منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الى المختصين في التاريخ
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-12-01, 09:26   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
محمد جديدي التبسي
عضو ذهبي
 
الصورة الرمزية محمد جديدي التبسي
 

 

 
الأوسمة
وسام الوفاء 
إحصائية العضو










B18

المذهب المالكي في أدغال إفريقيا
الدكتورالحاج الأمين بامبا/ جمهورية ساحل العاج
فالمذهب المالكي هو المسلك الإسلامي الذي رافق انتشار الإسلام في الغرب الإفريقي بعد إتمام فتح المغرب، ولذلك جعلت عنوان مداخلتي على النحو التالي : "المذهب المالكي في أدعال إفريقيا امتداد تاريخي للمدرسة المالكية المغربية".
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد :
فإنني أتوجه بخالص شكري إلى اللجنة المنظمة لهذه الندوة التي أتاحت لي فرصة المشاركة في هذه الندوة العلمية التي تحمل عنوان : المدرسة المالكية الفاسية أصالة وامتداد.
فالمذهب المالكي هو المسلك الإسلامي الذي رافق انتشار الإسلام في الغرب الإفريقي بعد إتمام فتح المغرب، ولذلك جعلت عنوان مداخلتي على النحو التالي : "المذهب المالكي في أدعال إفريقيا امتداد تاريخي للمدرسة المالكية المغربية".
والأدغال جمع الدغل بفتح الغين، وله معان كثيرة في لسان العرب، ومنها :
الشجر الكثير الملتف الذي يتوارق فيه، ومنها : الموضع يخاف فيه الاغتيال، ومنها : السقف المرتفع، ومنها : الوادي، ويطلق أيضا على الوطِئ أي المنخفض من الأرض ، ويجمع على أدغال ودِغال. وأقصد بادغال إفريقيا أماكنها النائية البعيدة في عمق الغابات المتكاثفة ذات الأشجار المتناكحة المتداخلة، حيث يقطن بعض المسلمين.
ويتكون هذا الموضوع من ثلاثة فروع :
الفرع الأول : انتشار المذهب المالكي في الغرب الإفريقي انطلاقا من المغرب.
الفرع الثاني : المذهب المالكي مصدر فقهي تعليمي في السودان الغربي.
الفرع الثالث : الفقه المالكي مسلك تعبدي لدى مسلمي غرب إفريقيا.

الخاتمة.
الفرع الأول : انتشار المذهب المالكي في الغرب الإفريقي انطلاقا من المغرب
المذهب المالكي هو الفقه المالكي وجزء من موسوعة الفقه الإسلامي، وقسم من العلوم الإسلامية، ومن المعلوم أن تلك العلوم وصلت إلى السودان الغربي أعني منطقة الغرب الإفريقي من الشمال الإفريقي عبر ممرات الصحراء الكبرى، وحين فتح المسلمون سواحل منطقة الشمال الإفريقي وجنوب الصحراء الوسطى في القرن السابع الميلادي، وأقاموا بها الحكم الإسلامي، ونشروا الإسلام الذي غطى المنطقة برمتها، بل وجاوزها، وفي جنوب الصحراء الغربية كانت قبائل البربر أبناء المنطقة الذين اعتنقوا دين الإسلام، لاسيما قبيلة صنهاجة التي كانت تزاول تجارة الذهب مع قبائل السودان الغربي عبر الصحراء الكبرى، وقد اتخذت جهود نشر الإسلام بين سكانها الطابع الفردي من خلال التجار المسلمين في حلهم وترحالهم، وعن طريق ممارساتها للعقيدة الإسلامية، وحصل معظم شعوب حزام مناطق سهل الغرب الإفريقي وسواحلها على المعارف الإسلامية الأساسية . وكان اعتناق فرد واحد من أبناء قبائل الفولاتي أو السوننكي أو الماندنغو الدين الإسلامي بمثابة تعزيز جديد لمسيرة الدعوة الإسلامية بكسب داعية يسعى طواعية وبكل همة لاكتساب شخص آخر إلى جانبه يعتنق الإسلام من أبناء قبيلته أو من قبيلة أخرى مجاورة، وكانت جماهير غفيرة تنجرف وراء ملوكها أو زعمائها مسارعة معهم في الإقبال على الإسلام، وكانت تلك هي الخطوة الأولى نحو إنشاء الدولة الإسلامية في السودان، وبحلول القرن التاسع الميلادي فقد أصبح بعض المسلمين من قبائل التكرور الفولانية، ومن أبناء إمبراطورية غانة القديمة مهيئين للاضطلاع بحركات الإصلاح الديني الإسلامي، وشهدت مملكتا مالي وغانة قيام تجمعات إسلامية صاحبتها ظهور المساجد المبنية بالأحجار للإشراف الإداري، ويتولى تعيين أئمتها الملك شخصيا .
