منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - البناء الفوضوي في الجزائر
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-02-11, 20:27   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 اضافة

- وجد القضاء نفسه في حيرة بشأن الوضع القانوني للوقف، ذلك أن الاستعمار كما ذكرنا في تمهيد البحث نصب نفسه وصيا على الأملاك الوقفية و استولى عليها، و مع ذلك بقيت بعض الأملاك الوقفية التي أبقاها المستعمر لفائدة الزوايا و المساجد عموما نظرا لقلة أهميتها أو لاعتبارات سياسية تجنبه ثورة الأهالي حيث كانت الإدارة الفرنسية قد أصدرت المرسوم المؤرخ في 10/06/1833 الذي ألغت بموجبه نظام الحبوس، و أدمجت مختلف أراضي ضمن الأملاك العامة الفرنسية إلا أنها و قصد زرع التفرقة بين الأهالي قامت في 09/12/1947 بإصدار قانون يخضع المعاملات العقارية بمنطقة القبائل إلى نظام خاص بمبرر وجود أعراف محلية بهذه المنطقة يتوجب مراعاتها و تقنينها لضمان السير الحسن للمبادلات العقارية ،أما بعد الاستقلال فقد شهدت أراضي الوقف فوضى عارمة ذلك أن كثير من الأملاك الوقفية لم يكن لها سندات ثبوتية مما دفع بالبعض للتراجع عن وقفه و خاصة من الورثة و تم التصرف في أراضي أخرى بالبيع، في حين ظلت أراضي الوقف الأخرى تسير من طرف لجان المساجد أو من طرف شيوخ الزوايا والمتطوعين أو من الواقفين أنفسهم لفائدة الجهات الموقوف عليها. و قد حاول المرسوم 63/168 المؤرخ في 09/05/1963 تدارك الأمر بوضع بعض الأملاك العقارية تحت حماية الدولة .
و كنا قد أشرنا في السابق إلى أن تمديد العمل بالنصوص الفرنسية غداة الاستقلال عمق هذا الغموض في الوضعية القانونية للأوقاف، وأعقب ذلك أن قانون الثورة الزراعية قد أدمج كثيرا من أراضي الوقف في صندوق الثورة الزراعية أما لكونها غير مستغلة أو لانعدام سندات ملكيتها و اعتبارها بدون مالك أو بغير ذلك من الأسباب ، فيما بقيت البقية خاضعة لقواعد الشريعة الإسلامية و العرف إلى أن جاء القانون 84/11 المؤرخ في 09/06/1984 لتنظم في المواد من 213 إلى 220 منه أحكام الوقف. ثم جاء القانون 90/25 المؤرخ في 18/11/1990 الذي ألغى بموجب المادة 75 منه أحكام الأمر 71/73 المتضمن قانون الثورة الزراعية و قضى بإرجاع الأراضي التي كانت مدمجة في صندوق الثورة الزراعية لأصحابها الأصليين أو الذين لهم حق ثابت يسند عليها و هكذا أتمت المادة 83 من القانون 90/25 بأن الأراضي التي لم يمكن إتمام إجراءات إرجاعها لأصحابها تظل ملكا للدولة خاضعة لقانون الأملاك الوطنية و القوانين الخاصة بطرق استغلالها و حقوق من تخصص لهم و إلتزاماتهم. لهذا فإن أراضي الوقف التي كانت في صندوق الثورة الزراعية أعيدت لأصحابها سواء لموقوف عليهم إذا كان لهم سند أو للواقف و ورثته إذا احتفظوا بعقودها، في حين أنه يظل لمديرية الأوقاف حق المطالبة باسترجاع الأرض الموقوفة إذا كان الوقف عاما، و هذا ما استغل من طرف الأفراد حيث انتقلوا البناء و السكن في الأراضي التي يعلمون بأنها موقوفة و بطريفة غير قانونية كمن أجل الاستيلاء عليها.
المهم أن قانون 90/25 قد اعترف بالأملاك الوقفية في مادته 23 و هذا يفترض بداهة أن تكون محمية من طرف القانون، و قد ألمحت المادة 32 منه إلى قانون خاص سينظمها لاحقا. و بالفعل فقد جاء القانون 91/10 المؤرخ في 27/04/1991 المتعلق بالأوقاف و قد نص في مادته (03) الثالثة على أن الوقف هو حبس العين عن التملك على وجه التأبيد و التصدق بالمنفعة على الفقراء أو على وجه من وجوه البر و الخير. و أضافت المادة 16 منه '' يجوز للقاضي أن يلغي أي شرط من الشروط التي يشترطها الواقف في وقفه إذا كان منافيا لمقتضى حكم الوقف الذي هو اللزوم أوضار بمحل الوقف أو بمصلحة الموقوف عليه '' و في هذه النقطة بالذات يلاحظ أن المشروع الجزائري قد خرج في قانون الأوقاف عن المذهب المالكي و أخذ برأي الجمهور في مسالة لزوم الوقف و هذا أمرا لا غبار عليه من الناحية الفقهية إلا أنه أثر في أحكام القضاء أن المذهب المالكي السائد في البلد الذي يرى أن الملك يبقى على ذمة صاحبه و يتصدق بالانتفاع منه، و ما دام مبنيا على أساس التصدق فيمكن الرجوع فيه في أي وقت من الواقف. و هذا يظهر على سبيل المثال في قرار للغرفة العقارية بالمحكمة العليا مؤرخ في 29/12/2001 تحت رقم 223224 نقض قرار قضاة الموضوع الذين أجازوا تراجع الواقف عن وقفه . و قد جاء في اجتهاد المحكمة العليا في قصية حبس شخص على زوجته ثم طلقها و أراد الرجوع في وقفه.، أن ذلك ممكن لأن شخصية الموقوف عليه في نظره كانت محل اعتبار كونها زوجته، و هذا ربما تأثر من المحكمة العليا بقواعد القانون المدني، كون الرجوع في الوقف غير جائز حسب رأي الجمهور الذي أخذ به قانون الأوقاف .
الشيء الأكثر تناقضا بشأن الوقف أن الغرفة العقارية بالمحكمة العليا ذهبت في قرارها رقم 216 394 المؤرخ في 29/12/2001 إلى إمكانية التمسك بالتقادم في الحبس الأهلي وفقا لأحكام القانون المدني في حين أن قرارا صادرا عن المحكمة العليا في 13/01/1986 تحت رقم 39360 يقول بعدم إمكانية التمسك بالتقادم المكسب في أرض محبسة، و هذا التناقض بين الأحكام فتح المجال للاستحواذ على الأملاك الوقفية أو البناء فيها والدفع بالتقادم رغم الثابت أن الوقف يتمتع بالشخصية المعنوية فلا يمكن وضع اليد عليه .
و قد يكون لهذا التناقص في أحكام القضاء و مبرر ربما من حيث أن تعديل قانون الأوقاف بمقتضى القانون 02/10 المؤرخ في 14/12/2002 قد أحدث اللبس بشأن حماية القانون للحبس الخاص لأنه ألغى المواد 6، 7، 19، 22، 47 التي كانت تنص على الحبس الخاص، كما ذكر القانون بأنه يطبق على الحبس العام و أن الوقف الخاص يخضع للتشريعات المعمول بها. و لما كان القانون 02/10 قد ألغى التشريعات المعمول بها من حيث المواد المتعلقة بالوقف الخاص في قانون الأسرة و قانون الأوقاف 91/10 فقد فسر هذا على أنه تخلي من المشرع عن حماية الوقف الخاص، و قد جاء في عرض أسباب القانون أن هناك انحراف و صعوبة سيطرة على الحبس الخاص و كذا صعوبة في إثبات وضعيته القانونية نظرا لتشابكها لذا فوزارة الشؤون الدينية غير قادرة على تسييره و تكتفي بتسيير الحبس العام .
إلا أن القضاء عليه أن يعمل النص الذي يحيل إلى التشريعات المعمول بها، و في هذا الإطار يقترح رأي أن يتم وفقا للمادة 02 من القانون 91/10 الرجوع إلى أحكام الشريعة الإسلامية لتنظيم الوقف الخاص مع الاستعانة بعقد الوقف لمعرفة المذهب الذي اختاره الواقف، و هذا بطبيعة الحال أفضل من إهماله أو تركه للبناء و الضياع أو المضاربة .

3/ بخصـوص سنـدات إثبـات الملكيـة:

- تثبت الملكية العقارية بسندات توثيقية و سندات قضائية و سندات إدارية و سندات عرفية ، و سنركز حديثنا على هذه الأخيرة لان القضاء بقي متذبذبا في تقدير قيمتها القانونية في إثبات الملكية هذا من جهة و من جهة أخرى لان للسندات العرفية ارتباطا وثيقا بموضوع بحثنا فكما لاحظنا أن الدولة قد بذلت جهودا جبارة في سبيل سن قوانين لتطهير الملكية العقارية ، ولكن هذه الجهود بقيت منقوصة حيث لم تتكاثف بمجهود موازي من القضاء لتحديد موقف موحد اتجاه السندات العرفية، ومن جهة أخرى فقد لاحظنا أن السندات العرفية كانت دائما ملجأ الذي يلجأ إليه أفراد للتحايل على القوانين كما كان ذلك أثناء فترة سن قانون الاحتياطات العقارية . و إذا كان القانون 90/29 المؤرخ في 01/12/1990 المتعلق بالتهيئة و التعمير، قد حاول سد الطريق في وجه السندات العرفية عن طريق الربط بين طلب رخصة البناء و السند المثبت للملكية، كما أكد ذلك المرسوم التنفيذي 91/176 المؤرخ في 28/05/1991 حيث يجب أن يقدم طلب رخصة البناء من المالك أو موكله أو المستأجر لديه المرخص له بذلك مرفوق بعقد الملكية أو شهادة الحيازة أو توكيل صحيح أو العقد الإداري، وهي الوثائق المحصورة بالذات في نص المادة 34 من المرسوم التنفيذي. و هكذا لا يبقى أمام الأفراد في حال عدم وجود هذه الوثائق إلا سلوك سبيل البناء بدون رخصة أو اللجوء للقضاء للاعتراف بصحة العقد العرفي.
و نظرا لما للقضاء من دور في تساهله للاعتراف بالمحررات العرفية، و ما يؤدي له بطبيعة الحال في حال البناء على الأراضي المتعامل فيها بسندات عرفية قد تتعرض للإبطال في أي وقت بما يجعل البناء عليها خارج القانون، سنحاول لكن هذا التركيز على كيفية تعامل القضاء مع السندات العرفية.
فالعقود العرفية هي تلك المحررات التي يقوم بإعدادها الأطراف بأنفسهم أو بواسطة كاتب من اجل إثبات تصرف قانوني، و يتم توقيعها من قبل المتعاقدين و حدهم، و الشهود إن وجدوا، من دون تدخل موظف عام أو ضابط عمومي مختص و لا يغير التصديق في البلدية من طبيعة المحرر العرفي أو يصبغه بالرسمية و إنما غاية ما في الأمر أنه يمنحه تاريخا ثابتا ابتداءا من يوم التصديق عليه.
ووفقا للمادتين 327 و 328 من القانون المدني الجزائري يكون المحرر العرفي حجة على أطرافه و صحيحا .بما جاء فيه مواجهتهم ما لم ينكروا صراحة ما هو وارد فيه بإنكار خطهم عليه أو إمضائهم، غير أن الإقرار الصريح أو الضمني للمحرر العرفي لا يؤثر باي حال في أوجه الدفوع الشكلية أو الموضوعية التي يكون لمن أقر بالورقة العرفية أن يتمسك بها كالدفع بالبطلان لعدم إتباع الشكلية المطلوبة أما بالنسبة للغير فلا يكون للسند العرفي حجية في مواجهة إلا من يوم يكون له تاريخ ثابت .
و يصبح تاريخ المحرر العرفي ثابتا إما من يوم تسجيله لدى مصلحة الضرائب ، أو ثبوت مضمونة في عقد أخر رسمي أو التأشير عليه من ضابط عام مختص ، أو من يوم وفاة أحد الذين كان لهم على المحرر خط أو إمضاء .
وقد مرت المحررات العرفية بمراحل ففي البداية جاء المرسوم 80/210 المؤرخ في 13/09/1980 الذي عدل المرسوم 76/63 المؤرخ في 25/03/1976 المتعلق بتأسيس السجل العقاري حيث أعتبر جميع السندات العرفية التي اكتسبت تاريخا ثابتا قبل 01/03/1961 شرعية معفاة من الشهر، تم صدر القانون الخاص بالتوثيق بالآمر رقم 70/91 المؤرخ في 15/12/1970 حيث اشترط الرسمية في العقود الواردة على حقوق عينية عقارية و هذا في المادة 12 منه ، غير أن المحررات العرفية بقيت مستعملة بكثرة نظرا لتساهل القضاء في الحكم بصحتها و هكذا جاء المرسوم 93/123 المؤرخ في 19/05/1993 ليعدل و يتمم المرسوم 76/63 من جديد و مدد فترة صحة المحررات العرفية من 01/03/1961 إلى 01/01/1971 تاريخ بداية سريان قانون التوثيق، و بهذا تصبح كل المحررات العرفية الثابتة التاريخ قبل هذا اليوم رسمية دون حاجة للجوء للقضاء . ولكن بالنسبة للتصرفات الواردة بين 1964 إلى 01/01/1971 فيجب على أطراف المحررات في استظهار الرخصة الإدارية المسلمة لهم من طرف الوالي إضافة للسند، عملا بالمرسوم 64/15 المؤرخ في 20/01/1964 المتعلق بحرية المعاملات .
و إلى غاية هذه الفترة يمكن القول أن المشروع قد خفق عن المنازعات على القضاء و سوى وضعية المحررات العرفية، ولكن بعد 01/01/1971 كان يفترض بالقضاء يتشدد في الرسمية و لكن شيئا من ذلك لم يحدث و ظلت الأمور على حالها و ازداد اللجوء إلى المحررات العرفية مع صدور قانون الاحتياطات العقارية الذي بدأ العمل به في 05/03/1974 بعد أن صدر بالأمر 74/26 في 20/02/1974. لهذا جاء المنشور الرئاسي المؤرخ في 30/06/1976 ليس إجراءات خاصة لتصحيح السندات العرفية المبرمة قبل 05/03/1974 و هذا عبر التحقق من تاريخها، لكن المحاكم تجاهلته لوروده في شكل مرسوم، ولا يلزم القاضي على الأخذ به كما أن المرسوم في حد ذاته لم يحدد للأفراد مدة لتصحيح السندات العرفية وهكذا ظلوا يلجؤون للقضاء من أجل تصحيحها و حتى بعد تعديل القانون المدني بموجب القانون 88/14 في 03/05/1988 أين بدا التأكد ثانية في المادة 324 مكرر 1 على المضمون الذي كان قد جاء في المادة 12 من قانون التوثيق 70/91 ، ظل القضاء مستنكفا عن اشتراط الرسمية مفسرا الكتابة المطلوبة على أنها وسيلة للإثبات فحسب .
و هكذا ظلت قرارات متناقضة تصدر على شاكلة القرار رقم 180 110 المؤرخ في 25/07/1995 الذي جاء في حيثياته : " من المقرر قانونا و قضاءا ، أن البيع إذا اكتملت أركانه و شروطه ، جاز للقاضي أن يوجه الأطراف أمام الموثق لا فراغه في شكل رسمي "
ولما كان الثابت في قضية الحال، أن قضاة الموضوع بإحالتهم لطرفي الدعوى أمام الموثق لا تمام البيع فإنهم طبقوا القانون تطبيقا سليما لأنه لا يمكن الاحتجاج بخرق المادة 12 من الأمر 70/91 التي جاءت لصالح الخزينة العمومية و الشهر العقاري فقط"، قرار عن الغرفة المدنية للمحكمة العليا. في حين جاء قرار أخر في نفس الفترة عن غرفة الأحوال الشخصية رقم 103656 في 09/11/1994 مخالفا للأول وفيه: " يشترط في العقود المتضمنة نقل الملكية العقارية أن تحرر في الشكل الرسمي و إلا وقعت تحت طائلة البطلان " .
و تنص المادة 206 من قانون الأسرة، أن الهبة تنعقد بالإيجاب و القبول مع مراعاة قانون التوثيق في العقارات، لذا فإن الهبة باطلة لعد استيفاء الشروط الجوهرية ".
و نظرا لهذا التضارب في الأحكام اضطرت المحكمة العليا بغرفها المجتمعة توحيد الاجتهاد و أكدت في قرارها رقم 136156 المؤرخ في 18/02/1997 على وجوب الرسمية في المعاملات الواردة في المادة 324 مكرر1 مدني و منها المعاملات العقارية . و بذلك أوصد الباب في وجه تصحيح المحررات العرفية، و لكن بعد فترة دامت أكثر من 27 سنة، و يمكن مع طول هذه الفترة تصور أوضاع البناء غير القانونية و التي استغلت هذا التردد للقضاء للتزايد.

