واختتم البيان المخادع قائلًا: "واعلموا أن حقوقكم شأنها شأن حقوق سائر أفراد الشعب الروسي، تحميها الثورة بكل ما أوتيت من عزم وقوة، وبكل ما يتوافر لها من وسائل: جند أشداء ومجالس للعمال ومندوبين عن الفلاحين. وإذًا فشدوا أزر هذه الثورة، وخذوا بساعد حكومتها الشرعية".
حينها فطن المسلمون لما بين سطور هذا البيان، وعلى الفور بادروا في تجييش قواهم وأعلنوا استقلالهم، مستعيدين بذلك سيادتهم على أراضيهم التي سلبها الروس على مدار القرون السابقة، وبدأ الإعلان عن العديد من الجمهوريات الإسلامية - بعضها صغير المساحة والسكان - الحاضرة حتى الآن.
لكن مثل هذه التحركات لم ينسها البلاشفة الجدد، فما أن ثبّت الشيوعيون أقدامهم حتى بدأت مرحلة الانتقام، حيث توجهوا بجيشهم المعروف بالجيش الأحمر، فأعملوا أسلحتهم بالمسلمين، وحصدوا الجمهوريات الإسلامية حصدًا، وفي أقل من ثلاث سنوات استولى الشيوعيون على هذه الجمهوريات الإسلامية بعد أن قدم المسلمون تضحيات جسيمة، ولكن قواهم كانت أضعف من أن تقاوم جيشًا مدربًا مزودًا بأحدث أنواع الأسلحة.
التاريخ لا ينسى
تحت حكم الشيوعيين، تعرض المسلمون لأبشع الأعمال الوحشية، مذابح لم يشهدها التاريخ على مدار حقب طويلة، تفنن وإبداع في التنكيل والتعذيب، إستراتيجية ممنهجة لسحق كل ما له صلة بالإسلام، دينًا وقومية، وهو ما نستعرض بعض ملامحه في هذه السطور التي يجب أن يقف التاريخ حيالها طويلًا.
تنقسم تلك الجرائم إلى قسمين: الأول يتعلق بالمذابح التي واجهها المسلمون على أيدي الشيوعيين، على رأسها الإبادة الجماعية أو نفي جزء من الشعب أو الشعب كله من وطن آبائه وأجداده إلى وطن آخر، وهو ما حدث كما ذكر سالفًا مع الشيشانيين حين نفوا إلى سيبيريا.
كما شهدت تلك الفترة عشرات الجرائم منها، مقتل 100 ألف مسلم من أعضاء الحكومة المحلية في تركستان عام 1934، وما بين سنة 1937- 1939م ألقت روسيا القبض على 500 ألف مسلم، وعدد من الذين استخدمتهم في الوظائف الحكومية، ثم أعدمت فريقًا وأرسلت فريقًا آخر إلى مجاهل سيبيريا.
وفي عام 1950 قُتل نحو سبعة آلاف مسلم، فيما تم نفي 300 ألف مسلم من تركستان وحدها سنة 1934، وخلال عامين فقط (1932-1934) مات ثلاثة ملايين تركستاني جوعًا، نتيجة استيلاء الروس على محاصيل البلاد وتقديمها للصينيين الذين أدخلوهم البلاد.
يتبع...