في هذه الأيام استجدت فتنة خطيرة...
نتيجتها تحطيم أصول الدين وتغيير أحكامه...
هي فتنة قديمة في تاريخ الإسلام...
بدأت على يد فرقة مبتدعة هي المعتزلة...
واليوم تبدأ من جديد على يد من ينتسب إلى أهل السنة والجماعة...
وهذا محل الخطر....
تلك الفتنة هدفها الأول إلغاء فقه السلف وأقوالهم في تفسير النصوص الشرعية، والاستقلال بفهمها، ومن ثم تعطيل أحكام أصلية وأخبار ثابتة بدعوى مواكبة أحكام العصر، والوسطية في الأمور، واحترام الرأي الآخر وقبوله، مهما كان !!!!!!!!!!!...........
وفي هذه الكلمات نريد أن نفصل ونبين حقيقة هذه الفتنة كيف بدأت في القديم.. هذا أولا.
ثم كيف استجدت اليوم، وذلك ثانيا.
وبعده نبين القول الحق في هذه القضية، والمخرج من هذه الفتنة..
ذلك من أهم ما ينبغي الاعتناء به. (( كيف بدأت فتنة تبديل معاني الشريعة؟))
عندما نتكلم عن هذا الدين فإنما نتحدث عن دين ارتضاه الله عز وجل للناس ولم يرتض لهم غيره، قال تعالى: {ورضيت لكم الإسلام دينا }..
وزيادة على ذلك فنحن نتحدث عن جملة أمور تناسب فطر البشر ولا تعارضها، فالبشرية محتاجة إلى هذا الدين حاجة ماسة، لكونه منزل من رب العالمين، والله تعالى لا ينزل إلا ما فيه صلاح البشر، ولكونه يتفق مع الفطرة، واطمئنان النفوس لا يكون إلا بمباشرة ما يتفق مع الفطرة ولا يناقضها..
وباتفاق الدين والفطرة تكون عمارة الأرض بالحق والعدل.. والله تعالى أنزل هذا الدين وضمنه:
أولا: جوابا عن كل مسألة تحتاج إلى جواب، فبه نطلع على ما يمكن أن نطلع عليه من عالم الغيب.
ثانيا: وأحكاما نحتكم إليها في عالم الشهادة.
وكل ذلك متسق مع الفطرة، ومع هذا الكون الذي نعيش فيه، فالله تعالى خلق الكون حيا متحركا، وكذا الإنسان، فهنا مجموعة حركات متجددة تحتاج إلى توجيه وضوابط، وقد قدر الله سبحانه أن يذعن الكون كله فلا يخرج عن تلك الضوابط، أما بنو آدم فقد خيرهم بين الهدى أو الانحراف، فمنهم من ثبت على فطرته، ومنهم من تحول عنها، قال تعالى:
{ ألم تر أن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم }..
ولقد حققت الأجيال الأولى من البشرية الثبات على الفطرة والإذعان لله تعالى على مدى عشرة قرون كما قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى:
{ كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين} ..
ثم طرأ على البشرية حالة غير سوية لما أعرضت عن هدي الله تعالى وخرجت عن الضوابط التي سنها، فاجتالتها الشياطين وأفسدت فطرها، كما جاء تقرير ذلك في حديث مسلم عن عياض بن حمار عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه قال:
( كل مال نحلته عبدا حلال، وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا) .
وبدأ الصراع بين فريقين:
الأول: الأنبياء والرسل وأتباعهم من المصلحين، ومهمتهم المحافظة على الفطرة السوية، وتنقيتها من الشرك، وتربية الناس على أحكامها.
الثاني: الشيطان وأتباعه، ومهمتهم إفساد الفطرة بتشريعات غريبة عن طبيعة الفطرة يضعونها بأنفسهم، ويطلقون الإنسان مع رغباته وأهوائه بلا ضابط، ويمدونه بأحكام متبدلة متغيرة لا تعرف الثبات.
وبيان ذلك:
أن أعداء الإنسانية ودعوات الرسل الكرام تربصوا بمن آمن، وقعدوا بكل صراط يوعدون ويصدون عن سبيل الله، يبغونها عوجا، استعملوا القهر والكبت والترهيب والتعذيب لإطفاء نور الله تعالى، لكن جهودهم باءت بالفشل الذريع، حيث زاد تمسك المؤمنين بدينهم وكثر عددهم، فنظروا فإذا السبب:
هو صفاء عقيدة المؤمنين وسلامة دينهم، بحيث كان المرجع للتصحيح من كل انحراف وخطأ..