4/ بخصـوص قبـول الدعـوى :

- ظل القضاء متردد بشأن قبول الدعوى في حال الاعتداء على الحيازة العقارية على المستثمرة الفلاحية بناءا على نص المادة 386 من قانون العقوبات. فالرأي الأول كان يرفض قبول الدعوى بناء على أن المادة تحمي المالك و ليس الحائز و في هذا الاتجاه جاء القرار 75919 في 05/11/1991 الصادر عن غرفة الجنح و المخالفات بالمحكمة العليا: " أن المادة 386 من قانون العقوبات تقتضي أن يكون العقار مملوكا للغير. و من ثمة فإن قضاة الموضوع الذين أدانوا الطاعنين في قضية الحال بجنحة التعدي على الملكية العقارية، دون أن يكون الشاكي مالكا حقيقيا للعقار يكونون قد أخطئوا في تطبيق القانون "
في حين يذهب الرأي الثاني إلى أن المشرع لا يقصد بعبارة المملوك للغير الملكية الحقيقية للعقار فحسب و إنما يقصد بها أيضا الملكية الفعلية، و هو ملخص قرار ذات الغرفة في 21/05/1995 تحت رقم 17996 .
و إذا كان الرأي الثاني اكثر تماشيا مع غرض المشرع من الحماية العقارية فإن الرأي الأول يبدو غالبا من حيث الواقع و في هذا فإن نيابة الجمهورية بعدة محاكم تقوم بحفظ الشكاوي المرفوعة من المنتجين الفلاحين في إطار القانون 87/19 المؤرخ في 08/12/1987 بخصوص الاعتداء على حقهم في الانتفاع و من ذلك البناء الغير المرخص، و إذا تمت المتابعة فغن المحاكم تحكم بالبراءة تأسيسا على أن الشكوى يجب أن تقدم من مديرية أملاك الدولة كممثل للدولة التي تعود لها ملكية الرقبة.وهذا المسلك محل نظر ولا يساهم في رد الاعتداء على المستثمرات، في حين أن المنتج الفلاحي يملـك حـق عيينـي عقـاريـا دائم قابل لكل أنواع التصرف ، و أن القانون المدني خوله كل الحق في الدفاع عنه .

الفـرع الـرابـع : غيـاب الـردع :

- جاء القانون 90/29 المؤرخ في 01/12/1990 لينص في المادة 76 منه على انه في حال الانتهاك الخطير لأحكام هذا القانون ترفع السلطة الإدارية دعوى استعجاليه للمطالبة بوقف الأشغال طبق لقواعد الإجراءات المدنية، في حين تبين المادة 77 الغرامات المرتقب توقيعها من القاضي الجزائي و تتراوح بين 3000 دج إلى 300.000 دج فالإدارة في حالة معاينة بناء بدون رخصة فإنها تلجا لقاضي الاستعجال الذي يكون له بمقتضى المادة 78 أن يأمر بوقف الأشغال أو هدم البناء إذا تطلبت ذلك الإدارة، وكذا الشأن في حالة عدم المطابقة حيث يلزم الشخص باحترام رخصة البناء أو هدم الأشغال الغير مطابقة .
غير أن تقاعس الإدارة عن متابعة بالإضافة لبطء إجراءات التقاضي كثيرا ما يجعل البناء يفرض كآمر واقع إذا رفعت الدعوى متأخرة للقضاء.
ويشار إلى أن المادة 77 قد رفعت العقوبة في حال العود إلى الحبس من شهر إلى 06 أشهر المؤرخ غير أن المادة 77 عامة شملت مختلف الجرائم دون تمييز و لذا جاء المرسوم التشريعي 94/07 المؤرخ في 18/05/1994 ليوضح غموض المادة 77 من القانون 90/29 ، غير أنه جاء بمادة وحيدة كذلك هي المادة 50 في هذا الصدد حيث ربطت الغرامة بطبيعة الأرض ، فتكون العقوبة غرامة تعادل 2500 دج إذا تم البناء دون رخصة على أرض تابعة للأملاك العمومية و 1500 دج إذا كان في أرض خاصة للغير أو من الأملاك الخاصة الوطنية و 1000 دج إذا تم تشييد البناية في ارض خاصة بدون الحصول على رخصة.
ويلاحظ أن هذه التفرقة من حيث طبيعة الأرض التي جاء بها الشرع لا مبرر لها طالما أن الانتهاك ينصب على عدم الحصول على رخصة البناء و هو واحد في مختلف الصور .
- كما أن المادة السابقة تكلمت عن فعل تشييد بناية بدون رخصة فقط ، و لم تتكلم عن الأفعال الأخرى كالبناء خارج حدود الرخصة أو عدم تجديد الرخصة بعد انقضاء أجلها ، و هذا يشكل إجحافا لأنه سيؤدي إلى نتيجة غير عادلة حيث يكون الشخص الذي تحصل على رخصة بناء ثم تجاوز حدودها أسوأ وضعا من ذلك الذي لم يستصدر الرخصة أصلا ، حيث يخضع الأول للأحكام العامة الواردة في المادة 77 من القانون 90/29 نظرا لعدم النص على هذا الفعل في المادة 50 من المرسوم 94/07 وحينها فإنه سيتابع تحت وصف جنحة و سيدفع غرامة مشددة و قد يتعرض للحبس إذا كان عائدا ، في حين أن الذي لم يستصدر رخصة فإنه سيتابع تحت وصف مخالفة و يعاقب بغرامة لا تتجاوز في آسوا الأحوال 2000 دج،و هذا ما يشجع عدم الاكتراث بالحصول على رخصة البناء و يؤدي إلى عدم فعاليتها في مراقبة البناءات، الأمـر الـذي يؤدي إلى فوضى وغياب تـام لـلذوق الجمالـي العمراني .
- في حين ان تطابق البناء مع الرخصة يقاس بمدى التجاوز فمإذا كان تجاوز معامل شغل الأرضية أقل من نسبة
10% كانت الغرامة 400 دج و إذا تجاوزت ذلك كانت 900 دج. في حين يغرم المخالف 900 دج عن كل مستوى في الارتفاع غير مرخص به و 300 دج عن كل متر يتجاوز الحد المرخص به .
- أما في حال الاستيلاء على ملكية الغير فيعاقب المخالف بغرامة قدرها 800 دج ، و فيها حالة تعديل الواجهة يعاقب بغرامة 500 دج ، أما لو تعلق الأمر بفتح منفذ فالغرامة تكون في حدود 700 دج.
- كذلك جرم المشروع فعل عدم القيام بإجراءات التصريح و الإشهار ، و يتم ذلك بوضع لافتة عند ورشة البناء تبيين جميع مراجع البناء طبقا للرخصة ، كما يتوجب إخطار رئيس المجلس الشعبي البلدي بفتح ورشة و كذا بإتمام الأشغال عند الإنجاز ، وفي حالة عدم القيام بهذه الإجراءات يعاقب المخالف بغرامة في حدود 200 دج عن كل مخالفة.
- و يتوجب الإشارة إلى أن هذه الغرامات تدفع للخزينة الولائية في أجل 30يوما من يوم تبليغ محضر المخالفة ، حيث يتم تبليغ المحضر في عين المكان لصاحب المشروع ، و في حال غيابه للمهندس المعماري أو المقاول أو إلى الشخص الذي يتولى تسيير الأشغال في الأيام السبع ( 07) الموالية لتاريخ معاينة المخالفة .
ويلاحظ أن قانون الغابات 84/12 المؤرخ في 23/07/1984 يعاقب في مادته 77 على البناء غير القانوني في الأملاك الغابية أو على مسافة أقل من 500 متر من محيطها بغرامة 1000 دج إلى 50.000 دج وفي حال العود يمكن الحكم على المخالف بعقوبة الحبس من شهر (01) إلى (06) أشهر، دون الإخلال بإلزامه بإعادة الأماكن إلى حالها الأصلي.
وبهذا يظهر أن الغرامات المقررة كعقوبة سواء في قانون التعمير أو في قانون الغابات غير كافية لتحقيق الردع ، وفي هذه النقطة بالذات يرى الأستاذ نصر الدين هنوني أن هذه العقوبات المقررة تكاد تكون بسيطة مقارنة بجسامة و خطورة الضرر، و عليه يجب (إعادة النظر) في هذه الجزاءات حتى يساهم الجانب الردعي في حماية العقار عامة .

المبحـث الثـانـي : الحلـول القانـونيـة و دور القـاضـي :

- حاولنا في المبحث الأول أن نحصر الأشكال التي يكون عليها البناء غير القانوني، و انتهينا في هذا إلى أن البناء غير قانوني إذا تم إنجازه بدون رخصة أساسا أو انه تم الحصول على رخصة و لكن تم تجاوز نطاقها فيما تشترطه قواعد التهيئة و التعمير. كما حاولنا في المبحث السابق أن نحصر أهم الأسباب التي تكون في نظرنا قد أدت لانتشار البناء الغير قانوني، والبناء الفوضوي حسب اللفظ الشائـع، أو على الأقل الأسباب التي ساهمت في ذلك. وفي هذا المبحث نحاول أن نقف على الحلول القانونية التي جاء بها المشرع لسد الباب في وجه هذا المشكل، كما نحاول أن نقدر مدى نجاعة هذه الحلول نظريا و عمليـا، قبل أن نصل إلى الدور المبتغى من القاضي أن يتولى القيام به تدعيما لكل تلك الحلول التشريعية.

المطلـب الأول : الحلـول القـانونيـة و تقـديـرهـا :

- لم يبقى المشرع الجزائري مكتوف اليدين إزاء انتشار البناء غير القانوني و توسعه، إنما سعى لاستدراك النقائص المحتملة في النصوص القانونية، بالإضافة لابتكار قواعد قانونية جديدة تواكب المشكلة، و هذا ما نقف عليه في هذا المطلب.

الفـرع الأول : قـوانيـن تسويـة الوضعيـة :

- في إطار الحلول التي جاء بها المشرع للقضاء على البناءات غير القانونية، هناك جملة من القوانين التي يمكن القول أنها جاءت لتسوية وضعية البناءات غير القانونية و محاولة تكييفها مع قواعد التهيئة و التعمير و إنقاذ ما يمكن إنقاذه. وفي هذا الإطار جاء الأمر رقم 85/01 المؤرخ في 13/01/1985 الذي يحدد بصفة انتقالية قواعد شغل الأرض قصد المحافظة عليها و حمايتها، وقد وافق المجلس الشعبي الوطني آنذاك على هذا القانون بموجب القانون
85/08 المؤرخ في 12/11/1985.
- و قد تضمن هذا القانون القواعد الأساسية التي تمثل ذلك الحد الأدنى من المعايير التي ينبغي الالتزام بها عند منح رخصة البناء ، من حيث وجوب ترك مسافة معينة على الطريق الرئيسي و مسافة معينة كذلك متروكة للطرق الفرعية ، مع حظر البناء تحت خطوط الكهرباء أو فوق منطقة تعبرها أنابيب غاز المدينة ذات الضغط المرتفع ، أو فوق شبكة الصرف الصحي. فهذه المبادئ الدنيا يتوجب مراعاتها في كل تجمع سكاني حتى يتسنى ربطه بمختلف الخدمات و الشبكات مع ترك منافذ و طرق لكل سكن. ويمكن القول أن هذا القانون كما يبدو من تسميته انه جاء بصفة انتقالية لتنظيم مجال السكن و العمران في انتظار إصدار قانون عام يخص التهيئة و التعمير.
- فهدف هذا القانون الذي ذكرناه هو حماية الملكية العقارية و التعمير و ذلك بمنع الأشخاص من إقامة بناءات كيفما كان نوعها أو شكلها أو موقعها ، إلا بعد حصولهم على رخصة بناء تسلمها لهم السلطة المختصة ، و لا يتم منح هذه الرخصة طبعا إلا إذا تبينت السلطة المختصة أن الحد الأدنى من شروط العمران قد احترمت و من جهة أخرى فإن هذا القانون ، كان يهدف أيضا إلى القضاء على البناء غيـر القانوني و ذلك بتسوية أوضاع الشاغلين لعقارات مبينة أو قطع أراضى معدة للبناء اشتروها بعقود مخالفة للقوانين أو حاوزها بطرق مخالفة للقوانين .
- و بموجب هذا القانون و لاسيما المادتين 13 و 14 منه شرعت الجهات الإدارية المختصة و هي البلديات و الولايات بتسوية أوضاع الذين يشغلون فعلا أراضى عمومية أو خاصة ، كانت محل عقود غير مطابقة للقواعد المعمول بها ، و إقرار حقوقهم في تملك ذلك العقار. و كذلك جعل البنايات المشيدة مطابقة للحد الأدنى من قواعد التعمير و مقاييس البناء ، بإدخال الإصلاحات عليها مثل الطرق و مجاري المياه و الكهرباء.
- وقد جاء المرسوم رقم 85/212 المؤرخ في 13/08/1985 ليحدد شروط تسوية أوضاع الذين يشغلون فعلا أراضي عمومية أو خاصة كانت محل عقود أو مباني غير مطابقة للقواعد المعمول بها ، و من البديهي أن التسوية في إطار هذا المرسوم تتم بناءا على مداولات الهيئات المختصة من مجالس بلدية و ولائية حسب الحالة يعقبها صدور قرارات بتسوية الوضعيات، تم تسليم العقود الإدارية مقابل دفع مبالغ بسيطة. و قد حدد المرسوم السابق ذكره، شروط و كيفيات إعداد العقد المتضمن بيع عقار في إطار تسوية البناءات غير القانونية حيث نصت المادة 12 منه:" يعد في إطار هذا المرسوم عقد الملكية حسب الشكل الإداري وتسلم رخصة البناء أو رخصة تجزئة الأرض للبناء مع عبارة تسوية الوضعية "
- و الجدير بالذكر أن العقود المنصبة على نقل الحقوق العينية العقارية و التي تكون مخالفة للقوانين المعمول بها مثل العقود العرفية التي لم تكتسب تاريخا تابعا قبل 01/01/1971 و التي يتم تصحيحها قضائيا قبل 05/03/1975 حيث تكون باطلة ، الأمر 85/01 المؤرخ في 13/08/1985 جاء بإجراءات تتمثل في حلول البلدية بقوة القانون محل أطراف صفقة نقل الملكية غير القانونية و هذا في ملكية العقار دون رد الثمن المدفوع ، و من غير دفع المصاريف و التعويضات كما نصت على ذلك المادة 13 من الأمر 85/01 بالقول: " أن كل نقل ملكية مخالف لأحكام المادتين 8 و 9 أعلاه ، و أي نقل ملكية يتم بما يخالف القوانين المعمول بها ينجر عنه بقوة القانون حلول البلدية محل أطراف صفقة النقل غير القانونية في حق الملكية " . ومن ثم تدمج هذه العقارات التي حلت البلدية في حق ملكيتها في الملك الخاص للبلدية بقوة القانون حسبما تنص عليه المادة 2 من نفس الأمر. و بعد دمج العقارات التي كانت محل عقود باطلة في الأملاك الوطنية التابعة للبلدية، تقوم هذه الأخيرة بإجراءات تثبيت الشاغلين الذين يشغلون فعلا هذه الأراضي التي أدمجت على هذا النحو، في حقوقهم الحيازية و السكنية، عن طريق التنازل لهم عنها بعوض أو بالتراضي، متى كانت المباني التي شيدوها أو اعتزموا تشيدها تتوفر فيها الشروط التي يتطلبها التنظيم الجاري به العمل .
- و يتعين على المالك الذي انتزع منه حق الملكية وفقا لأحكام هذا الأمر ان يدفع رسما قدره 50 % من قيمة العقار للخزينة العامة، و ذلك بقطع النظر عن الادعاءات التي أن يثيرها الغير ضد المالك الذي تصرف في العقار بطرق غير قانونية .
- وعلى ضوء هذا يمكن القول أن الأمر 85/01 و المرسوم 85/212 لم يأتيا بحل جذري لمشكل البناء غير القانوني بل حاولا فقط تكييف البناءات غير القانونية مع القانون في إطار تسوية الوضعية كاجراء مؤقت، و كحل وسط بين تطبيق القانون بحذافيره و بين سياسة الواقع التي فرضها وجود آلاف من البنايات غير القانونية عبر مختلف أنحاء الوطن، و مع ذلك فهي خطوة جريئة من المشرع كانت ستثمر اكثر لولا المنازعات التي ولدتها بين الشاغلين و الإدارة من جهة و بين المالكين و الإدارة من جهة أخرى و ذلك لسببين :

الأول : هو أن الإدارة تقاسعـت في إتمام إجراءات التسوية الإدارية و إدماج العقارات حسبما ينص عليه القانون في امتلاك البلدية و تسليم العقود للشاغلين في حينها ، و استمرت في تسليم العقود الإدارية بعد إلغاء هذا الآمر بموجب المادة 80 من القانون 90/29 المؤرخ في 01/12/1990 ، و دون أن توضح الإدارة الإجراءات التي سبقت تحرير العقد و تاريخ القيام بها ، مع وجود نوع من التقصير في الدفاع عن حقوقها أمام القضاء.

الثـانـي : أن البلديات قامت في المقابل بتسوية العديد من الملفات و سلمت عقود إدارية مشهرة أو موضوعة لدى مصلحة الشهر العقاري ، للشاغلين الذين اشتروا عقارات بعقود عرفية ، إلا أن بعض الجهات القضائية لم تراع الحجية المطلقة للعقود الإدارية المشهرة و أحكام المادتين 13 و14 من الأمر 85/01 و كذلك أحكام المادة 79 من القانون 90/29 التي تقضي بأن يستمر تطبيق أدوات التهيئة و التعمير المصادق عليها في إطار الإجراءات السابقة إلى تاريخ صدور هذا القانون عندما تكون أحكامها غير مخالفة لأحكام القانون 90/29 ، على أن يعمل في جميع الحالات على توفيقها معها بالتدريج . وهذا ما أدى على صدور أحكام تقضي بإبطال العقود الإدارية و إلزام المشترين بإخلاء العقارات و إعادة الأطراف إلى الحالة التي كانوا عليها من قبل دون مراعاة حجية العقود الإدارية التي حررت في إطار التسوية الإدارية، و بالرغم من انه يستحيل إعادة الأطراف إلى الحالة التي كانوا عليها من قبل باعتبار العقارات محل هذه العقود أصبحت ملك للدولة، و البائع في هذه الحالات مطالب بدفع رسم قدره 50% من قيمة العقار و تعويض المشتري في بعض الحالات و ليس العكس كما كانت تأتى به بعض الأحكام، فضلا على أن البائع أصبح غير مالك و ليس له صفة التقاضي. و حتى في حالة إنكار البيع أو بيع المشاع من الغير فيجب اتباع إجراءات إبطال العقد الإداري المشهر و إثبات ذلك بالطرق القانونية، قبل الفصل في دعوى إبطال العقد العرفي و استرجاع العقار و إخلائه لأنه لا يمكن إشهار الحكم المتعلق بنفس العقار المشهر بعقد إداري إلا بعد إلغاء هذا العقد و شطب شهره الأول
* هكذا و رغم كل شيء فإن الأمر 85/01 كان سيساهم على الأقل في تنظيم وضعية تلك البنايات المعتبرة في وضعية غير قانونية، لولا أن أجهضه تقاعس الإدارة و تضارب أحكام القضاء.

الفـرع الثـانـي : عـرض بـدائـل قـانـونيـة :

- الملاحظة أن أغلب البناءات غير القانونية أن تم نقل كلها كانت من اجل السكن فيها، و هذا ما دفع المشرع للتفكير في بدائل قانونية تكون بمثابة قنوات جديدة يمكن أن توجه لها الأفراد بدل البناء غير القانوني و في هذا الإطار جاءت القوانين التالية:

I- قـانـون التـرقيـة العقـاريـة :

- بتاريخ 04/03/1986 أصدر المشرع الجزائري القانون 86/07 المتعلق بالترقية و ضبط القواعد الخاصة بعملياتها، من الاكتتاب إلى شراء القطـع الأرضيــة بعقـد إداري و إنجـاز البنـأيـات و شروط التمويل و إعادة بيع السكنات المنجزة بعقود توثيقيـة للمشترين. وقد بينت المادة 02 من القانون سابق الذكر، أهداف الترقية العقارية الوطنية بتكييفها حسب الحاجات الاجتماعية في مجال السكن، و يتمثل في بناء عمارات أو مجموعات تستعمل في السكن أساسا و بصفة ثانوية على محلات ذات طابع مهني أو تجاري، تقام على ارض خاصة أو مقتنيات عادية أو مهنية واقعة ضمن الأنسجة الحضرية الموجودة في إطار إعادة الهيكلة و التجديد .
و يمكن أن تخصص العمارات أو المجموعات المبنية في هذا الإطار لسد الحاجات العائلية الذاتية أو للبيع أو للإيجار و قد أعقب هذا القانون صدور خمس مراسيم تنفيذية ابتداء من مرسوم 86/38 إلى مرسوم 86/42 .
وفي 01/03/1993 جاء المرسوم التشريعي 93/03 ليرفع احتكار الدولة في مجـال إنجاز السكـن و الاستفادة من قدرات القطاع الخاص للإسراع في وتيرة إنجاز المساكن الاجتماعية اللائقة بما يتلاءم و ضروريات العيش الكريم و يخفف من وطأة البناء غير القانوني.هذا المرسوم فتح للاستثمار في مجال الترقية العقارية و إنجاز مساكن مخصصة للبيع أو الإيجار، و لتسهيل هذه العملية تبنى فكرة البيع على التصاميم حسب المادتين 9 و 10 منه و نصت المادة 29 منه على إلغاء القانون 86/07 الذي بدا قاصرا عن مواكبة التطورات الحاصلة في ميدان السكن، مع استثناء الحقوق المكتسبة عن هذا الأخير و العمليات التي شرع فيها طبقا لأحكامه .
- و لاستغلال آلاف السكنات التي كانت مغلقة عبر أنحاء الوطن نتيجة تخوف الأشخاص من حق بقاء في الأمكنة التي كان للمستأجر أن يتمسك به وفق أحكام القانون المدني ، فإن المادة 20 من المرسوم التشريعي 93/03 ألغت جميع المواد المتعلقة بحق البقاء في الأمكنة المنصوص عليها في القانون المدني ، حيث لم يعد جائزا التمسك به عدا في تلك العقود المبرمة قبل صدور هذا المرسوم.

Ii. قـانـون التـوجيـه العقـاري :

- بمقتضى المادة 73 من القانون 90/25 المؤرخ في 18/11/1990 المتعلق بالتوجيه العقاري تم النص على هيئات خاصة ستتولى تسيير المحفظة العقارية لكل بلدية و تتولى القيام بجميع التصرفات لفائدة أشخاص القانون الخاص، في حين يظل للبلديات حق التصرف لأشخاص القانون العام فقط.
وقد تم بموجب المرسوم 90/405 المؤرخ 22/12/1990 تحديد قواعد أحداث الوكالات المحلية للتسيير و التنظيم العقاريين الحضريين، وتتم في 05/12/2003 تعديل المرسوم السابق و تتميمه بالمرسوم التنفيذي 03/408 و هكذا و بمقتضى هذه التعديلات يمكن القول أن المحفظة العقارية للبلديات أصبحت تخضع لتحكم أكبر و رقابة اكبر و ضمانات اكبر، في عدم تكرار ما وقع من فوضى و تصرفات غير قانونية في حق الاحتياطات العقارية البلدية بعد صدور القانون 74/26 المؤرخ 20/02/1974 المتعلق بالاحتياطات العقارية البلدية.

الفـرع الثـالـث : تشـديـد الـرقـابـة:

- نظرا لعدم كفاية وسائل الرقابة في ظل القانون 90/29 المؤرخ في 01/12/1990 اضطر المشرع للتدخل بموجب الأمر 94/07 في 18/05/1994 المتعلق بشروط الإنتاج المعماري و ممارسة مهنة المهندس المعماري، وهكذا من اجل خلق آليات جديدة للرقابة تدعم تلك التي كانت موجودة في ظل قانون التهيئة و التعمير 90/29
- فالمراقبة في ظل القانون 90/29 كانت من صلاحيات رئيس المجلس الشعبي البلدي و الوالي.
و الجمعيات التي يربط نشاطها بمجال التهيئة العمرانية وفقا لأحكام المادتين 73و 74 من القانون90/29 و كانت المادة 73 من ذات القانون قد أشارت إلى أعوان المحلفين المفوضين " بمعاينة المخالفات المرتكبة في مجال التعمير، و لكن عبارة الأعوان المحلفين جاءت غامضة و لم توضح طبيعة هؤلاء الأعوان و لا كيفية قيامهم بالمهام المنوطة بها، وقد أشرنا سابقا لهذه المسألة و انتهينا إلى ضعف وسائل الرقابة آنذاك .
- ولهذا جاء المرسوم التشريعي 94/07 المؤرخ في 18/05/1994 محاولا تفادي الثغرات القانونية التي تضمنها قانون التهيئة و التعمير ليجعل تدخل الإدارة أكثر فعالية و نجاعة في مراقبة الاحترام التام لقواعد التهيئة و التعمير ، كما انه دعم وسائل الرقابة بإنشاء شرطة خاصة بالعمران و أوضح بالتفصيل الأشخاص الذين يمكن أن تضفي عليهم صفة الضبطية القضائية لمعاينة كافة المخالفات المرتبطة بمجال التهيئة و التعمير.
- في ظل القانون 90/29 كان للإدارة أن تلجأ حال معاينتها لبناء دون رخصة أو مخالف للرخصة ، إلى قاضي الاستعجال من اجل الأمر بوقف الأشغال مؤقتا لكي يتسنى للإدارة رفع دعوى في الموضوع أمام القاضي الجزائي أو القاضي الإداري حسب الحالة ، و تطالب بهدم البناء الذي تم بدون رخصة أو الإلزام بمطابقة البناء مع الرخصة إذا كانت موجودة ، و يبقى للقاضي الجزائي إضافة لهذا توقيع الغرامات المقررة قانونيا طبقا لأحكام المواد 76، 77، 78 من القانون 90/29.
نشير كذلك إلى أن المتابعة في ظل القانون 90/29 كانت تتم بناء على شكوى من الإدارة ممثلة في رئيس المجلس البلدي المختص أو الوالي المختص، كما يمكن أن تتم على شكوى كل من له مصلحة بما في ذلك الجمعيات التي أدرجت ضمن أهدافها حماية البيئة و المحيط و التهيئة العمرانية. غير أن هذه الأحكام لم تطبق بالسرعة المطلوبة و بالصرامة المطلوبة كذلك من طرف الإدارة و القضاء معا، و كثيرا ما تتم فرض سياسة الأمر الواقع خاصة إذا رفعت الدعوى متأخرة للقضاء و كان البناء غير القانوني قد اكتمل إنجازه .
- لهذا السبب جاء المرسوم 94/07 المؤرخ في 18/05/1994 و ألغى أحكام المادتين 76 و 78 من القانون 90/29 بمقتضى المادة 59 منه ، و ركز على آن جميع المخالفات المرتبطة بقواعد البناء بمحاضر محررة من الأعوان المؤهلين ، تكون لها حجية فيما تم معاينته ماديا إلى أن يثبت العكس حسب نص المادة 51 من ذات المرسوم ، وهي ذات المادة التي رفعت الغموض عما ورد في النص 73 من القانون 90/29 بخصوص الأعوان المحلفين المفوضين لإجراء المعاينة و التحقيقات بشأن جميع الخروقات لقانون التهيئة و التعمير. حيث أوضحت المادة 51 من المرسوم 94/07 على أن المقصود بالأعوان المحلفين المفوضين زيادة على ضباط الشرطة و أعوانها المنصوص عليهم في القانون الإجراءات الجزائية: مفتشو التعمير، المهندسون المعماريون، المتصرفون الإداريون، و التقنيون السامون الذين هم في حالة خدمة لدى الإدارة المركزية بالوزارة المكلفة بالهندسة المعمارية و التعمير أو مصالح الهندسة المعمارية و التعمير بالولاية، حيث يكون لكل هؤلاء القيام بتقصي مخالفة أحكام قانون التهيئة و التعمير بعد أن يؤدوا اليمين القانون أمام المحكمة الموجودة في مقر إقامتهم الإدارية بالصيغة الواردة في ذات المادة.
- و قد صدر المرسوم التنفيذي 95/318 في 14/10/1995 ليحدد بكل دقة شروط تعيين الأعوان المؤهلين لتقصي مخالفات التشريع و التنظيم و معاينتها في مجال الهندسة المعمارية و التعمير ، و طبيعة المحاضر التي يتولون تحريرها وفقا للشكل التنظيمي المحدد بالنماذج الملحقة بالمرسوم و تشمل محضر معاينة المخالفة ، محضر الأمر بتحقيق المطابقة (محضر الأمر بتوقيف الأشغال، محضر معاينة استئناف الأشغال بعد الأمر بتوقيفها، شهادة التسديد و المطابقة) و هذا حسبما نصت عليه المادة 04 من المرسوم السابق.
- في حين أن المادة 02 من نفس المرسوم التنفيذي كانت قد حددت الأعوان المفوضين بتحرير هذه المحاضر و هم:
مفتشو التعمير عامة، مهندسو الدولة و المهندسون المعماريون الذين لهم خبرة سنتين (02) على الأقل في مجال التعمير، مهندسو التطبيق الذين لهم خبرة ثلاث (03) سنوات على الأقل، المتصرفون الإداريون الذين لهم خبرة (09) تسع سنوات على الأقل، التقنيون السامون الذين لهم خبرة أربع (04) سنوات على الأقل، التقنيون الذين لهم خبر خمس (05) سنوات على الأقل، و يعين هؤلاء كلهم من بين الموظفين العاملين في الإدارة المركزية بوزارة السكن و مصالحها غير المركزيـة. على أن الشروط الواجب توافرها في ضباط الشرطة القضائية و أعوانها بالمفهوم المعروف تقليديا في قانون الإجراءات الجزئية تبقى خاضعة لهذا الاخير في المواد: 15 و ما يليها منه. و اتبع المرسوم 95/318 مرسوم تنفيذي اخر في 15/01/1997 تحت رقم 67/36 لتدعيم الرقابة.
- و وفقا للإجراءات الجديدة التي جاء بها المرسوم التشريعي 94/07 فإن إثبات المخالفة يتم في البداية بواسطة محضر معاينة الذي يحرر من طرف العون المؤهل لذلك كما أشرنا سابقا و تحدد في المحضر الغرامة المالية التي يتوجب دفعها من طرف المخالف (خزينة الولاية في أجل 30 يوما من تاريخ تبليغ المحضر و إلا تعرض المخالف للمتابعة الجزئية على ان تبليغ المحضر يكون في عين المكان لصاحب المشروع ، و في حالة غيابه يكون التبليغ للمهندس المعماري القائم متابعة المشروع أو للمقاول او للشخص الذي يتولى تسيير الأشغال في أجل 07 أيام الموالية لمعاينة المخالفة .
- و بناءا على محضر المعاينة يتم تحرير محضر الأمر بتحقيق المطابقة مع الأحكام التشريعية و التنظيمية و قفا لما تم معاينته في محضر المعاينة ، و يترك للمخالف مهلة تتراوح بين يومين (02) إلى خمسة عشرة (15) يوما حسب خطورة المخالفة المرتكبة ليقوم بالمطابقة.
- في حالة رفض المخالف لتحقيق المطابقة في الآجال المنوه بها في محضر الأمر بتحقيق المطابقة فإن العون المؤهل يتولى تحرير محضر الأمر بتوقيف الأشغال و يبلغه إلى الوالي و رئيس المجلس الشعبي البلدي و مدير التعمير. ويقوم رئيس المجلس الشعبي البلدي بعهد تبلغيه بالمحضر الأخير بإخطار الجهة القضائية المختصة حسب الطرق الاستعجالية من اجل تثبيت أمر وقف الأشغال و تحقيق مطابقة البنايات لرخصة البناء أو هدم البناء حسبما تتطلبه الحالة.
و يبلغ أمر تثبيت وقف الأشغال إلى المخالف في أجل أقصاه سبعة(07) أيام
- و في حالة استمرار المخالف في الأشغال رغم تبلغيه بأمر تثبيت وقف الأشغال فإنه يتم تحرير محضر معاينة استئناف الأشغال بعد الأمر بتوقيفها ، و يبلغ إلى الوالي و رئيس مجلس الشعبي البلدي و مدير التعمير بالولاية ، و عندها يمكن للسلطة الإدارية المختصة و يقصد بها في هذه الحال رئيس المجلس الشعبي البلدي أ ن يقوم بهدم القسم من الأشغال المرتبط بموضوع الأمر بالتوقيف دون حاجة للجوء إلى القضاء إعمالا لنص المادة 53 من المرسوم التشريعي 94/07 ، و يكون الهدم بتكليف من يقوم بذلك على نفقة المخالف.
- أما إذا التزم المخالف في الحالة العكسية بتسديد الغرامة المالية المقدرة في محضر المعاينة منذ البداية وفي الآجال القانونية و قام بمطابقة الأماكن في الآجال الممنوحة له فإنه يستلم شهادة تثبيت قيامه بذلك تسمى شهادة تسديد و تحقيق المطابقة ، و عندها يسمح له بمواصلة الأشغال حسبما جاء في رخصة البناء
- وهكذا نلاحظ أن المرسوم 94/07 قد أتاح للإدارة التنفيذ المباشر للهدم في الحالة المنصوص عليها في المادة 53 من المرسوم94/07 و هذا شيء إيجابي يعطي السرعة المطلوبة في مكافحة البناءات غير القانونية و يتجاوز مشكل البطء في قرار الهدم في ظل القانون 90/29 ، لكن هذا الإجراء الجديد يبدو قاصرا رغم ذلك لأنه لا يتيح للإدارة اللجوء إلى الهدم التلقائي للبناء المخالف لقواعد التعمير إلا بعد تثبيت معاينة المخالفة و الأمر بتثبيت وقف الأشغال من طرف قاضي الاستعجال ، أو في حالة التعدي على جزء من الأملاك الوطنية العمومية ، لان الإدارة تملك صلاحيات الضبطية الإدارية في مجال المحافظة عليها و حمايتها حسبما جاء في قرار المجلس الدولة مؤرخ في 03/05/1999 تحت رقم 164638
- ورغم أن المرسوم 94/07 حاول اختصار الوقت من اجل تنفيذ عملية الهدم حتى لا يصطدم قرار الهدم لاحقا بالأمر الواقع بعد إتمام إنجاز البناء ، إلا أن الإجراءات المنصوص عليها في المادة 52 من المرسوم التشريعي 94/07 التي يتوجب مراعاتها و تحرير محاضر بشأنها تعتبر في حد ذاتها إجراءات بطيئة و تتطلب وقتا ، ذلك أنه بعملية حسابية بسيطة لجميع الفترات التي يمكن أن تمنح كأجل للمطابقة بالإضافة لآجال تبليغ كل محضر من محضر المعاينة إلى محضر الأمر بتوقيف الأشغال. نجد أن هذه الفترات قد تستغرق في مجملها ما بين الشهر إلى 45 يوما كمتوسط، و هي بذلك مدة طويلة إذا أخذنا بعين الاعتبار الطرق و الكيفيات السريعة التي يتم بها إنشاء بنايات غير قانونية بل و السكن فيها أيضا، و لهذا يرى البعض أن المادة 52 من المرسوم التشريعي 94/07 تعتبر إجراءا يعرقل سياسة الدولة في مكافحة البناءات الفوضوية.
- يبقى الشيء الإيجابي في مرسوم 94/07 انه دعم وسائل الرقابة بإنشائه لشرطة مختصة في مجال العمران تساهم عن طريق المحاضر التي تحررها في بسط الرقابة الإدارية في مجال العمران بشكل استباقي كما إنها تكرس الرقابة البعدية التي كانت مقتصرة على شهادة المطابقة فقط في ظل القانون 90/29 .
- و قد جاء المرسوم التنفيذي 06/55 في 30/01/2006 و ألغي بمقتضى المادة 20 منه أحكام المرسوم التنفيذي 95/318 المؤرخ في 14/10/1995 الذي كان يحدد شروط تعيين الأعوان المؤهلين لتقصي المخالفات المتعلقة بالقانون التهيئة و التعمير . المرسوم التنفيذي الجديد 06/55 حصر المحاضر التي تحرر بشأن مخالفة قواعد التهيئة و التعمير في ثلاث أصناف فقط: محضر أشغال بدون رخصة، محضر أشغال غير مطابقة لأحكام رخصة البناء و محضر أشغال بدون رخصة هدم . و قد الزم المرسوم التنفيذي الأخير رئيس المجلس الشعبي البلدي و كذا الأعوان المؤهلين قانونا بزيارة كل البنايات في طور الإنجاز و القيام بكافة المعاينات التي يرونها ضرورية و طلب الوثائق التقنية الخاصة بها لمعرفة مدى تطابقها مع القانون، ويكون لهم القيام بمثل هذه الزيارات في أي وقت ، ليلا أو نهارا و حتى أثناء أيام الراحة و العطل حسبما تنص على ذلك المادة 08 من المرسوم التنفيذي الجديد 06/55 و يمكن أن يتم الإعلان عن الزيارة مسبقا كما يمكن أن تتم بصورة مفاجئة .
- و يلاحظ أن المرسوم التنفيذي الجديد 06/55 قد عدل في قائمة الأشخاص الذين يمكن لهم الاضطلاع بمهام الضبطية في إطار قانون التهيئة و التعمير ، حيث نزع صفة الضبطية عن المتصرفين الإداريين و منحها للمهندسين في الهندسة المدنية و الأعوان بمصلحة التعمير على مستوى البلدية شرط توافرهم على فترة خبرة دنيا على الأقل كم توضح ذلك أحكام المادة رقم (02) من ذات المرسوم . و يمكن حسب نص المادة 12 من المرسوم ذاته لهؤلاء الأعوان تسخير القوة العمومية في حالة عرقلة مهامهم. وعلى أن رئيس المجلس الشعبي البلدي يجب عليه أن يكون مرفوقا بأعوان مؤهلين قانونيا أثناء قيامه بالمراقبة حسب المادة 07 من نفس المرسوم دائما .
- و وفقا للمادتين 17 و 18 من المرسوم 06/55 فقد حاول المشرع تقليص الآجال ، حيث ألزم العون المؤهل عند تحريره محضر معاينة أشغال شرع فيها بدون رخصة أن يرسل نسخة إلى الوالي و رئيس المجلس الشعبي البلدي في أجل لا يتعدى 72 ساعة و نسخة لوكيل الجمهورية في نفس الآجال إذا تعلق الأمر بعدم مطابقة الأشغال لأحكام الرخصة الممنوحة يتولى كل في حدود اختصاصه متابعة القضية .
- في 05/01/1999 جاء القانون 99/01 المتعلق بقواعد الفندقة الذي خول الأعوان السياحة و مفتشيها صفة الضبطية القضائية في مراقبة مدى الالتزام بقواعد البناء الخاصة بالفنادق و تحرير محاضر بشأن المخالفات المحتملة. وفي 17/02/2003 جاء القانون 03/03 الذي يحدد مناطق التوسع السياحي و وسع صفة الضبطية القضائية إلى أعوان حماية البيئة لمعاينة المخالفات المرتكبة على مستوى الشريط الساحلي و خاصة ما يتعلق منها بالبناء غير المرخص. وتجد الإشارة إلى أن المادة 51 من القانون 99/ 01 كانت قد خولت لوزير السياحة إصدار قرار بالتوقيف الفوري للأشغال المخالفة للقانون في حالة الاستعجال لتفادي فرض الأمر الواقع و إشعار قاضي الاستعجال بذلك خلال 48 ساعة و هذا شيء إيجابي .
- في حين أن القانون 03/02 المؤرخ في 17/02/2003 كذلك قد جاء ليحدد القواعد العامة للاستعمال و الاستغلال السياحيين للشواطئ حيث لا تتم ذلك إلا برخصة من الوالي أو الوزير المكلف بالسياحة حسب الحالة ، على أن تكون هذه الرخصة مرتبطة بدفتر شروط يتوجب احترام شروطه حرفيا ، و تسهر شرطة السياحة في هذا الصدد على التأكد من ذلك ، و هذا كله لمحاربة استغلال الشواطئ أو شغل أماكن منها بطريقة غير قانونية .
- بقي أن نسجل أخيرا (أن القانون) قد دعم وسائل الرقابة لاسيما البعدية منها و منح صفة الضبطية القضائية لعدة أصناف من الأعوان بغرض تكريس قواعد التهيئة و التعمير ميدانيا.