أهم الدول الإسلامية التي قامت على أرض الغرب الإفريقي هي :
1) مملكة غانا :
وقد امتد نفوذ هذه الدولة إلى شمال النيجر الأعلى وشماله الغربي، حدودها الشرقية نهر النيجر، والغربية نهر السينغال، والشمالية الصحراء المغربي. وقد سماها الفزاري الذي زارها عام 200 هجرية أرض الذهب، وقد زارها المسعودي عام 312 هـ ثم الزهري والبكري الذي شهد أواخر أيامهم عام 476 هـ، عندما قام المرابطون من المغرب بتوحيدها تحت زعامتهم.
2) مملكة مالي :
قامت عام 640 هـ، أي قبل انهيار الخلافة العباسية بقليل، وقد اتسعت حدودها اتساعا كبيرا نحو الشرق، حتى النيجر الأوسط، كما اتسعت نحو الغرب فشملت أراضي السينغال الحالية عدا الأجزاء الممتدة في الصحراء. وأشهر ملوكها كانكان موسى الذي سافر لحج بيت الحرام ومعه قافلة من أتباعه مارا بالقاهرة عام 724 هـ، واستقبلها السلطان الناصر ابن قالوون، وقد زار هذه المملكة الرحالة ابن بطوطة، ووصف الرخاء والأمانة والصناعة وجميع مظاهر الحياة في ذلك المجتمع.
3) مملكة سنغاي :
وقد فاضت على نهر النيجر الأوسط، وكانت عاصمتها مدينة غالر، وهي في مالي
الحالية، ومن زعمائها ضياء بن قـس في 409 هـ تقريبا. وقد اهتم شعبها بالأدب والعلوم والتدوين بعد أن اعتنقوا الإسلام، وتعلموا اللغة العربية.
4) مملكة كانم :
قامت في أقصى الشرق حول بحيرة تشاد وامتد سلطانها إلى أراضي غانة ومالي في الغرب.
5) دولة المرابطين :
ومن أهم الدول التي قامت بإفريقية دولة المرابطين، التي امتدت حدودها من تونس شرقا إلى المحيط الأطلسي غربا، ومن البحر الأبيض المتوسط شمالا حتى حدود السودان – الغربي – جنوبا على عهد قائدها يوسف بن تاشفين .
وعلاقات المرابطين بالبلاد السودانية، وبالخصوص مملكة غانة من أكثر موضعات الحركة المرابطية تعقيدا، ذلك لأن الدوافع الاقتصادية والقبلية والدينية تتصادم حينا وتتلاقى أحيانا، لأن العناصر المكونة لكلا الطرفين غير متجانسة، فهناك مساحات لقاءات واختلافات بين عناصر المرابطين الأساسية مثل لمتونة وجدالة ومسوفة وهذه وعناصر الفقهاء في المغرب الأقصى، والقيروان، ومثل هذا نجده بين العناصر السودانية، لاسيما التكرور وغانة . ومما يدل على مثانة العلاقة بين حركة المرابطين في صحرائهم وفقهاء المالكية في المغرب الأقصى أن المال الذي جمعه عبد الله بن ياسين الجزولي من الزكاة والعشور كان يرسل إلى قضاتهم والطلبة حتى اشتهر أمره في سائر بلاد الصحراء والمغرب، ووضع بهذه السياسة لبنة تحالف الفقهاء مع المرابطين أيام دولتهم، وخاصة وأن تدخل المرابطين في المغرب الأقصى كان نتيجة لنداء فقهائه .
وأخيرا، إذا كانت التجارة هي المسرب الرئيس لدخول الإسلام إلى البلاد السودانية بصفة عامة والمناطق المصاقبة أي المجاورة لديار صنهاجة الصحراء بصفة خاصة، فإن المسلمين الأوائل من أهل السودان لابد أنهم كانوا على مذهب أولئك التجار البرابرة الذين كان أغلبهم على المذهب المالكي، فهكذا انتشر المذهب المالكي في الغرب الإفريقي انطلاقا من المغرب الأقصى، ويضاف إلى ذلك وجود علاقة طيبة بين بعض سلاطين المغرب وبعض ملوك السودان، وفي تاريخ ابن خلدون : أرسل السلطان أبو الحسن ملك المغرب هدايا إلى ملك السودان منسا سليمان بن منسا موسى. وفي مكافأة ذلك جمع منسا سليمان غرائب بلاده مثل حيوان الزرافة وغيرها من الهدايا، فوصلوا بها إلى مدينة فاس شهر صفر من سنة اثنين وستين وسبعمائة، وكان يوم وفادتهم يوما مشهورا .
ويقول ابن بطوطة : "قدم الحاج موسى الونجراني رسولا عن منسى سليمان إلى مولانا
أبي الحسن رضي الله عنه" .
كل ذلك يدل على ما كان بين سلاطين المغرب وملوك السودان من علاقة سياسية ودينية.
الفرع الثاني : المذهب المالكي مصدر فقهي تعليمي في السودان الغربي
لما أسلم كثير من أبناء الغرب الإفريقي المعروف في التاريخ القديم بالسودان الغربي على أيدي التجار المغاربة المالكيين، فكان من الطبيعي أن ترتكز تعاليمهم الفقهية على المذهب المالكي، وهنا غالبا يكون بعد حفظ القرآن، ويقول ابن بطوطة فيما شاهده في رحلته إلى مملكة مالي : "فمن أفعال السودان الحسنة … ومن عاداتهم : عنايتهم بحفظ القرآن العظيم، وهم يجعلون لأولادهم القيود إذا ظهر في حقهم التقصير في حفظه، فلا يُفك عنهم حتى يحفظوه، ولقد دخلت على القاضي يوم العيد، واولاده مقيدون، فقالت له : ألا تسرحهم ؟ فقال : لا أفعل حتى يحفظوا القرآن. وممرنا يوما بشاب منهم حسن الصورة، عليه ثياب فاخرة، وفي رجله قيد ثقيل، فقلت لمن كان معي : ما فعل هذا ؟ أقتل ؟ ففهم عني الشاب وضحك، وقيل لي : إنما قيد حتى يحفظ القرآن" .
ومن المهم جدا لفت النظر إلى أن المصادر السودانية تميز بين العلماء والفقهاء من جهة وبين القراء، ومن الراجح أن القراء هم أولئك الذين يعلمون الصبيان، بينما العلماء هم أولئك المتمكنون من علوم الدين، ويتميزون بمعرفة اللغة العربية والإلمام بالثقافة الإسلامية، بينما نجد أولئك القراء لا يعرفون من العربية إلا قليلا، ومجال عملهم وثقافتهم القرآن وحفظه وتحفيظه، ولا يفهمون من علومه وعلوم الشرع شيئا أكثر مما يؤدون به أركان الإسلام .
ومن شعرائهم كما جاء في كتاب الوافي بالوفيات الشاعر الكانمي الأسود، واسمه : إبراهيم بن يعقوب أبو إسحاق الكانمي الأسود النحوي الشاعر، وكانم بليدة بنواحي غانة إقليم السودان، وقدم إلى مراكش ومدح أكابر الدولة وكانت العجمة في لسانه غير أنه جيد النظم، وكان يحفظ كتاب الجمل في النحو، ولم يعرف من أرضه شاعر سواه. توفي رحمه الله تعالى في حدود سنة ست مائة تقريبا" .
وقلت في بداية مداخلتي : إنني أقصد بأدغال إفريقيا أماكنها النائية البعيدة، فلم يكن من السهل نقل بعض الكتب القيمة إلى المسلمين في تلك البقاع لكثرة مجلداتها. وعلى سبيل المثال يقول الإمام الذهبي : لأبي عمر - يعني ابن عبد البر – كتاب الكافي في مذهب مالك خمسة عشر مجلدا" ، وحمل تلك المجلدات الكثيرة لكتاب واحد يصعب على كثير من العلماء الذين كانوا يعيشون في طلب العلم في شظف وفاقة، ولذلك نجد في تراثهم الفقهي مؤلفات مالكية مختصرة، مثل كتاب الأخضري (VI) في منطقة Tiène. بالرغم من ذلك فقد وجدت بعض الكتب المالكية في خزانات بعض العلماء مع كونهم يقطنون في تلك الأماكن النائية.
وما يجب ذكره هو مصدر تلك المؤلفات المالكية، ولاشك أنه هو من التراث الإسلامي الذي تجمع في مدينة تنبكتو التي تقع بجمهورية مالي الآن، وتأسست تلك المدينة في القرن الحادي عشر الميلادي على أيدي قبائل الطوارق الصحراوية، وقد اشتهرت تنبوكتو في القرن الخامس عشر بالأنشطة الثقافية الإسلامية المتميزة، واتصف ملك مالي منسا موسى بالتدين وتقوى الله، وشجع شعبه على طلب العلم وإبداء الاحترام لعلماء الدين وطلبة العلم، واخذ يرسل كثيرا من طلاب العلم إلى مدينة فاس المغربية لتحصيل العلوم العربية والإسلامية .
من هذه العبارة الأخيرة التي اقتبستها من كلام ملف كتاب جذور الحضارة الإسلامية في الغرب الإفريقي الدكتور عثمان برايماباري يؤخذ منها أن المدرسة المالكية التنبكتية تعتبر امتدادا للمدرسة المالكية الفاسية، وما يؤكد هذا الامتداد التاريخي بين مدينة فاس ومدينة تنبوكتو بل بين المدرستين المالكيتين الفاسية والتنبكتية، هو أن أحد العلماء واسمه عبد الرحمن التميمي قد جاء إلى تنبكتو من الحجاز بصحبة منسا موسى سلطان مالي عندما رجع من الحج في سنة 724 هـ/1324 م، فسكن فيها، وأدركها حافلا بالفقهاء السودانيين، ولما رأى أنهم فاقوا عليه في الفقه رحل إلى قاس، وتفقه هنالك، ثم رجع إلى تنبكتو، فتوطن فيها، وعلق أستاذ لتاريخ الإسلامي عز الدين موسى على هذه القصة قائلا : "وغني عن القول أن المراد بالفقه هنا هو الفقه على مذهب مالك، لأنهم لم يعرفوا مذهبا غيره" .
ومن العلماء الذين تلقوا العلم من المدرستين أو استفاد من علمائها الفقيه الحافظ مخلوف بن علي بن صالح البلبالي الذي رحل إلى المغرب لطلب العلم رغم كبر سنه، فأدرك ابن غازي المكناسي ثم الفاسي وغيره فأخذ عنه .
وأخيرا أختـم هذا الفرع بما قاله الأستاذ عز الدين عمر موسى تعليقا على ما قيل في أحمد بابا : "أحمد بابا الذي قالوا عنه : في الغرب اشتهر أمره وانتشر ذكره وسلم له علماء الأمصار في الفتوى"، وتعليق الأستاذ عز الدين هو : "ويكفي الإشارة إلى تأليفه لنيل الابتهاج، ليدل على أن علماء السودان – الغربي – من المالكية ليسوا بقليلي العدد، ولا بقصيري الباع في العلم مقارنة بعلماء المالكية في المغرب" .
وأنا أقول إن صح هذا التعليق فمهما تكن درجة علماء السودان في المالكية فإن المذهب المالكي في الغرب الإفريقي سيبقى امتدادا تاريخيا للمدرسة المالكية المغربية، فهذه الأخيرة هي الأصل، والآخر فرع، والله أعلم.
الفرع الثالث : الفقه المالكي مسلك تعبدي لدى مسلمي غرب إفريقيا
وما يجب تنبيه الإخوة والأخوات إليه هو أن مذهب أهل السودان الشرقي هو المذهب الشافعي، وفي ذلك يقول ابن بطوطة : "وسافرت من مدينة عدن (في اليمن) في البحر أربعة أيام ووصلت إلى مدينة زيلع، وهي مدينة البرابرة وهم طائفة من السودان شافعية المذهب، وبلادهم صحراء .. أولها زيلع وآخرها مقدشو" ، وهي عاصمة الصومال الآن. أما السودان الغربي قديما فهو الآن الغرب الإفريقي، ومذهبهم هو المالكي، ولذلك يقول أبو سعيد السمعاني في النسبة إلى المالكية : "إما إلى أبي عبد الله مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي إمام دار الهجرة، وجماعته كثيرة لا يحصون ينسبون إلى مذهبه، يقال لكل واحد منهم المالكي، وجميع أهل المغرب، إذا جاوزت مصر إلى مغرب الشمس كلهم مالكية إلا ما شاء الله، وإما إلى بني مالك" .
