ومن المخالفات العلمية التي وقع فيها الدكتور رشيد كهوس أصلح الله حالنا و حاله أنه يبني حكم الاستحباب على الحديث الضعيف فقال في رسالته المنشورة ضمن رسالة المسجد من إصدارات وزارة الشؤون الدينة الجزائرية :
يستحب قراءة القرآن على الميت لحديث معقل بن يسار.
و استدل على ذلك بكلام الإمام النووي رحمه الله في قوله:
قال العلماء: من أصحابنا و غيرهم : يستحب أن تقرأ عنده [أي عند الميت] "يس" لحديث معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم : (اقرءوا على موتاكم يس).اهـ
فإذا عرفنا أن حديث معقل بن يسار ضعيف ؛ بل كل الأحاديث الواردة في فضل قراءة القرآن على الميت لم يثبت منها شيئ كما قال الألباني رحمه الله بطل الإحتجاج بها على استحباب القراءة.
قال شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله :
وكذلك ما عليه العلماء من العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال:
ليس معناه إثبات الاستحباب بالحديث الذي لا يحتج به؛ فإن الاستحباب حكم شرعي؛ فلا يثبت إلا بدليل شرعي، ومن أخبر عن الله أنه يحب عملاً من الأعمال من غير دليل شرعي؛ فقد شرع من الدين ما لم يأذن به الله، كما لو أثبت الإيجاب أو التحريم، ولهذا يختلف العلماء في الاستحباب كما يختلفون في غيره، بل هو أصل الدين المشروع.
وإنما مرادهم بذلك: أن يكون العمل مما قد ثبت أنه مما يحبه الله أو مما يكرهه الله بنص أو إجماع؛ كتلاوة القرآن، والتسبيح، والدعاء، والصدقة، والعتق، والإحسان إلى الناس، وكراهة الكذب والخيانة، ونحو ذلك.
فإذا روى حديث في فضل بعض الأعمال المستحبة وثوابها وكراهة بعض الأعمال وعقابها؛ فمقادير الثواب والعقاب وأنواعه إذا روى فيها حديث لا نعلم أنه موضوع جازت روايته والعمل به، بمعنى أن النفس ترجو ذلك الثواب أو تخاف ذلك العقاب، كرجل يعلم أن التجارة تربح، لكن بلغه أنها تربح ربحاً كثيراً؛ فهذا إن صدق نفعه وإن كذب لم يضره.
ومثال ذلك: الترغيب والترهيب بالإسرائيليات والمنامات وكلمات السلف والعلماء ووقائع العلماء ونحو ذلك مما لا يجوز بمجرده إثبات حكم شرعي؛ لا استحباب ولا غيره، ولكن يجوز أن يذكر في الترغيب والترهيب والترجية والتخويف.
فما عُلم حسنه أو قبحه بأدلة الشرع؛ فإن ذلك ينفع ولا يضر، وسواء كان في نفس الأمر حقاً أو باطلاً، فما عُلم أنه باطل موضوع لم يجز الالتفات إليه؛ فإن الكذب لا يفيد شيئاً، وإذا ثبت أنه صحيح أُثبتت به الأحكام، وإذا احتمل الأمرين روي لإمكان صدقه ولعدم المضرة في كذبه.
وأحمد إنما قال: إذا جاء الترغيب والترهيب تساهلنا في الأسانيد.
ومعناه : أنا نروي في ذلك بالأسانيد وإن لم يكن محدثوها من الثقات الذين يحتج بهم، وكذلك قول من قال: يعمل بها في فضائل الأعمال، إنما العمل بها العمل بما فيها من الأعمال الصالحة مثل التلاوة والذكر والاجتناب لما كُره فيها من الأعمال السيئة.
ونظير هذا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه البخاري عن عبد الله ابن عمرو: ((بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمداً؛ فليتبوأ مقعده من النار)) (رواه البخاري رقم: 3461)) مع قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: ((إذا حدثكم أهل الكتاب؛ فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم)) (رواه البخاري رقم 4485) ؛ فإنه رخص في الحديث عنهم، ومع هذا نهى عن تصديقهم وتكذيبهم، فلو لم يكن في التحديث المطلق عنهم فائدة لما رخص فيه وأمر به، ولو جاز تصديقهم بمجرد الإخبار لما نهى عن تصديقهم.
فالنفوس تنتفع بما تظن صدقه في مواضع، فإذا تضمنت أحاديث الفضائل الضعيفة تقديراً وتحديداً مثل صلاة في وقت معين بقراءة معينة أو على صفة معينة؛ لم يجز ذلك لأن استحباب هذا الوصف المعين لم يثبت بدليل شرعي، بخلاف ما لو روي فيه من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله كان له كذا وكذا؛ فإن ذكر الله في السوق مستحب لما فيه من ذكر الله بين الغافلين كما جاء في الحديث المعروف : (ذاكر الله في العافلين كالشجرة الخضراء بين الشجر اليابس).
فأما تقدير الثواب المروي فيه؛ فلا يضر ثبوته ولا عدم ثبوته مثله جاء الحديث الذي رواه الترمذي : ( من بلغه عن الله شيئ فيه فضل فعمل به رجاء ذلك الفضل أعطاه الله ذلك و إن لم يكن ذلك كذلك)
فالحاصل أن هذا الباب يُروى ويُعمل به في الترغيب والترهيب لا في الاستحباب، ثم اعتقاد موجبه - وهو مقادير الثواب والعقاب - يتوقف على الدليل الشرعي.اهـ ((مجموع الفتاوى)) (18 / 65 ـ 68).
قد يقول قائل : يجوز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال.
يقال له: وضع العلماء ثلاثة شروط للعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال فإن توفرت الشروط جاز العمل به و إن انتفت لا يجوز العمل به.
قد قال الحافظ السخاوي في القول البديع 1( / 255):
وقد سمعت شيخنا مراداً يقول وكتبه لي بخطه أن شرائط العمل بالضعيف ثلاثة:
الأول: متفق عليه أن يكون الضعف غير شديد فيخرج من أنفرد من الكذابين والمتهمين بالكذب ومن فحش غلطه .
الثاني: أن يكون مندرجاً تحت أصل عام فيخرج ما يخترع بحيث لا يكون له أصل أصلاً .
الثالث: أن لا يعتقد عند العمل بع ثبوته لئلا ينسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لم يقله قال والأخيران عن ابن السلام وعن صاحبه ابن دقيق العيد والأول نقل العلائي الإتفاق عليه .اهـ
ثم إن هناك فرق بين العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال و بين الاستدلال به على حكم كالاستحباب ؛ و بيان ذلك بالتفصيل ما ذكره شيخ الإسلام بن تيمية في النقل السابق فيرجع إليه.
و من طريقة الدكتور في هذه الرسالة أنه يعمد إلى نشر بعض فتاوى و أحكام المتساهلين من الأئمة في التصحيح و التضعيف كالهيثمي و السيوطي ضاربًا عرض الحائط أقوال العلماء الآخرين و لو كانوا أعلم و أتقن منهم لهذا الفن.
و قد كشف المحدث الألباني هذا الأمر في سلسلة الأحاديث الضعيفة في غير ما موضع فيرجع إليه.