
هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة في واحدة من أعظم أحداث التاريخ الإسلامي ، إذ ترتب على هذا الحدث أن صارت للمسلمين - وللمرة الأولى - دولة مقرها يثرب أو المدينة المنورة .
قام نبينا - صلوات الله وسلامه عليه - من قباء قاصداً المدينة المنورة على ناقته ، وكانت كل قبيلة تعرض عليه النزول عندها ، فكان يقول لهم
" دعوها فإِنها مأمورة " ، يقصد بها ناقته المباركة ، فلما أتت الناقة
موضوع مسجده - صلوات الله وسلامه عليه - بركت وهو عليها ، وفى رواية
بركت في موضع بيت عائشة الذي قبض فيه - صلى الله عليه وسلم - ثام قامت
من غير أن تزجر وسارت غير بعيد ، ثم بركت تجاه دار أبي أيوب الأنصاري ، فنزل
فيه - صلوات الله وسلامه عليه - وأقام فيه ما يقرب من سنة وفي اليوم الثاني
لنزوله بدار أبي أيوب الأنصاري عزم على أن يبنى مسجده الشريف عند
الموضع الذي بركت فيه ناقته ، أولاً ، وكان مربداً يجفف فيه التمر
لغلامين يتيمين من الأنصار ، هما سهل وسهيل كانا في حجر أسعد بن زرارة
فساومهما النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه فقالا بل
نهبه لك يا رسول الله فأبى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ابتاعه منهما
وكان جداراً ليس له سقف وكان فيه شجر غرقد ونخل وقبور للمشركين
فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالقبور فنبشت وبالنخل والشجر
فقطعت وصفت في قبلة المسجد وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبنى فيه
مع الصحابه ويقول وهو يعمل معهم " اللهم لا عيش إِلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار وللمهاجرة " .
وكان السبب في عدم قبول الرسول - صلى الله عليه وسلم - العرصة للمسجد النبوى الشريف
من سهل وسهيل أنهما كانا دون البلوغ وأن عطاءهما لا يقبل شرعاً ؛ لأنهما كانا تحت
الوصاية الشرعية لعدم كمال رجولتهما وكانت قبلة المسجد الشريف النبوى إلى بيت المقدس
في الجهة الشمالية منه وصلى ، - صلى الله عليه وسلم - إِلى هذه القبلة
سبعة عشر شهراً ، ولما فرغ - صلوات الله وسلامه عليه - من بناء مسجده الشريف النبوى
بنى بعائشة أم المؤمنين - رضى الله عنها - في البيت الذي بناه لها ، كما بنى بعده بيتاً
لسودة أم المؤمنين ، ثم بنى في أوقات مختلفة بيوتاً لباقي الزوجات .

1- زيادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
ثم زاد - صلى الله عليه وسلم - في مسجده الشريف ثلاثة عواميد من جهة
الغرب في السنة السابعة من الهجرة الشريفة بعد عودته من غزوة خيبر .
وبلغت مساحة المسجد بالأمتار المربعة 2475 متراً .
2- زيادة عمر بن الخطاب :
ثم زاد فيه سيدنا عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - في العام السابع عشر
عامودين من جهة الغرب ، أما من جهة الشمال فأكثر من عامودين ، وعمل فيه
حصوة غير مسقفة وأنشأ البئر المشهورة بين الناس ببئر زمزم
في وسط الحصوة . وبلغت هذه الزيادة بالأمتار المربعة ألفاً ومائة متر .
3- زيادة عثمان بن عفان :
ثم زاد فيه سيدنا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - في العام التاسع والعشرين عاموداً
واحداً من جهة الغرب ، وأكثر من عامود من جهة القبلة ، وأنشأ فيه محرابه المشهور
باسمه الآن وكانت زيادته فيه من جهة القبلة تنتهي عند انتهاء حدود الروضة ومن جهة
الشمال زاد فيه شيئاً قليلاً في الحصوة وكانت عمارته له بالحجارة والجص والعمد
المحشوة بالحديد وتسقيفة بالسياج . وبلغت هذه الزيادة بالأمتار المربعة أربعمائة وتسعة وستين متراً .
4- زيادة الوليد بن عبد الملك :
ثم زاد فيه الوليد بن عبد الملك بن مروان الخليفة الأموى من جهة الغرب على
يد عامله بالمدينة المنورة عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين في العام
الثامن والثمانين وأدخل فيه حجرات أمهات المؤمنين بعد التعويض عنها لهن بما
أرضاهن وأقام الدائر المخمس على الحجرة الشريفة من جهة الشمال
وهذه الزيادة هي آخر الزيادات الحاضرة من جهة الغرب ونقش فيه الجدران بالفسيفساء والمرمر وسقفه بالسياج وذهبه .
وبلغت هذه الزيادة بالأمتار المربعة 2369 متراً .
