ثالثا – دليل شرعية الولاية في الزواج :
لقد ذهب جمهور من الشافعية و الحنابلة و الظاهرية و المالكية و أبو يوسف من الحنفية للقول بأن النكاح لا ينعقد بلفظ المرأة لأن المشرع أراد إبعادها عن كل ما يمكن أن يسيء إليها و لو تعلق هذا بزواجها محافظا بذلك على كرامتها و مانعا من التصادم بينها و بين عائلتها نتيجة لزواج قد يلحق بها و بعائلتها العار أو الفخار و دليل ذلك ما جاء في قوله تعالى : " و لا تنكح المشركين حتى يؤمنوا و لعبد مؤمن خير من مشرك و لو أعجبكم " و المخاطب بهذا الكلام هو الولي. و من السنة قوله صلى الله عليه و سلم : " لا نكاح إلا بولي " و قوله صلى الله عليه و سلم في حديث ثاني : " لا نكاح إلا بولي و شاهدي عدل " و قال أيضا : "أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، باطل ، باطل و إن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له " و قوله صلى الله عليه و سلم : " لا تزوج المرأة المرأة و لا المرأة نفسها فإن الزانية التي تزوج نفسها ".
- أما الرأي الثاني فهو رأي أبو حنيفة الذي يرى أن المرأة البالغة العاقلة التي أصبحت لها القدرة على مباشرة و إنشاء العقد بصيغتها فلها أن تزوج نفسها بنفسها، و لها أن تولي وليها زواجها و أن يكون راضيا عنه و دليلهم في ذلك قوله تعالى: "فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ". فحسب هذه الآية أن الله تعالى قد أسند النكاح للمرأة مما يدل على جواز توليها له دون الرجوع إلى وليها، غير أنه رد على هذا القول بأن هذه الآية يحتمل أن يكون المقصود و المراد منها النكاح بمعني الوطء لا العقد و كذلك قوله تعالى : "و إذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعظلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف " .
و من السنة قوله صلى الله عليه و سلم : " الأيم أحق بنفسها من وليها و البكر تستأمر في نفسها و إذنها سكوتها ".
2 - موقف المشرع الجزائري :
بالرجوع إلى المواد 9-11-12-13-32-33 من قانون الأسرة يتبين لنا موقف المشرع الجزائري جليا ، فالمادة 9 نصت أنه "يتم عقد الزواج برضى الزوجين و بولي الزوجة ..." أي أن هذه المادة جعلت الزواج لا تقوم له قائمة إلا بوجود الولي و هذا ما يدفعنا للتساؤل عن مكانة الولي في قانون الأسرة الجزائري فهل هو ركن بغيابه لا تقوم له قائمة أم هو شرط في الزواج لا يصح بغيابه العقد ؟ مع العلم أن المشرع الجزائري في تبويبه للولي ضمن قانون الأسرة كان تحت عنوان أركان الزواج .
و للإجابة على هذا التساؤل يجدر بنا أولا تحديد مفهوم الركن و الشرط ثم ثانيا نصدق هذا المفهوم على ما ورد في قانون الأسرة الساري المفعول و مقترح التعديل.
أ- تحديد مفهوم الركن و الشرط :
- الركن : لغة : يطلق على الجانب القوي في الشيء الذي له حيز فنقول عن زوايا البيت أركانها مناطق التقاء الجدران بعضها ببعض و بدونه لا يوجد البيت إطلاقا، كما أننا حين نطلقه على شخص من الأشخاص في المجتمع فإننا نعني به شريفا من أشراف الأمة .
و اصطلاحا : ما يقوم به الشيء فهو من التقويم إن قوام الشيء بركنه لا من القيام و إلا لزم أن يكون الفاعل ركنا للفعل و الجسم ركنا للعرض و الموصوف للصفة و قيل ركن الشيء ما يتم به و هو داخل فيه بخلاف شرطه فهو خارج عنه، و قد عرف الحنفية و بعض من الحنابلة الركن بأنه ما يتوقف عليه وجود الشيء و يكون جزئا داخلا في الماهية الحقيقية له بحيث لا يوجد العقد إلا به، فحقيقته اللفظية قائمة به و عليه و ذلك كالإيجاب و القبول في العقد و على هذا نجدهم ذهبوا إلى تقليص أركان الزواج إلى الإيجاب و القبول فقط .أما جمهور الفقهاء فقد عرفوا الركن بأنه ما لا توجد الماهية الشرعية إلا به أو ما تتوقف عليه حقيقة الشيء سواء كان جزءا منه أو خارجا عنه و لقد اعتمد الجمهور على الماهية الشرعية كمعيار لتمييز الركن عن غيره لا على الماهية الحقيقية التي وضع لها اللفظ لغة فقط .
- فإذا كان هذا هو الركن فما هو الشرط ؟
ب- الشرط :
لغة : هو إلزام الشيء و التزامه في البيع و نحوه و جمعه شروط من باب و نصر .
- أما اصطلاحا : فقد عرف على أنه " ما يلزم من عدمه عدم المشروط و لا يلزم من وجوده وجود المشروط و لم يكن جزءا منه بل هو في حقيقته خارجا عنه فالإيجاب و القبول مثلا هما ركنين بالاتفاق في عقد الزواج و لكن الرضى شرط فيه و كذلك الشهادة أمر خارج عن ماهية الزواج و حقيقته و لكن يتوقف عليها نفاذه و ترتيب آثاره.
و ينقسم الشرط إلى أربعة أقسام من حيث النوع و ثلاثة من حيث الأثر ذلك أن غيابها قد يؤدي إلى البطلان و الفساد و منها ما يؤدي إلى وقف التنفيذ و منها ما يؤدي إلى عدم اللزوم و جواز الفسخ، هذا الترتيب روعي فيه مقدار ما لكل شرط من أثر و قوة على العقد و من ثم كان الانعقاد هو الأساس فإن تحقق و وجد ينظر في الصحة فإن توافرت يبحث في النفاذ فإن ثبت هو أيضا يبحث هل هو لازم أم لا ؟
- شروط الانعقاد : و هي تلك الشروط التي يلزم توافرها في أركان العقد أثناء انعقاده و إنشائه و ذلك لارتباطها ارتباطا كليا بالأركان المكونة للماهية كانعدام الأهلية، موافقة الإيجاب للقبول و مطابقته إياه أو كون المرأة حلالا و ما إلى ذلك و فقدان أي من هذه الشروط يؤدي إلى بطلان العقد عند كل الفقهاء.
- شروط الصحة : و هي تلك الشروط التي استلزمها الشارع لترتيب الأثر الشرعي على ذلك العقد حيث بدونها لا يعتبر العقد موجودا وجودا يحترمه الشارع و هذا كمن لم يدفع المهر أصلا و فقد هذا النوع من الشروط يؤدي إلى بطلان العقد.
- شروط النفاذ : هي تلك الشروط التي توقف أثر العقد بعد انعقاده و صحته و عليه فإنه يلزم وجودها لترتيب آثارها .
- شروط اللزوم : و هي تلك الشروط التي يتوقف عليها بقاء العقد مستمرا مرتبا لجميع آثاره و عليه فمتى تخلف أحدها أصبح العقد غير لازم و جاز لمن له حق الخيار فسخه و نقضه من أساسه و أصله سواء كان أحد الزوجين أم غيره.
و عليه فإذا قلنا أن الولي في المادة 9 هو ركن فإنه يترتب على غيابه البطلان أي أنه بمفهوم الركن في حكم العدم، غير أنه إذا رجعنا إلى المادتين 32 و33 من قانون الأسرة نجد أنه نحى نحوا آخر و ذلك بترتيبه الفسخ في حالة اختلال أحد أركان الزواج قبل الدخول أما بعد الدخول فإنه يثبت ، و البطلان في حالة اختلال أكثر من ركن مما يدفعنا بالقول أن المشرع الجزائري في المادة 9 من قانون الأسرة جعل الولي ركن مثلما ذهب إليه جمهور الفقهاء و جعله شرط في المادتين 32 و33 و ذلك بترتيب الفسخ، و الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل و الغرابة و الموقف الذي تبناه المشرع في المادة 33 من قانون الأسرة فقرة 2 عندما رتب البطلان في حالة غياب ركنين أو اكثر فإننا لم نجد له محلا لا في موقف الفقه و لا في عالم القانون ؟! .
و ما يمكن قوله أن الإشكال لا يكمن في نص المادة 9 أو 11 أو 12 أو 13 و إنما في نص المادتين 32 و 33 و ذلك من خلال خلط المشرع في مفهوم الفسخ و البطلان ذلك أن الفسخ يترتب عليه إنهاء العقد مع إبقاء آثاره السابقة بينما البطلان يترتب عليه أن العقد يكون في حكم العدم نتيجة لتخلف ركن واحد فهو بهذا يكون قد خالف ما ذهب إليه فقه الشريعة الإسلامية و فقه القانون .
فالمشرع الجزائري ذهب إلى ما ذهب إليه المالكية من خلال جعل الولي ركن و ذلك بأنه لم يسمح للمرأة أن تبرم العقد بنفسها، و ذهب إلى ما ذهب إليه الحنفية فيما يخص مجانبة ولاية الإجبار و ذلك بجعل سن رشد الزواج لدى الفتاة 18 سنة و في نفس الوقت سلك مسلكا جديدا و بعيدا عما ذهب إليه أصحاب المذاهب الأربعة و ذلك بجعل الولي يتولى تزويج من في ولايته و في نفس الوقت منعه من جبرها على الزواج و أعطى لها الحق في اختيار الزوج الملائم و هذا ما نلمسه من خلال نص المادتين 12 فقرة 1 و 13 حيث جاء في الأولى أنه " لا يجوز للولي أن يمنع من في ولايته من الزواج إذا رغبت فيه و كان أصلح لها و إذا وقع المنع فللقاضي أن يأذن به مع مراعاة أحكام المادة 9 من هذا القانون " و نصت المادة 13 " لا يجوز للولي أبا كان أو غيره أن يجبر من في ولايته على الزواج و لا يجوز له أن يزوجها بدون موافقتها " و هذا ما كرسته المحكمة العليا من خلال القرار رقم 90468 الذي جاء فيه " من المقرر قانونا أنه لا يجوز للولي أن يمنع من في ولايته من الزواج إذا رغبت فيه و كان أصلح لها، و إذا وقع المنع فللقاضي أن يأذن به مع مراعاة أحكام المادة 12 من هذا القانون.
و متى تبين – في قضية الحال – أن الأب امتنع عن تزويج ابنته دون توضيح الأسباب التي بني عليها هذا الامتناع فإن القضاة بقضائهم بإذن المدعية للزواج طبقوا صحيح القانون، و متى كان كذلك استوجب رفض الطعن " .
- بالرجوع إلى المادة 12 فقرة 2 من قانون الأسرة التي تنص على أن " غير أن للأب أن يمنع بنته البكر من الزواج إذا كان في المنع مصلحة للبنت " نلاحظ أن المشرع الجزائري في هذه الفقرة وضع استثناء الفقرة الأولى من المادة 12 يتمثل في عدم إمكانية منع الأب من في ولايته من الزواج وتدخله في الوقت المناسب لمنعها من الزواج من شخص ليس فيه مصلحة لها و هو ما ذهب إليه الحنفية غير أن المشرع الجزائري لم يأخذ برأي الأحناف على إطلاقه ذلك أنهم قيدوا تدخل الولي بشرطين هما الكفاءة و ألا يكون المهر أقل من مهر المثل على عكس المشرع الجزائري الذي ترك الباب مفتوح لتدخل الولي و تقييد حرية البنت في اختيار زوجها بنصه على أن يكون المنع في مصلحة البنت و لم يحدد الحالات التي تقتضي تدخله، و ما هي معايير تحديد الأصلح للبنت و ما هي الزاوية التي يجب النظر منها للقول أن شخصا ما هو أصلح للبنت هل هي زاوية الأب فإن كان كذلك فهذا قد يؤدي باستبداده و تعسفه في حق ابنته أم هي زاوية القانون أم الشرع الإسلامي ؟ ! .
3- بالنسبة لمشروع التعديل المقترح :
إن موقف أصحاب مشروع التعديل يبرز من خلال استقراء المادة 10 التي تعدل المادة 11 من قانون 84 – 11 التي جاء فيها ما يلي " الولاية حق المرأة الراشدة تمارسه بنفسها أو تفوضه لأبيها أو لأحد أقاربها.
مع مراعاة أحكام الفقرة 2 من المادة 7 من هذا القانون يتولى زواج القاصر وليه و هو الأب فأحد الأقارب الأولين و القاضي ولي من لا ولي له " .
من خلال دراسة هذه المادة نجد أنها جعلت المرأة الراشدة بمفهوم هذا القانون الحق في تولي تزويج نفسها بنفسها بغض النظر لرأي الولي و منحها حرية التنازل عن هذا الحق و تفويضه للأب ولأحد الأقارب المقربين ، ما يمكن أن يستشف من الموقف الذي تبناه أصحاب التعديل ما يلي :
- أنهم ذهبوا إلى ما ذهب إليه الحنفية و ما أخذ به القانون المصري فيما يخص ترك حرية تزويج المرأة الراشدة بنفسها باعتبارها أصبحت عاقلة قادرة على مباشرة عقد الزواج بنفسها و مدركة لمغباته و حرية تفويض هذا الأمر لأبيها أو أقربائها، غير أنهم لم يأخذوا بموقف الحنفية على إطلاقه بل أنهم تغاضوا عن حق الولي في التدخل لإبطال الزواج في حالة كون الزوج غير كفء أو أن المهر ليس بمهر المثل.
- الأصل أن أي تعديل يتدارك سلبيات قانون سابق له غير أنه ما يلاحظ على هذه المادة من مقترح التعديل زادت الأمر تعقيدا ذلك أنها بعيدة كل البعد عن روح مجتمعنا بكل ثقافاته فهي تولد الشقاق داخل الأسرة و ذلك بخلق العداوة بين الأب و ابنته و بالتالي التأثير على المجتمع مع العلم أن أي تشريع يستمد من وحي مجتمعه بتقاليده و أعرافه لكن هذه المادة بعيدة كل البعد عن عرف و تقاليد المجتمع الجزائري ؟ ! .
