منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - من كل سورة فائدة .. متجدد..
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-12-23, 09:49   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
حنين موحد
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية حنين موحد
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

مُجَاهدةُ مُخالِفِي القُرآن على تَنْزِيله و علَى تَأْوِيلهِ



أريدُ أن أُنبّهَ في هذه السّورة على بعض الفوائدِ المتعلّقة بكتابِ الله عزّ و جلّ :
الفائدةُ الأولى :
نوَّهَ الله بشأنِ كتابهِ في هذه السّورة مرّاتٍ عديدة ، و بيَّن ما فيه من هداية للبشريّة و إسعادٍ لحياتهم في الحال ، و ما يؤول إليه أمرُهم في الآخرة من كرامةٍ و حُسنِ مآل ، و من ذلك أنّ الله افتتح السّورة بذكر كتابه المُنزَّل ، فقال : ﴿ الۤمۤ . ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى للْمُتَّقِينَ ( البقرة : 1-2 ) ، و أعاد ذكره مرّةً ثانيةً في وسط السّورة ، فقال : ﴿ قُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ و َمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا و َمَآ أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَ إِسْمَاعِيلَ و َإِسْحَاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ ٱلأَسْبَاطِ و َمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَ عِيسَىٰ وَ مَا أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ منْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ( البقرة : 136 ) ، و أعاد ذكره مرّةً ثالثةً ، فقال : ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ ٱللَّهَ نَزَّلَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقّ ( البقرة : 176 ) ، و غيرها من الآيات .
الفائدةُ الثّانيةُ :
يُلاحَظُ في هذه السّورة أنّه كثيرًا ما يُقرَن الحديثُ عن كتاب الله بالحديث عن الاختلافِ فيه ، و أنّ ذلك ينتج الشِّقاقَ بين النّاس ، من ذلك ما جاء في الموضع الأوّل ، فقد ذكر الله انقسامَ النّاس في الإيمان بكتابه إلى ثلاثةِ أقسامٍ :
القسمُ الأوّلُ : هم أهل الهدى المفلحونَ ، الّذين التزموا بالكتاب ظاهراً و باطناً ، قال الله فيهم : ﴿ أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى من رَّبهِمْ وَ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ ( البقرة : 5 ) .
القسمُ الثّاني : هم أهلُ الكفر ، الّذين نبذوا الكتاب ظاهراً و باطناً ، قال الله فيهم : ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ( البقرة : 6 ) .
القسمُ الثّالث : هم أهل النّفاق ، الّذين التزموا بالكتاب ظاهراً و كفروا به باطناً ، و هم الّذين يتظاهرون مع أهل الإيمان بالإيمان و قُلُوبهم مع أهلِ الكفران ، قال الله فيهم : ﴿ وَ مِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَ مَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ( البقرة : 8 ) ، و انظر " الرّحلة إلى إفريقيا " للعلاّمة محمّد الأمين الشّنقيطيّ رحمه الله ص ( 18-19 ) .
و أمّا الموضعُ الثّاني ، فقد حذّرَ الله من الاختلاف في الإيمان بكلامه المُنزّل ، و بيّن أنّ الشِّقَاقَ هو نتيجتُه الأولى ، فقال : ﴿ فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ وَ إِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ( البقرة : 137 ) .
و أكّده في الموضع الثّالث ، فقال : ﴿ وَ إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِي ٱلْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ( البقرة : 176 ) .
