ج. الخطأ في التحذير يلتزم المنتجين للمنتجات ذات الطبيعة المعقدة والتي تتطلب دقة كبيرة في استعمالها، أن يصرح بهذه الطبيعة الخطرة لها، كصانع الطائرة الذي يُلزم بالإفضاء بالمعلومات المتعلقة بكيفية استعمال هذه الأخيرة استعمالا صحيحا، و التحذير، مما قد ينتج عن استعمالها من مخاطر وأضرار، والتحذير من عدم مراعاة احتياطات حيازتها و استعمالها، وهذا الالتزام بالتحذير هو التزام شخصي يجب على الصانع أو المنتج أو المحترف القيام به بنفسه، و لا يجوز أن يركن به للغير أو للموزع و إلا عُدَّ مُهْمِلا إهمالا جسيما.(3) د. الخطأ في مرحلتي التسويق والتوزيع وقد تضم مرحلة التوزيع والتسويق التي يقوم بها كل متدخل من غير المنتج الأصلي للمنتوج أخطاءا تقوم على أساسها مسؤولية هذا الأخير، ويتعلق الأمر بخطأ في التغليف و التعبئة أو يكون بالتقصير في تخزين السلعة أو المنتوج والمحافظة عليه وفق الشروط التي يتطلبها حفظها و تخزينها.(4) وكذلك قد يتصور الخطأ عند قيم المنتج بتسليم المنتجات إلى الزبائن بوصفه بائعا وذلك عند عدم مراعاته لقواعد التسليم التي تقتضي إتخاذ كافة الاحتياطات حتى لا يحدث ضرر للشخص الذي يتسلم هذه المنتجات(1)، أما فيما يتعلق بالأخطاء التي تنتج عن تهيئة المنتوج والتخزين المعيب له فإنه يتطلب أن يكون وفقا للشروط التي تسمح بالمحافظة على السلعة ووقايتها من الأخطار، و هي بالتالي أخطاء لا تحصى و لا تعد في هذا المجال خاصة إذا تعلق الأمر بتكليف المنتج بعض الوسطاء أو الوكلاء عنه للقيام بعملية التوزيع و التسويق.(2) وما يمكن استنتاجه من كل ما سبق أن الثورة الصناعية والآلة أبرزتا نقائص نظام المسؤولية المدنية بصفة عامة ومسؤولية المنتج بصفة خاصة بحيث تجلت تلك النقائص في بقاء عدد كبير من الضحايا حوادث النشاط الاقتصادي و الصناعي (المنتجات والخدمات المعيبة) بدون تعويض وذلك راجع لصعوبة إثبات خطأ المسؤول عن الأضرار التي تسببها المنتجات المعيبة(3)، حيث أصبحت المصانع تستعمل بعض المواد الضارة، وتصنع وتسوق منتوجات خطيرة كالمواد السامة وبالتالي تتسبب في تلوث المحيط، و تؤثر بالضرورة على صحة الأشخاص ومن الصعب جدا على الضحية إثبات خطأ المنتج أو المسؤول باعتبار أن الضرر من فعل الآلات و المواد المستعملة والسامة و ليس من فعل الإنسان، هذا ما جعل الفقه والقضاء يبحثان عن أسس جديدة لهذه المسؤولية تحقق حماية أكثر للضحايا (*)، ولقد تجلت بوادر ذلك بظهور بعض القوانين المتصلة بالموضوع كالقانون المتعلق بحوادث العمل في فرنسا الصادر في 09/04/1998، وتلاها القانون الخاص بالتعويض عن حوادث المرور الصادر في 05/07/1985 ثم القانون المتعلق بضحايا الإصابات بداء فقدان المناعة –AIDS- الناتج عن نقل الدم الموبوء الصادر في 21/12/1991. (4) وما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق أن الفقه قد أعطى تأويلات جديدة خاصة بنص المادة 1384 مدني فرنسي حيث وسع من مفهوم الخطأ الذي ترمي إليه هذه المادة وإفتراضه بصفة قطعية في جانب المنتج(1) ، و تخفيف عبء الإثبات عن المضرور كنتيجة لذلك وهو ما استقر عليه القضاء الفرنسي حيث اعتبر أن مجرد تسليم منتوج معيب يكفي لإثبات خطأ المنتج(2). ونتيجة لقصور فكرة الخطأ عمد الفقه والقضاء إلى استبدالها بفكرة المخاطر أو تحمل التبعة التي لا تشترط أن يكون الضرر ناشئا عن انحراف في سلوك محدثه حتى يلزم بالتعويض عنه، بل يكفي أن يكون الضرر قد وقع نتيجة نشاطه فيكون أساس المسؤولية الفعل الضار لا الخطأ فبمجرد حدوث ضرر عن فعل معين تقام مسؤولية مرتكبه، بحيث تكفي علاقة سببية مادية بين النشاط الذي مارسه المسؤول والضرر الذي أصاب المضرور. إن من أهم الأسباب التي دفعت إلى ظهور هذه النظرية هناك أسباب اقتصادية بانقلاب المجتمع من مجتمع زراعي إلى مجتمع صناعي، و أسباب فلسفية أيديولوجية لتعلقها بالمذهب الفردي، و أسباب اجتماعية منها النقابات العمالية و المجتمع المدني، و أخيرا أسباب قانونية بحيث ظهر قصور النصوص القانونية عن تغطية ما جد من حوادث لم تكن معروفة من قبل. الفرع الثاني: تحمل التبعة كأساس لمسؤولية المنتج بعدما فَصَّلْنَا في الفرع الأول في مدلول فكرة الخطأ كأساس قانوني لمسؤولية المنتج، سنتطرق من خلال هذا الفرع إلى أساس آخر لهذه المسؤولية يتمثل في نظرية تحمل التبعة وذلك من خلال تطرق على مضمون هذه النظرية وكذا تسليط الضوء على كيفية تنظيم التشريعات لها. أولا: مضمون فكرة المخاطر (أو تحمل التبعة) ظهرت هذه النظرية(*) في أواخر القرن التاسع عشر بفرنسا ومن أبرز روادها الأستاذ سالي « Sally » من خلال كتابه حوادث العمل و المسؤولية المدنية، و الأستاذ جوسران «Josran» في كتابه المسؤولية عن فعل الأشياء غير الحية، إعتبروا أن فكرة الخطأ أثرا من أثار الماضي الذي كانت المسؤولية المدنية فيه تختلط بالمسؤولية الجنائية والتعويض بالعقوبة فالمسؤولية الخطيئة ما هي إلا تحقيق لفكرة الذنب التي تقوم عليها المسؤولية الجنائية (**)، وهذه الفكرة لم يعد لها مجال في العصر الحديث الذي ترمي المسؤولية المدنية فيه إلى تحقيق غاية هامة هي تعويض الضرر الذي لحق المضرور لا إلى توقيع العقوبة على المسؤول(1)، لذا يجب هجر فكرة الخطأ واستبدالها بفكرة المخاطر التي لا تشترط أن يكون الضرر ناشئا عن انحراف في سلوك محدثه حتى يلزم بالتعويض عنه، بل يكفي أن يكون الضرر قد وقع نتيجة نشاطه فيكون أساس المسؤولية الفعل الضار لا الخطأ(2). وفيما يلي نحاول إعطاء تعريف لهذه النظرية وكذا تقديرها وفقا لما جاء به الفقه والقضاء في هذا المجال. 1. تعريف نظرية تحمل التبعة إن مؤدى هذه النظرية، أن كل نشاط يمكن أن ينتج ضررا يكون صاحبه مسؤولا عنه إذا ما تسبب هذا النشاط في إيقاع ضرر بالغير و لو كان سلوكه غير مشوب بأي خطأ(3) بمعنى لا تشترط أن يكون الضرر ناشئ عن انحراف في سلوك المنتج حتى يلزم بالتعويض، إنما يكفي أن يكون الضرر قد وقع نتيجة نشاطه(4)، و بالتالي فإن أساس هذه النظرية هو الضرر، و لا تقيم أي وزن للخطأ، فالعبرة بالضرر الذي لحق الضحية، و الذي يجب جبره ما لم يرجع ذلك لخطأ المضرور نفسه وتكون المسؤولية في ظل هذه النظرية مسؤولية موضوعية تتجاهل تماما سلوك الشخص الذي يتحمل تعويض الضرر الذي لحق الضحية.(5) وإنقسم أنصار نظرية تحمل التبعة إلى فريقين، فأما الفريق الأول فيرى أنها تقوم على أساس الغُرْمِ بالغُنْمِ، و التي تقضي بأن من ينتفع بشيء فعليه أن يتحمل مخاطر هذا الانتفاع التي تجعل مخاطر الاستغلال الصناعي على الخصوص على عاتق من يعود عليه ربحه، و أما الفريق الثاني فيرجع أساس هذه النظرية إلى الصورة العامة لمبدأ تحمل التبعة وهي نظرية الأخطار المستحدثة، بمعنى أن من ينشأ بنشاطه في المجتمع مخاطر مستحدثة، عليه أن يتحمل تبعته، بمعنى أن الحارس عند استعماله للشيء في نشاط ما فإنه سيحدث أخطارا، و من ثم وجب عليه تحمل النتائج المترتبة على هذه الأخطار و الحقيقة أن فكرة المخاطر المستحدثة تقتصر على الأشياء الخطيرة، كأن تكون لها قوة ذاتية تمكنها من الإفلات من سيطرة حارسها عند استعمالها و هو ما ذهب إليه المشرع المصري من خلال نص المادة 187 من القانون المدني الجزائري إذ تقتصر المسؤولية عن فعل الأشياء على الأضرار التي تتسبب فيها أشياء تتطلب حراستها عناية خاصة أو حراسة آلات ميكانيكية.(1) 2. تقدير نظرية تحمل التبعة لا يمكن نكران التحول الذي أحدثته هذه النظرية في نظام المسؤولية المدنية، و معها مسؤولية المنتج، بحيث يرجع لها الفضل في الإهتمام الذي أولته للأطراف الضعيفة في العلاقات القانونية القائمة، كالعمال و المستهلكين و عابري الطريق، واستهدافها لتحقيق التضامن الاجتماعي الهادف إلى تحقيق توازن بين ضحايا الآلات و المنتجات المتحملين غالبا لعيوبها و بين مُلاَّكِهَا الغانمين من نشاطها. ويبدو واضحا أثر هذه النظرية على نظام مسؤولية المنتج ذلك أن فكرة الخطر المستحدث تستدعي أن كل من اوجد شيئا خطرا بطبيعته أو لعيب فيه، نشا عنه ضرر يلتزم بالتعويض، بصرف النظر عما إذا كان مخطئا أو غير مخطئ طالما أن المنتج يحقق دائما الربح، وبهذا تعتبر فكرة المخاطر أكثر توافقا مع المستجدات الحالية التي تؤسس المسؤولية على فكرة الخطأ والتي تلزم المضرور بإثبات خطأ المنتج وهو إثبات عسير بالنظر إلى تعدي السلع والمنتوجات الطابع الحرفي. ويرى مؤيدي هذه النظرية أن إثباتها عسير خاصة عند إشتراك جملة من المنتجين في المسؤولية وبالتا لي يصعب تحديد مصدرها هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن تشديد مسؤول المنتج يحفزه على العناية بالإنتاج، و يدفعه لاتخاذ الوسائل الكفيلة بالوقاية من أخطاره(2)، يضاف إلى ذلك أن المنتج إذا أطلق دعاية حول المنتوج فالمستهلك يولي له الثقة الكاملة، يقبل من أجلها على الشراء منه، و من المنطق أن يتحمل نتائج هذه الثقة التي أوجدها، و لا ضرر عليه من تحمل هذه المسؤولية. لقد كان لهذه النظرية الأثر البارز في مسؤولية المنتج وبالرغم مما حققته من ضمانات للمضرور فإن ذلك لم يمنع من وجود مآخذ عليها نوجزها فيما يلي: إن هذه النظرية ترتب مساوئ متعددة على المستوى الاقتصادي فهي عندما تنتهي إلى تحميل الشخص كافة الأضرار التي تلحق الغير نتيجة نشاطه، فان ذلك يؤدي بالضرورة إلى شل الحياة الاقتصادية، و تثبيط همم الأفراد عن ممارسة أوجه النشاط المختلفة و التي تعود على المجتمع بأسره(3). و إن مقتضيات العدالة تقتضي تحقيق نوع من التوازن بين ما يغنمه المنتج من الشيء وما يترتب عن ذلك الشيء من أخطار شريطة أن يكون هذا التوازن على أساس معقول.