4))... سلواالتاريخ

عن نشأة دولة القرامطة تحت عباءة التشيع والفكر الرافضي
في عام 278 هجريه في ارض الخلافة العباسية
واستمرت دولتهم حتى عام 466هــ
وتعرضوا للحجاج ونهبوا الحج وقتلوا كثيراً من الحجاج سنة 294 ،
وتوفي المكتفي سنة 295 وبويع بعده أخوه المقتدر
وبقي القتال بينه وبين القرامطة في مواضع كثيرة وفي سنة 301
قتل أبو سعيد الجنابي رئيس القرامطة وقائد جيوشهم
وكان قد عهد إلى ابنه سعيد فانتزع الأمر منه أخوه أبو طاهر
وقام بأمر القتال وقيادة الجيوش والدعوة إلى مذهب القرامطة ،
وكان قتلُ أبي سعيد بالحمام قتلَه خادم له صقلبي ،
وكان أبوسعيد قد استولى على هجر والأحساء والقطيف
والطائف وسائر بلاد البحرين ،
ولم يزل أمرهم منتشراً وفتنتهم قائمة إلى أن دخل أبو طاهر مكة سنة 317 .
وكان لهذه الطائفة اعتقاد قبيح
بل كفر صريح كانوا يستبيحون دماء المسلمين ،
ويرون ضلال كافة المسلمين وأعظم نجس خبيث
فيهم ظهور أبي طاهر القرمطي
فإنه بنى داراً في هجر وسماها دار الهجرة
وأراد نقل الحج إليه لعنه الله وأخزاه ،
وكثر فتكه بالمسلمين وسفكه دماءهم وأخذه أموالهم .
واشتد الخطب في أيامه حتى انقطع الحج في أيامه خوفاً منهومن طائفته الفاجرة .
واشتدت شوكتهم ففي أواخر سنة 317
لم يشعر الحجاج بمكة يوم الثامن من ذي الحجة إلا
وقد وافاهم عدو الله أبو طاهر القرمطي في عسكر جرار
فدخلوا بخيلهم وسلاحهم إلى المسجد الحرام
ووضعوا السيف في الطائفين والمصلين والمحرمين
إلى أن قتلوا في المسجد الحرام وفي مكة وشعابها نحو ثلاثين ألفاً
وسبوا من النساء والذرية مثل ذلك .
وتلك مصيبة ما أصيب الإسلام وأهله بمثلها .
وركض عدو الله أبوطاهر عند الكعبة
بسيفه مشهوراً بيده ـ قيل وهو سكران ـ
وصفر لفرسه عند البيت الشريف فبال وراث ،
والحجاج يطوفون حول البيت والسيوف تنوشهم ،
وأحصي من قتل في المطاف فبلغوا ألفاً وسبعمائة .
وكان ممن يطوف في ذلك شيخ الصوفية علي بن بابويه فلم
يقطع طوافه وجعل يقول في طوافه :
ترى المحبين صرعى في ديارهم = كفتية الكهف لايدرون كم لبثوا
والسيوف تقفوه إلى أن قتلوه فسقط ميتاً رحمه الله .
وملؤوا برؤوس القتلى بئر زمزم وما بمكة من ءابار وحفر ،
ودفنت الموتى بلا غسل ولا كفن ولا صلاة .
وطلع أبو طاهر إلى باب الكعبة وقلع بابها وصار يقول وهو على عتبة الباب :
أنا بالله وبالله أنا *** يخلق الخلق وأفنيهم أنا
وصاح في الحجاج وهو على فرسه يقول لهم يا حمير
أنتم تقولون " ومن دخله كان ءامناً "
فأين الأمان وقد فعلنا ما فعلنا ؟
فأخذ شخص بلجام فرسه وكان قد استسلم للقتل
وقال له : ليس معنى الآية الشريفة ماذكرت وإنما معناها ومن دخله فأمنوه .
