فن التطنيش لمن أراد أن يعيش
للشيخ د. عائض القرني
قال أحد الصالحين : طنش تعش تنتعش ، ومعنى ذلك أن لا تبالي بالحوادث والمنغصات ، وقد سبق إلى ذلك زميلي وصديقي الدكتور أبو الطيب المتنبي ، حيث يقول :
فعشت ولا أبالي بالرزايا *** لأني ما انتفعت بأن أبالي
وأنت إذا ذهبت تدقق خلف كل جملة وتبحث عن كل مقولة قيلت فيك وتحاسب كل من أساء إليك ، وترد على كل من هجاك ، وتنتقم من كل مَنْ عاداك ، فأحسن الله عزاءك في صحتك وراحتك ونومك ودينك واستقرار نفسك وهدوء بالك ، وسوف تعيش ممزقاً قلقاً مكدراً ، كاسف البال منغص العيش ، كئيب المنظر سيئ الحال ، عليك باستخدام منهج التطنيش .
إذا تذكرت مآسي الماضي .. فطنش ، إذا طرقت سمعك كلمة نابية .. فطنش ، وإذا أساء لك مسيء .. فاعف وطنش ، وإذا فاتك حظ من حظوظ الدنيا .. فطنش ، لأن الحياة قصيرة لا تحتمل التنقير والتدقيق ، بل عليك بمنهج القرآن : ( خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ) .
سبّ رجل أبا بكر الصديق رضي الله عنه فقال أبو بكر : سبُّك يدخل معك قبرك ولن يدخل قبري ، إن الفعل القبيح والكلام السيئ والتصرف الدنيء يُدفن مع صاحبه في أكفانه ويرافقه في قبره ولن يُدفن معك ولن يدخل معك .
قال العلامة عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله : " واعلم أن الكلام الخبيث السيئ القبيح الذي قيل فيك يضر صاحبه ولن يضرك ، فعليك أن تأخذ الأمور بهدوء وسهولة واطمئنان ولا تُقِم حروباً ضارية في نفسك فتخرج بالضغط والسكري وقرحة المعدة والجلطة ونزيف الدماء " .
لقد علمتنا الشريعة الإسلامية أن نواجه أهل الشر والمكروه والعدوان بالعفو بالتسامح والصبر الجميل الذي لا شكوى فيه ، والهجر الجميل الذي لا أذى فيه ، والصفح الجميل الذي لا عتب فيه .
إذا مررت بكلب ينبح فقل : سلاما ، وإذا رماك شرير مارد بحجر فكن كالنخلة أرمه بتمرها ، إن أفضل حل للمشكلة أن تنهيها من أول الطريق ، لا تصعّد مع من أراد التصعيد ، انزع الفتيل تخمد الفتنة ، صب على النار ماءً لا زيتاً لتنطفئ من أول وهلة ، ادفع بالتي هي أحسن وتصرف بالأجمل وأعمل الأفضل وسوف تكون النتيجة محسومة لصالحك ؛ لأن الله مع الصابرين ويحب العافين عن الناس وينصر المظلومين .
إننا إذا فتحنا سجل المشكلات وديوان الأزمات ودفتر العداوات فسوف نحكم على أنفسنا بالإعدام ، انغمس في عمل مثمر مفيد يشغلك عن الترهات والسفاهات والحماقات .
- إذا رفع سفيهٌ صوته بشتمك فقل له : سلام عليكم ما عندنا وقت .
- إذا نقل لك غبي تافه كلاماً قبيحاً من شخص آخر فقل له : سلام عليكم ما سمعنا شيئاً .
- إذا تذكرت أنه ينقصك مال أو عندك أزمة أو عليك دين فتذكر النعم العظيمة والكنوز الكبيرة التي عندك من فضل الله من سمعٍ وبصر ، وفؤاد وعافية ، وستر وأمن ، ودين وذرية ، وغير ذلك .. تجد أن الكفة تميل لصالحك ، وأن المؤشر الأخضر يبشرك أن النتيجة تدل على أرباحك ونجاحك وفوزك ، إن أفضل رد على النقّاد والحسّاد هي الأعمال الجليلة والصفات النبيلة والأخلاق الجميلة .
أما المهاترات والسباب فهذا شأن كلاب الحارة ، والله يقول في وصف النبلاء الأبرار : ( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ ) ، ونعود إلى أبا الطيب المتنبي ليقول لنا :
لو كل كلب عوى ألقمته حجراً *** لأصبح الصخر مثقالاً بدينارِ
فلو ذهبنا نرمي الكلاب إذا نبحتنا بحجارة فسوف يرتفع سعر الحجارة ولا نستطيع شراءها .
اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