(1) ثانيا: تحمل التبعة كأساس لمسؤولية المنتج في التشريعات الوضعية لقد سبق وأعطينا مضمون فكرة المخاطر أو تحمل التبعة و أهم المزايا و المآخذ التي وجهها أنصار نظرية الخطأ لها، لكن يبقى أن نوضح كيف تبلورت في ظل التشريعات الوضعية، و هل بالفعل يمكن الاعتماد عليها في تأسيس مسؤولية المنتج؟. و هو ما سنحاول أن نبينه من خلال توضيح هذه النظرية في القانون الفرنسي باعتباره النموذج الرائد الذي أسس لها ونبين موقف التشريع المصري بالأخذ بها، و أخيرا كيف أسس لها المشرع الجزائري من خلال نصوص القانون المدني. 1. فكرة المخاطر كأساس قانوني لمسؤولية المنتج في القانون الفرنسي قبل صدور القانون رقم 98-389 المتعلق بفعل المنتجات المعيبة، كان القانون المدني الفرنسي هو الذي يحكم مسؤولية المنتج، وبالتالي ولإثارة هذه المسؤولية كان على المتضرر أن يثبت خطا في جانب المنتج عقديا كان أو تقصيريا، لكن القضاء الفرنسي بدأ يتحرر من قيد تلك القاعدة، و ذلك بالاعتماد على نص المادة 1383 من القانون المدني الفرنسي (2)والتي تنص على حراسة الأشياء، والتي شَيَّدَتْ بناءا قانونيا للمسؤولية الموضوعية من خلال المبادئ القانونية التي وضعها حكم فرانك الصادر سنة 1941(*)، وهكذا استبدلت محكمة النقض الحراسة القانونية بالحراسة المادية، و صرفت النظر عن الحراسة القانونية، و أصبحت الحراسة المادية هي وحدها التي تؤخذ في عين الاعتبار.(3) و بمنطق نظرية المخاطر فإن القضاء الفرنسي اعتبر أن المنتج، و بالرغم من تسليمه للمنتوج يبقى محتفظا بمسؤوليته، وذلك على إعتبار أنه في هذه المرحلة يقع عليه عبء السيطرة و الرقابة وكذا إصلاح العيب حتى لا يرتب المنتوج أضرارا بعد طرحه للتداول، و ما يعزز هذا الطرح هو أن القضاء في فرنسا يسلم بانتقال المسؤولية من المنتج إلى مهني آخر حينما تتوفر فيه وسائل و إمكانيات السيطرة على الشيء، إضافة إلى ما سبق فإن المضرور غير مطالب بإثبات خطأ المنتج بل يكفيه إثبات أن الحادث قد ترتب عن فعل المنتوج، وبات من المستقر في القضاء الفرنسي أن بمجرد طرح منتوج معيب تقوم قرينة على خطأ المنتج، و هي قرينة قاطعة غير قابلة لإثبات العكس(1) ، فهذا الأستاذ فيليب مالينفوPhilippe Malinvaud يرى أن هذه القرينة التي وضعها القضاء في حق المهني بالعلم بالعيب، تتعدى هذا الإطار لتصل إلى مستوى ضرورة العلم بالعيب، و إزالته من المنتوج حتى لا يسبب مخاطر لطرحه، وهي برأيه تقترب بالالتزام بالسلامة أكثر من الالتزام بالضمان خاصة بعد صدور قانون 21/07/1983 المتعلق بسلامة و امن المستهلكين(2)، حيث تنص المادة 01 منه على ما يلي: "في الظروف العادية للاستعمال، و في الشروط الأخرى المقبولة المتوقعة من محترف ، يجب أن توفر المنتوجات والخدمات السلامة والأمان المشروع الذي يمكن أن ينتظر قانونا ، و ألا تحمل أي إضرار بصحة و سلامة الأشخاص". فمن الواضح أن النص يركز على فكرة السلامة والأمن من المخاطر التي تحدثها المنتجات والخدمات سواء ارتبط المستهلك بالمنتج بعقد أو لم يرتبط، ويكون بهذا قد توافقت مع التوجه القضائي في فرنسا الهادف إلى استفادة المتعاقد و الغير من الالتزام بالسلامة المترتب على المنتج.(3) مما يمكن إستنتاجه هو أن قانون 83-660 الصادر في 21 جويلية 1983 المتعلق بسلامة و امن المستهلكين، وضع آليات للحماية الوقائية للمستهلك (من خلال سلامته وأمنه)، ولم يكرس نظاما خاصا لمسؤولية المنتج، والذي تأخر إلى غاية 1998 بحيث صدر القانون رقم 98-389 والذي كرس الفكرة السابقة وهي الالتزام بالسلامة كأساس لمسؤولية المنتج(4)، هذا و تنص المادة 1386-1 من القانون 98-389 السالف الذكر بقولها: "يسأل المنتج عن الأضرار الناتجة عن منتوجاته المعيبة سواء ارتبط مع المضرور بعقد أم لا ". فمن الواضح أن النص السابق يؤكد على مسؤولية المنتج بدون خطأ و لعل هذا الحكم يجد سندا له في نص المادة 1386-11 من نفس القانون والتي استعملت في فقرتها الأولى عبارة المسؤولية بقوة القانون "la responsabilité de plein droit"(1)، وبالتالي فان هذا القانون أسس قاعدة قائمة على فكرة المخاطر، و هو تتويج لمسار طويل لتأسيس لمسؤولية المنتج على اعتبار موضوعي لا شخصي (فكرة الخطأ)، بدأه الفقه و كرسه القضاء الفرنسي وأهم ما إستحدثه النص بالمقارنة مع النصوص التي تقرر المسؤولية على الخطأ العقدي هو أن العيب يجب أن يرتبط بخلل و ملابسات تجعله خطيرا على سلامة وأمن الأشخاص و أموالهم.(2) 2. فكرة المخاطر كأساس لمسؤولية المنتج في القانون المصري ارتبط قيام المسؤولية المدنية للمنتج في القانون المصري بالقواعد العامة المتعلقة بالمسؤولية العقدية أو التقصيرية، و هي بالأساس قائمة على فكرة الخطأ العقدي أو التقصيري و يقع عبء إثباته على عاتق المضرور بإثبات الانحراف في سلوك المنتج أو بتقصير هذا الأخير أو إهماله، كما أنه يمكن أن تثار هذه المسؤولية باعتبار المنتج حارسا للمنتوج، وذلك على أساس الخطأ المفترض من جانبه وبالتالي يمكن للمضرور هنا التخلص من عبء إثبات الخطأ و هو ما قضت به المادة 178 مدني مصري(*). وعلى خلاف القواعد العامة فإن قانون التجارة المصري الجديد رقم 17 لسنة 1999 قد أسس مسؤولية المنتج بمقتضى المادة 67/1 والتي تنص على ما يلي: "يسأل منتج السلعة وموزعها قبل كل من يلحقه ضرر بدني أو مادي يحدثه المنتوج، إذا اثبت هذا الشخص أن الضرر نشأ بسبب عيب في المنتوج".(3) يتضح من النص السابق انه يَسَّرَ على المضرور عبء إثبات خطأ المنتج فألزمه فقط بإثبات أن الضرر نشا بسبب عيب في السلعة من دون أي تفرقة إذا كان هذا العيب يرجع إلى المنتج أو الموزع طالما انه لم تراعى في المنتوج أو العملية الإنتاجية الحيطة الكافية في التصميم أو التركيب، أو حتى في طريقة العرض(4) وبالتالي فالمشرع المصري قد أرسى نظاما خاصا لمسؤولية المنتج و الموزع أسسه على فكرة المسؤولية الموضوعية المرتبطة بفكرة الضرر الناتجة عن عيب في المنتوج في أي مرحلة من مراحل الإنتاج أو التسويق أو العرض النهائي له ، لذا فالحكم الذي رسخه القانون الجديد للتجارة يبدو جد متوافق مع نظرية الخطر المستحدث و التي تقيم التعويض على فكرة تحمل المخاطر. (1) 3. نظرية المخاطر كأساس لمسؤولية المنتج في القانون الجزائري قبل تعديل القانون المدني كانت مسؤولية المنتج تثار وفقا لأحكام المادة 124 منه، حيث كان على المضرور إثبات أن الضرر الذي حصل له جراء العيب في التواجد كان بسبب خطأ المنتج لكن لا يمكن اخذ هذه الفكرة - فكرة الخطأ-، على إطلاقها، و ذلك راجع للأسباب والأسانيد التالية: - إن مسؤولية المنتج يمكن إثارتها بحسب نص المادة 138 من القانون المدني الجزائري باعتبار المنتج مسؤولا عن الاشياء التي تكون تحت حراسته، و تؤسس المسؤولية وفقا لهذا النص بقوة القانون حتى بعد تسليم المنتوج، و لا تخضع بذلك لإثبات الخطأ من المتضرر، ودون الحاجة للتدليل بعيب في المنتوج بل يكفي مجرد التدخل الايجابي للمنتوج -فعل المنتوج-، في إحداث الضرر، وهو ما أكده القضاء الجزائري من خلال بعض الأحكام القضائية، ففي قرار مؤرخ في 20/01/1982 قضت المحكمة العليا بما يلي:"متى نص القانون على أن كل من يتولى حراسة شيء اعتبر مسؤولا عن الضرر الذي يحدثه ذلك الشيء...".(2) - يمكن إثارة مسؤولية المنتج كذلك وفق للقانون 89-02 المتعلق بالقواعد العامة لحماية المستهلك نتيجة لعدم مطابقة المنتوج أو الخدمة للمواصفات والمقاييس القانونية، وهو ما نصت عليه المادة 03 منه، وهي بذلك قرينة على خطأ المنتج لأنه خالف هذا الإلتزام القانوني – إلتزام المطابقة -بل أن طرح منتوج معيب هو في حد ذاته خطأ.(3) لكن بعد التعديل الذي ورد على القانون المدني في 20/06/2005 أسس المشرع الجزائري لمسؤولية المنتج من خلال نص المادة 140 مكرر بحيث تنص على ما يلي: "يكون المنتج مسؤولا عن الضرر الناتج عن عيب في منتوجه حتى و لو لم تربطه بالمتضرر علاقة تعاقدية". و بهذا فبمجرد إثبات العيب في المنتوج و الضرر وعلاقة السببية المباشرة بينهما يتقرر حق المضرور في التعويض بقدر ما لحقه من ضرر، و بهذا يكون المشرع الجزائري قد أقام نظام جديد لمسؤولية المنتج التي تقوم على أساس موضوعي لا على أساس شخصي، و الرأي أن المشرع الجزائري كان أكثر منطقية و تماشيا مع الواقع، ذلك أن حماية المستهلك تستوجب مساءلة منتج السلعة المعيبة بغض النظر عن خطئه تماشيا مع عصر العولمة المتميز بالتكنولوجيا المتطورة، كذلك لا يمكن استبعاد المسؤولية الناشئة عن منتجات لا تعتبر معيبة وفقا للتطور العلمي و التكنولوجي السائد وقت عرضها، و هو ما يعرف بخطر التطور العلمي(1) لأن المستهلك سيجد نفسه بدون حماية من الخطر الذي لا يظهر إلا بعد الإستعمال خصوصا في مجال الأدوية التي تشكل خطرا كبيرا على صحة المستهلك، وبذلك تقوم مسؤولية المنتج وفقا للمادة 140 مكرر من القانون المدني الجزائري بقوة القانون بحيث يكفي أن يسبب المنتوج ضررا دون الأخذ بعين الاعتبار سلوك المنتج (السلوك المنحرف للمنتج)، ولا يمكن لهذا الأخير نفي مسؤوليته حتى ولو أثبت قيامه بعملية الإنتاج على أكمل وجه. (2) مما سبق نستنتج أن المشرع الجزائري قد أقام مسؤولية المنتج وفق التعديل الجديد تأسيسا على الضرر وبالتالي وفر الحماية للمضرورين من جهة وألزم المنتج من جهة أخرى بأن يحرص على صناعة منتوجاته و العناية بها، و اتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة للوقاية من أخطارها، فكلما زادت الأضرار زادت قيمة أقساط التأمين التي يدفعها لشركات التأمين.(3) المطلب الثاني: الطبيعة القانونية المزدوجة لمسؤولية المنتج تعتبر مسألة تحديد الطبيعة القانونية لمسؤولية المنتج من المسائل الأساسية للوصول إلى نظام قانوني يسري على كل من المنتج والمتضرر، وتزداد أهمية هذه المسؤولية حينما نعلم أنها خضعت لتطور كبير ساهم فيه الفقه والقضاء الفرنسي بشكل كبير، فكانت تارة ترتبط بالأحكام العامة للمسؤولية بقسميها العقدي والتقصيري، وتارة أخرى ترتبط بنظام قانوني خاص ذو طابع موحد، يختلف من حيث شروط قيامه عن تلك الشروط المقررة في القواعد العامة. لذا سنحاول من خلال هذا المطلب البحث عن هذه الطبيعة بتقسيمه إلى فرعين، نتناول في الفرع الأول مسؤولية المنتج العقدية، وأما الفرع الثاني سنخصصه إلى البحث في مسؤولية المنتج التقصيرية. الفرع الأول: مسؤولية المنتج العقدية تترتب مسؤولية المنتج العقدية نتيجة إخلال هذا الأخير بالإلتزامات التي يقررها عقد الإستهلاك ويتعلق بإلتزام ضمان العيوب الخفية والإلتزام في الإعلام في حالة السلعة الخطيرة وستكون هذا الحالات محل دراستنا من خلال هذا الفرع. أولا: الإخلال بإلتزام ضمان العيوب الخفية إن الالتزام بضمان العيوب الخفية منصوص عليه في أحكام الشريعة العامة، وكذا أحكام قانون حماية المستهلك، وسنتناول فيما يلي هذه الأحكام تباعا: 1. الالتزام بضمان العيوب الخفية في القانون المدني الجزائري يكون المنتج مسؤولا عن الأضرار الناتجة عن عيب في المبيع، ويخضع بذلك لأحكام ضمان العيوب الخفية الواردة في المادة 379 من القانون المدني الجزائري(1)، التي تلزمه بضمان العيوب الخفية الموجودة بالمبيع، ولو لم يكن عالما بوجودها. وتعتبر المادة 379 عدم اشتمال المبيع على الصفات المتفق عليها عيبا خفيا يلزم المنتج بضمانه وكذا العيب الذي ينقص من قيمة الشيء أو من الانتفاع به، بحسب الغاية المقصودة منه، وبمقارنة هذه المادة مع المادة 364 من القانون المدني الجزائري التي تنص على ما يلي: "يلتزم البائع بتسليم الشيء للمشتري في الحالة التي كان عليها وقت البيع"، نلاحظ أن المشرع الجزائري يفرق بين عدم تطابق صفات المبيع المتفق عليها وما يعرف بالتسليم غير المطابق، والذي ينتج عنه رفع دعوى مطابقة والذي يعد متزامنا مع نقل الملكية، والعيب الذي ينقص من قيمة الشيء ، والذي يأتي بعد عملية تسليم المبيع(*) ويستوجب تجريك دعوى الضمان وهناك فرق بين الدعويين، فدعوى المطابقة لا يمكن إثارتها بعد تسليم المبيع، في حين لا يبقى بعد ذلك أمام المشتري إلا دعوى الضمان، والذي هو مقيد برفعها في آجالها المنصوص عليها في المادة 383 من القانون المدني الجزائري والمقيدة بسنة من يوم تسليم المبيع. (2) واعتبرت المحكمة العليا عدم مطابقة المواصفات(1)، وعدم وضوح رقم طراز المركبة(2)، والعطل في محرك السفينة(3)، عدم اشتمال المنتوج على المواصفات المنصوص عليها(4) في العقد والتي تعهد البائع بوجودها وقت التسليم، عيوبا خفية يلتزم المنتج بضمانها. أمَا عن شروط العيب الخفي الذي يضمنه المنتج تتمثل فيما يلي: - ألا يشمل المبيع على الصفات التي تعهد بوجودها وقت التسليم، وهو ما أكدته المحكمة العليا في قرار لها، جاء فيه: "إن المنتوج الذي تم شراءه لا يشمل على الصفة المطلوبة بالنسبة للمواصفات المنصوص عليها في العقد... يكون قد أخطئوا في تطبيق القانون".(5) - أن يكون العيب خفيا ولا يعلمه المشتري، فإذا كان العيب ظاهرا وقت التسليم فلا يضمنه المنتج لان المشتري يكون قد علم و رضي به، ويطبق نفس الحكم إذا لم يكن العيب ظاهرا، ولكن يمكن إكتشافه بالفحص العادي أي الذي لا يستدعي إكتشافه تدخل تقني مختص، لأن قبول المشتري للمبيع مع علمه بالعيب أو إمكان علمه به قرينة على أنه علم و رضي به.(6) - أن يكون سابقا عن التسليم، يجب أن يكون العيب موجودا في المبيع قبل التسليم فإذا، وجد بعد التسليم فلا يلتزم المنتج بضمانه.(7) فإذا توافرت هذه الشروط يحق للمشتري الذي أصابه ضرر نتيجة عيب في السلعة أن يطالب بالتعويض سواء كان المنتج عالما أو غير عالم بالعيب الخفي و ذلك على أساس ضمانه لجودة ما يقدمه، وقرينة علم المنتج بالعيب قرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس تستند إلى فكرة افتراض الخطأ من جانبه وهو ما ذهبت إليه المحكمة العليا في قرارها المؤرخ في 24/11/1993، ملف رقم 103404، بقولها: "العيب الخفي، هو العيب الذي لا يستطيع الشخص العادي اكتشافه وبالتالي يضمه البائع، ومسألة تقدير الضمان تخضع لسلطة قضاة الموضوع التقديرية"، و في قرار آخر لها بقولها:"العيب الخفي، يلتزم البائع بضمانه إذا كان يعلم بوجوده، ولا يجوز له التمسك بسقوطه".(8) والتعويض الذي يلتزم به المنتج في ضمان العيوب الخفية هو نفسه التعويض الذي يلتزم به في ضمان الإستحقاق الجزئي للمبيع، فالمادة 381 من القانون المدني الجزائري(1) تحيلنا على المادة 376 من نفس القانون(2)، التي تمييز بين حالتين: - إذا كان العيب جسيما، بحيث بلغت جسامته حدا لو علم به المشتري وقت البيع ما تم التعاقد، ويقوم هذا الأخير بالمطالبة بالتعويض على أساس نص المادة 375 من القانون المدني الجزائري المتعلقة بضان الاستحقاق الكلي، و التي تحدد مشتملات التعويض بقيمة الثمار التي يردها المشتري للمالك والمصارف النافعة والكمالية، ومصاريف الدعوى، والتعويض عن فوات الكسب بسبب وجود العيب في المبيع.(3) - إذا لم يكن العيب جسيما، وهو العيب الذي لو علم به المشتري لما أحجم عن إبرام العقد، وهو ليس بالعيب التافه الذي يتسامح فيه طبقا للعرف، فليس للمشتري الحق في الاختيار السابق كما في حالة العيب الجسيم وله فقط حق المطالبة بالتعويض عن الضرر الذي لحقه بسبب وجود العيب في المبيع.(4) ونشير في الأخير إلى أن الإلتزام بالضمان في أحكام القانون المدني ليس من النظام العام وبالتالي يجوز للأطراف الاتفاق على زيادته أو إنقاصه أو إسقاطه شرط أن يكون البائع حسن النية.(5) 2. الإلتزام لضمان العيوب الخفية في قانون حماية المستهلك لقد فرض المشرع على عاتق المنتج إلتزام يترتب على الإخلال به تعويض الأضرار التي سببتها منتوجاته المعيبة للمستهلك، ولقد نظم أحكام هذا الضمان القانون 89-02 المتعلق بالقواعد العامة لحماية المستهلك في المادة 3/2-3 منه(6)، والمرسوم التنفيذي رقم 90-266 المتعلق بضمان المنتوجات والخدمات في مادته 03 (1)، والقرار الوزاري الصادر في 10 ماي 1994، المتعلق بكيفيات تطبيق المرسوم التنفيذي 90-266 المتعلق بضمان المنتوجات والخدمات، (2) حيث تقرر هذه النصوص الأحكام التالية: - إفتراض علم المنتج أو عارض السلعة بعيوب المنتوج حتى تقوم مسؤوليته. - فرض التزام الضمان في بعض عقود بيع المنتجات والأجهزة الكهربائية، وإجبار المنتج على إعطاء المقتني شهادة ضمان )المادة 15 من المرسوم التنفيذي 90-266(. - منح المستهلك إمكانية تجريب المنتوج دون أن يُعفى المحترف من إلزامية الضمان. - يلتزم المنتج بالضمان بقوة القانون لتعلق الضمان بالنظام العام بحيث لا يمكن للأطراف الاتفاق على إسقاطه أو التنازل عنه تحت طائلة البطلان، كما يقع باطلا كل اتفاق يقضي بإلزام المستهلك على دفع مصاريف إضافية مقابل الضمان (المادتان 6 و7 من قانون حماية المستهلك 89-02). - شهادة الضمان إجبارية في المنتوجات التي تحددها قائمة تصدر بقرار وزاري من وزارة التجارة، وتحدد مدة الضمان فيه. - يجب أن يتضمن كل عقد إستهلاك بند ينص على شرط الضمان ويحدد مدته وهو ما نصت عليه (المادة 8 من القانون 89-02 المتعلق بالقواعد العامة لحماية المستهلك). - يبدأ سريان الضمان من تاريخ تسليم المنتوج للمستهلك، ويلتزم المنتج بضمان العيوب الخفية في مواجهة المستهلك إذا تم اقتناء المنتوج بين الطرفين دون وسيط، وتوفرت الشروط القانونية للضمان. نلاحظ أن المشرع الجزائري ومن خلال قانون حماية المستهلك والمراسيم التنفيذية له حاول التقريب بين دعوى المطابقة، ودعوى الضمان بحيث كانت تظهر التفرقة من خلال نصوص القانون المدني.(3) ويحدد قانون حماية المستهلك العيب الموجب للضمان بأنه ذلك العيب المؤثر على صلاحية المنتوج أو الخدمة خلال فترة الضمان أي منذ تسليم المنتوج، وتحدد المادة 03 من قانون حماية المستهلك رقم 89-02، شروط العيب الخفي الموجب للضمان كما يلي4) - حدوث خلل أو عيب في المنتوج: تتعد صور وأنواع العيب المؤثر في صلاحية المنتوج المعروض للاستهلاك، فقد يكون كليا يصيب المنتوج بأكمله، وقد يكون جزئيا يتعلق بأحد أجزائه، وقد يُرد على كفاءة أو نوعية أو قدرة أو مستوى أداء الخدمة المطلوبة بانطواء المنتوج على خطر، ولقد حددت المادة 3 من القانون السابق ذكره العيب الخفي بما يلي: أ- عدم توفر المنتوج على المواصفات والمقاييس القانونية والتنظيمية التي تميزه. ب- عدم استجابة المنتجات أو الخدمة للرغبات المشروعة للاستهلاك او عدم تحقيقها للنتائج المرجوة منه. ج- عدم احترام المنتوج لمقاييس التغليف بعدم ذكر مصدره وتاريخ صنعه والتاريخ الأقصى لاستهلاكه، وكيفية استعماله والاحتياطات الواجب إتخاذها لذلك، وعمليات المراقبة التي أجريت عليه. والعيب لا يخص فقط المنتجات المصحوبة بضمان أو المنصوص عليها في القائمة الوزارية، إنما جميع المنتوجات المعروضة للاستهلاك مهما كان نوعها لأنها تستوجب الضمان بمقتضى القانون. - تأثير العيب أو الخلل في صلاحية المنتوج: فالعيب الموجب للضمان يجب أن يكون مؤثرا بحيث ينقص من قيمة المنتوج أو نفعه بحسب الغاية المرجوة منه، كما هو مبين ضمن المقاييس والمواصفات القانونية والتنظيمية. (1) - حدوث الخلل أو ظهور العيب خلال فترة الضمان: فالمنتج يضمن صلاحية منتوجه لمدة معينة تختلف بحسب طبيعة المنتوج وتتراوح بين 6 و18 شهرا، وتحدد هذه المدة حسب فترة استخدام المنتوج أو مراحل استهلاكه أو تجربة مدى صلاحيته قبل اقتنائه.(2) ما يمكن استنتاجه من كل ما سبق أن إلتزام المنتج بالضمان يحكمه نوعين من الأحكام، أحكام الشريعة العامة، وفيها يكون الالتزام بالضمان إتفاقي، وأحكام قانون حماية المستهلك، ويكون الالتزام بالضمان هنا أساسه النصوص القانونية والتنفيذية أي بقوة القانون، وكل شرط يعفي المنتج منه، يقع باطلا بطلانا مطلقا، ويثير القاضي هذا البطلان من تلقاء نفسه لأنه من النظام العام.(3) ثانيا: الإخلال بإلتزام الإعلام قد يكون المنتوج خاليا من أي عيب، لكن استهلاكه أو استعماله ينطوي على بعض المخاطر، ومن ثم يقع على المنتج بصفته مهني إخطار مستهلكيه وإعلامهم بالأخطار الكامنة فيه، وإرشادهم إلى الاحتياطات الواجب إتخاذها، وطريقة الاستعمال اللازمة لتفاديه(1)، وتتضمن المنتجات الخطرة، ثلاثة أنواع2) - منتوجات خطيرة بطبيعتها، بحيث لا يمكن أن تُنْتج إلا كذلك حتى تفي بالغرض المقصود منها، كمواد التنظيف السامة، والمواد الكيميائية. - منتوجات خطيرة لتعقيد استعمالها أو دقتها، كالأجهزة الكهربائية التي يقتضي استعمالها عناية خاصة. - منتوجات تكون خطيرة في ظروف معينة كالأدوية والمواد القابلة للاشتعال. ولم يعرف المشرع المنتوجات الخطرة، وترك أمر تقديرها لقاضي الموضوع، في حين أورد القضاء الفرنسي أمثلة عديدة عن المنتوجات الخطرة فاعتبر مثلا إهمال صانع الخراطيش إعلام الزبون بتدابير الحماية اللازمة إخلالا بواجب الإعلام، و كذا بائع الخلاط الكهربائي الذي لم يدلي للمشتري بتعليمات عن مخاطره...الخ. وينطوي التزام المنتج في هذا المجال على توضيح الطريقة الصحيحة لاستعمال المنتوج والاحتياطات الواجب اتخاذها عند استعماله، والتحذير من مخاطر عدم التقيد بها، وإبراز مخاطر المنتوج وطريقة الوقاية منه بشكل ظاهر، بحيث يجذب انتباه المستعمل على الفور، ومع توظيف عبارات سهلة وواضحة بحيث يكون التحذير مفهوما.(3) ويجد الالتزام الإعلام أساسه في القانون المدني الجزائري كإلتزام خاص بالبائع يستفيد منه المشتري بموجب أحكام المادة 351 والمادة 352 من القانون المدني الجزائري بحيث يجب على البائع أن يصرح بحقيقة المبيع بوصفه وصفا نافيا للجهالة كافيا لأن يرسم الشيء في ذهن المشتري رسما يغني عن الرؤية.(4) كما يجد الالتزام بالإعلام أساسا آخر له، في قانون حماية المستهلك رقم 89-02، كالتزام يستفيد منه المستهلك في مواجهة المهني، بحيث نصت المادتين 03 و04 منه على إلتزام المنتج بإعلام المستهلك،(*) ويتضمن هذا الالتزام بالإعلام ما يلي: (1) - المواصفات القانونية والتنظيمية للمنتوج أو الخدمة. - المقاييس المعتمدة. - مدى استجابته للرغبات المشروعة للمستهلك. - طبيعته، وصنفه، ومنشئه، ومميزاته الأساسية وتركيبه وهويته وكمياته. - كل الأمور التي تهم المستهلك كتاريخ الصنع أو تاريخ الاستهلاك، وكيفية الاستعمال والاحتياطات الواجب اتخاذها، وعمليات المراقبة التي أجريت عليه. ما يمكن ملاحظته من كل ما سبق هو أن الالتزام بالإعلام في قانون حماية المستهلك والنصوص التابعة له هو التزام بتحقيق نتيجة، وهو الرأي الذي ذهبت إليه الأستاذة لحلو غنية فلا يكفي أن يثبت المنتج حسب رأيها أنه قد بذل العناية اللازمة في إيصال البيانات والمعلومات للمستهلك لأن الأمر يتعلق ببيانات إجبارية منصوص عليها في نصوص تشريعية وتنظيمية، ويجب تنفيذه طبقا لما جاء في القانون حماية المستهلك والمراسيم التنفيذية له، فإذا لم يعلم المستهلك بمواصفات المنتوج يستنتج القاضي إخلاله بالتزام الإعلام ويترتب عليه حق المستهلك في التعويض.(2) والأمر الذي يتم التساؤل عنه في هذا المقام هو لماذا أضاف المشرع أحكام خاصة بهذا الالتزام في قانون حماية المستهلك؟. والإجابة أن طبيعة العلاقة بين المستهلك والمنتج تختلف فيما يتعلق بهذا الالتزام عنها في القواعد العامة وذلك في النقاط التالية: - الإخلال بالتزام الإعلام تطبيقا لنص المادة 86 من القانون المدني الجزائري يؤدي إلى قابلية العقد للإبطال بالتدليس، وليس لصالح المستهلك، كما لو اشترى منتوج ما، وتضرر نتيجة عدم وجود مدة صلاحية استهلاكه، فليس في صالح المستهلك إبطال العقد لأن الإبطال يشترط فيه القانون رفع دعوى قضائية موضوعها طلب إبطال العقد والتعويض، وعليه أن يثبت توافر شروط المادة 86 من القانون المدني ، وليس فقط عدم توافر البيانات على المنتوج إنما أيضا نية التضليل والسكوت العمدي، وأن هذا السكوت هو الدافع لإبرام العقد، وهي مهمة غاية في الصعوبة للمستهلك.(1) - في قانون حماية المستهلك لا يشترط إثبات سوء النية، ولا إثبات الإخلال بالتزام الإعلام، إنما يكفي عدم وجود البيانات الإلزامية على المنتوج ليستخلص منها القاضي مباشرة أن هناك إخلال بهذا الالتزام.(2) - الالتزام بالإعلام في القانون المدني ينفذ أثناء إبرام العقد بان يخفي البيانات أو يكون المدلس قد سكت عن عناصر جوهرية أثناء إبرام العقد فينظر لهذا الالتزام أثناء إبرام العقد أما في قانون حماية المستهلك فهذا الالتزام قائم قبل إبرام العقد في جميع الحالات، ومهما كانت طبيعة العلاقة بين المهني والمستهلك. (3) وبهذا تعتبر العلاقة بين أحكام القانون المدني وأحكام قانون حماية المستهلك فيما يخص الإلتزام بالإعلام هي علاقة تكاملية توافقية هدفها حماية المستهلك أو المتضرر بالدرجة الأولى.(4) أما فيما يخص مسؤولية المنتج العقدية في القانون الفرنسي تطبق نصوص المواد 1641 إلى 1649، من القانون المدني الفرنسي والتي نظمت نظرية العيوب الخفية، ووفقا لذلك نفرق بين فرعين من العيوب في القانون الفرنسي هما العيب الظاهر الذي يستطيع المشتري أن يتبيّنه بنفسه وقت البيع، ولو أنه فحص البيع بعناية الرجل العادي(5) والعيب الخفي الذي لا يستطيع مع ذلك تبيينه فإذا كان العيب ظاهرا أو في استطاعة المشتري اكتشافه بنفسه فلا ضمان على البائع لأن قبول المشتري للمبيع مع عمله بالعيب الذي فيه أو إمكان علمه بقرينة على أنه قد رضيّ به(6)، أي أنه إذا كان العيب هو سبب الخطر حيث يكون ظاهرا، وبإمكان المضرور اكتشافه لو أنه فحص هذه السلعة بعناية الرجل العادي المعتاد، وبما يتفق وطبيعتها(*)، لذلك فإنه لا يستطيع أن يستند في رجوعه على المنتج بتعويض هذا الضرر على أساس قواعد ضمان عيوب في عقد البيع، فالبائع لا يضمن العيوب الظاهرة وهو ما يظهر جليا في بعض أحكام محكمة النقض الفرنسية حيث تذهب إلى التشديد على المشتري المحترف إذ ترى فيه شخصا يفترض فيه أن يتفطن إلى العيوب التي لا تظهر إلى الرجل العادي(1)، أما إذا كان العيب خفيا، فضمانه يقع على البائع، وإن كان لا يعلم بالعيب الموجود في المبيع لكن يكون البائع ملزما فقط برد الثمن وتعويض المشتري عن المصاريف التي أنفقها بمناسبة البيع(2)، وبالتالي لا تنطبق أحكام الضمان عن العيب الخفي في القانون الفرنسي إذا كان البائع يجهل وجود العيب في المبيع، وتبعا لذلك فإذا كان البائع حسن نية، إلتزم برد الثمن ومصاريف البيع لكن دون التعويض والفوائد.(3) ووفقا لنصوص ضمان العيب الخفي فان على المتضرر أن يثبت وجود العيب في السلعة وقت إبرام العقد(4). وقد انتقد الفقه هذا الاتجاه لأن في الأخذ به لن يبقى أي تمييز بين المادتين 1646 و1645، اللتان أقامتا وضعا مختلفا بين البائع حسن النية وسيء النية، وذلك أن هذا التفسير الواسع للمادة 1646 المتعلقة بالبائع حسن النية من شأنه أن يؤدي إلى تطابق المسؤولية مع البائع سيء النية وفقا للمادة 1645، فعدل القضاء الفرنسي عن هذا الاتجاه في النصف الثاني من القرن العشرين حيث وجد في عموم نص المادة 1645 غايته المنشودة لتقرير حماية فعالة للمستهلكين، إذ فسرها على أنها تقييم قرينة على علم المنتج بالعيب، ورتب عليها مسؤوليته قبل المشتري عن تعويض الضرر الذي أصابه نتيجة العيب الموجود بالسلعة، كما أنه شبه البائع سيء النية ذلك الذي يعلم العيب، بالبائع الذي لا يستطيع نظرا لحرفته أن يجهله أو الذي يلتزم بمقتضى مهنته أن يعلمه، واختلف الفقه الفرنسي في طبيعة هذه القرينة التي أوجدها فاعتبرها البعض قرينة بسيطة يجوز للمنتج إثبات عكسها، كما أنها تستند إلى فكرة بسيطة يجوز للمنتج إثبات عكسها، كما أنها تستند إلى فكرة افتراض الخطأ من جانب المنتج، وهو افتراض يقتضي بطبيعته إتاحة الفرصة لإثبات عكسه.(5) لكن القضاء الفرنسي لم يتح للمنتج في جل أحكامه فرصة التخلص من المسؤولية بنقض قرينة العلم بالعيب حتى و لو كان في ظروف الدعوى ما يقطع بجهله بالعيب أو كان يستحيل عليه كشفه(1)،أي بحكم أن المنتج هو الذي صنع المنتجات التي طرحها للبيع لا يجوز أن يعامل معاملة البائع العادي، وإنما يفترض فيه، أنه يعلم بما يشوبها من عيوب، ومن ثم يعفيه من المسؤولية حتى أن يقيم الدليل على ما خفي عليه إنما كان من العيوب التي لا يمكن اكتشافها.(2) أما في القانون المصري ولإثارة مسؤولية المنتج العقدية عن الضرر الذي يلحق بالمستهلك يمكن الاستناد إلى نصوص القانون المدني المنظم لعقد البيـع خاصة المـواد من445 إلى 454، والمنظمة لضمان العيوب الخفية (3). فالبائع يضمن العيوب الخفية ولو لم يكن عالما بها، وهو ما جاء في نص المادة 447/1 من القانون المدني المصري، أما العيوب الظاهرة فلا يضمنها البائع التي كان يعرفها المشتري وقت البيع أو كان يستطيع أن يتبينها بنفسه أو أنه فحص المبيع بعناية الرجل العادي، إلا إذا أثبت المشتري أن البائع قد أكد له خلو المبيع من هذا العيب، أو أثبت أن البائع قد تعمد إخفاء العيب غشا منه وهو ما جاء في الفقرة الثانية من المادة 447 من القانون المدني المصري إلا أنه إذا ألزمنا البائع بالتعويض عن الأضرار الناتجة عن العيب ذاته فمن الضروري إثبات خطا البائع باعتباره ركنا من أركان المسؤولية العقدية(4). ويختلف موضوع المطالبة في دعوى ضمان العيب الخفي وفقا للنصوص السابقة باختلاف جسامة العيب سواء كان العيب جسيما إذا ما بلغت خسارة المشتري قدرا لو علمه لما أقدم على الشراء أو كان العيب غير جسيم، فلا يكون للمشتري طلب رد المبيع(*)، ويتضح من هذه الأحكام أن المشتري في جميع الظروف المطالبة بالتعويض سواء أكان العيب جسيما أو غير جسيم، وسواء أكان البائع حسن النية لا يعلم بوجود العيب أم سيء النية يبيع الشيء وهو عالم بعيوبه، وفي هذا يختلف القانون المصري عن القانون الفرنسي الذي يجيز التعويض للمشتري إلا إذا كان البائع سيء النية، ومع ذلك فإن القضاء المصري يفرق بين البائع حسن النية والبائع سيء النية، ومظاهر التفرقة تتمثل في أمرين (5)، أولهما، المصروفات حيث يلوم البائع سيء النية برد المصروفات