اليك حجرا فالتقمه :
"صيانة الانسان من وسوسة الشيخ دحلان" للسهسواني .
https://khizana.blogspot.com/2008/04/blog-post_9425.html
https://www.islamhouse.com/p/172277
"بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي تعالى عن الشريك والمثل والكفؤ والنديد، والحمد لله الذي لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه، وهو فعال لما يريد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كلمة خلقت لأجلها الجن والإنس من إماء وعبيد ، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله المبعوث بالملة الحنيفية القيمة وخالص التوحيد، اللهم فصلِّ وسلم على سيدنا محمد قاطع ذرائع الكفر وحبائل التقليد، وعلى آله وصحبه الآخذين بسنته والمقتدين بأمره في المدن والقرى والبيد، وعلى العدول الحاملين لهذا العلم النافين عنه تحريف كل غالٍ عنيد، وانتحال كل مبطل مريد، وتأويل كل جاهل ضديد(6).
أما بعد فإن وقفت على الرسالة التي جمعها الشيخ أحمد بن زيني دحلان، أنقذه الله من دحلان الخذلان، وسماها (الدرر السنية، في الرد على الوهابية) ورأيت مؤلفها يدَّعي في ديباجة رسالته الباطلة الساقطة الدنية الردية، أنه جمع فيها ما تمسك به أهل السنة في زيارة النبي صلى الله عليه وسلم والتوسل به من الدلائل والحجج القوية، من الآيات والأحاديث النبوية، فتعجبت منه التعجب الصراح، كيف وليس في الباب حديث واحد حسن فضلاً عن الصحاح، فتأملت فيها تأمل الناقد البصير، لكي أعلم أنه هل صدق في تلك الدعوى أم كذب كذب المجادل الضرير، فوجدت دعواها عارية من لباس الصدق والحق المبين، محلاة بحلية الزور والكذب والباطل المهين، فإنه ليس فيها من الأحاديث إلا ما أورده التقي السبكي (في شفاء الأسقام)(7) وهي دائرة بين الاحتمالات الثلاثة السقام: غما موضوعة عملتها أيدي الوضاع اللئام، أو ضعاف واهية رواها من وسم بمثل كثرة الغلط والخطأ والأوهام، أو شيء يسير من الصحيح والحسن في زعمه قاصر عن إفادة المرام،كما بين ذلك كله الإمام أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عبدالهادي في (الصارم المنكى)، وليس فيها من الآيات والأحاديث الصحيح والحسان ما يدل على المطلوب المحكي، وكان حقاً على المؤلف تعاطي واحدد مما يذكر، لئلا يعد كلامه مما يهجر وينكر: إما إيراده لأحاديث صحيحة أو حسن دالة على المطلوب غير ما أورده في الشفاء(8)، أو الإجابة عما تكلم به عليها صاحب الصارم وغيره من الأئمة الأذكياء. وإذ لم يفعل هذا ولا ذاك فليس لها فائدة، ولا يؤول هذا الطول إلى منفعة وعائدة.
ومن عجائب صنيعه أن المؤلف مع زعمه أنه من جملة المقلدين، يستدل بالأدلة الشرعية وهو منصب المجتهدين، فعنَّ لي أن أنبه على ما وقع فيه من مساوئ المفاهيم وزخارف الأقوال، وأراجيف الاستدلال، لئلا يغتر بها من يقف عليها ممن لا خبرة له بحقائق علم السنة من المتون والرجال، فالله أستعين وأقول، وبه أحول وبه أصول.
قوله: "اعلم رحمك الله تعالى أن زيارة قبر نبينا صلى الله عليه وسلم مشروعة".
