ثم عقّب الأخ بقوله :
لدي نقول عن السلف الصالح تؤيد ما أرمي إليه وهي واضحة بأنهم كانوا لا يفسرون.
(أمروها كما جاءت بلا كيف) أي لا تضعوا لها معنى ولا كيف.
انظر إلى قول الإمام أحمد (الثابت عن أئمة السلف مثل الإمام أحمد رحمه الله تعالى، قال عندما سئل عن أحاديث الصفات: ( نؤمن بها ونصدق بها ولا كيف ولا معنى ) .
هذا هو مذهب السلف رحمهم الله تعالى، فهم يفوضون في المعنى ولا يفسرون ، فأين هذا المذهب من قول من يفسر وينسب لله تعالى اليد والجارحة، والاستواء الذي هو جلوس واستقرار ومماسة ، ونزول هو حركة وانتقال
قال الإمام الأكبر أبو حنيفة في كتابه الوصية : ونُقِرُّ بأن الله تعالى على العرش استوى من غير أن يكون له حاجة واستقرار عليه وهو حافظ العرش وغير العرش من غير احتياج
فأجبته أيضا :
قولك - وفقك الله للصواب - :
هذا هو مذهب السلف رحمهم الله تعالى ، فهم يفوضون في المعنى ولا يفسِّرون ، فأين هذا المذهب من قول من يفسر وينسب لله تعالى اليد والجارحة، والاستواء الذي هو جلوس واستقرار وماسة، ونزول هو حركة وانتقال .
أولاً : أرجو أن يكون النقاش نقاشا علميا بالحجة والبرهان .
وأن يكون بالنقل الثابت عن سلف هذه الأمة من الصحابة فمن بعدهم .
ثانياً : من الذي أثبت لله جارحة ؟
نحن أثبتنا لله يــداً تليق به سبحانه وتعالى ونُنزِّهه عن الجوارح
ومن الذي قال إن الاستواء جلوس ؟
وأما المعاني فهذا كلام أئمة السلف أنهم يُثبتون المعنى
وهذه الأحاديث التي سُقتها لك ما الذي قاله فيها النبي صلى الله عليه وسلم ؟
هل أقوال النبي صلى الله عليه وسلم السابقة ليس لها معنى ؟
إما أن يكون لها معنى ، ويكون النبي صلى الله عليه وسلم خاطَبَ أصحابه بما يفهمون
وإما أن لا يكون لها معنى ويُنزّه كلام النبي صلى الله عليه وسلم عن أن يكون خِلواً من المعاني .
إذ الكلام إما يُفيد معنى وإما لا يُفيد
فالأول هو الكلام المفيد
والثاني غير مفيد
فأيهما قلتَ به لزِمك لازمـه .
هل النبي صلى الله عليه وسلم خاطَب أصحابه في مثل هذه الأحاديث التي ورد فيها إثبات بعض الصفات لله عز وجل - بما يفهمون ؟
هل خاطبهم بما يفهمون معناه أوْ لا ؟
فالجواب : نعم
خاطبهم بما يفهمون معناه
ولا يَسعنا أن نقول : خاطَبهم بما يجهلون معناه .
إذاً .. المعنى مفهوم .
وفرق بين فهم المعنى بما تقتضيه اللغة ، وبين تصوّر المعنى .
فالأول جائز ، والثاني ممنوع لأنه يقتضي التكييف ، أي السؤال بـ ( كيف ) .
ثم ساق الأخ ما جاء في :
لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد
قال الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل رضي الله عنه في قول النبي صلى الله عليه وسلم ( ( إن الله ينزل الى سماء الدنيا ) ) ( 3 ) و ( ( إن الله يرى في القيامة ) ) ( 4 ) وما أشبه هذه الأحاديث نؤمن بها ونصدق بها لا كيف ولا معنى ولا نرد شيئا منها ونعلم أن ما جاء به الرسول حق ولا نرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } الشورى 11 ونقول كما قال ونصفه بما وصف به نفسه لا نتعدى ذلك ولا يبلغه وصف الواصفين نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شنعت ولا نتعدى القرآن والحديث ولا نعلم كيف كنه ذلك إلا بتصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وتثبيت القرآن
كتاب الاعتقاد، الجزء 1، صفحة 9.