الكمالية فضلا عن المصروفات الضرورية والنافعة، بينما لا يلزم البائع حسن النية إلا برد المصروفات الضرورية والنافعة فقط، وثانيهما، مقدار التعويض حيث يزداد هذا التعويض أو ينقص تبعا لما كان البائع حسن النية أي يعلم بالعيب آو حسن النية لا يعلم به(1). إذا فموضوع الضرر الذي يحدثه المبيع لعيب فيه يدخل في إطار التعويض عن الضرر غير المتوقع الذي يلتزم به البائع سيء النية وفقا للمبادئ العامة للمسؤولية العقدية، والأصل أن البائع حسن النية حتى يقيم المشتري الدلـيل على سوء نيتـه وله إثبات ذلك لوروده على واقعة مادية، بكافة طرق الإثبات، لذلك فلا توجد أحكام قضائية في القضاء المصري تضع قرينة على علم البائع المهني، منتجا كان أو تاجرا وسيطا بالعيب أو يفترض سوء نيته(*)، ليمكن المشتري من المطالبة بالمصروفات الكمالية وبالتعويض عن الأضرار غير المتوقعة التي أصابت المشتري في شخصه أو في ماله لعيب خفي في المنتوج أو المبيع(2) ويجوز في القانون المدني المصري إدراج شرط على إعفاء البائع من ضمان العيب الخفي أو إنقاصه، ولكن هذا الشرط يقع باطلا إذا كان البائع قد تعمد إخفاء العيب في المبيع غشا منه(3)، ومن هذا يتضح أن القانون المدني المصري لا يكتفي لبطلان الاتفاق على اشتراط رفع الضمان أو تحديده أن يعلم البائع بالعيب، كما هو الحال في القانون المدني الفرنسي (المادة 1634)، بل يستلزم من المشتري إثبات أن البائع قد تعمد إخفاء العيب في المبيع غشا منه(4). الفرع الثاني: مسؤولية المنتج التقصيرية: تقوم مسؤولية المنتج التقصيرية على أساس الضرر الناتج عن الإخلال بالإلتزام الذي يفرضه القانون، ويتعلق الأمر بإلتزام عدم الإضرار بالغير، والمقصود بالغير هو من لا يرتبط والمسؤول عن الضرر بأي علاقة أو رابطة عقدية، كأفراد عائلة المشتري، و أصدقاءه أو ضيوفه أو المارة في الطريق إذا صدمتهم سيارة نتيجة عيب في تصميم الفرامل أو خطا في صناعته، أو كما في إصابة شخص آخر بأمراض قلبية جراء الإستعمال المفرط للهاتف النقال،(1) ويعبر المنتج مسؤولا في الحالات التالية2) - عدم اتخاذ الاحتياطات المادية اللازمة، في التعبئة أو التغليف أو عملية الإنتاج أو التجهيز أو التسليم أو الصناعة. - عدم الالتزام بالضوابط الفنية المعروفة في مجال الإنتاج. - إهمال التحقق من سلامة المواد الأولية الداخلة في صناعة المنتوج. - التقصير في واجبات الحيطة، و طرح المنتوج قبل إجراء الكشف عليه من هيئة خارجية بإرتكاب الأخطاء الفنية بعدم مراعاة الأصول العملية والضوابط المعروفة في مجال الإنتاج. - عدم تطوير المنتجات بما يتفق وبالإكتشافات الجديدة. وعلى هذا فإن المشرع قد منح للمتضرر عدة خيارات لرفع دعواه على المنتج لإستيفاء التعويض المناسب ويكون ذلك في كل الأحوال تثار مسؤولية المنتج عن أفعاله الشخصية أو بإعتباره حارسا للأشياء. أولا: مسؤولية المنتج عن أفعاله الشخصية تنص المادة 124 من القانون المدني الجزائري و المعدلة بموجب القانون 05-01 المؤرخ 20/06/2005 على ما يلي: "كل فعل أيا كان يرتكبه الشخص بخطئه، ويسبب ضررا للغير يلزم من كان سببا في حدوثه بالتعويض". يستنتج من نص هذه المادة أن الشخص الذي سبب ضررا للغير بخطئه يلزم بجبره، وبالتالي فهي مسؤولية أساسها خطأ واجب الإثبات، فعلى المضرور إذا إستند في دعواه على هذا الأساس أن يثبت خطأ المنتج وهو عبء ثقيل(3)، ومن شروط قيام مسؤولية المنتج في هذا المقام، الخطأ،(4) وهو الانحراف عن سلوك الرجل العادي، أو الإخلال بواجب قانوني عام وهو معيار موضوعي ويتكون من ركنين، ركن مادي، و هو التعدي بحيث يسبب الشخص بفعله ضررا للغير، نتيجة الإخلال بواجب قانوني سواء سلبا أو إيجابا، ركن معنوي، و ينطوي على الإدراك و التمييز، و هو إسناد الفعل للشخص الذي إرتكبه، بحيث تنص المادة 125 من القانون المدني المعدلة بموجب قانون 20/06/2005 على ما يلي: "لا يسأل المتسبب في الضرر الذي يحدثه بفعله أو إمتناعه أو إهمال منه أو عدم حيطته إلا إذا كان مميزا".(*) وبالتالي يقتضي رجوع المضرور على المنتج على أساس المادة 124 من القانون المدني الجزائري وقوع المنتج في خطأ في صناعة أو تعبئة المنتوج و هي مهمة صعبة عليه كما سبق القول بذلك، والضرر(1)، بحيث يجب أن يكون أكيدا ومباشرا، وهو الضرر بمعناه العام المتمثل في الأذى الذي يصيب الشخص -المتضرر- في ماله أو جسده، أو في مصلحة مشروعة له أو بحق من حقوقه، والعلاقة السببية بين الخطأ والضرر(2)، أي أن يكون الضرر ترتب كنتيجة مباشرة للفعل الضار بمعنى أن تتوافر بين الخطأ والضرر علاقة سببية. فإذا توافرت هذه الشروط التزام المنتج بتعويض كامل الضرر، ولا يمكن نفي مسؤولية هذا الأخير إلا بإثبات السبب الأجنبي. ثانيا: مسؤولية المنتج كحارس للأشياء بما أن المنتوج شيء مادي فيمكن أن تقوم مسؤولية المنتج على أساس المادة 138 من القانون المدني الجزائري بوصفه حارسا للمنتوج، فلا يتطلب من المضرور إثبات خطأ الحارس، بل إفترضت هذه المادة الخطأ في جانب المنتج(3)، وهو ما ذهب إليه المجلس الأعلى للقضاء، حيث اعتبر مسؤولية حارس الأشياء مسؤولية مفترضة(4). وشروط هذه المسؤولية تكمن فيما يلي: 1. وجود شيء في حراسة شخص وتسببه في ضرر للغير: بحيث تشمل الحراسة جميع الأشياء دون تمييز بين الأشياء المعيبة وغير المعيبة سواء أكانت تلك الأشياء خطيرة أو غير خطيرة بطبيعتها(*)، وهو ما استقر عليه الفقه والقضاء في فرنسا(1)، وهذا التمييز له أهمية من حيث أساس هذه المسؤولية فمسؤولية الحارس قائمة في جميع الحالات كلما سبب الشيء ضررا للغير. 2. أن يكون للمسؤول صفة الحارس: الحراسة لا تعني الملكية، فالحارس في القانون الجزائري هو كل شخص له قدرة الاستعمال والتسيير والرقابة(2)، وهو ما ذهب إليه المجلس الأعلى للقضاء في هذا الشأن حيث قضى بما يلي:"المسؤولية لا تقع دائما على عاتق الحارس القانوني أي مالك الشيء بل تنتقل إلى من له سلطة التسيير والتوجيه والرقابة، ويدخل في هذا المعنى مستأجر الآلة".(3) والأصل أن المالك الحقيقي هو الحارس للشيء حتى يثبت إنتقال الحراسة بكل مظاهرها للغير، وهو ما ذهب إليه المجلس الأعلى للقضاء، حيث قضى بما يلي: "يكون مسؤولا عن الأضرار التي تسببها المكينات كل من له قدرة الاستعمال والتسيير والرقابة على تلك المكينات، والشركة الطاعنة لها إمتياز من البلدية لاستعمال مكينات سحق الثلج، وبيع هذه المادة لفائدتها، تصبح هي التي لها قدرة الاستعمال والتسيير والرقابة وبهذه الصفة تكون مسؤولة عن الضرر الذي سببته تلك المكينات".(4) وفي تحديد مسؤولية الحارس يفرق الفقه والقضاء، بين حراسة التكوين وحراسة الاستعمال، فحارس التكوين هو المنتج، وحارس الاستعمال هو من له السلطة الفعلية على الشيء، وتنفصل الحراستان عندما يتخلى المنتج عن الشيء بعد تكوينه ببيعه إلى التاجر الوسيط أو إلى المستهلك مباشرة فيبقى كلا الحارسين مسؤولا في نطاق حراسته، فإذا وقع الضرر بسبب عيب في صنع الأجزاء التي يتكون منها المنتوج أو في طريقة تركيبه يكون المنتج هو المسؤول، أما إذا وقع الضرر بسبب سوء استعماله أو إهمال فيكون الحارس المسؤول هو من يستعمله إستعمالا خاطئا.(5) ما يمكن استنتاجه أن للمتضرر الخيار في رفع دعوى التعويض على أساس المادة 124 من القانون المدني الجزائري فيقع عليه عبء إثبات خطا المنتج، ويصعب عليه إثباته كما سبق الإشارة لذلك، أو على أساس المادة 138 فيقع عليه عبء إثبات صفة الحارس في المنتج، وأن له سلطة الاستعمال والتسيير والرقابة، ولا يشترط أن يثبت بأن المنتوج معيب لأنه حتى ولو استطاع المنتج أن يثبت أن الشيء ليس به عيب فالخطأ مفترض في الحراسة بقوة القانون. أما في القانون الفرنسي يمكن إثارة مسؤولية المنتج التقصيرية في حالة ما إذا أخل الشخص بإلتزام فرضه القانون، سواء كانت على أساس الخطأ الواجب الإثبات، وهو ما قضت به المادة 1382 من القانون المدني الفرنسي، ويجوز التمسك بأحكام المسؤولية عن فعل الأشياء، المنصوص عليها بنص المادة 1384/1 من القانون المدني الفرنسي، لتسهيل سبل تعويض الضحايا وهو نفس ما ذهب إليه المشرع المصري من خلال إقامته مسؤولية المنتج على أساس الخطأ الواجب الإثبات بموجب نص المادة 163 من القانون المدني المصري(1)، وعلى أساس الخطأ المفترض وهو ما نصت عليه المادة 178 من القانون المدني المصري(2). الفصل الثاني: كيفية إقتضاء المتضرر من المنتوجات المعيبة للتعويض متى توافرت شروط مسؤولية المنتج المنصوص عليها في المادة 140 مكرر من القانون المدني الجزائري وفقا لما سبق بيانه ينشأ للمضرور الحق في التعويض، إذا ثبت أن الضرر الذي لحقه كان نتيجة عيب في المنتوج، ويمارس هذا الحق عن طريق دعوى المسؤولية يرفعها على المنتج بصفته الملتزم بتعويض الأضرار التي سببتها منتجاته المعيبة، و سنحاول من خلال هذا الفصل التطرق إلى كيفية اقتضاء المتضرر للتعويض عن طريق هذه الدعوى من خلال تقسيمه إلى مبحثين، نتناول في المبحث الأول شروط مباشرة دعوى المسؤولية، أما المبحث الثاني نتطرق فيه إلى التعويض عن الضرر. المبحث الأول: مباشرة دعوى مسؤولية المنتج إن إثارة مسؤولية المنتج من قبل المتضررين من فعل المنتجات المعينة يرتبط إرتباطا وثيقا بالقواعد الإجرائية لرفع الدعاوى أمام الجهات القضائية المختصة، وغالبا ما ترتبط إجراءات مباشرة الدعاوى في هذا المجال بالقواعد العامة المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية. هذا ما سنحاول التدليل عليه من خلال هذا المبحث الذي نقسمه إلى مطلبين، تنتاول في المطلب الأول الشروط الموضوعية لرفع دعوى المسؤولية، أما المطلب الثاني سنخصصه إلى الشروط الموضوعية لرفع هذه الدعوى. المطلب الأول: الشروط الموضوعية لرفع دعوى مسؤولية المنتج إن معظم الدعاوى الناتجة عن حوادث الإستهلاك و إن كانت ترتبط بالقواعد العامة المنصوص عليها في القوانين الإجرائية سواء المدنية أو الجزائية، فإنها تستقل وفي الكثير من أحكامها خصوصا فيما يتعلق بشروط رفع هذه الدعاوى و ستكون هذه الشروط محل دراستنا من خلال هذا المطلب الذي نقسمه إلى ثلاثة فروع، نتناول في الفرع الأول شرط الأهلية، و نتناول في الفرع الثاني شرط الصفة، و أخيرا نتناول في الفرع الثالث شرط المصلحة.