أقول: لا نزاع لنا في نفس مشروعية زيارة قبر نبينا صلى الله عليه وسلم، وأما ما نسب إلى شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله من القول بعدم مشروعية زيارة قبر نبينا صلى الله عليه وسلم فافتراء بحت(9)، قال الإمام العلامة أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عبدالهادي المقدسي الحنبلي في (الصارم المنكى): وليعلم قبل الشروع في الكلام مع هذا المعترض أن شيخ الإسلام رحمه الله لم يحرم زيارة القبور على الوجه المشروع في شيء من كتبه، ولم ينه عنها، ولم يكرهها، بل استحبها وحض عليها، ومصنفاته ومناسكه طافحة بذكر استحباب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وسائر القبور، قال رحمه الله في بعض مناسكه:
باب زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم:
"إذا أشرف على مدينة النبي صلى الله عليه وسلم قبل الحج أو بعده فليقل ما تقدم، فإذا دخل استحب له أن يغتسل، نص عليه الإمام أحمد، فإذا دخل المسجد بدأ برجله اليمنى وقال: بسم الله، والصلاة على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك، ثم يأتي الروضة بين القبر والمنبر فيصلي بها ويدعو بما شاء، ثم يأتي قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيستقبل جدار القبر لا يسمه ولا يقبله، ويجعل القنديل الذي في القبلة عند القبر على رأسه ليكون قائماً وجاه النبي صلى الله عليه وسلم، ويقف متباعداً كما يقف لو ظهر في حياته بخشوع وسكون منكس الرأس وغاض الطرف، مستحضراً بقلبه جلالة موقفه، ثم يقول: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، السلام عليك يا نبي الله وخيرته من خلقه، السلام عليك يا سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وقائد الغر المحجلين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنك رسول الله، أشهد أنك قد بلغت رسالات ربك، ونصحت لأمتك، ودعوت إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وعبدت الله حتى أتاك اليقين، فجزاك الله أفضل ما جزى نبياً ورسولاً عن أمته، اللهم آته الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، ليغبطه به الأولون والآخرون. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد: اللهم احشرنا في زمرته، وتوفنا على سنته، وأوردنا حوضه، واسقنا بكأسه شرباً(10) لا نظمأ بعده أبداً.
"ثم يأتي أبا بكر وعمر رضي الله عنهما فيقول: السلام عليك يا أبا بكر الصديق، السلام عليك يا عمر الفاروق، السلام عليكما يا صاحبي رسول الله صلى الله عليه وسلم وضجيعيه ورحمة الله وبركاته، جزاكما الله عن صحبة نبيكما وعن الإسلام خيراً (سلامٌ عليكم بما صبرتم فنعم عُقبى الدار). قال ويزور قبور أهل البقيع وقبور الشهداء إن أمكن".
هذا كلام الشيخ رحمه الله بحروفه، انتهى ما في الصارم.
وقال في موضع آخر: وقد قال الشيخ رحمه الله في منسك له صنفه في أواخر عمره(11):
فصل
وإذا دخل المدينة - قبل الحج أو بعده - فإنه يأتي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ويصلي فيه، والصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام، ولا تشد الرحال إلا إليه وإلى المسجد الحرام والمسجد الأقصى، هكذا ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة وأبي سعيد وهو مرويٌ من طرق أخرى، ومسجده كان أصغر مما هو اليوم، وكذلك المسجد الحرام، لكن زاد فيهما الخلفاء الراشدون ومن بعدهم، وحكم الزيادة حكم المزيد في جميع الأحكام، ثم يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه فإنه قد قال:" ما من أحد يسلم عليَّ إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام". رواه أبو داود وغيره.
وكان عبدالله بن عمر إذا دخل المسجد قال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبت، ثم ينصرف. وهكذا كان الصحابة يسلمون عليه. وإذا قال في سلامه: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا نبي الله، السلام عليك يا خيرة الله من خلقه، السلام عليك يا أكرم الخلق على ربه يا إمام المتقين، فهذا كله من صفاته بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم. وإذا صلى عليه مع السلام عليه فهذا مما أمر الله تعالى به، ويسلم مستقبل الحجرة مستدبر القبلة، فمن أصحابه من قال يستدبر الحجرة، ومنهم من قال يجعلها عن يساره، واتفقوا على أنه لا يستلم الحجرة ولا يقبلها ولا يطوف بها ولا يصلي إليها ولا يدعو هناك مستقبلاً الحجرة، فإن هذا كله منهي عنه باتفاق الأئمة، ومالك من أعظم الأئمة كراهية لذلك.
وقوله: "أما الكتاب فقوله تعالى: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ (. الخ.
