من صادق غنيًا فليحذر، ومن آخى ثريًا فليتحصن
محمود شاكر:
" فإذا وقع القحط بين صديقين أحدهما غنى كان صديقه طعامًا تفترسه الصداقة الغنية! وإذا وقع القحط بين حبيبين أحدهما ثرىٌّ مترف تثاءب عنه يريد النوم لأنه شبع من حبه حتى تملّأ! وإذا وقع القحط بين أخوين أحدهما غنى، كان حق الرحم عليه أن يشرب ما بقي من دم أخيه يستولغ فيه حتى يَرْوَي!
إن الترف والنعمة والكفاية، وأحلام الغنى وكنوز الثراء، إن هي إلا الماحقات الآكلات التي تمحق العواطف الإنسانية النبيلة حين لا ملجأ إلا إلى الخشونة والشدة والصبر وحقيقة الفقر. إن الفقراء هم أكثر الناس رغبة في النسل على ضيق رزقهم، والأغنياء أقل الناس إقبالًا عليه على ما يجدون من السعة. الفقراء أشد حزنًا على من فقدوا من أبنائهم وأحبابهم، ولكن أولئك لا يحزنون إلا ريث يُشعِرون الناس أنهم حزنوا، ولئلا يقول الناس إنهم لم يحزنوا على أحبابهم. . . الأغنياء، الأغنياء. . . نعم هم زينة الحياة الدنيا، ولكن مع الزينة الخداع، ومع الخداع الضعف، ومع الضعف القسوة حين تجد ما يتلين لها أو يتساهل أو يستكين. . . أو يثق.
فمن صادق غنيًا فليحذر، ومن آخى ثريًا فليتحصن، ومن عامله فليرهب، فإذا بلغ المرأة الغنية فأحبها فخيلت له أنها أحبته فوثق بها فقد هلك، وإنما هو ملهاة من ملاهي الترف، إذا فقدت لذة اللهو به نبذته لما به."
جمهرة مقالات محمود شاكر ص165