رأى امرأة تزني ، ولم يكن عنده بينة ، فهل يخبر من يريد الزواج بها بحقيقة الأمر ؟
السؤال
ما حكم من رأى امرأة في الزنا عيانا ، ما هو الحكم الشرعي فيها مع العلم أني رأيتها وحدي ، هل يلزم شهود أربعة أو أستطيع أن أحلف أربعة شهادات ؟
ما لحكم إذا أنكرت ذالك أمام أهلها ؟ ما لحكم إذا سألني إنسان يريد الزواج بها ؟
هل أقول له الحقيقة أم أسكت علما أنه من الأقرباء ؟
من فضلكم التمس منكم تفسير دقيق لهذه المسالة ؟
الجواب
الحمد لله
أولاً :
من رأى شخصاً يزني : فلا يحل له أن يشهد عليه بما رآه من الزنا
ولو كان واضحا صريحا لا لبس فيه
حتى يشهد معه بذلك ثلاثة آخرون
فيكتمل نصاب الشهادة : أربعة شهداء
كلهم يشهدون بما رأوا من الفعل الصريح ؛ فإن تكلم عنها بذلك
من غير توفر نصاب الشهادة المذكور : فهو قاذف ، يجب حده حد القذف ، كما ذكر الله في كتابه .
قال ابن قدامة رحمه الله في ذكر شروط الشهادة بالزنا :
" أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونُوا أَرْبَعَةً ، وَهَذَا إجْمَاعٌ لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ( وَاللاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ )
وَقَالَ تَعَالَى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ) .
وَقَالَ تَعَالَى : ( لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) .
وَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَرَأَيْت لَوْ وَجَدْت مَعَ امْرَأَتِي رَجُلًا ، أُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ؟
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( نَعَمْ ) رَوَاهُ مَالِكٌ ، فِي الْمُوَطَّأ وَأَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ "
انتهى من " المغني " (9/69) .
ثانياً:
إذا أنكرت المرأة جريمة الزنا ، سواء كان أمام أهلها ، أو القاضي ، ولم يشهد عليها بذلك أربعة شهداء : فالقول قولها ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم :
( وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا ) رواه البخاري (2315) ، ومسلم (1689) .
قال الإمام الشافعي رحمه الله - في حديث أنيس رضي الله عنه -
: " فَتِلْكَ امْرَأَةٌ ذَكَرَ أَبُو الزَّانِي بِهَا : أَنَّهَا زَنَتْ ، فَكَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَسْأَلَ ، فَإِنْ أَقَرَّتْ حُدَّت ، وَسَقَطَ الْحَدُّ عَمَّنْ قَذَفَهَا ، وَإِنْ أَنْكَرَتْ حُدَّ قَاذِفِهَا ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ قَاذِفُهَا زَوْجَهَا : لَزِمَهُ الْحَدُّ إنْ لَمْ تُقِرَّ ، وَسَقَطَ عَنْهُ إنْ أَقَرَّتْ ، وَلَزِمَهَا "
انتهى من " الأم " (6/333) .
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ فَأَقَرَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ ، سَمَّاهَا لَهُ ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَرْأَةِ
فَسَأَلَهَا عَنْ ذَلِكَ ، فَأَنْكَرَتْ أَنْ تَكُونَ زَنَتْ ، فَجَلَدَهُ الْحَدَّ ، وَتَرَكَهَا ) رواه أبو داود (4437) ، وصححه الألباني في " صحيح سنن أبي داود " .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الأصل أن من قذف شخصاً بالزنا أن يقال له : أقم البينة ، وإلا جلدناك ثمانين جلدة ؛ لأن الأعراض محترمة ، فإذا قال شخص لآخر : أنت زانٍ ، أو يا زاني ، أو ما أشبه ذلك ، قلنا : أقم البيِّنة ، وإلا : فثمانون جلدة في ظهرك .
فإن قال : أنا رأيته بعيني يزني ، قلنا له : إن لم تأتِ بالشهداء : فأنت كاذب عند الله ، ولهذا قال الله تعالى : ( فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) ما قال في حقيقة الأمر ، لكن عند الله
أي : في حكمه وشرعه : أنه كاذب ، وإن كان صادقاً في نفس الواقع "
انتهى من " الشرح الممتع " (13/284) .
وأما الأيمان ، فإنها لا تقوم مقام الشهود إلا في حالة واحدة ، هي : أن يشهد على زوجته أنه رآها تزني ؛ فهنا : إما أن يأتي على ذلك بأربعة شهداء
كما لو شهد على امرأة غيره ، أو أن يُحد لقذفه امرأة ، من غير بينة ، أو : يلاعنها .
وهذا هو الذي يختلف به حال الزوج عن غيره من الشهداء بالزنا .
فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَرِيكِ بْنِ سحْمَاء .
فَقَالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْبَيِّنَةَ ؛ أو حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ ) !!
فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِذَا رَأَى أَحَدُنَا على امرأته رَجُلاً ينطلق يَلْتَمِسُ الْبَيِّنَةَ ؟!
فَجَعَلَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( الْبَيِّنَةَ ؛ وَإِلَّا فَحَدٌّ فِي ظَهْرِكَ ) !!
فَقَالَ هِلَالٌ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنِّي لَصَادِقٌ ، وَلَيَنْزِلَنَّ فِي أَمْرِي مَا يُبَرِّئُ ظَهْرِي مِنْ الْحَدِّ ؛ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ) فَقَرَأَ حَتَّى بَلَغَ : ( وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ ) .
فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمَا ، فَجَاءَ هِلَالٌ فَشَهِدَ ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ ؛ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ ) ؟!
ثُمَّ قَامَتْ ، فَشَهِدَتْ ؛ فَلَمَّا كَانَتْ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَقَّفُوهَا، وَقَالُوا : إِنَّهَا مُوجِبَةٌ !!
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : فَتَلَكَّأَتْ ، وَنَكَصتْ ، حَتَّى ظَنَّنَا أَنْها تَرْجِعُ ؛ ثم قَالَتْ : لَا أَفْضَحُ قَوْمِي سَائِرَ الْيَوْمِ ..) رواه البخاري (6/ 100) .
قال ابن قدامة رحمه الله :
" لَا لِعَانَ بَيْنَ غَيْرِ الزَّوْجَيْنِ ، فَإِذَا قَذَفَ أَجْنَبِيَّةً مُحْصَنَةً ، حُدَّ وَلَمْ يُلَاعَنْ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُحْصَنَةً عُزِّرَ ، وَلَا لِعَانَ أَيْضًا .
وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا
وَذَلِكَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : ( وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ) .
ثُمَّ خَصَّ الزَّوْجَاتِ مِنْ عُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : ( وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ) ، فَفِيمَا عَدَاهُنَّ يَبْقَى عَلَى قَضِيَّةِ الْعُمُومِ "
انتهى من "المغني" (11/129) .