منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - عقد النقل البحري للبضائع
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-12-30, 15:10   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
yacine414
عضو مميّز
 
إحصائية العضو










New1 اضافة

المبحث الأول : مدى مسؤولية الناقل البحري للبضائع.

إن الخطأ الحاصل من قبل الناقل البحري للبضائع أو من قبل أحد تابعيه لا يرتب في كل الأحوال المسؤولية على كاهله لوحده بصفة قطعية، بل قد يعفيه القانون البتة من تحمل أية مسؤولية، و هو ما سنشرحه في المطلبين الآتيين.

المطلب الأول : قيام مسؤولية الناقل البحري للبضائع.

تقوم مسؤولية الناقل البحري للبضائع نتيجة أسباب عديدة و التي لا تخلو أن تكون سوى خطأ شخصية للناقل أو خطأ تابعيه. مما ينجم عنه العديد عن الأضرار تصيب البضاعة. و عليه نتطرق إلى أسباب و حالات قيام مسؤولية الناقل البحري للبضائع على التوالي:

الفرع الأول : أسباب قيام مسؤولية الناقل البحري للبضائع.

أولا : الخطأ الشخصي للناقل.

يعد الناقل مسؤولا عن الخسائر أو الأضرار التي تلحق بالبضاعة منذ تكفله بها و حتى تسليمها إلى المرسل إليه، أو إلى ممثله القانوني باستثناء الحالات المدرجة في المادة 803 من القانون البحري(1).مما لا شك فيه إذا كان الضرر الذي لحق بالشاحن أو المرسل إليه، راجع إلى خطأ الناقل نفسه فإن هذا الأخير يعد مسؤولا عن تعويضه، إلا أن هذه الأخطاء قليلة الوقوع من الناحية الواقعية. فالوضع العادي أن يقوم الناقل المتعاقد مع الشاحن بنفسه بتنفيذ النقل برمته أي من بدايته إلى أن يتم تسليم البضاعة إلى المرسل إليه. على أن الناقل المتعاقد قد يعهد إلى ناقل آخر بتنفيذ النقل كله أو بعضه، فنكون بالتالي أمام ناقل متعاقد و ناقل فعلى، و قد يحدث أن يعين في عقد النقل اسم ناقل آخر أو ناقلين آخرين ليتولى كل منهم تنفيذ جزء من النقل فتنتقل البضاعة من ناقل إلى ناقــــــل







______________________________
(1) – المادة 802 قانون بحري.


حتى تبلغ المرسل إليه، و ذلك هو النقل المتتابع و الذي يتم بموجب سند الشحن المباشر.
و عليه نتعرض تبعا لأحكام مسؤولية الناقل الفعلي، ثم لأحكام مسؤولية الناقل بموجب سند شحن مباشر.

1 – مسؤولية الناقل الفعلي Actuel carrier.

يمكن للناقل – كما سبق شرحه- أن يتعهد بتنفيذ عملية النقل أو جزء منها إلى ناقل بحري آخر فيصبح هو الناقل الفعلي أو الناقل البديل. و الناقل المتعاقد يملك هذه المكنة دون العبور على ترخيص من الشاحن، إلا إذا تضمن العقد إلزامية تنفيذ من طرف الناقل المتعاقد. و في هذه الوضعية نصبح أمام ناقلين أحدهما فعلي و الآخر متعاقد، فمن نحمله المسؤولية في حالة الهلاك أو التلف أو التأخر (حصول الضرر)؟

يكون الشاحن أو المرسل إليه في هذه الوضعية الرجوع على الناقل المتعاقد بطلب التعويض عن الأضرار التي تحدث أثناء تنفيذ عقد النقل ، سواء عهد بعملية النقل برمتها إلى ناقل فعلي أو بجزء منها.

كما يجوز لهما الرجوع على الناقل الفعلي بطلب عن الأضرار التي تحدث أثناء الجزء الذي قام بتنفيذه من عقد النقل، و عليه إثبات ليس فقط الضرر و مقداره و إنما أيضا أن الضرر قد وقع أثناء وجود البضاعة في عهدته.
كما يجوز لهما توجيه دعوى التعويض على الناقل المتعاقد و الناقل الفعلي بالتضامن.

و رغم انعدام الرابطة العقدية بين الشاحن و الناقل الفعلي إلا أن الأساس في مطالبة التعويض لن يكون للمسؤولية التقصيرية، و إنما على ذات الأسس التي يتم بها الرجوع على الناقل البحري المقررة في القانون البحري.

و إذا ما أقيمت الدعوى على الناقل المتعاقد وحده و ثبت أن الأضرار قد حصلت أثناء مباشرة الناقل الفعلي تنفيذ العقد، فيجوز للأول إدخال هذا الأخير كضامن، كما يمكنه الرجوع عليه بقيمة التعويض المحكوم به عليه إذا ما وفاه.(1)

_______________________________
(1) – محمد كمال حمدي، مسؤولية الناقل البحري للبضائع في قانون التجارة البحرية رقم 8 لسنة 1990(دراسة مقارنة مع اتفاقية هامبورج)، منشأة المعارف بالإسكندرية طبعة سنة 1995، ص 78 و 79.


في كل الأحوال التعويضات سواء لصالح الناقل المتعاقد أو الناقل الفعلي فهي لا تزيد عن الحد الأقصى المقرر لمسؤولية الناقل البحري المقررة في القانون سدا لباب التحايل بالجمع بين الرجوع على الناقلين معا.

و تبقى الخصوصية الوحيدة للناقل الفعلي أنه لما يعهد إليه بتنفيذ عملية النقل أو جزء منها، فإن العلاقة بينه و بين الناقل المتعاقد لا تعدو مجرد اتفاق، و ليس سند الشحن و من ثمة فلا يحاج به عليه و إنما بالاتفاق الذي يصبح بدلا عنه(1).

2 – المسؤولية في حالة النقل بسند شحن مباشر.

أي النقل الذي يتم بتتابع بموجب سند الشحن المباشر أو ما يعرف بـ Through bill of lading، و ذلك عندما يتعهد الناقل البحري بتوصيل البضاعة ليس بوسائله الخاصة وحدها و إنما بمعونة ناقلين آخرين، و يتم ذلك بواسطة سند شحن يحكم عملية النقل بجميع أجزائها. و من ثم يكون بيد الشاحن سند شحن واحد لكل عمليات النقل المتعاقبة(2). فيذكر فيه ميناء التفريغ أو الوصول النهائي، مع حق الناقل في تغيير السفينة، و سند الشحن المباشر لا يصدر إلا بناءا على اتفاق مع الشاحن الذي يكون على علم بأن هناك ناقلين آخرين سوف يتولون أجزاءا من عملية النقل.
و المسؤولية مسؤولية الناقل الأول الذي أصدر سند الشحن المباشر عن النقل بأكمله. أما مسؤولية الناقلين اللاحقين بما فيهم الناقل الآخر، فتقتصر مسؤولية كل منهم عن الجزء الذي نفذه في عملية النقل، على أن يكون متضامنا في المسؤولية مع الناقل الأول.
إلا أنه و تسييرا على الناقل الأول و على اعتبار أن الشاحن على دراية بحقيقة الوضع لأنه اتفق على ذلك. فلقد أجاز القانون للناقل الأول نفي مسؤوليته تجاه الشاحن إذا أثبت أن الضرر الحاصل قد وقع أثناء وجود البضاعة في حراسة ناقل لاحق(3).



_______________________________
(1) – محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 80
(2) -محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 81
(3) -مصطفى كمال طه، قانون بحري جديد ، المرجع السابق ، ص 279





ثانيا : مسؤوليته عن أخطاء تابعية.

يستغني الناقل البحري للبضائع لتنفيذ التزاماته التعاقدية بعدة أشخاص يمكن تصنيفهم إلى بحريون و بريون.

1- الأشخاص البحريون.
و يقصد بهم كل الأشخاص الذين يعملون في المجال البحري(على سطح السفينة و المياه) و يساعدونه لتنفيذ العقد، و من بينهم ربان السفينة و المرشد. ذلك أن علاقتهم بالناقل علاقة تبعية، يحكمها عقد العمل البحري (أساسا عندما يكون الناقل هو نفسه مجهز السفينة)، كما هو الحال أو الوضع بالنسبة للربان و البحارة.(1) فيكون الناقل مسؤولا عن عدم قيامهم بتنفيذ المهام التي كلفوا بها، على أن نفرق بين الأخطاء المرتبكة بين ما هو ملاحي منها و ما هو تجاري.

أ/ الأخطاء الملاحية.
فلا يعد الناقل مسؤولا عن الأخطاء الملاحية التي يرتكبها الربان أو المرشد أو المندوبون البحريون الآخرون عن الناقل(2). و يعتبر من قبيلها الأخطاء في قيادة السفينة.

ب/الأخطاء التجارية.
يسأل الناقل عن هذه الأخطاء تطبيقا لأحكام المسؤولية العقدية عن فعل الغير، لأن الغير لا تربطه أية علاقة بالشاحن، و من ثم لا يجوز لهذا الأخير أن يسأل عن تنفيذ الناقل لالتزاماته التعاقدية في هذا الإطار، كخطأ الربان المقصر في المحافظة على البضاعة أثناء نقلها(3).

2- الأشخاص البريون.
يساعد الناقل في تنفيذ التزاماته التعاقدية أشخاص بريون، من بينهم وكيل السفينة و القائم بعمليات المناولة أو مقاول المناولة.

أ/وكيل السفينة.
يرتبط الناقل بوكيل السفينة بموجب "عقد الوكالة"، فإذا ما أخل الوكيل بالتزاماته التعاقدية و في حدود وكالته، كالتأخر في استلام البضائع،أو التأخر فـي

_______________________________
(1) – هاني محمد دويدار، الوجيز في القانون البحري-الجزء الأول-السفينة، مكتبة و مطبعة الإشعاع سنة 1993، ص 306
(2) -المادة 803/ب قانون بحري و المادة 04 الفقرة ثانيا بند أ معاهدة بروكسل
(3) -سليم بودليو ،المرجع السابق، ص 66.


تسليمها،أو عدم قيامه بالإجراءات الإدارية اللازمة، و التي تنجم عنها خسائر أو أضرار تلحق بمن له الحق في استلام البضاعة. يكون الناقل هو المسؤول عن ذلك في علاقته بالشاحن أو المرسل إليه أو من يحل محلهما، لأنه لا توجد علاقة تعاقدية ما بينهم و بين الوكيل.

ب/مقاول المناولة.
يقوم مقاول المناولة بعدة أعمال، تشمل عمليات شحن البضائع و رصها و فكها…، و هو يرتبط بالناقل بموجب عقد المناولة الذي يعد مقاولة، و التزامه ببذل عناية فعلية اتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة و التي تقرها أصول المهنة بالنسبة لكل بضاعة(1).
و في حالة خطئه، يكون مقاول المناولة مسؤولا تجاه من طلب خدماته،(2) و عليه فإن كل ضرر لحق بالبضاعة نتيجة تنفيذ عقد مناولة فإن المسؤول تجاه الشاحن الناقل بسبب غياب أية علاقة تعاقدية بين مقاول المناولة و صاحب البضاعة(3).

الفرع الثاني : حالات قيام مسؤولية الناقل البحري للبضائع.

يعد الناقل مسؤولا عن الخسائر أو الأضرار التي تلحق بالبضاعة طبقا للمادة 802 قانون بحري، فالمشرع الجزائري ذكر الخسائر أو الأضرار على إطلاقها على عكس ما تضمنته المادة 3 فقرة سادسا من معاهدة بروكسل لعام 1924 و التي فصلت أكثر بنصها ( إذا لم يحصل إخطار كتابي بالهلاك أو التلف، و بماهية الهلاك أو التلف للناقل أو وكيله في ميناء التفريغ قبل أو وقت تسليمها…) و عليه فإن حالات قيام المسؤولية هي ثلاث: الهلاك، التلف و التأخير.










_______________________________
(1)- محمد كمال حمدي، عقد الشحن و التفريغ في النقل البحري، القاهرة، مطبعة الأطلس،1983، ص 232.
(2)- المادة 915 قانون بحري.
(3)- قرار المحكمة العليا الصادر في 16/05/1998 ملف رقم 169663، المجلة القضائية عدد خاص بالغرفة التجارية و البحرية، ص 178.
أولا : هلاك البضاعة.

الهلاك يعني زوال مادة الشيء أو تدميره، أو عدم العثور عليه بحيث يتعذر على الناقل تسليم الشيء إلى المرسل إليه، لينهي الالتزامات التي فرضها عليه عقد النقل(1). فالناقل ملزم بتسليم البضاعة للشاحن كما وردت في سند الشحن، إلا أنه أثناء الرحلة البحرية و إلى تسليم البضاعة إلى أصحابها قد يصيبها ما يؤدي إلى هلاكها كليا، و قد يكون هلاكا جزئيا، فهل استبدال البضاعة، أو نقصها، يعد هلاكا كليا أم جزئيا أم لا يعدان هلاكا أصلا؟

1-استبدال البضاعة.

تتحقق هذه الحالة لما يسلم الناقل إلى المرسل إليه بضاعة أخرى ليست هي عين البضاعة المتعاقد عليها- و غالبا لما تتشابه البضائع المشحونة- و تعتبر هلاكا إذا ما سلم مثلا الناقل شحنه من الرز بستمي عوض شحنته الأصلية من رز صيني، و يكون استبدالا جزئيا إذا ما سلم الناقل شحنة قماش صوفي في جزئية منها و الجزء الآخر من القماش القطني في حين أن الشحنة الأصلية هي قماش صوفي في كل كميتة، فهل هذا يعد هلاكا؟

أثار هذا التساؤل خلافا في أوساط الفقهاء و الاجتهاد القضائي، و اعتبر القضاء الفرنسي الاستبدال الكلي أو الجزئي هلاكا كليا، إلا أن فريقا منهم ميز بين الاستبدال الكلي و الجزئي و يعتبرون الأول هلاكا كليا و الثاني هلاكا جزئيا. و ثار نفس الجدل عند الفقهاء العرب و اعتبر فريق منهم أن المرسل إليه تسلم البضائع بالفعل، بحيث كان في استطاعته أن يتبين النقص أو العيب فيها، هنا الاستبدال مهما كان كليا أو جزئيا يمثل حالة الهلاك الجزئي. في حين ذهب آخرون إلى اعتبار مهما كان الاستبدال كليا أو جزئيا و سواء من الأسوء إلى الأحسن أو العكس فهي تمثل صورة من صور التلف.(2). أما مايمكننا استقراؤه من نصوص التشريع الجزائري، هو أن الناقل ملزم بتسليم البضائع بحسب ما هو مدون من شروط على سند الشحن





_______________________________
(1) –محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 102، 103.
(2) - مجيد حميد العنبكي ، قانون النقل العراقي (المبادىْ و الأحكام) بغداد، منشورات البحوث القانونية 1984، ص



2-نقص البضاعة أثناء السفر.
و هو راجع إما للعيب الذاتي للبضاعة أو عجز الطريق.

أ/العيب الذاتي للبضاعة.
INHERIT VICE
يقصد بالعيب الذاتي للبضاعة هو السبب الناشئ عن طبيعتها الداخلية يؤدي دون ما تدخل من الناقل إلى هلاك البضاعة أو تلفها، و اعتبره جانبا من الفقه عيبا في البضاعة كونها هشة قابلة للكسر ، إلا أنه رأي مردود لأن الضرر الذي يلحق بالبضاعة راجع سواء لسوء المعاملة الناقل للبضاعة أو عدم التغليف الجيد، كما أن إهمال الشاحن الإظهار على الغلاف الخارجي طبيعتها يستبعد معه الخطأ الناقل.
ونتيجة لأن العيب في البضاعة بطبيعته ظاهر فإنه لا يكشف عند قيامه و لا يكون ثمة تحفظ بشأنه في سند الشحن، و لكن عند الوصول يكتشف مثل هذا العيب إلا أن غياب التحفظات لا يبرم الناقل من حق إثبات العيب الذاتي للبضاعة. و يعفى حالناقل من مسؤوليته إن أثبت العيب الذاتي للبضاعة و العلاقة السببية بينه و بين الهلاك. و هذا لا ينفي قيام مسؤوليته فيما يخص اتخاذ الاحتياطات الواجبة عليه للمحافظة عليها و من جهة أخرى واجب على الشاحن إخطار الناقل باتخاذ احتياطات خاصة(1)(2).

ب/عجز الطريق.
WATAGE IN BULK OR WEIGHT

عجز الطريق هو نقص طبيعي في الحجم أو الوزن يلحق البضاعة أثناء النقل ينشأ عن طبيعة البضاعة الخاصة، فمن البضائع ما يتبخر بسبب حرارة العنابر كالسوائل، و منها ما يجف مع الزمن كالحبوب أو اللحوم أو الفواكه. ويعد عجز الطريق حالة خاصة للعيب الذاتي للبضاعة لا تقدر أي عناية من جانب الناقل على تفاديه، و هو قاصر على الحجم و الوزن فلا يدخل في نطاقه العجز بسبب الكسر في الطريق.

و هناك نسبة مئوية من البضاعة يمكن اعتبارها عجز الطريق لا تثار مسؤولية الناقل بصددها، و هذه النسبة تختلف حسب نوع البضاعة و تحددها العادات التجارية في الميناء، و إثبات ما تقضى به هذه العادات يقع على عاتق

_______________________________
(1) – محمد كامل حمدي ، المرجع السابق ، ص 102،103.
(2)-Cour d’Appel de Rouen (2e CH) 2 Décembre 1982, DMF , N°413.



الناقل، و الذي يلجأ غالبا في هذا الصدد إلى الحصول على شهادات من الغرف التجارية في الميناء، و كذا الاستناد إلى أحكام قضائية تقرر وجود تلك العادات و نسب العجز المقررة في شأن أنواع البضائع المختلفة، و لمحكمة الموضوع السلطة التقديرية في تقرير وجود هذه العادات و تلك النسب، و لا تخضع في ذلك للرقابة طالما كان حكمها مسببا وفقا للقانون.
وعليه فإن مسؤولية الناقل تخفف بمقدار النسبة المسموح بها و يتعين عليه تعويض صاحب البضاعة فيما يخص الباقي، و الناقل لا يسأل عن العجز إلا في حدود النسبة المقررة إذا ما أثبت المدعي أنه راجع إلى خطأ الناقل أو أحد تابعيه.
و أحيانا قد يكون الضرر راجع إلى مجموع سببين يختلف كل منهما عن الآخر، فقد يكون راجع إلى عيب ذاتي بالبضاعة و من ناحية أخرى إلى خطأ الناقل في تنفيذ النقل، مما يتعين معه توزيع الأضرار حسب مسؤولية كل طرف.

و في الأخير نشير إلى أن الهلاك الكلي يتضمن إثبات المدعي استلام الناقل البضائع و هو إثبات يمكن أن يتم بكافة الطرق، فإذا أنكر عليه الشاحن التسلم، فإنه لا يطلب من المدعي إثبات واقعة سلبية هي عدم تسلمه البضائع، و إنما يجب على الناقل إثبات تسليمه البضائع للحامل الشرعي لسند الشحن، و تسليمها للغير بعد هلاكا كليا، و لا يعتد سوى بالتسليم الفعلي و لا يغني التوقيع على أوراق الناقل(1)

ثانيا : تلف البضاعة.
DAMAGE.

تلف البضاعة يعني وصولها كاملة من حيث مقدارها و لكن تالفة، أو عطب جزء من البضاعة مع صلاحية الباقي، إذ يستوي أن يشمل العيب كل البضاعة أو جزء منها.
وقد تصاب البضاعة بتلف في جزء دون الآخر، لكن التلف عطل كل الشيْ عما أعد له، فهناك من يقول باعتباره هلاك كلي، لكن إذا ما اعتبرنا أن فيصل التفرقة









_______________________________
(1) – محمد كمال حمدي،المرجع السابق، ص 103، 104، 105
بين الهلاك الكلي و الهلاك الجزئي هو التسليم، فإن التسليم ينفي وقوع الهلاك الكلي.

و يأخذ الهلاك الجزئي حكم التلف و صور التلف أن يصل جانب من البضاعة فقط أي أن يلحقها نقصان في الوزن أو الحجم أو المقاس أو التعداد دون أن تكون لطبيعتها دخل (عجز الطريق) ، و تحديد وجود التلف (الهلاك الجزئي) يتم بمقارنة ما هو وارد في سند الشحن من بيانات مع ما تم تسليمه من قبل الناقل بعد تمام الرحلة(1) و نفرق بين حالتين:
أ/ سند الشحن يتضمن تحفظات فيقع على صاحب الحق في البضاعة إثبات حقيقة المقدار المشحون.
ب/سند الشحن النظيف، يفترض فيه أن الناقل تسلم البضاعة في حالة جيدة، فيسأل عن أي تلف و ليس بإمكانه إثبات عكس ما ورد في سند الشحن تجاه الغير حسن النية الحامل الشرعي للسند(2).

ثالثا : التأخيــــــــر.
DELAY.

التأخير في التسليم هو عدم تسليم البضائع في الميعاد المتفق عليه أو في الميعاد الذي يسلمها فيه الناقل العادي في الظروف المماثلة إذا لم يوجد اتفاق(3)، و التأخر يحتمل فرضين:
أ/حالة وجود اتفاق، و التأخير يكون من جانب الناقل إذا لم يسلم الشحنة لأصحابها وفق الميعاد المتفق عليه.
ب/حالة عدم وجود اتفاق، و التأخير يكون من جانب الناقل إذا لم بسلم الشحنة لأصحابها وفق الميعاد الذي يلتزم به الناقل العادي و في ظروف مماثلة لعملية النقل.
و يقصد بالناقل العادي : الناقل المتوسط الحرص، و هو معيار موضوعي نقيس فيه على تصرف أو سلوك الناقل العادي المألوف، و تقدير ذلك خاضع لسلطة القاضي التقديرية.





__________________________________________
(1)- قرار المحكمة العليا الصادر في 11/04/1995، ملف رقم 119292، نشرة القضاة العدد 49
(2)- محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 73، ص 74.
(3)- المادة 240/2 قانون بحري.



و التأخير لا يلحق ضررا بالبضاعة و إنما يلحق ضررا اقتصاديا بالشاحن (المرسل إليه) فيفوت عليه كسبا أو يلحق به خسارة ، و ما يثبته الشاحن يختلف لما يطالب بالتعويض- إذا ما كان ميعاد التسليم متفقا عليه فمجرد حلول الميعاد دون حصول التسليم يقيم المسؤولية على الناقل و لا يبقى سوى إثبات العلاقة السببية بين الخطأ و الضرر، عما إذا كان الميعاد غير متفق عليه فعليه أن يثبت الميعاد الذي يسلم فيه الناقل العادي الشيء الذي قد يتمكن الناقل من إثبات عكسه.































المطلب الثاني : الإعفاء من المسؤولية.

يقع على عاتق المرسل إليه (الشاحن) بصدد مطالبة الناقل بالتعويض لإخلاله بتنفيذ التزاماته عبئ إثبات عقد النقل، و أن الناقل لم يقم بتنفيذ التزاماته أو قام بها على نحو تسبب في الإلحاق به أضرارا، فإن تمكن من ذلك يعد إثباتا للخطأ العقدي، و في المقابل يجب على الناقل أن ينفي ذلك، بأن يثبت عدم ارتكابه للخطأ، و ذلك بأن بذل العناية اللازمة لتفادي الأضرار الحاصلة بالبضاعة، بالإضافة إلى تمسكه بأي سبب من أسباب الإعفاء القانونية و الاتفاقية حتى يقطع علاقة السببية بين الخطأ و الضرر الحاصل. و عليه نتعرض إلى حالات الإعفاء القانونية، ثم حالات و شروط الإعفاء الاتفاقية، و من هم الأشخاص المستفيدون من الإعفاء:

الفرع الأول : الإعفاءات القانونية.