(1) الفرع الأول: الأهلية هي صلاحية الشخص لإكتساب المركز القانوني ومباشرة إجراءات الخصومة أو قدرة المدعي على مباشرة تصرفاته بنفسه، ونميز بين أهلية الاختصام وهي أهلية الوجوب في المجال الإجرائي وتعني صلاحية الشخص لاكتساب المركز القانوني بما يضمن من حقوق ووجبات إجرائية، وبين أهلية التقاضي وهي عبارة عن أهلية الأداء في المجال الإجرائي وتعني صلاحية الشخص لمباشرة الإجراءات أمام القضاء، وذلك ببلوغه سن الرشد القانوني المنصوص عليه في المادة 40 من القانون المدني الجزائري .(1) و طالما لا يوجد نص في قانون الإجراءات المدنية و لا في القانون المدني الجزائري يقضي بوجوب توافر أهلية من غير الأهلية المنصوص عليها في القانون المدني فيما يخص دعوى مسؤولية المنتج، تبقى القواعد العامة السابقة الذكر صالحة للتطبيق في هذا المجال. الفرع الثاني: الصفة لا تتعلق الصفة بالمدعي وحده، وإنما تشتمل المدعى عليه أيضا وفي هذا الصدد استقر الفقه على مبدأ هام مفاده "أنه لا ترفع الدعوى إلا من ذي صفة على ذي صفة"(2)، و لا تكاد دعاوى مسؤولية المنتج تخرج عن هذا المبدأ بحيث ترفع هذه الدعاوى من المتضرر من حوادث الإستهلاك أو طلب الحماية من المنتج الذي تسبب في الضرر(3)، فقد يكون المستهلك المتضرر المباشر من المنتوج و بالتالي يصبح صاحب الحق الأصيل -ذي صفة- في طلب التعويض عن الأضرار الماسة بشخصه أو ماله والمترتبة عن عيب في المنتوج، هذا وإن مدلول المضرور بحسب القواعد المتعلقة بمسؤولية المنتج يأخذ مفهوما موسعا فيشمل الضحية المتعاقد مباشرة مع المنتج على المنتوج وكذلك مستعمليه من أفراد العائلة وأقارب الضحية، بل وينصرف كذلك مدلول المضرور إلى الغير المتضررين بأضرار فعل المنتجات المعيبة وهو ما عبرت عنه محكمة سطيف للجنايات في قرارها الصادر في 27/10/1999 بخصوص قضية الكاشير الفاسد عن ذلك بقولها: "تعتبر طلبات الضحايا والأطراف المدنية مؤسسة لأنهم فعلا قد تضرروا من جراء مادة الكاشير المغشوشة"(*) وفي كل هذه الأحوال يستوي أن يكون الضرر جسديا، ماديا أو معنويا، أو مالا.(1) هذا وعندما تثبت الصفة للمضرور المباشر، له أن يباشر الدعوى بنفسه كما له أن يوكل عنه نائبا قانونيا كما هو الحال في توكيل الضحية لمحامي عنه نائبا قانونيا أمام الجهات القضائية، لكن يتعدى مدلول المضرور من المضرور المباشر ليشمل المضرورين غير المباشرين وهم المتضررين بالإرتداد من جراء موت الضحية، وبلك يحوزون على الصفة في التقاضي بدل المضرور المباشر وبصفة شخصية لطلب التعويض الذي لحقه من جراء الضرر الذي لحق بموت الضحية سواءا كان في شخصه أو في ماله كما هو الحال بالنسبة لأفراد عائلته (زوجته، أصوله، وفروعه) إذن فالمضرور بالإرتداد « victimes par ricochets » (**) تثبت له صفة رفع الدعوى للمطالبة بالتعويض المستحق عن الضرر كون القيمة المالية المحكوم بها ستثري ذمة المتوفي ومن يأتي من بعده.(2) أما فيما يخص القضاء الفرنسي أقر إستفادة دائني المضرور الذين تنازل لهم هذا الأخير عن حقه بالتعويض حيث يجوز لهم الحلول محل مدينهم في إقتضاء التعويض أمام القضاء المدني ويرى الفقه الفرنسي أن الدعوى المباشرة المنصوص عليها في القواعد العامة في القانون المدني الفرنسي تكفي لحلول هؤلاء محل مدينهم للمطالبة بالتعويض. ومن المستقر عليه في القضاء الفرنسي أنه يمكن لبعض الهيئات أن تتأسس كطرف مدني محل المضرور إذا تكفلت بدفع مبالغ التعويض ومصاريف العلاج والعمليات الجراحية أو المصاريف المعاشية، ويكون لها بمقتضى ذلك الحق في الرجوع على المسؤول عن الضرر أو شركة التأمين التي تؤمنها. وقد حذا القضاء الجزائري حذو القضاء الفرنسي حيث جرى التعامل على قبول حلول الهيئات والمؤسسات العامة محل المضرور في اقتضاء التعويض إذا تكفلت بمصاريف العلاج ويتعلق الأمر بالدولة والبلدية والولاية وبعض المؤسسات كصندوق الضمان الاجتماعي والمؤسسات الإستشفائية، حيث قبلت محكمة الجنايات بـمجلس قضاء سطيف أن يتأسس كل من مستشفى سطيف وقسنطينة كطرفين مدنيين يطالبان بالتعويض عن تكاليف العلاج والمصاريف في قضية تسمم من جراء الكاشير الفاسد.(1) و قد تثبت الصفة في رفع دعوى مسؤولية المنتج للنيابة العامة و ذلك بإعتبارها ممثلة المجتمع وهو ما تؤكده المادة 29 من قانون الاجراءات الجزائية التي تنص على مايلي: "تباشر النيابة العامة الدعوى العمومية بإسم المجتمع، وتطالب بتطبيق القانون"، فالاختصاص يثبت لها كلما أدى انتهاك مصالح المستهلكين إلى ارتكاب مخالفة أو جنحة أو جناية وذلك بعد إبلاغها عن طريق شكوى من المضرور أو بعد إخطارها من قبل مصالح مراقبة الجودة وقمع الغش عن طريق محاضر محررة من الأعوان المؤهلين لذلك.(2) وعادة ما ينتظر المضرور إثارة النيابة العامة للدعوى أمام المحكمة الجنائية ليتدخل فيها ويتأسس كطرف مدني وذلك حتى يستفيد من سرعة الإجراءات من جهة ويتحرر من عبء إثبات العيب في المنتوج من جهة أخرى، وتحرك الدعوى العمومية بالإعتماد على المواد من 25-29 من الباب الثالث المتضمن الأحكام الجزائية من القانون 89-02 المتعلق بالقواعد العامة لحماية المستهلك و الأحكام الواردة في قانون العقوبات خاصة المواد 429 إلى 433 والمرتبطة بالخداع أو الغش المحتمل ويقدر التعويض بقدر الأضرار الجسدية من وفاة، وعجز جزئي أو دائم.(3) إلى جانب الفئات السابقة، أقر المشرع الجزائري لجمعيات حماية المستهلكين الحق في رفع دعوى مسؤولية المنتج وذلك بمقتضى نص المادة 12/2 من قانون رقم 89-02 المتعلق بالقواعد العامة لحماية المستهلك(4)، و تعتبر هذه الجمعيات(*) من أهم الجمعيات التي لها دور فعال في عدة مجالات تتمثل أساسا في مجال التحسيس والتوعية والإعلام وتمثيل المستهلكين والدفاع عن مصالحهم وتعتمد في ذلك على وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة، ولا يقتصر دورها على تحسيس المواطنين وأصحاب القرار حول مخاطر الإستهلاك فقط، بل يمتد دورها إلى المشاركة في إعداد سياسة الإستهلاك بحضور ممثلي الجمعيات في الهيئات الإستشارية كالمجلس الوطني لحماية المستهلكين. و الجدير بالذكر أن قانون 90/06 المتعلق بالمنافسة و الأسعار قد منح هذه الجمعيات الحق في رفع الدعاوى أمام القضاء حيث أعطى لهذه الأخيرة الصفة في منازعة كل عون إقتصادي قام بمخالفة أحكام المنافسة والأسعار، كما يمكنها التأسيس كطرف مدني في الدعاوى للحصول على تعويض عن الضرر الذي لحق جمهور المستهلكين(1)، وهو ما قضى به المشرع الفرنسي في المادة 46 من القانون 73-1193 المتعلق بالحِرّف في فرنسا بحيث سمح للجمعيات بمباشرة الدعوى المدنية لحماية المصالح المشتركة للمستهلكين. وفي الجزائر ليس هناك ما يفيد إستفادة جمعيات حماية المستهلكين من هذا الحق لضعف الحس الجمعوي والمجتمع المدني و إنعدام تأسس جمعيات حماية المستهلكين أمام جهات القضاء كأطراف مدنية في دعاوى مسؤولية المنتج(2). الفرع الثالث: المصلحة لا تعد المصلحة شرطا لقبول الدعوى فقط وإنما هي شرط لقبول أي طلب أو دفع أو طعن في الحكم أيًّا كان الطرف الذي يقدمه(3) وبهذا المعنى فالمصلحة هي الهدف المتوخى والمنتظر من رفع الدعوى(4) وهي الفائدة العملية التي تعود على رافع الدعوى، ويشترط أن تكون مصلحة قائمة وقانونية (5)، فتكون مصلحة المتضرر من رفع عوى مسؤولية المنتج حماية الحق أو المركز القانوني المقررة له بالتعويض عما لحقه من ضرر بسبب المنتجات المعيبة وتكون بذلك مصلحته قائمة فعلا عندما يقع الضرر ويكون دور الدعوى علاجي، وفي حال يكون الضرر احتماليا في المستقبل فيكون دور الدعوى وقائي لتفادي وقوعه.(6) المطلب الثاني: الشروط الشكلية لرفع دعوى مسؤولية المنتج تتمثل الشروط الشكلية لرفع دعوى مسؤولية المنتج في تلك الإجراءات المقررة في قانون الإجراءات المدنية إن كانت الدعوى مرفوعة أمام القضاء المدني، أو في تلك المقررة في قانون الاجراءات الجزائية إذا كانت الدعوى مرفوعة أمام القضاء الجزائي. وسنحاول من خلال هذا المطلب التطرق إلى هذه الشروط، بحيث نخصص الفرع الأوَل إلى الاختصاص القضائي لرفع هذه الدعاوى ونخصص الفرع الثاني إلى الإجراءات المتبعة أمام الجهات القضائية المختصة لرفعها، أما في الفرع الثالث فسنحاول من خلاله تبيان الآجال المقررة لرفع هذه الدعوى. الفرع الأول: الإختصاص يتطلب منا دراسة الاختصاص القضائي في دعاوى مسؤولية المنتج الوقوف عند الاختصاص النوعي والمحلي للمحاكم في قضايا الاستهلاك، وكذا التطرق إلى إشكالية تحديد الجهة القضائية المختصة بنظر النزاع عندما تتسبب المنتجات الأجنبية المطروحة في السوق الجزائرية أضرارا للمستهلك. وهو ما سنحاول دراسته تباعا من خلال هذا الفرع. أولا: الاختصاص النوعي: تخضع المنازعات المتعلقة بالإستهلاك بوجه عام إلى اختصاص المحاكم العادية المنصوص عليها في قانون الإجراءات المدنية، ولا يشمل هذا الإختصاص المستهلك المتضرر والمنتج ومن هم في حكمهما فقط بل يتعداه إلى دعاوى التعويض التي يرفعها المتضرر من الحوادث التي تسببها نشاطات المرافق العامة الإقتصادية والتجارية، وهذا لا يمنع أن يكون القضاء الإداري بإختلاف درجاته من محاكم إدارية ومجلس الدولة هو المختص نوعيا في بعض قضايا ومنازعات المستهلكين المتضررين في مواجهة المرافق العامة الإدارية في حالة الأضرار الناتجة من سوء إستعمالها وتشغيلها(1). ومن بين القضايا التي ثبت الإختصاص فيها للقضاء الإداري في الجزائر قضية الباخرة دندان أين منعتها مصالح ميناء وهران تفريغها بأمر من والي ولاية وهران بعدما بينت الخبرة عدم صلاحية السلعة للإستهلاك، ولكن التقارير اللاحقة والمقدمة من طرف المستأنفة أمام مجلس الدولة، ومن وزارتي التجارة والفلاحة أثبتت صلاحية البضاعة للإستهلاك وبذلك قَبِلَ مجلس الدولة بالأمر الإستعجالي المرفوع أمامه بتفريغ البضاعة وتخزينها على نفقة المستأنفة(1) وبالتالي أقر مجلس الدولة بإختصاص الغرفة الإدارية بمجلس قضاء وهران(2). وسواء ثبت الاختصاص في للقضاء العادي أو الإداري، فالأمر لا ينفي قيام المسؤولية الجزائية للمحترف ومن ثمة ثبوت الاختصاص للقضاء الجزائي، حيث ينعقد الإختصاص للمحكمة بالقسم الجزائي بالتبعية للدعوى العمومية وهو ما جاء في نص المادة 328 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري حيث جعلت الإختصاص ينعقد للمحاكم الجزائية بصدد الإنتهاكات المعتبرة جنحا أو مخالفات، أما إذا كان الفعل بمثابة جناية فهنا ينعقد الإختصاص لمحكمة الجنايات ومقرها المجلس القضائي الذي يقع في دائرته الفعل المجرم، وهو ما ذهبت إليه المادة 248 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، دون أن يمنع ذلك من انعقاد الاختصاص للمحكمة المدنية باعتبارها صاحبة الاختصاص الأصيل بالنظر في دعاوى التعويض عن أضرار المنتجات بأحكام قابلة للإستئناف وإستثناءا إبتدائيا نهائيا إذا كانت قيمة النزاع لا تتعدى 2000 دج، وذلك وفقا لنص المادة 01 من قانون الإجراءات المدنية الجزائرية. و لقد كرس الفقه نفس الإتجاه حيث ذهب إلي القول بثبوت الإختصاص النوعي حصريا للمحاكم المدنية دون سواها في حالة التي لا يكون فيها الفعل المؤدي للضرر مجرما من الناحية القانونية. أما في فرنسا فإن سلطة المحكمة لا تقتصر على الحكم بالتعويض عن الضرر فقط، وإنما تشمل إمكانية إلغاء أو إبطال العقد حينما ينجم ضرر عن علاقة عقدية بين المسؤول والمضرور، لكن القضاء الفرنسي يسير نحو جعل المحاكم الجزائية هي صاحية الولاية العامة في مسائل الإستهلاك وهو ما يسهل المسعى إلى تسهيل تداعي المتضررين أمام العدالة (3) ثانيا: الإختصاص المحلي: يقصد بالإختصاص المحلي ولاية جهة قضائية، محكمة كانت أو مجلسا للنظر في القضايا التي تقع على الإقليم التابع لها،(1) ولا شك أن إختصاص المحكمة ي المحلي يختلف بحسب ما إذا إنعقد الإختصاص للقاضي الجنائي أو المدني . فإذا إنعقد الإختصاص للقاضي الجنائي فإن قانون الإجراءات الجزائية الجزائري يضع أمام المتضرر جملة من القيود، فحينما يتعلق الأمر بالتعويض عن الضرر المترتب عن الجنحة فإن الإختصاص ينعقد لمحكمة محل الجريمة أو محكمة محل إقامة أحد المتهمين أو شركائهم أو محكمة محل القبض عليهم، كما تختص المحكمة في المخالفات التي إرتكبت في نطاق دائرتها المخالفة، أو المحكمة الموجودة في بلد إقامة مرتكب المخالفة. (2) وذهبت المحكمة العليا في قرار لها(3) إلى تقرير جواز رفع الطلب في دعوى التعويض عن الضرر الناشئ عن جناية أو جنحة أو مخالفة أمام الجهة القضائية التي وقع في دائرة إختصاصها الفعل الضار، هذا ونجد ذات القواعد سارية في القانون الفرنسي فينعقد الإختصاص في الجنح إلى محكمة مكان وقوع الجريمة وهو ما نصت عليه المادة 382 من قانون الإجراءات الجزائرية الفرنسي، أما في المخالفات فينعقد الإختصاص لمحكمة مكان وقوع المخالفة أو محل إقامة المتهم وهو ما نصت عليه المادة 522 من نفس القانون. أما إذا إنعقد الإختصاص للقضاء المدني أو التجاري فإن المدعي يرفع دعواه إلى المحكمة التي يقع بدائرتها محل إقامة المسؤول عن الضرر أو مكان تسليم الشيء أو توريد الخدمة إذا كان هناك عقد بين المسؤول عن الضرر والمتضرر وهو ما ذهب إليه قانون الإجراءات المدنية الجزائري في المادة 08 التي تنص: "يكون الإختصاص للجهة التي يقع في دائرتها موطن المدعي عليه بالنسبة للدعاوى الخاصة أو محل إقامته"، وكذا المادة 07 من نفس القانون التي تنص: "يجوز أن يرفع الطلب، إما إلى المحكمة التي يقع في دائرة اختصاصها موطن المدعى عليه أو مسكنه، وإما إلى الجهة أو الجهات القضائية المذكورة أدناه، تبعا للمواد التالية:..."، وهو ما يتوافق مع المبدأ القائل أن الدين يجب أن يطالب به أمام محكمة المدعى عليه (الدين مطلوب)، هذا ويبقى مكان تسليم الشيء أو توريد الخدمة المكان الأنسب للمستهلك في رفع دعواه أمام جهة القضاء الأقرب منه.(1) وعندما لا يكون المضرور مرتبط بأي علاقة تعاقدية مع المسؤول عن الضرر، فالاختصاص يؤول إلى الجهة القضائية التي يقع بدائرة إختصاصها الفعل الضار كما سبق الإشارة لذلك ، لكن حينما ينتج الضرر عن فعل المنتجات التي تكون مصدرها الخارج أي مؤسسة أجنبية خارج التراب الوطني فإنه يتعين التفرقة بين حالتين: فإن كان لها فرع أو مكتب في الجزائر، ينعقد الإختصاص للمحكمة التي يقع بدائرة إختصاصها هذا الفرع، وإذا لم يكن لها فرع في الجزائر يجرنا الحديث عن قواعد الإختصاص الدولي للمحاكم(2) وهو ما سنتناوله من خلال العنصر التالي. ثالثا: الإختصاص الدولي: قد لا يطرح الإشكال عندما تكون المنتجات المسببة للأضرار منتجات وطنية الصنع أو أنها منتجات أجنبية ولكن أنتجت داخل التراب الوطني، لكن الإشكال يثور عندما ينجم الضرر عن منتوج أو خدمة تطرحها مؤسسة أجنبية في السوق الجزائرية – وذلك في ظل التحولات الإقتصادية التي عرفتها وتعرفها الجزائر من إنفتاح إقتصادي وخاصة بعد مصادقتها على إتفاق الشراكة مع الإتحاد الأوروبي الذي دخل حيز التطبيق في سبتمبر 2005، وسعيها الحثيث للإنضمام للمنظمة العالمية للتجارة – ، ومن هذا المنطلق يصعب على المتضرر أو المدعي تحديد المحكمة المختصة بالنظر في دعواه، ومما لا شك فيه أن القانون الجزائري هو الذي يحدد الإختصاص للمحاكم الجزائرية إذا كان لهذه المؤسسات الأجنبية فرعا أو مكتبا في الجزائر، لكن قد تطرح هذه المؤسسات والشركات الأجنبية منتوجات أو خدمات من دون أن يكون لها فرع في الجزائر ثم تتسبب هذه المنتوجات في أضرار و يثير المتضرر دعوى المسؤولية و يصطلح على تسمية هذه النزعات بالنزاعات المتجاوزة للحدود، و قد أعطت المواد 10 و 11 من قانون الإجراءات المدنية الحلول المناسبة لمثل هذه النزاعات حيث تنص المادة 10 على ما يلي: "كل أجنبي حتى ولم يكن مقيما في الجزائر يجوز أن يكلف بالحضور أما المحاكم الجزائرية لتنفيذ الالتزامات التي تعاقد عليها في الجزائر مع جزائري. كما يجوز أيضا أن يقدم إلى المحاكم الجزائرية بشان عقود ابرمها في بلد أجنبي مع جزائريين"، كما تنص المادة 11 على يلي: "يجوز تقديم كل جزائري للجهات القضائية الجزائرية بشان التزامات تعاقد عليها في بلد أجنبي حتى ولو كان مع أجنبي". ولقد أعطت إتفاقية بروكسل الموقع عليها في 27/09/1968 والمتعلقة بالإختصاص القضائي وتنفيذ الأحكام في المواد المدنية والتجارية الحلول المناسبة لمسألة الإختصاص الدولي في مجال منازعات الإستهلاك، وهو ما حاول المشرع الجزائري مطابقته مع النصوص السالفة الذكر.(1) الفرع الثاني: الإجراءات بعد ما تعرفنا على الجهة القضائية المختصة بالمنازعات المتعلقة بالإستهلاك، يتعين علينا تبيان مختلف الإجراءات القانونية لرفع دعوى مسؤولية المنتج قصد تعويض المتضررين عن حوادث الإستهلاك، حيث لا تكاد في معظم الحالات تخرج عن نطاق الأحكام العامة الموجودة في قانون الإجراءات المدنية خاصة المواد 12حتى 15 والمادة 26 منه، إذا إختار المضرور التداعي أمام القضاء المدني أو عن طريق الأحكام الواردة في قانون الإجراءات الجزائية إذا إختار المضرور التداعي أمام القضاء الجزائي خاصة المواد من 01 حتى 05 والمواد من 72حتى 78منه. هذا وإذا أخل المنتج بإلتزامه القانوني سواء عقديا أو تقصيريا، وكان مرتبط بإرتكابه لفعل ضار –جنحة أو مخالفة- تكون مجرمة في قانون المستهلك أو مختلف المراسيم التنفيذية له، أو في قانون العقوبات، هنا يكون للمتضرر من الفعل الضار أن يختار بين رفع دعواه أمام المحكمة الجزائية أو أمام المحكمة المدنية للفصل فيها، وما هو جاري به العمل من الناحية العملية أن المتضرر – الضحية - كثيرا ما يختار السبيل الأول(2) لما يوفره القضاء الجزائي من سرعة في الفصل في الدعوى وقلة التكاليف وبساطة الإجراءات كما أن المضرور يستفيد في هذه الحالة من المساعدة التي تقدمه له النيابة العامة في مجال إثبات العيوب الواردة على المنتجات التي ألحقت ضررا بالمتضرر (1)، ويستند في ذلك على أحد الطريقين: أما الأول فيكون عن طريق التأسس كطرف مدني في الدعوى، ويستوي أن ترفع الدعوى المدنية مع الدعوى العمومية أو بالتبعية لها وهو ما قضت به المادتان 02 و03 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري (2)، ويستفيد كذلك المتضرر من إتساع مجال المطالبة القضائية - الدعوى المدنية -، وذلك بجواز مقاضاة المدعى عليه سواء كان شخصا طبيعيا أو مؤسسة خاصة(3) أو مرافقا عاما ذو طابع إقتصادي، وتشمل المساءلة عن كافة الأضرار مادية كانت أو جسمانية أو أدبية(4) ما دامت ذات صلة بالدعوى العمومية وللمتضرر الحق في الإدعاء مدنيا أمام قاضي التحقيق بتقديم شكوى لطلب التعويض عن الضرر الذي لحق به بشرط دفعه لكفالة لدى المحكمة تغطي مصاريف الدعوى وذلك إستنادا إلى نص المادة 72 من قانون الإجراءات الجزائية الجزائري التي تنص على مايلي: "يجوز لكل شخص يدّعي أنه مضار بجريمة أن يدّعي مدنيا بأن يتقدم بشكواه أمام قاضي التحقيق المختص"(5). أما الثاني فيكون بتأسس المضرور كطرف مدني عن طريق التدخل ( par voie d’intervention )، بعدما تباشر النيابة العامة فعلاً الدعوى العمومية حيث يتدخل المتضرر في الدعوى بعد إبلاغه برفعها ويبدوا ومن الناحية العملية أن هذا الطريق هو الأكثر قبولا لدى المستهلك المتضرر وخاصة عندما لا تسعفه وسائل الإثبات للوقوف على العيوب الواردة في المنتوج الذي أنتج الضرر، هذا و تدخل المدعي المدني المتضرر يكون إما أمام هيئات التحقيق(6) أو أمام هيئات الحكم قبل الجلسة أو أثناءها بعد أن تبدي النيابة العامة طلباتها في الموضوع.