الفـرع الـرابـع : تعـديـل قـانـون التـهيئـة و التعميــر:

- رغم الحلول القانونية التي جاء بها المشرع للقضاء على البناء غير القانوني أو التقليل منه على الأقل إلا أن زلزال 21 ماي 2003 قد أظهر محدودية تلك الوسائل ، مما جعل المشرع يتدخل من جديد ليعدل أحكام القانون 90/29 و المرسوم 94/07 بموجب 04/05 المؤرخ في 15/08/2004 ، و هذا لفرض قواعد أكثر فعالية .
- و من أهم التعديلات التي تتصل مباشرة بموضوع بحثنا ، من حيث الإجراءات الكفيلة بمكافحة البناء غير القانوني ، نسجل في التعديل الأخير 04/05 انه قد ألغى تلك الأحكام التي جاء بها المرسوم 94/07 و تم إدراج مضمونها بعد تعديله بما يتلائم و المستجدات في مواد التعديل الجديد لقانون التهيئة و التعمير.
- و هكذا فقط شددت المادة 76 من القانون 04/05 على منع الشروع في أي أشغال بناء بدون رخصة أو بدون احترام المخططات البيانية التي سمحت بالحصول على رخصة البناء. أما في مجال المراقبة و معاينة المخالفات المرتبطة بالقانون الجديد فقد أصبغ التعديل الجديد صفة الضبطية القضائية على أعوان البلدية المكلفين بالتعمير في المادة 76 مكرر منه و أتاح للأعوان المؤهلين بتقصي المخالفات أن يستعينوا بالقوة العمومية إذا اعترض سبيل تنفيذ مهامهم أي طارئ و أكد هذا المرسوم 06/55 المؤرخ في 30/01/2006.
- الشيء الجديد في التعديل كذلك انه حدد بدقة في المادة 76 مكرر 3 منه كيفية معاينة المخالفات المرتكبة و ما يجب أن يتضمنه المحضر بدقة و توقيعه من طرف العون المؤهل لذلك قانونا و الشخص المخالف و يكون هذا المحضر صحيحا إلى أن يثبت العكس حتى إذا رفض المخالف توقيعه بموجب تحقيق قضائي.
- و لتفادي كافة الثغرات القانونية السابقة ، فقد تم النص صراحة على هدم كل بناء يتم تشييده أو الشروع في بناءه بدون رخصة ، و يتم الهدم في هذه الحالات دون حاجة للجوء إلى القضاء ، و حتى إذا رفعت الدعوى فإنها لا تؤثر على سير عملية الهدم و لا توقف قرار الهدم الذي يصدر عن رئيس المجلس الشعبي البلدي أو الوالي حسب الحالة وفقا لأحكام المادة 76 مكرر 4 من القانون 04/05 .
- من الناحية الإجرائية يكون على العون المؤهل قانونا الذي يعاين أثناء قيامه بالمراقبة الدورية إنجاز أو الشروع في إنجاز البناء بدون رخصة ، أن يرسل المحضر إلى رئيس المجلس الشعبي البلدي و الوالي المختص في أجل 72 ساعة على أقصى تقدير.
- وفضلا عن المتابعة الجزائية في هذا الصدد ، يصدر رئيس المجلس الشعبي البلدي قرار هدم البناء في اجل (08) ثمانية أيام من يوم استلام المحضر إثبات مخالفة البناء بدون رخصة . و إذا حدث و أن تقاعس رئيس المجلس الشعبي البلدي في إصدار قرار الهدم في الآجال المحددة له قانونا ، فإن الوالي المختص يحل محله بعد انقضاء مهلة الثمانية أيام السابق ذكرها ، ويكون للوالي عندها أن يصدر قرار الهدم في أجل لا يتعدى ثلاثون (30) يوما.
- أما بخصوص تنفيذ عملية الهدم فإنها من حيث المبدأ تتم بوسائل البلدية ، و إذا كانت و سائلها غير كافية فإنه تتم عملية الهدم بواسطة الوسائل المسخرة من الوالي بناءا على طلب رئيس المجلس الشعبي البلدي. وقد نصت المادة 76 مكرر 4 من القانون 04/05 ان تكاليف الهدم يتحملها المخالف في كل الأحوال و تكون على نفقته، و بهذا يكون لرئيس المجلس الشعبي البلدي أن يحصل تلك المبالغ المترتبة عن عملية الهدم بكل الطرق القانونية المتاحة .
- و قد ميز التعديل الأخير بين إجراءات المتبعة في حال البناء بدون رخصة أين يتم الهدم مباشرة من طرف الإدارة دون حاجة للجوء إلى القضاء ، وحال عدم مطابقة البناء المنجز برخصة البناء أين يتوجب اتباع بعض الإجراءات. ففي حال البناء بدون رخصة نجد القانون لا يعترف بالمخالف بأية حقوق و يتم الهدم على نفقته على أساس انه لا يمكن أن تنشأ أي حقوق مكتسبة للمخالف خارج قواعد و أدوات التعمير. أما في حالة تجاوز حدود الرخصة فقد اشترط المشرع اتباع بعض الإجراءات، و هذا يفيد أن المشرع قد اعترف للمخالف بتجاوز الرخصة ببعض الحقوق الواجب مراعاتها ، و هذا أمر منطقي فلا يعقل أن يكون الشخص الذي تحصل على رخصة بناء بطريقة قانونية ثم خالف بعض أو كل أحكامها ، في مركز أسوأ من ذلك الذي لم يتحصل على رخصة البناء بتاتا .
- و عله فإن المادة 76 مكرر من القانون 04/05 قد نصت على أن يحرر العون المؤهل قانونا محضر معاينة عن مخالفة عدم مطابقة الرخصة و يرسله إلى الجهة القضائية المختصة و يقصد بها الجهة القضائية الجزائية في هذا المقام ، كما يرسل نسخة عنه إلى كل من رئيس المجلس الشعبي البلدي و الوالي المختصين في أجل لا يتعدى 72 ساعة من معاينة المخالفة.
- و إذا صدرت الجهة القضائية حكمها و لم يتمثل له المخالف فإنه يكون لرئيس المجلس الشعبي البلدي أو الوالي عند تقاعس رئيس البلدية أن يقوم بشكل تلقائي بتنفيذ الأشغال المقررة في الحكم على نفقة المخالف .
- و هكذا يلاحظ التعديل 04/05 المؤرخ في 14/08/2004 المتعلق بالتهيئة و التعمير قد جاء بإجراءات صارمة لتغطية جميع الثغرات التي كانت تستغل في تشييد بنايات مخالفة لقواعد التعمير، و قد حاول هذا التعديل تكريس آليات أكثر فعالية و تدعيم الرقابة البعدية من أجل تفادي سياسة أمر الواقع ، و هي مجملها إجراءات جريئة و إيجابية ، و يبقى أن ينتظر فعاليتها في ميدان التطبيق ، ذلك أن الميدان التطبيقي هو المحك الحقيقي لنجاعة أي إجراء جديد.
- و لا يفوتنا أن نسجل في هذا السياق صدور القانون 06/06 المؤرخ في 20/02/2006 المتضمن القانون التوجيهي للمدينة الذي جاء لضبط قواعد إنشاء مدن جديدة و تم في إنشاء هيئات خاصة مثل المرصد الوطني للمدينة الذي يتولى إعداد تقارير استشارية و توجيهية لتطوير المدينة ، على أن تشكل هيئات خاصة في كل مدينة جديدة ( سيدي عبد الله ، بوينان، بوغزول، حاسي مسعود) تتولى الإشراف على عمليات تهيئة الأراضي و بيعها و منح رخص البناء من اجل الأحكام في النسق العمراني العام للمدينة .
- و رغم أن هذا النص الأخير لم يأت بصفة خاصة للقضاء على البناء غير القانوني فإنه يحمل في طياته توجيهات تساعد على توحيد الجهود من اجل سد الطريق أمام ظاهرة البناء غير القانوني حيث تنص المادة 06 من هذا القانون على أن سياسة المدينة تهدف إلى تقليص الفوارق بين الأحياء و ترقية التماسك الاجتماعي، و تهدف في المجال الحضري و الثقافي في حسب نص المادة 09 منه إلى المحافظة على الأراضي الفلاحية و المناطق الساحلية و المناطق المحمية. في حين تؤكد المادة 17 منه على وجوب إشراك المواطنين في البرنامج المتعلقة بتسيير إطارهم المعيشي، و تسهر الدولة على توفير الشروط و الآليات الكفيلة بالاشتراك الفعلي للمواطن في البرنامج و الأنشطة المتعلقة بسياسة المدينة.
- هكذا نلاحظ أن القانون التوجيهي للمدينة قد جاء بعدة أفكار قد تساهم بطريقة أو بأخرى في تنظيم المدينة و الحد من البناء غير القانوني ، و تبقى الحاجة لمراسيم تنفيذية تكفل تنفيذ هذه الأفكار بشكل ملموس.

المطلـب الثـانــي : دور القاضـي ضمـن الحلـول القـانـونيـة :

* يمكن النظر إلى دور القاضي في أي حل قانوني من زاويتين:

أ‌) مـن وجهـة نظـر عامـة :

- نقصد بها تلك النظرة لتعامل القاضي مع المادة القانونية بصرف النظر عن موضوعها. و من هذه الزاوية نجد أن القاضي يحاول فهم القاعدة القانونية و حدود تطبيقها، كما يجتهد في الاستعانة بالمبادئ المستقر عليها لتفسير النصوص الغامضة و سد الثغرات القانونية المحتمل و جودها نتيجة قصور النصوص القانونية.

ب‌) مـن زاويـة خـاصـة :

- ننظر من خلالها للحيز المتروك للقاضي ليعمل فيه سلطته التقديرية بخصوص النزاعات التي تعرض عليه و ترتبط أساسا بموضوع هذا البحث ، أي بمخالفات قواعد التهيئة و التعمير.
و قبل هذا كله وجب التساؤل، من هو القاضي المختص الذي نتحدث عنه ، و ما هي حدود اختصاصه؟ و إجابة عن هذا السؤال نقول أن القضاة الذين يمكن أن يتدخلوا بحكم اختصاصهم في المنازعات المرتبطة بالمخالفات المرتكبة خرقا لقواعد التهيئة و التعمير : القاضي الجزائي ، القاضي العــادي (المدني) و القاضي الإداري .و سنتناول دور كل منهم تباعا في فرع مستقبل .

