السلآم عليكم و رحمة الله
مسآكِ يآسمين أختي خلود 
وجدت مقآلاً رآئعآ حول الحركة العلمية في العصر العبآسي
يخدم كل مآ درسنآه من الحيآة الفكرية و الأدبية و السيآسية ..
و قد رآجعته كآملا ، و قمت ببعض التعديلآت فيه من حيث الإضآفآت أو الحذف
و أضفت إليه الخآتمة .. فـ أتمنى ينآلَ رِضَآكِ ..
إليكِ المقآل :
_________________
قبل أن نخوض في هذا البحث ِلنوضّح نمط الحياة الثقافية في العصر العباسي الأوّل . يجب الإشآرة إلى الحياة العقلية قبيل الثور ة، علما أنّ الثورة التي أسقطت الدولة الأموية وأنشأت الدولة العباسية ، كانت نتيجة لِلتطور العقلي من قبل ، و الحقيقة أنَّ العصر العبّاسي هو أثر من آثار الحياة العقلية الجديدة التي اِنبثقت عنها ثورة عقلية قضت على الدولة الأموية .
وقد أثّرت تلك الثورة بدورها في تنمية الحياة العقلية والعلمية والأدبية ، فتفتّحت أجوائها ؛ والسبب يرجع إلى الامتزاج بثقافات متعددّة و التي أثرّت تأثيرا مباشرا على سير حركة الفكر والعلم والأدب في العصر العّباسي ؛ والسبب الآخر هو تشجيع الخلفاء حركة الترجمة والنقل .
فشاعت الثقافة العربية الإسلامية ، كما انتشرت الثقافة اليونانية الهندية ، و لاسيّما الثقافة الإيرانية بفصل المدارس والترجمات ، وتشجيع الأمرآء ، كما يقول جرجي زيدان : ‹‹ يمتاز العصر العبّاسي الأوّل بأن من تولّى فيه عرش بغداد كان من الخلفاء العلماء، فرغَّبوا في العلم وإجلاس الأدباء وسهّلوا نزوحهم إليهم وأجروا الأرزاق عليهم وبالغوا في إكرامهم وقرّبوهم وجالسوهم وآكلوهم وحادثوهم وعولّوا على آرائهم . فلم يبق ذو قريحة أو علم وأدب إلّا يمّم دار السلام ونال جائزة أو هدية أو راتبا .. ››
والثّقافة الايرانية لعبت دوراً مهما في تلك الحقبة من الزّمن ، فالوآقع كانت الدولة العباسية على أكتاف الإيرانيين من النّاحية السيّاسية و الثقافية . فكان منهم الوزراء والحجّاب والولاة والكتاب ،
فلا غرابة أن تأخذ الدولة العباسيّة وجها فارسيا في حياتها السياسية و الثقافية. وقامَ بتشديد ذلك الوجه انتقال عاصمة الخلافة من الشام إلى العراق في مدينة جديدة بناها المنصور وسمّاها بغداد ، بجوار مدائن كسرى . إثر هذا التوغل أدخل الفرس في نظام الخلافة سياسة الحكم المطلق ، وجعلوا قصور الخلفاء فى بغداد أشبه بقصور الأكاسرة في المدائن ، كما أدخلوا في التنظيمات الإدارية الأنظمة المتّبعة في التنظيمات الفارسية ، ونرى هذه الظاهرة بوضوح كامل فى الدواوين، ونظام الحكم ، وأسلوب الحرب والحياة الاجتماعية ، والأكل والشرب واللبس ...
فأصبحت بغداد مركزا ثقافيا متقدما ، ولم يكن مجدها إلا مناسبا مع درجة تقدّم الامبراطورية التي كانت هي عاصمتها . و حين اشتدّ الوجه الفارسي و امتد اللسان الأعجمي بألفاظ غريبة عن اللغُة العربية ، ظهر الغناء وآلات الطرب وأنواع الزينة ، فغدت حاجة المسلمين إلى الانفتاح على تراث الأمم المتطورّة ، وقد اهتمّ الخلفاء العبّاسيون بترجمة جوانب مهمّة ممّا كانوا يحتاجون إليه في الشؤون السياسيّة ، والاجتماعية ، والطّب ، والفلك والنجوم ، والرّياضيات ، و الفلسفة والعلوم الأخرى .
ولم يقتصر الأمر على تشجيع الخلفاء فحسب ، فقد كان الاهتمام عاما وشاملاً بين فئات الناس في سائر أرجاء الامبراطورية الإسلامية . والسبب اتّساع الحياة العقلية والتي هي أدّت إلى ثورة سياسية . وما يؤيد هذا الكلام وجود إطلاع وآسع لدى مختلف العلماء المسلمين على مناهج البحث عند الأمم المختلفة ولاسيما الفرس واليونان .
فلم تمض مدة طويلة استطاع المسلمون فيها أن ينقلوا جوانب عديدة من تراث الشعوب الأخرى ؛ تلك الجوانب المعروفة التي كانت فى مجالات العادات ، والفلسفيات ، والعلوم، والصناعات والمعارف عامة ً، ممّا كان له الأثر البالغ فى نشأة اليقظه الفكرية إبّان هذا العصر ، حيث ازدهرت إلى حّد لم تكن مقتصرة على العلوم النقليّة ، وإنما تجاوزتها لتشمل فروع الثقافة والمدنية الشائعة آنذاك .
وقد غنم المسلمون فى هذه الفترة مخطوطات كثيرة أثناء غاراتهم على بلاد الروم ، خاصّة «أنقره» و«عمّورية» ، وبادروا إلى ترجمتها إلى العربية . كما شجّع الخلفآء ترجمة الكتب الهندية ، ونقلت الأفكار الوثنية والدهرية والتناسخية إلى الثقافة العربية الإسلامية ، التي كان لها الأثر البآلغ في المجالات الفكرية العقائدية . كمآ اهتمّوا بترجمة التراث الفارسي . وقد نقلت نماذج كثيرة فى الأدب والأخلاق وبعض القصص والحكايات مثل «ألف ليلة وليلة» و«سير الملوك» إلى العربية . ومن أشهر المترجمين فى مجال التراث الفارسي إلى العربية هم ( عبدالله بن مقفّع ) و ( آل نوبخت ) و ( آل سهل ) و ( الفزاري ) ..
تأثّر الأدباء والكتّاب فى كتاباتهم ب الأفكار الفارسية المستمدة من الكتب المترجمة ، وقد ظهر أثر السلوك الفارسي فى الإكثار من شرب الخمر والإقبال على الملذّات والغناء . وقد شكّل ذلك خطرا مؤكدا على الخُلق الإسلامي الذي يدعو إلى المحافظة على الشخصية الإنسانية ، فقد ظهر سلوك الزهد ليتدارك خطر السلوك الأوّل ، ويحدُّ من ترف الناس وفسقهم بالتوجيه والدعوة إلى الإصلآح ..
ثم بدأت الثقافة الهندية تفِدُ رويدا رويدا إلى الحياة الإسلامية عبر بلاد فارس المُحكَمَة الاتّصال بالعرب ، فتناول الجاحظ المؤثّرات الهندية فى الفكر العربي و قآل عنهآ : ( إنها اشتهرت بالحساب وعلم النجوم وأسرار الطب و التصاوير و الصناعات الكثيرة العجيبة ) . والقصص الهندي واضح الأثر في بعض الأعمال العربية مثل : «كليلة ودمنة» «السندباد» «ملك الهند القتّال» و«السبّاح» ، مع الكثير من الحِكَم التي ترجمت من الهندية إلى العربية ،
وهذه الترجمات الفارسية والهندية واليونانية كلّها كانت رافدة فكرية تصبُّ في الحقل الإسلامي الذي كان متطلّما إلى المعرفة ، توّاقا إليها ، و لم يلبث إلا قليلاً حتى أضِيفَ إلى معلومات هذه الأمم وارتقى بعلومها فى أتم صورة و أدقّها لكافّة طبقات الشعُب ، سواء فى الكتاتيب أو المساجد، أو المكتبات والدكاكين التابعة للورّاقين، و كانت الأموال تنفق لوضع العلم والأدب . فازدهرت حركة التأليف ورواج التصنيف العلمي في التاريخ والجغرافيا والفلسفة والعلوم والرياضيات ، ولمعت أسماءُ من العلماء بقيت إلى يومنا هذا مصادرُ يُرجع إليها في كلّ دراسة أو بحث . وقد تعطّرت الحياة العباسيّة بنفحة تلك النّسيمات الأعجمية ، فأصبحت اللغة العربية قويّةً دقيق البنا ء، سهلة المنال ، تطاوع إرادة الكتاب للتّعبير عمّا يجول بالخاطر والعقل والنفس ضمن آراء فلسفية علياء . وصارت لغة التخاطب الأدبي في أقطار مترامية الأطراف ، تمتدّ من أواسط آسيا إلى شمالي افريقيا فالأندلس .
فکان العصر العباسي الأول ( 132هـ - 233هـ ) بكل تلك الحركآت العلمية من أبرز العصور الذهبية التي نمى فيهآ الفکر العربي كنيجةٍ مبآشرة لِـ نقل العلوم من مختلف الثقآفآت إلی اللغة العربية .
_________________