2010-11-07, 11:43
|
رقم المشاركة : 10
|
معلومات
العضو |
|
إحصائية
العضو |
|
|
صياغة القوانين:
يتجه العلم الحديث إلى التدقيق في صياغة القوانين والتعبير عنها، ذلك لأن كثيرا من الأخطاء العلمية كانت ناشئة من التعبير عن المعلومات، فكانت المعلومات القليلة تعبر عنها بما يوهم أنها معلومات كثيرة.
فمثلا، يعلم الواحد منا وجود علاقة بين عشرة من الناس وبين البياض ولكنه يعبر عن هذه العلاقة بأكثر من حجمها فيقول: كل إنسان أبيض، ويرجع الفضل في هذا التعميم إلى ضعف قدرة الفرد على التعبير. إذ إنه حين يسأل كيف عبرت عن عشرة بالكل يقول: أليس معنى الكل (عشرة)؟
لذلك وجب أن نهتم في جعل صيغة القوانين مطابقة لحجم معارفنا عنها حتى لا ندخل في التعبير أكثر مما نعلمه يقينا، وحين نجد في كثير من الكتب العلمية الحديثة أو القديمة تدقيقات في (معنى) الألفاظ، خصوصا تلك الألفاظ المستخدمة في العلوم الطبيعية فإنه إتجاه صحيح، الهدف منه الدقة في التعبير عن القوانين. كما أن الدعوة الحديثة التي أخذت تنصحنا إلى ترويض العلوم جميعها ـ أي جعلها تتبع لغة الرموز تماما كما تفعل الرياضيات ـ هذه الفكرة إنما نشأت بسبب الصعوبات التي يجدها الباحثون في التعبير عن القوانين، حيث إن الألفاظ قد تخون ولا تقدر على (ضبط) المعلومات بالدقة الكافية. من هنا وجب على الباحث ان يكون دقيقا في صياغة القوانين، التي يتوصل إليها حتى لا تعبر الا عن مقدار المعلومات وحدودها بالضبط ويمكن ذلك باتباع التعاليم التالية:
* لا بد من اتضاح الفكرة وبلورتها في الذهن، بحيث يستشعر الباحث نفسه بحدود فكرته وأبعادها، ويتم هذا النضج عادة عندما يقدر الباحث توضيح الفكرة بدون عناء للآخرين، إذ قد يزعم الفرد ان معرفته بمواضيع ناضجة، ولكنه يكتشف غير ذلك فور ما يسعى لشرح الموضوع للآخرين.
* اعتماد الأرقام والبيانات والنسب في التعبير عن الحقيقة، حيث إنها تضع الباحث على مقربة من الواقع. فمثلا، لو قلنا: ثلاثة من كل عشرة من أهل الكويت هم من أصل سعودي كنا أقرب إلى التعبير عن الحقيقة، لو رسمنا خطا قصيرا وإلى جانبه خط طويل للبيان عن نسبة السعوديين في أهل الكويت. وهذا بدوره أضبط مما لو قلنا أقل من نصف أهل الكويت من أصل سعودي. وهو كذلك أضبط من القول ان بعض أهل الكويت من أصل سعودي.
* اعتماد الأرقام والبيانات والنسب في التعبير عن الحقيقة، للفجوة الموجودة بين ما تدل عليه الأرقام (أو الإحصائية) وبين الواقع. فمثلا إذا أردنا التدليل على أن بعض أهل الكويت من أصل عربي خالص دون بعضهم الآخر، فأوردنا إحصائية عن أهله النازحين من السعودية، وقلنا ان 30% من السعودية يوهمنا بأن الآخرين أي 70% هم من أصل فارسي، بينما الحقيقة إن الإحصاء إنما يكشف عن جانب من الحقيقة، ولذلك يجب تنبيه القارئ عن علاقة الإحصاء أو النسب بجوهر القانون.
* وفي الأمور التي لا تخضع للأرقام (كالقضايا الاجتماعية والنفسية والمعارف الفلسفية)، لا بد من اعتماد التعابير الواضحة والتدقيق فيها ونبذ التعابير الأدبية الفضفاضة كالمصطلحات العلمية الغامضة.ومن هنا فإن دراسة الرياضيات واللغة، ضرورتان لفهم القوانين العلمية والتعبير عنها.
والتركيب وهو نوعان:
أ- التركيب العقلي:
وتعريفه أن تربط بين فكرتين لتكشف فكرة ثالثة. كما تربط بين (فكرة) ان الإنسان عاقل و(فكرة) أن العاقل قادر على الاختراع لتكشف: أن الإنسان قادر على الاختراع (وهذه فكرة ثالثة).
وهذا التركيب بؤرة القياس المباشر وغير المباشر، الذي نتحدث عنهما في فصل القياس.
بيد أن التركيب العقلي يعني أيضا افتراض خطة تركيب مادي قبل البدء به إذ ما من تركيب مادي في الواقع إلا ويسبقه تركيب عقلي، بمعنى أن الإنسان يفكر في تركيب الأجزاء إلى بعضها ثم يبدأ بذاك.
ب- التركيب المادي:
والهدف من التركيب المادي قد يكون معرفة الخصائص التي تنطوي عليها العناصر وهذه من أنواع التجربة الفجة، بينما قد تكون الغاية من التركيب المادي اثبات نظرية سابقة. كما إذا أردنا التحقق من فكرة أن الماء مركب من عنصري الأوكسجين والهيدروجين. هنالك أمامنا طريقتان للتثبت، الأولى: تحليل قدر من الماء إلى عنصرين، والثانية: تركيب العنصرين حتى يتحولان إلى ماء وهذا النوع هو التركيب المادي.
ويمكن التمثيل له أيضا بالتأليف بين معادن مختلفة بنسب معينة من النحاس والرصاص والقصدير. وهذا النوع من التركيب التجريبي هام جدا باعتباره وسيلة إلى الاختراع، وهناك علاقة متبادلة بين التحليل والتركيب بمعنى أن كلا منهما يؤدي وظيفة الآخر، ولذلك وجب ألا ننظر إليهما كما لو كانا عمليتين تختلف إحداهما عن الأخرى تماما، بل على اعتبار أنهما مظهران لعملية واحدة بعينها، وهي تمثل التفكير الإنساني في جملته، حقا قد يغلب أحد هذين المظهرين على الآخر، ولكن ليس من الممكن ان يستقل أحدهما عن الآخر تماما، فلا بد للتحليل من التركيب والعكس بالعكس. فإن الغلو في التحليل ينتهي بالمرء إلى نسيان ان الظواهر الطبيعية ليست من البساطة إلى الحد الذي يتصوره، ولأن الغلو في التركيب يؤدي إلى وضع فروض سريعة تقوم على أساس الملاحظات الخاطئة والآراء الوهمية.
اسم الكتاب: المنطق الإسلامي أصوله ومناهجه
المؤلف: آية الله السيد محمد تقي المدرسي
الناشر: دار البيان العربي - بيروت ، لبنان
اللغة: عربي
|
|
|