الفـرع الأول : دور القـاضـي الجـزائـي :

- بقي دور القاضي الجزائي في المخالفات المرتبطة بقانون التهيئة و التعمير يتراوح بين المد و الجزر، حيث كان يتسع أحيانا و يضيق أحيانا وهذا وفقا للتعديلات المختلفة التي تعاقبت لتنظيم مجال التعمير:

I- في ظل القانون 82/02 المؤرخ في 06/02/1982 المتعلق برخصة البناء و رخصة التجزئة :

- ينعقد اختصاص القاضي الجزائي عموما بالنظر في الجريمة و توقيع العقاب بناءا على محضر معاينة المخالفة. إذا نظرنا لتدخل القاضي الجزائي من حيث الكم في هذه الفترة فيمكن القول أنه كان قليلا مقارنة بالفترات اللاحقة له، ذلك أن المادة 47 من القانون 82/02 كانت تقصر صلاحيات معاينة المخالفات على أعوان الأمن العمومي و موظفي مصالح الدولة و المجموعات المحلية المحلفين و المفوضين لهذا الغرض. و من خلال التمعن في هذه الأصناف يتبين أنها لا تملك الكفأة التقنية لمعاينة المخالفات، كما أن رخصة البناء لم تكن مشترطة في المراكز الحضرية فان سكوت الإدارة لمدة 60 يوما عن الطلب يعد قبولا ضمنيا منها.
- لهذا فإن دور القاضي في ظل هذا القانون كان يتمثل في توقيع الجزاء في حال مواصلة أشغال غير مطابقة للرخصة رغم صدور قرار بمنع ذلك من رئيس المجلس الشعبي البلدي و عن طريق حكم قضائي حيث كان يحكم على المخالف بغرامة 3000 دج إلى 300.000 دج و بالحبس من خمسة عشرة يوما إلى ثلاثة أشهر أو بإحدى هاتين العقوبتين . و يعاقب على البناء بدون رخصة بنفس الغرامة دون الحبس و بهذا يبقى نص المادة 52 من هذا القانون متناقضا مع نص المادة 51 منه، حيث يعاقب على عدم المطابقة بالغرامة و الحبس أو بإحداهما في حين يعاقب على البناء بدون رخصة بغرامة فقط حتى لو كانت في وقتها ذات قيمة على أنه قد يوقع على العائدين في حال البناء بدون رخصة عقوبة الحبس من شهر إلى ستة أشهر إضافة للغرامة السابق ذكرها.
- و الملاحظ أن رئيس المجلس الشعبي البلدي كان يملك كافة الصلاحيات لتقدير ملائمة المتابعة ، فله أن يأمر بإيقاف الأشغال أو الأمر بإجراء تحفظي و له أن يرسل الملف للنيابة للمتابعة.
إلا أنه إذا تمت المتابعة فيمكن للقاضي الجزائي وفق للمادة 53 من القانون أعلاه، أن يأمر بمطابقة المكان أو الأشغال مع رخصة البناء، أو الأمر بهدم البنايات و إعادة تخصيص الأرض قصد إرجاعها إلى حالها الأول. كما يملك القاضي الجزائي إذا تعلقت المتابعة بعدم المطابقة لرخصة التجزئة أو رخصة البناء وفقا للمادة 55 من القانون 82/02 أن يمنح مهلة يقدرها حسب حجم المخالفة ليقوم المخالف فيها بمطابقة الأشغال مع وضعه تحت طائلة غرامة ( سماها النص تلجئة) من 50 دج إلى 500 دج عن كل يوم تأخير بعد المهلة الممنوحة إلى أن يستكمل الأشغال نهائيا.
- و يكون للقاضي الجزائي بعد انتهاء الأشغال أن يرخص بان يعاد للمخالف مقدار من غرامة التأخير التي دفعها إذا أثبت المخالف أن ظروفا خارجية عن إرادته منعته من إتمام الأشغال في المهلة الممنوحة له و لذا يظهر أن صلاحيات القاضي الجزائي من حيث النوعية كانت واسعة في ظل القانون 82/02 .

Ii- في ظل القانون 90/29 المؤرخ في 01/12/1990 المتعلق بالتهيئة و التعمير :

- أجازت المادة 78 من القانون 90/29 للقاضي الجزائي في حالة الإدانة أن يحكم بهدم البناء غير القانوني أو أعادت المواقع إلى ما كانت عليه أو هدم الأشغال غير المطابقة أو إلزام المحكوم عليه باحترام رخصة البناء.
- و يتصل القاضي الجزائي بالدعوى في هذه الحالة إثر متابعة عن طريق شكوى من الإدارة أو من كل ممن له مصلحة بما في ذلك الجمعيات التي أدرجت ضمن أهدافها حماية البيئة و العمران ، حيث يكون لها حق الإدعاء المدني. و هكذا يلاحظ أن دور القاضي الجزائي بقي واسعا و لكنه تقلص مقارنة بما كان عليه في القانون 82/02 حيث كان القاضي أن يمنح مهلة تحت طائلة غرامات تحسب عن كل يوم تأخير و يكون له أن يقدر جدية السبب الذي يدفع به للمخالفة لتبرير تأخره في استكمال أشغال المطابقة في المهلة التي منحها له.

Iii- في ظـل القانـون 94/07 المـؤرخ في 18/05/1994 المتعلـق بشـروط الإنتـاج المعمـاري و ممارسـة مهنـة المهنـدس المعمـاري :

- يمكن القول أن دور القضاء عموما تراجع في ظل القانون على حساب الصلاحيات التي منحت للإدارة في المقابل و بهذا بقي دور القاضي الجزائي مقتصرا على توقيع غرامات مالية فقط بعد أن حذفت العقوبات السالبة للحرية، كما أن المتابعة القضائية قلت على الأقل من الناحية النظرية ، كون المخالف أصبح ملزما بدفع الغرامة المحددة في المحضر لدى الخزينة الولائية في اجل 30 يوما مباشرة و دون حاجة للجوء إلى القضاء إلا في حالة امتناعه عن التسديد وفقا لنص المادة 50 ، 53 من القانون 94/07 .
- في ظل القانون 04/05 المؤرخ في 14/08/2005 المتعلق بالتهيئة و العمران:iv

- منح المشرع من جديد القاضي الجزائي أن يأمر بمطابقة البناء للرخصة في اجل معين، أو الأمر بهدمه جزئيا أو كليا بما يحقق مطابقة البناء مع تضمنته رخصة البناء ، بينما لا يكون للقاضي الجزائي في حال البناء دون رخصة إلا توقيع الجزاء لان الإدارة تتولى القيام بالهدم على نفقة المخالف دون اللجؤ للقضاء .
- بينما تتم المتابعة ةفقا للقواعد العامة من طرف النيابة العامة او من أي جهة مخولة قانونا عن طريق الإدعاء المدني.

الفـرع الثـانـي : دور القـاضـي العـادي (المـدنــي):

- في البداية نقول أننا نقصد بالقاضي المدني قاضي الشريعة العامة وفق مفهوم التقليدي المعروف منذ عهد الرومان و ليس القاضي المدني المترأس للفرع، فالقاضي المدني هو القاضي الذي يتولى الفصل في الشؤون المتصلة بالقانون الخاص بغض النظر عن التقسيم الإداري المتبع حاليا بين الفروع في الحكم بغية تسهيل العمل، و هذا هو القاضي الذي نحاول أن نقف على دوره في مكافحة البناء غير القانوني.
- يعرف القاضي المدني منذ القديم بأنه قاضي الملكية نظرا للدور الجوهري الذي كانت ولا تزال تحتله الملكية العقارية خاصة في مختلف النواحي الاجتماعية و التنموية وغيرها، و لا أدل على ذلك من أن القانون المدني ما يزال يضعها في صلب مواضيعه، و قد أفرد القانون المدني الجزائري لها الكتاب الثالث بأكمله من القانون المدني.

* و في هذا الصدد إلـى نقول أن الدعوى التي تحمي الملكية في القانون المدني ثلاث:

1/ دعــوى الاستـحقــاق :
- و ترفع الدعوى من طرف المالك للمطالبة بملكيته التي تكون تحت يد الغير الذي ينازعه فيه . و يطالب بموجب هذه الدعوى بتثبيت ملكيته ملكيته على العقار محل المطالبة القضائية، و هي دعوى لا تسقط أبدا بالتقادم .

2/ دعـوى منـع التعـرض للملكيــة :
- وترفع في حالة تعرض الغير للمالك و حرمانه من ممارسة سلطاته الثلاث كمالك ( سلطة استعمال، سلطة استغلال، سلطة تصرف ) على ملكيته. كمحاولة منع المالك في حرث أرضه أو استعمالها أو البناء عليها.

3/ دعـوى وقـف الأعمـال علـى الملكيـة :
- و هي ترفع في حال تهديد الملكية، بمعنى الشروع في أعمال من شأنها حرمان المالك من ملكيته. كقيام شخص أجنبي بتشجير و غرس أرض دون إذن من صاحبها أو قيامه بتشييد مباني أو منشأت عليها دون ترخيص له بذلك من المالك
* كما أن القانون المدني يحمي حتى الحيازة القانونية بعدة دعاوي هي:
1/ دعـوى استـرداد الحيـازة :
- ترفع هذه الدعوى لاسترداد الحيازة من الغير الذي استولى عليها بالقوة أو في غفلة من الحائز القانوني على أنه يجب أن ترفع هذه الدعوى في اجل سنة من تاريخ فقد الحيازة أو من تاريخ العلم بذلك حسب الحالة.

2/ دعـوى منـع التعـرض للحيـازة :
- ترفع هذه الدعوى من الحائز لعقار المدة سنة على الأقل حيازة قانونية إذا نازعه الغير في حيازته.

3/ دعـوى وقـف الأعمـال الجـديـدة :
- ترفع من الحائز لعقار لمدة سنة على الأقل ضد الغير الذي يقوم بأعمال مادية تهدد الحائز في التمتع بحيازته .
على إن دعاوى الحيازة كلها يتوجب رفعها في أجل سنة وفقا للمادة 817 مدني و ما يليها، كون لا يجوز الجمع بين دعوى الملكية و دعوى الحيازة في نفس الدعوى طبقا لأحكام المادتين 416 ، 418 من قانون الإجراءات المدنية .
و يكون من نافل القول أن الذي يحوز عقار ولديه شهادة حيازة مسلمة من رئيس المجلس الشعبي البلدي طبقا للمادة 39 من القانون 90/25 المؤرخ في 18/11/1990 المتعلق بالتوجيه العقاري و المرسوم 91/254 المؤرخ في 27/06/1991 الذي يحدد كيفيات إعداد شهادة الحيازة و تسليمها، يملك كافة الحقوق على العقار الذي يحوزه مثل المالك و يكون له أن يحصل على رخصة بناء و أن يرد أي اعتداء على العقار الذي يحوزه باللجوء للقضاء .
أمام كل هذا الذي قلناه نربط الأمر بموضوع بحثنا، ونقول أن القاضي المدني ينعقد اختصاصه في جانب من الجوانب المتصلة بقانون التهيئة و التعمير و ذلك عندما يكون النزاع بين أشخاص القانون الخاص على أساس تجاوز أحدهم في البناء لحدود الرخصة الممنوحة له و الاعتداء بهذا على الملكية أو الحيازة القانونية لجاره حسب الحالة.
و يكون في كل الأحوال لقاضي الأمور المستعجلة ( العادي) أن يأمر بوقف الأشغال مؤقتا إذا لاحظ أن الأمر لا يمكن تداركه لاحقا إذا تواصلت الأشغال، و هذا بناءا على محضر إثبات حالة يحرره المحضر القضائي. و يكون كذلك لمن له شهادة حيازة أن يلجا لقاضي الاستعجال لوقف الأعمال التي تهدد حيازته و هذا وفقا لأحكام المواد 172 ، 173 و من 183 إلى 190 من قانون الإجراءات المدنية.
على انه لا يكون للحائز بدون سند أن يلجا لقاضي الاستعجال، و إذا لجأ لقاضي الاستعجال فإن هذا الأخير يكون غير مختص بالفصل فيها لان دعاوى الحيازة تتطلب الدخول في الموضوع للبحث عن صفة واضع اليد، و عناصر الحيازة و شروطها و مدتها و هي جميعا مسائل موضوعية يؤدي الخوض فيها حتما إلى المساس بأصل الحق .
- و نظرا لهذا الدور المحوري للقاضي المدني في حماية الملكية فهو لم تتغير بتغيير النصوص القانونية المتصلة بمجال التهيئة و التعمير ، مع الإشارة إلى أن الإدارة تملك صنف الضبطية الإدارية في مجال المحافظة على الأملاك الوطنية العمومية و بالتالي يجوز لها هدم البنايات المخالفة للقانون دون اللجوء للقضاء.
- أما بخصوص قاضي الموضوع المدني فإنه ينظر للنزاعات المرتبطة بالبناء غير القانوني الذي يتم على ارض خاصة مملوكة لغير المخالف أو البناء الذي يتجاوز الرخصة الممنوحة ولا يطابقها و يتعدى على ملكية الغير و هذا بناءا على أحكام المواد من 778 إلى 790 من القانون المدني.


الفــرع الثـالــث: دور القـاضـي الإداري:

- سبق و أن عرفنا رخصة البناء و على أنها" قرار إداري تصدره جهات إدارية مختصة..." و بما أنها عبارة عن قرار إداري يكون من الطبيعي أن أي نزاع يتصل برفض منح الرخصة ، أو منحها بطرق مخالفة للقانون أو معاينة الإدارة لمخالفة الرخصة و ما شابه ذلك ، يكون نزاعا إداريا يختص به القاضي الإداري طبقا للقواعد العامة المعروفة حسب المادة 07 من قانون الإجراءات المدنية.

