منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الزواج العرفي
الموضوع: الزواج العرفي
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-02-05, 16:00   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










افتراضي اضافة

أ – إثبات النسب بالزواج الصحيح :
إن الولد يمكن أن ينسب إلى والده من الزواج الصحيح متى كان الزواج شرعيا ومتى أمكن الإتصال بين الزوجين ولم يكن الزوج قد نفاه بالطرق المشروعة - كالملاعنة - ومتى حصلت ولادته خلال أقل مدة للحمل وأقصاها ، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام :" الولد للفراش وللعاهر الحجر ".

وهذا ما أكدته المحكمة العليا في قرار لها إذ جاء فيه :
" من المقرر شرعا أن نسب يثبت بالفراش الصحيح ومن ثم فإن القضاء بإثبات النسب حال قيام الزوجية ودون تطبيق قواعد اللعان في المدة المحددة شرعا يعد قضاءا صحيحا ".





وإذا كان تحديد الفاصل الزمني بين تاريخ الزواج وتاريخ الولادة لا يثير أي إشكال بالنسبة للزواج الرسمي أين تكون التواريخ مضبوطة نتيجة التسجيل فإن الأمر قد يكون دون ذلك بالنسبة للزواج العرفي فالتواريخ تحدد بصفة تقريبية يعتمد فيها على ذاكرة الشهود مما قد يؤدي إلى ضياع الأنساب خصوصا في حالة الإنكار .

كما أنه قد يحدث أن يكون هناك زواجا عرفيا قام الزوجين بتسجيله بعد مدة من الدخول على أساس أنه زواج رسمي وبعد أن تكون الزوجة قد حملت بالمولود ، وإن حدث وأنجبت بعد ثلاثة أو أربع شهور من تاريخ العقد الرسمي المسجل فهنا لا يمكن إسناد نسب الإبن لأبيه أمام ضابط الحالة المدنية لأنه لم يولد في الفترة المحددة قانونا مما يؤدي بالزوجين إلى اللجوء لوكيل الجمهورية عن طريق تقديم طلب يلتمسان من خلاله الحكم بتصحيح تاريخ واقعة الزواج العرفي وتسجيله بأثر رجعي ، حتى يتمكنان من تسجيل ميلاد المولود و إثبات نسبه بصفة قانونية لوالديه وهنا لا يتوان الكثيرمن وكلاء الجمهورية في متابعة الزوجين جزائيا بجنحة الإدلاء بقرارات كاذبة و معاقبتهم وفقا للمادة 223 من قانون العقوبات و التي تقرر لمثل هذه الجريمة عقوبة بدنية تتراوح بين 3 أشهر وثلاث سنوات وعقوبة مالية تتراوح مابين 500 و5000 دج .

فإذا كانت ولادة المولود أثناء قيام الرابطة الزوجية بين أدنى و أقصى مدة للحمل وبعد الدخول تبعا لعقد صحيح تكون قرينة شرعية وقانونية على أن الولد للفراش وينسب الولد إلى أبيه ، وهذه القرينة قد لا يستفيد منها الطرف الذي يريد إثبات نسب الولد في حالة العجز عن إثبات الرابطة الزوجية الشرعية حتى وإن كان الدخول تبعا لعقد صحيح وهنا يضيع نسب الولد .







وقد يحدث أن يكون الزوج متأكدا بأن الولد الذي أنجبته زوجته من زواج عرفي ليس ابنه ولا يقوم بنفيه بالطرق الشرعية (الملاعنة ) ويتغاضى عن ذلك ظننا منه أنه غير ممكن لزوجته أن تثبت زواجه العرفي منها ولكن إذا سعت الزوجة و أثبتت الزواج
هنا ينسب له الولد وهو ليس منه لأنه فوت مواعيد الملاعنة لأن دعوى اللعان لا يعتد بها خارج الآجال القانونية المحددة شرعا وقانونا .

حيث جاء في قرار للمحكمة العليا : " من المقرر قانونا أنه ينسب الولد لأبيه متى كان الزواج شرعيا وأمكن الإتصال ولم ينفه بالطرق المشروعة .
ومن المستقر عليه قضاءا أن مدة نفي الحمل لا تتجاوز 08 أيام و متى تبين في قضية الحال أن المطعون ضده لم يبادر بنفي الحمل من يوم علمه به و خلال المدة المحددة شرعا وتمسكه بالشهادة الطبية التي لا تعتبر دليلا قاطعا ، ولأن الولد ولد بعد مرور أكثر من ستة أشهر على البناء .
فإن قضاة الموضوع بقضائهم بصحة الزواج العرفي مع رفض إلحاق نسب الولد لأبيه عرضوا قرارهم لتناقض مع أحكام المادتين 41 و 42 من قانون الأسرة وأخطؤا في تطبيقها ومتى كان ذلك إستوجب نقض القرار " (1) .

كما جاء في قرار آخر أنه : "من المقرر قانونا أن أقل مدة للحمل هي 06 أشهر وأن الولد ينسب لأبيه متى كان الزواج شرعيا ، وأمكن الإتصال ولم ينفه بالطرق المشروعة ، ومن المستقر عليه قضاءا أنه يمكن نفي النسب عن طريق اللعان في أجل محدد لا يتجاوز 08 أيام من يوم العلم بالحمل .
ومن الثابت في قضية الحال أن الولد ولد في مدة حمل أكثر من ستة أشهر ، وأن قضاة الموضوع أخطؤا كثيرا عندما إعتمدوا على الخبرة ووزن الولد ، فإنهم بقضائهم بفسخ عقد الزواج و إلحاق النسب للأم أخطؤا في تطبيق القانون وخالفوا أحكام المادتين 41 و42 من قانون الأسرة مما يستوجب نقض القرار " (2).

(1) المحكمة العليا،غرفة الأحوال الشخصية،03/12/1984 ، مجلة قضائية ، 1990 ، العدد 01 ، ص 83 .
(2) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 28/10/1997 ، مجلة قضائية ، العدد الخاص ، 2001 ، ص 70 .

أما في حالة وقوع الولادة بعد إنقضاء الرابطة الزوجية بالطلاق أو بالوفاة و إتيان الزوجة لولد ليس بين أقل و أكثر مدة للحمل وإنما بعد مضي أكثر من عشر شهور أي بعد إنقضاء أقصى مدة للحمل التي حددها القانون فأنه لا يمكن إسناد نسبه إلى هذا الزوج المتوفى أو المطلق .

بمعنى آخر لا يثبت نسب الولد إلى أبيه إلا إذا جاءت به الزوجة لأكثر من عشرة أشهر من تاريخ العقد أو إمكان الوطء ، ولأقل من ستة أشهر بعد الطلاق فإن مجيئها به في غير هذه المواعيد يدل على أنها حملت به قبل أن تكون فراشا لهذا الزوج أوحملت به بعد طلاقها أو وفاة زوجها من رجل آخر .

لكن الإشكال الذي يطرح في الزواج العرفي هو صعوبة إثبات النسب عند وقوع الطلاق عرفيا ، وتحديد تاريخه بدقة مما يجعل إمكانية إثبات نسب الولد الذي يولد بعد أكثر من 10 أشهر من تاريخ الطلاق واردة ، وقد تتزوج المرأة زواجا شرعيا ومسجل ويدخل بها زوجها و يعاشرها معاشرة الأزواج ثم يغيب عنها لسبب شرعي أو غير شرعي ويدوم غيابه أكثر من عشرة أشهر وكانت الزوجة قد أتت بمولود في هذه الفترة فإن هذا المولود يعتبر للفراش مالم يثبت هذا الزوج عدم تلاقيه مع زوجته و إتصاله بها وهذا ما ينطبق على الزواج العرفي بإعتباره زواج شرعيا متى تم إثباته ، وهذا ما أكدته المحكمة العليا في قرارها الذي جاء فيه :
" إثبات النسب – وضع الولد بعد 16 شهرا من غيبة الطاعن – الحكم بإثبات النسب لعدم نفيه بالطرق المشروعة .
من المستقر عليه قضاء أن المدة القانونية لنفي النسب لا تتجاوز 08 أيام ومتى تبين في قضية الحال أن ولادة الطفل قد تمت و الزوجية قائمة بين الزوجين وأن الطاعن لم ينف نسب الولد بالطرق المشروعة وأن لا تأثير لغيبة الطاعن مادامت العلاقة الزوجية قائمة وأن القضاة بقضائهم بإثبات نسب الولد طبقوا صحيح القانون ومتى كان كذلك إستوجب رفض الطعن " (1) .

(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 23/11/1993 ، مجلة قضائية ، عدد خاص ، 2001 ، ص 64 .


وقد حدث أن وردت بمحكمة الجلفة قضية تتلخص وقائعها في أن إمرأة كانت متزوجة عرفيا ثم طلقت أيضا عرفيا وأعادت الزواج ثانية عرفيا في مكان آخر دون علم زوجها الثاني بزواجها الأول وطلاقها وقد أنجبت هذه المرأة ولدا بعد 06 أشهر من زواجها الثاني ولم ينكر الزوج الثاني نسب الولد لأنه مولود في الفترة القانونية و أن زواجه بهذه المرأة قد ثبته وسجل لدى مصالح الحالة المدنية لكن حدث وأن نازع الزوج الأول في نسب الولد بأنه إبنه و أنه لم يطلق هذه الزوجة ، لكن الحكم كان بتثبيت النسب للزوج الثاني لأن القانون يعتد بالفترة القانونية للحمل و الزواج الرسمي .

ب – ثبوت النسب بالزواج الفاسد :
بما أننا فرقنا بين عقود الزواج التي تبرم قبل صدور قانون الأسرة و أخضعناها لأحكام الشريعة الإسلامية ، وبين العقود المبرمة بعد صدور قانون الأسرة وتطرقنا إلى مفهوم فساد العقد وفقا للشريعة الإسلامية ثم وفقا للقانون وخلصنا أن النسب في الزواج الفاسد يثبت للأب حسب الشريعة الإسلامية ووفقا للقانون وقد جاء في المادة 40 من قانون الأسرة :
" يثبت النسب بكل نكاح تم فسخه بعد الدخول طبقا للمواد 32،33و34 من قانون الأسرة " فالمادة 32 نصت على فسخ النكاح أي فساده إذا أختل أحد أركانه أو إشتمل على مانع أو شرط يتنافى و مقتضيات العقد أو ثبتت ردة الزوج ، أما المادة 33 فنصت على أنه إذا تم الزواج بدون ولي أو صداق أو شاهدين يفسخ قبل الدخول ولا صداق فيه و المادة 34 نصت على أن الزواج بإحدى المحرمات يفسخ قبل الدخول وبعده .

وجاء في قرار للمحكمة العليا : " المحصنة تحرم على الزوج الثاني وأن هذا الزواج يفسخ قبل الدخول وبعده ويترتب عليه ثبوت النسب " (1) .

وحسب هذه المواد إذا تبين الفساد قبل الدخول فسخ الزواج دون صداق ويعتبر كالعقد الباطل لا أثر له ، أما بعد الدخول فالمرأة تستحق صداق المثل ويثبت به النسب .



(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 24/02/1986 ، غير منشور .



والعقـد الباطـل يبطـل قبـل أو بعـد الدخـول و يترتـب عليـه ثبـوت النسـب أيضـا (1) .

ولقد جاء في إحدى قرارات المحكمة العليا " ولا يحكم بفسخ عقد النكاح إلا إذا كان هذا النكاح فاسدا شرعا " (2) .

وقد قضت محكمة النقض المصرية أنه : "وحيث أن هذا النعي في محله ذلك أن شروط صحة الزواج محلية المرأة وأن لا يقوم بها سبب من أسباب التحريم ومنها الجمع بين أختين والمحققون من الحنفية ذهبوا إلى أنه إذا تزوج إحداهما بعد الآخر جاز زواج الأولى وفسد زواج الثانية وعليه أن يفارق أو يفرق القاضي بينهما فإن فارقا قبل الدخول فلا مهر ولا عدة ولا تثبت بينهما حرمة المصاهرة ولا النسب ولا التوارث وإن فارقها بعد الدخول فلها المهر وعليها العدة ويثبت النسب ويعتزل من إمرأته حتى تنقضي عدة أختها " .

وبالتالي نقول أن الإشكاليات التي يمكن طرحها في حالة الزواج العرفي هي الزواج بالمحرمات فلا نتصور وقوع الجمع بين أختين مثلا في الزواج الرسمي الذي يعتمد فيه على وثائق الطرفين لإثبات هويتهما .

كما أن الزواج مع المرأة المحصنة يمكن تصوره في الزواج العرفي بالنسبة للزوجة التي تترك زوجها وتذهب إلى مكان آخر وتعيد الزواج مع أنها تعتبر شرعا في ذمة الزوج الأول ، والزواج العرفي قد يكون فاسدا نتيجة عدم توفر ركن من أركانه ، كعدم توفر الشروط المطلوبة في شروط العقد وذلك لعدم مراقبتها من طرف موظف مختص .

وجاء في قرار صادر عن محكمة النقض المصرية : " المقرر في الفقه الحنفي أن الزواج الذي لا يحضره شهود هو زواج فاسد يترتب عليه آثار الزواج الصحيح ومنها النسب بالدخول الحقيقي " .



(1) العربي بلحاج ، المرجع السابق ، ص 153 .
(2) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 25/06/1984 ، غير منشور




وجاء أيضا في قرار آخر لمحكمة النقض المصرية : " أن زواج المطعون عليها المسلمة بالطاعن المسيحي وهي تعلم ذلك ، الزواج فاسد ومؤداه جواز إثبات النسب " (1) .

والزواج العرفي قد يكون في كثير من الأحيان مصدرا للنكاح الفاسد خصوصا ما بين المحرمات ، فقد تتزوج المرأة أو الرجل عدة مرات عرفيا وفي مناطق مختلفة وينجبون أولاد ويلتقي هؤلاء الأولاد ويعقدون زواجهم وهم يجهلون وجه التحريم ، و عندما يتبين فساد هذا الزواج يفسخ قبل الدخول وبعده لكن إذا ترتب عنه أبناء فإنه يثبت به النسب مع التفريق بين الأزواج مما يؤدي إلى حرمانهم من الرعاية العائلية وهذا رغم حسن نية الزوجين ، أما إذا كان هؤلاء الأولاد على علم بوجه التحريم ولكن كانوا من الذين لا يردعهم وازع ديني ولا أخلاقي والناس لا يعلمون بأمرهم عادة ، فالزواج فيما بينهم في هذه الحالة لا يثبت به النسب ذلك أنه عند العلم يعتبر الزواج باطل وغير شرعي والأولاد يعتبرون أولاد زنا لا نسب لهم .

ونلاحظ خطورة إثبات النسب بالزواج الفاسد ، في حالة ما إذا تزوجت المرأة المطلقة عرفيا أو المتوفى عنها زوجها زواجا ثانيا في فترة عدتها دون أن يكون للزوج الثاني علما بزواجها الأول أو بكونها ما تزال في فترة عدتها فهذه المرأة إن ولدت مولودا في الفترة الممتدة بين ستة أشهرو عشرة أشهر من تاريخ زواجها الثاني فإن الولد ينسب للزوج الثاني رغم إحتمال كونه من الزوج الأول كأن تكون قد أنجبته بعد سبعة أو ثمانية أشهر من تاريخ الزواج الثاني ، وهذا ما جاء به القرار الصادر عن المحكمة العليا :
" من المقرر شرعا أن الزواج في العدة باطل ، ومن المقرر قانونا أن أقل مدة الحمل ستة أشهر وأقصاها عشرة أشهر .



(1) المستشار محمد عزمي البكري ، الأحوال الشخصية ، الجزء الخامس ، دار النشر محمود ، جمهورية مصر العربية ، ص 150 .


ومتى تبين في قضية الحال أن الزواج وقع على إمرأة مازالت في عدتها وأن الحمل وضع بعد أربع أشهر من تاريخ الزواج الثاني ، وأن قضاة الموضوع بقضائهم بإعتبار الطاعنة بنت للزوج الثاني إعتمادا على قاعدة الولد للفراش مع أن الزواج الثاني باطل شرعا ، فإنهم بقضائهم كما فعلوا خالفوا القانون وخرقوا أحكام الشريعة الإسلامية ، ومتى كان كذلك إستوجب نقض القرار المطعون فيه بدون إحالة " (1) .

إن المتمعن في الأسباب القانونية التي يترتب عليها فساد العقد يدرك بأنه من النادر أن تكتشف قبل الدخول وذلك لكون أن هذا العقد لا يبرم أمام موظف مختص يعرف الشروط الواجب توافرها في عقد الزواج ، لذا فإن سبب فساد العقد عادة مايكتشف بعد الدخول ، وقد جاء في قرار المحكمة العليا أنه :
"متى كان الزواج العرفي متوفرا على أركانه التامة والصحيحة فإن القضاء بتصحيح هذا الزواج وتسجيله في الحالة المدنية وإلحاق نسب الأولاد لأبيهم يكون قضاءا موافقا للشرع والقانون ومتى كان كذلك إستوجب رفض الطعن " .

ومما سبق يتضح أن الزواج الفاسد وإن كان يثبت به النسب فإنه قد يكون في حالة الزواج العرفي سببا لضياع الأنساب وإختلاطهم ولوجود فئة من الأولاد محرومة من الرعاية العائلية .

جـ - ثبوت النسب بنكاح الشبهة :
نكاح الشبهة هو نكاح يقع خطأ بسبب غلط يقع فيه الشخص ، وهو الإتصال الجنسي غير الزنا ، وليس بناءا على عقد زواج صحيح أو فاسد مثل وطء إمرأة يجدها الرجل على فراشه فيظنها زوجته ،و مثله أيضا وطء المطلقة طلاقا ثلاثا أثناء العدة على إعتقاد أنها تحل له .
فإن أتت المرأة بولد ما بين ستة و عشرة أشهر من وقت الوطء ثبت نسبه من الواطئ لتأكد أن الحمل منه وإذا أتت به في مدة أقل من ستة أشهر لا يثبت النسب منه ويكون وطؤها قبل ذلك بشبهة أخرى هذا هو موقف الفقه من نكاح الشبهة .


(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 19/05/1998 ، العدد الخاص ، 2001 ،ص 73



أما موقف القانون فيتضح من خلال نص المادة 40 من قانون الأسرة ، فالقانون ذهب إلى ماذهب إليه الفقه ورتب على نكاح الشبهة ثبوت النسب ، وهذا ما يتأكد من خلال القرار الصادر عن المحكمة العليا والذي جاء فيه :
"من المقرر قانونا أن يثبت النسب بالزواج الصحيح وبالإقرار وبنكاح الشبهة ومن ثم فإن القضاء بهذا المبدأ يعد تطبيقا سليما للقانون .
ولما كان من الثابت في قضية الحال أن الطاعنة لم تثبت أية حالة من الحالات التي نص عليها قانون الأسرة فإن قضاة الموضوع برفضهم لطلبها الرامي إلى تسجيل الزواج و إثبات نسب البنت قد طبقوا صحيح القانون " (1) .

إن النكاح بشبهة يمكن تصور وجوده في حالة الزواج العرفي ، إذا لم تحضر الزوجة مجلس العقد وناب عنها وليها أو وكيلها ثم بعد ذلك زفت إليه إمرأة أخرى فيعاشرها معاشرة الأزواج ظنا منه أنها المرأة التي أبرم العقد معها ، وعليه فإن مثل هذا النكاح إن ترتب عنه ولد يثبت لأبيه .

كما أنه يمكن تصور هذه الوضعية في الزواج الرسمي وذلك لكون قانون الأسرة يجيز الوكالة في الزواج حيث نصت المادة 20 من قانون الأسرة :
" يصح أن ينوب عن الزوج وكيله في إبرام عقد الزواج بوكالة خاصة " كما سبق توضيحه ، وذلك على خلاف قانون 274-59 الذي كان لا يجيزها ، ونحن نؤيد رأي الدكتور بلحاج العربي الذي يميل إلى إلغاء الوكالة في الزواج وذلك نظرا للتغيرات الكبيرة التي يعرفها المجتمع ونظرا لما قد يترتب عن ذلك من سلبيات .

وعلى العموم نكاح الشبهة إن كان يحتمل وجوده قبل سنين طويلة فإنه من النادر وقوعه اليوم إلا في المناطق النائية ، والأرياف الصغيرة ، التي تكون فيها العائلات مجتمعة في مقر عائلي واحد .


(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 21/05/1991 ، مجلة قضائية ، 1994 ، العدد 02 ، ص 56 .



د – ثبوت النسب بالإقرار :
قد نصت المادة 44 من قانون الأسرة على أنه :" يثبت النسب بالإقرار بالبنوة أوالأبوة أو الأمومة لمجهولي النسب " .
وللإقـرار شـروط منهـا :
1 - أن يكون الولد مجهول النسب .
2 – أن يكون الولد أتي من علاقة شرعية ، سواء أكان نكاح صحيح أو فاسد أو نكاح شبهة .
3 - أن لا يكذبه العقل أو العادة .
4 - أن يصدقه المقر له على إقراره إن كان أهلا لذلك وضرورة تصديق المحمول عليه النسب .

وقد جاء في نص المادة 45 من قانون الأسرة أن الإقرار بالنسب على الغير لا يملكه المقر ولا يلزم غيره إلا بالتصديق له ، كما أن الآثار الناتجة عن هذا الإقرار منصرفة إليه دون غيره من الأقارب ، وبناء عليه إذا كان المقر ببنوة الغلام هي الزوجة أو المعتدة فيشترط مع ما ذكر أن يوافق زوجها على الإعتراف ببنوته له أيضا أو أن تثبيت ولادتها له من ذلك الرجل لأن فيه تحميل النسب على الغير ، فلا يقبل إلا بتصديقه أو ببينة .

ويبطل الإقرار إذا صرح المقر بأن الولد إبنه من الزنا لأن الزنا لا يصلح سببا لإثبات النسب .

وهذا الإقرار بالبنوة أو الأبوة حالة نادرة على مستوى محاكمنا لأن الإقرار وحده لإلحاق النسب من الأمور الخطيرة والتي تتيح الفرصة أمام العلاقات المشبوهة والمحرمة التي ينتج عنها أولاد غير شرعيين ويكون من السهل بمجرد الإقرار أن يثبتوا نسب هؤلاء الأولاد ويصبح ولد الزنا ولدا شرعيا يتمتع بحقوق ليست له ، وهذا ما دفع المشرع إلى وضع قيد على رفع هذه الدعاوى يتمثل في ضرورة إثبات قيام العلاقة الزوجية .

وبالتالي في الزواج العرفي لا يمكن إثبات النسب بالإقرار إلا بعد تثبيت الزواج ، فرغم عدم وجود نزاع حول نسب هذا الولد فلا يمكن أن تثبت النسب قبل أن نثبت العلاقة الزوجية بين الزوجين ، أي البحث أولا عن شرعية وقانونية الزواج قبل أن نبحث في قضية إثبات نسب الأولاد ، بالتالي يبقى الإقرار في النسب لا يقبل على مستوى محاكمنا إلا إذا قدم المدعي مع طلبه عقد زواج مسجل لدى الحالة المدنية .

وقد جاء في إحدى قرارات المحكمة العليا أنه : " أن الإقرار بالولد يجب أن يكون بدون تردد ولا تراجع مع توافر شروط صحة الزواج ، حيث أن الزواج المزعوم وقع بين الطرفين بالفاتحة في 20 أوت 1965 رغم أن المطعون ضده كان محبوسا بمؤسسة إعادة التربية بالحراش منذ 23/11/1963 إلى غاية 25 جويلية 1967 ، كما أن الطلاق المزعوم وقع بين الطرفين في 1966 وأن الولد المسمى "وحيد" المتنازع عنه ولد في 28/06/1966 و أن هذه الوقائع لم تثبت ولم تعرض البينة لإثبات صحتها لأن الزواج يثبت فقها وقضاءا بقراءة الفاتحة وتحديد الصداق وحضور الشهود والولي وإن إعتراف المطعون ضده أمام القاضي الأول وقع بالتردد وتراجع عليه ، ومن ثم فإن القرار المطعون فيه سليم ولم يخطأ في تطبيق القانون " (1) .