فعرف الأعداء أنه لا يمكن النجاح في الاستحواذ على المؤمنين ما دامت عقيدتهم صافية نقية تمدهم بالإيمان والتثبيت، فلا بد إذن من الهجوم على الدين ذاته، وإفساد المعين الذي يتلقى منه المؤمنون دينهم وعقيدتهم وثباتهم وتوبتهم، حتى إذا ما أراد المؤمن أن يعود ليتعلم التوبة والإيمان ويصحح ما يعتريه من زلل لم يجد إلا دينا محرفا يأمره بالمنكر وينهاه عن المعروف، ويدعوه إلى الشرك ويحذره من التوحيد..
كل ذلك باسم الإيمان والدين!!!.. كل ذلك باسم الإيمان والدين!!!..
فيضمنوا بذلك أبدا تدمير القاعدة والمرجع الأصلي للمؤمن، فغيروا خطتهم من الحرب المعلن إلى الحرب الخفي، ومن قتل المؤمنين إلى قتل معاني الدين..
سعوا في تحريف الكتب المنزلة، فحرفوا التوراة والإنجيل، حتى لم تعد مصدر هداية، وهلك اليهود والنصارى، صاروا متدينين بلا دين صحيح، يقرؤون التوراة والإنجيل على أنهما من عند الله، ومع التحريف لم يعودا كما أنزل من عند الله، لكنهم يتعبدون بهما، ويحسبونهم أنهم على شيء..
وهكذا نجح أعداء الملة في أن يزينوا لأتباع الديانتين أنهم على دين ارتضاه الله تعالى، فضمنوا بذلك التدمير الأبدي للديانتين..
فمهما أراد النصراني أو اليهودي أن يتوب أو يصحح فليس أمامه إلا الدين المحرف، فيبقى كما هو، ينتقل من خطأ إلى خطأ، فليس أمامه طريق مستقيم، ولا مصدر يهديه إلى الحق.
ثم أرسل الله تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم يحمل رسالة إلى البشرية كلها، يخالف أهواء الذين لا يعلمون، ويقيم الحق والعدل في الأرض، فتحرك الشيطان وجنده ليمارسوا ذات الطرق في حرب هذا الدين القويم..
فجربوا القوة والقتل والقهر والأذى، فلم يفد شيئا.. فأرادوا تحريف الدين فامتنع عليهم..
فأما القرآن فقد عجزوا عن أن يأتوا بمثله، أو أن يزيدوا فيه أو ينقصوا، فاتجهوا إلى السنة، فوجدوا طريقا ظنوا في بداية الأمر أنه الطريق لتحطيمه وتحريفه، فوضعوا الأحاديث المكذوبة، وأكثروا منها، حتى إن أحد الزنادقة الوضاعين وضع ما يقارب أربعين ألف حديث..
هنا تصدى علماء السنة لهذا الهجوم على الشرعة المحمدية فوضعوا القواعد المتينة للتمييز بين الصحيح والضعيف من الأحاديث، فنخلوا المتون والأسانيد، وتميز الحق من الباطل، فسد الباب أمام المحرفين، فتحقق وعد الله تعالى بحفظ الذكر الذي أنزله:
{ إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}.
ولما امتنع عليهم تحريف القرآن والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أوحى إليهم الشيطان بحيلة أخرى، هو التبديل، فعادوا على الوحي يحاولون تبديله، حتى لا يجد المصلحون مرجعا يصححون عليه الفساد الطارئ على البشرية..
لجؤوا إلى تبديل المعاني الشرعية والقيم، فجعلوا السنة بدعة، والبدعة سنة، والمعروف منكرا، والمنكر معروفا، والتوحيد تخلفا، والشرك تقدما، والفضيلة رذيلة، والرذيلة فضيلة، وهكذا..
ونجحوا إلى حد كبير فصار المسلمون يقرأون كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على غير مراد الله إلا من رحم الله، وتواصى أعداء البشرية على هذا التبديل، وكانت الأداة الكبرى لهذا التبديل: المنهج العقلي.
جزا كم الله وثبت خطاكم