فأجبته :
ما نقلته - حفظك الله - عن لمعة الاعتقاد انظر الجواب عنه في شرح اللمعة للشيخ ابن عثيمين رحمه الله
قال شيخنا العلامة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح لمعة الاعتقاد :
ما تضمنه كلام الإمام أحمد في أحاديث النُّـزول وشبهها
تضمن كلام الإمام أحمد رحمه الله الذي نقله عن المؤلف ما يأتي:
1 - وجوب الإيمان والتصديق بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أحاديث الصفات من غير زيادة ولا نقص ولا حد ولا غاية.
2 - أنه لا كيف ولا معنى أي لا نكيف هذه الصفات؛ لأن تكييفها ممتنع لما سبق، وليس مراده أنه لا كيفية لصفاته ؛ لأن صفاته ثابتة حقاً ، وكل شيء ثابت فلابد له من كيفية ، لكن كيفية صفات الله غير معلومة لنا.
وقوله: ولا معنى
أي: لا نثبت لها معنى يخالف ظاهرها كما فعله أهل التأويل وليس مراده نفي المعنى الصحيح الموافق لظاهرها الذي فسرها به السلف ، فإن هذا ثابت ، ويدل على هذا قوله: "ولا نرد شيئاً منها، ونصفه بما وصف به نفسه ، ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شُنعت ، ولا نعلم كيفية كنه ذلك". فإن نفيه لرد شيء منها، ونفيه لعلم كيفيتها دليل على إثبات المعنى المراد منها.
3 - وجوب الإيمان بالقرآن كله محكمه ، وهو ما اتضح معناه ، ومتشابه وهو ما أشكل معناه ، فنرد المتشابه إلى المحكم ليتضح معناه ، فإن لم يتضح وجب الإيمان به لفظاً ، وتفويض معناه إلى الله تعالى.
انتهى كلامه رحمه الله .
وقد سئل شيخنا رحمه الله :
هل آيات الصفات من الـمُحكَم أو من المتشابه ؟
فقال رحمه الله : هي من الـمُحكَم ؛ لأنها معلومة المعنى .اهـ .
وعامة النصوص المنقولة عن السلف فيها إثبات المعاني
وقد نقلت لك طرفا منها سابقا
أعيده هنا :
روى أبو بكر الخلال في كتاب السنة عن الأوزاعي قال : سئل مكحول والزهري عن تفسير الأحاديث ، فقال : أمرُّوها كما جاءت .
وروى أيضا عن الوليد بن مسلم قال : سألت مالك بن أنس وسفيان الثوري والليث بن سعد والأوزاعي عن الأخبار التي جاءت في الصفات ، فقالوا : أمروها كما جاءت ، وفي رواية ، فقالوا : أمروها كما جاءت بلا كيف . وكذاك قال الشافعي حكاه عنه البيهقي .
وقال ابن جرير الطبري (1/192) وأولى المعاني بقول الله جل ثناؤه : (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ) علا عليهن وارتفع ، فدبّـرهن بقدرته ، وخلقهن سبع سماوات .
وأزيد عليه هنا :
سئل ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن قوله : ( الرحمن على العرش استوى ) فقال : الاستواء معقول ، والكيف مجهول ، والإيمان به واجب . شرح أصول اعتقاد أهل السنة للإمام اللالكائي ( 3/527 )
وربيعة هذا هو شيخ الإمام مالك ، وهذه الكلمة اشترت عن الإمام مالك رحمه الله .
حيث سُئل رحمه الله : ( الرحمن على العرش استوى )
قال ابن عبد البر المالكي ( الاستذكار ( 2/529 ) :
وقد روي عن عبد الله بن نافع عن مالك نحو ذلك . قال سُئل مالك عن قول الله عز وجل : ( الرحمن على العرش استوى ) كيف استوى ؟
فقال استواؤه معلوم وكيفيته مجهولة ، وسؤالك عن هذا بدعة ، وأراك رجل سوء .
فما هو المعقول والمعلوم من الاستواء ؟
قال ابن القيم ( الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة 2/426) :
وكذلك قولنا في وجْهِه تبارك وتعالى ويديه وسمعه وبصره وكلامه واستوائه ولا يمنعنا ذلك أن نفهم المراد من تلك الصفات وحقائقها كما لم يمنع ذلك من أثبت لله شيئا من صفات الكمال من فهم معنى الصفة وتحقيقها فإن من أثبت له سبحانه السمع والبصر أثبتهما حقيقة وفهم معناهما فهكذا سائر صفاته المقدسة يجب أن تجري هذا الْمَجْرَى ، وإن كان لا سبيل لنا إلى معرفة كنهها وكيفيتها فإن الله سبحانه لم يكلف عباده بذلك ، ولا أراده منهم ، ولم يجعل لهم إليه سبيلا ، بل كثير من مخلوقاته أو أكثرها لم يجعل لهم سبيلا إلى معرفة كنهه وكيفيته ، وهذه أرواحهم التي هي أدنى إليهم من كل دانٍ قد حُجِب عنهم معرفة كنهها وكيفيتها ، وجعل لهم السبيل إلى معرفتها والتمييز بينها وبين أرواح البهائم . وقد أخبرنا سبحانه عن تفاصيل يوم القيامة وما في الجنة والنار فقَامَتْ حقائق ذلك في قلوب أهل الإيمان وشاهدته عقولهم ولم يعرِفُوا كيفيته وكنهه ، فلا يشك المسلمون أن في الجنة أنهارا من خمر وأنهارا من عسل وأنهارا من لبن ، ولكن لا يعرفون كُنه ذلك ومادته وكيفيته ، إذ كانوا لا يعرفون في الدنيا الخمر إلا ما اعتصر من الأعناب ، والعسل إلا ما قَذَفَتْ به النحل في بيوتها ، واللبن إلا ما خرج من الضروع ، والحرير إلا ما خرج من فَمِ دُود القـزّ ، وقد فهموا معاني ذلك في الجنة من غير أن يكون مماثلا لما في الدنيا ، كما قال ابن عباس : ليس في الدنيا مما في الآخرة إلا الأسماء . ولم يمنعهم عدم النظير في الدنيا من فَهْمِ ما أُخبِروا به من ذلك ، فهكذا الأسماء والصفات لم يمنعهم انتفاء نظيرها في الدنيا ومثالها من فهم حقائقها ومعانيها ، بل قام بِقُلوبهم معرفة حقائقها وانتفاء التمثيل والتشبيه عنها ، وهذا هو المثل الأعلى الذي أثبته سبحانه لنفسه في ثلاثة مواضع من القرآن . انتهى .
وقال ابن أبي العز في شرح الطحاوية ( 129) :
وكذلك مسالة الصفة هل هي زائدة على الذات أم لا ؟ لفظها مجمل وكذلك لفظ الغير فيه إجمال ، فقد يُراد به ما ليس هو إياه ، وقد يراد به ما جاز مفارقته له .
ولهذا كان أئمة السنة رحمهم الله تعالى لا يطلقون على صفات الله وكلامه أنه غيره ، ولا أنه ليس غيره ؛ لأن اطلاق الإثبات قد يشعر أن ذلك مُباين له ، وإطلاق النفي قد يشعر بأنه هُو هُو إذا كان لفظ الغير فيه إجمال ، فلا يُطلق إلا مع البيان والتفصيل ، فإن أريد به أن هناك ذاتاً مجرَّدة قائمة بنفسها منفصلة عن الصفات الزائدة عليها فهذا غير صحيح ، وإن أريد به أن الصفات زائدة على الذات التي يفهم من معناها غير ما يفهم من معنى الصفة فهذا حق ، ولكن ليس في الخارج ذات مجردة عن الصفات ، بل الذات الموصوفة بصفات الكمال الثابتة لها لا تنفصل عنها . اهـ .
تنبيه :
الإمام أبو عبد الله القرطبي ( صاحب التفسير الكبير المسمى " الجامع لأحكام القرآن " ) أشعري المعتقد
فإذا نقلت منه مسائل الاعتقاد فكن على ذِكر من ذلك .
والسؤال المهم :
هل خاطب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بما يفهمون معناه أوْ بما لا يفهمون معناه ؟
فإن قيل : نعم ، وهو الصحيح فهو خاطبهم بـ ( اليد والساق والأصبع والوجه ) وغيرها من صفات الله .
وهم عرب أقحاح
يفهمون من هذه الكلمات ما تدلّ عليه .
وإن قال : لا ، لم يُخاطِبهم بما يفهمون .
قيل له : لا يُمكن تصوّر هذا من أفصح العرب
فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يتكلّم بكلام غير مفيد ، بل أُوتي جوامع الكلِم عليه الصلاة والسلام .
ومعلوم أن المشركين كانوا يستمعون إلى كلامه عليه الصلاة والسلام ، ويتربّصون به ، ومع ذلك يقفون أمام كلامه موقف المتحيّر من جماله وبيانه ، ولم يقُل أحد منهم إنك تكلّمت بما لا يُفهم معناه !
وقد خاطب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بالصفات ، وهي مما يُعلم معناه قطعـاً .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد أن ذكر قول ربيعة بن عبد الرحمن وتلميذه الإمام مالك :
فقول ربيعة ومالك الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإيمان به واجب - موافق لقول الباقين أمِرُّوها كما جاءت بلا كيف ، فإنما نَـفَـوا علم الكيفية ولم يَنفُوا حقيقة الصِّـفة ، ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرَّد من غير فهم لِمَعناه على ما يليق بالله لما قالوا الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول ، ولما قالوا أمِرُّوها كما جاءت بلا كيف ، فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوما بل مجهولا بمنـزلة حروف المعجم ، وأيضا فانه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى ، وإنما يحتاج إلى نفى علم الكيفية إذا أُثبتت الصفات ، وأيضا فان من يَنفي الصفات الخبرية أو الصفات مطلقا لا يحتاج إلى أن يقول بلا كيف ، فمن قال : إن الله ليس على العرش ، لا يحتاج أن يقول بلا كيف ، فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر لما قالوا بلا كيف ، وأيضا فقولهم : أمِرُّوها كما جاءت يقتضى إبقاء دلالتها على ما هي عليه فإنها جاءت ألفاظ دالة على معاني ، فلو كانت دلالتها منتفية لكان الواجب أن يُقال أمِرُّوا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد ، أو أمِرُّوا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلّت عليه حقيقة ، وحينئذ فلا تكون قد أُمِرّت كما جاءت ، ولا يقال حينئذ بلا كيف ، إذ نفي الكيف عمّـا ليس بثابت لغو من القول . اهـ .
وقال أيضا :
قال أبو عمر بن عبد البر : أهل السنة مُجمِعُون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز ، إلا أنهم لا يُكيِّفون شيئا من ذلك ولا يَحدّون فيه صفة محصورة ، وأما أهل البدع الجهمية والمعتزلة كلها والخوارج فكلهم يُنكرونها ولا يحملون شيئا منها على الحقيقة . اهـ .
وقال ابن القيم رحمه الله :
فإن قيل وكيف خوطبوا بما لا يفهمون ولا يستعملون ؟
قلنا : ليس الأمر كذلك بل كان معناها مفهوما عند القوم الذين نزل القرآن بلغتهم ، ولذلك لم يَستفتِ واحد من المؤمنين عن معناها ، ولا خافَ على نفسه توهِّم التشبيه ، ولا احتاج إلى شرح وتنبيه ، وكذلك الكفار لو كان عندهم لا تعقل إلا في الجارحة لتعلقوا بها في دعوى التناقض ، واحتجوا بها على الرسول ، ولقالوا له : زعمت أن الله تعالى ليس كمثله شيء ، ثم تُخبِر أن له يداً كأيدينا ، وعَينا كأعينا ؟ ولما لم ينقل ذلك عن مؤمن ولا كافر عُلم أن الأمر كان فيها عندهم جليا لا خفيا . اهـ .