هـ – إثبات النسب بالبينة ( الشهادة ) :
ونوع البينة التي يثبت بها النسب هي شهادة رجلين أو رجل وإمرأتين عند أبي حنيفة ، وشهادة رجلين فقط عند المالكية وجميع الورثة عند الشافعية والحنابلة ، والشهادة تكون بمعاينة المشهود به أو سماعه ، وقد إتفق فقهاء المذاهب الأربعة على جواز إثبات النسب بشهادة السماع (2) .
وقد ورد النص على إثبات النسب عن طريق البينة في المادة 40 ، وعليه فإذا إدعت إمرأة أنها حملت من زوجها وولدت في غيابه مثلا أو في حضوره فأنكر الزوج واقعة الولادة في ذاتها ، أو إعترف بالولادة كواقعة مادية و أنكر أن يكون الولد الذي بين يديها هو نفسه الذي ولدته ، ففي هذه الحالة يحق للزوجة أن تثبت بالشهود ما ينكره الزوج ، والإثبات هنا ليس إثبات نسب لأن النسب يثبت بالفراش ولكن النزاع الحقيقي قائم على حصول الولادة

(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 24/02/1986 ، غير منشور
(2) د/ وهبة الزحيلي ، المرجع السابق ، ص 426 .



فبالإمكان شرعا وقانونا إثبات واقعة الولادة عن طريق شهادة النساء اللاتي حضرن عملية الولادة أو الأطباء أو الممرضات أو القابلات إذا وضعت حملها في المستشفى وكذلك إلى إثبات الولد نفسه .
ويذهب أبو حنيفة إلى أنه يكفي لإثبات هذا الأمر شهادة إمرأة واحدة تتوفر فيها شروط الشهادة ولا يشترط نصاب الشهادة المفروض في سائر الأمور .
وإذا أثبتت الولادة وثبت المولود أمكن حينئذ نسبه إلى الزوج وتسجيله على لقب و إسم أبيه في سجلات الحالة المدنية إستنادا إلى الحكم الذي يقضي بثبوت النسب .
وإثبات النسب بالبينة لا يمكن تصوره إلا في الحالة التي يكون فيها الزوج و الزوجة قد جمع بينهما عقد زواج صحيح أو فاسد .
أما بالنسبة للزواج العرفي نعتقد أن هذه الوضعية قد تكون نتيجة عزوف المتزوجات عرفيا إلى اللجوء للمستشفيات من أجل الولادة بها لأنها تكون غير قادرة على إثبات زواجها أمام المصالح الإستشفائية و تكون وضعيتها كوضعية الأمهات العازبات ،واللجوء نتيجة ذلك إلى الولادة بالبيت وخصوصا في المناطق الريفية والنائية قد يحول دون توفر شاهدة على هذه الواقعة المادية لأن القابلة ترفض الإدلاء بشهادتها خوفا من المتابعة على أساس ممارسة مهنة دون رخصة مما يؤدي لضياع نسب الولد ليس لسبب إلا أن زواج ولديه كان عرفيا .

2 – دعـوى إثبات النسـب :

نعلم أن دعوى إثبات النسب أو إلحاق نسب شخص إلى آخر هي في الأساس دعوى مثل غيرها من الدعاوى المدنية العادية التي ترفع أمام المحاكم للفصل فيها لكن كيف يلجأ المدعين إلى القضاء لإثبات النسب ؟

بما أن الزواج العرفي هو زواج صحيح قائم بكل أركانه ينقصه فقط التسجيل لدى الحالة المدنية وهذا التسجيل يمكن الزوجين من إستخراج وثائق تثبت صفتهما ، بالتالي فالمرأة المتزوجة عرفيا لما تتقدم إلى المستشفى من أجل الولادة ، تطلب منها وثيقة تثبت الـزواج


كالعقد أو الدفتر العائلي وبما أن زواجها غير مسجل فهي بالضرورة لا تملك ما يثبت زواجها ، فلما يولد المولود سوف يقيد على إسم والدته وهنا لما تستخرج شهادة ميلاد هذا الولد نجدها بإسم أمه ولأب مجهول هذا رغم إقرار الأب و تصريحه بأن الولد منه لكن لا يقبل منه ذلك ، وما نعيبه في هذه الإجراءات سواء على مستوى المستشفيات أو لدى ضابط الحالة المدنية بالبلدية أن المشرع لم يضع نصوص تحد من هذه الطريقة ، لأننا إذا سجلنا الولد بإسم أمه ناتج عن علاقة زواج شرعية فإننا نعرض سمعته و سمعة والدته للأقاويل إضافة للعراقيل التي تعترضه أمام أية جهة إدارية لذلك من المستحسن جعل الأصل هو تثبيت النسب ولكل ذي مصلحة في إسقاطه أن يسقطه ، لأن إستخراج شهادة ميلاد لأب مجهول مساس بشرف الإبن و عائلته وسوف يصحهها بعد ذلك بحكم قضائي مما يجعله يبقى مدى الحياة يتحمل نتيجة عمل خارج عن إرادته .

ولو لا حظنا قانون الحالة المدنية في المادة 62 نجد أن المشرع نص على قبول التصريح سواء من الأب أو الأم أو من له مصلحة ، لكن على مستوى البلديات لا يقبلون سوى تصريح الأب .

ولاحظنا عمليا أن المعني بشهادة الميلاد لأب مجهول يتجه عادة بطلب إلى وكيل الجمهورية من أجل تصحيح لقبه ، وهذا طبعا بعد أن يكون قد أثبت الزواج العرفي بين والديه .

لكن ما لاحظناه على مستوى محكمة التربص أن وكيل الجمهورية يقبل الطلب و يرسل الملف إلى مصلحة الحالة المدنية من أجل التصحيح القضائي بإضافة اللقب ، وأمر ضابط








الحالة المدنية بتسجيله في شهادة ميلاد المعني ، لكن على مستوى بعض المحاكم الموجودة في حدود الولاية ، فإن وكلاء الجمهورية يرفضون الطلب و يوجهونه إلى قسم الأحوال الشخصية .

لكن حسب رأينا ، أن الأمر لا يوجد فيه نزاع والمحاكم مختصة بالفصل في النزاعات مما يجعلنا نؤكد على ضرورة إجراء تصحيح قضائي دون رفع دعوى قضائية .
و هناك إختلاف بين القضاة أنفسهم في قسم الأحوال الشخصية عند ورود مثل هذه القضايا إليهم ، إذ أن بعض القضاة يؤكدون على عدم وجود نزاع فيفصلون بعدم الإختصاص ، أما البعض الآخر فيفصل بإثبات النسب بحكم ، ويكون المنطوق يتضمن اللقب وأمر ضابط الحالة المدنية بقيده في سجلات الميلاد (ملحق رقم 07).

وبما أننا أكدنا أن دعوى إثبات النسب لا يمكن أن تكون إلا بإثبات الزواج فهل يمكن الجمع بين دعوى إثبات الزواج و دعوى إثبات النسب وإن كان الامر كذلك فكيف يكون الحكم فيها ؟

نقول أن دعوى إثبات النسب قد تكون دعوى أصلية منفردة ، تهدف أساسا إلى إثبات النسب ذاته ، فهنا تكون الدعوى بوضع عريضة عادية لدى كتابة ضبط المحكمة مع إرفاق الدعوى بعقد زواج رسمي سجل لدى مصالح الحالة المدنية ، وهذا لإثبات صفة المدعي وعدم تعرض الدعوى لعدم القبول لإنعدام الصفة .

وقد تكون دعوى النسب دعوى تبعية لدعوى أخرى فإذا كانت تابعة لدعوى إثبات الزواج فهنا القاضي يفصل في إثبات الزواج ، ويرفض الطلب المتعلق بإثبات النسب لعدم إرتباط الطلبات وهذا ما لاحظناه في محكمة التربص .







المطلـــــب الثالــــث :
آثــار عقــد الــزواج العرفـــي بالنسبــة للمجتمـــع:

إن طرفي عقد الزواج العرفي يعتبران زوجين من الناحية الشرعية و القانونية ، بالتالي تنتفي عن العلاقة القائمة بينهما صفة العقد الباطل أو الفاسد أو العلاقة المحرمة ، غير أنه بالرغم من ذلك فإن لهذا العقد آثار خطيرة تمس بالمجتمع يمكن إيجازها في مجموعة من النقاط .
1- بالنسبــة للعدالـة :
إن كثرة الزواج العرفي في المنطقة جعل عدد القضايا الناظرة فيها المحكمة عديدة خاصة فيما يتعلق بإثبات عقد الزواج العرفي ونظرا لسهولة إثباته و غياب الوازع الديني و الخلقي لدى بعض الأشخاص فإنهم قد يلجؤون إلى الغش لإثبات العقد و متى توفرت أركان عقد الزواج شكليا فإنه لا يسع المحكمة إلا الأمر بتثبيته ، وبالتالي إعطاء مراكز قانونية لأشخاص وترتيب حقوق لغير مستحقيها ، كأن يكون شخص على علاقة غير شرعية بإمرأة وبعد وفاته تدعي أنها متزوجة منه عرفيا وتقدم للمحكمة شهود زور وعلى أساسها تثبت علاقة الزواج فالمحكمة تقرر علاقات غير شرعية بحكم الظاهر وتعطيها صفات لاتتوافق في الحقيقة مع الشرع والقانون في الوقت الذي تعجز فيه الزوجة الحقيقية عن إثبات عقد زواجها . كالحكم الجزائي الصادر عن محكمة الجلفة بتاريخ 26/05/2004 رقم 2368/2004 إذ استطاعت المتهمة عن طريق التحايل من الحصول على حكم صادر عن قسم الأحوال الشخصية يقضي بإثبات علاقة زواج بينها وبين شخـص متوفـى دون
وقوع هذا الزواج فعلا كما استطاعت إلحاق نسب بنتين أحضرتهما من المستشفى وتمكنت بواسطة هذا العقد من الحصول على مستحقات من صندوق الضمان الإجتماعي تتعلق بتعويض عن حادث مرور باسم الزوج المزعوم (ملحق رقم 08).

كما أن الإشكال الذي يثور في تكييف الجرائم خاصة التي تكون فيها صفة الجاني و المجني عليه محل إعتبار ، كما هو الحال في جريمة ضرب وقتل الأصول أو الفروع .
فهنا يتغير الوصف الجزائي وتصبح هذه الصفة ظرفا مشددا في العقوبة ، لكن عدم تحديد الأنساب في الزواج العرفي قد يعطل ذلك ، كأن يتعدى الإبن على أبيه بالضرب لكن لا يقدم أمام العدالة أي وثيقة تثبت هذه العلاقة فتكيف الجريمة على أنها ضرب وجرح عمدي ويعاقب على هذا الأساس بالعقوبة المقررة لهذه الجريمة في حين أن تكييفها الصحيح هو ضرب وجرح الأصول و التي تكون عقوبتها أكثر تشديدا .

2 – التزويـــر :
من بين الأثار التي يرتبها الزواج هي إنجاب الأبناءالذين يحتاجون خلال حياتهم إلى وثائق إدارية خاصة إذ تعلق الأمر بالتسجيل في المؤسسات التعليمية أو الحصول على التعويضات و المنح العائلية ، فيلجأ الأفراد إلى الطرق الإحتيالية لاسيما التزوير والتي عادة ما يؤدي إكتشاف أمرها إلى جر الأفراد إلى المحاكمة بسبب التزوير و إستعمال المزور والإدلاء بإقرارات كاذبة .
قضية رقم 767/03 إذا المدعية طالبت بإسقاط نسب البنت بعد ما قام والدها بتسجيلها على زوجته المتوفاة حتى تتحصل على ميراثها منها(ملحق رقم 09) ، وكذلك القضية رقم 1824/04 حيث قام الزوج بتسجيل زواجه العرفي في سجلات الحالة المدنية بإسم أخت زوجته و بصمت زوجته و حصول هذه الأخيرة على بطاقة تعريف و بطاقة الناخب و حساب بريدي بإسم أختها و قد تقاضت منح زوجها على ذلك الأساس ، والقضية رقم 1510/04 وقرار رقم 1824/04 الصادر عن مجلس قضاء الجلفة (ملحق رقم10) والقضية 1805 المتعلق بشهادة الزور (ملحق رقم 11) .




3 - زواج المحرمـات :
الزواج العرفي قد ينتج عنه أبناء و بنات و قد يفترق الزوجان دون أن يسعى أحدهما لتسجيل الزواج و تحديد النسب و مع مرور السنوات قد يجتمع هؤلاء الأبناء ويتزوج بعضهم بعضا و هذا التزاوج بين المحارم محرم شرعا و قانونا فمن المسؤول عن إرتكاب مثل هذه المحرمات ؟ و في حالة إكتشاف الجريمة من يتابع ؟ و هل تسقط الجريمة بالتقادم ؟و نذكر في هذا السياق المثال التالي :" رسالة جاءت إلى لجنة الفتوى بالأزهر من سيدة تقول فيها ،أنها تزوجت من رجل عرفيا و بعقد غير موثق إنتظرت لتحسن ظروفه المادية و بعد عشرة استمرت خمس سنوات أنجبت خلالها طفلا إختفى الزوج فجأة و هرب تركها وحدها مع إبنها ،و بعد فترة تقدم إليها رجل كريم للزواج منها و أخبرته أن هذا الطفل (إبنها من الزواج العرفي) إبن أختها التي توفيت هي وزوجها في حادث ، ووافق الرجل على تقبل الطفل إبنا له ونسبه لنفسه وكبر الإبن ودخل الجامعة وجاء يعرض الزواج من زميلة له بالجامعة ووافقته على ذلك ، وفي زيارتي لبيت زميلة إبني رأيت صورة أبيها وكانت المفاجاة التي لا يتوقعها بشر إذ أنه والد إبني الذي تزوجني عرفيا وهرب ، ورفضت هذه الزيجة بدون إبداء الأسباب وأمام إصرار إبني وافقت وتزوج زميلته التي هي كانت أخته وأنجب منها طفلة … " (1) .
وإن كانت هذه الواقعة قد حدثة في مصر غير أنه ليس هناك ما يمنع وقوعها في مجتمعنا خاصة مع توافر كامل الظروف لحصولها إذ أنه ليس هناك أي عقوبات ردعية توجب تسجيل عقود الزواج والميلاد .



(1) فارس محمد عمران ، الزواج العرفي وصور أخرى للزواج غير الرسمي ، دار الجامعة الجديدة ، جمهورية مصر العربية، 2001 ، ص 36 – 37 .


4 - الإحصائيات :
حيث أنه وعلى مستوى البلديات والمستشفيات توجد مصلحة الحالة المدنية التي تقوم بالإحصائيات الدورية والتي تتعلق بالميلاد والزواج والوفاة وهذه الإحصائيات تسجل في السجلات الخاصة بكل فرع ، غير أن عدم التصريح وتسجيل عقد الزواج العرفي يجعل هذه الإحصائيات تتناقض مع الواقع ، وبالتالي تعطل الأهداف التي من أجلها اجريت هذه الإحصائيات والتي من بينها وضع ميزانية الدولة ، وإحصاء نسبة النمو الديمغرافي ، وتعداد الكثافة السكانية ، وإكتشاف الأمراض .

5- الإحتجاج بالعقد العرفي :
إن هذا العقد المعترف به من الناحية القانونية والشرعية ، غير أنه لا يمكن الإحتجاج به من طرف الزوجين إلا بعد تسجيله- كما سبق القول - لكن هل يمكن للغير الإحتجاج به وطلب تثبيته ؟
كأن يتزوج شخص زواجا رسميا ثم بعد ذلك يتزوج زواجا عرفيا، دون أن يعلم زوجته الأولى كما يستوجب القانون في المادة الثامنة من قانون الأسرة ، وحيث أن الزواج دون إعلام الزوجة يخول لها الحق في طلب التطليق .
فهل لهذه الزوجة حق المطالبة بإثبات عقد الزواج وهي طرف أجنبي عن هذا العقد للحصول على حقها في التطليق ؟ أم أن هذا الحق مخول فقط لطرفي العقد وهل يمكن للزوجة أن تتقدم بدعوى التطليق مؤسسة دعواها على هذا الزواج أم أن دعواها ترفض لعدم تأسيسها ؟
هذه بعض الآثار التي تنتج عن الزواج العرفي الذي يغفل فيه التسجيل في سجلات الحالة المدنية ، وهذا الإجراء على بساطته يمكنه أن يغني الأفراد عن اللجوء إلى إجراءات أخرى أكثر تعقيدا من أجل تسجيل زواجهم خاصة عندما يتعرضون إلى مشكلة ما سببها تقديم نسخة من شهادة عقد الزواج ، ولهذا فإنهم يلجؤون إلى إثباته وتسجيله وهو ماسنتطرق إليه في الفصل الموالي .




الفصــــل الثانـــــي :
إثبــات عقــــد الــزواج العرفــي وإجــراءات تسجيلـــه



إذا كان الزواج قد إنعقد بطريقة رسمية ، مستوفيا بذلك الإجراءات الشكلية من حيث تسجيله ، فإنه بهذه الطريقة لا يطرح أي إشكال من حيث إثباته ، إذ يثبت بواسطة مستخرج من سجل الحالة المدنية ، لكن الإشكال يطرح إذا ما تم عقد الزواج عرفيا ووفقا للأحكام الشريعة الإسلامية فكيف يثبت هذا الزواج ؟ وماهي إجراءات تسجيله وهو ماسنتطرق إليه من خلال مبحثين نعالج في الأول الطرق المتبعة لإثبات عقد الزواج العرفي ، أما المبحث الثاني سنتطرق فيه للإجراءات المتبعة في تسجيله .

المبحـــــث الأول :
إثبات عقــد الـــزواج الـعــــرفي

إذا كانت ضرورة تسجيل عقد الزواج قد فرضتها المشاكل المتعددة الناتجة عن الزواج العرفي ، فإن الزواج في الحالات العادية يثبت بمستخرج من سجل الحالة المدنية وهو ما نصت عليه المادة 22 من قانون الأسرة أنه : " يثبت الزواج بمستخرج من سجل الحالة المدنية وفي حالة عدم تسجيله يثبت بحكم إذا توافرت أركانه وفقا لهذا القانون ، ويتم تسجيله بالحالة المدنية " .





إذن وحسب هذه المادة فإن الزواج يثبت في الحالات العادية بمستخرج من سجل الحالة المدنية ،لكن الإشكال الذي يطرح هو إنعقاد الزواج بطريقة عرفية بمجرد توفر الأركان المتطلبة شرعا و دون تسجيله في السجلات المعدة لذلك فكيف يتم إثبات هذا الزواج ؟

بإعتبار أن عقد الزواج يعد من أخطر العقود التي يبرمها الإنسان في حياته و من أهم التصرفات ذات الشأن العظيم لما يشتمل عليه من تكاليف و إلتزامات و ما ينتج عنه من آثار ، لدى فقد خصته كل من الشريعة الإسلامية، و المشرع الجزائري بقواعد تنظمه . لذلك نتطرق في هذا المبحث إلى القواعد التي تنظم عقد الزواج العرفي من حيث إثباته ، و ذلك من خلال زاويتين :
زاوية الشريعة الإسلامية ، و كيف نظرت إلى إثبات واقعة الزواج إذا ما أنكرها أحد الطرفين .
وزاوية المشرع الجزائري في القانون المدني المنظم لوسائل الإثبات المدنية ، وكيفية تعامل القضاة عمليا مع مسائل إثبات الزواج العرفي مع تدعيم كل ذلك بأهم القرارات الصادرة عن المحكمة العليا في هذا الشأن .
فمـن ناحيـة الشريعـة الإسلاميـة فـإن وسـائل و أدلـة الإثبــات تعـرف عـدة تقسيمـات :
فتنقسم الأدلة إلى عامة وخاصة ، فالعامة هي التي تثبت بها كافة الوقائع ، ومنها الشهادة والإقرار والكتابة والمعاينة والخبرة فهذه الأدلة تثبت بها الحقوق المالية والأحوال الشخصية والحدود .
أما الأدلة الخاصة فتقبل في حالات معينة دون غيرها ، فاليمين مثلا لا يقبل في الحدود والقرائن لاتقبل في الحدود والقصاص وهكذا .
وتنقسم الأدلة إلى مباشرة وغير مباشرة ، فالمباشرة هي التي تؤدي إلى الإثبات المطلوب مباشرة كالإقرار والشهادة واليمين .
غير المباشرة وهي التي تؤدي إلى الإثبات عن طريق غيرها من الأدلة كاليمين المردودة مثلا .
كما تنقسم إلى ملزمة وغير ملزمة ( بالنسبة للقاضي ) ، فالملزمة هي التي حدد لها الشارع قوتها من حيث الإثبات فإذا تحققت أمام القاضي وجب الأخذ بها ، ومن أمثلتها الشهادة والإقرار واليمين .
أما الوسائل غير الملزمة ، فهي وسائل يكون فيها للقاضي حرية تحليل واسعة لإستنباط الحقيقة من الدليل ، ومن أمثلتها القرائن والمعاينة .
وتنقسم الأدلة أيضا إلى متعدية وقاصرة بالنظر إلى مدى حجيتها ، فالمتعدية تكون حجة على الكافة كالكتابة والشهادة والقرائن والمعاينة والخبرة .
أما القاصرة فلا تكون حجة إلا بالنسبة لشخص معين صدرت عنه ومنها الإقرار واليمين .
وتنقسم الأدلة إلى وسائل حقيقية وأخرى مجازية ، فالحقيقية كالكتابة والشهادة والمعاينة والخبرة تؤكد الواقعة المتنازع عليها .
أما المجازية فهي لا تثبت الواقعة مباشرة ، وإنما تعفي المدعي من الإثبات أو تنقل عبئه إلى الطرف الأخر كالقرائن واليمين .

فإذا كانت الشريعة الاسلامية تعتمد في إثبات الزواج على واحدة من الطرق الثلاثة التالية وهي : الإقرار والبينة والنكول عن اليمين (أي الإمتناع عنه) ، فإن إدعى أحد الزوجين الزواج أو أمر يتعلق به كالمهر والنفقة مثلا ، فإن أقر الطرف الآخر ثبت لأن الإقرار حجة على المقر فإن لم يقر طولب المدعي بالبينة ، فإن أتى بشهود يشهدون على دعواه ثبت العقد فإن عجز المدعي عن إقامة البينة وجهت اليمين إلى الطرف الأخر المنكل فإن حلفها أعتبرت الدعوى مرفوضة لكن يصح تجديدها إذا وجد المدعي شهودا يشهدون له ، أما إذا إمتنع المنكل عن اليمين قضى بثبوت الزواج لإن النكول إقرار .
لكن إتجاه محاكمنا ومجالسنا القضائية بما في ذلك إتجاه المحكمة العليا لم يتبع هذا التدرج بل جعل سيدة الأدلة في إثبات وجود واقعة الزواج العرفي هي البينـــــة ( شهادة الشهود Preuve testimoniale ) سواء كانت شهادة عيان أو شهادة سماع .


وسنرى فيما يلي كل دليل من الأدلة السابقة في مطلب مستقل وإتجاه كل من الشريعة الإسلامية و القضاء الجزائري حيالها .

المطلــــــــب الأول :
الإقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرار

الإقرار بوجه عام هو واقعة مادية تنطوي على تصرف قانوني مفادها إعتراف شخص بحق عليه لآخر ، سواء قصد ترتيب هذا الحق أو لم يقصد (1) .
أما الإقرار حسب المادة 341 من القانون المدني الجزائري :" الإقرار هو اعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها عليه وذلك أثناء سير الدعوى المتعلقة بها الواقعة "
أما الإقرار حسب الإمام أبو زهرة هو حجة قاصرة على المقر لا تتعداه إلى من يتعدى إليه الحكم بالبينة ، بل لابد من إثبات آخر ، وهو نفس التعريف الذي ذهب إليه فارس عمران محمد عمران .
وينقسم الإقرار حسب القواعد العامة للإثبات إلى نوعين : إقرار غير قضائي وإقرار قضائي .

1 - الإقرار غير القضائي : هو ذلك الإقرار الذي تم خارج مجلس القضاء كأن يقر فلان أن فلانة زوجته خارج مجلس القضاء سواءا أكان ذلك كتابة أم شفاهة ، وسلطة التقدير لمثل هذا الإقرار موكلة للقاضي ، يقدرها وفقا لظروف الدعوى و ملابساتها .
ويظهر مثل هذا النوع من الإقرار في الزواج العرفي ، عند تحرير الموثق لما يسمى بعقد لفيف الزواج في الحالة التي يكون فيها أحد الزوجين على قيد الحياة ويتم تحريره بناءا على طلب أحد الزوجين أو الأبناء أو الآباء أومن له مصلحة .



(1) عبد الرزاق أحمد السنهوري ، الوسيط في شرح القانون المدني ، الجزء الثاني ، المجلد الأول ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1982 ، ص 410 .

كمـا يظهر الإقرار غير القضائي أثناء تحرير الموثق لما يسمى بعقد الإقرار بزواج بناءا على طلب الزوجين معا وبالإرادة الحرة لكل منهما ، وليس بالإرادة المنفردة لأحدهما .
وعمليا نجد أن محاكمنا تعتمد على ما جاء في هذه العقود من إقرارات لتدعم بها التحقيق الذي تهدف من خلاله لتثبيت واقعة الزواج العرفي ، وسنرى الإجراءات المتبعة في هذا الشأن لاحقا، لكن السؤال المطروح هو كيف يعتد بمثل هذه التصريحات والتي تمت أمام الموثق خبير وليس أمام القاضي ؟ بينما تعتبر المحكمة العليا كل تحقيق لم يجره القاضي ليس بمثابة تحقيق قضائي أي أنها لا تعتد في إثبات الزواج العرفي بالإقرارات غير القضائية التي تم التصريح بها خارج مجلس القضاء وهذا بقرار صادر في 11/12/1989.


2 – الإقـرار القضائي : فهو إعتراف الخصم أمام القضاء بواقعة قانونية مدعى بها عليه ، كأن يقف الزوج أمام القاضي ويقر بقيام علاقة زوجية بينه وبين المدعى عليها ، فما حجية هذا الإقرار وما مدى قوته الثبوتية في إثبات الزواج العرفي ؟

3 – حجيـة الإقرار : سنعالـج هـذه الحجيـة مـن الناحيـة الفقهيـة ومـن الناحيــة القانونيــة :
أما من الناحية الفقهية : فإن جمهور الفقهاء إعتبره حجة قاصرة على المقر وحده ولا تتعداه إلى غيره ، إلا أنهم إعتبروه وسيلة كافية في حد ذاته لإثبات الزواج إذا ما أقر به أحد الطرفين .
فيقول الإمام أبو زهرة : " إذا تداعى شخصان رجل وإمرأة بشأن وجود الزواج ، فإدعى الرجل وجوده تسأل المرأة فإن أقرت قضى بالزواج وثبت بتصادقهما ، وإن أنكر فإن عجز عن البينة وجهت اليمين إلى المرأة على رأي الصاحبين" (1) .


(1) الإمام أبوزهرة ، الأحوال الشخصية ، ص 17 .
ويقول فارس محمد عمران وهو يتحدث عن إثبات الزواج العرفي :" الإثبات يكون بواحدة من ثلاث وسائل كما هو مقرر في الفقه الحنفي :البينة - الإقرار - النكول على اليمين "(1) .
وقد إختلـف الفقهاء حـول إقرار ولي القاصر ، فـنهم من أجاز إقرار الـولي على النفس بالزواج إن كان هو الذي تولاه ، وذهبت طائفة أخرى منهم وجعلت إقرار الولي بزواج القاصر موقوف إلى غاية بلوغ القاصر، إن صدقه ينفذ إقراره ، وإن أنكره أبطل إقراره (2).
نستنتج مما سبق ذكره أن الفقه الإسلامي رغم إعتباره أن حجية الإقرار قاصرة على المقر وحده ولا تتعدى لغيره إلا أنه إعتبره وسيلة كافية في حد ذاتها لإثبات واقعة الزواج العرفي ، فإن رفض أحد الطرفين الإقرار يكون الاتجاه للبينة ، فإن عجزت البينة وجهت اليمين .
في حين نجد أن المشرع الجزائري قد نص صراحة في المادة 342 الفقرة الأولى من القانون المدني على أن : " الإقرار حجة قاطعة على المقر " .
معنى ذلك أن الواقعة التي أقر بها الخصم تصبح في غير حاجة إلى الإثبات ، لكن على من تقتصر هذه الحجية ؟
إن الإقرار هو حجة على المقر والخلف العام ولا تتعداه إلى غيرهما :
فإذا كان الإقرار تصرف قانوني يقتصر أثره على المقر و يتعدى إلى ورثته بصفتهم خلفا عاما له ، فإن الإقرار بواقعة الزواج يكون صحيحا و ملزما لكل من الزوج والزوجة وورثتهما حتى يقيموا الدليل على عدم صحته ، ولا يتعداهم إلى الغير .
لذلك فإن محاكمنا ومجالسنا القضائية لا تعتد بالإقرار كوسيلة كافية في حد ذاتها لإثبات واقعة الزواج العرفي ، وذلك لما يتميز به هذا العقد من خصوصية و طابع إجتماعي لانكاد نلتمسه في باقي العقود الأخرى .

(1) فارس محمد عمران ، المرجع السابق ، ص 41 .
(2) الإمام أبو زهرة ، المرجع السابق ، ص 18 .


فما فائدة إثبات الزواج العرفي إعتمادا على وسيلة الإقرار ، ولا يكون بعدها إلا حجة على المقر وورثته ؟ في حين أن الزواج في حد ذاته يتطلب الإعلان والإشهار، وعلم الناس به لغلق منافذ الظن والخوض في الأعراض ، والتقول على المتزوجين عرفيا ورميهم بالزنا من طرف الناس الذين لم يصل إلى علمهم زواج هؤلاء كون الإقرار لا يتعداهم .
فالطرفين وهما يلجآن إلى القضاء لإثبات الزواج هدفهما في ذلك هو إعلانه وإشهاره للكافة والإقرار غير كاف ليؤدي هذه المهمة ، وهو ما أخذت به محكمة الجلفة في حكم لها صادر بتاريخ 06/12/1997 رقم 602/97 أهم ما جاء في وقائع القضية كون المدعي متزوج عرفيا بالمدعى عليها ، وقد أقر الطرفان بواقعة الزواج العرفي التي تمت سنة 1995 و إلتمس كل منهما من المحكمة الحكم بتسجيل عقد الزواج لدى مصالح الحالة المدنية وقد كان تسبيب الحكم ومنطوقه كالتالي : " … حيث أن المحكمة أجلت القضية لعدة جلسات من أجل إحضار الشهود لإجراء تحقيق على واقعة الزواج العرفي المبرم بين المدعي والمدعى عليها ولم يحضرا .
حيث أن طلب المدعي بالإشهاد على الزواج العرفي غير مؤسس كونه لم يقدم للمحكمة ما يثبت الواقعة من شهود مما يتعين معه رفض الطلب .
وعليه قضت المحكمة برفض الدعوى لعدم التأسيس " (ملحق رقم 12) .

من خلال هذا الحكم وغيره من الأحكام نستنتج عدم أخذ القضاة بالإقرار كوسيلة كافية في حد ذاتها لإثبات الزواج العرفي ، لهذا نتطرق إلى الوسيلة الثانية التي تراها المحاكم والمجالس القضائية أكثر أهمية ، وأنجح من حيث القوة الثبوتية ، وهي البينة أو ما يسمى بشهادة الشهود .







المطلـــب الثانـــــي :
الشهـــــــــــادة ( البينـــــــــة )

للبينة معنيان ، معنى عام وهو الدليل أيا كان كتابة أو شهادة أو قرائن ، فإذا قلنا البينة على من إدعى و اليمين على من أنكر فإنما نقصد هنا البينة بهذا المعنى العام .
أما المعنى الخاص ، فهو شهادة الشهود دون غيرها من الأدلة ، وقد كانت الشهادة في الماضي هي الدليل الغالب ، وكانت الأدلة الأخرى من الندرة إلى حد أنها لا تذكر إلى جانب الشهادة ، فإنصرف لفظ " البينة" إلى الشهادة دون غيرها.

1- أنـواع البينـة :
أ - الشهادة المباشرة : الأصل في الشهادة أن تكون شهادة مباشرة ، فيقول الشاهد ما وقع تحت بصره أو سمعه ، فالذي يميز الشاهد إذن هو أنه يشهد على وقائع عرفها معرفة شخصية إما لأنه رآها بعينه ، فجاء إلى مجلس القضاء ليشهد بما رأى، أو سمعها بأذنه فجاء إلى مجلس القضاء ليشهد بما سمع وإما لأنه رأى وسمع .
وتكون الشهادة عادة شفوية يستمدها الشاهد من ذاكرته ليقول ما رآه أو سمعه من الوقائع المتعلقة بالدعوى ، ومع ذلك قد يكتفي في ظروف إستثنائية بتلاوة شهادته المكتوبة أو بضم هذه الشهادة المكتوبة إلى ملف القضية للإعتداد بها .
إذا كانت الشهادة المباشرة هي الصورة الغالبة للشهادة ، كأن يدلي الشاهد بما عاينه بصورة شخصية ومباشرة أثناء إنشاء واقعة الزواج العرفي بما في ذلك معرفته لطرفي العقد من زوج وزوجة ومكان و زمان وظروف إبرام عقد الزواج من رضا الزوجين ووجود الولي وتسمية الصداق (1) .



(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية، 24/09/1984 ، مجلة قضائية.1984 ، العدد 01 ، ص 64 .

فإنه ومع ذلك يوجد إلى جانب هذه الشهادة المباشرة ، الشهادة السماعية (Temoignage Indirect ) والشهادة بالتسامع (commune renommée ).

ب - الشهادة السماعية : وتسمى أيضا بالشهادة من الدرجة الثانية ويشهد فيها الشاهد بما سمعه من غيره ، وتسمى في الفقه الإسلامي بالشهادة عن الشهادة ، فالشاهد هنا يشهد أنه سمع بواقعة يرويها له شاهد رآها بعينه وسمعها بأذنه ، كأن يشهد شخص أمام القاضي أنه سمع شخصا آخر يروي له أن فلان تزوج بفلانة .
والشهادة السماعية جائزة حيث تجوز الشهادة الأصلية ، وفي الفقه الإسلامي الشهادة على الشهادة لاتجوز إلا بالإنابة ، فإذا سمع شاهد فكانت شهادته سماعية فهي لا تقبل منه إلا إذا أشهده فيها الشاهد الأصلي ، ويقدر القاضي قيمة الشهادة السماعية ولا سلطان لأحد عليه في ذلك.

ج - الشهادة بالتسامع : هي شهادة بما يتسامعه الناس (OUI-DIRE) و هي عكس الشهادة السماعية التي يمكن تحري مصدر الصدق فيهاوتحميل صاحبها مسؤولية شخصية فيما سمعه بنفسه عن غيره ، فالشهادة بالتسامع صاحبها لا يروي عن شخص معين ولا عن الواقعة بالذات ، بل يشهد بما يتسامعه الناس عن هذه الواقعة وما شاع بين الجماهير في شأنها ، فهي غير قابلة للتحري ولا يتحمل صاحبها مسؤولية شخصية فيما شهد به ، كالقول مثلا :"قيل أن فلان تزوج فلانة " (1) .

وقد أجازت الشريعة الإسلامية هذه الشهادة لا سيما في مسألة إثبات الزواج لأنها ضرورة دعت إليها المصالح والحاجة الشديدة لا سيما إذا أثمر هذا الزواج إنجاب أطفال ، وهذا الإستحسان مرده أنها أمور يختص بمعاينة أسبابها خواص من الناس لا يطلع عليها إلا هم وقد تتعلق بأحكام تبقى على إنقضاء القرون كمسألة إثبات نسب الأبناء ومسائل الميراث .



(1) عبدالرزاق أحمد السنهوري ، المرجع السابق ، ص 413 .

