روى القاضي عياض في الشفا (2/246) قال : (( وأجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر من المالكية ، وقاضي قضاتها أبو عمر المالكي ، على قتل الحلاج وصلبه لدعواه الإلهية والقول بالحلول ؛ وقوله : أنا الحق ، مع تمسكه في الظاهر بالشريعة ولم يقبلوا توبته . وكذلك حكموا في ابن أبي الغراقيد وكان على نحو مذهب الحلاج بعد هذا أيام الراضي بالله وقاضي قضاة بغداد يومئذ أبو الحسين بن أبي عمر المالكي )) . انتهى
ترجمة الذهبي للحلاج وذكر ما رواه ابن كثير من كراماته المفضوحة
وقد ترجم له الحافظ الذهبي فقال الحسين بن منصور الحلاج المقتول على الزندقة ما روى ولله الحمد شيئا من العلم وكان له بداية جيدة وتأله وتصوف ثم انسلخ من الدين وتعلم السحر وأراهم المخاريق وأباح العلماء دمه انتهى
ومن كرامات هذا الولي ما رواه ابن كثير في تاريخه بلفظ روى بعضهم قال كنت أسمع أن الحلاج له أحوال وكرامات فأحببت أن أختبر ذلك فجئته فسلمت عليه فقال تشتهي الساعة علي شيئا فقلت أشتهي سمكا طريا فدخل منزله فغاب ساعة ثم خرج علي ومعه سمكة تضطرب ورجلاه عليهما الطين فقال دعوت الله فأمرني أن آتي البطائح لآتيك بهذه السمكة فخضت الأهواز وهذا الطين منها فقلت إن شئت أدخلني منزلك ليقوي يقيني بذلك فإن ظهرت على شيء وإلا آمنت بك فقال ادخل فدخلت وأغلق علي الباب وجلس يراني فدرت البيت فلم أجد فيه منفذا إلى غيره فتحيرت في أمره ثم نظرت فإذا أنا بزير فكشفته فإذا فيه منفذ فدخلته فأفضى بي إلى بستان هائل فيه من سائر الثمار الجديدة والعتيقة وإذا أشياء كثيرة معدودة للأكل وإذا هناك بركة كبيرة فيها سمك كثير صغار وكبار فدخلتها وأخرجت منها واحدة فنال رجلي من الطين مثل الذي نال رجله فجئت إلى الباب فقلت افتح فقد آمنت بك فلما رآني على مثل حاله أسرع خلفي جريا يريد أن يقتلني فضربته بالسمكة في وجهه وقلت يا عدو الله أتعبتني في هذا اليوم
ولما خلصت منه لقيني بعد أيام فضاحكني وقال لا تفش ما رأيت لأحد أبعث إليك من يقتلك على فراشك قال فعرفت أنه يفعل إن أفشيت عليه فلم أحدث به أحدا حتى صلب انتهى ، من كتاب الصوارم الحداد القاطعة لعلائق أرباب الاتحاد لمحمد علي الشوكاني .
ثم اسمعوا ماذا يقول الحلاج وهو يشرح لنا عقيدة الحلول: "من هذب نفسه في الطاعة لا يزال يصفو ويرتقي في درجات المصفاة حتى يصفو عن البشرية فإذا لم يبق فيه من البشرية حظ حل فيه روح الإله الذي حل في عيسى ابن مريم وكان جميع فعله فعل الله تعالى"، وفي كتاب (النفحات القدسية) يقول محمد بهاء الدين البيطار أحد مشايخ الصوفية:
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا
وما الله إلا راهب في كنيسة
من كتاب الصوفية والوجه الآخر .
و هاهو المشعوذ الحلاج يمدح إبليس فيقول : (( و ما كان في أهل السماء موحد مثل إبليس )) الحلاج ، الطواسين ص42 . ثم يدافع عن فرعون بإصرار و يتخذه و إبليس أستاذين له قائلاً : (( فصاحبي و أستاذي إبليس و فرعون ، و إبليس هدد بالنار و ما رجع عن دعواه ، و فرعون أغرق في اليم و ما رجع عن دعواه ، و لم يقر بالواسطة البتة . و إن قتلت أو صلبت أو قطعت يداي و رجلاي ما رجعت عن دعواي )) المصدر السابق ص51-51 .. فهذا كلام لا يقبله عاقل ، و رغم هذا موجود في الكتب و قال به ناس . لهذا لا نقبل أي قول في الكتب أو غيرها إلا إذا كان عليه دليل معلوم ، فإن افتقر الكلام إلى الدليل لم يكن له وزن و لا اعتبار . و إن كان دليله ضعيفًا أو باطلاً أو مرجوحًا كان اعتباره بقدر دليله ، من كتاب المفصل في الرد على شبهات أعداء الإسلام لعلي بن نايف الشحود .
الحلاج (309هـ): هو الحسين بن منصور الحلاج, صوفي فيلسوف, تبرأ منه سائر الصوفية والعلماء لسوء سيرته ومروقه, وهو يدعي الحلول ومعناه حلول الإله فيه أي الله سبحانه وتعالى وتقدس عما يقول, واستمر الحلاج في نشر فكره الحلولي حتى استفحل امره فألقي القبض عليه لتتم مناظرته ومناقشته بحضره القضاة وبعد ان تيقن السلطان (المقتدر) امره امر بقتله ، من كتاب صور من الصوفية .
يعتبر الحلاج أول صوفي جاهر بعقيدة الحلول في أوساط الصوفية إذ كان يرى أن من هذب نفسه بالطاعة ، وصبر على اللذات والشهوات ارتقى إلى مقام المقربين ، ثم لا يزال يصفو ويرتقي في درجات المصافاة حتى يصفو عن البشرية ، فإذا لم يبق فيه حظ من البشرية حل فيه الإله الذي حل في عيسى ابن مريم ، ولم يرد حينئذ شيئا إلا كانا كما أراد ، وكان جميع فعله فعل الله وقد ادعى الحلاج أن روح الله حلت فيه كما حلت في الأنبياء من قبل- حسب زعمه - وكلامه في ذلك واضح في أشعاره ، وكتبه التي خلفها .
وفي ذلك يقول :
أنا من أهوى ومن أهوى أنا ... نحن روحان حللنا بدنا
فإذا أبصرتني أبصرته ... وإذا أبصرته أبصرتنا
ويقول :
مزجت روحك في روحي كما ... تمزج الخمرة في الماء الزلال
فإذا مسك شيء مسني ... فإذا أنت أنا في كل حال
وهو القائل :
سبحان من أظهر ناسوته ... سر سنا لاهوته الثاقب
ثم بدا في خلقه ظاهرا ... في صورة الآكل والشارب
حتى لقد عاينه خلقه ... كلمحة الحاجب بالحاجب
ويقول :
أنا أنت بلا شك ... فسبحانك سبحاني
فتوحيدك توحيدي ... وعصيانك عصياني
ويتمادى الحلاج في كفره حين يقول :
كفرت بدين الله والكفر واجب ... لدي وعند المسلمين قبيح
ويقول :
إذا بلغ الصب الكمال من الهوى ... وغاب عن المذكور في سطوة الذكر
فيشهد صدقا حيث أشهده الهوى ... بأن صلاة العاشقين من الكفر
ويقول :
ألا أبلغ أحبائي بأني ... ركبت البحر وانكسر السفينة
على دين الصليب يكون موتي ... فلا البطحا أريد ولا المدينة
هذه نبذ من شعره توضح اعتقاده بالحلول وتصرح بكفره الذي أقر به على نفسه ، بل اعتقد أن الكفر بدين الإسلام واجب عليه . فلا عجب بعد ذلك إذا ادعى الألوهية قائلا :
أنا الحق والحق للحق ... لابس ذاته فما ثم فرق
وكان يكتب إلى أتباعه واصفا نفسه بالألوهية ، ويستتر بين العامة بالتصوف . ومع ادعائه للألوهية كان يتكلم على طريقة فلاسفة الصوفية عن بدء العالم وكيف خلقه الله ، من كتاب محبة الرسول بين الاتباع والابتداع لعبد الرءوف محمد عثمان .
يرى الحلاج أن للنبي صلى الله عليه وسلم صورتين مختلفتين :
(أ) صورته نورا أزليا قديما كان قبل أن يوجد العالم ومنه استمد كل علم وعرفان حيث أمد الأنبياء السابقين عليه والأولياء اللاحقين به .
(ب) ثم صورته نبيا مرسلا وكائنا محدثا تعين وجوده في مكان وزمان محدودين والنبي المرسل صلى الله عليه وسلم إنما صدر في رسالته عن ذاك النور الأزلي القديم يقول الحلاج في كتابه الطواسين :
( " طس " سراج من نور الغيب بدأ وعاد ، وجاوز السراج وساد . قمر تجلى بين الأقمار . برجه في فلك الأسرار . . . ما أخبر إلا عن بصيرته ، ولا أمر بسنته إلا عن حق سيرته ، حضر فأحضر ، وأبصر فخبر . . . أنوار النبوة من نوره برزت ، وأنوارهم من نوره ظهرت ، وليس في الأنوار نور أنور وأظهر وأقدم سوى نور صاحب الكرم . . . همته سبقت الهمم ، ووجوده سبق العدم ، واسمه سبق القلم لأنه كان قبل الأمم ، ما كان في الآفاق وراء الآفاق ودون الآفاق . أظرف وأشرف وأعرف وأنصف وأرأف وأخوف وأعطف من صاحب هذه القضية وهو سيد البرية ، الذي اسمه أحمد ، ونعته أوحد ، وأمره أوكد ، وذاته أوجد ، وصفته أمجد ، وهمته أفرد ، يا عجبا ما أظهره وأنظره وأكبره وأشهره وأقدره وأبصره ، لم يزل ، كان مشهورا قبل الحوادث والكوائن والأكوان ، ولم يزل ، كان مذكورا قبل القبل وبعد البعد . . هو الدليل وهو المدلول . . . بالحق موصول غير مفصول ، ولا خارج عن المعقول . . . العلوم كلها قطرة من بحره . . . والأزمان كلها ساعة من دهره ، الحق وبه الحقيقة ، هو الأول في الوصلة ، وهو الآخر في النبوة ، والباطن بالحقيقة ، والظاهر بالمعرفة . . . الحق ما أسلمه إلى خلقه ، لأنه هو وإني هو ، وهو هو 000) فهذا النص يدور حول النور المحمدي وأنه هو المصدر الذي استمد منه الأنبياء والرسل قبله ، والأولياء من بعده هذا النور . ويؤكد الحلاج في هذا النص على قدم وجود النبي صلى الله عليه وسلم وأسبقيته على وجود الكون . فيقول : " همته سبقت الهمم ووجوده سبق العدم واسمه سبق القلم لأنه كان قبل الأمم " .