يعفى الناقل من المسؤولية المذكورة في المادة 802 من القانون البحري إذا كانت الخسائر أو الأضرار اللاحقة بالبضاعة ناشئة أو الناتجة عن أحد الأسباب المعددة من البند "أ" إلى غاية البند "ل" من المادة 803 قانون بحري و هي كالآتي :

أولا: إعفاء الناقل من المسؤولية عن عدم صلاحية السفينة و عن الأخطاء الملاحية.

1- إعفاء الناقل عن عدم صلاحية السفينة للسفر (1)

و نقرن هذا الإعفاء بشرط بذل الهمة الكافية لجعلها كذلك و الأصل أنه في القواعد العامة أن الناقل يلتزم بتقديم سفينة صالحة للنقل تقوم بتوصيل البضاعة سالمة إلى ميناء الوصول. و هو التزام بنتيجة معينة و إذا لم تتحقق كان الناقل مسؤولا عن الضرر الذي أصاب الشاحن من جراء ذلك إلا أن يتمكن الناقل من رد هذا الضرر إلى السبب الأجنبي.
و للكلام عن السبب الأجنبي وجب أن العيب خفيا، لأن الناقل ملزم ببذل الهمــة



_______________________________
(1) – نصت المادة 803 فقرة ط على العيب الخفي للسفينة و الذي يظهر رغم الاهتمام الكافي. و هذه الحالة تضم إلى إعفاء الناقل بسبب عدم صلاحية السفينة للإبحار.

الكافية قبل السفر أو عند البدء فيه لجعل السفينة صالحة للملاحة، لأن الناقل ليست له أية سلطان عليها، فإن وفى التزامه ببذل العناية الكافية لجعل السفينة صالحة للملاحة في بداية الرحلة و لحق ضرر بالبضاعة أو تأخير في وصولها بسبب عدم الصلاحية للملاحة فلا مسؤولية عليه.
و لكن إذا لم يوف كأن لم يبذل العناية الكافية أو أن العيب ظاهر فيعد مسؤولا و كل شرط في عقد النقل يعفي الناقل من المسؤولية عن عيوب السفينة الظاهرة يعتبر بطلانا مطلقا(1).
و تقدير ما إذا بذل الناقل هذه العناية الكافية مسألة موضوعية يقدرها قاضي الحكم.
كما يمكن للناقل دفع مسؤولية عن عدم صلاحية السفينة للملاحة إن أثبت توفيره
للوسيلة الكفأة عند بداية الرحلة، و لا يجوز أن يتضمن العقد شرطا ينقل عبئ الإثبات على عاتق الشاحن و إلا وقع باطلا(2)(3).

2- الإعفاء من المسؤولية عن الأخطاء في الملاحة أو في إدارة السفينة.

أ/ الخطأ في الملاحة.

هو الخطأ الفني الذي يرتكب في قيادة السفينة و تسييرها كما لو خالف الربان قواعد السير في البحار و ترتب عن ذلك اصطدام السفينة و تلف السفينة، و تخضع فكرة الخطأ الملاحي لتقدير القاضي و هذا من خلال الوقائع المعروضة عليه.

ب/ الخطأ في إدارة السفينة.

ينحصر هذا الخطأ في العمل الذي يترتب عليه عدم المحافظة على سلامة السفينة و صيانتها أو تعريضها للخطر دون أن يكون لذلك علاقة بقيادة السفينة من الناحية الفنية أو تسييرها، كما يجب أن يكون هذا الضرر مستقلا عن الضــرر


_______________________________
(1)-(2)- المادة 3 بند 8 معاهدة بروكسل لعام 1924.
(3)–يونس علي حسن، المرجع السابق ، ص 389 ،390





الذي أصاب السفينة. أما إذا تعلق الأمر بعدم المحافظة على البضاعة فيعد خطأ في إدارة الحمولة و هو خطأ تجاري.
و إعفاء الناقل من المسؤولية عن الخطأ في الملاحة أو في إدارة السفينة لا يشمل الأخطاء العمدية و يقع على الناقل الذي يتمسك بالإعفاء من المسؤولية عبء إثبات أن الضرر الذي أصاب البضاعة نشأ عن الخطأ أحد التابعين البحريين في الملاحة أو في إدارة الملاحة(1).

ثانيا : القوة القاهرة.

القوة القاهرة حادث لا يمكن توقعه و لا تلافيه، و ليس للناقل دخل في حدوثه، و يؤدي إلى استحالة تنفيذ الناقل لالتزامه، و معيار الاستحالة موضوعي لا شخصي(2). و لقد ضمن المشرع المادة 803 قانون بحري بند "ه" عبارة "القوة القاهرة"، لكن معاهدة بروكسل لعام 1924 عددت حالات تندرج تتضمن مفهوم القوة القاهرة و هي :

1- الحريـــــق.
THE FIRE.

لا يؤدي الحريق إلى إعفاء الناقل من مسؤوليته إلا إذا أثبت أنه يرجع إلى سبب غير متوقع لا يمكن التغلب عليه أو منعه، فيجب على الناقل إثبات سبب الحريق و كل حريق مجهول سببه ليس قوة قاهرة و لا حادث مفاجئ مما يقيم مسؤولية الناقل.(3) و يمتد الإعفاء من الحريق إلى الأضرار الناشئة عن الدخان المتخلف من النار و كذلك الأضرار الناتجة عن المياه التي أطفئت بها.

و يقع على عاتق الشاحن(المرسل إليه) إثبات هذا الخطأ، لكن لا يكفي أن يثبت خطأ التابعين لأن النص يعلق مسؤولية الناقل على حصول الحريق بفعله أو خطئه فيكون له التمسك بالإعفاء من المسؤولية و لو أثبت الشاحن أن الحريق حصل بفعل التابعين أو خطئهم(4).



_______________________________
(1) – يونس علي حسن،المرجع السابق، ص 391، 392
(2) - مجيد حميد العنبكي، المرجع السابق، ص 245
(3) - محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 100
(4) - يونس علي حسن، المرجع السابق، ص 392 ، 393

2 – مخاطر البحر أو المياه الملاحية.
و يقصد بذلك الأخطار التي تتعرض لها السفينة بسبب السفر في البحار أو الأنهار المتصلة بها كالعواصف و الضباب و الصخور و غيرهما مما يعوق السفينة أثناء رحلتها و يتسبب في هلاك البضاعة أو تلفها، و لكي يعفي الناقل من مسؤوليته يثبت أن الضرر الذي أصاب البضاعة بسبب أحد هذه الأخطار بشرط أن تتوافر فيه أوصاف القوة القاهرة(1).
و استقر الفقه و القضاء على أن الحوادث أو الظروف الجوية كالمطر و الريح و البرق و اضطراب البحر و المد و الجزر …و التي تحصل بصفة دورية و في مواعيد معلومة لا تعد قوة قاهرة و من ثم لا تعفي الناقل من المسؤولية(2).

2- القضاء و القدر.
نصت عليه المادة 04 فقرة ثانيا "د" من معاهدة بروكسل لعام 1924، بينما لا وجود له صراحة في المادة 803 قانون بحري، غير أنه يمكن اعتباره ضمن مفهوم القوة القاهرة الواردة في الفقرة "هـ".
و لا يسأل الناقل عن الضرر الناشئ عن القضاء و القدر و يشترط لكي يعتبر الحادث كذلك:
أ/ أن لا يكون لإرادة الإنسان دخل في إحداثه
ب/ أن تعجز القوة البشرية عن تفادي النتائج المترتبة عليه مع استعمالها العناية المعقولة، و ما على الناقل سوى إثباتهما معا ليتفادى تبعات المسؤولية

3- حوادث الحرب.
THE ACT OF WAR.
لم تنص عليها المادة 308 قانون بحري صراحة، مما يفهم أنها تندرج ضمن حالة القوة القاهرة ، بخلاف معاهدة بروكسل(3) و تكون الحرب قوة قاهرة بما ينجم عنها من أحداث و من أزمات اقتصادية ما دامت مستحيلة الدفع و غير متوقعة، و هذه الاستحالة لا ترد على الحرب في حد ذاتها بل على ما خلفته من أحداث و اضطرابات، فليست الحرب إذن بذاتها قوة قاهرة و إنما يتصف بذلك ما ينجم عنها، لذلك فعلى الناقل أن يثبت بأن الظروف التي جعلت التنفيــــــذ
_______________________________
(1)- يونس علي حسن، المرجع السابق، ص393 و محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 99.
(2)- اعتبرت المحكمة العليا أن القضاة قد أخطئوا لما أعفوا الناقل من المسؤولية عن الأضرار باعتبارها نتجت عن القوة القاهرة أن يتحققوا من توفر شروطها (م 282 ق ب)قرار صادر في 02/06/1991 ملف رقم 53657،غير منشور . كما اعتبرت أن مسؤولية الناقل قائمة لما اعترضته عاصفة في فصل الشتاء لأن رداءة الطقس تعتبر حالة عادية بالنسبة للملاحين في قرارها الصادرة في 19/05/1991 ملف رقم 77660 مجلة قضائية عدد 3 سنة 1993.
Cour d’Appel de Caen (1er CH) 30 Avril 1982 (Navire : Prométhée0 DMF n°409 de page 36 à 39.
(3)- المادة 04 فقرة ثانيا بند "هـ" من معاهدة بروكسل عام 1924.

مستحيلا غير ممكن توقعها أو دفعها(1)
5- أعمال الأعداء العموميين.

الأعداء العموميين هم الأشخاص الذين لا تقتصر عداوتهم على دولة دون دولة أخرى و لكنهم أعداء لجميع الدول كالقراصنة(2) و لم يصرح بها نص المادة 803 قانون بحري عكس معاهدة بروكسل(3).

6- الفتن و الاضطرابات الأهلية.

الفتن و الاضطرابات الأهلية هي تلك التي يترتب عنها الفوضى بين الناس و اختلال أمورهم. هي الأخرى لم تنص عليها المادة 803 قانون بحري على خلاف المعاهدة.

7- إيقاف أو إكراه صادر من حكومة أو سلطة أو شعب أو حجز قضائي.

لم ينص عليه سوى البند "ز" من نفس المادة من المعاهدة دون القانون البحري، و هذا السبب يمكن الأخذ به في وقت الحرب كما في وقت السلم و المقصود منه إعفاء الناقل من المسؤولية بسبب الإجراءات التي يتخذها صاحب السلطة الفعلية أو القانونية في الدولة التي تحول دون تنفيذ الناقل لالتزاماته.

8- الإعفاء من المسؤولية بسبب قيود الحجز التحفظي (الحجز الصحي).

و نقصد به الضرر الذي يصيب البضاعة بسبب الإجراءات غير العادية التي تتخذها السلطات في الميناء بقصد عدم انتشار الأمراض المعدية، فيصبح لناقل غير مسؤولا و لو كان عالما بهذه القيود وقت إبرام العقد بشرط ألا يثبت الشاحن بأن الناقل قد ارتكب خطأ(6)

9- الإعفاء من المسؤولية عن الاضطرابات أو إغلاق المستودعات أو المصانع في وجه العمل أو إعاقته كليا أو جزئيا مهما كانت الأسباب.
و يعتبر الإضراب أو الإغلاق أو الإيقاف أنواع مختلفة من العوائق التي :
_______________________________
(1)-محمد كمال حمدي،المرجع السابق، ص 99،100.
(2)(4)- يونس على حسن، المرجع السابق، ص 394
(3)-المادة 04 فقرة ثانيا بند "و" من معاهدة بروكسل لعام 1924
(5)-المادة 04 فقرة ثانيا بند "ك" من معاهدة بروكسل لعام 1924
(6)-يونس على حسن، المرجع السابق ، ص 394،395.


تمنع الناقل أو تأخير تنفيذ التزاماته العقدية، و على الناقل أن يثبت أن الضرر راجع إلى الأسباب السابقة لينفي مسؤوليته، و لا تكفي فقط عسر التنفيذ و إنما استحالته، و مع ذلك لا يشترط في هذه الأسباب أوصاف القوة القاهرة، كما لا يشترط أن يكون العائق كليا بل يكفي أن يكون جزئيا، و مع ذلك لا يكون للناقل أن ينفي مسؤوليته إذا ما استطاع الشاحن(المرسل إليه) إثبات أنه هو من تسبب في خطئه في وجود العائق المحتج به(1).

ثلثا : الإعفاء من المسؤولية عن أعمال الشاحن المختلفة.

و نقصد به فعل المضرور و يستوي بعد ذلك أن يكون الشاحن أو المرسل إليه، و مرد الإعفاء من المسؤولية أنه إذا وقع الضرر بفعل المضرور لا يكون ثمة مسؤول لأن المضرور ألحق الضرر بنفسه سواء بخطأ منه أو تعبير خطأ،فإذا استغرق خطأ المضرور خطأ الناقل تنتفي مسؤوليته لانعدام الرابطة السببية(2) و ورد تعدادها في مواد متفرقة نشير إليها بحسب: المادة 803 فقرة "ح"، المادة 810 و المادة 779 من القانون البحري.

1- أخطاء الشاحن المتعلقة بالتحزيم أو التكييف.
DEFECTIVE PACKING.

يعتبر خطأ من جانب الشاحن أن يصدر بضائعه مغلفة تغليفا معيبا أو دون تغليف كاف، فوجوب كفاية التغليف ليس فقط لضمان حفظ البضائع خلال الرحلة البحرية و إنما أيضا لحميتها أثناء تداولها خلال عمليات الشحن و التفريغ(3). و مرد إعفاء الناقل من المسؤولية هو المنطق ذاته، حيث أن تغليف البضاعة-كما سبق شرحه- التزام يقع على الشاحن.
و لا يعفى الناقل إلا إذا كان التغليف ضعيفا أو ناقصا لا يتفق و عرف المعاملات التجارية، و يقع على الناقل مسؤولية اتخاذ الوسائل الضرورية لتجنب التلف. و يجب على الناقل لتلافي المسؤولية أن يثبت عدم كفاية التغليف و العلاقــــة



_______________________________
(1)-يونس علي حسن،المرجع السابق، ص 395
(2)-أما إذا لم يستغرق أحد الخطأين الآخر نكون أمام ما يسمى بالخطأ المشترك فتكون مسؤولية كل من الناقل و المضرور بالتساوي، و إذا تعدد المسؤولين إلى جانب المضرور توزع عليهم المسؤولية بعدد الرؤوس، محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 105،106، أنظر المادة 804 قانون بحري.
(3)-ارجع إلى الصفحة من المذكرة نفسها لتفصيل أكثر حول موضوع الالتزام بالتغليف.



السببية بينه و بين الضرر الذي لحق بالبضاعة(1)

2- عدم كفاية أو صحة العلامات.
INSUFFICIENCY OR INDEQUANCY OF MARKS.

يجب أن يقدم الشاحن البضائع و عليها بياناتها التي تكون مطبوعة أو موضوعة بطريقة ظاهرة بحيث تظل قرائتها ميسورة حتى نهاية السفر لتسهيل على الناقل التعرف على طبيعتها و تخصيصها بالمعاملة التي تلائمها(2). و عدم كفاية أو إتقان العلامات يعد إهمالا من جانب الشاحن و إخلالا بأحد التزاماته و هو ما يعفي الناقل من مسؤوليته عن هذا الضرر(3)

3-التصريح الكاذب من طرف الشاحن.
فلا يعد الناقل مسؤولا عن الخسارة أو الضرر المسبب للبضائع. أو ما يتبعها إذا ارتكب الشاحن يتعهد تصريحا كاذبا بشأن نوعها أو قيمتها في وثيقة الشحن أو في وثيقة أخرى مؤيدة النقل.

4-خطأ الشاحن أو خطأ مندوبية.
يعد الشاحن مسؤولا عن الأضرار التي تلحق بالسفينة و البضائع من جراء خطئه أو خطأ مندوبيه.

رابعا : أسباب إعفاء تعود إلى أعمال الناقل.
(أعمال الناقل البريئة) :

الناقل لا يسأل إذا قام بالأعمال الآتية:
1- محاولة إنقاذ الأرواح و الأموال في البحر.
إن المعاهدة الدولية الخاصة بالتصادم أو المعاهدة الدولية الخاصة بالمساعدة و الإنقاذ تلزم الربان على تقديم المساعدة للأموال و للأشخاص الذين يوجدون في البحر تحت خطر الهلاك، و يترتب عنه أحيانا تلف أو هلاك الشحنة التي توجد على ظهر السفينة التي تقدم المساعدة، فتنبهت معاهدة بروكسل الخاصة بسندات الشحن( و القانون البحري) فنصا على إعفاء الناقل من المسؤولية بسبب الخسائر التي تلحق بالبضائع(4). و يشترط أن تكون تلك التدابير معقولـة
_______________________________
(1)- و لا شك أن الناقل يستفيد هنا من التحفظات الكتابية المثبتة سند الشحن، و التي يكون قد دونها لتفادي قرينة المسؤولية، محمد كمال حمدي، المرجع السابق ، ص 107،108.
(2)-ارجع إلى الصفحة من المذكرة نفسها لتفصيل أكثر حول موضوع الالتزام بوضع بطاقة البيانات
(3)- محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 108،109
(4)-يونس علي حسن، المرجع السابق ، ص 396.

و تقاس هذه المعقولية بما قد يفعله الناقل متوسط الحرص في نفس الظروف. و أساس التفرقة بين حالتي انقاد الأرواح و إنقاذ الأموال تفادي الاندفاع إلى إنقاذ الأموال برعونة ( طمعا في المكافأة) مع عظم الخطر الذي تتعرض له الشحنة أو ضعف الأمل في الإنقاذ الفعلي.
و يعتبر الإنقاذ في ذاته سبب الإعفاء بغض النظر عن نتيجتة، فقد لا يؤدي إلى إنقاذ الأرواح و الأموال و مع ذلك يظل وجه الإعفاء قائما(1)(2).

2-الانحراف في السير.

إضافة إلى تقرير المشرع لإمكانية الانحراف بسبب محاولة إنقاذ الأموال أو الأرواح في البحر، فإنه زيادة على ذلك يعفي الناقل أيضا عن الخسائر اللاحقة بالبضاعة بسبب الانحراف في السير كلما كان معقولا، و هذا الأمر يقدره قاضي الموضوع مستندا إلى المصلحة التي قصدت السفينة تحقيقها من وراء الانحراف في السير(3)(4).

3-الأعمال التي يقوم بها الناقل في حالة شحن بضاعة ذات طبيعة خاصة أو خطيرة.

تنص المادة 778 قانون بحري على جوازية قيام الناقل في أية لحظة و في أي مكان تنزيل البضاعة القابلة للاشتعال أو الانفجار أو بضائع خطرة أو إتلافها أو جعلها غير ضارة، و هذا في الأحوال التالية:
أ/ عندما لا يكون الناقل أو من يمثله على علم بها
ب/عندما يكون الناقل أو من يمثله على علم بها، و لكنها أصبحت تشكل خطرا على السفينة و الحمولة(5).

خامسا : خطأ الغير.
وفقا للمادة 803 فقرة "ك" قانون بحري و أيضا الفقرة "ل" منه و كذا المادة 04 فقرة ثانيا بند "ف" من معاهدة بروكسل، الناقل لا يسأل عن الأخطاء التي يرتكبها الغير و هو كل شخص ليس طرفا في العقد، كما يجب ألا يكون من الأشخاص الذين يعتبر المدعى عليه(الناقل) مسؤولا عنهم(6).

_______________________________
محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 140،141
المواد 775و803 فقرة "ي" من القانون البحري
يونس علي حسن، المرجع السابق، ص 397
المادة 04 فقرة سادسا من معاهدة بروكسل لعام 1924
محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 109،110.


الفرع الثاني : الإعفاءات الاتفاقية.

الأصل أن أحكام معاهدة بروكسل لعام 1924 و القانون البحري جاءا لتنظيم مسؤولية الناقل البحري على نحو ما هو مقرر في القواعد العامة، إلا أنه يرد استثنائين على هذا الأصل، فمن ناحية نصا على حالات يعفى فيها الناقل من المسؤولية إعفاءا قانونيا لا يتوقف على النص على ذلك في سند الشحن. و من ناحية أخرى وضعا حدا أقصى للتعويض الذي يحكم به على الناقل في الحالات التي لا يكون فيها الناقل معفيا من المسؤولية بنص القانون.
و لقد تقررا هذين الاستثنائين لرعاية الناقل و توفيقا بين مصلحته و الشاحن يجب أن يحترم حدود مسؤولية الناقل كما رسماها المعاهدة و القانون البحري و التي تعد حدا أدنى لا يجوز النزول عنه.(1) لذلك وجب التفرقة بين الشروط الجائز الاتفاق عليها و الشروط غير الجائز الاتفاق عليها :

أولا : الشروط الاتفاقية الباطلة.

يعد باطلا و عديم المفعول كل شرط تعاقدي يكون هدفه أو أثره المباشر أو غير المباشر ما يلي (2):

1- إبعاد أو تحديد المسؤولية الخاصة بالناقل.

و نقصد بها المسؤولية الناجمة عن المواد 770 و 773و 780 و 802 و 803 و 804 من القانون البحري(3) فلا يجوز إدراج شرط في عقد النقل البحري للبضائع يحد من مسؤولية الناقل أو يستبعدها فيما يخص التزاماته بتوفير وسيلة النقل الصالحة للملاحة و إعدادها لهذه الوجهة، و كذا التزاماته المتعلقة بالعناية بالبضاعة من شحن و رص و صيانة و حراسة و فكها و إنزالها و أيضا مسؤولياته عن الخسائر و الأضرار الحقة بالبضاعة منذ تسليمها الى من له الحق عليها.

2- تحديد مسؤولية الناقل بمبلغ يقل عما حددته المادة 805 قانون بحري.

لأنه يعتبر كل شرط يتضمن التنازل إلى الناقل عن الحقوق الناشئــــة

_______________________________
(1) يونس على حسن، المرجع السابق، ص 405
(2) المادة 881 قانون بحري.
(3) المادة 03 فقرة ثامنا من معاهدة بروكسل لعام 1924

عن التأمين أو أي شرط آخر مماثل له بمثابة إعفاء الناقل من المسؤولية فإدراج شرط كهذا يعد بمثابة إعفاء من المسؤولية، إذ أن الناقل عندما يستفيد من مبلغ التأمين الذي يدفع للمؤمن على البضاعة، فإنه يؤدي إلى تغطية مسؤوليته الناشئة عن أخطائه في تنفيذ العقد، حيث يعتبر في حكم إعفاء الناقل من المسؤولية، و عليه يقع الشرط باطلا بطلانا مطلقا.
و يستوي بعد ذلك أن يحدد مبلغ التأمين الذي يستفيد منه المتضرر بأقل ما ينص عليه القانون ( المادة 805 قانون بحري) وفقا للمادة 811 بند "ب" أو يمنح بأكمله أو جزء منه للناقل وفقا للمادة 811 بند "ج".

3-التكاليف الزائدة بالنسبة لمن أرسلت إليه البضائع.

لأنه تعتبر باطلة كل الشروط التعاقدية الناصة على تكاليف زائدة بالنسبة لمن أرسلت إليه البضائع عن الشروط المبينة في المادة 790 قانون بحري، و هذه المصاريف تخص مصاريف خبرة طبقا للمادة 789 قانون بحري، عمليات فحص و معاينة البضاعة طبقا للمادة 788 قانون بحري.

يجوز على العكس للأطراف الاتفاق على إعفاءات أخرى أباحتها معاهدة بروكسل لعام 1924 و كذا القانون البحري.

ثانيا : الشروط الاتفاقية الصحيحة.

يكون إدراج شرط عدم المسؤولية في وثيقة الشحن صحيحا و لا يبطل أثره المترتب عليه في الحالات الآتية:

1-التنازل من طرف الناقل عن الحقوق و الإعفاءات المخولة له كلها أو جزء منها.

للناقل أن يتنازل عن الحقوق و الإعفاءات المخولة له كلها أو بعضها كما يجوز له أن يزيد في مسؤولياته و التزاماته على الوجوه المبينة في المعاهدة أو القانون بشرط أن يكون هذا التنازل أو هذه الزيادة في المسؤولية واردا في سند الشحن المسلم إلى الشاحن(2).

_______________________________
(1) المادة 3 فقرة ثامنا (8) من معاهدة بروكسل لعام 1924
(2) المادة 5/1 من معاهدة بروكسل لعام 1924


2-الشرط أو الاتفاق الذي ينص على الزيادة في مسؤولية الناقل أو التزاماته.

هذا الشرط يعد أيضا صحيحا(1)، لأنه لا يؤدي إلى إعفاء الناقل، بل على العكس من ذلك يشدد من مسؤوليته و يضاعف من التزاماته، مما يؤدي إلى تحقيق حماية أفضل للشاحن، و لكي يعتد به أيضا ، يجب أن يكون مدونا في وثيقة الشحن.

3-الشروط الخاصة بنقل البضائع على السطح و نقل الحيوانات.
أ/ نقل البضائع على سطح السفينة.

إن الطريقة العادية لنقل البضائع هو إيداعها العنابر التي تعتبر بحكم استعدادها قادرة على استقبال البضاعة مع ضمان ثبات و اتزان السفينة لكن شحن البضاعة على سطح السفينة تؤدي إلى نتائج مؤسفة(2). إلا أن هذه الطريقة متبعة منذ القدم لعديد من الاعتبارات العملية، فإذا قام الناقل البحري بشحن البضائع على سطح السفينة في الأحوال التي يجوز فيها ذلك و ذكر في سند الشحن، فمجرد حصول النقل بهذه الطريقة لا يقوم بذاته سببا لإعفاء الناقل من المسؤولية عن الهلاك أو التلف الذي يلحق بالبضاعة، و إنما تبقى مسؤوليته قائمة لأنه هو الضامن من التلف أو الهلاك و لو على سطح السفينة، لكن تقرر وجه إعفاء خاص من المسؤولية في هذا الغرض إذا ما أثبت أن الهلاك أو التلف الذي لحق بالبضائع ناشئ عن المخاطر الخاصة بهذا النوع من النقل(3)(4).

ب/نقل الحيوانات الحية.

استثنت معاهدة بروكسل من نطاق تطبيقها نقل الحيوانات الحية و هذا لأنها لا تكون ثابتة كالبضائع و إنما تتحرك طالما أنها حية، و من ثم فمخاطر نقلها كثيرة




________________________________________
(1)نفس حكم الإعفاء السابق أي المادة 5/1 معاهدة بروكسل لعام 1924
(2)كتعرض البحارة للخطر و الحوادث التي تقع على السطح خاصة حيث تسوء الأحوال الجوية، و عدم ثبات و اتزان السفينة و تعرض البضائع للتلف بسبب الرطوبة و حرارة الشمس و الأمطار و تكون أول ما يلقى في البحر، و وزنها يؤدي إلى تمايل السفينة و تدفق المياه في العنابر فتفسد البضائع التي في العنابر.
(3)محمد كمال حمدي، نفس المرجع، ص 119،ص 123 و 124.
(4)voir , Raymond Arrad, DMF, N°409, chargement en pontée irrégulier, dol, faute intentionnelle ou inexcusable et limitation de responsabilité du transporteur maritime de la page 03 à la page 26.

و لا يلزم الناقل للإعفاء من المسؤولية أن يثبت السبب الأجنبي و أن يقيم الدليل عن هذا الضرر كان نتيجة المخاطر الخاصة بهذا النوع من النقل(1). إلا أنه يصعب عليه إقامة مثل هذا الدليل و إنما يكتفي القاضي بافتراض قرينة لصالح الناقل مفادها أن الضرر راجع إلى المخاطر الخاصة بنقل الحيوانات بحرا إذا ما أثبت أنه نفذ تعليمات الشاحن بشأن نقل الحيوانات (2)

4-الجهل بالوزن أو ما يماثله.

تكون التحفظات على وثيقة الشحن بمثابة إعفاء الناقل من المسؤولية فهذه التحفظات و الخاصة بوزن البضاعة أو عددها أو كميتها، تكون صحيحة إذا وجد لدى الناقل أو وكيله سبب جدي يحمله على الشك في عدم مطابقتها للبضائع المسلمة إليه فعلا، أو عندما لا تتوافر لديه الوسائل الكافية للتحقق منها(3).

5-حالة الظروف العادية و البضائع المشحونة.

يجوز للناقل أن يبرم مع الشاحن أي اتفاق بصدد مسؤوليات الناقل و التزاماته متى كانت أوصاف البضائع أو الظروف غير العادية التي يتم فيها النقل تبرر اتفاقا خاصا و بشرط ألا يصدر سند شحن قابل للتداول و أن يؤشر في وثيقة النقل بما يفيد ذلك. و من ذلك أن يتعلق الأمر بنقل البضائع سريعة التلف أو أن يقتضي وصول البضائع المرور بمناطق تجري فيها عمليات حربية(4)(5).

الفرع الثالث : الأشخاص المستفيدون من الإعفاء

يستفيد من الإعفاء من المسؤولية كل الأشخاص الذين يساعدون الناقل في تنفيذ التزاماته بما فيهم الناقل نفسه:

أولا : الناقل.
تطبيق التحديدات و الإعفاءات- السابق شرحها- على كل دعوى ترفع ضد الناقل للمطالبة بالخسائر أو الأضرار على أساس المسؤولية غير التعاقديــــة
______________________________
(1) كما إذا لم يتحمل دوار البحر فنقف، أو أخافه منظر البحر فامتنع عن الطعام فهزل، أو أزعجه ارتفاع الأموال فاقتتل مع غيره من الحيوان فقتل، أو حطم قيوده و أنطلق يثير الفزع في السفينة مما اضطر الربان إلى إصدار الأمر بإطلاق النار عليه.
(2) محمد كمال حمدي ، المرجع السابق، ص 125، 126،127
(3) يونس علي حسن، المرجع السابق، ص 409
(4) المادة 06 من معاهدة بروكسل لعام 1924
(5) يونس علي حسن، المرجع السابق، ص 408،409.

أي التقصيرية (1) و قد عرفت المعاهدة بروكسل لعام 1924 في مادتها 01 بند "أ" بأنه يشمل أو يدل مصطلح "ناقل" على مالك السفينة أو مستأجرها المرتبط مع الشاحن بعقد نفل و بالتالي فليس لازما أن يكون الناقل مالكا للسفينة إذ يكتسب صفة الناقل كل من المستأجر و المجهز و الحائز حيازة مؤقتة للسفينة حالة ما إذا كان قد أبرم عقدا مع الشاحن أو أبرم العقد باسمه و يعرف هنا بالناقل المتعاقد، و على كل فإن الناقل الفعلي يحظى بصفة الناقل فيستفيد إذن من أوجه الإعفاء من المسؤولية.

ثانيا : تابع الناقل.

و هو كل تربطه بالناقل علاقة التبعية و التي قوامها ركن السلطة و ركن الإشراف و الرقابة و التوجيه، و على ذلك يعد الربان و البحارة و هم يرتبطون مع المجهر بعقد عمل بحري من تابعي الناقل، و لا يعد مقاول الشحن و التفريغ تابعا للناقل و لهم أن يتمسكوا بكل التحديدات و الإعفاءات التي يمكن للناقل أن يتمسك بها(2)

ثالثا : وكيل الناقل.

و كيل السفينة وكيل للناقل البحري و من ثم يكون له حق التمسك بأوجه الإعفاء المقررة للناقل البحري و هذا بصدد أخطائه الشخصية التي يرتكبها أثناء تأدية مهامه(3)(4)

هذا و إذا تحقق الضرر و لم يتمكن الناقل من قطع العلاقة السببية بين حصوله و فعله أو فعل مندوبية تعتبر مسؤوليته قائمة تستوجب التعويض لجبر هذه الأضرار.



_______________________________
(1) المادة 813 قانون بحري
(2) المادة 814 قانون بحري
(3) و رغم أن الربان يعد من تابعي الناقل إلا أنه بجانب ذلك هو نائب قانوني عنه و من ثم يكون للمضرور الرجوع على الربان بأي من الوصفين و يكون للأخير الدفع في مواجهة الدعوى المرفوعة عليه بأوجه الإعفاء المقررة للناقل البحري
(4) محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 153 و 154.



المبحث الثاني : التعويض عن المسؤولية.

التعويض هو إعطاء مقابل للمضرور عما أصابه من خسارة، و ينشأ الحق فيه من يوم نشوء الضرر أو من يوم اكتمال عناصر المسؤولية، و يكون صدور الحكم كاشفا للحق لا منشأ له(1).
و قد يحدد القانون هذا التعويض، و قد يتم الاتفاق عليه و هذا ما سندرسه في المطلب الأول : و هو التعويض في حالة تحديد المسؤولية، و قد لا يكون محددا فيتوجب على القاضي تقديره و هو موضوع المطلب الثاني: التعويض عن انعدام تحديد المسؤولية.

المطلب الأول : التعويض في حالة تحديد المسؤولية.

التعويض يكون محددا بحد أعلى لا يتجاوزه القاضي و هذا التحديد قد يكون بنص قانوني و قد يكون وفقا لاتفاق الأطراف.

الفرع الأول : التحديد القانوني.

في مقابل حرمان الناقل البحري من إدراج شروط إعفاء من المسؤولية في وثيقة الشحن، و لقد حددت معاهدة بروكسل لعام 1924 و القانون البحري مبالغ قصوى لمسؤوليته، أيا كانت هذه المسؤولية حتى لا ترهقه أعبائها فيعجز عن مواصلة الاستغلال و تطويره، ذلك أن خطأ واحدا في النشاط البحري قد يحدث من الأضرار ما يشكل تعويضها مبالغ ضخمة لا يستطيع الناقل مواجهتها، و أن إطلاق التعويض ينتج ارتفاعا في أسعار التأمين ضد المسؤولية.

و يسري التحديد القانوني لمسؤولية الناقل البحري سواء على مسؤوليته العقدية أو التقصيرية و يسري على دعاوى المسؤولية عن هلاك البضائع أو تلفها أو تأخير تسليمها، كما يستفيد أشخاص آخرون يشاركون في عملية النقل من التحديد القانوني للمسؤولية المقرر للناقل البحري حتى لا يفلت المضرور من هذا التحديد بموجب رجوعه عليهم إهدار لمبدأ التحديد القانوني للمسؤولية(2).


_______________________________
(1) علي علي سليمان، دراسات في المسؤولية المدنية في القانون المدني الجزائري، ديوان المطبوعات الجامعية، الطبعة الثانية، سنة 1994، ص 197.
(2) محمد كامل حمدي،المرجع السابق ، ص 167، 168.




و سريان التحديد القانوني لمسؤولية الناقل مناطه أن يكون الضرر قد حصل خلال النطاق الزمني لمسؤوليته و الممتد في الفترة التي تبدأ منذ تكلفه بها حتى تسليمها إلى المرسل إليه أو إلى ممثله القانوني(1). و الأضرار الواقعة خارج هذه الفترة تخضع لتطبيق أحكام القواعد العامة لجبر الضرر مما يستوجب معه تقرير التعويض الكامل هذا الأخير خاضع لجميع التعديلات من : إعفاء، تخفيف، أو تشديد وفقا لمبدأ حرية التعاقد.

و لا يسري التحديد إلا على عقد النقل البحري للبضائع بموجب سند الشحن، و بالتالي فهو غير ساري المفعول على النقل بموجب عقد إيجار السفينة إلا إذا صدر تنفيذا له سند الشحن.
و التحديد القانوني للتعويض يخص مسؤولية الناقل تجاه الشاحن أو المرسل إليه دون الغير الذي يصيبه ضرر من تنفيذ عقد النقل، هذا الأخير يستحق تعويضا كاملا(2)

فكيف يحدد مقدار الحد الأعلى للمسؤولية و ما هي الطبيعية القانونية لهذا التحديد؟

أولا : كيفية تحديد الحد الأعلى للمسؤولية.

إن تحديد مقدار الحد الأعلى لمسؤولية الناقل البحري لا يعد تحديدا جزافيا كما لا يعد شرطا جزائيا، و لقد بينت كل من معاهدة بروكسل عام 1924 و كذا القانون البحري مقدار الحد الأعلى لمسؤولية الناقل البحري و هو أمر يختلف بين هذه و ذاك.

