الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاستعاذة المصلي قبل القراءة مستحبة في أول كل ركعة عند الشافعية في المعتمد، ورواية صحيحة عند الحنابلة كما في الإنصاف، ولم يستحبها المالكية في النفل وكرهوها في الفرض، واستحبها الحنفية وهو المعتمد عند الحنابلة في الركعة الأولى فقط، ونقل العبدري وجوبها عن عطاء والثوري، وهي رواية عن أحمد اختارها ابن بطة، ورواية عن داود الظاهري، قال الإمام النووي رحمه الله تعالى ( فاستحبه – التعوذ- للمصلي جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، ومنهم ابن عمر وأبو هريرة وعطاء بن أبي رباح والحسن البصري وابن سيرين والنخعي والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وسائر أصحاب الرأي وأحمد وإسحاق وداود وغيرهم، وقال مالك لا يتعوذ أصلاً لحديث المسيء في صلاته ودليل الجمهور الآية، وهي قوله تعالى فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم واستدلوا بأحاديث ليست بثابتة فالآية أولى.
وأما استحبابه في كل ركعة فقد ذكرنا أن الأصح في مذهبنا استحبابه في كل ركعة، وبه قال ابن سيرين وقال عطاء والحسن والنخعي والثوري وأبو حنيفة يختص التعوذ بالركعة الأولى، وأما استحبابه للمأموم فمذهبنا أنه يستحب له كما يستحب للإمام والمنفرد. وقال الثوري وأبو حنيفة لا يتعوذ المأموم، لأنه لا قراءة عليه عندهما، وأما حكمه فمستحب ليس بواجب، هذا مذهبنا ومذهب الجمهور، ونقل العبدري عن عطاء والثوري أنهما أوجباه، قال: وعن داود روايتان ( إحداهما) وجوبه قبل القراءة، ودليله ظاهر الآية، ودليلنا حديث المسيء صلاته، انتهى.
فهذا الحديث المذكور هو الصارف للأمر من الوجوب إلى الاستحباب عند جمهور الفقهاء رحمهم الله، والقول بالوجوب الذي ذهب إليه الشيخ الألباني – كما ذكرتم- ومن سبقه ممن ذكرناهم من أهل العلم له حظ من النظر ولكن في الركعة الأولى فقط، أما في سائر الركعات فلم نقف له على سلف.
والله أعلم.
وأما عن تكرار الاستعاذة في كل ركعة، فمذهب الجمهور أنها تختص بالركعة الأولى، وذهب الحسن، وعطاء، وإبراهيم النخعي، وهو مذهب الشافعية، إلى استحبابها في كل ركعة، واستدلوا بعموم قوله تعالى: فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [النحل:98].
ولا شك أن الآية تدل على مشروعية الاستعاذة قبل قراءة القرآن، وهي أعم من أن يكون القارئ خارج الصلاة، أو داخلها، وأحاديث النهي عن الكلام في الصلاة، تدلُّ على المنع منه حال الصلاة، من غير فرق بين الاستعاذة وغيرها، مما لم يرد به دليل يخصه، ولا وقع الإذن بجنسه، فالأحوط الاقتصار على ما وردت به السنة، وهو الاستعاذة قبل قراءة الركعة الأولى فقط، على ما دلّت عليه الأحاديث، كحديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- حيث قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة استفتح، ثم يقول: "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه، ونفخه، ونفثه. رواه أبو داود، والترمذي.
منقول من الشبكة الإسلامية