- كذلك الإشكالات التي يمكن أن تطرحها هذه المادة في المدى البعيد هي مشكلة الزواج العرفي و إثباته و خاصة في غياب الأهل و الولي على خلاف الزواج العرفي في القانون الساري المفعول . فلو خيرنا بين إشكالات الزواج العرفي بحضور الولي في ظل التشريع الساري المفعول و بين مقترح أصحاب التعديل في غياب الولي لاخترنا الأول على الثاني ، ذلك أنه في الأول تكون المرأة برعاية الأب و احترامه لها و احترام الزوج و بالتالي سهولة إثباته حتى في غياب الزوج و وفاته بعكس الثاني الذي تنفرد المرأة بتزويج نفسها و غياب وليها و أهلها و هروب الزوج و بالتالي يصعب إثباته حتى في وجوده فما هو الحال في غيابه أو وفاته ؟! و هذا الأخير تنجر عليه عواقب وخيمة تكون المرأة فيه المتضرر الوحيد ، فتصبح كالمعلقة فهي لا متزوجة و لا مطلة و تصبح بين مشاكل إثبات زواجها و بين إشكال الحصول على الطلاق من شخص أنكر حتى وجود هذا الزواج و بالتالي النتيجة الحتمية التي سنراها في النقطة التالية :
- إن هذه المادة لها أثر بليغ في إعطاء مفهوم آخر للأمهات العازبات تحت ستار اختيار حرية المرأة لشريك حياتها بمنأى عن أهلها و خصوصا بجعل سن الرشد في الزواج للمرأة هو 19 سنة في ظل مجتمع يكثر فيه عبيد شهواتهم، وأصدق دليل على سلبيات هذه المادة التجربة التي يعايشها المجتمع المصري.
و بالرجوع إلى المادة 11 فقرة 2 من مقترح التعديل نجد أنها جاءت بجديد فيما يخص زواج القاصر حيث نصت على أنه "مع مراعاة أحكام الفقرة 2 من المادة 7 من هذا القانون ، يتولى زواج القاصر وليه و هو الأب فأحد الأقارب الأولين و القاضي ولي من لا ولي له ".
و بالرجوع إلى المادة 7 الفقرة الثانية من مقترح التعديل نجدها تنص على " ... و للقاضي أن يرخص بالزواج قبل ذلك للمصلحة أو الضرورة، و يتأكد من قدرتهما على ذلك"، فهذه المادة جعلت القاضي يرخص للقاصر ذكرا كان أو أنثى بالزواج فقط و المادة 11 فقرة 2 أوكلت للولي مهمة مباشرة عقد الزواج و ذلك بجعله شرطا فيه و هذا ما يدفعنا للتساؤل عن الشخص الذي يتولى زواج القاصر في ظل التشريع الساري المفعول؟ و خصوصا إذا علمنا أن المادة 7 فقرة 2 من القانون الساري المفعول جعل الترخيص بالزواج يكون بيد القاضي و أن المادة 9 منه تكلمت عن الولاية بالنسبة للمرأة و المادة 11 من القانون السابق تكلمت عن مباشرة العقد من قبل وليها سواء كانت بالغة أو قاصرة و أهملت القاصر الذكر و بما أنه لا يوجد نص يمنع القاصر الذكر من مباشرة عقده بنفسه فيمكننا القول بأن القاضي يرخص بالزواج و الذكر القاصر يزوج نفسه بدون وليه !!.
رابعا – ترتيب الأقرباء حسب أولوية حصولهم على الولاية :
تكمن أهمية ترتيب أقارب المرأة المراد تزويجها في مجانبة الوعود بالزواج لكل واحد يعتقد أنه صاحب الولاية عليها و الانفراد بفكرة تزويجها و التآمر عليها و الفصل في مسألة صاحب الكلمة في تزويج المرأة فمن هو حسب الفقه و حسب القانون ؟
1- حسب الفقه : لقد اختلف أصحاب المذاهب الأربعة في ترتيب الأولياء فقد ذهب المالكية و بعض من الحنفية إلى اعتبار أن :
- الابن مقدم على الجميع شريطة ألا يكون من زنا لم يسبقه نكاح فإذا كان هذا الابن من زنا لم يسبقه النكاح فإن الولاية لأب باقية ، و تقديم الابن على الأب قائم على أساس أنه أقوى تعصيبا بدليل أنه إذا اجتمع تعصيبهما بطل تعصيب الأب و قد خرج عن هذا الشافعية و الحنابلة حيث يرى هذا الأخير بأن أولى الناس و أحقهم في إنكاح المرأة هو أبوها ثم أبوه و إن علا أي الجد النسبي الذي لا تفصل بينه و بين المراد تزويجها أنثى ثم يأتي بعد ذلك الابن و هذا لأن الأب هو أكمل نظرا. و أشد شفقة على ابنته فوجب تقديمه على غيره في الولاية.
أما الشافعية فقد ذهبوا إلى أن الابن لا يزوج أمه أصلا ذلك لأنه لا مشاركة بينه و بينها في النسب إذ انتسابها إلى أبيها و انتساب الابن إلى أبيه فمثله مثل الخال و أخ لأم و من ثم فهو قد لا يعتني بدفع العار عن نسبها و يزوجها من غير كفء. و قد جمع القرافي أدلة الشافعية و حججهم في عدم ولاية الابن على أمه فيما يلي :
أ– قوله صلى الله عليه و سلم " أيما امرأة أنكحت بغير إذن مواليها فنكاحها باطل " و الابن لا يسمى مولى .
ب- أنه يدلي بها فلا يزوجها لأن تزويجه كتزويجها لنفسها ذلك لأن الفرع لا يكون أقوى من الأصل و لما أدلى بها صار في معناها.
ج – أنه شخص لا تصح من أبيه الولاية فلا تصح منه هو أيضا و حاله كحال ابن الخال مع الخال .
ويلي الابن في الترتيب ابنه – أي ابن الابن – و ذلك لتقدمه عليه في التعصيب إذ لو وجد ابنا و ابن الإبن كان الميراث كله للابن و لا شيء لابن الإبن.
- الأب : و المقصود به هو الأب الشرعي فإن كانت أبوته نتيجة زنا فلا ولاية له عليها ذلك أن الزنا لا يثبت به نسب و لا يكون صاحبه معصبا .
- الأخ الشقيق كان أو لأب : أما الأخ لأم فلا لأنه ليس بعاصب و أن كان هناك من فقهاء من قدم الشقيق وفق المشهور على الذي لأب لكون الأول أشد قوة في قرابته بالمولى عليها بالرغم من اتحاد الدرجة و الجهة مما جعله أولى بالتعصيب منه، و تقديم المالكية للأخوة على الجد أساسه أن الجد يدلي بأبوة الأب و الأخوة ببنوته و من يدلي بالبنوة مقدم على من يدلي بالأبوة.
- ابن الأخ الشقيق كان أو لأب : حيث هم أيضا من العصبة المتعصبين بأنفسهم و يعتبرون حاشية قريبة للمولى عنها و هم مقدمون على الجد في الترتيب و إن كانت قواعد الميراث تقتضي تقديم الجد عليهما.
- الجد من النسب : وقيل جيء بكلمة من النسب تحرزا من الذي لأم و هو الجد الرحمي حيث لا ولاية له على بنت ابنته لأنه غير عاصب .
و قدم جمهور الفقهاء عن الاخوة الأشقاء أو لأب و هذا التقديم راجع إلى تقدمه عليهم في الميراث و ذلك لأن جهة الأصول مقدمة على الحاشية و لو قرب .
- العم الشقيق كان أم لأب : حيث له الحق في تولي من لم يكن لها واحد مما ذكروا لأنه من العصبة و هو من يليه في المرتبة يسمون بالحاشية ، البعيدة و ذلك مقابلة لهم بالحاشية القريبة و هم الاخوة الأشقاء أو لأب و أبنائهم.
- أبناء الأعمام : أشقاء كانوا أو لأب الأقرب منهم فالأقرب و الشقيق يقدم على الذي للأب وفق القول بالتعصيب في الميراث.