1- مقدار الحد الأعلى في معاهدة بروكسل لعام 1924

لا يلزم الناقل في أي حال من الأحوال بسبب الهلاك أو التلف اللاحق بالبضائع أو ما يتعلق بها، بمبلغ يزيد على مائة جنية إنجليزي عن كل طرد أو وحدة أو على ما يعادل هذه القيمة بنقد عملية أخرى ما لم يكن الشاحن قد بين حبس البضاعة و قيمتها قبل الشحن و أن هذا البيان قد دون في سند الشحن(3)، إذن فالتعويض يحسب على أساس 100 جنيه إنجليزي عن كل طرد أو وحدة، فماذا نقصد بالطرد ؟ و ماذا نقصد بالوحدة؟
_______________________________
(1) المادة 802 قانون بحري
(2) محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 169،170.
(3) المادة 04 فقرة خامسا من معاهدة بروكسل لعام 1924.


أ/الطرد.
PACKAGE.
يفترض الطرد وضع البضاعة في غلاف كصندوق أو كيس يحمل أرقاما و علامات مميزة، فكل صندوق أو كيس يعتبر في هذه الحالة طردا(1) و كلمة طرد تعني أن البضاعة قد شحنت بعد حزمها في حزمة واحدة أو أكثر سواء تم تغليفها بورق أو ما شابه أو بوضعها في صندوق مثلا أو في أكياس أو اكتفى بتحزيمها بأربطة بحيث تكون كل حزمة معينة بذاتها، وهذه الطرود بذكر عددها في الشحن و على أساسها يتحدد الحد الأقصى لمسؤولية الناقل عن هلاك البضاعة أو تلفها أثناء الرحلة البحرية(2).

ب/وحدة الشحن.
UNIT.
الوحدة خاصة بالبضاعة التي تشحن صبا in bulk من غير تغليف و التي لا يعرف وزنها أو قياسها أو حجمها كالأخشاب و الغلال و الفحم و البترول، فالمقصود إذن وحدة الوزن أو المقاس أو الحجم التي تتخذ عادة أساسا لتحديد أجرة النقل سواء أكانت طنا متريا، أو كيلوغرام أو مترا مكعبا، فإذا اختلفت الوحدة الواردة في سند الشحن عن الوحدة التي تراعى في احتساب الأجرة كانت العدة بالوحدة الواردة في السند(3).

أ/ الحاويات.
CONTENAIRS.
إن تقدير الحد الأعلى للمسؤولية على أساس عدد الطرود و وحدات الشحن يثير صعوبة لما تجمع في حاوية، ذلك أن السؤال الذي يطرح هل أن المسؤولية تحسب على أساس عدد الطرود و الوحدات أم على أساس الحاويات نفسها؟
قد تعتبر الحاوية نفسها طردا، إلا أن الحاوية نفسه تحتوي على العديد من الطرود أو وحدات الشحن فإنه من غير العدل أن تعتبر الحاوية طردا و يعوض عنها على هذا الأساس ، لذلك استقرت بعض التشريعات (4) و كذا العمل القضائي و الفقه على اعتبار كل طرد أو وحدة شحن بالحاوية يعتبر طردا او وحدة مستقلة بشرط أن يذكر عدد الطرود أو الوحدات في سند الشحن و إلا اعتبرت الحاوية و ما فيها طردا واحدا أو وحدة مستقلة، و هي تعتبر كذلك إذا هلكت أو تلفت و من ثم تدخل في تقدير الحد الأعلى للتعويض بشرط ألا تكون مملوكة للناقل أو مقدمة منه.

_______________________________
(1) محمد كمال حمدي، نفس المرجع، ص 174
(2) قضاء محكمة النقض المصرية في 26/12/1988 طعن 1229 س 53 ق.
(3) محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 175.
(4) التشريع الفرنسي و المصري.



الحد الأعلى للتعويض بشرط ألا تكون مملوكة للناقل أو مقدمة منه.
و هناك من يقول أنه يجب تحديد مبالغ أعلى من ذلك (ثلاثة أمثال أو ربما أكثر) بالنسبة للحاوية، إذ يجب اعتبار طول الحاويات و التفرقة حسب حجمها بالمتر المكعب حيث توجد الحاويات الصغيرة و المتوسطة و الكبيرة(1)

فيعتد إذن بما يسلمه الناقل فعلا، فإذا كانت الحاوية تحتوي على 30 طردا فإن الناقل إذا كان قد تسلم هذا العدد من الطرود فإنه يلتزم إذا ما فقدت الحاوية، و كانت الحاوية مملوكة للشاحن أو مقدمه منه، بتعويض يعادل 31 مرة التحديد القانوني لمسؤوليته، إذ يضاف إلى عدد الطرود التي داخل الحاوية و التي تبلغ 30 طردا، الحاوية ذاتها باعتبارها طردا، أما إذا لم يتسلم الناقل إلا الحاوية ذاتها فإن التعويض يتحدد في قيمة طرد واحد فقط، على اعتبار أن ثمة فقد لطرد واحد فقط هو الحاوية.
و العبرة ليست بوضع الطرود من طرف الشاحن أو الناقل في حساب أو تقدير المسؤولية، و إنما بما تضمنه سند الشحن ذاته تحديدا لعدد الطرود و تعيبنا لها(1)

2- مقدار الحد الأعلى في القانون البحري.

إذا لم يصرح الشاحن أو ممثله بطبيعة و قيمة البضائع قبل شحنها على السفينة و لم يدون هذا التصريح في وثيقة الشحن أو أية وثيقة نقل أخرى مماثلة، فلا يعد الناقل مسؤولا عن الخسائر أو الأضرار التي تصيب البضاعة أو التي تتعلق بها بمبلغ يزيد عن 10000 وحدة حسابية عن كل طرد أو وحدة شحن أخرى أو 30 وحدة حسابية عن كل كيلوغرام يصاب بخسائر أو أضرار من الوزن الإجمالي للبضاعة للحد الأدنى المطبق، و بمقدار يعادل مرتين و نصف من أجرة النقل المستحقة الدفع عن البضائع المتأخرة التي لم تسلم في الوقت المتفق عليه أو في الوقت المعقول المطلوب من ناقل حريص أن يسلم فيه البضائع، و لكن لا تزيد عن مجموع أجرة النقل المستحقة بموجب عقد النقل البحري.




_______________________________
(1) - محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 177.


في حالة استخدام حاوية أو أية أداة أخرى لتجميع البضائع، فإن العبرة في حساب أي المبلغين أكبر لتحديد المسؤولية هي عدد الطرود المدونة في وثيقة الشحن أو أي وثيقة أخرى تثبت عقد النقل البحري.
و إذا تضررت أداة النقل نفسها ولم تكن مملوكة للناقل تعتبر وحدة شحن أخرى(1)

3-كيفية حساب الحد القانوني.

يقصد بالمائة جنيه وفقا للمادة 9/1 من المعاهدة مائة جنيه ذهب، و لكن نظرا لعدم جواز الدفع بالذهب في الجزائر فيجوز للناقل أن يدفع التعويض بنقود (سيولة) محسوبة على أساس سعر الذهب و ذلك يوم وصول السفينة إلى ميناء الوصول طبقا للمادة 9 فقرة ثالثا.
و مبادئ العدالة تقتضي احتساب التعويض على أساس السعر يوم الوفاء. و لقد استقر القضاء في تفسير هذا الشرط على دفع التعويض بالعملة الورقية بما يعادل مائة جنيه إسترليني ورق لا غير(2)، إلا أنه فسر من قبل العديد من الدول المنضمة للمعاهدة على أساس القيمة الذهبية لما يقابل العملات الوطنية، و أيضا جاء البروتوكول المعدل للمعاهدة في سنة 1968 مؤكدا هذا التفسير آخذا بالفرنك البوانكرية الذهب كأساس لتحديد التعويض(3).

و يقصد بالوحدة الحسابية وفقا للمادة 805 قانون بحري المعدلة (4) ، وحدة حساب متشكلة من خمسة وستين ميلغراما و نصف من الذهب على أساس تسعمائة من الألف في النهاية.
و يتم تحويل هذه الوحدة بالعملة الوطنية وفقا لأرقام مضبوطة . بيد أنه في حالة دعوى قضائية فسيتم التحويل حسب قيمة الذهب للعملة المذكورة و يكون ذلك في تاريخ النطق بالحكم.





_____________________________
(1)- المادة 805 قانون بحري
(2)- مبدأ في اجتهاد قضائي استقرت عليه محكمة النقض المصرية
(3)- قايد بهجت عبد الله، القانون البحري، مكتبة نهضة الشرق 1984، الطبعة الأولى، ص 301.
(4)- قانون رقم 98/05 المؤرخ في 25 جوان 1998 يعدل و يتمم القانون البحري.




ثانيا : الطبيعة القانونية للتحديد القانوني و مدى تعلقه بالنظام العام.

1-الطبيعة القانونية للتحديد القانوني لمسؤولية الناقل.

الأصل أن المسؤولية ذاتها لا يرد عليها التحديد و كذلك الأمر بالنسبة للتعويض وفقا لقواعد القانون المدني، و هو الذي يحدده المعيارين فوات الكسب و ما لحق من خسارة، و من ثم يجب أن يعتبر الحد الأعلى لمسؤولية الناقل البحري هو نوع من التعويض أو أحد صوره، و التحديد ليس إلا رغبة من الشرع في إقامة التوازن بين الشاحن و الناقل(1).
و التحديد القانوني لمسؤولية الناقل هو حد أعلى للمسؤولية، و من ثم فهو ليس جزافيا لقيمة الطرد أو وحدة الشحن، فلا يكون محل لتطبيق قاعدة النسبية، فالناقل يلتزم بتعويض كل الضرر الذي يصيب الشاحن إلا أنه يبرأ بدفع 100 جنية إنجليزي عن كل طرد أو وحدة و لو كان الضرر يزيد عن ذلك. كما أن التحديد القانوني لا يشبه بالشرط الجزائي إذ يقع على عبئ إثبات مقدار الضرر الذي لحق به طبقا للقواعد العامة، و يشمل كل من الضررين المادي و الأدبي، أما المادي يشمل ما فات المضرور من كسب و ما لحقته من خسارة.

و إذا ما أثبت المضرور مقدار الضرر فيعوض وفقا لأحد التصورات:
1-إما أن يكون مقدار الضرر يساوي الحد القانوني الأقصى فيرد إلى هذا الحد و لا يعوض إلا بقدره .
2-إما أن يكون مقدار الضرر يساوي الحد الأقصى للتعويض فيعوض بقدره أيضا
3-أما إن كان مقدار الضرر يقل عن الحد الأقصى للتعويض فإن المضرور لا يجوز تعويضه إلا بقدر الضرر الذي أصابه و إلا اعتبر إثراءا بلا سبب.

2- مدى تعلق التحديد القانوني للمسؤولية بالنظام العام.

أحكام مسؤولية الناقل البحري تتعلق بالنظام العام، فالقاضي يعمل بها دون أن يتوقف على تمسك الناقل بها، و إذا ما طالب المضرور بالتعويض دون بيان الضابط الذي يقدر على أساسه التعويض فإن القاضي يحكم بهذا التقدير. و عليه لا يجوز تغيير أحكامه ، و نفرق إذا ما تم الاتفاق على الإنقاص أو الزيـــــادة






في الحد الأقصى، فإن جاءت للإنقاص كان باطلا بطلانا مطلقا، أما إذا جاءت بأكثر ما هو محدد قانونا فالاتفاق صحيح و نافذ(1)

الفرع الثاني : التحديد الاتفاقي .

لقد توصلنا إلى أن التحديد القانوني من النظام العام لا يجوز الاتفاق على مخالفته، لكن هذه القاعدة يرد عليها استثناء هو إمكانية اتفاق الأطراف على الحد الأدنى و جوازية هذا الأمر وفقا لما نصت عليه المادة قانون مدني حيث يجوز للمتعاقدين أن يحددا مقدما قيمة التعويض بالنص عليها في العقد أو في اتفاق لاحق(2)، و عليه فإن نطاق هذه الجوازية لا يعدو الحالات الآتية:

أولا : الاتفاق على حد يجاوز الحد القانوني.