و اعلم أن الشّقاق المقرونَ بكلام الله في هذه الآيات يحصلُ لسبَبَين مَذْمُوميْنِ :
الأوّلُ : اختلافٌ في تنزيله ، كالّذي وقع من المِلَلِ ، و هو الكفر الصِّرفُ ؛ لأنّه يتمثّلُ في الإيمان ببعض الحقّ المنزّل و الكفر بالبعض الآخر ، و لم ينْجُ من هذا الكفر إلا هذه الملّةُ الإسلاميّةُ ؛ فإنّ اليهودَ آمنوا بكتابهم و كفروا بما أُنزل على محمّدٍ صلّى الله عليه و سلّم ، و النّصارى آمنوا بكتابهم و كفروا بما أُنزل على محمّدٍ صلّى الله عليه و سلّم ، و أمّا أمّةُ محمّدٍ صلّى الله عليه و سلّم فإنّهم – مع إيمانهم بما أُنزل على محمّد صلّى الله عليه و سلّم – قد آمنوا بالكتاب المنزّل على موسى صلّى الله عليه و سلّم و الكتاب المنزّل على عيسى صلّى الله عليه و سلّم ، و لعلّه من أجل هذا افتُتِحت السّورةُ بضرورة الإيمان بالكلّ ، قال الله عزّ وجلّ في مطلَع هذه السّورة : ﴿ و ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ مَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ ( البقرة : 4 ) ، كما خُتِمت به ، حيث قال الله عزّ وجلّ في آخرها : ﴿ آمَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبهِ وَ ٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَ مَلاۤئِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ من رُّسُلِهِ ( البقرة : 285 ) ، فجمعَ الكتب ؛ لأنّ الواجبَ الإيمانُ بجميع الحقّ المنزّل الّذي لم تَنَلْهُ يدُ التّحريف ، و أمّا الإيمان ببعضٍ دون بعضٍ فهو الاختلافُ المذمومُ ، كما قال تعالى في السّورة نفسها : ﴿ كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيينَ مُبَشرِينَ وَ مُنذِرِينَ وَ أَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ وَ مَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقّ بِإِذْنِهِ وَ ٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ( البقرة : 213 ) ، فقد بيّن الله ههنا أنّ الّذين آمنوا ببعض ما أَنزل و كفروا ببعضٍ هم المتَسَبِّبون في افتراقِ البشريّة ، و هؤلاء هم أهل الكتاب ، و لذلك دعاهم إلى الاتّحاد على الحقّ فأبَوْا إلاّ كُفوراً ، كما قال : ﴿ قُلْ يٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَىٰ كَلَمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمْ الآية ( آل عمران : 64 ) ، و قد روى عبدُ الرّزّاق ( 15946 ) بسندٍ صحيحٍ عن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال : " من كفر بحرف من القرآن ، فقد كفر به أَجْمَعْ " .
و الثّاني : اختلافٌ في تأويله ، و هذا الّذي حصل للفرق المسلمة الّتي خرجت عن جماعة المسلمين ببدعةٍ ما ، و كلّ من انحرف عن الصّدر الأوّل انحرف بسبب تأويل كلام الله على غير مراد الله .
و إذا كانت مجاهدةُ من كفر بالقرآن المنزّل معلومةً ، فليُعلم أنّ مجاهدةَ المبتدعة على تأويل القرآن مطلوبةٌ لحفظ وِحْدة هذه الأمّة ، و قد جاءت الرّوايةُ بذلك ، قال أبو سعيدٍ الخدريّ : " كنّا جلوساً ننتظرُ رسولَ الله صلّى الله عليه و سلّم ، فخرج علينا من بعض بيوت نسائه ، قال : فقمنا معه ، فانقطعت نَعْلُه ، فتخلّف عليها عليٌّ يخصفها ، فمضى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم و مضينا معه ، ثمّ قام ينتظره و قمنا معه ، فقال : إنّ منكم من يُقاتِلُ على تأويل هذا القرآن كما قاتلتُ على تنزيله ، فاستَشْرَفْنا و فينا أبو بكرٍ و عمرُ ، فقال : لا ! و لكنّه خاصفُ النّعل ، فجئنا نبشّره ، قال : و كأنّه قد سمعه " رواه أحمد ( 3/82 ) و ابن حبّان ( 6937 ) و الحاكم ( 3/122-123 ) ، و صحّحه هو و الذّهبيّ ، و انظره في " السّلسلة الصّحيحة " للألبانيّ ( 2487 ) ، و هذا في قتال أهل البدع و الأهواء ؛ فإنّ الله أكرم عليًّا رضي الله عنه بقتال أوّل فِرْقَةٍ خرجت عن جماعة المسلمين بسبب سوء تأويلها لكتاب الله ، و هي فرقة الخوارج ، و شرحه ابنُ حبّان في " صحيحه " بأن بوّب له بعده بقوله : " ذكرُ وصفِ القوم الّذين قاتلهم عليٌّ رضي الله عنه على تأويل القرآن " ، ثمّ ذكرَ قتالَه الخوارج ، و لذلك قال يوسفُ المَلْطِيّ في " المُعتصر من المُختصر " ( 1/221 ) عقبَ هذا الحديث : " و مما حقّق الوعدَ ما كان من قتال عليٍّ للخوارج " .