5- زيادة المهدى بن المنصور :
ثم زاد الخليفة المهدى بن الخليفة المنصور فيه بقية الحصوة كلها وما يحاذيها من المسقف ،
ومن جهة الغرب حتى غاية مصلى النساء في العهد العثماني وقد بأت فيه
هذه الزيادة سنة 161هـ ، وتمت سنة 165 هجرية . وبلغت هذه الزيادة بالأمتار المربعة 2450 متراً .
6- زيادة السلطان قايتباى :
ثم زاد فيه السلطان قايتباى الأشرف المحمودي شيئاً بسيطاً داخل الحجرة
الشريفة لإِقامة الدارابزين الأخضر الموجود عليه وزيادته الآن هى الممر العام
في داخل الحجرات وكان ذلك في عام 888 هجرية . وبلغت هذه الزيادة بالأمتار المربعة 120 متراً .
ثم عمل السلطان محمود خان العثماني قبة أخرى على الحجرة الشريفة
ودهنها باللون الأخضر ولذلك أصبحت تسمى بالقبة الخضراء وعمل
لها قاعدة عظيمة في وسط المسجد الشريف النبوى
أقامها عليها وهى فوق القبة الزرقاء وكان ذلك في عام 1233 هجرية .
7- زيادة السلطان عبد المجيد خان العثماني :
ثم زاد السلطان عبد المجيد خان العثمانى القسم المسقف من الجهة الشمالية
من حدود المنارة المجيدية إِلى حدود المنارة السليمانية وأنشأ فيها الكتاتيب
أى مدارس القرآن الكريم كما أنشأ مخزناً للزيت الذى كان يضاء به الحرم
الشريف النبوى في قناديل تعد بالمئات متفرقة في أنحاء الحرم الشريف
النبوى وبه تنتهى سائر الزيادات في الحرم الشريف النبوى من الجهة الشمالية في العهد الثماني .
أما من جهة الشسرق فقد زاد فيه السلطان عبد المجيد خان العثمانى
الرواق العظيم الواسع المحتوى على الشبابيك الثلاثة وأنشأ فيه دكة مرتفعة
تسمى دكة شيح الحرم الشريف النبوى ، كما أنشأ بابا يسمى باب
جبريل أو باب الجبر أو باب الجنائز . وبلغت زيادة السلطان عبد المجيد
بالأمتار المربعة 1293 متراً وعمارة السلطان عبد المجيد خان العثماني
هذه بأت عام 1265 هجرية وانتهت في عام 1277 هجرية ثم إِلى هذه السنوات
الثلاث عشرة أضيفت ثلاث سنوات أخرى للكتابة والزخرفة والنقوش ، فتمت
عمارة الحرم الشريف النبوى في العهد العثماني سنة 1280 هجرية أما
الترميمات والتجديدات والتعميرات بدون زيادة أو نقص ، فكانت تجديد
المعتصم والظاهر بيبرس البندقدارى ، وتجديد الملك الناصر محمد بن قلاوون ،
وتجديد الأشرف برسباى ، وتجديد الظاهر جقمق وتجديد السلطان سليمان .
الزيادة السعودية
وفي سنة ثمان وستين وثلثمائة وألف للهجرة ، نادى أئمة المساجد في مصر
بجمع التبرعات لإِعمار المسجد النبوى وتناقلتها الصحف ، وجمعت مبالغ كبيرة
لهذا الغرض النبيل ، غير أن جلالة الملك سعود بن عبد العزيز - رحمه الله -
حين علم بأمر هذه التبرعات أمر بردها لأصحابها وقد ألزم نفسه بشرف توسعته
على نفقته الخاصة ، فاستقدم أمهر العمال والمهندسين ، والمعماريين ، لتنفيذ ما
خطط له ، فبلغت مساحته نحو ستة عشر ألفاً وثلثمائة وست وعشرين متراً مربعاً ،
وارتفاع جدرانه بنحو أربعة عشر متراً ، وأضاف لمئذنتيه مئذنتين أخرتين ،
ووسع في أبوابه التسع بمضاعفتها ، وبلغ ما أنفق على هذه التوسعة أكثر من
خمسين مليون ريال ، فظهر للعيان مسجداً يليق بمقام أشرف الخلق وخاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم - .
التوسعة الأخيرة
من عجب أنك لو زرت البيت الحرام ، والحرم النبوى الشريفين كل عام لوجدت
زيادةً في العمارة ، وبهاء وتشريفاً ، لقبول دعاء الزائرين ، والمعتمرين ،
والحجاج المأثور : " اللهم زد هذا البيت تشريفاً ، وتعظيماً ، ومهابةً ، وأمناً " .
فبعد مرور أربعة عشر قرناً على هجرة المصطفى - صلوات الله وسلامه عليه -
خرج على العالم من يسعده أن يُسمى خادم الحرمين الشريفين وهو ملك المملكة
العربية السعودية ، فقام بتوسعة كلا الحرمين ، وكان للمسجد النبوى الحظ
الأوفى من هذه الرعاية ، فجاوزت مساحته أكثر من ثمان وتسعين ألف متر مربع ،
بما يعادل خمسة أمثال مساحته ليسع أكثر من مائة وخمسة وستين ألف مصل ،
إِضافة إِلى سطح المسجد الذي أعد ليسع أكثر من تسعين ألف مصل ،
وبدا يتسع قلب المسجد وسطحه لأكثر من ربع مليون مصل - بالإِضافة
إِلى الساحات المحيطة به ، التى أعدت بكل عناية لتستقبل أعداداً غير محددة م
ن المصلين ، وأعدت سلالم كهربية وغير كهربية لمساعدة المصلين ، للصعود
والهبوط ، في كل جهة من جهات المسجد ، ووسعت أبوابه بنفس النسبة ،
فارتفع عددها من ثمانية عشر ، إِلى واحد وثمانين باباً ، بسعة أكثر من مائتين
وستة وعشرين متراً . ولقد اشتمل المسجد على مساحات مزودة بأسقف
كهربية متحركة ، يسهل فتحها وغلقها وفق التغيرات الجوية ، يبلغ عددها ثلاثاً وثلاثين مظلة .
المـــــآذن
تضاعفت المآذن مرة ونصف المرة فقد زيدت من أربع إِلى عشر
مآذن بارتفاع يجاوز المائة متر ، بعد أن كانت الواحدة لا تجاوز السبعين .
الطابق الأرضـــى
جهز تحت المسجد النبوى الشريف ، الطابق الأرضى ، ليكون مخزناً استراتيجياً
للمياه ، سواء الواردة من زمزم ، أو المعدة للوضوء ، والاستحمام ، والنظافة إِلى
جانب أماكن وقوف السيارات الخاصة بالمصلين ، الذى يتسع لأكثر من
خمس آلاف سيارة في ثلاثة طوابق تحت الأرض ، يستخدم أصحابها سلالم كهربية
لتسهيل صعودهم ، إِلى ساحات المسجد ، إِضافة إِلى احتوائها على ثمان
دورات مياه كل منها مكون من أربعة طوابق تحت الأرض خلافاً لأجهزة التكييف والتنظيف .
نفــق الخدمــات
يوصل " الدروم " - تحت المسجد - بالمدينة المنورة بطول سبعة كيلو مترات
يسمح بمرور السيارات والناقلات حتى قلب " البدروم " ، إضافة إلى كونه
ممراً صناعياً لنقل مخزون المياه ، للوضوء والشرب من خلال أربعة أنابيب ،
سعة أكثر من متر في قطرها تضخ فيها بواسطة ماكينات عملاقة
خارج النفق خارج دائرة الحرم لإِبعاد ضجيجها عن آذان المصلين والزائرين .
دورات الميــــاه
أبعدت دورات المياه - برغم نظافتها ، وبرغم بهائها - عن المسجد الطاهر
، في أطراف الساحات المكشوفة حوله ، تستقبل الرغبين في الوضوء ، والراغبات
على أن يهبط المتوضىء إِليها عبر سلالم كهربية إِلى الأدوار الأربعة تحت الأرض
في البدروم وهى غاية فى الجمال والنظام والنظافة ، من حيث العمارة والسباكة ،
والإِمداد والصرف ، مليئة بالمياه والصابون السائل ، خدمة للزائرين .
الأساســـــــات
اعتمدت الأساسات على الدق والحفر والصب على قواعد خرسانية مسلحة صلبة
تتحمل عظمة المبنى ، تم غرسها بمهارة تحت القواعد ،
لعمق أربعين متراً أو يزيد حسب دراسة أحوال التربة ومدى تحملها .
الأعمـــــــــدة
انتظمت الأعمدة فى المسجد الشريف فوق تلك الأساسات فى منظومة رائعة إِما فردية
أو زوجية أو رباعية ، حسب ما أعدت لحمله ، ويبلغ عددها أربعة آلاف وستمائة وعشرين عاموداً .
وقد تم إِنشاء مصنع حديث لإِمداد مشروع التوسعة بالأحجار الملونة ، ينتج أكثر
من نصف مليون حجر باللون المطلوب ، وعمل نماذج للبواكى وزخرفتها باللون المطلوب ،
لتنقل إِلى المسجد مباشرة ويسهل تركيبها في مكانها المعد مسبقاً دون أية إِضافة ،
ويقع المصنع على بعد من المسجد وهو مجهز بكل وسائل الإقامة والإعاشة والإمكانات
اللازمة للتشغيل وإمداد العمل الكبير بما يتطلبه من احتياجات حتى لا يتعطل العمل .
ولقد خرج العمل بصورة لانملك أمامها إِلا أن نقول : إِن هناك ملائكة تساعد ا
عاملين في البناء والزخرفة والتشكيل والتنظيم والتنظيف ليخرج
هذا المسجد بهذه الصورة الفريدة الرائعة الجمال .
صلى الله عليك يا حبيبى يا رسول الله واللهم أدم علينا الصلاة .
في مسجده الشريف الذي تعدل الصلاة فيه بألف صلاة عما في سواه .