عندما ينص القانون على حد أعلى، فإن الأطراف يمكنهم الاتفاق على أن يتحمل الناقل المسؤولية بمقدار يتجاوز الحد القانوني(3) و السبب يعود إلى أن الحد القانوني وجد لحماية الناقل، فإذا تنازل عنه فلا مانع في ذلك، و يكون ذلك صحيحا حتى و لو وصل إلى إلغاء حدود المسؤولية أصلا، بحيث يتحمل الناقل كامل الضرر، بشرط ألا يكون الحد الأقصى المتفق عليه أقل من المبلغ المحدد وفقا للحد القانوني.

ثانيا : الاتفاق على تحديد المسؤولية في فترة زمنية أو مرحلة من مراحل تنفيذ العقد.
لقد أجازت كل من معاهدة بروكسل و القانون البحري المجال لطرفي العقد للنص أو الاتفاق على تحديد المسؤولية بمبلغ كيف ما شاء اخارج نطاق المرحلة البحرية الممتدة منذ تكفل الناقل بالبضاعة إلى غاية تسليمها للمرسل إليه أو ممثله القانوني(4).

ثالثا : الاتفاق على تحديد المسؤولية لبضائع معينة.

هناك من البضائع تفرض خصوصية طبيعتها أو طريقة نقلها معاملة معينة و نقلها قد يرتب مسؤولية الناقل، هذه المسؤولية أجاز القانون للأطراف الاتفاق.

______________________________________
(1)- محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 178، 179.
(2)- المادة 182 قانون مدني.
(3)- المادة 04 فقرة ثالثا معاهدة بروكسل لعام 1924.
(4)- المادة قانون بحري و المادة معاهدة بروكسل لعام 1924.























على حد معين خلافا الحد القانوني وتتمثل في :

1- نقل الحيوانات:
يرخص طبقا للمادة 812 قانون بحري بند " ب " بكل الشروط المتعلقة بتحديد المسؤولية أو التعويض في نقل الحيوانات ، وهو في القانون البحري (الاتفاق ) استثناء على الحد القانوني ، كما صرحت معاهدة بروكسل لعام 1924 بإخراج نقل الحيوانات من دائرة تطبيقها ، وعليه فانه يجوز للأطراف الاتفاق على أي تعويض يخالف الحد القانوني زيادة أو نقصانا طالما لا تعتبر ناجمة عن مسؤولية الناقل البحري في تنفيذ عقد النقل البحري للبضائع بسند الشحن وفقا لإٌحكام المعاهدة .

2 - نقل البضائع على السطح .
كما رخصت أيضا المادة 812 قانون بحري بند " ب " بالاتفاق حول تحديد المسؤولية و التعويض إذا ما تعلق الأمر بنقل البضائع على السطح

المطلب الثاني : التعويض عن انعدام تحديد المسؤولية

إذا كانت القاعدة هي احترام التحديد لمسؤولية الناقل البحري إلا أن المعاهدة أجازت استثناءا الخروج عن هذه القاعدة بحيث يكون للشاحن الحق في تعويض كامل عن الضرر بصرف النظر عن التحديد الوارد في المعاهدة وذلك في أحوال معنية(1) ويقوم القاضي بتحديد وتقويم هذا التعويض وفقا للمعايير المألوفة في القواعد العامة :

الفرع الأول : الحالات المستثناة من التحديد

للناقل التمسك بأحكام تحديد المسؤولية ولتابع الناقل ذات الحق شرط أن يثبت أن الخطأ قد ارتكب وقت تأدية وظيفته أو بسببها. على أن ثمة حالتين تدلان عن سلوك شائن wilful MISCONDUCT من جانب الناقل أو من نائبه أو من أحد تابعيه هما أن يكون الضرر قد نشأ عن فعل أو امتناع من أي منهم بقصد أحداث الضرر أو بعدم اكتراث مصحوب بادراك أن ضررا يمكن أن يحدث ،وفي أي من هاتين الحالتين لا يكون الناقل جديرا بالرعاية ومن ثم يحرم من التمسك بالتحديد القانوني (2).

__________________________
(1)-قايد بهجة عبد الله، المرجع السابق، ص 301.
(2)-محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 185.




أولا : السلوك الإداري الناقل :

تـقضى المادة 04 فقرة خامسا من معاهدة بروكسل لعام 1924 لا يجوز أن تتعدى مسؤولية الناقل الحد الأقصى المذكور في أي حال من الأحوال ، ولقد جاء حكم هذه المادة مطلقا ، لكن بالرجوع إلى نص المادة 809 قانون بحري نجدها تقضي بأنه لا يحق للناقل الاستفادة من حدود المسؤولية المذكور في المادة 805 أعلاه إذا تبين بأن الخسارة أو الضرر الذي لحق بالبضاعة تنج عن عمل أو إهمال من قبل الناقل سواء كان تعمد لإحداث الضرر أو بالمجازفة مع التيقن من حدوث الضرر على الأرجح .

فيفترض ابتداء حسن نية الناقل في تنفيذ التزاماته، فإذا ما بدر من الناقل أو نائبه أو أحد تابعيه سوء سلوك إرادي يتمثل في فعل أو امتناع يخل بهذا التوازن وجب حرمان الناقل من التمسك بتحديد مسؤوليته ذلك أن المسؤولية المحدودة ميزة قررت لتخفيف عبئ المسؤولية عن الناقل ومن المنطق ألا يستفيد منها إلا إذا كان جديرا جمعا ولا يعتبر كذلك إذا ما تعمد إحداث الضرر أو إهمال ذريعا لا يغتفر(1).

1- العمـــــد أو الغـــــــش.
DOL OR INTENT

إذا قصد الناقل أو نائبه أو أحد تابعية بفعله أو امتناعه الذي نشأ عنه الضرر أحداثه فلا شك أن تكون في مواجهة العمد أو الغش والقاعدة أن الغش يفسد كل قواعد القانون، فماذا نقصد بالغش؟ يعتبره البعض مرادفا للخطأ العمدي، وهو انصراف إرادة الناقل إلى ارتكاب فعل أو امتناع مع علمه التام بأن من شأنه حصول ضرر ومع ذلك يقدم على ارتكابه لكن لا يشترط توافر قصد الإضرار بصاحب البضاعة و ذلك بخلاف المفهوم التقليدي الذي كان يتطلب في تعريفه لفكرة الغش توافر نية الأضرار ويقع على المتضرر عبئ إثباته.



______________________________
(1) – محمد كمال حمدي، المرجع السابق، ص 186، و بهجت عبد الله قايد، المرجع السابق،ص 302،ص 303.





2- عــــدم الاكتــــراث .
RECKLESS DISREGARD

تتحقق فكرة عدم الاكتراث عندما يعلم الناقل بأنه من المحتمل وفقا لمجريات الأمور أن يترتب على فعله أو امتناعه الإرادي هلاك أو تلف أو تأخير وصول البضاعة محل عقد النقل ويقدم مع ذلك على ارتكاب الفعل أو الامتناع غير مكترث بالضرر الذي سوف يحدث، فهو ينطوي إذن على عنصرين :

أ-أن تنصرف إرادة الناقل إلى ارتكاب الفعل أو الامتناع، فإذا كان الفعل غير إرادي فلا يعد عدم اكتراث ويحق للناقل أن يتمسك بتحديد المسؤولية.
ب-أن يكون الناقل وقت قيامة بالفعل على يقين باحتمال وقوع الضرر.

و فيصل التفرقة بين العمد وعدم الاكتراث يكمن في أن الناقل يعلم على وجه أكيد بحدوث الضرر في حالة العمد أما في حالة عدم الاكتراث فان الناقل يعلم باحتمال وقوع الضرر وفقا لمجريات الأمور.

ثانيا : تقديم الشاحن بيان بطبيعة البضاعة و قيمتها

إذا لم يصرح الشاحن أو ممثله بطبيعة وقيمة البضاعة قبل شحنها على السفينة ولم يدون هذا التصريح في وثيقة الشحن أو أية وثيقة نقل أخرى مماثلة فلا يعد الناقل مسؤولا عن الخسائر أو الأضرار التي تصيب البضاعة (1) والأساس الذي ينبني عليه عدم تحديد المسؤولية أن الناقل على علم بالطبيعة الخاصة لهذه البضاعة ويقبل أو يتعهد بالتزامه بنقل البضاعة رغم معطياتها الخاصة ويسلمها عند الوصول سليمة ومن ثم يستطيع التأمين على مسؤوليته ونقل تكاليف التأمين إلى الشاحن في صورة زيادة أجرة النقل عن الاجرى المعتادة (2).



____________________________
(1)- المادة 805 قانون بحري .
(2)- ويحدث هذا في نقل البضائع الناذرة الكبيرة القيمة المادية والمعنوية كاللوحات الفنية والقطع الأثرية والتحف و المخطوطات القديمة ومخلفات العباقرة والمعادن الكريمة والأجهزة الدقيقة ، والغالب أن يتقاضى الناقل أجرة إضافية لقاء العناية الخاصة بالبضاعة ، وبسبب هذه الظروف سلبه القانون ميزة تحديد المسؤولية بشرط ذكر البيان الخاص بالبضاعة في سند الشحن ، محمد كمال حمدي،المرجع السابق ، ص195



وحتى ينتج البيان آثاره من حرمان الناقل من تحديد مسؤليته يجب أن تتوافر فيه شروط نحصرها في :
1- أن يقدم الشاحن هذا البيان قبل الشحن ، وقد يقبله الناقل بعد ذلك فيصبح ملزما له.
2- أن يتضمن البيان طبيعة البضاعة وقيمتها معا ، مما يمكن الناقل من إعداد المكان المناسب لها على ظهر السفينة والمعاملة التي تستحقها ومن جهة أخرى التأمين عليها.
3- أن يدرج هذا البيان في سند الشحن ، ولا يغنى ذكره على سند آخر.

فإذا ما ذكر البيان على هذا النحو وحصل هلاك كلى يلتزم الناقل بدفع كافة القيمة المعلنة في سند الشحن ، وإذا كان جزئيا فيلتزم (التلف أيضا) فيعوض بنسبته ، ويعتبر هذا البيان حجة على الناقل وقرينه على صحة طبيعة وقيمة البضاعة الواردة به و موافقته عليها و رضائه بزيادة مسؤوليته لتغطية تلك القيمة بالكامل ، لكنها قرينة بسيطة يمكن للناقل دحضها بكافة طرق الإثبات.

وإن تمكن من إثبات عدم صحة البيان المدرج في سند الشحن، كأن يثبت عدم صحة البيان المتعلق بطبيعة البضاعة ، فانه يظل مسؤولا بقدر قيمة هذه البضاعة طالما أن البيان إليها لا يزال صحيحا (لم يتمكن من إثباته ) كما أنه يعوض في حدود قيمة البضاعة المذكورة بسند الشحن مهما كانت قيمتها الحقيقية .















__________________________
(1)- محمد كمال حمدي، المرجع السابق، من ص 185 إلى ص 200.


الفرع الثاني : إثبات التضرر و تقدير التعويض.

أولا : إثبات الضرر و إجراءات المعاينة.
أ / إثبات الضرر.
1- الإثبات في حالة الهلاك.

الهلاك قد يكون كليا و قد يكون جزئيا، ففي الحالة الأولى يكفي صاحب الحق تقديم دليل على استحالة تمكن الناقل من تسليم مجموع البضاعة المسلمة له للنقل ، فيجب عليه تقديم الدليل بأن الناقل قد تكفل فعلا بالبضاعة و أنه يصبح منذ هذه اللحظة حارسا عليها بمفهوم نص المادة 138 قانون مدني، هذا الدليل يمكن إقامته بجميع الوسائل.
أما الحالة التي يكون فيها الهلاك جزئيا فإن الأمر لا يتعلق بإثبات استحالة التسليم للبضاعة كاملة، و إنما تقديم دليل على وجود اختلاف أو نقص بين البضاعة المستلمة حقيقة و تلك التي وضعت تحت عهدة الناقل، و المتضرر هنا يمكنه الاحتجاج بوثائق النقل المتيسرة له و التي –كما سبق شرحه- تحتوي على العديد من البيانات الخاصة بوزن البضاعة أو عدد الطرود، و في هذا الصدد يمكنه أن يفرض حتمية الوزن أو العد الوسيلتان الناجعتان لإظهار النقص بجلاء، و وثيقة العد أو الوزن تقوم دليلا على أهمية و كمية البضاعة الهالكة.

