منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الإباضية في ميزان الشرع
عرض مشاركة واحدة
قديم 2008-10-06, 08:41   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
youcef47
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية youcef47
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

يقول الدرجيني[4]: (ثبت عندنا من طريق صحيح أن أبا بلال رحمه الله كان في المسجد الجامع فسمع زيادا يقول على المنبر: والله لآخذن المحسن منكم بالمسيء والحاضر بالغائب والصحيح بالسقيم. فقام رحمه الله فقال: قد سمعنا ما قلت ،وإنك تزعم أنك تأخذ المطيع بالعاصي وما هكذا ذكر الله إذ يقول (وإبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى)[5].
كان من نتيجة ذلك أن سُجن أبا بلال قبل أن يُقتل أخاه عروة ثم أُطلق سراحه وربما كان سبب ذلك خوفه من إثارة بني تميم التي كان لها آنذاك وزن كبير في البصرة. ولكن هذا العفو لم يشمل أتباعه فاستمر في مطاردتهم وملاحقتهم ولم يفرق بين الرجال والنساء فقد ذكر المؤرخون أنه أتى بامرأة من أصحاب أبي بلال اسمها البلجاء (أو البثجاء) كانت مجتهدة في العبادة وكانت تذكر تجبر ابن زياد وسوء سيرته فقال لها أبو بلال: إن هذا الجبار قد ذكرك فتغيبي. قالت: (أخشى أن يلقى أحد مكروها بسببي. فأخذها ابن زياد فقطع رجليها ويديها ثم رمى بها في السوق)[6].
واستمر ابن زياد في اضطهاد كل مخالفيه سواء كانوا من المحاربين أو من القعدة وكان يبث العيون والجواسيس لتعقبهم وملاحقتهم ثم حبسهم أو قتلهم. وتمشيا مع هذه السياسة اضطر أبو بلال وأصحابه إلى التخفي فكانوا يعقدون اجتماعاتهم سرا للنظر في أمورهم وقد ذكر الدرجيني أنهم كانوا يأتون إلى المجالس متشبهين بالنساء أحيانا ومنتحلين صفة الباعة المتجولين أحيانا أخرى.
كان من نتيجة الاضطهاد الذي مارسه عبيد الله بن زياد ضد المسلمين أثره الكبير في نفس أبي بلال فقرر أن يترك البصرة إلى مكان آخر أملا أن يأمن شر ابن زياد وأن يدعو إلى فكره في مكان آخر فقال لأصحابه: (إنه والله ما يسعنا المقام بين هؤلاء الظالمين تجري علينا أحكامهم مجانبين للفضل مفارقين للعدل. والله إن الصبر على هذا لعظيم، وإن تجريد السيف وإخافة السبيل لعظيم ولكننا ننتبذ عنهم ولا نجرد سيفا ولا نقاتل إلا من قاتلنا). فخرج من البصرة وهو يقول:

إني وزنت الذي يبقى ليعدله



ما ليس يبقى فلا والله ما اتزنا
من كان يرجو بقاء لا نفاد له



فلا يكن حبه الدنيا له شجــنا



تقوى الإله وخوف النار أخرجني




وبيع نفسي بما ليست له ثمنا




سار ومعه أربعون رجلا من أتباعه حتى نزلوا بآسك[7]، وقد أعلن أنه وأصحابه لن يخيفوا أحدا أو يجردوا سيفا ولا يقاتلوا إلا من بدأهم بالقتال. ولكن ابن زياد لم يرتض هذا العمل من أبي بلال فأرسل إليه جيشا مكونا من أربعة آلاف رجل بقيادة عباد ابن أخضر فقتلهم جميعا وكان ذلك في سنة 61 هجرية. وكان يقول قبل قتله:
ماذا نبالي إذا أرواحنا خرجــــت


ماذا فعـلتم بأجسـادي وأوصـالــي
نرجو الجنان إذا طارت جماجمنا

تحت العجاج كمثل الحنظل البالي
إني امرؤ باعني ربي لموعـــــــده

إذ القلوب هوت من خوف أوجالي[8]


كان لمقتل أبي بلال صدى عميق في نفوس أصحابه وآثار نقمة شديدة ضد ابن زياد فقد كان بسلوكه وعمله واستشهاده المثل الأعلى لأتباعه فرثاه كثير من الشعراء منهم عمران ابن حطان الذي قال فيه[9]:
يا عين ابكي لمرداس ومصرعــه


يا رب مرداس اجعلــني كمرداس
تركتني هائما أبكـي لمرزأتــــي

في منزل موحش من بعد إينـــاس
أنكرتُ بعدك ما قد كنت أعرفه

ما الناس بعدك يا مرداس بالناس

وقال أيضا:
لقد زاد الحيــاة إلي بغضـــــا

وحبــا للخـــروج أبو بـــــلال

أحاذر أن أموت على فراشــي

وأرجو الموت تحت ذرى العوالي
فمن يك همـه الدنيــا فإنــــي

لها والله رب العـــرش قـــــال

ولو أني علمت بأن حتــــــفي

كحتــف أبي بــلال لم أبـــال



[1] ابن الأثير: الكامل في التاريخ الجزء الثاني ص.517 ذكر أحداث سنة 59 هـ

[2] عوض خليفات: نشأة الحركة الإباضية ص. 65

[3] الأنساب للبلاذري - نقلا عن نشأة الحركة الإباضية لعوض خليفات

[4] [4] الدرجيني: طبقات المشايخ بالمغرب الجزء الثاني ص. 215
[5] سورة النجم آية

[6] ابن الأثير: الكامل في التاريخ الجزء الثاني ص.517 ذكر أحداث سنة 59 هـ

[7] آسك: بلد من نواحي الأهواز

[8] الحارثي: العقود الفضية في أصول الإباضية ص.117