أما بالنسبة للقضاء الجزائري فإن المحكمة العليا سارت في سياق أحكام الشريعة الإسلامية وأخذت بشهادة التسامع في العديد من قراراتها منها القرار الصادر بتاريخ 27/03/1989 الذي جاء فيه أنه :
"من المقرر شرعا أن الزواج لا يثبت إلا بشهادة العيان التي يشهد أصحابها أنهم حضروا قراءة الفاتحة أو حضروا زفاف الطرفين ، أو بشهادة السماع التي يشهد أصحابها أنهم سمعوا الشهود وغيرهم أن الطرفين كانا متزوجين ... فيما يتعلق بالسبب المستدل به على طلب نقض إثبات الزواج أو نفيه مما يستقل به قاضي الموضوع ويثبت إما بشهادة العيان وإما بشهادة السماع والطاعن لم يأت بأية واحدة من الشهادتين ، فلا هو أحضر رجالا حضروا قراءة الفاتحة و لا هو أحضر رجالا سمعوا قراءتها أو حضروا زفاف الطرفين ... كما أنه لم يأت ببينة إسماع يشهد أصحابها بأنهم سمعوا من الشهود أو غيرهم أنه كان زوج ( ب ز) ... لما كان من الثابت في قضية الحال أن الطاعن لم يأت بأي من شهادة العيان أو شهادة السماع لإثبات زواجه فإن قضاة الموضوع برفضهم دعوى إثبات الزواج العرفي أعطوا لقرارهم الأساس القانوني ومتى كان ذلك إستوجب رفض الطعن " (1) .

2 - شــروط آداء الشهادة :
1.2 - شروط ترجع إلى الشاهد :

* الولاية : يشترط الفقهاء أن يكون الشاهد من أهل دين المشهود عليه فلا ولاية لغير المسلم على مسلم .

* أن لا يكون الشاهد غير مقبول الشهادة شرعا : لقوله صلى الله عليه وسلم : " لا شهادة لمتهم " ، و التهمة إما أن تكون فسق الشاهد ، أو وجود صلة خاصة بينه وبين المشهود عليه ، النائحة ، المغنية ، مدمن الشرب و المخنث ومن يقامر بالنرد والشطرنج ... (2) ، أي كل من لا تفترض فيه العدالة ويكون معروفا بسوء السيرة وذهاب الأخلاق .

(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 27/03/1989 ، مجلة قضائية ، 1990 ، العدد 03 ، ص 82
(2) عبد الحميد الشواربي ، الشهادة في المواد المدنية والتجارية والجنائية والأحوال الشخصية ، دار المطبوعات الجامعية ، الإسكندرية ، 1992 ، ص 357 .



* الأهلية : أي ينبغي أن يكون الشاهد بالغا وقت آداء الشهادة .
بالنسبة للمشرع الجزائري بالإضافة لإحالته لقواعد الشريعة الإسلامية فيما يخص شروط الشاهد ، فإنه وضح في المادة 64 من قانون الإجراءات المدنية من تجوز شهادتهم في إثبات الزواج العرفي فإنه بإستثناء الأبناء يجوز قبول شهادة أقارب الزوجين أو أصهارهم على عمود النسب أو أحد الزوجين ولو بعد الطلاق ، أو إخوة أو أخوات أو أبناء عمومة الخصمين للشهادة في الزواج العرفي .

لكن إتجاه المحكمة العليا في هذه النقطة كان متذبذبا فكانت في قرار لها ترفض شهادة الأقارب في الزواج والنسب وفي قرار آخر لها سلكت عكس الاتجاه الأول .

فأصدرت المحكمة العليا قرار قضت فيه : " من المقرر قانونا أنه لا يجوز سماع شهادة أقارب أحد الخصوم أو أصهارهم على عمود النسب ، ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد خرقا للقانون " (1) .

إلا أنه وفي نفس المسألة صدر قرار جديد عن المحكمة العليا بتاريخ 28/10/1997 يقضي بأنه " يجوز في الدعوى الخاصة بمسائل الحالة والطلاق إستدعاء إخوة الخصوم للشهادة لإثبات الزواج وليس سماعهم على سبيل الاستدلال فقط " (2) .

إذن وحسب المادة 64/3 من قانون الإجراءات المدنية فللقاضي أثناء التحقيق أن يعتمد على شهادة أقارب الزوجة كأشقائها للتأكد من زواجها بالمدعى عليه ، وهو الأمر الذي جعل المحكمة العليا تتراجع عن إتجاهها الأول في إستبعاد شهادة الأقارب وجعلها ضرورية ليست على سبيل الإستدلال فحسب بل وكدليل كاف لإثبات عقد الزواج العرفي.






(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، مجلة قضائية ، 1993 ، العدد 02 ، ص 37 .
(2) نشرة القضاة ، 1999 ، العدد 55 ، ص 175 .


ونحن من جهتنا نرجح الإتجاه الثاني الذي ذهبت إليه المحكمة العليا وذلك لسببين إثنين هما :
1 – أن المادة 223 من قانون الاسرة تنص على أن تلغى جميع الأحكام المخالفة لهذا القانون ، والمادة 64 الفقرة الثالثة من قانون الإجراءات المدنية لم تأت مخالفة لقانون الأسرة ، بل بالعكس فقد جاءت مدعمة له وموضحة لمن تجوز لهم الشهادة في مسألة من أهم مسائل الأحوال الشخصية وهي واقعة الزواج .
2 – أن الشريعة الإسلامية تقبل في أحكامها شهادة الأقارب وخاصة في مسألة إثبات النكاح .
2.2 - شروط ترجع إلى الشهادة :
* أن تكون الشهادة مطابقة للوقائع المادية .
* أن تكون الشهادة موافقة للدعوى : فلا تقبل الشهادة المنفردة عن الدعوى فإذا كنا بصدد دعوى لإثبات الزواج العرفي ، فيجب أن تنصب الشهادة على واقعة الزواج العرفي دون غيرها .
فلا يشهد الشاهد مثلا على وجود أولاد بين فلان وفلانة ، لأن ذلك ليس قرينة على حصول زواج شرعي مكتمل الأركان.
* أن تكون شهادة الشاهدين متوافقة ، لأن بإختلافهما لم يكتمل نصاب الشهادة ولا يجب أن تكون هذه الموافقة تامة بل يمكن أن تكون ضمنية ، كأن يشهد الشاهد الأول بأنه حضر زواج فلانة بفلان في شهر جويلية من سنة 1998 ، ويصرح الشاهد الثاني بنفس السنة دون ذكر الشهر ، أو كأن يشهد شاهد في عقد زواج عرفي أن فلانة زوّجها وليها لفلان على صداق قدره أربعين ألف دينار، ويشهد الثاني بنفس الشيء دون أن يحدد قيمة الصداق .
ففي الحالتين يقبل القاضي الشهادتين ما دام الفرق في قولهما لا يصل إلى حد التعارض، ويبقى فقط على القاضي تقدير مدى توافر الشهادة على الشروط المقررة شرعا ومدى كمالها ووضوحها ودقتها لإستخلاص الأركان الواجب توفرها لإبرام عقد الزواج العرفي ومن ثمة الأخذ بها لقبول تسجيل واقعة الزواج العرفي أو رفضها .


وقد جاء في قرارات المحكمة العليا أن الزواج العرفي لا يمكن إثباته بواسطة شهادة متناقضة ، وأهم ما جاء في هذا القرار :
" من المقرر شرعا أن التناقض في الشهادة يزيل أثرها ويمنع بناء الحكم عليها ومن ثمة فإن القضاء بخلاف ذلك يعد خرقا لأحكام الشريعة الإسلامية ... وإذا كان إثبات الزواج أو نفيه يرجع لسلطة قضاء الموضوع ، فإن ذلك يوجب أن تبقى على بينة لا يدخل فيها الشك ولا يحيط بها الإحتمال ، ليست متناقضة ولا ناقصة.
وبالرجوع إلى أقوال الشهود الذين إستمع المجلس لهم خاصة منهما (ب.س)و(د.س) واللذان شهدا بشيء مغاير لما شهدا به أمام المحكمة فشهادتهما لا تتضمن أنهما حضرا قراءة الفاتحة وبمحضر والد الطاعن وشخصين آخرين جاءا رفقته كما لم يشهدا بقدر الصداق بل لم يذكرانه أصلا ، بينما أمام المجلس جاءا بهذه الرواية وهذا التناقض بين شهادتهما في كل من المحكمة والمجلس يرفع عنهما الحجية ويستبعد العمل بها شرعا لإنعدامها، بذلك فالتناقض في الشهادة يزيل أثرها ويمنع بناء الحكم عليها لإحتمال صدقها و كذبها ومن إحتمال هذا وذلك سقط به الإستدلال.
لذا لم يبق من الشهود سوى (ع-ع) الذي تعد شهادته مقبولة ، لكن الزواج ليس مما يثبت بالشاهد الواحد مع اليمين ، وكان على المجلس أن يتعرف على الشخصين اللذين رافقا والد الطاعن إن لم يكونا من الأشخاص الذين استمعت المحكمة لهم فقد يجد في أقوالهما ما يزكي أقوال هذا الشاهد ، وبما أنه لم يفعل وإعتمد في إثبات الزواج على بينة ناقصة فإنه حاد على القانون وعرض بذلك قراره للنقض " (1).

3.2 - شروط ترجع إلى المشهود به:
يشترط أن يكون المشهود به معلوما للشاهد ، فلا يصلح للشاهد أن يشهد بشيء حتى يحصل له به علم ، لا بما شك فيه ولا بما يغلب الظن على معرفته لأن فائدة الشهادة إلزام المدعى عليه (2) .



(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، مجلة قضائية ، 1991 ، العدد 01 .
(2) عبد الحميد الشواربي، المرجع السابق ، ص 166 .


فلا يشهد الشاهد مثلا أن فلانة زوجة فلان بانيا إعتقاده هذا من خلال رأيته لهما وهما يسكنان نفس البيت ، ويتعاملان كما يتعامل الأزواج وهو ما إتجهت إليه المحكمة العليا في قرارها الصادر بتاريخ 30/04/1990 الذي جاء فيه :
"من المقرر شرعا وقانونا أن الزواج الشرعي يقوم على العلانية والشهرة ومراعاة أركانه وشروطه ... والزواج العرفي ما يزال معمول به متى توافرت فيه الشروط والأركان ، والطاعنة عجزت عن إثبات زواجها رغم محاولات الشهود لها بالزواج وأدينوا معها في جريمة التزوير ، فمعاشرة رجل لإمرأة طالت مدتها أو قصرت ، ولو وقع الإشهاد بها لا تعد زواجا ... " (1).

4.2 – نصـاب الشهـادة :
إن نصاب الشهادة حسب الشريعة الإسلامية يختلف بإختلاف المشهود به وقد قسم فقهاء الشريعة الإسلامية المشهود به إلى أربعة أقسام نذكر منها ما يهم موضوعنا .
فإن كان المشهود به ما تثبت به الحقوق مع الشبهات سواء كان الحق مالا أو غير مال كالبيع ، النكاح ، الطلاق ، العدة ، النسب فنصاب الشهادة هنا رجلان أو رجل وإمرأتين، لقوله تعالى:" فإن لم يكونا رجلين فرجل وإمرأتان " (2) .

وقد أخذ القضاء الجزائري بهذا النصاب ، ونذكر في هذا الصدد قرار المحكمة العليا مؤرخ في 15/12/1986 أهم ما جاء فيه :

"من القواعد المقررة شرعا أن التنازع في الزوجية إذا إدعاها أحدهما وأنكرها الآخر فإن إثباتها يكون بالبينة القاطعة تشهد بمعاينة العقد أو السماع الفاشي ، والشهادة المعتبرة في الزواج هي شهادة عدلين ذكرين ومن ثم فإن القضاء بما يخالف هذا المبدأ يعد مخالفا لأحكام الشريعة الإسلامية ، حيث ثبت لها في القضية أن القرار المطعون فيه جاء خاليا



(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 30/04/1990 ، مجلة قضائية ، 1992 ، العدد 02 ، ص64 .
(2) عبد الحميد الشواربي ، المرجع السابق ، ص 376 .