(7) ورغم تفضيل المتضرر المحاكم الجزائية يتبقى الحاكم المدنية هي صاحبة الإختصاص الأصيل للنظر في دعاوي التعويض، و هو ما ذهبت إليه المادة 04 من القانون الإجراءات الجزائية حيث تنص على ما يلي: "يجوز أيضا مباشرة الدعوى المدنية منفصلة عن الدعوى العمومية وحينها تُرْجئ المحكمة المدنية حكمها إلى غاية صدور الحكم النهائي".(8) الفرع الثالث: الآجال إن دعوى التعويض عن الأضرار التي تسببها المنتوجات المعيبة لا تكاد تخرج عن الأحكام العامة التي تخضع لها الدعوى المدنية من حيث ضرورة رفعها في الآجال القانونية سواء رُفعت متصلة بالدعوى العمومية أو منفصلة عنها. وبالرجوع إلى نص المادة 133 من القانون المدني الجزائري التي تنص على ما يلي: "تسقط دعوى التعويض بإنقضاء خمسة عشرة 15 سنة من يوم وقوع الفعل الضار"، يتضح لنا أن مدة التقادم تحسب من تاريخ وقوع العمل الضار (فعل المنتوج)، لا من يوم معرفة العيب أو الضرر أو معرفة المسؤول عنه(1) وهي آجال طويلة هذا ولا يمكن للمشتري أن يتجنب القواعد المتعلقة بضمان العيوب الخفية التي تقرر آجالا قصيرة لرفع دعوى الضمان المنصوص عليها في القانون المدني في حالة الضرر الناشئ عن المنتوج، حيث حددتها المادة 383/1 من القانون المدني الجزائري (2)، بسنة من يوم تسليم الشيء المبيع.(3) ولا يجب أن يتهرب من المهلة القصيرة، ويتمسك بالمهلة الطويلة وهي 15 سنة من تاريخ وقوع الفعل الضار إلا في الحالة التي يخفي فيها البائع العيب عن المشتري غشا منه، وهو ما قضت به المادة 383/2 من القانون المدني الجزائري (4)، ويعود سبب تحديد الأجل القصير إلى الرغبة في تسهيل إثبات وجود العيب من جهة، وللتمييز بين العيب الأصلي في المنتوج والعيب الناتج عن سوء الإستعمال.(5) ما يمكن استنتاجه مما سبق أن سقوط دعوى المسؤولية التقصيرية بالنسبة للمتضرر غير المتعاقد مع المنتج يكون بإنقضاء مدة 15 سنة من يوم وقوع الفعل الضار، أما سقوط دعوى ضمان العيوب الخفية بالنسبة للمشتري المتعاقد مع المنتج فتكون بانقضاء سنة من تاريخ تسليم المبيع، ولو إكتشف العيب بعد إنقضاء هذا الأجل لكن بشرط ألا يكون البائع قد أخفى العيب عن المشتري غشا منه وهو ما أقره المجلس الأعلى في قرار له بقوله: "إذا كانت دعوى الضمان تتقادم بإنقضاء سنة من يوم تسليم المبيع طبقا للمادة 383 قانون مدني، فذلك على شرط ألا يكون البائع أخفى العيب على المشتري غشا".(6) هذا ولقد أتاح المرسوم التنفيذي 90-266 المتعلق ضمان المنتوجات والخدمات آجال أطول بحيث يمكن للمتضرر أن يرفع دعوى الضمان إلى المحكمة المختصة في أجل أقصاه سنة تحسب من تاريخ الإنذار الذي يوجهه المستهلك للمهني، ويترتب على هذا الإنذار قطع مدة التقادم(1)، وتحدد مدة رفع دعوى الضمان الإتفاقي بستة أشهر على الأقل من تاريخ الإخطار بوجود العيب.(2) أما في القانون الفرنسي فإن الدعوى المدنية تسقط بثلاثين سنة، وفي حالة نشوئها عن جريمة جنائية فإنها ترتبط بسقوط الدعوى العمومية، هذا الحكم العام الوارد في القانون المدني الفرنسي في المادة 2270/1 منه صاحبه حكم خاص جاء به القانون رقم 98-389 المتعلق بفعل المنتوجات المعيبة بحيث نص على مواعيد خاصة يتعين على المتضرر من حوادث الإستهلاك مراعاتها والتي حصرها في أجلين، فالأجل الأول نصت عليه المادة 1386-17 التي تقضي بما يلي: "إن دعوى التعويض المؤسسة على أحكام هذا العنوان تتقادم بآجال ثلاث سنوات إبتداءا من تاريخ معرفة أو بإمكانية معرفة المدعي للضرر أو العيب وهوية المنتج" ، يتضح من هذا النص أنه أعطى فسحة أطول للمتضرر وهو ما يمثل ضمانة كافية لحماية حقوق المتضررين،(3) أما الأجل الثاني يتجلى في ميعاد سقوط حقوق المتضرر في التعويض، وبالضرورة تكون معها مسؤولية المدعى عليه المهني وهو ما نصت عليه المادة 1386-16 من القانون 98-389 السالف الذكر، حيث تقضي بما يلي: "فيما عدا حالة الخطأ، فإن مسؤولية المنتج المؤسسة على أحكام هذا النظام تسقط بمرور عشر سنوات من تاريخ طرح المنتوج للتداول المسبب للضرر للتداول، إلا إذا رفع المضرور خلال هذه الفترة دعوى أمام القضاء".(4) يتضح من خلال ذلك وبعد استقراء هذه المواد أنها مواعيد لم يعرفها القانون الفرنسي من قبل ويتمثل السبب الرئيسي في إيجاد هذا الميعاد الجديد هو جعل المنتج مسؤولا عن عيوب منتجاته دون تحديد زمني، وهو أمر يتناقى مع حقيقة المنتوجات التي تهتلك(amortissement du produit)مع مرور الوقت وبالتالي تنقضي المسؤولية تبعا لذلك.(5) المبحث الثاني: التعويض عن الضرر إذا توافرت شروط مسؤولية المنتج المنصوص عليها في نص المادة 140 مكرر من القانون المدني الجزائري وفقا لما سبق بيانه ينشأ للمتضرر من فعل المنتجات المعيبة الحق في التعويض إذا أثبت العيب في المنتوج والضرر والعلاقة السببية بينهما، ويمارس هذا الحق كما سبق الإشارة إليه عن طريق دعوى المسؤولية يرفعها على المنتج بصفته الملتزم بالتعويض عن الأضرار الناجمة من فعل منتجاته المعيبة. وسنحاول من خلال هذا المبحث التطرق إلى كيفية التعويض عن هذه الأضرار من خلال تقسيمه إلى مطلبين، نتناول في المطلب الأول كيفية تحديد المسئول عن التعويض، ونخصص المطلب الثاني إلى كيفية الوفاء بالتعويض وطرقه. المطلب الأول: تحديد المسؤول عن التعويض يواجه القاضي المختص بدعوى التعويض عن الأضرار الناتجة عن المنتجات المعيبة إشكالية تحديد الشخص المسؤول عن التعويض فإذا كان هذا المسؤول هو المنتج، حمله القاضي عبء دفع التعويض للمضرور، و إذا كان المسؤول غير معروفا تحملت الدولة هذا العبء. و ستكون هاتين الحالتين محل دراستنا من خلال هذا المطلب الذي نقسمه إلى فرعين نتناول في الفرع الأول الحالة التي يكون فيها المنتج هو المسؤول عن التعويض، و نخصص الفرع الثاني للحالة التي تكون فيها الدولة هي المسؤولة عن ذلك. الفرع الأول: المنتج تنص المادة 182 من القانون المدني الجزائري على أنه "إذا لم يكن التعويض مقدرا في العقد، أو في القانون، فالقاضي هو الذي يقدره ويشمل التعويض ما لحق من خسارة وما فاته من كسب بشرط أن يكون هذا نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بإلتزام أو للتأخر في الوفاء به، ويعتبر الضرر نتيجة طبيعية إذا لم يكن في إستطاعة الدائن أن يتوقاه ببذل جهد معقول. غير أنه إذا كان الإلتزام مصدره العقد، فلا يلتزم المدين الذي لم يرتكب غشا أو خطا جسميا إلا بتعويض الضرر الذي كان يمكن توقعه عادة وقت التعاقد". وأضاف القانون رقم 05-10 المعدل والمتمم للقانون المدني الصادر بتاريخ 20/06/2005، المادة 182 مكرر التي تحدثت على نوع آخر من الأضرار القابلة للتعويض التي تنص على ما يلي: "يشمل التعويض عن الضرر المعنوي كل مساس بالحرية أو الشرف أو السمعة". ونصت المادة 131 من القانون المدني الجزائري المعدلة كذلك بالقانون 05-10 السالف الذكر على ما يلي "يقدر القاضي مدى التعويض عن الضرر الذي لحق المصاب طبقا لأحكام المادتين 182 و182 مكرر مع مراعاة الظروف الملابسة، فإن لم يتيسر له وقت الحكم أن يقدر مدى التعويض بصفة نهائية فله أن يحتفظ للمضرور بالحق في أن يطلب خلال مدة معينة بالنظر من جديد في التقدير". وبناءا على هذه النصوص فإن التعويض في مسؤولية المنتج يشمل ما يلي: أولا: تعويض الضرر المباشر: المبدأ العام في المسؤولية المدنية، عقدية كانت أم تقصيرية يقضي بعدم التعويض عن الأضرار غير المباشرة مهما كانت جسامة الخطأ الذي إرتكبه المسؤول، أما الضرر المباشر فيجب التعويض عنه سواء كان ماديا أو أدبيا حالا أو مستقبلا ما دام محقق الوقوع(1)، ومعيار التفرقة بينهما يكمن في وجود علاقة السببية بين فعل المسؤول، وما نجم عنه من ضرر للمضرور، فكلما توفرت هذه العلاقة بحيث يصبح الضرر نتيجة حتمية أو محققة للخطأ نكون بصدد ضرر مباشر، وإذا تخلفت نكون بصدد ضرر غير مباشر(2)، إلا أن الأمر ليس بهذه السهولة، لذلك فالمعيار الذي أورده المشرع الجزائري في المادة 182/1 من القانون المدني الجزائري، بأن الضرر المباشر يكون نتيجة طبيعية لعدم الوفاء بالإلتزام أو التأخر في الوفاء به – أي نتيجة طبيعية أو ضررا مباشرا -، إذا لم يستطع الدائن أن يتوخاه يبذل الجهد المعقول وهو معيار غير كافِ، وعلى القاضي أن يأخذ به على سبيل الإستدلال أو الإسترشاد فقط، ويبحث عن معيار آخر حسب طبيعة وظروف النزاع المطروح عليه. (3) ثانيا: تعويض الضرر المباشر المتوقع وغير المتوقع يختلف مقدار التعويض عن الضرر المباشر في المسؤولية العقدية عنه في المسؤولية التقصيرية، ذلك أن المدين في المسؤولية العقدية لا يلتزم وكقاعدة عامة بتعويض كل الضرر المباشر وإنما يقتصر إلتزامه على التعويض الضرر المباشر الذي كان يمكن توقعه عَادةً وقت التعاقد، إلا في حالة إرتكابه غشا أو خطأ جسيم فإنه يسأل عن الضرر المباشر المتوقع وغير المتوقع، أما في مجال المسؤولية التقصيرية يلتزم المدين بتعويض الضرر المباشر المتوقع وغير المتوقع، وفي هذا الصدد فإن المشرع الجزائري قد أخذ بما جرى به العمل في القضاء الفرنسي بمساءلة المنتج والموزع بإفتراض علمه بالعيب أو سوء نيته أو خطئه الجسيم وإلزامه بكافة التعويضات عن الضرر المباشر المتوقع وغير المتوقع الناجم عن عيب المبيع -لإخلاله بإلتزام ضمان العيوب الخفية، حيث إفترض المشرع علمه بالعيب.(1) هذا يعني أن المنتج في هذه الحالة قد إرتكب خطأ تقصيريا ويخرج بالتالي من مجال التعاقد، ويتعين أن تطبق عليه أحكام المسؤولية التقصيرية لذلك الرأي الغالب في الفقه أن يكون حكم المسؤولية العقدية في حالة الغش أو الخطأ الجسيم حكم المسؤولية التقصيرية، أي بضرورة الأخذ بالمسؤولية التقصيرية كتنظيم موحد لمسؤولية المنتج ولو كانت تربطه بالمضرور علاقة تعاقدية.(2)