والشاهد هو قوله : "جميع أهل الغرب … إلى مغرب الشمس كلهم مالكية إلا ما شاء الله". وقد يقصد بذلك أنهم يتعبدون وفق مذهب الإمام مالك، وأن تعاليمهم الفقهية تعتمد على فقه الإمام مالك، وهذه القصة التي حكاها ابن بطوطة تبين ذلك حيث يقول : "لما دخلنا هذه المدينة – وهي من مدن تركيا – رآنا أهلها ونحن نصلي مسبلي أيدينا، وهم حنفية، لا يعرفون مذهب مالك، ولا كيفية صلاته، والمختار من مذهبه هو إسبال اليدين، وكان بعضهم يرى الروافض بالحجاز والعراق يصلون مسبلي أيديهم، فاتهمونا بمذهبهم، وسألونا عن ذلك فأخبرناهم أننا على مذهب مالك، فلم يقتنعوا بذلك، واستقرت التهمة في نفوسهم حتى بعث إلينا نائب السلطان بأرنب، وأوصى بعض خدامه أن يلازمنا حتى يرى ما نفعل به فذبحناه وطبخناه وأكلناه، وانصرف الخديم إليه وأعلمه بذلك، فحينئذ زالتا عنا التهمة، وبعثوا لنا بالضيافة، والروافض لا يأكلون أربنا" .
ومن المعلوم أن المذهب المالكي هو الذي اشتهر بمسألة الإسبال ويعنون بها إرسال اليدين بعد التكبيرة الإحرام في الصلاة، وما وجهت التهمة إلى ابن بطوطة المالكي وهو في مدينة أهلها أحناف، وهكذا في كثير من القرى النائية في أدغال إفريقيا، لا يعرف أهلها شيئا عن المذهب الحنفي ولا عن المذهب الشافعي ولا عن الحنبلي، فمن قبض يده أي وضع يده اليمنى على اليسرى في الصلاة يتهم بأنه خالف المذهب المالكي، وأنه من الفرقة الوهابية ، وهذا أقل ما يقوله بعض أهل قرية، وقد يتهمك بعض علمائهم بالنفاق، لأن المنافقين هم الذين يقبضون أيديهم، ويفسرون القبض في قوله تعالى : المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون ، بوضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، والأدهى والأمر إلى هذه الساعة مازالت بعض تلك القرى النائية في ساحل العاج وغينيا وغيرهما يمنع أهلها من أن يؤمهم إمام يقبض يداه، ولا يرسلها كما هو مشهور في المذهب المالكي، ومنهم من يمنعك من الدخول في مسجد القرية مادامت تقبض يدك في الصلة، وفي الستينات من القرن العشرين الماضي وقع التقاتل بسلاح الأبيض بين الذين ورثوا الإرسال عن الذين أدخلوهم في الإسلام من المغاربة، وبين الطلبة الذين تفقهوا على المذهب الحنبلي في المشرق وتابعهم بعض أفراد القرى، وكذلك وقع نزاع بينهم في مسألة ركعتي المسجد والإمام يخطب يوم الجمعة، فيجلسون المصلي بقوة، ومثل ذلك النافلة قبل صلاة المغرب في المسجد، ويجدون كل ذلك مخالفة للفقه المالكي.
الخاتمة :
وأخيراً يمكن القول بعد انتشار المذهب المالكي في الغرب الإفريقي انطلاقا من المغرب، واعتماد أهل السودان الغربي على الكتب المالكية في تعاليمهم الفقهية الدينية، وبالخصوص أخذ بعض علمائنا العلم من المدرسة المالكية الفاسية، ثم اتخاذ المسلمين في غرب إفريقيا الفقه المالكي مسلكا يتعبدون به وفق أقوال علمائه ويقلدون كبار الأئمة الفقهاء في المذهب المالكي، كل ذلك يدل على أن المذهب المالكي في أدغال إفريقيا امتداد تاريخي للمذهب المالكي في المغرب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته