منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - خيركم من تعلم القرآن وعلمه
عرض مشاركة واحدة
قديم 2018-12-30, 17:11   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي



ويقول أبو عمرو الداني رحمه الله :

" فإن قال قائل : فما تقول في الخبر الذي رويتموه عن يحيى بن يعمر وعكرمة مولى ابن عباس عن عثمان رضي الله عنه : إن المصاحف لما نّسخت عُرضت عليه فوجد فيها حروفا من اللحن فقال

: اتركوها فإن العرب ستقيمها أو ستعربها بلسانها . إذ يدل على خطأ في الرسم ؟

قلت : هذا الخبر عندنا لا يقوم بمثله حجة ، ولا يصح به دليل ، من جهتين :

أحدهما : أنه مع تخليط في إسناده ، واضطراب في ألفاظه : مرسل ؛ لأن ابن يعمر وعكرمة لم يسمعا من عثمان شيئا ، ولا رأياه .

وأيضا : فإن ظاهر ألفاظه ينفي وروده عن عثمان رضي الله عنه ، لما فيه من الطعن عليه ، مع محلّه من الدين ، ومكانه من الإسلام ، وشدّة اجتهاده في بذل النصيحة ، واهتباله بما فيه الصلاح للأمة

فغير ممكن أن يتولى لهم جمع المصحف مع سائر الصحابة الأتقياء الأبرار نظرا لهم ليرتفع الاختلاف في القرآن بينهم ،

ثم يترك لهم فيه مع ذلك لحنا وخطأ يتولى تغييره من يأتي بعده ممن لا شك أنه لا يدرك مداه ولا يبلغ غايته ولا غاية من شاهده ، هذا ما لا يجوز لقائل أن يقوله ، ولا يحل لأحد أن يعتقده .

فإن قال :

فما وجه ذلك عندك لو صحّ عن عثمان رضي الله عنه ؟

قلت : وجهه أن يكون عثمان رضي الله عنه أراد باللحن المذكور فيه التلاوة دون الرسم ، إذ كان كثير منه لو تُلي على رسمه لانقلب بذلك معنى التلاوة ، وتغيرت ألفاظها

ألا ترى قوله ( أو لاأذبحنّه ) و ( لاأوضعوا ) و ( من نبأي المرسلين ) و ( سأوريكم ) و ( الربوا ) وشبهه مما زيدت الألف والياء والواو في رسمه ، لو تلاه تالٍ لا معرفة له بحقيقة الرسم على صورته في الخط..

. ولزاد في اللفظ ما ليس فيه ولا من أصله ، فأتى من اللحن بما لا خفاء به على من سمعه ، مع كون رسم ذلك كذلك جائزا مستعملا ، فأعلم عثمان رضي الله عنه إذ وقف على ذلك أن من فاته تمييز ذلك

وعزبت معرفته عنه ممن يأتي بعده ، سيأخذ ذلك عن العرب ، إذ هم الذين نزل القرآن بلغتهم ، فيعرِّفونه بحقيقة تلاوته ، ويدلّونه على صواب رسمه ، فهذا وجهه عندي . والله أعلم .

فإن قيل : فما معنى قول عثمان رضي الله عنه في آخر هذا الخبر : ( لو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد هذه الحروف ) ؟

قلت : معناه : أي توجد فيه مرسومة بتلك الصور المبنية على المعاني دون الألفاظ المخالفة لذلك ، إذ كانت قريش ومَن ولي نَسْخ المصاحف مِن غيرها قد استعملوا ذلك في كثير من الكتابة

وسلكوا فيها تلك الطريقة ، ولم تكن ثقيف وهذيل مع فصاحتهما يستعملان ذلك

فلو أنهما وليتا من أمر المصاحف ما وليه من تقدم من المهاجرين والأنصار لَرَسَمَتا جميع تلك الحروف على حال استقرارها في اللفظ ووجدها في المنطق دون المعاني والوجوه

إذ ذلك هو المعهود عندهما ، والذي جرى عليه استعمالها ، هذا تأويل قول عثمان عندي لو ثبت وجاء مجيء الحجّة وبالله التوفيق .

فإن قيل : فما تأويل الخبر الذي رويتموه أيضا عن هشام بن عروة ، عن أبيه : أنه سأل عائشة رضي الله عنها عن لحن القرآن

عن قوله : ( إن هذين لسحران )، وعن : ( والمقيمين الصلوة والمؤتون الزكوة )، وعن ( إن الذين ءامنوا والذين هادوا.. والصبئون ) فقالت : يا ابن أختي ! هذا عمل الكتّاب ، أخطئوا في الكتابة .

قلت : تأويله ظاهر ، وذلك أن عروة لم يسأل عائشة فيه عن حروف الرسم تزاد فيها لمعنى وتنقص منها لآخر ، تأكيدا للبيان ، وطلبا للخفة

وإنما سألها فيه عن حروف من القراءة المختلفة الألفاظ ، المحتملة الوجوه على اختلاف اللغات التي أذن الله عز وجل لنبيه عليه السلام ولأمته في القراءة بها

واللزوم على ما شاءت منها ، تيسيرا لها ، وتوسعة عليها ، وما هذا سبيله وتلك حاله ، فعن اللحن والخطأ والوهم والزلل بمعزل ، لفشوه في اللغة ، ووضحه في قياس العربية

وإذا كان الأمر في ذلك كذلك ، فليس ما قصدته فيه بداخل في معنى المرسوم ، ولا هو من سببه في شيء ، وإنما سمى عروة ذلك لحنا

وأطلقت عائشة على مرسومه كذلك الخطأ ، على جهة الاتساع في الأخبار ، وطريق المجاز في العبارة ، إذ كان ذلك مخالفا لمذهبهما ، وخارجا عن اختيارهما

وكان الأوجه والأولى عندهما ، والأكثر والأفشى لديهما ، لا على وجه الحقيقة والتحصيل والقطع ، لما بيناه قبل من جواز ذلك ، وفشوه في اللغة ، واستعمال مثله في قياس العربية

مع انعقاد الإجماع على تلاوته كذلك دون ما ذهبا إليه ، إلا ما كان من شذوذ أبي عمرو بن العلاء في ( إن هذين ) خاصة ، هذا الذي يحمل عليه هذا الخبر ويتأول فيه

دون أن يقطع به على أن أم المؤمنين رضي الله عنها مع عظم محلها وجليل قدرها واتساع علمها ومعرفتها بلغة قومها لحَّنت الصحابة

وخطَّأت الكتبة، وموضعها من الفصاحة والعلم باللغة موضعهم الذي لا يجهل ولا ينكر ، هذا ما لا يسوغ ولا يجوز .

وقد تأول بعض علمائنا قول أم المؤمنين : ( أخطأوا في الكتاب )، أي : أخطأوا في اختيار الأولى من الأحرف السبعة بجمع الناس عليه

لا أن الذي كتبوا من ذلك خطأ لا يجوز ، لأن ما لا يجوز مردود بإجماع ، وإن طالت مدة وقوعه ، وعظم قدر موقعه ، وتأول اللحن أنه القراءة واللغة

كقول عمر رضي الله عنه : ( أُبَيٌّ أقرؤنا ، وإنا لندع بعض لحنه ) أي قراءته ولغته ، وهذا بيِّنٌ ، والله الموفق "

انتهى من" المقنع " (118-119) .

ويقول السيوطي رحمه الله :

" هذه الآثار مشكلة جدا :

وكيف يظن بالصحابة أولا أنهم يلحنون في الكلام فضلا عن القرآن وهم الفصحاء اللد !

ثم كيف يظن بهم ثانيا في القرآن الذي تلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم كما أنزل ، وحفظوه ، وضبطوه ، وأتقنوه !

ثم كيف يظن بهم ثالثا اجتماعهم كلهم على الخطأ وكتابته !

ثم كيف يظن بهم رابعا عدم تنبههم ورجوعهم عنه !

ثم كيف يظن بعثمان أنه ينهى عن تغييره !

ثم كيف يظن أن القراءة استمرت على مقتضي ذلك الخطأ ، وهو مروي بالتواتر خلفا عن سلف !!

هذا مما يستحيل عقلا وشرعا وعادة .

وقد أجاب العلماء عن ذلك بثلاثة أجوبة :

أحدها : أن ذلك لا يصح عن عثمان ، فإن إسناده ضعيف مضطرب منقطع ، ولأن عثمان جعل للناس إماما يقتدون به ، فكيف يرى فيه لحنا ويتركه لتقيمه العرب بألسنتها ،

فإذا كان الذين تولوا جمعه وكتابته لم يقيموا ذلك ، وهم الخيار ، فكيف يقيمه غيرهم !!

وأيضا فإنه لم يكتب مصحفا واحدا بل كتب عدة مصاحف ، فإن قيل : إن اللحن وقع في جميعها فبعيد اتفاقها على ذلك

أو في بعضها : فهو اعتراف بصحة البعض ، ولم يذكر أحد من الناس أن اللحن كان في مصحف دون مصحف ، ولم تأت المصاحف قط مختلفة إلا فيما هو من وجوه القراءة ، وليس ذلك بلحن .

الوجه الثاني : على تقدير صحة الرواية إن ذلك محمول على الرمز ، والإشارة ، ومواضع الحذف ، نحو : الكتب ، والصبرين ، وما أشبه ذلك .

الثالث : أنه مؤول على أشياء خالف لفظها رسمها ، كما كتبوا ( ولاأوضعوا )، و ( لاأذبحنه ) بألف بعد لا ، و ( جزاؤا الظالمين ) بواو وألف ، و ( بأييد ) بيائين ، فلو قرئ بظاهر الخط لكان لحنا .

وبهذا الجواب وما قبله جزم ابن أشته في كتاب المصاحف .

وقال ابن الأنباري في كتاب " الرد على من خالف مصحف عثمان " في الأحاديث المروية عن عثمان في ذلك : لا تقوم بها حجة ؛ لأنها منقطعة غير متصلة

وما يشهد عقل بأن عثمان - وهو إمام الأمة الذي هو إمام الناس في وقته وقدوتهم - يجمعهم على المصحف الذي هو الإمام ، فيتبين فيه خللا ، ويشاهد في خطه زللا فلا يصلحه

كلا والله ما يتوهم عليه هذا ذو إنصاف وتمييز ، ولا يعتقد أنه أخر الخطأ في الكتاب ليصلحه من بعده ، وسبيل الجائين من بعده البناء على رسمه

والوقوف عند حكمه ، ومن زعم أن عثمان أراد بقوله أرى فيه لحنا ، أرى في خطه لحنا إذا أقمناه بألسنتنا كان لحن الخط غير مفسد ولا محرف من جهة تحريف الألفاظ وإفساد الإعراب فقد أبطل ولم يصب

لأن الخط منبئ عن النطق ، فمن لحن في كتبه فهو لاحن في نطقه ، ولم يكن عثمان ليؤخر فسادا في هجاء ألفاظ القرآن من جهة كتب ولا نطق

ومعلوم أنه كان مواصلا لدرس القرآن ، متقنا لألفاظه ، موافقا على ما رسم في المصاحف المنفذة إلى الأمصار والنواحي ، ثم أيد ذلك بما أخرجه أبو عبيد قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي

عن عبد الله بن مبارك ، حدثنا أبو وائل شيخ من أهل اليمن ، عن هانئ البربري ، مولى عثمان قال : كنت عند عثمان وهم يعرضون المصاحف

فأرسلني بكتف شاة إلى أبي بن كعب فيها : ( لم يتسن )، وفيها : ( لا تبديل للخلق )، وفيها : ( فأمهل الكافرين )، قال : فدعا بالدواة فمحا أحد اللامين فكتب لخلق الله ، ومحى فأمهل

وكتب فمهل ، وكتب لم يتسنه ، ألحق فيها الهاء .

قال ابن الأنباري : فكيف يدعى عليه أنه رأى فسادا فأمضاه وهو يوقف على ما كتب ويرفع الخلاف إليه الواقع من الناسخين ليحكم بالحق ويلزمهم إثبات الصواب وتخليده انتهى.

قلت ويؤيد هذا أيضا ما أخرجه ابن أشته في المصاحف قال : حدثنا الحسن بن عثمان ، أنبأنا الربيع بن بدر ، عن سوار بن شبيب قال : سألت ابن الزبير عن المصاحف

فقال : قام رجل إلى عمر فقال : يا أمير المؤمنين ! إن الناس قد اختلفوا في القرآن ! فكان عمر قد هم أن يجمع القرآن على قراءة واحدة

فطعن طعنته التي مات بها ، فلما كان في خلافة عثمان قام ذلك الرجل فذكر له ، فجمع عثمان المصاحف ، ثم بعثني إلى عائشة ، فجئت بالصحف فعرضناها عليها حتى قومناها ، ثم أمر بسائرها فشققت .

فهذا يدل على أنهم ضبطوها وأتقنوها ولم يتركوا فيها ما يحتاج إلى إصلاح ولا تقويم.

ثم قال ابن اشته : أنبأنا محمد بن يعقوب ، أنبأنا أبو داود سليمان بن الأشعث ، أنبأنا أحمد بن مسعدة ، أنبأنا إسماعيل ، أخبرني الحارث بن عبد الرحمن

عن عبد الأعلى ابن عبد الله بن عامر قال : لما فرغ من المصحف أتي به عثمان فنظر فيه فقال : أحسنتم وأجملتم أرى شيئا سنقيمه بألسنتنا .

فهذا الأثر لا إشكال فيه ، وبه يتضح معنى ما تقدم ، فكأنه عرض عليه عقب الفراغ من كتابته

فرأى فيه شيئا كتب على غير لسان قريش كما وقع لهم في : التابوة والتابوت فوعد بأنه سيقيمه على لسان قريش ، ثم وفى بذلك عند العرض والتقويم

ولم يترك فيه شيئا ، ولعل من روى تلك الآثار السابقة عنه حرفها ، ولم يتقن اللفظ الذي صدر عن عثمان ، فلزم منه ما لزم من الإشكال ، فهذا أقوى ما يجاب عن ذلك ، ولله الحمد.

وبعد فهذه الأجوبة لا يصلح منها شيء عن حديث عائشة :

أما الجواب بالتضعيف فلأن إسناده صحيح كما ترى .

وأما الجواب بالرمز وما بعده فلأن سؤال عروة عن الأحرف المذكور لا يطابقه .

فقد أجاب عنه ابن أشته وتبعه ابن جبارة في " شرح الرائية " بأن معنى قولها : ( أخطئوا )

أي : في اختيار الأولى من الأحرف السبعة لجمع الناس عليه ، لا أن الذي كتبوا من ذلك خطأ لا يجوز . قال : والدليل على ذلك أن ما لا يجوز مردود بإجماع وإن طالت مدة وقوعه .

قال : وأما قول سعيد بن جبير لحن من الكاتب ، فيعني باللحن القراءة واللغة ، يعني أنها لغة الذي كتبها وقراءته ، وفيها قراءة أخرى.

ثم أخرج عن إبراهيم النخعي أنه قال : ( إن هذان لساحران )، و ( إن هذين لساحران ) سواء لعلهم كتبوا الألف مكان الياء ، والواو في قوله : ( والصابئون ) مكان الياء .

قال ابن أشته : يعني أنه من إبدال حرف في الكتاب بحرف ، مثل : الصلوة ، والزكوة ، والحيوة.

وأقول : هذا الجواب إنما يحسن لو كانت القراءة بالياء فيها والكتابة بخلافها ، وأما القراءة على مقتضى الرسم فلا "

انتهى من" الإتقان في علوم القرآن " (ص/1241-1247) .

وينظر أيضا : " مجموع الفتاوى "

لشيخ الإسلام ابن تيمية (15/252-255) .

والله أعلم .









رد مع اقتباس