ثمراتُ الإيمانِ بهذا الاسمِ:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
عباد الله:
وإن لاسم الله “الباعث” آثاراً إيمانية تتجلى في حياة الفرد المسلم, من ذلك:
إذا تأدُّبِ العبد باسم الباعث أن يبعث نفسه بما يُرْضي ربَّه
فيحملها على ما يقربها من الله -تعالى-؛ لترقى النفس وتدنو من الكمال, وأن يجعل أعماله متوافقةً مع منهج ربَّه
فالعبد إذا سعى لمعرفة الله
وطاعته والإقبال عليه
والاستنارة بنوره
فقد بعث نفسه من الموت إلى الحياة
هذا من تخلُّق أخلاق العبد باسم الباعث.
ومن ذلك: اتباع الرسل والإيمان بهم ومناصرتهم؛
لأن الذي بعثهم هو الله
فتستقيم أعماله وسائر حياته.
ومن هذه الآثار: الطمأنينة بمعية الله وتوفيقه ونصره لعباده إذا هم استقاموا على أمره ونهيه.
ومن ذلك: الخوف من لقاء الله
لا على سبيل القنوط من رحمته -
فرحمة الله واسعة-
ولكن على سبيل الإشفاق الذي وصف به أهل الجنة أنفسهم عند تزاورهم
كما قال الله: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ)[الطور:25-26]
والإشفاق هو: الحذر
فلربما استنفد المؤمن جزاء عمله بما أعطى من الدنيا مع أنه لا يسلم من الغفلة التي بها ينال منه الشيطان ما ينال
لذلك فإن المؤمن بالبعث يستحضر مشاعر الخوف دائما.
وقد كتب محمد بن النصر الحارثي إلى أخ له:
“أما بعد: فإنك في دار تمهيد
وأمامك منزلان لابد من أن تسكن أحدهما
ولم يأتك أمان فتطمئن
ولا براءة فتقصر والسلام”.
مثِّـل لنفسـِكَ أيُّها المغــرورُ
يـوم القيامةِ والسَّـمـاءُ تمـورُ
قد كُوِّرت شَمسُ النَّهارِ وأُدنيَـت
حتي علـى رأس العبـادِ تفـُورُ
وإذا الـجنـينُ بأُمِّـهِ مُتـعَلِّـقٌ
يخشى الحِسابَ وقلبـهُ مذعـُورُ
هـذا بـلا ذنبِ يخـافُ لهـولِهِ
كيفَ المُقيمُ على الذُّنوبِ دُهُورُ؟!
وإذا الـصـحائـف نشــرت
وتطايرت وتهتكت للعالمين ستـور
وإذا الجـلـيل طـوي السـماء *
بيمينه طي السجل كتابه المنشـور
وإذا الجـحيم تسعـرت نـيرانها
ولها علي أهـل الذنـوب زفـير
وإذا الجنـان تزخرفت وتطيـبت
لـفتي علي طول الـبلاء صـبور
ومن ذلك: أنه إذا تحقق العبد وأيقن أن الله -سبحانه وتعالى- يبعث الناس بعد الموت ثم يجزيهم بالثواب والعقاب
فعندئذٍ يشغل وقته كلّه بطاعته
والتزود للدار الآخرةِ وتصفُّحِ أعماله, ومحاسبة نفسه حساباً دقيقاً.
كان مطرف بن عبد الله بن الشخير يقول: “يا إخوتي! اجتهدوا في العمل؛ فإن يكن الأمر كما نرجو من رحمة الله وعفوه كانت لنا درجات في الجنة
وإن يكن الأمر شديد كما نخاف ونحاذر لم نقل: ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل
نقول: قد عملنا فلم ينفعنا “، هذا هو حال أهل العزم والكياسة ممن وجلت قلوبهم فرقا من لقاء الله
وهم الموصوفون بقوله: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ)[المؤمنون:60-61].
أيها المسلمون:
ليكن لنا حظ من اسم الله الباعث الذي يبعث الأمل والخير والاستنارة لمن عاش في ظلاله في الدنيا
والأمن والفوز في الآخرة.
هذا وصلوا وسلموا على أمرتم بالصلاة والسلام عليه
قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].
الشيخ محمد صالح المنجد