فلوى أبو طاهر عنان فرسه ولم يلتفت إليه
وصانه الله تعالى من سطوته ببركة بَذلِ نفسه
في سبيل الله للرد على هذا الكافر أخزاه الله تعالى .
وأراد قلع ميزاب الكعبة وكان من ذهب فأطلع قرمطياً
على الكعبة فأصيب بسهم من جبل أبي قبيس فخر ميتاً ،
فأطلع ءاخر مكانه فخر من فوق إلى أسفل على رأسه فمات ،
فهاب الثالث الإقدام على القلع فترك ذلك أبو طاهر على رغم أنفه
وقال اتركوه حتى يأتي صاحبه ( يعني المهدي الذي يزعم أنه يدعو الناس إليه ) .
وقتل كثيراً من العلماء والعبّاد والزهاد يطول الكلام بذكرهم ،
ولم يسلم إلا من هرب من مكة أوصعد في جبالها ،
ونهبوا دور مكة حتى صار الناس بعد ذلك فقراء يستعطون الناس ،
ولم يحج في هذا العام أحد إلا من سمحوا بأرواحهم ،
وأخذ أبو طاهر خزانة الكعبة وما كانفيها من الأموال واقتلع الحجر الأسود وصار يقول :
فلو كان هذا البيت للهربنا *** لصب علينا من فوقنا صبا
لأنا حججنا حجة جاهلية *** وحللة لم نبق شرقاً ولا غربا
وإنا تركنا بين زمزم والصفا *** جنائز لا تبغي سوى ربها ربا
وأقام بمكة ستة أيام وقيل أحد عشر يوماً ثم انصرف إلى هجر
وحمل معه الحجرالأسود يريد أن يحول الحج إلى مسجد الضرار الذي بناه وسماه دار الهجرة ،
وعلق الحجرفي الاسطوانة السابعة مما يلي صحن ذلك المسجد من الجانب الغربي .
وبقي موضعا لحجر الأسود خالياً يضع الناس أيديهم فيه ويلمسونه تبركاً بمحله ،
واستمر الحجرالأسود عندهم اثنين وعشرين سنة
يستجلبون به الناس طمعاً أن يتحول الحج إلى بلدتهمويأبى الله ذلك .
وهذه مصيبة من أعظم مصائب الإسلام فسبحان من لا يسأل عما يفعل .
ثم ابتلي أبو طاهر الخبيث بالآكلة
فصار يتناثر لحمه بالدود وتقطعت أوصاله وطال عذابه ،
ومات أشقى ميتة ولعذاب الآخرة أشد وأبقى .
قال السيد أحمد زيني دحلان :
ولما يئست القرامطة من تحول الحج إلى هجر
ردوا الحجرالأسود إلى محله سنة 339 . فكان مكثه عندهم اثنين وعشرين سنة .
ولما أخذوا الحجر مات تحته أربعون جملاً ،
ولما أعادوه حمل على قعود هزيل فسمن وذلك من ءايات الله .
ووقائع القرامطة في مشارق الأرض ومغاربها طويلة مبسوطة في التواريخ ،
وما زالوا مستمرين على البغي والإفساد
إلى سنة 375 :
فاختل أمرهم وظهر الضعف في دولتهم فوقعت واقعة
بينهم وبين صمصام الدولة ابن عضد الدولة ابن بويه في العام المذكور ،
فهزمهم هزيمة قبيحة وقتل كثيراً منهم وزال من حينئذ ناموسهم .
وفي سنة 378 جمع إنسان يسمى الأصغر من بني المنتفق جمعاً كثيراً
وقاتلهم قتالاً شديداً وقتل مقدم القرامطة
فعدل إلى القطيف فأخذ ما كان فيها من عبيدهم
وأموالهم ومواشيهم وسار بها إلى البصرة .
وبعد هذه الواقعة لم يزل أمر القرامطة في انحلال
وضعف حتى اضمحلوا ولم تبق لهم دولة .
فمدتهم كلها تقرب من مائة سنة ولله عاقبة الأمور