I - في ظل القانون 82/02 المؤرخ في 06/02/1982 المتعلق برخصة البناء و شهادة التجزئة :

- كان للمخالف وفقا للمادة 49 أن يلجا إلى الجهة القضائية المختصة لرفع دعوى استعجاليه و المطالبة بإلغاء قرار رئيس المجلس الشعبي البلدي بوقف الأشغال. وطبعا الجهة المختصة قضائيا تكون هنا القاضي الاستعجالي الإداري لأن البلدية كشخص إداري هي مصدر القرار و هي بذلك الخصم في القضية. وكان حينها للقاضي الإداري الاستعجالي تقدير استمرار الإجراءات المتخذة من قبل الإدارة أو الحكم بإلغائها، حيث يسقط مفعول قرار رئيس المجلي الشعبي البلدي فور صدور القرار القضائي حسبما تنص على ذلك المادة 50 من ذات القانون

- كما يجوز للإدارة أن تلجأ للقاضي الإداري في الموضوع وفقا للمادة 53 من نفس القانون في حالة عدم مطابقة الأشغال للرخصة و يكون القاضي الإداري حيينها أن يأمر بمطابقة المكان و الأشغال في مهلة يحددها ، و إما الأمر بهدم البنايات المخالفة و إعادة تخصيص الأرض قصد إرجاعها إلى حالها الأول.

Ii –في ظل القانون 90/29 المؤرخ في 01/12/1990 المتعلق بالتهيئة و التعمير:

- يكون لقاضي الإستعجال الإداري إذا رفعت له الدعـوى من الإدارة أن يحكم بهدم البناء إذا تم بدون رخصة طبقا لأحكام المادة 78 من القانون 90/29 أما في حالة عدم تطابق البناء مع الرخصة فيحق لرئيس المجلس الشعبي البلدي أو الوالي أن يرفع دعوى أمام قاضي الإستعجال الإداري للحصول على أمر بتوقيف البناء. و في حالة تأكد القاضي من عدم المطابقة يكون له أن يأمر المخالف بمطابقة المواقع لرخصة البناء و بمنحه مهلة لذلك، أو يأمر بهدم الأشغال غير المطابقة و إعادة المواقع إلى ما كانت عليه من قبل.
- و بمقارنـة بسيطة بين صلاحيات القاضي الإداري في ظل القانون 90/29 و القانون 82/02 نلاحظ أن صلاحيات القاضي الإداري بقيت واسعة.

Iii – في ظل القانون 94/07 المؤرخ في 18/05/1994 المتعلق بالمهندس و الإنتاج المعماري:

- تراجعت صلاحيات القاضي الإداري نوعا ما أمام تزايد صلاحيات الإدارة، حيث بقي لقاضي الإداري الاستعجالي حال اللجوء إليه أن يتحقق من احترام الإجراءات و الأشكال المطلوبة في كل محضر يحرره الأعوان المؤهلون ليقوم بتثبيت أمر توقيف الأشغال و الأمر بتحقيق مطالبة الأماكن أو البنايات لرخصة البناء أو الأمر بهدم البنايات المخالفة للقانون و إعادة تخصيص الأرضيات قصد إعادتها إلى حالتها الأولى.
غير أن القاضي الإداري فقد جزءا من صلاحياته بشأن حالات البناء بدون رخصة حيث أصبح للإدارة الحق في اللجوء إلى الهدم دون الحاجة إلى استصدار قرار من القاضي الإداري، إذ اللجوء إلى القاضي لا يكون إلا في حالة رفض مطابقة الأشغال المنجزة لرخصة البناء .
كما أن الإدارة تملك أن تقوم بهدم لتكليف من تقوم بذلك على نفقة المخالف إذا استمر في الأشغال رغم تبليغه بتثبيت أمر توقيف الأشغال، و ذلك دون حاجة للجوء للقضاء مجددا.

Iv – في ظل القانون 04/05 المؤرخ في 14/08/2004 المعدل لقانون التهيئة و التعمير:

- تقلصت صلاحيات القاضي الإداري بشكل كبير ذلك أن المادة 76 مكرر من القانون 04/05 أعطت للإدارة حق هدم إي بناء يتم دون رخصة دون اللجوء إلى القضاء و حتى إذا رفعت دعوى قضائية من طرف المخالف فإنها لا توقف قرار الهدم الذي يصدر عن رئيس المجلس الشعبي البلدي أو الوالـي، و بهذا لم يعد للقاضي الإداري بخصوص قرارات الهدم إلا النظر في التعويض إذ بداله لاحقا عدم مشروعية قرار الهدم، كما الجهة القضائية الجزائية هي التي أضحى لها الاختصاص الأصيل في النظر في إمكانية القيام بالمطابقة أو الأمر بالهدم الكلي أو الجزئي للبناء في حالة عدم المطابقة فقط.


























الخــــــــاتمــــة:

- بعد هذا البحث المتواضع يمكن القول أن موضوعا بحجم موضوع بحثنا يحتاج إلى دراسة متأنية و معمقة و أكثر شمولا للإلمام بمشكلة البناء غير القانوني من جميع جوانبها.ذلك أن النظر إلى مشكلة البناء غير القانوني من ناحية قانونية صرفة تبدو غير كافية لوحدها ما لم ترافقها وجهات نظر و دراسة للمشكلة من مختلف الزوايا.
لهذا وجب القول أننا حاولنا أن نلامس في بحثنا هذا أهم الأسباب القانونية التي ولدت مشكلة البناء الفوضوي، فإذا لم نتمكن من الوصول إلى حصر جميع الأسباب القانونية أو التعمق فيها فإننا نأمل على الأقل أن يستفز هذا البحث قرائح الباحثين للتعمق أكثر في دراسة الظاهرة.و رغم الاعتراف بأن محاولة الوقوف على أسباب البناء الفوضوي من ناحية قانونية فقط تبدو غير كافية، فإننا نستغرب أن موضوعا بحجم البناء الفوضوي لم يرحك ملكة البحث عند كثير من المفكرين.
إن الموضوع واسع و متشابك، و يتطلب تكاثف الجهود الفكرية و الإبداعية لدراسة من مختلف الجوانب و من هنا فإننا نأمل أن يتدارك الباحثون في مختلف التخصصات هذه المسألة، حتى يساهم الباحث في علم الاجتماع من جانبه،و يدلي الباحث في علم النفس بدلوه كذلك، و هكذا دواليك للباحث غي علم الاقتصاد و السياسة و غيرهما، ليتم الإلمام بأصول المشكلة من مختلف جوانبها و هكذا يسهل على الدولة في هذا المجال أعداد سياسات دقيقة و هادفة تمكن في الأخير من حصر المشكلة و القضاء على أسبابها، سيما و أن هذه المشكلة قد طال أمدها لعدة عقود من الزمن.
-كما تجدر الإشارة إلى تفاؤلنا بأن يؤدي التعديل الأخير لقانون التهيئة و التعمير 04/05 المؤرخ في 14/08/2004 إلى الحد من مشكلة البناء غير القانوني، و يبقى الأمر بحاجة لبعض الوقت لمعاينة مدى نجاعته في الميدان باعتبار هذا الأخير هو المحك الحقيقي لفعالية الأدوات القانونية.
على ضوء ما سبق ذكره و مساهمة منا في إثراء الموضوع نفضل أن نختم ذا البحث ببعض الاقتراحات التي بدالنا أنها ستدعم تلك الجهود المبذولة للقضاء على البناء الفوضوي، ومن هنا نذكـر:

1- الإسـراع بإتمـام عمليـة مسـح الأراضـي :

- تظهر أهمية الإسراع بعملية مسح الأراضي على مستوى التراب الوطني في أنها تؤدي عند إتمامها إلى تحديد الأصناف القانونية المختلفة للأراضي من أراضي أملاك وطنية إلــى أراضـي خاصـة و أراضي حبس، إضافة إلى تحديد حقوق الملكية تبعا لذلك حسب الطبيعة القانونية لكل أرض و الأهم من كل هذا أن لجان المسح سوف تدقق في السندات المقدمة لإثبات الملكية في كل أرض ثم تساهم بعد دراستها في تحديد مالك الأرض.
و ترتبط عملية المسح بمكافحة البناء غير القانوني ذلك أن تحديد الملاك سوف يدفع كل مالك بطبيعة الحال إلى استعمال كافة حقوقه القانونية للحفاظ على ملكيته من كافة أشكال التعدي سواء عن طريق دعاوى حماية الملكية المعروفة في القانون المدني لاسيما دعوى وفق الأعمال و دعوى منع التعرض وفقا للمواد 674 و ما يليها من القانون المدني، او عن طريق الشكوى أو الادعاء المدني في حال سلوك طريق الحماية الجزائية المقررة للملكية العقارية طبقا للمادة 386 من قانون العقوبات.
للأسف فإن عملية مسح الأراضي التي كان من المقرر لها تنطلق بمجرد الانتهاء من العمليات المشروع فيها برسم الثورة الزراعية حسب كل بلدية وفقا لما ينص عليه القانون 75/74 المؤرخ في 12/11/1975 المتعلق بإعداد المسح العام للأراضي و تأسيس السجل العقـاري ، قد عرفت تذبذبا و تأخيرا كبيرا في الانتهاء منها نظرا لظروف التي عاشتها البلاد بالإضافة إلى تكاليفهــا الباهضـة و عدم توفر القدر الكافي من المتخصصين في عملية و عدم توفر القدر الكافي من المتخصصين في عملية المسح و أسباب أخرى. لهذا فإنه بعد أكثر من عشرين سنة بعد إصدار الأمر 75/74 فغن عملية المسح قد شملت أكثر من 500 بلدية من مجموع 1541 بلدية على مستوى الوطن و لكن بصفة غير مكتملة .
و حسب تقرير أعده المجلس الوطني الاقتصادي و الاجتماعي سنة 1998 بخصوص إشكالية العقار الفلاحي في الجزائر فإن مسح الأراضي يتطلب حسب المصالح المختصة 15 سنة أخرى للانتهاء منه بإنجاز ما يعادل 30.000 مخطط خاص بالأراضي الفلاحية فقط التي تم تغطيتها بنسبة 40% حتى تاريخ صدور هذا التقرير.
و حتى سنة 2000 وصل عددا للبلديات الممسوحة إلى 761 بلدية كما ذكرنا سابقا، إلا أن الدفاتر العقارية تأخر تسليمها في غالب البلديات و لم تسلم سوى في 334 بلدية بسبب عدم متابعة الأشغال من قبل البلديات و المحافظات العقارية حسب الأمين العام للنقابة الوطنية لمسح الأراضي .
بعد سنة 2000 عرفت عملية المسح انطلاقة جديدة بفصل الراحة المالية للميزانية العامة و تم لأول مرة الاستعانة بالوكالة القضائية الجزائرية للإسراع في إتمام العملية و هذا باستعمال صور القمر الصناعي الجزائري ألسات1. الذي دخل الخدمة لتقديم صور أفضل للأرض تقلل من تكاليف المسـح، و في هذه النقطة بالذات فإنه يمكن الاستعانة بالصور الجوية عبر القمر الصناعي إذا كانت بالدقة المطلوبة لمراقبة التوسع العمراني للمدينة و حصر بؤر البناءات غير القانونية.

2- ترسيـخ قـواعـد الشهـر العيـنـي :

- يعرف الشهر العقاري بأنه نظام قانوني له مجموعة من القواعد و الإجراءات التي يضمن بها حق الملكية العقارية و الحقوق العينية الأخرى و جميع العلميات القانونية الواردة على العقارات. و يعتمد النظام على نوعين أقرهما المشرع الجزائري.

أ‌- نظـام الشهـر الشخصـي:
- يعتمد في إعلان التصرفات على أسماء الأشخاص القائمين بها، و يتم ذلك حسب سجل يمسكه المحافظ العقاري وفق الترتيب الأبجدي و سجل آخر يمسك على أساسا الترتيب الزمني لتقديم التصرفات المراد شهرها، فهو يعتمد على أسماء الأشخاص و ليس المـادة 27 من الأمـر 75/74 و المواد 113 114 من المرسوم التنفيذي 76/63 المؤرخ في 25/03/1976 و لكن ذلك لا يمنع أن تتبع بعض الإجراءات الصارمة في هذا النظام و منها قاعدة الرسمية و قاعدة الأثر النسبي للشهر .

