رأيت ربي في صورة شاب أمرد في الرد على السقاف في تقوله على شيخ الإسلام
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم
وبعد :
فقد قام المدعو السقاف باتهام شيخ الإسلام بالتشبيه وأن الله على صورة شاب أمرد واستدل بتصحيح شيخ الإسلام لهذا الكلام مع أن هذا الحديث قد تكلم عليه العلماء وحكموا عليه بالوضع إلا أنني ومن خلال بحثي للمسألة وجدت أن بعض أهل العلم قد صحح هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
والمسألة هنا ليست في الحكم على الحديث من حيث الصحة والضعف وإنما في بيان مراد شيخ الإسلام لها لقوله بصحتها
ولكن كيف يمكن فهم هذا عن شيخ الإسلام رحمه الله باستدلاله على صحتها ( علما أنني لم أجد ما قاله السخاف عن شيخ الإسلام نظرا لأن الكتاب ليس عندي فهو مخطوط غير مطبوع ) ولكن مع القول بتصحيح شيخ الإسلام لها
فلا يصح استدلال هذا السخاف بالحديث على أن شيخ الإسلام يقول ذلك
فشيخ الإسلام رحمه الله إنما أراد رؤيته في المنام هذا أولا
وثانيا : لا يلزم من رؤية المنام أن ما رآه في منامه أن الله في نفس الصورة التي رآها في المنام كما استدل السخاف والهاشمي على الدكتور الدوسري والشيخ عدنان عرعور حفظهما الله لأنه كما قال شيخ الإسلام واستدل على ذلك رحمه الله برؤيا يوسف عليه السلام عندما رأى الشمس والقمر والكواكب يسجدون له فلو كانت كما يراها السقاف أن الرؤيا في الصفات كالرؤيا في الأوامر من الكلام للزم ذلك أن يرى يوسف عليه السلام سجود الشمس والقمر له حقيقة
وسوف أترككم مع كلام شيخ الإسلام رحمه الله حتى يتبين لكم الحق إن شاء الله من كلامه لا من كلام السخاف عليه من الله ما يستحق
قال رحمه الله
( وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال يقول الله أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيرا وفي صحيح مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا يموتن أحد منكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى فمن ظن وتوهم به أنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير كان هذا الظن والتوهم حقا وإن كان الواجب تيقن ذلك
بل لفظ الرؤية وإن كان في الأصل مطابقا فقد لا يكون مطابقا كما في قوله أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا 358 وقال يرونهم مثليهم رأي العين 313 وقد يكون التوهم والتخيل مطابقا من وجه دون وجه فهو حق في مرتبته وإن لم يكن مماثلا للحقيقة الخارجة مثل ما يراه الناس في منامهم
كما رأى يوسف سجود الكواكب والشمس والقمر له فلا ريب أن هذا تمثله وتصوره في نفسه وكانت حقيقته سجود أبويه وأخوته كما قال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا 12100
وكذلك رؤيا الملك التي عبرها يوسف حيث رأى السنبل بل والبقر فتلك رآها متخيلة متمثلة في نفسه وكانت حقيقتها وتأويلها من الخصب والجدب
فهذا التمثل والتخيل حق وصدق في مرتبته بمعنى أن له تأويلا صحيحا يكون مناسبا له ومشابها له من بعض الوجوه
فإن تأويل الرؤيا مبناها على القياس والاعتبار والمشابهة والمناسبة
ولكن من اعتقد أن ما تمثل في نفسه وتخيل من الرؤيا هو مماثل لنفس الموجود في الخارج وأن تلك الأمور هي بعينها رآها فهو باطل
وإذا كان كذلك
فالإنسان قد يرى ربه في المنام ويخاطبه فهذا حق في الرؤيا ولا يجوز أن يعتقد أن الله في نفسه مثل ما رأى في المنام
فإن سائر ما يرى في المنام لا يجب أن يكون مماثلا ولكن لا بد أن تكون الصورة التي رآه فيها مناسبة ومشابهة لاعتقاده في ربه فإن كان إيمانه واعتقاده مطابقا أتي من الصور وسمع من الكلام ما يناسب ذلك وإلا كان بالعكس
قال بعض المشايخ إذا رأى العبد ربه في صورة كانت تلك الصورة حجابا بينه وبين الله وما زال الصالحون وغيرهم يرون ربهم في المنام ويخاطبهم وما أظن عاقلا ينكر ذلك فإن وجود هذا مما لا يمكن دفعه إذ الرؤيا تقع للإنسان بغير اختياره وهذه مسألة معروفة وقد ذكرها العلماء من أصحابنا وغيرهم في أصول الدين وحكوا عن طائفة من المعتزلة وغيرهم إنكار رؤية الله والنقل بذلك متواتر عمن رأى ربه في المنام
إذن
هذا مراد الشيخ رحمه الله من الحديث أنه رأى ربه في صورة شاب أمرد
أي مناما ( أي في صورة حسنه أو في أحسن صورة وليس أن الله على صورة شاب أمرد) كما استدل رحمه الله في بداية قوله من حسن الظن بالله
وهذا كما فهمته منه رحمه الله فقد قال :
ولكن لا بد أن تكون الصورة التي رآه فيها مناسبة ومشابهة لاعتقاده في ربه فإن كان إيمانه واعتقاده مطابقا أتي من الصور وسمع من الكلام ما يناسب ذلك
قلت :
وقد أشار الرسول صلى الله عليه وسلم على عينه وأذنه لما قرأ ( إن الله كان سميعا عليما ) فهل الرسول صلى الله عليه وسلم شبه سمع الله وبصره بسمع الإنسان وبصره لما أشار إلى سمع نفسه وبصره
ولكن هذا عند العلماء يسمى تحقيق السمع والبصر لا التشبيه بأن سمع الله كسمع البشر وعينه كذلك أو بصره
وأنا أرى والله أعلم أن شيخ الإسلام رحمه الله أراد بهذا الحديث لما ثبت عنده صحته تحقيق أن الله في أحسن صورة كما يراها النائم من حسن ظنه بالله لا أن الله على صورة الشاب الأمرد
كما أريد أن أذكر كلاما هنا ذكره العجلوني رحمه الله في الحديث
قال :
والحديث ان حمل على رؤية المنام فلا إشكال وان حمل على اليقظة فأجاب عنه ابن الهمام بأن هذا حجاب الصورة قال القاري كأنه اراد بهذا التجلي الصوري ولله تعالى أنواع من التجليات بحسب الذات والصفات لكنه تعالى منزه عن الجسم والصورة بحسب الذات وأما ما قاله السبكي في الحديث فان أراد أن في سنده ما يدل على وضعه فمسلم وإلا فبات التأويل واسع انتهى ملخصا .
هذا والله أعلم فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان