منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - خطوة بخطوة نتعرف على التاريخ من بداية التتار إلى عين جالوت بقلم د.راغب السرجاني
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-01-19, 12:51   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
nassima 14
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية nassima 14
 

 

 
إحصائية العضو










Icon24 هروب الزعيم الإسلامي

و لكنهم أصروا على التسليم فهم لا يتخيلون مواجهة معا التتار و بالطبع وافق التتار على إعطاء الأمان الوهمي للمدينة وفتح الجيش أبواب المدينة بالفعل ولو يقدر عليهم عامة الناس فقد كان الجيش الخوارزمي كالأسد على شعبه و كالنعامة أمام الجيوش الأعداء...!
و فتح الجنود الأبواب للتتار و خرجوا لهم مستسلمين فقال لهم التتار: ادفعوا إلينا سلاحكم و أموالكم و دوابكم ونحن نسيّركم إلى مأمنكم ففعلوا ذلك في خنوع و لما أخذ التتار أسلحتهم و دوابهم فعلوا ما كان متوقعا منهم لقد وضعوا السيف في الجنود الخوارزمية فقتلوهم عن آخرهم..!! ودفع الجند جزاء ذلتهم ولا حول ولا قوة إلا بالله..
ثم دخل التتار مدينة "سمرقند" العريقة ففعلوا بها مثل ما فعلوا في "بخارى" فقتلوا أعدادا لا تحصى من الرجال و النساء و الأطفال و نهبوا كل ثروات البلد و انتهكوا حرمات النساء و عذبوا الناس بأنواع العذاب البشعة بحثا عن أموالهم و سبوا أعدادا هائلة من النساء و الأطفال و من يصلح للسبي لكبر سنه أو لضعف جسده قتلوه و أحرقوا الجامع الكبير و تركوا المدينة خرابا...!
كيف سمع المسلمون في أطراف الأرض آنذاك بهذه المجازر ولم يتحركوا؟؟؟؟
كيف وصل إليهم انتهاك كل حرمة للمسلمين ولم يتجمعوا لقتال التتار؟؟
كيف علموا بضياع الدين و ضياع النفس و ضياع العرض و ضياع المال ثم مازالوا متفرقين ؟!.. لقد كان كل حاكم المسلمين يحكم قطرا صغيرا و يرفع عليه علما ويعتقد أنه في أمان ما دامت الحروب لا تدور في قطره المحدود..! لقد كانوا يخدعون أنفسهم بالأمان الوهمي حتى لو كانت الحرب على بعد أميال منهم..!ولا تندهش مما تقرأ الآن.. وخبرني بالله عليك: كم جيشا مسلما تحرك لنجدة المسلمين في الفلوجة أو في فلسطين؟؟!
لم يفكر حاكم من حكام المسلمين آنذاك أن الدائرة حتما ستدور عليه.. و أن ما الحدث في بخارى و سمرقند ما هو إلا مقدمة لأحداث دامية أليمة سيعاني منها كل المسلمين ولن ينجو منها قريب ولا بعيد.. ولا حول ولا قوة إلا بالله..
نهاية ذليلة!!
و استقر جنكيز خان –لعنة الله- بسمرقند فقد أعجبته المدينة العملاقة التي لم ير مثلها قبل ذلك و أول ما فكر فيه هو قتل رأس هذه الدولة ليسهل عليه بعد ذلك احتلالها دون خوف من تجميع الجيوش ضده فأرسل عشرين ألفا من فرسانه يطلبون "محمد بن خوارزم شاه" زعيم البلاد...وإرسال عشرين ألف جندي فقط فيه إشارة كبيرة إلى استهزاء جنكيز خان بمحمد بن خوارزم و بأمته فهذا الرقم الهزيل لا يقارن بالملايين المسلمة التي سيتحرك هذا الجيش التتري في أعماقها.. ولنشاهد ماذا فعلت هذه الكتيبة التترية الصغيرة قال لهم جنكيز خان: "اطلبوا خوارزم شاه أين كان ولو تعلق بالسماء.."
فانطلق الفرسان التتار إلى مدينة " أورجندة" حيث يستقر "محمد بن خوارزم شاه" وهي مدينة تقع على الشاطئ الغربي من نهر جيحون (نهر أموداريا) وجاء الجنود التتار من الجانب الشرقي للنهر و هكذا فصل النهر بين الفريقين و تماسك المسلمون ولكن هذا التماسك لم يكن إلا لعلمهم أن النهر يفصل بينهم و بين التتار وليس مع التتار سفن...!!
ماذا فعل التتار؟!
