رابعاً :
إذا وقع الاستفصال عن المعنى
ورددنا محل النزاع إلى كتاب وسنة رسوله
: ساغ استخدام اللفظ الحادث
للدلالة على معنى ثابت
عند من يحتاج إلى ذلك .
قال شيخ الإسلام :
" اذا أثبت الرجل معنى حقا ، ونفى معنى باطلا ، واحتاج إلى التعبير عن ذلك بعبارة لأجل إفهام المخاطب
لأنها من لغة المخاطب ونحو ذلك : لم يكن ذلك منهيا عنه
لأن ذلك يكون من باب ترجمة أسمائه وآياته بلغة أخرى ، ليفهم أهل تلك اللغة معاني كلامه وأسمائه
وهذا جائز ، بل مستحب أحيانا ، بل واجب أحيانا . وإن لم يكن ذلك مشروعا على الإطلاق
كمخاطبة أهل هذه الاصطلاحات الخاصة في أسماء الله وصفاته وأصول الدين باصطلاحهم الخاص
إذا كانت المعاني التي تبيَّن لهم هي معاني القرآن والسنة ، ...
وهذه الترجمة تجوز لإفهام المخاطب ، بلا نزاع بين العلماء " . انتهى .
بيان تلبيس الجهمية (2/389) .
خامسا :
من هذا الباب لفظ " الحد " المذكور في السؤال ؛ فمن أراد بإثبات الحد
أنه سبحانه وتعالى بائن عن خلقه بحد فاصل ، بين الخالق والمخلوق
فلا يحل شيء من المخلوقات بذاته جل جلاله ، كما أنه لا يحل بشيء من خلقه ولا يتّحد به :
فهذا معنى صحيح ، يُخْبَر به عن الله تعالى ، وإن لم يكن صفة ثبوتية ، تضاف إليه سبحانه .
قال شيخ الإسلام :
" ولما كان الجهمية يقولون ما مضمونه : إن الخالقَ لا يتميّز عن الخلقِ ، فيجحدون صفاته التي يتميّز بها
ويجحدون قدره ، فبيّن ابن المبارك أنّ الرب سبحانه وتعالى على عرشه مباين لخلقه
منفصلٌ عنه ، وذكر الحدّ لأن الجهمية كانوا يقولون : ليس له حدٌّ ، وما لا حدّ له لا يباينُ المخلوقاتِ
ولا يكون فوق العالم
لأن ذلك مستلزم للحدِّ
فلما سألوا أمير المؤمنين عبد الله بن المبارك : بماذا نعرفه ؟
قال : بأنه فوق سماواته ، على عرشه ، بائن من خلقه
فذكروا لازم ذلك الذي تنفيه الجهمية
وبنفيهم له ينفون ملزومه الذي هو وجوده فوق العرشِ
ومباينته للمخلوقات ، فقالوا له : بحدٍّ ؟
قال : بحدّ ." .
انتهى باختصار. بيان تلبيس الجهمية (1/443 ) .
وقال شيخ الإسلام أيضا :
" هذا اللفظ لم نثبت به صفة زائدة على ما في الكتاب والسنة
بل بيّنّا به ما عطله المبطلون من وجود الرب تعالى ومباينته لخلقه وثبوت حقيقته " .
"بيان تلبيس الجهمية" (1/445)
ومن هنا نتبين أن إطلاق جمع من السلف لهذا اللفظ كان ردا على الجهمية والحلولية وأشباههم من أهل البدعة
وبياناً لمعنى شرعي صحيح في نفس الأمر ، وإن كان الشرع لم يعبر عنه بهذا اللفظ .
سادساً :
إثبات الحد لله تعالى ، والإخبار به عنه : لا يعني أن الخلق يُحيطون به علماً ، سبحانه
أو أنهم يعلمون منتهى ذلك الحد
قال تعالى : ( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ) طه/110
وقال : ( وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاء ) البقرة/255 .
قال الإمام عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله :
" والله تعالى له حد لا يعلمه أحد غيره ، ولا يجوز لأحد أن يتوهم لحده غاية في نفسه
ولكن يؤمن بالحد ، ويَكِل علم ذلك إلى الله .
ولمكانه أيضا حد ، وهو على عرشه فوق سماواته .
فهذان حدان اثنان " . انتهى .
"نقض الدارمي على بشر المريسي" (223-224)
وينظر : "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (7/193) .
والله تعالى أعلم .
اخوة الاسلام
اكتفي بهذا القدر علي امل اللقاء بكم
قريبا باذن الله ان قدر لنا البقاء و اللقاء