- الكافل : و هو يكون في مرتبة بعد انعدام كل من ذكروا سابقا عند المالكية ،ذلك أن الكفالة تلك تكون لليتيمة التي لا محرم لها و يتولى أمرها أجنبي عنها، و المالكية اشترطوا لقيام الكافل بالولاية بان يكفلها مدة لا تقل عن 04 سنوات أو ما يقاربها ذلك أن مكوثها معتمدة أربع سنوات فاكثر تصير هي تعامله معاملة الأب ويعملها هو معاملة البنت مما يجعله يبحث عن مصلحتها ويريد صلاحها في تولي زواجها وذلك بحصول الشفقة عليها، وكذلك اشترطوا أن لا تكون شريفة والشرف هنا هو المال والجمال وشرف الأسرة.
- القاضي : وهو ولي من لا ولي له، وهذا لقوله صلى الله عليه وسلم : " السلطان ولي من لا ولي له " ، فان عضل الولي من كانت تحت ولايته عن الزواج أو لم يكن لها وليا أصلا بان كانت طارئة فالقاضي من حقه أن يزوجها باعتباره ذا ولاية عامة.
-عامة المسلمين : وهم أيضا لهم حق الولاية على المريدة للزواج إذا انعدم جميع من سبق ذكرهم من الأولياء وكانت المرأة دنيئة ويتصور وجود هذه الحالة في المرأة التي تنزل على أهل البادية أو في أعماق الصحاري حيث لا يوجد قاضي يتولى زواجها فان أي واحد من المسلمين على حسب ما ذهب إليه المالكية له حق في تولي زواجها .
إذا كان هذا هو موقف الفقه الإسلامي من ترتيب الأولياء فما هو موقف المشرع الجزائري ؟
موقف المشرع الجزائري في ظل قانون الأسرة الساري المفعول :
نصت المادة 11 على أنه " يتولى زواج المرأة وليها وهو أبوها فأحد أقاربها الأولين والقاضي ولي من لا ولي له "، يستشف من قراءة هذه المادة أن المشرع الجزائري قدم ولاية الأبوة على ولاية أقارب المرأة وترك فيما يخص أسبقية الأقارب في تولي رواحها يكتنفه الغموض وذلك من خلال تنصيصه في المادة على انه " يتولى زواج المرأة وليها وهو أبوها فأحد أقاربها الأولين".
فماذا يقصد بأحد أقربائها الأولين وما هو الحل إذا اجتمع عدد منهم وتمسك كل واحد منهم بولايته؟ فكان على المشرع أن يوضح، ماذا يقصد بهذه العبارة ؟ وقد اختتم المشرع المادة بجعل القاضي ولي من لا ولي له و هذا خاصة في ما يتعلق باليتامى وعديمي النسب، ولكن الإشكال يطرح بقوة في ما يخص المناطق النائية التي تبعد عنها المحاكم بمئات الكيلو مترات كما هو الحال عليه في صحرائنا الشاسعة حيث يتعذر على الأشخاص التنقل إلى أقرب محكمة فما هو الحل ؟
فكان الأجدر بالمشرع الجزائري أن يذهب إلى ما ذهب إليه الفقه الإسلامي بجعل الولاية إلى عامة المسلمين.
وهناك نقطة مهمة يجدر الإشارة إليها وهي مسألة الكفيل ، فالمشرع في المادة 116 من قانون الأسرة رقم 84-11 جعلها التزام على وجه التبرع بالقيام بولد قاصر من نفقة وتربية ورعاية قيام الأب بابنه وتتم بعقد رسمي مجحفا عليه حق الولاية على الشخص الذي رباه واعتبره ولده عند زواج هدا الأخير حارما إياه من فرحة الأب بزواج ولده ولعب الدور المهم فيه في إتمام زواجه بل تحميله مشقة الحصول على إذن من القاضي وإجراءاته الطويلة ومضيعة للوقت.
- فإذا كان هذا موقف المشرع الجزائري من ترتيب الأولياء فيما يخص الولاية فما هو موقف أصحاب مشروع التعديل ؟.
- موقف أصحاب التعديل :
بالتطلع إلى المادة 11 المعدلة بالمادة 10 من مقترح مشروع التعديل نجد أنها في الفقرة 2 حافظت على صياغة المادة 11 من قانون الساري المفعول ولم تتجنب إشكالاتها، بل أن أصحاب التعديل زادوا الأمر تعقيدا عندما نصوا في المادة 87 منه "بأنه يمارس الأب و الأم بصفة مشتركة الولاية على أولادهما القصر في حالة الطلاق يمنح القاضي الولاية إلى الزوج الذي تمنح له حضانة الأولاد " .فهم استعملوا لفظ الولاية على عمومه دون تحديد المقصود بها، ذلك أن الولاية بمفهومها الموضح سابقا تصنف إلى أنواع : ولاية على المال وولاية على النفس، فهل أرادوا بها الولاية على النفس أم على المال أو كليهما ؟
وإذا كان المقصود بها الولاية على المال فالأمر لا يطرح إشكالا، أما إذا كان المقصود بها الولاية على النفس فهنا قمة الإشكال وخصوصا إذا آلت الحضانة إلى الأم فكيف للمرأة أن تتولى مباشرة عقد زواج محضونها خصوصا إذا كان المشرع الجزائري قد جعل الولاية للقصر بيد الولي وهو الأب فأحد الأقارب والقاضي ولي من لا ولي له وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء اعتمادا على قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تزوج المرأة المرأة ولا المرأة نفسها فالزانية هي التي تزوج نفسها ". فأي المادتين نطبق المادة 11 أو المادة 87 من مشروع التعديل ؟
لقد رأينا فيما سبق مفهوم الولاية وأنواعها وترتيب الأولياء في الزواج فما هي الشروط التي يجب توافرها في الولي ؟
لكي يكون الشخص أهلا لتولي عقد الزواج فيجب أن تتوفر فيه جملة من الشروط نص عليها فقهاء الشريعة الإسلامية أغفلها المشرع الجزائري مما يتعين الرجوع إلي نص المادة 222 من قانون الأسرة و تتجلى هذه الشروط في :
- أن يحتكم على الأهلية اللازمة : أي أن يكون بالغا السن القانونية المطلوبة في الزواج فلا تثبت للمجنون والمعتوه وغير المميز ذلك أنه ليس له الولاية على نفسه، وفي هذا يقول صاحب المعنى فأما العقل فلا خلاف في اعتباره لأن الولاية إنما تثبت نظرا للمولى عليه عند عجزه عن النظر لنفسه ومن لا عقل له لا يمكنه النظر ولا يلي نفسه فغيره أولى سواء في هذا لمن لا عقل له لصغر كالطفل، ومن ذهب عقله بجنون أو كبر كالشيخ .
- أن يكون ذكرا : ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن تزويج المرأة المرأة أو المرأة نفسها وقال بأن الزانية هي التي تزوج نفسها، وهو ما أخذ به جمهور الفقهاء على عكس الحنفية الذين اثبتوا للأم ولاية الإجبار على البنت وبنت الإبن والأخت وغيرهن من النساء، إذا لم يكن لهن عصبات من الرجال وذلك بناءا على ما ذهبوا إليه من أن الولاية تكون لعامة الأقارب ذكورا و إناثا أما ولاية الإختيار فلا تثبت عندهم لأنه لا ولاية بعد البلوغ.
- أن يكون مسلما : قال سبحانه و تعالى : " ولن يجعل الله للكافرين سبيلا" من خلال هذه الآية نجد أنه لا يتولى عقد زواج مسلم إلا مسلما، أما إذا كان غير مسلم فيتولاه الشخص الذي يدين بدينه لقوله تعالى : " والذين كفروا بعضهم أولياء بعض ".
- بالإضافة إلى الأهلية والذكورة و الإسلام يجب توفر شرط رابع هو العدالة، وقد اشترطها الكثير من الفقهاء وذلك لأن الولي مطلوب منه البحث و السعي عن مصلحة المولى عليها وغير العدل لا يوثق منه في تقصي مصلحتها وتحريها، لكن الإمام مالك ومن وافقه من الحنفية و غيرهم ذهبوا إلى أن العدالة ليست مشروطة في الولي لعدم تصريح النص بها.
ويمكن تلخيص شروط الولي في الأبيات الشعرية التالية :
شروط الولي لعقد النكاح تلوح بخير كضوء الصباح
فـأولـهـن ذكـوريـة فإياك إحذر وقوع السفـاح
ومنـها بلـوغ وحـرية وإسـلام ديـن هدى للعلاج
وتمليك نفس وعقل وعدل ورشد أتاك كنظم الوشاح .
هذه هي الشروط الواجب توافرها في الولي ، وخلاصة القول أن مشكلة الولي في القانون الجزائري لا تكمن في مصطلح الولي في حد ذاته و إنما في تصنيفه ضمن خانة الركنية أم الشرطية وفي فهم مصطلح البطلان والفسخ وكذلك في الدور الحقيقي للولي، المتمثل في مباشرة عقد الزواج وليس داخل في المعنى الحقيقي للزواج أي الوطء، لأن الشخص الوحيد الذي بيده أن ينشئ الزواج بما له من آثار هو الزوج والزوجة ، فالولي والشاهدين والمهر لا يعطوا إلا القالب الشكلي لوجود هذا العقد في عالم القانون وكما أن مباشرة الولي لإبرام عقد الزواج يحيط الزوجة بالحماية الكافية في مجتمع إذا غابت عنه هذه الحماية غابت عنه أسسه و ذهبت أخلاقه ومعالمه والأمثلة كثيرة أمامنا في دول شقيقة، فكان على المشرع أن يجعل الولي شرط صحة لإبرام عقد الزواج وليس ركنا فيه مثلما ذهب إليه المشروع الموحد للدول العربية، ولكي يتجنب استبداد الولي بولايته وحرمان مواليته من الارتباط بالشخص المناسب لها يجب أن يعطي للقاضي سلطة الرقابة على ذلك عند لجوء المولى عليها إليه للحصول على إذن لتزويج نفسها.
المبحث الثالث : أثار الزواج
إذا اكتملت أركان وشروط الزواج، وانتفت موانعه، انعقد العقد، و ترتبت عليه بالتالي آثار، و الأصل في هذه الآثار أنها تكون وفقا لما رتبه القانون و الشرع على العقد من آثاره الملزمة للطرفين، إلا أنه يجوز لأحد العاقدين أن يشترط شرطا في العقد لا ينافي هذه الآثار و لا يخالف طبيعة العقد أو أحكام قانون الأسرة.
وأهم هذه الآثار هي : النسب و الذمة المالية بين الواقع العملي، و من يدعون إلى ضرورة تعديل النصوص المتعلقة بهما، و الإشكالات التي يطرحها هذين الموضوعين.
وعليه و من جملة الإشكالات المثارة في هذا المجال ما هي الذمة المالية للزوجة؟ خاصة إذا سلمنا بحق الزوجة المكرس في إنفاق الزوج عليها و ما مدى إمكانية إعمال الذمة المالية المشتركة للزوجين ؟ و ما هو النسب ؟ و ما هي طرق إثباته؟ و ما الجديد في هذين المجالين ؟ سنحاول معالجة هذه الإشكالات من خلال التركيز على ما هو مكرس في القانون الساري المفعول ، و مشروع التعديل المقترح .
المطلب الأول : الذمة المالية للزوجة :
إن ما في ذمة الإنسان من أموال يمكن أن يسبب له متاعب مع الآخرين أثناء تعامله معهم ، فهل الأمر سيان بين الزوجين ؟ خصوصا إذا كانت الزوجة صاحبة مال، فهل للزوج نصيب في أموالها ؟ و هل الزوجة مجبرة على مساعدة الزوج في تكاليف الحياة الزوجية ؟
فلا بد لنا في هذا المقام أن نتطرق لمفهوم الذمة المالية ، و كيف عالجها القانون، و ما هي الإضافات التي سوف يأتينا بها المشروع التمهيدي المعدل و المتمم للقانون رقم 84-11 المتضمن قانون الأسرة.
أولا - مفهوم الذمة المالية : من الخصائص المميزة لشخصية الإنسان، ذمته المالية و هي مجموع ما للشخص من حقوق و ما عليه من التزامات ذات قيمة مالية .
و قد اختلف حكمها في الديانات السماوية، ففي الديانة اليهودية و التي انقسم متتبعوها إلى طائفتين، القراؤون الذين يفصلون أموال كل من الزوجين على الآخر مع استفادة الزوج من مال زوجته الذي حصلت عليه بكدّها بعد الزواج، و في ما عدا ذلك فلا بد له من الحصول على إذنها، أما الربانيون فلا يسمحون للزوجة بالتصرف في أموالها إلا بإذن زوجها، و إلا كان تصرفها باطلا، و لقد نصت المادة 85 من كتاب حاي بن شمعون :" ممنوعة المرأة من التصرف في أموالها بلا إذن زوجها".
و في الديانة المسيحية ، فبالرغم من ارتباط الزوجين ارتباطا وثيقا كأنهما ، جسد واحد كما ذكر في الإنجيل ، إلا أن هذا لا يعني اختلاط أموالهما، فلكل منهما حق الاستقلال بأمواله مع استحسان استشارة الزوجة لزوجها في إدارة أموالها و التصرف فيها، إذ نصت المادة 85 من قانون الحق العائلي الخاص بالروم الأرثوذكس : " كل واحد من الزوجين هو سيد ثروته الخاصة، و له أن يتصرف فيها كما يرى ما لم يكن قد جرى الاتفاق بينهما على غير ذلك ..."
كما نصت المادة 46 من مجموعة الأقباط الأرثوذكس : " الارتباط الزوجي لا يوجب اختلاط الحقوق المالية، بل تظل أموال كل من الزوجين مملوكة له دون الأخر".
و تجدر الإشارة إلى أن الدول الغربية حاليا تأخذ باشتراك الذمة المالية للزوجين.
أما في التشريعات العربية على العموم فيظل الزوجان شخصان مستقلان في التصرف الكامل في التجارة و اقتناء الأملاك، و لا ولاية للرجل على زوجته في أموالها، و هي تنفذ عقودها بلا توقف على إجازة زوجها، و مهما كانت غنية فلا يلزمها شيء من النفقة المتوجبة في الأصل على زوجها.
ثانيا - الذمة المالية في القانون و الشرع :
تعتبر حرية تصرف المرأة في مالها ، من حقوق الزوجة وفقا للمادة 38 من قانون الأسرة الجزائري، و قد أجمع فقهاء الإسلام على حرية تصرف الزوجة في مالها الحاصلة عليه من طرق مشروعة، و ليس للزوج حق فيه إلا برضاها الصريح ،و هذا الأمر قرر للمرأة منذ 14 قرنا عندما نزلت الآية الكريمة : " للرجال نصيب مما اكتسبوا و للنساء نصيب مما اكتسبن"، حيث أصبح باستطاعة المرأة أن تكسب المال و أن تحوزه كالرجال ، تبيع و تشتري و تهب لمن تشاء، كما أخبر بذلك المولى بقوله : "فان طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا".