لقد أخذوا في إعداد أحواض خشبية كبيرة ألبسوها جلود البقر حتى لا يدخل فيها الماء ثم وضعوا في هذه الأحواض سلاحهم و عتادهم و متعلقاتهم ثم أنزلوا الخيول في الماء و الخيول تجيد السباحة ثم أمسكوا بأذناب الخيول و أخذت الخيول تسبح و الجنود خلفها.. ويسحبون خلفهم الأحواض الخشبية بما فيها سلاح و غيره..
وبهذه الطريقة عبر جيش التتار نهر جيحون ولا أدري أين كانت عيون الجيش الخوارزمي المصاحب لمحمد بن خوارزم شاه وفوجئ المسلمون بجيش التتار إلى جوارهم ومع أن أعداد المسلمين كانت كبيرة إلا أنهم كانوا قد ملئوا من التتار رعبا و خوفا و ما كانوا يتماسكون إلا لاعتقادهم أن النهر الكبير يفصل بينهم و بين وحوش التتار.. أما الآن وقد أصبح التتار على مقربة منهم فلم يصبح أمامهم إلا طريق واحد.. أتراه طريق القتال؟؟
لا ...بل طريق الفرار..!!
و كما يقول ابن الأثير رحمه الله: "ورحل خوارزم شاه لا يلوي على شيء في نفر من خاصته" و اتجه إلى نيسابور ( في إيران حاليا) أما الجند فقد تفرق كل منهم في جهة... ولا حول ولا قوة إلا بالله.. أما التتار فكانت لهم مهمة محددة و هي البحث عن محمد بن خوارزم شاه و لذلك فقد تركوا أورجندة و انطلقوا في اتجاه نيسابور مخترقين الأراضي الإسلامية في عمقها .. وهم لا يزيدون عن عشرين ألفا ! و جنكيز خان مازال مستقرا في سمرقند وكان من الممكن أن تحاصر هذه المقدمة التترية في أي بقعة من بقاع البلاد الإسلامية التي يتجولون فيها.. ولكن الرعب كان قد استولى على قلوب المسلمين فكانوا يفرون منهم في كل مكان وقد أخذوا طريق الفرار اقتداء بزعيمهم الذي ظل يفر من بلد إلى آخر كما نرى...
ولم يكن التتار في هذه المطاردة الشرسة يتعرضون لسكان البلاد بالسلب أو النهب أو القتل لأن لهم هدفا واضحا فهم لا يريدون أن يضيعوا وقتا في القتل و جمع الغنائم و إنما يريدون فقط اللحاق بالزعيم المسلم ومن جانب آخر فإن الناس لم يتعرضوا لهم لئلا يثيروا حفيظتهم فيصيبهم من أذاهم...!
و هكذا وصل التتار إلى مسافة قريبة من مدينة نيسابور العظيمة في فترة وجيزة و لم يتمكن " محمد بن خوارزم شاه " من جمع الأنصار و الجنود فالوقت ضيق و التتار في أثره فلما علم بقربهم من نيسابور ترك المدينة و اتجه إلى مدينة "مازندران" ( من مدن إيران) فلما علم التتار ذلك لم يدخلوا نيسابور بل اتجهوا خلفه مباشرة فترك مازندران إلى مدينة " الري" ثم إلى مدينة " همذان" و التتار في أثره ثم عاد إلى مدينة " مازندران" في فرار مخز وفاضح ثم اتجه إلى إقليم " طبرستان" ( الإيراني) على ساحل بحر الخزر ( بحر قزوين) حيث وجد سفينة فركبها وسارت به إلى عمق البحر و جاء التتار ووقفوا على الساحل ولم يجدوا ما يركبونه خلفه..
لقد نجحت خطة الزعيم الخوارزمي المسلم...! نجحت خطة الفرار!
و صل الزعيم محمد بن خوارزم في فراره إلى جزيرة في وسط بحر قزوين و هناك رضي بالبقاء فيها في قلعة كانت هناك في فقر شديد و حياة صعبة وهو الملك الذي ملك بلادا شاسعة و موالا لا تعد و لكن رضي بذلك لكي يفر من الموت..!
و سبحان الله فإن الموت لا يفر منه أحد فما هي إلا أيام حتى مات "محمد بن خوارزم شاه" في هذه الجزيرة في داخل القلعة وحيدا طريدا شريدا فقيرا حتى إنهم لم يجدوا ما يكفنوه به فكفنوه في فراش كان ينام عليه...!
" أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة.."
أيهما أشرف يا إخواني؟؟..أن يموت الزعيم المسلم ذليلا في هذه الجزيرة في عمق البحر أم يموت رافع الرأس ثابت الجأش مطمئن القلب في ميدان الجهاد؟؟!
أيهما أشرف.. أن يموت مقبلا أم يموت مدبرا؟؟!
أيهما أشرف.. أن يموت هاربا أم أن يموت شهيدا؟؟!
إن الإنسان لا يختار ميعاد موته، و لكنه يستطيع أن يختار طريقة موته الشجاعة لا تقتصر الأعمار كما أن الفرار و الهرب و الجبن لا تطيلها أبدا..و الذي يعيش مجاهدا في سبيل الله يموت مجاهدا في سبيل الله و إن مات على فراشه..
روى الأمام مسلم عن سهل بن حنيف رضي الله عنه أن رسول الله عليه و سلم و قال:
" من سأل الله الشهادة بصدق بلغة الله منازل الشهداء و إن مات على فراشه"
ونعود إلى ابن الأثير رحمه الله وهو يحكي لنا عن سيرة "محمد بن خوارزم شاه" الذاتية لنجد فيها أمورا عجيبة فعندما تقرأ صفته تجد أنك أمام عظيم من عظماء المسلمين فإذا راجعت حياة الرجل الأخيرة و خاتمته و فراره و هزيمته تبدى غير ذلك..فما السر في حياة هذا الرجل؟!
يقول أبن الأثير وحمه الله في ذكر سيرته:
" وكانت مدة ملكه إحدى و عشرين سنة و شهورا تقريبا و اتسع ملكه و عظم محله و أطاعه العالم بأسره و ملك من حد العراق إلى تركستان و ملك بلاد غزنة (في أفغانستان) و بعض الهند و ملك سجستان و كرمان ( باكستان) و طبرستان و جرجان و بلاد الجبال و خراسان و بعض فارس (و كلها مناطق في إيران..).."
إذن من هذه الفقرة يتضح أنه كان عظيما في ملكه..استقر له الوضع في بلاد واسعة لفترة طويلة.. ومن هنا يظهر حسن إرادته لبلاده حتى إن ابن الأثير يقول في فقرة أخرى:
"و كان صبورا على التعب و إدمان السير غير متنعم ولا مقبل على اللذات إنما همه في الملك و تدبيره و حفظه و حفظ رعاياه.."
و عندما تحدث عن حياته الشخصية العلمية قال:
" وكان فاضلا عالما و كان مكرما للعلماء محبا محسنا إليهم يكثر مجالستهم و مناظرتهم بين يديه و كان معظما لأهل الدين مقبلا متبركا بهم.."
هذا الوصف لمحمد بن خوارزم شاه يمثل لغزا كبيرا للقارئ.. فكيف يكون على هذه الصفة النبيلة ثم تحدث له هذه الهزائم المنكرة؟ و كيف لا يجد جيشا من كل أطراف مملكته الواسعة يصبر على حرب التتار..حتى ينتهي هذه النهاية المؤسفة؟!
و كنت في حيرة من أمري و أنا أحلل موقفه الأثير.. لولا أني وجدت نصا في مكان آخر في ابن الأثير أيضا يفسر كثيرا من الألغاز في حياة هذا الرجل.. وفي تفسير هذه الحقبة من حياة الأمة الإسلامية..
يقول ابن الأثير رحمه الله:
"وكان "محمد بن خوارزم شاه" قد استولى على البلاد و قتل ملوكها و أفناهم و بقي هو وحده سلطان البلاد جميعا فلما انهزم من التتار لم يبق في البلاد من يمنعهم ولا من يحميها.."
وفي هذا النص تفسير واضح جلي لمدى المأساة التي كان يعيشها في ذلك الوقت.. لقد كان "محمد بن خوارزم شاه" جيدا في ذاته وفي إدارته لكنه قطع كل العلاقات بينه و بين من حوله من الأقطار الإسلامية.. لم يتعاون معها أبدا بل على العكس قاتلها الواحدة تلو الأخرى.. وكان يقتل ملوك هذه الأقطار و يضمها إلى مملكته ولا شك أن هذا خلف أحقادا كبيرة في قلوب سكان هذه البلاد و هذا ليس من الحكمة في شيء.. انظروا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم عندما كان يفتح البلاد كان يولي زعماء هذه البلاد عليها و يحفظ لهم مكانتهم و يبقي لهم ملكهم فيضمن بذلك ولاءهم و حب الناس له.. فأبقى على حكم البحرين ملكها المندر بن ساوى، و أبقى على حكم عمان ملَكيها: جيفر و عباد..بل و أبقى على اليمن باذان بن سامان الفارسي عندما أسلم و هكذا..
"إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص"
كان هذا هو سر اللغز في حياة قائد عالم فقيه اتسع ملكه و كثرت جيوشه.. ثم مات طريدا شريدا وحيدا في جزيرة نائية في عمق البحر...
وصدق الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إذ يقول فيما رواه النسائي و أحمد عن أبي الدرداء رضي الله عنه:
"عليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية" أي يأكل الغنم القاصية..
ماذا فعل التتار بعد أن هرب منهم "محمد بن خوارزم شاه"؟
ماذا فعلت الفرقة التي تبلغ عشرين ألف فارس فقط.. وقد توغلت في أعماق الدولة الإسلامية؟؟

اجتياح فارس:

كانت المسافة بين الفرقة التترية الصغيرة و بين القوة الرئيسية لجنكيز خان في "سمرقند" تزيد على ستمائة و خمسين كيلومترا.. هذا في الطرق السوية و المستقيمة فإذا أخذت في الاعتبار الطبيعة الجبلية لهذه المنطقة و إذا أخذت في الاعتبار أيضا الأنهار التي تفصل بين "سمرقند" و منطقة بحر قزوين و التي كانت تعتبر من العوائق الطبيعية الصعبة بالإضافة إلى أن التتار ليسوا من سكان هذه المناطق و لا يعرفون مسالكها و دروبها و طرقها الفرعية كل ذلك إلى جانب العداء الشديد الذي يكنه أهل هذه المناطق المنكوبة للتتار..
إذا أخذت كل ما سبق في الاعتبار فإنك تعلم أن جيش التتار أصبح مقطوعا عن مدده في "سمرقند" بصورة كبيرة..و أصبح في موقف حرج لا يحسد عليه بالمرة.. وهو ليس بكبير العدد .. إنما هو عشرون ألفا فقط فإذا أضفت إلى كل الاعتبارات السابقة الكثافة السكانية الإسلامية الهائلة في تلك المناطق أدركت أن فرقى التتار ستهلك لا محالة فلو خرج عليها أهل البلاد – وقد تجاوزوا الملايين بلا مبالغة – فإن التتار لا يقدرون عليهم بأي حال من الأحوال....
كان هذا تحليل الورقة و القلم
فما ذا حدث على أرض الواقع؟؟
لقد شاهدنا أمرا عجيبا مخزيا مشينا....!!









رد مع اقتباس