المعلّم نوعان :
النوع الأول ، هو المعلم المطبوع الذي يملك الاستعداد الفطري لرسالة التربية والتعليم ، ويجد في نفسه ميلا وحبّاً إلى هذه المهنة الشريفة ، فيقبل عليها بشغفٍ ويسخّر لها الجهد والوقت ، ولايفكَر إلاّ في المدرسة ، فتجده يعمل على تعزيز مادّة تخصّصه ، ويتتبّع بالدرس والقراءة مايجدّ فيها، من آراء مبتكرة ، ومؤّلّفات حديثة . و يساير دائماً تيّارات التطوّر الثقافي ومعالم التجديد في عالم التربيّة .
ويحرص على توسيع ثقافته التربوية(التربيةالعامة والخاصة وعلم النفس التربوي) لأ نّ من شأن ذلك كلّه ، أن يساعده على الفهم الصحيح للمناهج وأبعادها المعرفية والتربوية ، كما ييسّر له هضم الموضوعات المقررة ، وإصلاح مافي الكتب المدرسية من هفوات . ويعينه في إعداد الدروس ، وفي تقديمها ، ويشعر بالاستعداد النفسيّ للتدريس ، فيقبل على عمله برغبة وحيويّة ونشاط . ويحسّ بالمتعة في كلّ درس يتناوله مع تلاميذه .
كما تسعده كلّ مبادرة يقدّمها في خدمتهم ، كالنشاطات والدعم . والساعات الإضافية ...ونحو ذلك من الأمورالتي تساهم في ازدهار المدرسة . وتسهيل أداء رسالتها في بناء الإنسان المواطن الصالح.
ومن ميزات المعلّم من هذا النوع ، أنّه كلّما زادت أقدميّته تعمّقت خبرته ، وتوسّعت ثقافته ، وتطوّر أداؤه ، وتحسّن عطاؤه ، وخفّت أعباؤه ، وسعد بارتياح ضميره ، ونيل رضاالله ، وحب من تعلمواعلى يديه فذكروه ماحيوا "والذكر للإنسان عمرٌ ثانٍ".
أماالنوع الثاني : فقداختار التعليم للارتزاق ، ظنّا منه أنّ التعليم كسائر المهن الأخرى ، فيكتفي من العلم بماتعلّمه أثناء الدراسة ، ولايعنى بتكوين نفسه ، فيصبح مستواه كمستوى أحسن تلميذ بقسمه ! لأنّ الدراسات أثبتت أنّ الطالب ينسى تسعة أعشار ماتلقاه أثناءالدراسة ، إذا لم يواصل تثقيفه الذاتي . ومن ثمّ نشأت فكرة تربويّة حديثة مفادها ؛ أنّ على المدرسة أن تعلّم التلميذ كيف يتعلّم بعد انقطاعه أو بعد تخرّجه .
هذا الصنف من المعلمين يجعل أولى أولوياته هي الزيّادة في الراتب ! حتى ولو لم يحضر ويؤدّ واجب العمل ، كماهو مطلوب منه ! وانشغالاته ليست مركّزة على أداء وظيفته التعليميّة. ولايهمّه تطويرمعارفه وتحسين أدائه . وتسعده العطل والتعطلات الاستثنائة ، ويفكّرفي هذا الشأن كما يفكّر التلاميذ، ولذلك لاتراه يبادر أو يساهم في الأعمال المكمّلة ، كالنشطات الثقافية والتطوّع لاستدراك مافات تلاميذه ، أولتدارك بعض النقائص المتراكمة لإلحاق بعض التلايذ بمستوى زملائهم في أقسام أخرى ...ونحو ذلك ... من المبادرات التربويّة المثمرة ، التي تعزّز دور المدرسة . كماأنّ هذا النوع المرتزق ، تجده يتذمّر من التعليم ، ويذكره بسوء ! حتّى وهو داخل المدر سة يتباطؤ في الانتقال من قسم إلى قسم بين الحصص ، مضيعاً حقّ التلاميذ ، فضلا تأخراته ، أثناء الدخول في بداية فترَتَيْ النهار .
أمّا خارج المدرسة ، فحدّث ولاحرج ، فهو لايراعي ماتفرضه عليه مكانته في المجتمع كمعلّم ، فينشغل بأمور تتنافي ووظيفته ، كاستمعال سيارته في النقل بأجرة ، أو ممارسة التجارة غيرالمنظمة ، وقد شاهدت بعضهم في أيام العمل -قبيل عيدالأضحي - يعرضون الخرفان للبيع في سوق المواشي!...
وفي الحياة العامة لايراعون وضعيتهم كأعوان للدولة ، بحكم قانون الوظيف العمومي ، ولا يلتزمون واجب التحفظ ، وفق مايمليه عليهم التشريع المدرسي ، والأخلاق المهنية ، فيتكلمون عن المدير وعن الوزير، مثلا ، بذكر اسم الذات بدل اسم الصفة ،مثل قولهم ، بن بوزيد عوض وزير التربية.... وعمرو عوض مدير التربية ... الأمر الذي أفقدهم احترام غيرهم من موظفي القطاعات الأخرى.
وللأسف الشديد ، هذاالنوع من المنتسبين لأشرف مهنة وأقدسها ، شوّهوا سمعتها ، وأساءوا إلى زملائهم ، المعلمين ، الملتزمين الأخيار.