منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - 10 دروس كاملة في الاستقراء و خطواته...
عرض مشاركة واحدة
قديم 2010-11-07, 11:35   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
ترشه عمار
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية ترشه عمار
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


بعد هذا الاستعراض يبقى السؤال الأهم وهو: ما هو ضمان الاستقراء؟ وكيف نثبت أن الظاهرة التجريبية التي وقعت مرة سوف تقع كل مرة في كل زمان ومكان؟ لقد سعى مناطقة كثيرون للوصول إلى ضمان كاف يستندون إليه باطمئنان في هذا المجال، وفيما يلي بعض هذه المساعي:
1- أول من سعى إلى ضمان الاستقراء بتحليل قضية العلية بطريقة عملية هو (لاشيليه) حيث انتهى إلى تقرير مبدأين:
أ- في كل سلسلة من الأحداث لا بد أن يعين وجود ظاهرة وجود ظاهرة أخرى.
ب- وجود ظاهرة في نظام معين لا يتعين تعيينا حقيقيا إلا بالنسبة إلى نظام الكون.
ويقصد من المبدأ الأول أن الظواهر الكونية مترابطة، بحيث يستحيل ان تبدو ظاهرة دون ان تسبقها ظاهرة أخرى ودون أن تلحقها ظواهر ثانية، وبهذا يكون الكون عبارة عن سلسلة من الظواهر المترابطة ولكن لا تبقى هذه الظواهر مترابطة بشكل سلسلة طويلة وبلا هدف، بل يكون الترابط بشكل دائري، يحده من كل جهة النظام العام، الذي جعل للكون كله. وهذا هو معنى المبدأ الثاني، الذي بدونه لا يمكن أن نحصل على العلم الحقيقي، وإذا أردنا ان نضرب لظواهر الكون مثلا لقلنا نفترض جسم إنسان وفيه ما لا تحصى من الخلايا وكل خلية نفترض أنها ظاهرة تحدث، وتتعين بظاهرة أخرى، التي هي هنا عبارة عن خلية ثانية (هذا هو المبدأ الأول). ولكن، هل تستمر الخلايا في التكاثر إلى ما لا نهاية؟ طبعا لا، بل سوف تتحدد الخلايا بقدرة الجسم على تحملها وبما في الجسم من ضوابط وقوانين عامة. تسبب في (تحديد) تسلسل الظواهر وهذا هو المبدأ الثاني عند (لاشيليه) الذي يقول:
هذا المبدأ هو مبدأ الغائية، والغائية هنا ليست بالمعنى المفهوم عادة من أن مجموعة أشياء تتجه نحو غاية نهائية، وإنما يقصد به أن ثمة نظاما يقتضي ترابط الأشياء على نحو ضروري، من شأنه أن يجعل الجزء الواحد يتوقف في تركيبه وطبيعته على الجزء الآخر، وبتعبير آخر: إذا كونت الظواهر نظاما فإن هذا النظام تقود فيه فكرة الكل فكرة الأجزاء، وطبيعة الكل تحدد وجود الأجزاء1. ولكن لاشيليه لم يبين لنا ـ بعد هذا الكلام كله ـ ما الدليل على صحة هذه الافتراضات ولماذا يجب علينا أن نعتقد ان الظواهر تعين بعضها وإنها تخضع لقانون عام؟ وهل أننا اكتشفنا هذه الحقيقة بالتجربة أم بالعقل وكيف؟
2- يبقى أن نسأل: ما هو نظر الإسلام كمنهج للمعرفة في هذا المضمار؟
قبل كل شيء يذكِّر الإسلام البشر بعقله ليتخذه مصباحا يكشف به غيب الحياة ـ وتماما كما أن كل شيء في البيت المظلم ينكشف بالمصباح، والمصباح ذاته لا يعرف الا بنفسه بعد الإلتفات إليه ـ فإن الإسلام يعتبر العقل أول ما يعرف، بيد أن معرفته لن تكون الا بذاته إذ كيف يتسنى للإنسان أن يكشف العقل وهو لا يملكه؟ بل كيف يكون العقل كاشفا للبشر عن كل شيء، ولا يكون كاشفا عن ذاته؟ هكذا يبدأ الإسلام معالجة أعقد مشكلة عند البشر من زاوية جديدة وبمنهج جديد، وذلك حين يأمر الإنسان بألا يحاول معرفة العقل إلا بذات العقل، إذ إنه سينحرف عن الطريق السليم لو أراد معرفته بالتوصيف أو بتصورات غريبة عنه، فليس العقل بعيدا عن الإنسان حتى يسعى الفرد إلى معرفته بشيء غريب، بل هو أقرب إلى الفهم من أي شيء آخر، لأنه هو الذي يكشف الأشياء الأخر.
