منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - أقوال العلماء في الاستغاثة بغير الله
عرض مشاركة واحدة
قديم 2023-11-24, 07:28   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
عبدالله الأحد
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










افتراضي

قلنا: الشرك شركان.
الأول: شرك يتعلق بذات المعبود وأسمائه وصفاته وأفعاله.
الثاني: وشرك في عبادته ومعاملته، وإن كان صاحبه يعتقد أنه سبحانه لا شريك له في ذاته ولا في أسمائه وصفاته وأفعاله. أما الشرك الثاني فهو الذي فرغنا من الكلام فيه وأشرنا إليه الآن، ونشبع الكلام فيه إن شاء الله تعالى) (ص15-16).
وقال أيضاً: فنقول: اعلم أن حقيقة الشرك تشبيه الخالق بالمخلوق وتشبيه المخلوق بالخالق أما الخالق فإن المشرك شبّه المخلوق بالخالق في خصائص الإلهية. وهي التفرد بملك الضر والنفع والعطاء والمنع فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق تعالى، وسوى بين التراب ورب الأرباب فأي فجور وذنب أعظم من هذا.؟!
واعلم أن من خصائص الإلهية: الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي لا نقص عليه بوجه من الوجوه وذلك يوجب أن تكون العبادة له وحده عقلاً وشرعاً وفطرة، فمن جعل ذلك لغيره فقد شبّه الغير بمن لا شبيه له، ولشدة قبحه وتضمنه غاية الظلم، أخبر من كتب على نفسه الرحمة أنه لا يغفره أبداً. فمن خصائص الإلهية العبودية التي لا تقوم إلا على ساق الحب والذل، فمن أعطاهما لغيره فقد شبهه بالله تعالى في خالص حقه وقبح هذا مستقر في العقول والفطر، لكن لما غيرت الشياطين فطر أكثر الخلق واجتالتهم عن دينهم وأمرتهم أن يشركوا بالله مالم ينـزل به سلطاناً. كما روى ذلك عن الله أعلم الخلق به وبخلقه، عموا عن قبح الشرك حتى ظنوه حسناً، ومن خصائص الإلهية السجود فمن سجد لغيره فقد شبهه به ومنها التوكل فمن توكل على غيره فقد شبهه به.
ومنها الحلف باسمه فمن حلف بغيره فقد شبهه به. ومنها حلق الرأس. إلى غير ذلك (ص18).

ويقول الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني المتوفى سنة (1182 هـ) في كتابه الشهير المسمى "بتطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد"، قرر في هذا الكتاب ما قرره الإمام محمد في كتبه من إنكار الشرك في البلاد الإسلامية وقرر التوحيد الذي دعا إليه الأنبياء ودعا إليه الإمام محمد ومن سبقه من الأئمة المصلحين الآنف ذكرهم.
قال في خطبة كتابه تطهير الاعتقاد (ص4):" وبعد فهذا تطهير الاعتقاد عن أدران الإلحاد وجب عليّ تأليفه وتعيّن عليّ ترصيفه لما رأيته وعلمته من اتخاذ العباد الأنداد في الأمصار والقرى وجميع البلاد من اليمن والشام ومصر ونجد وتهامة ، وهو الاعتقاد في القبور وفي الأحياء ممن يدعي العلم بالمغيبات والمكاشفات وهو من أهل الفجور لا يحضر للمسلمين مسجداً ولا يرى لله راكعاً ولا ساجداً ولا يعرف السنة ولا الكتاب ولا يهاب البعث ولا الحساب.
فوجب عليّ أن أنكر ما أوجب الله إنكاره ولا أكون من الذين يكتمون ما أوجب الله إظهاره.
فاعلم أن هاهنا أصولاً هي من قواعد الدين ومن أهم ما تجب معرفته على الموحدين ".
وقال - رحمه الله-: فإن قلت: هم جاهلون أنهم مشركون بما يفعلونه.
قلت: قد صرح الفقهاء في كتب الفقه في باب الردة: أن من تكلم بكلمة الكفر يكفر، وإن لم يقصد معناها. وهذا دال على أنهم لا يعرفون حقيقة الإسلام، ولا ماهية التوحيد، فصاروا حينئذ كفاراً كفراً أصلياً، فالله تعالى فرض على عباده إفراده بالعبادة ( أن لا تعبدوا إلا الله)، وإخلاصها له ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين) الآية.
ومن نادى الله ليلاً ونهاراً، وسراً وجهاراً، وطمعاً، ثم نادى معه غيره، فقد أشرك في العبادة، فإن الدعاء من العبادة وقد سماه الله تعالى عبادة في قوله تعالى إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) بعد قوله ادعوني أستجب لكم) فإن قلت: فإذا كانوا مشركين وجب جهادهم والسلوك فيهم مسلك رسول الله –صلى الله عليه وسلّم- في المشركين.
قلت: ذهب إلى هذا طائفة من أئمة العلم فقالوا يجب أولا دعاؤهم إلى التوحيد وإبانة أن ما يعتقدونه لا ينفع ولا يضر ولا يغني عنهم من الله شيئاً... وأن هذا الاعتقاد منهم فيهم شرك لا يتم الإيمان بما جاءت به الرسل إلا بتركه والتوبة منه وإفراد التوحيد اعتقاداً وعملاً لله وحده، وهذا واجب على العلماء أي بيان أن ذلك الاعتقاد الذي فرعت منه النذور والنحائر والطواف بالقبور شرك محرم، وأنه عين ما كان يفعله المشركون لأصنامهم، فإذا أبان العلماء ذلك للأئمة والملوك وجب على الأئمة والملوك بعث الدعاة إلى الناس يدعونهم إلى إخلاص التوحيد لله فمن رجع وأقر حقن عليه دمه وماله وذراريه، ومن أصر فقد أباح الله منه ما أباح لرسولهrمن المشركين" تطهير الاعتقاد (ص30 – 32).

ويقول الإمام حسين بن مهدي صاحب كتاب " معارج الألباب في مناهج الحق والصواب " المتوفى سنة (1178هـ)، قال - رحمه الله-(ص201- 203) "ولما كان الثاني نتيجة الأول، ومرمى غرض إبليس من الدلالة عليه نقل من خفي عليه الأمر من الرضا بالأول إلى الرضا بالثاني، ومن يتكلم بمثل هذا إلا من لا يدري ما فشا في العامة، ومن امتاز عنهم بالاسم فقط، وما صار هجّيراهم عند الأموات ومصارع الرفات من دعائهم والاستغاثة بهم، والعكوف حول أجداثهم، ورفع الأصوات بالخوار، وإظهار الفاقة والاضطرار، واللجأ في ظلمات البحر، والتطام أمواجه الكبار، والسفر نحوها بالأزواج والأطفال. والله قد علم ما في طي ذلك كله من قبيح الخلائق والأفعال، وارتكاب ما نهى الله عنه وإضاعة حقوق ذي العزة والجلال، والالتجاء المحقق إلى سكان المقابر في فتح أرحام العقام، وتزويج الأرامل والأيامى من الأنام، واستنـزال السحائب والأمطار واستماحة المآرب والأوطار، ودفع المحاذير من المكاره والشدائد، والإناخة بأبوابها لنيل ما يرام من الحوائج والمقاصد. وبالجملة: فأي مطلب أو مهرب ترى هنالك ربع المشهد مأهولاً، وقد قطعت إليه المهامه وعوراً وسهولا، والنداء لساكنه أن يمنح أو يريح، والتأدب والخضوع والتوقير والرغبة، ومشاعر الرهبة. وينضاف إلى ذلك – خصوصاً في الزيارات في الأعياد والموالد- نحر الأنعام، وترك الصلاة، وصنوف الملاهي، وأنواع المعاصي للمليك العلام، وكثيرون لا طمع في حصرهم، ولعلهم العموم، إلا من شاء الله، إن لم تلد زوجة أحدهم أو طال مرض مريض منهم، أو أصاب امرأة التوق إلى النكاح، أو قحطت الأرض، أو دهمهم نازل من عدو، أو جراد أو غيرهما، أو راموا أمراً عناهم تحصيله فالولي في كل ذلك نصب العين، وإذا جرى المقدور بنفع أو دفع ضر، أو حصول مكروه كان المركوز في عقيدتهم التي لا يتحولون عنها: إن ذلك ثمرة الاستغاثة به، والإنابة إليه في الأوّلين ودليل ضعف الاعتقاد، أو اختلال شرط من المنيب أو نحوهما في الثالث فصار مدار التصرف والحصول له خاصة، أو مع الله في شيء دون شيء.
وحاصل معتقدهم: إن للولي اليد الطولى في الملك والملكوت كما سيأتي في تحقيق هذا وشرح وقوعه في أفعال من على هذه العقيدة،وذكر ألفاظهم مبينة مفسرة، مصرحة بما حكيناه عنهم، وأنهم قد ذهبوا هذا المذهب المشروح آنفاً في سكان التراب، وأنزلوهم هذه المنـزلة المحكية من مساواة رب الأرباب، وقد سردنا بعضها للبيان، ولئلا يتمكن الخصم من جحود، أو يقدر على مدافعة، وليعرف كل سامع لما نمليه: أن القائل " بأن العوام قد يقع منهم عبارات موهمة، وقصارى أمرهم: التوسل" إما غالط أو خالط، أو جاهل للدين وإلا فما بعد هذا ؟
فإن العامة في كثير من حالاتهم وتقلبهم قد أبدلوا معالم الشرع بسواها في هذه الجهة فجعلوا الذهاب إلى قبة الشيخ والتضرع له، والإلحاح عليه: عوضاً عن الخروج إلى ظاهر البلد للاستسقاء، والإنابة إلى الله في كشف تلك النازلة أو سبيلاً إلى كشفها، مثل الخروج للتضرع إلى الله، ولكن عند بعضهم. وأما جمهورهم فلا يعرف لهذا المقام وظيفة سوى عتبات المشايخ.
هذا مثال ولقد سلكوا هذا المسلك في مريض أعيا داؤه، وذليل قهره أعداؤه، وذي سفينة عصفت عليها الرياح، وتجارة امتدت آمال قاصدها إلى نيل الأرباح ".

ويقول الإمام محمد إسماعيل الهندي الدهلوي المتوفى سنة 1246 هـ قال في كتابه القيم " تقوية الإيمان " (ص1-4) (الباب الأول في بيان الشرك والتوحيد)
اعلم أن الشرك قد انتشر في الناس وقل فيهم التوحيد الخالص وندر، فأكثر الناس لا يعرفون معنى الشرك والتوحيد بل جهلوه، ومع ذلك يدعون الإيمان، وهم مبتلون بالشرك، فعلينا أولاً أن نعرف معنى الشرك والتوحيد على ضوء القرآن الكريم.
ومن المعلوم أن أكثر الناس يدعون الأولياء والرسل والأئمة والشهداء والملائكة والأغوال والعفاريت عند الشدائد والمصائب ويستمدون بهم في البلايا ويقدمون النذور إليهم لقضاء حوائجهم، ويعبَّدون لهم أولادهم لرفع المصيبة عنهم، فيسمي أحد ابنه بعبد النبي وبعلي بخش " أي هبة علي " وبحسين بخش " أي هبة حسين " وبير بخش " أي هبة المرشد " وبعضهم يسمي ولده بمدار بخش " أي هبة مدار " وبسالار بخش " أي هبة سالار " ويسمي البعض بغلام محي الدين " أي عبد محي االدين " وغلام معين الدين " أي عبد معين الدين " وبعضهم يرسل ضفائر أولاده لا يحلقها ولا يقصرها على اسم بعض الأولياء لكيلا يموت ولده، وبعضهم يلبس ولده الخيوط في عنقه على اسم بعض الأقطاب وبعضهم يلبسه الثياب وبعضهم يجعل في رجله حلقة الحديد، وبعضهم يذبح لغير الله، وببعضهم يستغيث بغيره في الكربات مثلا يقول يا عبد القادر، وبعضهم إذا حلف فيحلف بغير الله، مثل ما يفعله عباد الأصنام مع أصنامهم ومع ذلك يدعون أنهم مسلمون، سبحان الله هذا من العجب العجاب.
وقد قال الله تعالى فيهم في سورة يوسف " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" فإذا قيل لهم لماذا تأتون بأعمال شركية مع ادعائكم الإيمان فيجيبون بأننا لا نشرك بالله بل نظهر عقيدتنا في جناب الأنبياء والأولياء، وهذا ليس بشرك لأننا لا نبلغهم إلى رتبة الألوهية والعبودية، بل نعتقد أنهم عباد الله وخلقه وقد أعطاهم الله قدرة التصرف في الكون ويتصرفون فيه بمشيئته، فدعاؤهم هو دعاء الله والاستغاثة بهم هو الاستغاثة به، والاستعانة بهم هو الاستعانة به، وهم أحباء الله يفعلون ما يشاءون، وهم شفعاؤنا عند الله فنحن نتقرب منهم إلى الله تبارك وتعالى.
وسببه الوحيد أنهم تركوا كتاب الله وسنة رسوله فاتبعوا الشهوات والهوى ومالوا إلى الأساطير الكاذبة، وعملوا بالعادات والتقاليد السيئة، فلو تأملوا الكتاب والسنة لعرفوا أن الكفار كانوا يشبهونهم في عقائدهم الفاسدة، وقال الله تعالى راداً عليهم في سورة يونس " ويعبدون من دون الله مالا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون " أي الذين يدعون من دون الله لا يستطيعون أن ينفعوا أو يضروا وكذلك لا يقدر أحد لا في السماء ولا في الأرض أن يشفع لأحد إلا بإذن الله فالأولياء والأنبياء لا يستطيعون أن يشفعوا لأحد إلا بإذن الله، فمن يعبد ولياً أو نبياً وهو يعتقد أنه شفيعه عند الله فهو شرك.
وقد قال الله تعالى في سورة الزمر " والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار " فالآية تدل على أن من يتخذ أحداً وليه ثم يعبده ظناً منه أنه يقربه من الله فهو شرك جلي كما قال الله تعالى في سورة المؤمنين " قل من بيده ملكوت كل شيء، وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله قل فأنى تسحرون " هذه الآيه الكريمة تبين أن الله تبارك وتعالى لم يمكن أحداً أن يتصرف في العالم، وليس له قدرة أن يشفع لأحد عنده، ومن المعلوم أن كفار مكة ما كانوا يتخذون أصنامهم إلهاً بل كانوا يعلمون أنهم عباد الله ومن خلقه، لكنهم كانوا يدعون الأصنام ويقدمون لهم النذور ويجعلونهم شفعاء في البلاء، فهذا هو الشرك، فمن يعتقد مثل هذه الاعتقادات في غير الله بأنه يرفع البلاء ويكشف الضر ويقضي حوائج الإنسان، ويعطي الأولاد فهو وأبو جهل كلاهما متساويان في الشرك. وثبت أن الشرك لا يتوقف على أن يساوي أحداً بالله من المخلوقين بل معنى الشرك أن ما خصه الله لنفسه من الصفات والنعوت والحقوق لا يشرك بها أحد غيره معه نحو السجدة إلى القبور، والذبح لغير الله، ودعاء غيره في البلاء، واعتقاد التصرف في الكون أو في شيء من ملكه بغير مشيئته فيثبت من هذه الأمور الشنيعة الشرك، فمن يخص هذه الحقوق المختصة بالله غيره من الأنبياء والأولياء وأهل القبور فقد أشرك".

ويقول العلامة محمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة (1250هـ) بعد إيراده الأدلة على تحريم الشرك كبيره وصغيره وذكر ما يفعله المتعلقون بالأولياء من الدعاء لهم وغيره.
قال في كتابه الدر النضيد (ص19): وأما اعتقادهم أنها تضر وتنفع فلولا اشتمال ضمائرهم على هذا الاعتقاد لم يدع أحدٌ منهم ميتاً أو حياً عند استجلابه لنفع أو استدفاعه لضر قائلاً يا فلان افعل لي كذا وكذا وعلى الله وعليك وأنا بالله وبك.
وأما التقرب للأموات فانظر ماذا يجعلونه من النذور لهم وعلى قبورهم في كثير من المحلات، ولو طلب الواحد منهم أن يسمح بجزء من ذلك لله تعالى لم يفعل، وهذا معلوم يعرفه من عرف أحوال هؤلاء.
(فإن قلت) إن هؤلاء القبوريين يعتقدون أن الله تعالى هو الضار النافع والخير والشر بيده، وإن استغاثوا بالأموات قصدوا إنجاز ما يطلبونه من الله سبحانه (قلت) وهكذا كانت الجاهلية فإنهم كانوا يعلمون أن الله هو الضار النافع وأن الخير والشر بيده وإنما عبدوا أصنامهم لتقربهم إلى الله زلفى كما حكاه الله عنهم في كتابه العزيز، نعم إذا لم يحصل من المسلم إلا مجرد التوسل الذي قدمنا تحقيقه فهو كما ذكرناه سابقاً ولكن من زعم أنه لم يقع منه إلا مجرد التوسل وهو يعتقد من تعظيم ذلك الميت مالا يجوز اعتقاده في أحد من المخلوقين، وزاد على مجرد الاعتقاد فتقرب إلى الأموات بالذبائح والنذور وناداهم مستغيثاً بهم عند الحاجة فهذا كاذب في دعواه أنه متوسل فقط، فلو كان الأمر كما زعمه لم يقع منه شيءٌ من ذلك والمتوسل به لا يحتاج إلى رشوة بنذر أو ذبح ولا تعظيم ولا اعتقاد لأن المدعو هو الله سبحانه، وهو أيضاً المجيب ولا تأثير لمن وقع به التوسل قط، بل هو بمنـزلة التوسل والعمل الصالح فأي جدوى في رشوة من قد صار تحت أطباق الثرى بشيء من ذلك ؟ وهل هذا إلا من فعل من يعتقد التأثير اشتراكاً أو استقلالاً ؟ ولا أعدل من شهادة أفعال جوارح الإنسان على بطلان ما ينطق به لسانه من الدعاوى الباطلة العاطلة، بل من زعم أنه لم يحصل منه إلا مجرد التوسل، وهو يقول بلسانه يا فلان منادياً لمن يعتقده من الأموات فهو كاذب على نفسه ومن أنكر حصول النداء للأموات والاستغاثة بهم استقلالاً فليخبرنا ما معنى ما نسمعه في الأقطار اليمنية من قولهم يا ابن العجيل ! يا زيلعي ! يا ابن علوان ! يا فلان يا فلان وهل ينكر هذا منكر أو يشك فيه شاك ؟ وما عدا ديار اليمن فالأمر فيها أطم وأعم، ففي كل قرية ميت يعتقده أهله وينادونه وفي كل مدينة جماعة منهم حتى أنهم في حرم الله ينادون يا ابن عباس ! يا محجوب! فما ظنك بغير ذلك فلقد تلطف إبليس وجنوده أخزاهم الله تعالى لغالب أهل الملة الإسلامية بلطفة تزلزل الأقدام عن الإسلام فإنا لله وإنا إليه راجعون.
أين من يعقل معنى ( إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم(، ) فلا تدعوا مع الله أحداً(، ) له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء ) وقد أخبرنا الله سبحانه أن الدعاء عبادة في محكم كتابه بقوله تعالى (ادعوني أستجب لكم، إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) وأخرج أبو داود والترمذي وقال حسن صحيح من حديث النعمان بن بشير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - "إن الدعاء هو العبادة " وفي رواية " مخ العبادة " ثم قرأ رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم - الآية المذكورة وأخرج أيضاً النسائي وابن ماجه والحاكم وأحمد وابن أبي شيبة باللفظ المذكور.
وكذلك النحر للأموات عبادة لهم والنذر لهم بجزء من المال عبادة لهم والتعظيم عبادة لهم كما أن النحر للنسك وإخراج صدقة المال والخضوع والاستكانة عبادة لله عز وجل بلا خلاف، ومن زعم أن ثم فرقاً بين الأمر فليهده إلينا، ومن قال أنه لم يقصد بدعاء الأموات و النحر لهم والنذر عليهم عبادتهم فقل له: فلأي مقتض صنعت هذا الصنع ؟ فإن دعاءك الميت عند نزول أمر بك لا يكون إلا لشيء في قلبك عبر عنه لسانك، فإن كنت تهذي بذكر الأموات عند عروض الحاجات من دون اعتقاد منك لهم فأنت مصاب بعقلك وهكذا إن كنت تنحر لله وتنذر لله فلأي معنى جعلت ذلك للميت وحملته إلى قبره فإن الفقراء على ظهر البسيطة في كل بقعة من بقاع الأرض، وفعلك وأنت عاقل لا يكون إلا لمقصد قد قصدته أو أمر قد أردته، وإلا فأنت مجنون قد رفع عنك القلم ولا نوافقك على دعوى الجنون إلا بعد صدور أفعالك وأقوالك في غير هذا على نمط أفعال المجانين.
فإن كنت تصدرها مصدر أفعال العقلاء فأنت تكذب على نفسك في دعواك الجنون في هذا الفعل بخصوصه فراراً عن أن يلزمك ما لزم عباد الأوثان الذين حكى الله عنهم في كتابه العزيز ما حكاه بقوله وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا)، وبقوله ويجعلون لما لا يعلمون نصيباً مما رزقناهم تالله لتسئلن عما كنتم تفترون (.
(فان قلت) إن المشركين كانوا لا يقرون بكلمة التوحيد وهؤلاء المعتقدون في الأموات يقرون بها (قلت) هؤلاء إنما قالوها بألسنتهم وخالفوها بأفعالهم فإن من استغاث بالأموات أو طلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه، أو عظمهم أو نذر عليهم بجزء من ماله أو نحر لهم فقد نزلهم منـزلة الآلهة التي كان المشركون يفعلون لها هذه الأفعال، فهو لم يعتقد معنى لا إله إلا الله ولا عملعمل به بل خالفها اعتقاداً وعملاً فهو في قوله لا إله إلا الله كاذب على نفسه، فإنه قد جعل إلهاً غير الله يعتقد أنه يضر وينفع وعبده بدعائه عند الشدائد والاستغاثة به عند الحاجة وبخضوعه له وتعظيمه إياه ونحر له النحائر وقرب إليه نفائس الأموال، وليس مجرد قول لا إله إلا الله من دون عمل بمعناها مثبتاً للإسلام فإنه لو قالها أحد من أهل الجاهلية وعكف على صنمه يعبده لم يكن ذلك إسلاماً.
الرسائل السلفية (ص21-22).










رد مع اقتباس