وبناء على ذلك نراه ينكر الوحي ويزعم أن الرسول جاء بالرسالة من ذاته وأخبر بها عن بصيرته . ويتمشى هذا منطقيا مع قوله بقدم النور المحمدي وأنه هو مصدر الوحي والإله أم لجميع الأنبياء والأولياء ، ثم مع مذهبه في الحلول الذي يرى بأن الإله حل في آدم ثم الأنبياء من بعده . فلا حاجة مع ذلك إلى الوحي . وبذلك يكون الحلاج بمذهبه هذا قد حاول أن يصل بشخصية الرسول صلى الله عليه وسلم عن طريق الغلو إلى ما وصلت إليه النصرانية بالغلو في عيسى إذ جعلوه الكلمة الإلهية الأزلية الحالة في الناسوت فقالوا عنه إنه ابن الله ، من كتاب محبة الرسول بين الاتباع والابتداع لعبد الرءوف محمد عثمان .
مقتل الحلاج:
ومنهم الحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير الدمشقي الشافعي, وقال: "هؤلاء كلهم يقتفون في مسالكهم هذه طريقة الحسين بن الحلاج الذي أجمع الفقهاء في زمانه على كفره وقتله، قاله الإمام أبو بكر المازري الفقيه المالكي" قلت: وما قاله القاضي عياض كما تقدم نقله عنه في مقدمة هذا الكتاب. والله الموفق.
قال: "وقد بسطت سيرته في التاريخ بعد الثلاثمائة، وذكرت صفة قتله، واجتماع الكلمة على تكفيره من العلماء والصوفية العباد، سوى ابن عطاء وابن خفيف، حتى أنشدهما بعضهم من شعره قائلا: ما تقولان في قول بعض الشعراء:
سبحان من أظهرنا شوته3 ... سر سنا لاهوته الثاقب
ثم بدا في خلقه ظاهرا ... في صورة الآكل والشارب
حتى لقد عاينه خلقه ... كلحظة1 الحاجب بالحاجب
فقالا: هذا شعر الزنادقة2، فقال: هذا شعر الحسين بن منصور الحلاج، فلعنا الحلاج، ورجعا عنه" ا. هـ.
رأي الذهبي:
وممن صرح بكفره، وأحسن في بيان أمره حافظ عصره شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، فقال في كتابه تاريخ الإسلام بعد خط الحافظ سيف الدين ابن المجد علي الحريري المتصوف: "فكيف لو رأى الشيخ كلام ابن عربي الذي هو محض الكفر والزندقة، لقال: هذا الدجال المنتظر، ولكن كان ابن العربي3 منقطعا عن الناس، إنما يجتمع به آحاد الاتحادية4، ولا يصرح بأمره لكل أحد، ولم تشتهر كتبه إلا بعد موته، ولهذا تمادى أمره، فلما كان على رأس السبعمائة جدد الله لهذه [الأمة] دينها بهتكه وفضيحته، ودار بين العلماء كتابه الفصوص، وقد خط عليه الشيخ القدوة الصالح إبراهيم بن معضاد الجعبري فيما حدثني به شيخنا ابن تيمية عن التاج [52] البارنباري أنه سمع الشيخ إبراهيم يذكر ابن عربي: كان يقول بقدم العالم، ولا يحرم فرجا، وحكى عنه ابن تيمية أنه قال لما اجتمع5 بابن عربي، رأيت شيخا نجسا يكذب بكل كتاب أنزله الله، وبكل نبي أرسله الله6" ، من كتاب مصرع التصوف وهو كتابان : تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي ، وتحذير العباد من أهل العناد ببدعة الاتحاد ، المؤلف : إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي (المتوفى : 885هـ) ، ملاحظة : أخي قلم رصاص لم أنقل الهوامش لكثرتها .
هذه عينة مما جاء في كتب العلماء عن الحلاج .