فك الرابطة الزوجية للزوجة استعماله متى أرادت، و هو الاتجاه الذي اتبعته المحكمة العليا من خلال الأحكام و القرارات التي عرفت تغيرا ملحوظا في مجال الاعتراف بحق الزوجة في الخلع دون موافقة الزوج،و ذلك في بداية التسعينات حيث جاء في قرار لها :
(من المقرر قانونا أنه يجوز للزوجة أن تخالع نفسها من زوجها على مال يتم الاتفاق عليه فإن لم يتفقا على شيء، يحكم القاضي بما لا يتجاوز صداق المثل وقت الحكم إن المادة المذكورة من قانون الأسرة تسمح للزوجة بمخالعة نفسها من زوجها على مال دون تحديد نوعه،كما يتفق الطرفان على نوع المال ومقداره و في حالة عدم اتفاقهما يتدخل القاضي لتحديده على ألا يتجاوز ذلك قيمة صداق المثل وقت الحكم،دون الالتفات إلى عدم قبول الزوج بالخلع الذي تطلبه الزوجة لأن ذلك يفتح الباب للابتزاز و التعسف الممنوعين شرعا .
و عليه فأن القضاة-في قضية الحال-لما قضوا بتطليق الزوجة خلعا دون موافقة الزوج طبقوا صحيح القانون، و متى كان كذلك استوجب رفض الطعن) .
و في حيثيات هذا القرار نجده وصف الخلع على أنه وضع علاجا و مخرجا أخيرا للزوجة التي لم تعد تطيق معاشرة زوجها و هي لا تملك المبرر الشرعي للفرقة هذا و قد أخلط قرار أخر بين الخلع ما إذا كان حقا أم رخصة إذ جاء فيه : (الخلع رخصة للزوجة تستعملها لفدية نفسها من الزوج،مقابل مبلغ مالي تعرضه عليه و من ثمة فإن قضاة الموضوع لما قضوا بتطليق الزوجة دون موافقة الزوج،طبقوا صحيح القانون)
جديد مشروع تعديل قانون الأسرة :
جاءت المادة 14 من المشروع التمهيدي لقانون الأسرة الجديد تعدل المادتان 54 و57 من القانون رقم 11 المؤرخ ب: 9 يونيو 1984 لتحسم الخلاف و توضح الأمور فيما يخص الخلع ما إذا كان حقا إراديا للزوجة أم رخصة لا بد معها من موافقة الزوج على أن يكون نص المادة 54 كما يلي :
(يجوز للزوجة دون موافقة الزوج أن تخالع نفسها مقابل تعويض إذا لم يتفق الزوجان على مبلغ التعويض يحكم القاضي بما لا يتجاوز قيمة المثل عند صدور الحكم) و بهذا يكون الإشكال الذي كان سائدا حول وجوب موافقة الزوج على مبدأ الخلع من عدمه قد زال و ذلك بالنص الصريح على عدم اشتراط موافقة الزوج و بما أن لا اجتهاد مع النص فإنه يصبح – الخلع -حقا يستوجب من الزوجة أن تعبر عن إرادتها في استعماله أمام القاضي،و على هذا الأخير الاستجابة لها بأن يقرر لها هذا الحق و يخالعها من زوجها حتى و لو عارض الزوج ذلك إذ لا يبقى للزوج إلا مناقشة المبلغ المخالع عليه،و في حالة عدم الاتفاق يحدد القاضي هذا الأخير بما لا يزيد عن مهر المثل و حسنا فعل واضعو مشروع التعديل بهذه المادة المتعلقة بالخلع إذ أصبحت الأمور أكثر وضوحا للقضاة الساهرين على تطبيق القانون و الذين كانوا يتأرجحون بين الاجتهادات القضائية من خلال تناقض قرارات المحكمة العليا بخصوص هذه المسألة و هكذا تكون الزوجة قد أنصفت بإعطائها حق المطالبة بالخلع بالنظر إلي حق الزوج في إنهاء العلاقة الزوجية بإرادته المنفردة حتى و لو لم يكن له أسباب مشروعة فكذلك للزوجة حق التعبير عن إرادتها بإنهاء العلاقة الزوجية دون مبررات شرعية و هذا ما يسمح بتجنب وقوع الفواحش فتكون بذلك المرأة حرة في اختيار شريك حياة آخر بدل أن تستمر في معاشرة زوج لا تطيقه و يتفادى تبعا لذلك الأزواج تكوين أسر ملؤها الكره و التنافر يعود سلبا على الأولاد إضافة إلى أن ما جاء به التعديل يساهم في ردع تعنت الأزواج و تعسفهم في احتباس زوجة لا ترغب في الاستمرار معهم سواء كان بدافع الانتقام أو بدافع المحبة غير المتبادلة.