إن الكشف الذاتي الذي يتصف به العقل، نابع من أن كل شيء ظاهر بسببه، فكل ما هو منكشف للبشر وظاهر له آية من آيات وجوده. ومن هنا كان على الإنسان الغافل عن عقله ان يستثير في ذاته أكبر كمية ممكنة من معارفه ليجد أنه لا يحيط بها علما لولا وجود (نور) لديه يكشفها وهو العقل، فالالتفات إلى آثار العقل، التي هي تلك المعارف التي يكشفها العقل للإنسان هذا الالتفات هو أقرب وسيلة لمعرفته.
وإذا استيقظ العقل في ذات الإنسان كان من أبرز صفاته الإيمان بذاته، والثقة التامة بما يكشفه من حقائق.
خلاصة القول، إن الإسلام ينطلق من منهجه من قاعدتين:
1- التذكرة بأن معرفة العقل هي بداية معرفة معارف الإنسان الأخرى.
2- التوجيه بأن معرفة العقل لا تتم إلا بالعقل نفسه، وذلك عن طريق إثارة ومقارنة بعضها بالبعض.
وحين يتعرف الإنسان على العقل، يستطيع أن يميز العلم الصحيح عن الخيال الفارغ، فالعقل يحكم باستحالة التناقض والتضاد، وقبح الشر والظلم، وبصحة الأشياء التي يحس بها الإنسان، وأخيرا يتسطيع ان يرد كل حادثة إلى سببها. كما يتأكد العقل من أي هاجس في النفس أنه حق أم باطل، بعد أن يعيده إلى مصدره.
والإسلام أولى جانب الحس أهمية مناسبة حيث دعا إلى النظر في آيات الباري والسير في أرض الله، ولكنه أولى العقل أكثر اهتمامه، لأنه موجه الحس ولنفترض أننا أبعدنا العقل لحظة واحدة من مجال الحس لنرى كيف نتخبط في الضلالات حتى لا نستيطع كشف أية حقيقة، مهما كانت ضئيلة، بواسطة الحس وحده، بل ان نكران العقل يدعونا إلى التشكيك في وجود أية حقيقة وراء الحس، بل قد ينتهي بنا إلى الشك في ان الحس شيء نابع من الأعصاب ذاتها. بمعنى أن العين لا تبصر الحقائق الخارجية إنما هي تصنع حقائق وتبصرها، فإن لم يكن لدينا نور يحكم بأن مصدر الإحساس لا بد أن يكون حقيقة خارجية ـ لأنه لا يمكن وجود سبب له ـ لو لم يكن هذا النور موجودا لدينا فإن أية حجة لا تقدر على اثبات الحقائق وراء الإحساس.
وصرح العلم، الذي نفتخر به اليوم، يقوم على أساس التجربة، والتجربة تقوم على قاعدتين: الحس والعقل. إن الحيوان لا يمكنه أن يكتشف من تجاربه علما، مع أنه يحس ربما أشد وأقوى. فالكلب ذو سمع شديد والصقر ذو بصر نافذ، لكنهما يفتقران إلى التجارب لأنهما يحسان فقط دون ان يعقلان (حسهما).
ثم إننا لا نملك في أي قانون من قوانينا العلمية، التجربة الشاملة التي تحصي جميع أفراد الظاهرة، دعنا نفترض قانون التجاذب الذي بشر به نيوتن، هل جرب مكتشفه كل تجارب الكون؟ كلا، فهذا مستحيل، ان ما فعله لم يتعد اجراء التجربة على بضعة حوادث حتى حصلت له القناعة التامة بأن أية حادثة أخرى، لا تعدو أن تكون مثل تلك التي جربها.
وهذه القناعة من أين حصل عليها؟ من أين استطاع قياس ما يأتي بما مضى؟ أفليس لحكم عقله بالمعادلة التالية:
إن التجربة الماضية دلت بطريق الحس على وجود تجاذب بين جسم وجسم مخصوصين، وإن هذا التجاذب ليس صدفة وإنما هو بسبب وجود علة في الأجسام، وحسب عدة ملاحظات على أنواع من الأجسام عرفنا وجود هذه العلة فيها، فدل على أن كل الأجسام ذات قوة تتجاذب بها.
ترى، كم من حكم عقلي اشترك على إعطائنا هذا القانون العلمي؟ ومع أننا لا نرتاب في هذه الأحكام فإن أحدا منا لا يدعي أنه قد جربها هي الأخرى، وأنه لولا التجربة لم يكن يعترف بها.
خلاصة القول: ان الإسلام ـ حين يذكرنا بالعقل، ويوجه الفرد إلى نوره وهداه، يؤمن العقل بذاته، وبما يكشفه لنا وفي طليعته الإيمان بمبدأ ثبات الظواهر، والذي يفيدنا في فكرة (السنة) الإسلامية. ان أبسط دليل على صحة فكرة السنة هو الضرورة العقلية التي تتسم بها هذه الفكرة، وهذه الضرورة هي من مكتشفات العقل، والعقل ذاته ثقة وإيمان لا يمكن الشك فيه، والدليل على ذلك، هو ذاته ليس أكثر. من هنا نعرف إن نظرية راسل في فكرة القانون هي نظرية غير صحيحة.










رد مع اقتباس