منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - خطوة بخطوة نتعرف على التاريخ من بداية التتار إلى عين جالوت بقلم د.راغب السرجاني
عرض مشاركة واحدة
قديم 2011-01-16, 19:41   رقم المشاركة : 18
معلومات العضو
nassima 14
عضو مجتهـد
 
الصورة الرمزية nassima 14
 

 

 
إحصائية العضو










Icon24

فاحترقت المدينة حتى صارت خاوية على عروشها..."!
انتهى كلام ابن كثير ولا حول ولا قوة إلا بالله
هلكت المدينة المسلمة
هلك المجاهدون الصابرون فيها وكذلك هلك المستسلمون المتخاذلون
روى البخاري و مسلم عن أم المسلمين زينب بنت جحش رضي الله عنها أنها سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم: " يا رسول الله أنهلك و فينا الصالحون !" قال: " نعم إذا كثر الخبث"
و كان الخبث قد كثر في هذه البلاد و من الخبث أن لا يرفع المسلمون سيوفهم ليدافعوا عن دينهم و أرضهم و عرضهم و من الخبث أن يصدق المسلمون عهود الكافرين بهم و من الخبث أن يتفرق المسلمون و يتقاتلوا فيما بينهم ومن الخبث ألا يحتكم المسلمون إلى كتاب ربهم و إلى سنة نبيهم محمد صلى الله عليه و سلم..
هذا كله من الخبث..!!
و إذا كثر الخبث لا بد أن تحدث الهلكة..! وصدق الرسول الحكيم صلى الله عليه وسلم
و هكذا هلكت بخارى في سنة 616 هجرية...!
ولكن..هل كانت هذه آخر المآسي؟ هل كانت آخر الكوارث؟؟..لقد كانت هذه أولى صفحات القصة كانت بداية الطوفان و بداية الإعصار و ستكون صفحات القصة القادمة أشد سوادا و أكثر دماء سيدخل المسلمون في سنة 617 هــ وهي بلا شك من أبشع و أسوأ و أظلم السنوات التي مرت على المسلمين عبر تاريخهم الطويل..
ودخلت سنة 617 هجرية...
و إنا لله و إنا إليه راجعون...!
كانت هذه السنة من أبشع السنوات التي مرت على المسلمين منذ بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم و إلى هذه اللحظة لقد علا فيها نجم التتار..و احتاجوا البلاد الإسلامية اجتياحا لم يُسبق و أحدثوا فيها من المجازر و الفظائع و المنكرات ما لم يُسمع به و مالا يُتخيل أصلا...
ورأى أنه من المناسب أن نقدم لهذه الأحداث بكلام المؤرخ الإسلامي العلامة "ابن الأثير الجزري" رحمه الله في كتابه القيم (الكامل فيلا التاريخ) و كلامه في غاية الأهمية..و يعتبر به جدا في هذا المجال أكثر من غيره لأنه كان معاصرا لكل هذه الأحداث و ليس كل من رأى كمن سمع...
اسمعوا ماذا يقول ابن الأثير رحمه الله وهو يقدم لشرحه لقصة التتار في بلاد المسلمين:
" لقد بقيت عدة سنين معرضا عن ذكر هذه الحادثة استعظامها لها كارها لذكرها فأنا أقدم إليه رجلا و أؤخر أخرى فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام و المسلمين؟ و من الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فياليت أمي لم تلدني و ياليتني مت قبل هذا و كنت نسيا منسيا إلا أنه حثني جماعة من الأصدقاء على تسطيرها و أنا متوقف ثم رأيت أن ترك ذلك لا يجدي نفعا نقول: هذا الفصل يتضمن ذكر الحادثة العظمى و المصيبة الكبرى التي عقمت الأيام و الليالي عن مثلها عمت الخلائق و خصّت المسلمين فلو قال قائل: إن العالم منذ خلق الله سبحانه و تعالى آدم إلى الآن لم يُبتلوا بمثلها لكان صادقا فإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا يدانيها.. ومن أعظم ما يذكرون من الحوادث ما فعله "بختنصر" ببني إسرائيل من القتل و تخريب البيت المقدس، وما البيت المقدس إلى ما خرب هؤلاء الملاعين من البلاد التي كل مدينة منها أضعاف البيت المقدس؟! و ما بنو إسرائيل إلا من قتلوا؟! فإن أهل مدينة واحدة ممن قتلوا أكثر من بني إسرائيل، ولعل الخلق لا يرون مثل هذه الحادثة إلى أن ينقرض العالم و تفنى الدنيا إلا يأجوج و مأجوج، و أما الدجال فإنه يبقي على من تبعه و يهلك من خالفه و هؤلاء لم يبقوا على أحد بل قتلوا النساء و الرجال و الأطفال، وشقوا بطون الحوامل، وقتلوا الأجنة، فإن لله و إن إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم لهذه الحادثة التي استطال شررها، وعم ضررها وصارت في البلاد كالسحاب استدبرته الريح.."
كانت هذه مقدمة كتبها ابن الأثير رحمه الله لكلام طويل يفيض ألما و حزنا و هما وغما..
لقد كارثة على العالم الإسلامي.. كارثة بكل المقاييس..كارثة بمقاييس الماضي و الحاضر..وكارثة أيضا لمقاييس المستقبل..
فإن هذه المصيبة فعلا تتضاءل إلى جوارها كثير من مصائب المسلمين فيكل العصور...
ماذا حدث في سنة 617 هجرية؟

اجتياح "سمرقند.." :
فبعد أندمر التتار مدينة بخارى العظيمة، و أهلكوا أهلها و حرقوا ديارها و مساجدها و مدارسها، انتقلوا إلى المدينة المجاورة "سمرقند" (وهي أيضا في دولة أوزباكستان الحالية) و اصطحبوا في طريقهم مجموعة كبيرة من أسرى المسلمين من مدينة بخارى، وكما يقول ابن الأثير:" فصاروا بهم على أقبح صورة فكل من أعيا و عجز عن المشي قتل ..."
أما لماذا كانوا يصطحبون الأسرى معهم؟ فلأسباب كثيرة:
أولا: كانوا يعطون كل عشرة من الأسرى علما من أعلام التتار يرفعونه، فإذا رآهم أحد من بعيد ظن أنهم من التتار، وبذلك تكثر الأعداد في أعين أعدائهم بشكل رهيب ، فلا يتخيلون أنهم يحاربونهم، و تبدأ الهزيمة النفسية تدب في قلوب من يواجهونها..
ثانيا: كانوا يجبرون الأسرى على أن يقاتلوا معهم ضد أعدائهم..
ومن رفض القتال أو لم يظهر فيه قوة قتلوه...
ثالثا: كانوا يتترسون بهم عند لقاء المسلمين، فيضعونهم في أول الصفوف كالدروع لهم ، ويختبئون خلفهم و يطلقون من خلفهم السهام و الرماح،وهم يحتمون بهم..
رابعا: كانوا يقتلونهم على أبواب المدن لبث الرعب في أعدائهم، وإعلامهم أن هذا هو المصير الذي ينتظرهم إذا قاوموا التتار ...
خامسا: كانوا يبادلون بهم الأسرى في حال أسر رجال من التتار في القتال ...وهذا قليل لقلة الهزائم في جيش التتار ...

كيف كان الوضع في "سمرقند"؟
كانت "سمرقند" من حواضر الإسلام العظيمة، و من أغنى مدن المسلمين في ذلك الوقت، ولها قلاع حصينة وأسوار عالية ... ولقيمتها الإستراتيجية و الاقتصادية فقد ترك فيها "محمد بن خوارزم شاه" زعيم الدولة الخوارزمية خمسين ألف جندي خوارزمي لحمايتها...هذا فوق أهلها وكانوا أعدادا ضخمة تقدر بمئات الآلاف ..أما "محمد بن خوارزم شاه" نفسه فقد استقر في عاصمة بلاده مدينة"أورجندة"
وصل جنكيز خان إلى مدينة "سمرقند" وحاصرها من كل الاتجاهات,,, وكان من المفروض أن يخرج له الجيش الخوارزمي النظامي، ولكن لشدة الأسف ..لقد دب الرعب في قلوبهم، وتعلقوا بالحياة تعلقا مخزيا، فأبوا أن يخرجوا للدفاع عن المدينة المسلمة..!
فاجتمع أهل البلاد و تباحثوا في أمرهم بعد أن فشلوا في اقناع الجيش المتخاذل أن يخرج للدفاع عنهم..
وقرر بعض الذين في قلوبهم حمية من عامة الناس أن يخرجوا لحرب التتار.. و بالفعل خرج سبعون ألف من شجعان البلاد ، و من أهل الجلد ، ومن أهل العلم..خرجوا جميعا على أرجلهم دون خيول ولا دواب..و لهم يكن لهم من الدراية العسكرية حظا يمكنهم من القتال ولكنهم فعلوا ما كان يجب أن يفعله الجيش المتهاون الذي لم تستيقظ نخوته بعد ...
و عندما رأى التتار أهل "سمرقند" يخرجون لهم قرر القيامة بخدعة خطيرة، وهي الانسحاب المتدرج من حول أساور المدينة، في محاولة لسحب المجاهدين المسلمين بعيدا عن مدينتهم..
وهكذا بدأ التتار يتراجعون عن"سمرقند" و قد نصبوا الكمائن خلفها..ونجحت خطة التتار و بدأ المسلمون المفتقدون لحكمة القتال يطمعون فيهم و يتقدمون خلفهم..
حتى إذا ابتعد الرجال المسلمين عن المدينة بصورة كبيرة أحاط جيش التتار بالمسلمين تماما.. وبدأت عملية تصفية بشعة لأفضل رجال "سمرقند"..
كم من المسلمين قتل في هذا اللقاء غير المتكافئ ؟
لقد قتلوا جميعا..!
لقد استشهدوا عن آخرهم ...!
فقد المسلمون في "سمرقند" سبعين ألف من رجالهم دفعة واحدة..(أتذكرون كيف كانت مأساة المسلمين يوم فقدوا سبعين رجلا فقط في موقعة أحد ؟!). و الحق أن هذه لم يكن مفاجأة ، بل كان أمرا متوقعا، لقد دفع المسلمون ثمن عدم استعدادهم للقتال، وعدم اهتمامهم بالتربية العسكرية لأبنائهم، وعدم الاكتراث بالقوة الهائلة التي تحيط بدولتهم...
و عاد التتار مجددا لحصار "سمرقند"..
و أخذ الجيش الخوارزمي النظامي قرارا مهينا ..!
من لقد قرروا أن يطلبوا الأمان من التتار على أن يفتحوا أبواب البلدة لهم و ذلك مع أنهم يعلمون أن التتار لا يحترمون العهود،ولا يرتبطون بالاتفاقيات، وما أحداث بخارى منهم ببعيد، ولكن تمسكهم بالحياة إلى آخر درجة جعلهم يتعلقون بأهداب أمل مستحيل.. وقال لهم عامة الناس: إن تاريخ التتار معهم واضح..









رد مع اقتباس