و الخلاصةُ أن الله قرََنَ بين التّنويه بكتابه و بين التّحذير من الفُرقة و الشّقاق ؛ لأنّ ذلك يقع عند الاختلاف في الإيمان بكلامه ، حتّى ينكرَ المخالفُ الحقّ الّذي عند غيره ، كما قال الله عزّ وجلّ : ﴿ وَ قَالَتِ ٱلْيَهُودُ لَيْسَتِ ٱلنَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَ قَالَتِ ٱلنَّصَارَىٰ لَيْسَتِ ٱلْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَ هُمْ يَتْلُونَ ٱلْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَٱللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ( البقرة : 113 ) ، كما يقع عند الاختلاف في تأويل كلام الله ، قال ابنُ تيمية في " تفسير آيات أَشْكَلت " ( 2/704 ) : " فإنّ الأمّة اضطربت في هذا اضطراباً عظيماً و تفرّقوا و اختلفوا بالأهواء و الظّنون بعد مُضيّ القرون الثّلاثة ، لمّا حدثت فيهم الجهميّة المشتقّة من الصّابئة " ، ثمّ ساق بعض الآيات السّابقة ، و قال متحدّثاً عن القرآن : " و الاختلافُ فيه نوعان : اختلافٌ في تنزيله ، و اختلافٌ في تأويله ، و المختلفون الّذين ذمّهم الله هم المختلفون في الحقّ ، بأن ينكرَ هؤلاء الحقّ الّذي مع أولئك و بالعكس ؛ فإنّ الواجبَ الإيمان بجميع الحقّ المنزّل ، فأمّا من آمن بذلك و كفر به غيرُه ، فهو اختلافٌ يُذمُّ فيه أحدُ الصِّنفينِ : كما قال تعالى : ﴿ تِلْكَ ٱلرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ( البقرة : 253 ) ، إلى قوله : ﴿و َلَـٰكِنِ ٱخْتَلَفُواْ فَمِنْهُمْ مَّنْ آمَنَ وَ مِنْهُمْ مَّن كَفَرَ ( البقرة : 253 ) ، و الاختلاف في تنزيله أعظمُ ؛ فإنّه الّذي قصدناه هنا ، فنقول : الاختلاف في تنزيله هو بين المؤمنين و الكافرين ؛ فإنّ المؤمنين يؤمنون بما أَنْزَل ، و الكافرون كفروا بالكتاب و بما أَرسلَ الله به رسُلَه ، فسوف يعلمون ، فالمؤمنون بجنس الرّسل و الكتب من المسلمين و اليهود و النّصارى و الصّابئين يؤمنون بذلك ، و الكافرون بجنس الكتب و الرّسل من المشركين و المجوس و الصّابئين يكفرون بذلك " ، ثمّ ذكربعض آيات البقرة المذكورة آنفاً ، و قال : " و قال في السّورة الّتي تليها : ﴿ الۤمۤ . ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ . نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدقّاً لمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَ أَنْزَلَ ٱلتَّوْرَاةَ وَ ٱلإِنْجِيلَ . مِن قَبْلُ هُدًى للنَّاسِ وَ أَنْزَلَ ٱلْفُرْقَانَ ( آل عمران : 1-4 ) ، و ذكر في أثناء السّورة الإيمان بما أنزلَه (1) ، و كذلك في آخرها : ﴿ رَّبَّنَآ إِنَّنَآ سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبكُمْ فَآمَنَّا ( آل عمران : 193 ) ، إلى قوله : ﴿وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَ مَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ للَّهِ الآية ( آل عمران : 199 ) ، و لهذا عَظُمَ تقريرُ هذا الأصل في القرآن ، فتارةً يفتَتِحُ به السّوَرَ ..." .
و المقصودُ من هذا بيانُ عِظَمُ شأن الكتاب الكريم في وحدة الأمّة و هدايتها ، و التّحذيرُ من غَضِّ الطَّرْفِ عن اجتماع عَقْد القلوب على ما كان عليه السّلف الأوّل ، و أنّ الّذين انتَدَبوا أنفسهم لتبليغ النّاس معنى ما أنزل الله في القرآن صافياً نقيًّا من تفاسير أهل البدع هم في جهادٍ عظيمٍ ، كما حصلت هذه الكرامة لعليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ، فقد أكرمه الله بمجاهدة الخوارج على تأويل القرآن ، كما جاهد المشركين من قبلُ على تنزيله ، و لذلك قال شيخُ البخاريّ و مسلم : يحي بن يحي رحمه الله : " الذَّبُّ عن السّنّة أفضل من الجهاد في سبيل الله ، قال محمّدُ بنُ يحي الذُّهلي : قلتُ ليحي : الرّجلُ ينفق ماله و يتعب نفسه و يجاهد ، فهذا أفضل منه ؟!! قال : نعم ، بكثير ! " رواه الهروي في " ذمّ الكلام " ( 1089 ) .
و إنّك لتتصفّحُ المكتبةَ الإسلاميّة من أوّل ما بدأ علماءُ هذه الأمّة في التّأليف ، فيَبْهَرُك العدد الهائل من الكتب الّتي ألّفها الصّدر الأوّل في الرّد على أهل البدع ، و هذه الرّدود تمثّل جهادَ الأمّة على تأويل الكتاب الكريم ، و لولا جهادُهم ذلك ما وَصَلَنا هذا الدّين إلا مُحرّفاً ، و ربّما بلغ تحريفُه إلى حدٍّ لا يُفرَّق فيه بينه و بين أيّ دين وثنيّ كما حصل لأهل الكتاب ، و لكنَّ الله كتب بفضله حفظَ هذا الدّين ، و اختار لهذا الحفظ رجالاً انتدبهم لهذه الوظيفة العظيمة ؛ لمّا علم طهارة قلوبهم الّتي لم تتدنّس بفكرة مجاملة أهل البدع ، أو محاولة جمع الكلمة و لو على التّأويل المنكَر لمعاني كلام الله ، و المسلمُ الموفّقُ يتّسعُ صدره للجهادَيْنِ ، و لا يترك جهاد أهل البدع من أجل وجود كفّار معاندين لدين الله ، كما هو معروفٌ من أصول بعض النّاس المشتغلين بالدّعوة ، أولئك الّذين ضاقت صدورهم بمجاهدة أهل البدع المشوِّهين لجمال الشّريعة و المكدِّرين لصَفْوِها و المتسبّبين في شقّ صفّها ، فقالوا : نعمل فيما اتّفقنا عليه ، و يعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه ، فاجتمعوا بالحاقدين على أصحاب رسول الله صلّى الله عليه و سلّم ، و بالمعتدين على حقّ الله في أن يُفرد بالألوهيّة ، و بالمنتقصين اللهَ في أسمائه و صفاته ، و بالمستهزئين بسنّة رسولِ الله صلّى الله عليه و سلّم ، و بغيرهم من المنحرفين عن شريعة ربّ العالمين إلى بدعةٍ من البدع ، ولم تتحرّك لهم شعرةٌ غَيْرَةً على دين الله عزّ وجلّ ، و الله المستعان .

__________________
(1) : يريد قوله تعالى : ﴿ رَبَّنَآ آمَنَّا بِمَآ أَنزَلَتْ وَٱتَّبَعْنَا ٱلرَّسُولَ فَٱكْتُبْنَا مَعَ ٱلشَّاهِدِينَ ( آل عمران : 53 ) .