فلا سلطان للزوج على أموال زوجته شرعا و قانونا، الأمر الذي يجعل تصرفها في جميع أموالها بلا إذن زوجها ورضاه تصرفا شرعيا و نافذا، كما لها أن تقبض غلة أملاكها، و توكل غير زوجها لا دارة مصالحها و تنفيذ عقودها دون أدنى إجازة أو توقف على إرادته.
و مع ذلك فيمكن أن نتساءل بعدما دخلت المرأة الحياة السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية، فأصبح بإمكانها الاستغناء عن الرجل كزوج فيما يتعلق بالجانب المادي، فهل عليها أن تستأذن زوجها إن أرادت أن تمارس مهنة أو عملا يعود عليها بالربح الوفير، و أن تتصرف فيه بحرية دون التزام بالاشتراك مع زوجها في الإنفاق على الأسرة و تقاسم الأعباء المالية.
إن الجواب على هذا التساؤل ينقسم إلى رأيين فقهيين، الفقهاء الأولون الذين يرون أن وظيفة المرأة بالطبيعة و الفطرة هي وظيفة منزلية بالدرجة الأولى، و أن المرأة المتزوجة إذا منعها زوجها من الخروج للعمل و خالفته يسقط حقها في النفقة لأنها تستحقها مقابل احتباسها في بيت الزوجية ، و بما أنها رفضت ذلك فإن احتباسها يصبح ناقصا، أما إذا رضي زوجها بالعمل فقد رضي بالاحتباس الناقص الذي تجب معه النفقة للزوجة العاملة .
في حين أن الفقهاء المحدثين يرون أن لا مانع أن تتوسع دائرة وظيفة المرأة من ربة بيت إلى سيدة عاملة في جميع ميادين الحياة، لأنه ليس من حق الزوج أن يمنع الزوجة من المساهمة في بناء الدولة و تنمية البلاد، و لا يجوز له أن يحرم المجتمع من قدراتها العملية و طاقتها الاقتصادية و المهنية.
و يلاحظ بعض الشراح أن الفقهاء القدامى أغفلوا حكم المرأة العاملة قبل الزواج و لذلك يرون أن الحل العادل و المنطقي لهذه المسألة هو أنه إذا تزوج رجل بامرأة يعلم أنها تعمل و لم يشترط عليها في العقد أن تتوقف عن العمل فقد رضي ضمنيا بإنتقاص الاحتباس و تجب عليه النفقة ، و لقد جاءت الفقرة الثانية من المادة 38 من قانون الأسرة صريحة بشأن تصرف الزوجة في مالها من تجارة أو عمل أو هبة أو ميراث و ليس للقاضي في ذلك اجتهاد و الحل متروك لتراضي الزوجين أو اشتراطهما في العقد طبقا للمادة 19 من قانون الأسرة التي تنص أن للزوجين أن يشترطا في عقد الزواج كل الشروط التي يريانها ما لم تتناف مع هذا القانون .
أما بشأن حرية التصرف في مالها الذي تكسبه من وراء العمل الذي تقوم به، فلا بد من تقييده، و ذلك أن مقتضيات الزواج تحتم على الزوجة أن تتفرغ لتدبير شؤون المنزل و تربية الأولاد، و أن يتفرغ الزوج للعمل، ليؤمن حاجيات الزوجة و الأولاد، و إذا حصل أن طرأ تغيير على هذا الوضع بأن غيرت المرأة وضعها الطبيعي لكسب المال، لأنها ستصرفه حتما في أمور جانبية و يبقى الزوج ملزما بالإنفاق عليها، وملزما بإطعامها و اكسائها و إ سكانها هي و أولادهما من المال الذي يحصل عليه بكدّه، و قد لا يكفي وحده ولا يفي بحاجياتهم الكثيرة .
ورغم كل هذا الجدال يبقى الزوج ملزما شرعا وقانونا بالإنفاق على زوجته، من غذاء وكساء وعلاج وسكن أو أجرته وما يعتبر من الضروريات في العرف والعادة و هذا طبقا لنص المادة 78 من قانون الأسرة.
ثالثا – الذمة المالية في المشروع التمهيدي لتعديل قانون الأسرة :
لعل أول بادرة لتقييد حرية المرأة في التصرف في أموالها جاء في مقترح تعديل المادة 36 من قانون الأسرة بإضافة الفقرة الثالثة والتي جاء فيها : "التعاون على مصلحة الأسرة بالمساهمة المادية والمالية .."
و تحدد المادة 36 ككل واجبات الزوجين وتجعل منها واجبات مشتركة و متبادلة قائمة على أساس المساواة من أجل مصلح أ سرتهما .
وتجدر الملاحظة أن مقترحي التعديل جعلوا من الواجبات والحقوق التي كانت بين الزوجين، واجبات فقط بموجب تعديل المادة 36، وألغت واجبات الزوج الواردة بالمادة 37، وحقوق الزوجة الواردة بالمادة 38 وواجباتها الواردة بالمادة 39 وعبر عنها ب "يجب على الزوجين " و ضمنها بالمادة 36 على أنها مشتركة و متبادلة بينهما ، رغم أن الأصل في الإنفاق انه من واجب الزوج و ذلك بالكتاب و السنة و الإجماع و القياس.
فأما الكتاب فقوله تعالى : "و على المولود له رزقهن و كسوتهن بالمعروف".
و قوله أيضا : " فلينفق ذو سعة من سعته, ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما أتاها" .
و أما الحديث فقوله صلى الله عليه و سلم : "اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم، أخذ تموهن بأمانة الله ،و استحللتم فروجهن بكلمة الله، لكم عليهن ألا يوطئن فراشكم أحدا تكرهونه ، و لهن عليكم رزقهن و كسوتهن بالمعروف"
و في القياس فانه من القواعد المقررة في النفقة إن من حبس لحق غيره، فنفقته واجبة عليه، فلقد حبست الزوجة نفسها للقيام على البيت ورعاية شئونه فحقت لها النفقة جزاء الاحتباس .و لقد انعقد إجماع المسلمين على ذلك من عهد النبي صلى الله عليه و سلم إلى الآن لم يخالف في ذلك أحد .فمخاطبة الزوجة في هذه الفقرة للمشاركة في الإنفاق هو خروج عن الأصل ، خصوصا و أن الفقرة جاءت ضمن واجبات الزوجين و كأن الزوجة يجب عليها الإنفاق على زوجها، فإن كان واضعوا التعديل يقصدون المرأة العاملة وجب عليهم إبراز هذا الجانب.
ثم أتى المشروع التمهيدي بالنقيض في المادة 37 منه بتأكيده على استقلال الذمم المالية لكل من الزوجين و هذا كأصل عام مما كانت تنص عليه المادة 38 من حرية المرأة في التصرف في أموالها، و الاستثناء الذي جاء به المشروع أن الزوجان يمكنهما أن يتفقا على خلاف ذلك بموجب عقد رسمي، و ذلك حين إبرام عقد الزواج أو بعده بأن تكون الأموال التي يكتسبانها خلال الحياة الزوجية مشتركة بينهما، حسب النسب التي يتفقان عليها و لكن هذا يوحي بأن الحياة الزوجية مجرد صفقات ، يتم فيها احتساب النسب و ما إلى ذلك، و تنتفي معها حلاوة الحياة الزوجية من ثقة و اطمئنان للطرف الآخر .