وقال الإمام الذهبي أن ذكر قول ربيعة بن عبد الرحمن وتلميذه الإمام مالك :
وهو قول أهل السنة قاطبة أن كيفية الاستواء لا نعقلها بل نجهلها ، وأن استواءه معلوم كما أخبر في كتابه ، وأنه كما يليق به لا نتعمق ولا نتحذلق ولا نخوض في لوازم ذلك نفيا ولا إثباتا ، بل نسكت ونقف كما وقف السلف ، ونعلم أنه لو كان له تأويل لبادر إلى بيانه الصحابة والتابعون ، ولما وسعهم إقراره وإمراره والسكوت عنه ، ونعلم يقينا مع ذلك أن الله جل جلاله لا مثل له في صفاته ولا في استوائه ولا في نزوله سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا . اهـ .
ثم رد الأخ :
تأويل الإمام العثيمين لقول الإمام أحمد ( وقوله: ولا معنى
أي: لا نثبت لها معنى يخالف ظاهرها كما فعله أهل التأويل وليس مراده نفي المعنى الصحيح الموافق لظاهرها الذي فسرها به السلف ، فإن هذا ثابت ، ويدل على هذا قوله: "ولا نرد شيئاً منها، ونصفه بما وصف به نفسه ، ولا نزيل عنه صفة من صفاته لشناعة شُنعت ، ولا نعلم كيفية كنه ذلك". فإن نفيه لرد شيء منها، ونفيه لعلم كيفيتها دليل على إثبات المعنى المراد منها.) أراه بعيدا ، فقول الإمام أحمد صريح بنفي معرفة المعنى التفصيلي - أي القول بالتفويض
فأجبته :
أقول :
ليس بعيدا
فنصوص الإمام أحمد كلها تدلّ على أنه يقول بالمعنى ولا يُفوِّضه
ويجب حمل نصوص الإمام المجملة على المفصَّلة
قال الإمام أحمد :
إنما التشبيه أن يقول : ( يَـدٌ كَيَـد ) أو ( وجـه كَوَجْه ) فأما إثبات ( يـد ) ليست كالأيادي ، ووجه ليس كالوجوه فهو كإثبات ذات ليست كالذّوات ، وحياة ليست كغيرها من الحياة ، وسمع وبصر ليس كالأسماع والأبصار ، وهو سبحانه موصوف بصفات الكمال ، مُنـزّه عن كل عيب ونقص.
وقال الإمام أحمد أيضا في الرد على الزنادقة والجهمية :
قوله : ( لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ) ومن الاعتبار في ذلك لو أن رجلا كان في يديه قدح من قوارير صافٍ وفيه شراب صافٍ كان بصر ابن آدم قد أحاط بالقدح من غير أن يكون ابن آدم القدح ، فالله - وله المثل الأعلى - قد أحاط بجميع خلقه من غير أن يكون في شيء من خلقه .
ولكلامه بقية وزيادة تُنظر في كتاب السُّـنة لعبد الله بن الإمام أحمد .
فرَدّ الأخ :
أما إن الرسول عليه الصلاة والسلام قد خاطبنا بما نفهم فهو كلام حق وفيه تفصيل لكل آية أو حديث آحاد
لا يحق لأحد أن يأخذ لفظة وردت في آية أو حديث ويحدد لها معنى من بين المعاني التي وضعت لها في اللغة ويقول هذا هو المعنى فقط وما سواه تأويل
فأجبته أيضا :
قد نقلت لك الإجماع عن أكثر من إمام على أن أهل السنة يثبتون لله
الصفات مع إثبات المعاني
قال أبو عمر بن عبد البر : أهل السنة مجمعون على الإقرار بالصفات الواردة كلها في القرآن والسنة والإيمان بها وحملها على الحقيقة لا على المجاز .