من أية بينة تدل على وجود الزواج سوى أقوال إمرأتين لا يعتد بشهادتهما في إثبات الزواج شرعا ، فإن تقريره بوجود الزواج يعد مخالفا لأحكام الشريعة الإسلامية ومخطأ في فهم أنواع الشهادات في الفقه مما استوجب النقض ." (1)

5.2 - آداء الشهـــادة :
إن سماع الشهود يكون أمام المحكمة ، طبقا للأوضاع المقررة قانونا لذلك ، فلا عبرة بأي شهادة يحصل الإدلاء بها خارج مجلس القضاء ولو كان ذلك أمام موظف عام مهما علت درجته طالما أنه ليست له ولاية القضاء ، وهذا ما إتجهت إليه المحكمة العليا في قرار لها صادر بتاريخ 11/12/1989 أهم ما جاء فيه :
" من المقرر شرعا أن الشهادة الشرعية في إثبات الحق أو نفيه عن الشخص هي التي تؤدى أمام القاضي ويتخذ في شأنها إجراءات نص القانون عليها كتحليفهم ومعرفة ما إذا كانوا أهلا للشهادة والتحقق من توفر شروط الآداء فيهم ، وهناك شهادة أخرى يشهد أصحابها أمام موظف مختص لتلقي شهادات معمول بها قضاءا ، ويحكم بناءا عليها ، ومن القضاة من يحضر أمامه أشخاص هذه البينة التي تلقاها الموثق ، ويحلفهم قبل أن يحكم بما شهدوا .

وعليه فإذا لم يكن في القضية سوى الإثبات بالبينة ، فالقاضي هو الذي يستمع للشهود ، فإن استمع إليهم غيره وبنى حكمه على شهادتهم كما هو الحال هنا فإن حكمه يكون قائما على غير أساس قانوني .

فالخبيـر ليـس مـن مهمتـه سمـاع الشهود أو إعطاء رأيه في شهادتهم و إلا فإنه يكون قد سلب سلطة القاضـي وحـل محلـه ، وهـذا غيـر جائـز قانـونا ، فالأمـر يتعلـق بالإقنـاع الـذي يكـون مـن الحجـج الشرعيـة أو البينـة الشرعيـة والقرار المطعون فيه جاء صـادر علـى الحكـم الـذي إعتمـد علـى أقـوال أشخـاص لـم يتخــذ فـي شأنهـا مـا هـو مطلـوب قانـونا وقبلــت بعيـدا عـن المحكمـة ،



(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 15/12/1986 ، مجلة قضائية ، 1993 ، العدد 02 ، ص 57 .


فإنه خالف النصوص القانونية وإنتهك القواعد الشرعية وعرضوا قرارهم لعدم التأسيس القانوني ، ومتى كان كذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه " .(1)

أما دور القاضي حيال الشهود فيتمثل في استفسارهم عما إذا حضروا مجلس العقد ويتأكد من عددهم حتى يحترم نصاب الشهادة ، ويتأكد من هوية الشاهد الكاملة من خلال بطاقة التعريف ، ودرجة القرابة بالخصوم ، ثم يتم تحليف الشاهد اليمين القانونية على أن لا يقول غير الحق ، ثم يتم سماعه على محضر سماع الشهود الذي يدون فيه هوية الشاهد الكاملة من إسم ولقب ومهنة وسن وموطن ودرجة قرابته بالخصوم مع الإشارة لتأدية اليمين القانونية .

بعدها يقوم القاضي باستفسار الشهود عن معرفتهم للخصوم ، وفيما إذا حضروا فاتحة الزواج أم حفل الزفاف ، ومن تولى العقد كولي للزوجة ، و يسألهم عن التاريخ أو السنة التي تم فيها الزواج العرفي لاسيما إن كانت الشهادة سماعية وعن مكان إبرام عقد الزواج العرفي ، كما يستفسرهم عن مقدار الصداق المقدم وهل هو مؤجل أو معجل .

وعلى القاضي وهو بصدد الاستماع للشهود أن يحكّم ذكاءه وخبرته ، وأن يدقق في كل كبيرة وصغيرة صرح بها الشاهد و يقارن بين تصريحات الشهود عساه يجد تعارضا في أقوالهم ، وعليه أن يربط بين كل تلك التصريحات ليستنبط منها أخيرا أركان الزواج المذكورة في المادة التاسعة من قانون الأسرة ليقرر تثبيت الزواج العرفي من عدمه .

لكن الإشكال المطروح هو أنه : إذا كان من المفترض توفر عنصر العدالة وحسن السيرة والأخلاق لدى الشاهد ، فكيف يتأكد القاضي من توفر هذه العناصر في كل شاهد خاصة بالنظر إلى كثافة الملفات المعروضة أمامه ؟



(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 11/12/1989 ، مجلة قضائية ، 1993 ، العدد 02 ، ص 61 .

6.2 - هل يجوز للشاهد أن يرجع عن شهادته ؟

حسب الشريعة الإسلامية فإنه يجوز للشاهد أن يرجع عن شهادته، ورجوعه صحيح و مقبول بشرط أن يكون في مجلس القضاء ، وتبرير ذلك أن رجوع الشاهد عما أدلى به إن كان كذبا هو عودة إلى الحق ، وقد إستدلوا بذلك عن رواية حدثت مع علي- رضي الله عنه - أين شهد عنده رجلين خطأ على رجل بالسرقة فقطعت يده ثم عادا وتراجعا عن أقوالهما متهمين رجل آخر وليس الرجل الأول فقال لهما علي- رضي الله عنه - : » لا أصدقكما على هذا الأخير ، وأضمنكما يد الأول ، ولو أني أعلمكما ، فقلتما ذلك عمدا قطعت أيديكما « ففي هذه الرواية دليل أن الرجوع عن الشهادة صحيح في حق الشاهد (1) .

فإذا سلطنا الضوء في هذه النقطة – رجوع الشاهد عن شهادته – على مسألة الزواج العرفي ، وإفترضنا أن القاضي أثبت الزواج بين فلان و فلانة بناءا على شهادة سماعية ، وصدر الحكم وإستوفى طرق الطعن و أصبح نهائيا ، ثم أتى نفس الشاهد الذي شهد بواقعة الزواج العرفي ورجع عن شهادته مبررا ذلك بأنه قد تم إيهامه أن فلانة هي
حقا زوجة فلان ، فما هو موقف القاضي هنا ؟

إذا كان رجوع الشاهد قبل صدور الحكم بتثبيت الزواج العرفي الحالي يستبعد القاضي شهادته ولا يقضي بها لبطلانها بتراجعه عنها ، وإن لم يصبح الحكم نهائيا ، فيجوز تصحيح الوضع على مستوى درجات التقاضي الأخرى ، لكن كيف يكون الوضع إن صار الحكم نهائيا ، ورتب آثاره كاملة خاصة إن كان الزوجين متوفيين فهل يجوز في هذه الحالة طرح المسألة من جديد على القضاء ، والتحقيق في هذا الزواج من جديد ؟




(1) عبد الحميد الشواربي ، المرجع السابق ، ص 428 .


وكيف سيكون موقف القاضي حيال الشاهد الذي تراجع عن شهادته كونه وقع ضحية إيهام من الغير على أن فلانة زوجة فلان ، فهل تتابع النيابة هذا الأخير جزائيا بتهمة شهادة الزور ؟ و كيف يكون ذلك ونحن نعلم حسب الشريعة الإسلامية و القواعد العامة للإثبات أن الشهادة السماعية لا تحمّل صاحبها المسؤولية الشخصية عما أدلى به لأنه نقل كلام عن غيره من الناس ، ولم ينقل واقعة عاينها بسمعه وبصره هو شخصيا.

في هذه المسألة بالذات يمكن إستنتاج الحل من خلال موقف المحكمة العليا التي إستقرت على أن الحكم القاضي بإثبات واقعة الزواج له حجية مؤقتة ، على خلاف بقية الأحكام التي لها حجية مطلقة ، وذلك في قرار لها صادر بتاريخ 15/12/1998 ، أهم ما جاء فيه :

" حيث أن إثبات واقعة الزواج ليس لها حجية الشيء المقضي فيه حسب مفهوم المادة 338 من القانون المدني ، بإعتبار واقعة الزواج العرفي لها حجية مؤقتة " (1) .

من خلال هذا القرار يمكن إستنتاج أنه متى توفرت الأدلة التي تؤدي إلى خلاف ما إنتهى إليه الحكم الذي إستوفى طرق الطعن ، يمكن رفع دعوى جديدة لنفي ما إنتهى إليه الحكم الأول .







(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 15/12/1998 ، المجلة القضائية ، عدد خاص ، 2001 ، ص 56 .




المطلــب الثالـــــــث :
النكــــــول عــــــــن اليميـــــــــــن

1 – تعريف اليمين والنكول عنها :

اليمين بوجه عام هو قول يتخذ فيه الحالف الله شاهدا على صدق ما يقول أو على إنجاز ما يعد و يستنزل عقابه إذا ما حنث وهي عمل مدني وديني في نفس الوقت .
أما النكول عن أدائها فهو رفض من وجهت إليه اليمين حلفها ، فإذا نكل عنها خسر دعواه، وهو ما نصت عليه المادة 247 من القانون المدني : » كل من وجهت إليه اليمين فنكل عنها ... خسر دعواه « .

والنكول عن اليمين في الشريعة الإسلامية لا يعتد به عموما باستثناء بعض الفقهاء منهم الصاحبين الذين يتخذون النكول عن اليمين وسيلة كافية بحد ذاتها لإثبات واقعة الزواج العرفي .

حيث يقول الإمام أبو زهرة أنه : "عند فشل إثبات الزواج بكل من وسيلتي الإقرار و البينة ، توجه اليمين إلى المرأة - ويبين أن ذلك رأي الصاحبين – فإن حلفت رفضت دعوى الزوج ؛ وإن نكلت عن اليمين قضي عليها بالزواج ؛ لأن النكول إقرار على مذهب الصاحبين المفتى به في الفقه الحنفي " (1) .

ويؤكد الأستاذ فارس محمد عمران في إثبات الزواج العرفي أن النكول عن اليمين يوجه في الزواج عند الصاحبين (2) .


(1) الإمام أبو زهرة ،الأحوال الشخصية ، ص17.
(2) فارس محمد عمران ، المرجع السابق ، ص31.



2 – حجيــة اليميـن :

إن حجية اليمين في القواعد العامة للإثبات كالإقرار قاصرة على الحالف وورثته بصفتهم خلفا عاما له سواء كان ذلك عند الحلف أو عند النكول ولا تتعدى إلى الغير .

لذلك فإن موقف القضاء حيال اليمين هو عدم إعتبارها وسيلة كافية في حد ذاتها لإثبات واقعة الزواج العرفي .

ففي محاكمنا و مجالسنا القضائية لا يكون الإعتداد باليمين إلا في حالة وفاة أحد الزوجين أو وفاتهما معا ، ويتعين على القاضي توجيهها إلي المدعي بالإضافة إلى سماع شهادة الشهود الذين يؤكدون صحة إنعقاد الزواج العرفي وفقا للشريعة الإسلامية مع بيان توفر أركان المادة التاسعة من قانون الأسرة.

فإذا مات أحد الزوجين و إدعى الحي منهما الزوجية وليس له إلا شاهد واحد يشهد بالزوجية شهادة مفصلة قطعية يحدد فيها مبلغ الصداق المسمى و تأجيله أو تعجيله ، ومن تولى العقد فإن الزواج يثبت لكن مع يمين المدعي ، و هو الأمر الذي إستقرت عليه المحكمة العليا في قرار لها صادر بتاريخ : 23/09/1988 أهم ما جاء فيه :

» إذا كان من المبادئ الشرعية السائدة فقها وقضاء أن إثبات عقد الزواج في حالة وفاة أحد الزوجين يكون مؤسسا على شهادة شهود يؤكدون صحة إنعقاده وفقا للشريعة الإسلامية ، وأن الاكتفاء بشهادة ثلاثة أشخاص كان أفضل من شهد منهم أنه حضر الفاتحة ، فهي شهادة في غاية الإجمال ، و ليست مما يثبت بها عقد الزواج إذ لما كانت شهادة الآخرين أضعف منها ، فإن الإثبات على هذا النحولا يكفي وحده إلا مع يمين المدعية ، لذا يستوجب نقض القرار القاضي لإثبات عقد زواج المدعية بشخص متوفي تأسيسا على شهادة ثلاثة أشخاص ليست كافية لهذا الإثبات ودون تحليف المدعية اليمين "(1) .


(1) المحكمة العليا، غرفة الأحوال الشخصية ، 23/09/1985 ، مجلة قضائية ، 1990 ، العدد 01 ، ص95 .


و قضت كذلك في قرار آخر صادر بتاريخ : 22/09 / 1998 أهم ما جاء فيه :

» يثبت الزواج العرفي بعد موت أحد الأزواج بشهادة الشهود ويمين ، وهذا طبقا لقول خليل في باب أحكام الشهادة " لا نكاح بعد الموت " ، و من ثم فإن قضاة الموضوع بقضائهم بتوجيه اليمين للمطعون ضدها حول إعادة زواجها العرفي من الهالك إضافة إلى سماع شهادة الشهود طبقوا صحيح القانون « (1) .

وخلاصة القول فإنه إذا كانت الشريعة الإسلامية تعتمد على كل من الإقرار ، والبينة والنكول عن اليمين لإثبات الزواج العرفي فإن القضاء الجزائري يركز على شهادة الشهود بالدرجة الأولى ، أما اليمين فيلجأ إليها لتدعيم وتأكيد شهادة الشهود في حالة وفاة أحد الزوجين ، أما الإقرار القضائي فلا يعتد به إطلاقا عكس الإقرار غير القضائي الذي يتم التصريح به أمام الموثق ، والذي تعتد به محاكمنا ومجالسنا القضائية في إثبات واقعة الزواج العرفي غير المتنازع عليه ، رغم أن المحكمة العليا إستبعدت مثل هذا التحقيق الذي يجريه الموثق و الذي إعتبرته من الصلاحيات المميزة والأساسية للقاضي والتي يجب أن لا يفوضها للموثق .











(1) المحكمة العليا ، غرفة الأحوال الشخصية ، 22 / 09 / 1998 ، مجلة قضائية ، 2000 ، العدد 02 ، ص 173 .


المبحــــث الثانـي :
إجـــــراءات تسجيــــل عقـــد الـزواج العرفـــي

تأكيدا لما سبق ذكره فإن الإشكالية في الزواج العرفي تنصب على مسألة تسجيله ،
والتسجيل يقتضي إتباع إجراءات خاصة ، بإختلاف مكان إنعقاد العقد وبإختلاف الفترة الزمنية التي أبرم فيها ، ولذلك حاول المشرع في كل مرحلة معالجة عقود الزواج العرفية عن طريق سنّه لمجموعة من النصوص القانونية ، والتي تلزم المواطنين المتزوجين عرفيا أن يتقدموا إلى المحاكم لإستصدار أمر أو حكم لتسجيل عقودهم في سجلات الحالة المدنية وفقا للإجراءات المنصوص عليها في تلك القوانين ، وعليه سنتطرق إلى هذه النصوص القانونية .

المطلــب الاول :
النصــوص التـي تنـاولت تسجيل عقــد الـزواج العرفي

بداية من سنة 1882 تاريخ إنشاء نظام الحالة المدنية في الجزائر ، وإلى غاية سنة 1984 تاريخ صدور قانون الأسرة ، صدرت عدة قوانين ومراسيم نصت على تسجيل عقود الزواج العرفية ، منها ما صدر قبل الإستقلال ومنها ما صدر بعده .

1- القوانين الصادرة قبل الاستقلال :

إن أول تنظيم لقانون الحالة المدنية في الجزائر كان على يد الإستعمار عندما أصدر قانون 23/03/1882 المتعلق بالحالة المدنية للأهالي المسلمين بالجزائر والمعدل بقانون 02/04/1930 ، ونصت المادة 16 منه على أن :





" وثائق الميلاد و الوفاة المتعلقة بالأهالي الجزائريين يجري تنظيمها و تسجيلها في سجلات الحالة المدنية وفقا للأشكال و الأوضاع المنصوص عليها في القوانين الفرنسية النافذة أما الوثائق المتعلقة بالزواج و التفريق و الطلاق الرضائي فإنها ستنظم وتسجل في سجلات الحالة المدنية بناءا على تصريح يقدمه الزوج إلى رئيس البلدية أو المحاكم العسكرية " (1) .

كما رتب هذا القانون على كل مخالفة لأحكام هذه المادة عقوبة بدنية تتراوح ما بين 6 أيام إلى 6 أشهر حبسا وعقوبة مالية تتراوح مابين 16 إلى 300 فرنك غرامة .

غير أن هذا القانون إنحصر تطبيقه في جهات معينة أهمها المناطق التي تركزت فيها مصالح الإستعماريين وإحتاجت فيها السلطة الفرنسية إلى التعامل مع بعض الجماعات من الجزائريين لإستخدامهم في إداراتها.

وظل هذا القانون هو المطبق في بلادنا إلى أن ألغي بموجب المادة 18 من الأمر رقم 66-307 المؤرخ في 14/10/1966 والمتضمن شروط تأسيس الحالة المدنية (2).

يمكن القول بأن إنفراد مناطق معينة بتطبيقها لهذا القانون جعل عقد الزواج في المناطق الأخرى خاضعا لأحكام الشريعة الإسلامية والتي لا تشترط تسجيله في سجلات الحالة المدنية ، ولا تخضعه لإجراءات معينة .

قانون 57-777 :
صدر هذا القانون خلال سنة 1957 ، ويتعلق بإثبات و تسجيل عقود الزواج السابقة له ، وقد نص في المادتين الثالثة والرابعة منه على :

(1) بداوي علي ، مقال عقود الزواج العرفية بين قصور أحكام القانون ومتطلبات المجتمع ، موسوعة الفكر القانوني ، العدد الثاني ، ص 33 .
(2) عبد الله شناح ، الزواج العرفي ، مذكرة نهاية التربص بالمعهد الوطني للقضاء ، سنة 1993 ، ص 05 .

" وجوب تسجيل عقود الزواج في سجلات الحالة المدنية بموجب حكم من رئيس المحكمة في غرفة المشاورة بناءا على طلب الزوجين أو طلب أحدهما ،وأن الحكم الصادر لا يقبل أي طريق من طرق الطعن " (1) .

هذا القانون تم إلغاؤه فيما بعد ، وقبل ذلك كان يطبق بأثر رجعي بالنسبة لجميع عقود الزواج المبرمة قبل صدوره ، بحيث تضمن إجراءات تسجيل عقود الزواج والتي تتم بناءا على طلب ينتهي بصدور حكم فيه ، خلافا للقانون السابق الذي يتم فيه التسجيل بناءا على تصريح يقدمه الزوج إلى رئيس البلدية أو المحاكم العسكرية .

وهذا يعني أن إجراءات التسجيل حسب هذا القانون ترفع أمام رئيس المحكمة بصفته الجهة المنوطة بالفصل في طلب تسجيل عقد الزواج .

الأمر 59-224 المؤرخ في 04/02/1959 ، والخاص بعقود الزواج التي يعقدها
الأشخاص الذين يخضعون للأحوال الشخصية المحلية وذلك في عمالات الجزائر ، والساورة و الواحات .
حيث نص هذا الأمر في المادة الثالثة منه على تسجيل عقود الزواج في سجلات الحالة المدنية ، غير أنه فرق بين إجراءات التسجيل بحسب الجهة التي يتم إبرام الزواج أمامها .

فإذا تم الزواج أمام ضابط الحالة المدنية ، وجب على هذا الأخير أن يسلم للزوجين دفترا عائليا يثبت إنعقاد الزواج ، أما إذا تم الزواج أمام القاضي وجب أن يثبت ذلك في وثيقة وأن يسلم إلى أصحابها شهادة بإنعقاد الزواج ، ثم يرسل إلى ضابط الحالة المدنية نسخة من عقد الزواج خلال 03 أيام ، وعلى هذا الأخير أن يسلم الزوجين دفترا عائليا (2) .




(1) عبد العزيز سعد ، المرجع السابق ، ص 20 .
(2) عبد الله شناح ، المرجع السابق ، ص 05 .

كما منعـت نفس المـادة إقامـة حفـل الـزواج إلا بعد الإطلاع على الشهادة و الدفتر العائلي ، وأضافت المادة السادسة من نفس الأمر أن إنحلال الزواج لا يكون إلا بقرار من القضاء فيما عدا حالات الموت (1).

إن هذا الأمر كان يهدف إلى القضاء على الزواج العرفي و الطلاق العرفي الذي يتم أمام الجماعة ، كما أن الإستعمار الفرنسي كان يهدف من وراء ذلك إلى إحكام قبضته على الأسرة الجزائرية و إحصاء كل تصرفاتها .

وخلاصة القول أن هذا الأمر إنحصر تطبيقه في مناطق معينة على سبيل الحصر ، مما يجعل عقد الزواج في غير هذه المناطق خاضعا لأحكام الشريعة الإسلامية ، كما أنه نص على إجراءات تسجيل عقود الزواج المبرمة بعد صدوره ، ولم يتحدث عن كيفية تسوية عقود الزواج المبرمة قبله ، والأهم أنه فرق بين الزواج الذي يتم أمام ضابط الحالة المدنية والذي يتم أمام القاضي من حيث إجراءات تسجيله ، وخلص في النهاية إلى أن قيام الزواج يثبت بشهادة إنعقاد الزواج و بالدفتر العائلي ، وأن إنحلاله يكون بقرار من القضاء ، ومنه فلا يمكن الإحتجاج بخلاف ذلك .

2 – القوانين الصادرة بعد الإستقلال :

بعد الإستقلال إستمر العمل بالقوانين و المراسيم التي نظمت عقود الزواج والتي كانت سارية وقت الإستعمار ما عدا تلك التي تتعارض نصوصها مع السيادة الوطنية ، ثم صدرت عدة قوانين يمكن التطرق إليها كمايلي :

مرسوم 62-126 المؤرخ في 31/12/1962 نص هذا المرسوم في المواد الخمس الأولى منه على إمكانية وكيفية تقييد حالات الولادة و الزواج و الوفاة الواقعة داخل وخارج التراب الوطني خلال الفترة ما بين أول نوفمبر 1954 و خمسة جويلية 1962 .




(1) المرجع السابق ، ص 05 .


ونصت المادة السابعة منه على أن السجلات المتضمنة وثائق الزواج والولادة والوفاة والمحررة من قبل الهيئات التابعة لجبهة التحرير الوطني وجيش التحرير الوطني في الجزائر وتونس والمغرب تخضع إلى تأشيرة و موافقة وكلاء الدولة لدى المحاكم الإبتدائية الكبرى بالجزائر وقسنطينة ووهران الذين يأمرون بتقييد وثائق الميلاد والزواج والوفاة التي تضمنتها السجلات المذكورة في سجلات الحالة المدنية لبلديات الجزائر الكبرى وقسنطينة ووهران تبعا لآخر موطن في البلاد .

كما تنص المادة الثامنة على أن وثائق الولادة والزواج والوفاة المحررة في الخارج بشكل نظامي يمكن تقييدها في سجلات الحالة المدنية بمجرد طلب من وكيل الدولة المختص وبعد ذلك نصت المادة 14 على أن أحكام هذا المرسوم ستكون قابلة للتطبيق خلال مدة سنة إبتداءا من تاريخ دخولهم حيز التنفيذ (1) .

وبذلك يبقى الإشكال مطروح بالنسبة لعقود الزواج المبرمة قبل صدور هذا المرسوم و التي فاتها ميعاد السنة .

قانون 63-224 المؤرخ في 29 جوان 1963 والمتعلق بتعيين الحد الأدنى لسن الزواج ووجوب تسجيل عقود الزواج خلال أجل محدد ، وكان هدفه هو القضاء على الزواج العرفي أو التقليل منه .

بحيث نص في المادة الخامسة منه :" لا يجوز لأحد أن يدعي بأنه زوج و أن يطالب بما يترتب على ذلك من آثار ، مالم يقدم زواج مسجل بسجلات الحالة المدنية " (2).




(1) عبد العزيز سعد ، نظام الحالة المدنية في الجزائر ، الطبعة الثانية ، دار هومه ، الجزائر ، ص 26 –27 .
(2) عبد الله شناح ، المرجع السابق ، ص 06 .