أقول: في هذا الاستدلال فساد من وجوه:
(الأول): إن قوله دلت الآية على حث الأمة على المجيء إليه صلى الله عليه وسلم، ماذا أراد به ؟ إن أراد حث جميع الأمة فغير مسلم، فإن الآية وردت في قوم معينين كما سيأتي، وليس هناك لفظ عام حتى يقال العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص المورد، بل الألفاظ الدالة على الأمة الواقعة في هذه الآية كلها ضمائر، وقد ثبت في مقره أن الضمائر لا عموم لها، ولذا لم يتشبث أحد من المستدلين بهذه الآية على القربة من التقي السبكي والقسطلاني وابن حجر المكي بعموم اللفظ، حتى إن صاحب الرسالة(12) أيضاً لم يذكره. وأما ما قال صاحب الرسالة تبعاً للتقي السبكي والقسطلاني وابن حجر المكي من أن الآية تعم بعموم العلة ففيه أنه على هذا التقدير لا يكون الدليل كتاب الله بل القياس، وقد فرض أن الدليل كتاب الله، على أن المعتبر عند من يقول بحجة القياس قياس المجتهد الذي سلم اجتهاده الجامع للشروط المعتبرة فيه المذكورة في علم الأصول، وتحقق كلا الأمرين فيما نحن فيه ممنوع، كيف وصاحب الرسالة من المقلدين، والمقلد لا يكون من أهل الاجتهاد، مع أن الاجتهاد عند المقلدين قد انقطع بعد الأئمة الأربعة، بل المقلد لا يصلح لأن يستدل بواحد من الأدلة الشرعية، وما له وللدليل ؟ فإن منصبه قبول قول الغير بلا دليل، فذكرُ صاحب الرسالة الأدلة الشرعية هناك خلاف منصبه، وإن أراد حث بعض الامة فلا يتم التقريب.
و(الثاني): أن صاحب الرسالة جعل المجيء إليه صلى الله عليه وسلم الوارد في الآية عاماً شاملاً للمجيء إليه صلى الله عليه وسلم في حياته وللمجيء إلى قبره صلى الله عليه وسلم بعد مماته، ولم يدر أن اللفظ العام لا يتناول إلا ما كان من أفراده، والمجيء إلى قبر الرجل ليس من أفراد المجيء إلى عين الرجل، ولا يفهم منه أصلاً أمر زائد على هذا، فإن ادعى مدع فهم ذلك الأمر الزائد من هذا اللفظ فنقول له: هل يفهم منه كل أمر زائد، أو كل أمر زائد يصح إضافته إلى الرجل، أو الأمر الخاص أي القبر ؟
والشق الأول مما لا يقول به أحد من العقلاء.
فإن اختير الشق الثاني يقال: يلزم على قولك الفاسد أن يطلق المجيء إلى الرجل على المجيء إلى بيت الرجل وإلى أزواجه وإلى أولاده وإلى أصحابه وإلى عشيرته وإلى أقاربه وإلى قومه وإلى أتباعه وإلى أمته وإلى مولده وإلى مجالسه، وإلى آباره وإلى بساتينه، وإلى مسجده وإلى بلده وإلى سككه وإلى دياره، وإلى مهجره، وهذا لا يلتزمه إلا جاهل غبي، وإن التزمه أحد فيلزمه أن يلتزم أن الآية دالة على قربة المجيء إلى الأشياء المذكورة كلها، وهذا من أبطل الأباطيل.
وإن اختير الشق الثالث فيقال: ما الدليل على هذا الفهم ؟ ولن تجد عليه دليلاً من اللغة والعرف والشرع، أما ترى أن أحداً من الموافقين والمخالفين لا يقول في قبر غير قبر النبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءه أحد أنه جاء ذلك الرجل، ولا يفهم أحد من العقلاء من هذا القول أنه جاء قبر ذلك الرجل.
فتحصل من هذا أن المجيء إلى الرجل أمر، والمجيء إلى قبر الرجل أمر آخر، كما أن المجيء إلى الرجل أمر، والمجيء إلى الأمور المذكورة أمور أخر، ليس أحدها فرداً للآخر.
إذا تقرر هذا فالقول بشمول المجيء إلى الرسول: المجيء إلى الرسول والمجيء إلى قبر الرسول، كالقول بشمول الإنسان الإنسان والفرس، وهذا هو تقسيم الشيء إلى نفسه وإلى غيره، وهو باطل بإجماع العقلاء، وهكذا جعل الاستغفار عنده عاماً شاملاً للاستغفار عند القبر بعد مماته، مع أن الاستغفار عند قبره ليس من أفراد الاستغفار عنده.
فإن قلت: لا نقول إن المجيء إليه صلى الله عليه وسلم شامل للمجيء إليه في حياته وللمجيء إلى قبره بعد مماته حتى يرد ما أوردتم، بل نقول إن المجيء إليه شامل للمجيء إليه في حياته الدنيوية المعهودة والمجيء إليه في حياته البرزخية، ولما كان المجيء إليه في حياته البرزخية مستلزماً للمجيء إلى قبره ثبت من الآية المجيء إلى قبره صلى الله عليه وسلم الذي هو المسمى بزيارة القبر.
قلنا: لا سبيل إلى إثبات الحياة البرزخية من لغة ولا عرف، فلا يفهم من هذا اللفظ - بحروف اللغة والعرف - إلا المجيء إليه في حياته الدنيوية المعهودة، فلا يكون المجيء إليه في حياته البرزخية فرداً للمجيء إليه بحسب اللغة والعرف، إنما تثبت الحياة البرزخية ببيان الشرع، لكن يبقى الكلام في أن كون المجيء إليه في حياته البرزخية فرداً من المجيء إليه هل يثبت من الشرع أم لا ؟ وعلى مدعي الثبوت البيان، وفي أن المجيء إلى قبره هو عين المجيء إليه في حياته البرزخية أو مستلزم له أم لا ؟ وعلى المدعي الدليل، لم لا يحوز أن لا يكون المجيء إلى قبره عين المجيء إليه في حياته البرزخية ولا مستلزماً له بل يتوقف المجيء إليه في حياته البرزخية على أن يموت الجائي وينتقل إلى عالم البرزخ، فلابد من نفي هذا الاحتمال بدليل من الشرع، ويؤدي هذا أنا إذا قلنا جئنا زيداً، إنما نريد به أنا جئنا إلى مكان يُرى منه زيد ويسمع كلامه بحسب العادة، والمجيء إلى القبر ليس مجيئاً إلى مكان يُرى منه المقبور ويسمع كلامه، ويسمع المقبور كلام الجائي، أما تعلم أن الحي لو دفن في القبر كما يدفن الميت لن يرى أصلاً ولن يسمع كلامه، ولا هو يسمع كلام الجائي، وأما سماع الموتى خفق نعالنا وغير ذلك مما ثبت في الأحاديث فليس بحسب العادة، إنما هو بإسماع الله تعالى، يخلق قوة فيه هي خارجة عن العادة، أو بطريق آخر لا علم لنا بتعيينه، إنما نجزم أنه بطرق غير عادي.
يرشدك إلى هذا أن الزوار لا يرون المقبور ولا يسمعون كلامه، والمقبور يرى الزائر ويسمع كلامه، وهذا أدل دليل وأوضح برهان على أن رؤية المقبور وسماعه ليس بطريق عادي بل بطريق غير عادي، وإلا لسمع الزائر أيضاً كلام المقبور ورآه، على أن المجيء إليه قد انقطع بعد موته كما انقطع سائر الأحكام التي سيأتي ذكرها في الوجه الثالث، والفرق بين المجيء إليه وسائر الأحكام لا يقبل بغير بيان فارق شرعي، وأنى لك ذلك ! وأما ما قال السبكي في تعليله وتبعه القسطلاني تعظيماً له فيرد عليه أنه على هذا يلزم أن لا تنقطع جميع الأحكام المذكورة أيضاً تعظيماً له، على أنه ما الدليل على أن التعظيم يوجب عدم انقطاع هذا الحكم بالموت من كتاب وسنة ؟!
و(الثالث): أن قوله "وهذا لا ينقطع بموته" قول لا دليل عليه، فإن انقطاع هذا الحكم لا استبعاد فيه، كما أن سائر الأحكام - من الإمامة الصغرى والكبرى، والجهاد، والصلاة، والصيام، والحج، والزكاة، وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحريض المؤمنين على القتال، والمشاورة،وتجهيز الجيوش، وحفظ الثغور - قد انقطعت بعد موته، فإن زعم زاعم أن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره فما معنى انقطاعه بعد الموت ؟ إن الحياة البرزخية هل هي مساوية للحياة الدنيوية في كل الأحكام عندكم أم لا ؟ والأول بديهي البطلان لإطباق الأمة على انقطاع الأحكام المذكورة من الإمامة الصغرى وغيرها، وعلى الثاني فلا استبعاد في انقطاع حكم المجيء إليه بعد موته صلى الله عليه وسلم.
(الرابع) قوله: "فأما استغفاره صلى الله عليه وسلم فهو حاصل لجميع المؤمنين بنص قوله تعالى: وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (. فاسد.
بيانه أن المراد باستغفار الرسول الواقع في آية: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ (. الاستغفار بعد وقوع الظلم استغفاراً مستأنفاً، فإن "استغفر" [ في قوله ] (وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ (. معطوف على (فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ (. وهو الظاهر، أو على (جَاءُوكَ (. كما زعم السبكي في شفاء السقام، وعلى كلا التقديرين يكون بعد وقوع الظلم، أما على المعطوف عليه، فيكون استغفر لهم الرسول متأخراً عن جاءوك، وجاءوك متأخراً عن الظلم، والمتأخر عن المتأخر عن الشيء متأخر عن ذلك الشيء، وأما على الثاني فلأن استغفر لهم الرسول على هذا التقدير معطوف على جاءوك والمعطوف في حكم المعطوف عليه، وجاءوك متأخر عن الظلم فاستغفار الرسول متأخر عن الظلم، فعلم بذلك أن الاستغفار العام المأمور به صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (. لا يكفي فيما هنالك، وتدل عليه الآية الأخرى والسنة:
أما الآية فقوله تعالى في سورة الممتحنة: ( إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَّ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (. فعلم أن الاستغفار العام المأمور به صلى الله عليه وسلم لا يكفي بل كان صلي الله عليه وسلم مأموراً باستغفار آخر وقت أخذ البيعة والتوبة من الشرك والمعاصي.
وقوله تعالى في سورة الفتح: (سَيَقُولُ لَكَ المُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا (. وقوله تعالى في سورة المنافقين: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ (.
فإن هاتين الآيتين تدلان على أن المسلمين كانت عادتهم أن أحدهم متى صدر منه ما يقتضي التوبة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: يا رسول الله فعلتُ كذا وكذا فاستغفر لي، وكان هذا فرقاً بينهم وبين المنافقين، وهذا الاستغفار كان غير ما أُمر به صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (.
وأما السنة فما روى عن كعب بن مالك حين تخلف عن غزوة تبوك في حديث طويل فيه: فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادماً زاح عني الباطل، وعرفت أني لن أخرج منه أبداً بشيء فيه كذب، فأجمعت صدقه، وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم قادماً - وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فيركع فيه ركعتين، ثم جلس للناس - فلما فعل ذلك جاءه المخلفون فطفقوا يعتذرون إليه ويحلفون له، وكانوا بضعة وثمانين رجلاً، فقبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علانيتهم وبايعهم واستغفر لهم ووكل سرائرهم إلى الله، وفي ذلك الحديث: وسار رجال من بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنباً قبل هذا، ولقد عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك الحديث قال كعب: وكنا تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه. رواه البخاري ومسلم وغيرهما واللفظ للبخاري، فعلم من هناك أنه كان من عادته صلى الله عليه وسلم أنه إذا جاءه مذنب وتاب واستغفر يستغفر له النبي صلى الله عليه وسلم استغفاراً مستأنفاً، ولا يقنع بالاستغفار العام.
على أن الله تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (. بالاستغفار لأهل الإيمان، وآية أخرى: ( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ (. الآية. وردت في شأن المنافقين، فالاستغفار الذي فعله صلى الله عليه وسلم بامتثال قوله تعالى: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (. لا يكون شاملاً للاستغفار لأهل النفاق، بل قد نهى الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم عنالاستغفار للمنافقين فقال تعالى: (اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ (. وقال تعالى: ( وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ (. وقال تعالى: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجَحِيمِ (. فلابد من أن يراد باستغفار الرسول - الذي ورد في شأن المنافقين - غير ما ورد في قوله تعالى: (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ(. فإن المنافقين داخلون في آية: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ (. دخولاً أولياً، وإن سلم دخول غيرهم فيها بعموم العلة وما ضاهاه دخولاً ثانوياً.
وههنا نظر وعنه جواب فتأمل. وهكذا فهم جمهور أهل التفسير من الاستغفار الاستغفار الخاص ولم يقل أحد منهم إن الاستغفار العام يكفي هاهنا، قال الشوكاني رحمه الله في فتح القدير: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ (. بترك طاعتك والتحاكم إلى غيرك (جاءوك ( متوسلين إليك متنصلين عن جناياتهم ومخالفاتهم ( فاستغفروا الله (. لذنوبهم وتضرعوا إليك حتى قمت شفيعاً فاستغفرت لهم......."
يمكنكم تحميل الكتاب من الروابط أعلاه لقراءته والاستفادة منه.