وقال الإمام الذهبي في كتاب " العلوّ " :
وهو قول أهل السنة قاطبة أن كيفية الاستواء لا نعقلها بل نجهلها ، وأن استواءه معلوم كما أخبر في كتابه .
وقال أيضا : قال أحمد بن إبراهيم الدورقي : حدثني أحمد بن نصر قال : سألت سفيان بن عيينة وأنا في منـزله بعد العتمة ، فجعلت أُلِحّ عليه في المسألة ، فقال : دعني أتنفس ! فقلت : كيف حديث عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يحمل السموات على إصبع والأرضين على إصبع ، وحديث : إن قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن ، وحديث : إن الله يعجب أو يضحك ممن يذكره في الأسواق ، فقال سفيان : هي كما جاءت نُقِـرّ بها ونُحدِّث بها بلا كيف .
وقول شيخ الإسلام ابن تيمية في المعاني وتليذه ابن القيم
وأزيد هنا :
قال عبد الله بن أحمد في كتاب السنة : حدثني أحمد بن إبراهيم سمعت وكيعا يقول : نُسلِّم هذه الأحاديث كما جاءت ، ولا نقول : كيف كذا ؟ ولا : لِمَ كذا ، يعني مثل حديث ابن مسعود : " إن الله عز وجل يحمل السموات على أصبع والجبال على أصبع .. " وحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن " ونحوها من الأحاديث .
وروى عبد الله بن أحمد بإسناده عن عباد بن العوام قال : قدم علينا شَريك ، فسألناه عن الحديث " إن الله ينـزل ليلة النصف من شعبان " قلنا : إن قوما يُنكرون هذه الأحاديث . قال : فما يقولون ؟ قلنا : يَطعنون فيها ، فقال : إن الذين جاءوا بهذه الأحاديث هم الذين جاءوا بالقرآن ، وبأن الصلوات خمس ، وبحج البيت ، وبصوم رمضان ، فما نَعرِف الله إلا بهذه الأحاديث .
وروى عبد الله بن أحمد أيضا عن أبيه فقال : وقال أبي رحمه الله : حديث ابن مسعود رضي الله عنه " إذا تكلم الله عز وجل سمع له صوت كَجَرّ السلسلة على الصفوان " قال أبي : وهذا الجهمية تنكره .
وقال أيضا :
وقال أبي : هؤلاء كفار يريدون أن يُمَوِّهُوا على الناس ، من زعم أن الله عز وجل لم يتكلم فهو كافر ، ألا إنا نروي هذه الأحاديث كما جاءت .
وإن كنت تريد الحق في هذه المسألة فهذه كُتب أئمة السنة
كتاب شرح أصول أهل السنة للإمام اللالكائي
كتاب السنة لعبد الله بن الإمام أحمد ففيه مزيد تفصيل وبيان شافٍ كافٍ
وكتاب السنة للخلال
وكتاب العلو للذهبي
وسائر كُتب اعتقاد السلف لا يُوجَد فيها نص واحد فيه إن معنى الساق أو اليد أو الوجـه أو الاستواء أو غيرها من الصفات هي مُجرّد كلمات لا تُـفهم معانيها أو هي كالرموز !
وأما حمل الكلام على معنى له في اللغة ، فإذا كان هو المعنى المتبادِر ولم يسأل عنه السامع وفهمه كما هو فهذا ما يقتضيه البلاغ المبين
فإما أن يكون الرسول خاطبهم بما يفهمون وفهموا وسكتوا ولم يَستفصِلوا ، فيكون قد بلّغ البلاغ المبين
وإما أنه خاطبهم بما لا يفهمون ، وهذا لا يقول به عاقل فضلا عن مسلم .
وإما أن يكون خاطبهم بكلام محتمل لأوجه متعددة ، ولم يُبيّن لهم أي الوجوه أراد فهذا يقتضي التقصير في البلاغ .
وهذا لا يقول به مسلم أيضا .
والله تعالى أعلم .
المجيب الشيخ/ عبدالرحمن السحيم
عضو مكتب الدعوة والإرشاد