ب‌- نظـام الشهـر العيـنـي:
- يرتكز شهر التصرفات فيه على العين ذاتها أي العقار محل التصرف و لهذا تخصص لكل عقار بطاقة عقارية تحدد فيها بيانات العقار و حدوده بدقة و يدون فيها كافة التصرفات التي وردت على هذا العقار و الملاك الذين تداولوا عليها. هذا النظام يتطلب مرافقته بعملية المسح الشامل للأراضي و في ظل تأخر عملية المسح فإن نظام الشهر العقاري الحالي للجزائر يزاوج بين الشهر الشخصي و الشهر العيني حيث يمسك المحافظ العقاري بطاقات عينية للعقار الموجود في أراضي ممسوحة و سجلين خاصين بالشهر الشخصي كما ذكرنا سابقا إضافة لبطاقة تحمل اسم المالك للعقار وفق هذا النظام الأخير. و يفترض أن يكون للشهر العيني في الأراضي الممسوحة قوة ثبوتية مطلقة لأنه يخضع لتحريات دقيقة حول كل الوثائق المثبتة للملكية،و من ثم يكون الشهر العيني حجة على الكافة.
إلا أنه و بالرجوع لنظام الشهر العيني المتبع في الجزائر فإن الأمر محل نظر، ذلك أن البعض يرى أنه نظام شهر عيني بأتم معنى الكلمة ، في حين يرى اتجاه آخر عكس ذلك حيث يفترض في نظام الشهر العيني أن يتولى مهمة الشهر قاض يتولى البحث في توافر شروط العقد و له أن يرفض شهر العقد المعيب، أما إذا قام شهر العقد فإن هذا العقد يتحصـن قبل كل الدعاوى لاحقا و هذا ما هو متبع ألمانيـا و سويسرا. كما أن نظام الشهر العيني لا يعترف بالتقادم المكسب فلو كان للعقار عقد مشهر فلا يمكن مهما طالت مدة وضع اليد عليه إكتسابه و بإسقاط ما قلناه على نظام الشهر العيني الجزائري نجد أن القائم بعملية الشهر في الجزائر هو موظف إداري ( المحافظ العقاري ) كما أن المادة 397 مدني جزائري تنص على أن بيع الغير يكون قابلا للإبطال حتى و لو تم إعلان البيع و قد قصد المشرع بالإعلان في هذه المادة الشهر ، و من ثم يتجلى لنا أن المشرع الجزائري لا يعطي للشهر حجية مطلقة مما يؤكد أن هذا النظام أقرب للشهر الشخصي منه إلى الشهر العيني. بالإضافة إلى الجدل القائم بين القضاة بشأن إمكانية التمسك بالتقادم المكسب استنادا للمادة 827 مدني في مواجهة المالك بعقد مشهر؟ ففي حين درجت الغرفة المدنية بالمحكمة العليا على الاستناد للمادة 827 مدني للاعتراف بالتقادم المكسب حتى في حال وجود عقد مشهر فإن الغرفة الإدارية ذهبت عكس ذلك في قراراتها. لذا يفصل أن تستقر المحكمة العليا بغرفها المجتمعة على رأي واحد حتى لا تبقى قرارات الغرف متناقصة و يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود.
الذي يهمنا في كل هذا أنه لو تم العمل على تكريس الشهر العيني بالشكل المفترض قانونا ساهم إلى حد بعيد في القضاء على المعاملات العرفية التي ساهمت بشكل غير مباشر كما ذكرنا في إذكاء مشكلة البناء الفوضوي.

Iii – تقليص آجال منح الرخص و تبسيط إجراءاتها:

- ما زالت الآجال المقررة لمنح رخصة البناء أو رخصة المطابقة و باقي الرخص و الشهادات طويلة نسبيا حيث تتراوح على العموم في حدود شهرين من يوم الطلب وفقا للقانون 04/05. على أن سكوت الإدارة عن طلب منح رخصة البناء خلال الأجل المتروك لها لدراسة الملف و اتخاذ القرار أصبح بعد تعديل 04/05 المتعلق بالتهيئة والتعمير يعتبر بمثابة رفض ضمني و عندها يتوجب اتباع طريق القضاء الإداري للطعن في القرار الضمني للبلدية برفض منح رخصة البناء.
و من هنا يتجلى طول الوقت الذي سيستغرقه تسلم الرخصة لو سهت الإدارة عن دراسة الملف المرفق بطلب الرخصة في الأجل المحدد قانونا حيث سيكون على طالب الرخصة إتباع طريق القضاء الإداري مع ما ستستغرقه الإجراءات في هذه الحالة من زمن، و هذا في مجمله منطق لا يتماشى مع الحركية الاجتماعية و الاقتصادية، و لذا فالأفضل أن تدعم الإدارة بالوسائل المعلوماتية الحديثة حتى يتسنى لها دراسة طلبات الرخص المختلفة في آجال معقولة مع وجوب تخفيض الأجل المتروك لها إلى النصق أي في حدود شهر على أقصى تقدير.
و طبعا بتقليص آجال منح الرخص و الشهادات المتعلقة بالتعمير بالإضافة إلى تبسيط إجراءاتها بإتباع نظام الشباك الوحيد، و تقليص الوثائق المطلوب إرفاقها بطلب الرخصة إلى الوثائق الضرورية فقـط، و إخضاع هذه الوثائق بدورها لنظام موحد، فإن ذلك سيشجع الأفراد على طلب الرخص المطلوبة قانونا لمباشرة إنجاز البناء أو لمطابقته للمخططات البيانية و حدود الرخصة.



Iv – تدعيم عمل شرطة العمران :

- مراقبة تزايد البناءات الفوضوية تتطلب عملا جبارا و كما بشريا هاما للتمكن من ذلك، و رغم أن التعديلات التي شملت قوانين التهيئة والتعمير قد وسعت صفة الضبطية القضائية إلى عدة فئات لمعاينة المخالفات المرتكبة خرقا للقانون، فإن الحاجة تبقى قائمة لتدعيم شرطة العمران بعناصر أخرى. نقول هذا لأنه لا يمكن من الناحية الفعلية الاستفادة من الضبطية القضائية التقليدية المعروفة في قانون الإجراءات الجزائية في مراقبة تطور العمران نظرا لعدم التخصص من جهة و لانشغالها بمكافحة الإجرام المتزايد في باقي القضايا الأخرى.
لهذا نقترح أن يتم في هذا الإطار تفعيل لجان الحي باعتبارها الأقرب للحي و سكانه و خباياه، كما تعرف الوافدين الجدد عليه الذين يمكن أن يستغلوا غياب الرقابة في أي وقت لبناء بناءات غير قانونية و فرض سياسة الأمر الواقع.

و نسجل في هذا الإطار أن الشرطة البلدية المنشأة في إطار قانون البلدية الأول 67/24 المؤرخ في 18/01/1967 كانت تقوم بدور مهم في مجال الضبطية المتعلقة بالبناء و تعمل تحت إشراف رئيس المجلس الشعبي البلدي مباشرة وفق للمادة 235 من القانون المذكور. و بعد تعديل قانون البلدية في 07/04/1990 بالقانون 90/08 فقد جاء المرسوم التنفيذي 93/207 المؤرخ في 22/09/1993 ليرتقي بعمل الشرطة البلدية و ينظمها بشكل أفضل.
و بموجب المرسوم التنفيذي 96/265 المؤرخ في 03/08/1996 المتضمن إنشاء سلك الحرس البلدي، تم إلغاء المرسوم التنفيذي 93/207 السابق ذكره، و ورث الحرس البلدي مهام الشرطة الإدارية العامة و السهر على تطبيق القوانين و التنظيمات المتخذة في هذا المجال وفقا لما تنص عليه المادتين 4 و 5 من مرسوم إنشائه. و كان لهذا السلك الجديد أن يلعب دورا محوريا في مكافحة البناء غير القانوني نظرا لتشكيلته الفعلية من أبناء المنطقة التي تشكل فصائله على مستواها إضافة للإشراف المباشر لرئيس المجلس الشعبي البلدي عليه بما له من دور في مراقبة قواعد التعمير غير أن إنشغال سلم الحرس البلدي في فترة التسعينات بالمهام الأمنية بالدرجة الأولى إضافة لباقي القوى المسخرة في هذا المجال، قد أعاق قيامه بمهام الضبطية في مجال التعمير، لهذا نقترح بعد استتباب الأمن أن يتفرغ هذا السلك للقيام بمهام الضبطية في مجال التعمير، و ستكون له بدون شك فعالية في هذا الإطار.

V – تعديل أحكام القانون المدني :

- و نخص بالذكر في هذا الصدد المواد من 782 إلى 791 مدني على وجه الخصوص، ذلك أن هذه المواد أصبحت تتناقض مع التشدد الذي جاء به تعديل قانون التهيئة و التعمير 04/05. ففي الوقت الذي أصبح بمقدور الإدارة اللجوء لهدم البناء الذي تم دون رخصة مباشرة دون حاجة اللجوء إلى القضاء خاصة إذا تم هذا البناء على أرض من الأملاك الوطنية العمومية حيث تملك الإدارة صلاحيات الضبطية الإدارية في مجال المحافظة عليها و حمايتها ، فإن المواد التي أشرنا لها من القانون المدني تتساهل في التعامل مع البناء على أرض خاصة مملوكة لغير.
و إذا كانت مواد القانون المدني لا تركز على إن كان هذا البناء برخصته أو بدونها فإنها تركز على النية و كفى من حيث سوئها أو حسنها كما جاء في المادتين 784 و 785 مدني، و أكثر من هذا فإنها تقلص من سلطة المالك الحقيقي للأرض حيث تترك له الخيار في أجل سنة من يوم علمه بإقامة لبناء على أرضه و هو أجل قصير في أن يطلب إزالة البناء أو استبقاءه مقابل قيمة ما زاده اقتصاديا في الأرض من قيمة.
الشيء المستغرب أن المادة 785 مدني تؤكد على أنه في حال البناء على أرض مملوكة للغير بحسن نية فإنه لا يكون لصاحب الأرض أن يطلب إزالة البناء المنجز و يبقى له فقط أن يدفع إحدى القيمتين إما قيمة المواد المستعملة في الإنجاز إضافة لأجرة العمل أو يدفع مبلغا مساويا لما زاد في الأرض من قيمته بسبب هذا البناء.
فبالإضافة لصعوبة إثبات حسن النية في هذه الحالة فإن الفقرة الأخيرة من المادة 785 مدني تهدد ملكية المالك الأصلي، حيث لو أن المنشآت المنجزة على أرضه بلغت حدا من الأهمية أصبح معه تسديد قيمتها مرهقا لصاحب الأرض فإنه يجوز له أن يطلب تمليك الأرض لمن أقام المنشآت نظير تعويض عادل.
و هذا لعمري سيشجع على البناء على أرض الغير مهما كان التعويض العادل الذي سيحكم به للمالك الحقيقي طالما أن الذي قام ببناء المنشآت سيمتلك الأرض و المنشآت معا، و لهذا ينبغي إعادة النظر في أحكام هذه المواد بما يتماشى و التوجه العام في محاربة البناء غير القانوني.
































قـائمـة المـراجـع المعتمـدة فـي البحــث:

أولا المؤلفـــات:

1- الفاضل خمار: الجرائم الواقعة على العقار. دار هومة / بوزريعة /الجزائر: الطبعة الثانية لسنة 2006.
2- أ- حمدي باشا عمر: حماية الملكية العقارية الخاصة. دار هومة / بوزريعة /الجزائر: طبعة 2004.
3- المستشار عبد الحفيظ بن عبيدة: إثبات الملكية العقارية و الحقوق العينية العقارية (في التشريع الجزائري). دار هومة / بوزريعة /الجزائر: طبعة 2004
4- أ-عجة الجيلالي: أزمة العقار الفلاحي و مقترحات تسويتها – دار الخلدونية /القبة /الجزائر
5- أ- حمدي باشا عمر: عقود التبرعات. دار هومة / بوزريعة /الجزائر: طبعة 2004.
6- أ- حمدي باشا عمر– ليلى زروقي: المنازعات العقارية. دار هومة / بوزريعة /الجزائر: الطبعة الثانية لسنة 2006.
7- أ- حمدي باشا عمر: نقل الملكية العقارية. دار هومة / بوزريعة /الجزائر: طبعة 2004
8- أ- حمدي باشا عمر: القضاء العقاري. دار هومة / بوزريعة /الجزائر: الطبعة السادسة لسنة 006 .
9- أ-نصر الدين هنوني: الوسائل القانونية والمؤسساتية لحماية الغابات في الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية: الجزائر طبعة 2001.
10- أ- ليلى زروقي: التقنيات العقارية (العقار الفلاحي): ديوان الأشغال التربوية: الجزائر: طبعة 2001
11- أ-بوجردة مخلوف: العقار الصناعي: دار هومة / الجزائر: الطبعة الأولى لسنة 2006.
12- أ- حمدي باشا عمر: دراسات قانونية مختلفة. دار هومة / بوزريعة /الجزائر: طبعة 2006
13- أ- حمدي باشا عمر: مجمع النصوص التشريعية و التنظيمية المتعلقة بالعقار. دار هومة / بوزريعة /الجزائر: طبعة 2005.
14- المستشار قدور بشير: النظام القانوني للملكية العقارية في الجزائر: الديوان الوطني للأشغال التربوية / الجزائر: الطبعة الثانية لسنة 2004.

ثانيـــا : النصـوص القـانـونيـة:

1- القانون 98/04 المؤرخ في 05/06/1998 المتعلق بحماية التراث الثقافي.
2- القانون 02/02 المؤرخ في 05/02/2002 المتعلق بحماية الساحل و تنميته.
3- القانون 03/03 المؤرخ في 17/02/2003 المتعلق بمناطق التوسع السياحي
4- القانون 04/05 المؤرخ في 14/08/2004 المعدل و المتمم للقانون 90/29 المؤرخ في 01/12/1990 المتلق بالتهيئة والتعمير
5- المرسوم التنفيذي 06/03 المؤرخ في 07/01/2006 المتعلق بوثائق التعمير
6- القانون 06/06 المؤرخ في 20/02/2006 المتضمن القانون التوجيهي للمدينة
7- المرسوم التنفيذي 07/23 المؤرخ في 28/01/2007 المحدد لكيفيات إعادة بيع الأراضي الواقعة داخل مناطق التوسع السياحي أو منح حق الامتياز عليها.

ثالثـا : الـدراسـات و المحـاضـرات:

1- محاضرات الدكتورة سعاد بن جاب الله لطلبة المدرسة العليا للقضاء / في القانون العقاري لسنة 2005.
2- محاضرات المستشار سلايـم عبد الله لطلبة المدرسة العليا للقضاء بخصوص القانون المدنـي و قواعد الشهر لسنة 2005
3- محاضرات الأستاذة ليلىزروقي لطلبة المدرسة العليا للقضاء المتعلقة بالتهيئة والتعمير لسنة 2007.
4- محاضرات الأستاذ محمـد طرفاني لطلبة المدرسة العليا للقضاء بخصوص المواريث و عقود التبرعات لسنة 2007.