و نحن نعتقد أن واضعي التعديل أرادوا أن يلفتوا انتباه الزوجة إلى إمكانية مشاركة الزوج في الإنفاق إذا كانت صاحبة مال، و هذا لجعل الحياة الزوجية أكثر ميسرة و ذلك من باب حسن العشرة و الأخلاق، و لكن لا يمكن جعل هذه الإمكانية في باب الواجبات لأن الزوجة في النهاية غير مجبرة على الإنفاق مع الزوج و هذا ما أكدته المادة 37 من مشروع التعديل.
و ما يدعم رأينا بأنها غير مجبرة على الإنفاق مع زوجها ، أنه إذا رفع الزوج دعوى طلاق وبرر طلبه بان الزوجة لم تقم بالمساهمة المادية و المالية من أجل مصلحة الأسرة ، فهل يحكم القاضي بالطلاق مع تظليم الزوجة، أم أنه طلاق تعسفي ؟
فالزوج مثلا إذا لم تعامل زوجته والديه معاملة حسنة، فيكون الطلاق مع تظليم الزوجة بسبب الضرر الذي ألحقته به .
فنحن نرى أنه من غير المنطقي تظليم الزوجة بسبب عدم الإنفاق، لان هذا يتنافى مع الشرع، و ما الحل إذا ما دفع الزوج بفسخ عقد الزواج إذا تضمن شرط حرمان المرأة من الإنفاق عليها أو شرط التنازل له عن راتبها الشهري ؟ .
فهناك احتمالان:
- إما بناءا على المادة 19 من القانون الأسرة الذي تتيح إمكانية اشتراط ما يراه الزوجان بالعقد ما لم يتناف مع هذا القانون، و منه اعتبار أن التنازل عن النفقة و التنازل عن الراتب مخالف للشرع و القانون مما يؤدي إلى إبطال الشرط و إبقاء العقد صحيح ، و ذلك باعتبارها شروط مخالفة لمقتضى العقد.
- و إما فسخ عقد الزواج لعدم التزام الزوجة بمقتضيات العقد ، و تفريقها عن زوجها لمجرد أنها لم ترض بالإنفاق، و هذا حسب اعتقادنا إجحاف في حق المرأة .
و لم نجد في الواقع العملي حالة وقع فيها فسخ عقد الزواج لعدم التزام الزوجة ، بما ورد في العقد و هذا راجع حتما إلى أنه لا يمكن أن تتنازل الزوجة عن حق من حقوقها أصلا، أي لا توقع العقد أساسا إذا كان سيحرمها من ثمرة جهدها أو حقها في قيام الزوج بواجباته تجاهها .
و لكن ورغم كل هذه الإشكاليات و الجدال حول الذمة المالية للمرأة غير أننا نعلم أن المرأة المسلمة عموما إذا كانت صاحبة مال فهي لا تبخل بأن تساهم في مصاريف الحياة الزوجية ولا أن تفك ضيقة لزوجها، و هذا من طباع المؤمنين الذين ألف الله بين قلوبهم بالإيمان .
إذا كانت الذمة المالية وهو الموضوع الذي يبدو اكثر بساطة في قانون الأسرة الجزائري ، قد أثار كل هذه الاشكالات، فما هو الحال بالنسبة للنسب باعتباره الأثر الثاني للزواج ؟
هذا ما سنحاول الإجابة عليه في المطلب الثاني من هذا المبحث.
المطلب الثاني : النسب و طرق إثباته
يقول تعالى في كتابه العزيز الحكيم : "و هو الذي خلق الماء بشرا فجعله نسبا و صهرا و كان ربك قديرا".
يعتبر النسب كأثر مترتب عن الزواج حقا أساسيا و أصليا، بواسطته تثبت للشخص جميع حقوقه الشخصية الأخرى، ذلك أن أول سؤال يطرح للطفل هو: من أنت .... ؟ أو ابن من أنت ؟، فإذا ما ثبت نسبه ثبتت له سائر الحقوق الأخرى بصورة تلقائية و طبيعية و شرعية، و منها : الاسم و اللقب و الموطن، أما إذا لم يثبت نسبه أو لم يعلم له نسب فان هذه الحقوق تتقرر للطفل، و لكن على أساس آخر غير أساس ثبوت النسب، فتثبت له جنسيته مثلا على أساس المكان الذي ولد فيه، أو عثر عليه فيه، كما تثبت ديانته على أساس الدين الغالب في ذلك المكان، أما حقوقه الأسرية و غيرها من الحقوق الخاصة كالحضانة و النفقة، فتتحول من حقوق خاصة إلى حق اجتماعي عام تتولى الدولة تقريره للطفل المجهول نسبه، عن طريق المؤسسات التي تنشأ تحت إشرافها لهذا الغرض.
و أمام هذه الأهمية الكبرى للنسب، و سعيا للمحافظة على الأنساب و الروابط الأسرية سعت الشريعة الإسلامية إلى سد جميع سبل اختلاط الأنساب بتحديدها تحديدا دقيقا و واضحا سبل إثباته، و هو نفس النهج الذي سار عليه المشرع الجزائري في المواد من 40 إلى 46 من قانون الأسرة، و قبل التحدث على هذه الطرق و جب علينا أولا و قبل كل شيء إعطاء تعريف جامع مانع للنسب، فما هو النسب ؟
عرف النسب الشرعي بأنه القرابة الناشئة من صلة الدم بالتناسل، و البنوة هي نسبة الولد إلى أبيه .
و عرف أيضا : بأنه إلحاق الولد بأبيه قانونا و دينا و اعتباره الأصل الذي تفرع عنه ذلك الولد، فالنسب إذن هو إحدى أهم قواعد تشريع الأحوال الشخصية لأهمية دوره في ضمان انسجام التشريع مع آثاره، و قبل أن يتصف هذا الإلحاق بأية صفة أخرى فهو إحقاق للحق و إبطال للباطل، لأنه إثبات لواقعة اللقاء الجنسي بين ذكر و أنثى كان سببا في هذا النتاج من جهة، و لأنه رفع للظلم الذي يتعرض له طفل بريء بجهل نسبه و لم يفعل ما يجلب له ظلم الظالمين .
و عرف أيضا بأنه هو الذي يتبع فيه الولد أباه في القانون و الدين و الحضارة و ينبني عليه الميراث، و ينتج عنه موانع الزواج، و يترتب عليه حقوق و واجبات أبوية و بنوية، أما النسب غير الشرعي فلا يترتب عليه شيء من ذلك إطلاقا، و هو بالنسبة للأم كالشريعة لأنه ولدها .
وعليه و إذا كان تعريف النسب لا يثير أي إشكالية، و هو متفق عليه في كل التشريعات، فان الحال غير ذلك في طرق إثباته، و هو ما دعا كل التشريعات الإسلامية و الدولية إلى إعطائها أهمية خاصة و متميزة، فهل وفق المشرع الجزائري في تحديد طرق إثبات و نفي النسب ؟ خاصة مع التطور العلمي المذهل الذي شهده العالم في الآونة الأخيرة ؟
فمتى كانت الإجابة بلا أو بنعم إلى حد ما، فما هي الطرق المكملة لذلك ؟ ثم ما جدواها في حل الإشكالية التي يثيرها إثبات النسب ونفيه أمام القضاء ؟
وذلك ما سنحاول معالجته من خلال تركيزنا على تبيان كل من طرق إثبات ونفي النسب الشرعية، وكذلك الطرق المستحدثة فيه، ومدى استفادة المشرع والقضاء منها.
أولا : الطرق الشرعية في إثبات النسب ونفيه:
1- طرق إثبات النسب : تنص المادة 40 من قانون الأسرة الجزائري على أنه: " يثبت النسب بالزواج الصحيح و بالإقرار و بالبينة، و بنكاح الشبهة، و بكل نكاح تم فسخه بعد الدخول، طبقا للمواد 32، 33 و 34 من هذا القانون ".
و بالتمعن في أحكام هذه المادة يمكننا تقسيم طرق إثبات النسب إلى طريقتين أو سببين : سبب منشئ، بمعنى أنه لا يحتاج إلى دليل، و هذا السبب تدخل تحت طائلته كل أنواع النكاح، و سبب كاشف له فقط، أي يعيد إدماجه إدماجا قانونيا، و هذا الأخير يدخل تحت طائلته الإقرار و البينة و هذا ما سنحاول توضيحه فيما يلي :
أ – الأسباب المنشئة للنسب : ينشأ النسب بالنكاح سواء كان صحيحا أو فاسدا، و كذلك بنكاح الشبهة، و قبل التطرق إلى الشروط الواجب توافرها في هذه الأنكحة و التي هي تقريبا مشتركة بينها – كما حددت ذلك المادة 41 – لا بد أن نعرف بهذه الأنكحة و ذلك وفقا لما يلي :
* الزواج الصحيح : و يقصد به الزواج الذي تتوافر فيه أركان الانعقاد و شروط الصحة طبقا لمقتضى المواد 9 و 23 و ما بعدها .
إذن إذا كان الزواج كامل الشروط و الأركان عد زواجا صحيحا و صالحا لإثبات النسب، دون اشتراط بينة أو طلب اعتراف ممن سيثبت نسب الولد إليه، و هذا متى كان تصور مجيء الولد من هذه الزوجية القائمة ممكنا حتى يكون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " الولد للفراش و للعاهرالحجر " .
* الزواج الفاسد : لقد ورد في المادة 40 من قانون الأسرة على أنه : " يثبت النسب ..... و بكل نكاح تم فسخه بعد الدخول طبقا للمواد 32، 33 و 34 من هذا القانون ".
و من مراجعة أحكام هذه المواد يتضح لنا بجلاء أن الأولى نصت على فسخ النكاح أي فساده إذا اختل أحد أركانه، أو اشتمل على مانع أو شرط يتنافى و مقتضيات العقد، أو ثبتت ردة الزوج، و أن الثانية قد نصت على أنه إذا تم الزواج بدون ولي أو صداق أو شاهدين يفسخ قبل الدخول و لا صداق فيه، و يثبت بعد الدخول بصداق المثل، و يبطل إذا اختل أكثر من ركن واحد، و أن الثالثة نصت على أن الزواج بإحدى المحرمات يفسخ قبل الدخول و بعده.
* نكاح الشبهة : و يقصد به النكاح الذي يقع خطأ بسبب الغلط الذي يقع فيه الشخص كأن يتزوج الشخص بإحدى المحرمات عليه معتقدا أنها حل، و بعد الدخول تبين أنها أخته مثلا.
و لكن يجب الحرص كل الحرص على ثبوت غلط الشخص فان كان عالما بالغلط أو الشبهة و تعمدها فالزواج باطل و لا أثر له، و الولد في هذه الحالة يعتبر ولد زنا.
و عليه و متى نتج عن إحدى هذه الأنكحة ولد فان نسبه يثبت لأبيه، و لكن بتوافر ثلاث شروط أساسية و هي المحددة في المادتين 41 و42 من قانون الأسرة، و هذا بيانها :
- إمكانية الاتصال الجنسي : أي إمكانية التلاقي الجنسي بين الزوجين بصورة فعلية، لأنه إذا ثبت أو تأكد عدم الاتصال و عدم التلاقي فلا يثبت النسب، و يتحقق هذا الشرط بالخلوة الصحيحة لأنها قرينة على تسليم المرأة نفسها لاعتبار العقد شرعيا - هذا في الزواج الصحيح – أما النكاح بشبهة و النكاح الفاسد فالدخول فيه شرط أساسي لتحقق هذا الشرط .
- عدم نفي الولد بالطرق الشرعية : بمعنى أن لا ينفيه الزوج عنه بالطرق المشروعة، سواء قبله قبولا ضمنيا أو صريحا، و الطرق المشروعة في نفي النسب هو اللعان، و هو عبارة عن اتهام الزوج زوجته بالخيانة الزوجية أثناء قيام الرابطة الزوجية بعقد صحيح مع إمكانية الاتصال، و صورته حددتها الآيات 5، 6، 7 من سورة النور.
و دعوى اللعان كما هو ثابت قضاء يجب أن تباشر في مدة لا تتجاوز 8 أيام طبقا لقرار المحكمة العليا المؤرخ في 23/11/1993، ملف رقم 99000، و الذي جاء فيه أنه " من المقرر قانونا أن الولد ينسب لأبيه متى كان الزواج شرعيا و أمكن الاتصال و لم ينفه بالطرق المشروعة .
و من المستقر عليه قضاء ، أن مدة نفي الحمل لا تتجاوز 8 أيام .
و متى تبين في قضية الحال أن المطعون ضده لم يبادر بنفي الحمل من يوم علمه به و خلال المدة المحددة شرعا و تمسك بالشهادة الطبية التي لا تعتبر دليلا قاطعا و لأن الولد ولد بعد مرور أكثر من ستة اشهر على البناء.
و أن قضاة الموضوع بقضائهم بصحة الزواج العرفي مع رفض إلحاق نسب الولد بأبيه عرضوا قرارهم للتناقض مع أحكام المادة 41 من قانون الأسرة، و أخطأوا في تطبيق المادتين 41 و 42 من قانون الأسرة فيما يخص إلحاق النسب .
و متى كان كذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه "
و نفس الشيء جاء به القرار رقم 165408 المؤرخ في 08/07/1997 ، و أيضا القرار رقم 172379 المؤرخ في 28/10/1997 3.
- ولادة الولد بين أقل و أقصى مدة للحمل : و أقل مدة للحمل محددة بـ 6 أشهر ، أما أكثر مدة له فإنها محل خلاف بين الفقهاء و المسلمين، إلا أن الرأي الراجح يميل إلى الأخذ بتسعة (09) أشهر، و المشرع الجزائري و حرصا منه على اجتناب الشبهات جعلها 10 أشهر ( المادة 43 من قانون الأسرة ) .
و قد ورد في قرار المحكمة العليا المؤرخ في 19/05/1998، ملف رقم 193825 بأنه : " من المقرر شرعا أن الزواج في العدة باطل، و من المقرر قانونا أن أقل مدة للحمل ستة أشهر و أقصاها عشرة اشهر .
و متى تبين في قضية الحال، أن الزواج وقع على امرأة مازالت في عدة الحمل و أن الحمل وضع بعد أربعة أشهر من تاريخ الزواج الثاني، و أن قضاة الموضوع بقضائهم باعتبار الطاعنة بنت للزوج الثاني اعتمادا على قاعدة * الولد للفراش* مع أن الزواج الثاني باطل شرعا فانهم بقضائهم كما فعلوا خالفوا القانون و خرقوا أحكام الشريعة الإسلامية .