2- الإثبات في حالة التلف.

على الشاحن أو المرسل إليه إثبات أن التلف كان موجودا وقت تسليم البضائع، ومن ثم فيستحسن التأكد من حالة البضاعة قبل الشروع في التسليم، و الضرر المراد إثباته إما ظاهر بمجرد معاينة عادية لطبيعة البضاعة، و قد يكون غير ظاهر فيستعان بالخبرة. و في كل الأحوال على الشاحن إثبات حقيقة الضرر و أسبقيته على التسليم، فيسهل الإثبات قبل التسليم لكنه أمر يصعب تحقيقه في أي لحظة أخرى عداها. لكن الخبرة يمكنها أن تساعد في التحديد الدقيق للحظة وقوع الضرر.

3- إثبات الضرر في حالة التأخر.

ليس على المتضرر فقط إثبات التأخر و إنما وقوع الضرر أيضا من جراء التأخر، هذا الدليل يمكن إقامته بكل الوسائل، و بدون انتظار وصول البضاعة لإجراء المعاينة، فالشاحن (المرسل إليه) يمكنه و منذ انتهاء آجال الوصول المتفق عليه أو العـــــادي



(بحسب الأحوال) توجيه إعذار للناقل للتسليم و الذي يعبر فيه بعبارات واضحة عن تحفظاته بشأن الأضرار التي أصابته من جراء التأخير(1)(2).

ب / إجراءات معاينة الضرر.

يسمح للمرسل إليه أو من ينوبه قبل استلام البضائع التحقق من أهمية و حالة البضاعة التي تقدم إليه من قبل الناقل، و ذلك عن طريق خبرة، شريطة أن يتحمل مصاريف الخبرة صاحب الطلب لإجرائها.
و إذا ما تبين من المعاينة وجود نقص أو ضرر بالبضاعة مما يوجب مسؤولية الناقل، فإن هذا الأخير هو من يتحمل مصاريف هذه الخبرة(3).

و الخبرة المنصوص عليها في المادة 789 قانون بحري اختيارية قد يبادر بها أي طرف، لكن إذا بادر أحد الأطراف بإنجاز هذه الخبرة فلا يجوز له الاحتجاج بها في مواجهة الطرف الآخر إلا إذا اتخذ جميع الإجراءات التي تضمن وجاهية الإجراء.

كما أنه لا يجوز إبداء الاحتجاجات ضد الخبرة المتضمنة لمجموعة الوقائع المعاينة و التي تثبت مسؤولية أحد الأطراف و أعترف هذا الأخير بصدقها، لأن النزاع هنا يعتبر محسوما في إطار هذا الإجراء الودي المدرج في الخبرة، و في الحالة العكسية يلجأ إلى القاضي لتحديد المسؤوليات(4).




_______________________________________________

(1) - AMAR ZAHI, OPCIT, de la page 146 à la page 151.
(2) – قرار المحكمة العليا في 11 أفريل 1995، ملف رقم 119292،نشرة القضاة العدد 49.
(3)- المواد 788، 789 قانون بحري
(4)- يجب احترام إجراءات المعاينة عند وصول البضاعة كشرط لتحديد مسؤولية الناقل، قرار المحكمة العليا في 15 /02/1993، ملف رقم 89835، نشرة القضاة العدد 51،و قضت بأنه عندما يكون الضرر ناتج من نقص البضاعة إثبات التعويض بشهادة عدم التفريغ إلا أن الأمر قد يتطلب إثباته بتقدير الخبرة في القرار الصادر في 11 أفريل 1995 ملف رقم 119292، نشرة القضاة عدد 49. كما قضت بأن السلطة التقديرية للقاضي في طلب تقديم وثيقة ذات صلة بالنزاع لا يمس بمبدأ حياد القاضي (م 43 ق إ م) و ما دام الطلب قبل إقفال باب المرافعة في القرار الصادر في 05/03/1989 ملف رقم 53882، غير منشور، الموسوعة القانونية لدار الهلال ( قرص مضغوط).






ثانيا : تقديــر التعويــــض.

الضرر هو ركن من أركان المسؤولية فان لم يحدث ضررا فلا تقوم المسؤولية، وتكون دعوى التعويض غير مقبولة لانعدام المصلحة في رفعها ،ويمكن اعتباره المقابل المادي المقوم بالنقد و الذي يرى فيه القضاء عوضا عما أصاب المضرور من خسائر أو ما فاته من كسب وقد يصيب المدعي إما ضرر مادي واما ضرر معنوي وكليهما يقبلان التعويض :
أ ) الضرر المادي هو الذي يصيب الشخص في جسمه أو ماله و يشترط فيه أن يكون ناشئا عن الإخلال بمصلحه مشروعة والثاني أن يكون محققا.
ب) الضرر الأدبي (المعنوي ) هو الذي يؤذي الإنسان في شعوره أو عاطفته فيسبب له ألما أو حزنا وهو عكس الضرر المادي لا يمس مصلحة مالية للمضرور و يشترط فيه أن يكون محققا غير احتمالي، وينتقل الحق في التعويض عن الضرر المعنوي إذا ما اتفق بشأنه الطرفان من حيث مبدئه ومقداره أو إذا ما رفع المضرور دعوى فعلا أمام القضاء(1).

ويقدر التعويض على أساس الضرر وبقدر كل الضرر فهو يتناسب معه ومن ثم فلا تعويض حيث لا ضرر، وفي حالة وجوده فيقدر التعويض على أساس كل الضرر الناجم عن التأخير في التنفيذ أو عدم التنفيذ (2). فإذا لم يكن التعويض مقدرا في العقد أو في القانون فالقاضي هو الذي يقدره ، ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب(3) فالتعويض عما لحق الشاحن من خسارة هو ضرر مادي يخل بمصلحة مشروعة و خاصة أنه محقق فعلا عكس تفويت الكسب ، فهل تفويت الفرصة ضرر محقق أو احتمالي وهناك فرق بين تفويت الفرصة PERTE D UNE CHANCE والضرر المحتمل ذلك أن الفرصة ذاتها وان كانت أمرا محتملا ، إلا أن تفويتها أمر محقق ومن ثم تصلح لأن تكون أساسا لدعوى التعويض، و يراعى في تقدير هذا التعويض مدى احتمال الكسب الذي ضاع على المضرور من جراء تفويت الفرصة عليه.








_________________________
(1)- د.محمد المنجي، دعوى التعويض (مراحل الدعوى من تحرير الصحيفة إلى الطعن بالنقض)، توزيع دار الفكر العربي، الطبعة الأولى1990، ص 183 ، 184 ، 185.
(2)- د.محمد حسنتي، الوجيز في نظرية الالتزام، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر 1983،ص259.
(3)- المادة 182 فقرة 1 قانون مدني.

إذن فالحد الذي يقوم عليه التعويض هو :

أولا: الضرر المباشر دون الأضرار غير المباشرة، و الضرر المباشر هو ما يعتبر نتيجة مباشرة أو طبيعية لعدم تنفيذ الالتزام أو التأخير فيه، إذا لم يكن في استطاعة الدائن أن يتوقاه ببذل جهد معقول، ذلك أن السير الطبيعي للأمور يقتضي أن يقوم الدائن من ناحيته ببذل جهد معقول لاتقاء تعاقب الأضرار فلا يترك الأمور تتدهور إلى مالا نهاية ، طبقا للمادة 182/1 من القانون المدني.

ثانيا: الضرر المتوقع دون الأضرار غير المتوقعة، فيسأل فقط عن الأضرار المباشرة المتوقعة دون الأضرار المباشرة غير المتوقعة، وهو ما يتفق مع إرادة العاقدين المفترضة، فالضرر غير المتوقع لم يدر بخلد العاقدين ومن ثم لا يدخل في نطاق العقد ، فلا يكون العاقد مسؤولا إلا عن الضرر المتوقع عادة وقت التعاقد، لا المتوقع بعد التعاقد : طبقا للمادة 182/2 من القانون المدني .

ومعيار التوقع هو معيار موضوعي، ويقال أن الضرر يجب أن يكون متوقعا من ناحية سببه ومن ناحية مداه معا.
فهل يسأل المتعاقد من الأضرار غير المتوقعة في بعض الأحيان؟ بصفة استثنائية يسأل في حالة ارتكابه غشا إذا ما تعمد التأخير في التنفيذ أو إذا تعمد عدم التنفيذ، فالغش يفسد كل شيء، وتلحق بحالة الغش حالة الخطأ الجسيم (الذي لا يرتكبه أقل الناس تبصرا) والذي يعد قرينه على سوء النية، ومع ذلك تبقى قرينة بسيطة تقبل اتباث العكس طبقا للمادة 182/ 2 قانون مدني (1).

والأصل هو التنفيذ العيني، والعدول عنه إلى التعويض النقدي هو رخصة لقاضى لموضوع كلما رأى في التنفيذ العيني إرهاقا للمدني على ألا يلحق ذلك بالدائن ضررا جسميا.

كما لا يجوز الجمع بين التعويضين يتضمن أحدهما الآخر، و يجوز للقاضي الخفض من التعويض و لو كان متفقا عليه إلى الحد الذي يتناسب مع مقدار الضرر الحقيقي، كما أن عدم وصول المحكمة بالتعويض وجعله مساويا للضرر الحقيقي فانه يكتفي بتقديره في مبلغ رمزي مناسب وهو يحدث غالبا عند التعويض عند الضرر المعنوي(2).
_________________________________
(1)-محمد حسين، المرجع السابق،ص 259 ، 260.
(2)- المنجي محمد، المرجع السابق، ص 340 ، 341، 342، 343.



أما فيما يخص وقت تقدير التعويض فان العبرة بقيمته وقت الحكم به وليس بقيمته وقت وقوعه (1) والعملة التي يقدر بها التعويض فهي العملة الوطنية عند عدم اتفاق المتعاقدين على نوع التعويض أو مقداره عند إخلال أحدهما بالتزاماته المترتبة على العقد حتى و لو تم الاتفاق على الوفاء بعملة أجنبية.

والتعويض يقدره القاضي وفقا للمادة 131 قانون مدني فتقدير التعويض يعد من المسائل الواقعية التي يستقل بها قاضى الموضوع متى تبين العناصر المكونة له ، ومن سلطة قاضى الموضوع الاستهداء بمعايير معينة لتقدير التعويض حال عدم وجود نص ملزم (2) وهذا خارج الحالة المحددة في المادة 805 قانون بحري.



















________________________________
(1)-أي هل أن الحكم بالتعويض كاشفا للحق أو منشئ ؟ الحكم بالتعويض في الحقيقة كاشف للحق في التعويض أو مقرر له لأن الذي أنشأ الحق هو الضرر، فحق الدائن في التعويض نشأ له من يوم وقوع الضرر وهو رأي الفقه في فرنسا، وهو رأي سديد من الناحية النظرية، لأنه إذا قام المسؤول بالوفاء بالتعويض بغير صدور حكم يكون الوفاء بالتزام غير موجود.
غير أن محكمة النقض الفرنسية قضت بأن الحكم بالتعويض منشئ للحق ونحت في ذلك منحى عملي أكثر انطباقا على العدالة حيث يكون الضرر متغيرا فيعتد بمقداره وقت الحكم فإذا ساءت الأحوال من يوم وقوع الضرر أو تحسنت روعي هذا الاعتبار أو ذاك عند تقدير التعويض، كذلك قد تغيير قيمة النقود وهي الكفة الأخرى في ميزان التقدير، فيحسب التعويض على أساس قيمتها وقت الحكم فإذا ساءت الأحوال من وقوع الضرر أو تحسنت روعي هذا الاعتبار أو ذاك عند تقدير التعويض، كذلك قد تتغير قيمة النقود وهي الكفة الأخرى في ميزان التقدير ، فيحسب التعويض على أساس قيمتها وقت الحكم حتى لا يستفيد الدائن من إطالة أمد النزاع .د.حسنين محمد، المرجع السابق، ص 261.

(2)- د. محمد المنجي، المرجع السابق، ص 356 ، 359 ، 360.