ثانيا:
التداوي مباح ، أو مستحب ، ويجوز تركه والصبر والاحتساب.
عن عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ : " قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ : أَلَا أُرِيكَ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ ؟ قُلْتُ : بَلَى. قَالَ : هَذِهِ الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ ، أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : إِنِّي أُصْرَعُ
وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ لِي ، قَالَ : ( إِنْ شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ ، وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ) ، فَقَالَتْ : أَصْبِرُ ، فَقَالَتْ : إِنِّي أَتَكَشَّفُ ، فَادْعُ اللَّهَ لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ ، فَدَعَا لَهَا " رواه البخاري (5652) ، ومسلم (2576).
فهذا الحديث يدل على جوزا ترك التداوي في مثل هذه الحال، لمن قويت عزيمته وقدر على ذلك.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " وَفِي الْحَدِيث فَضْل مَنْ يُصْرَع , وَأَنَّ الصَّبْر عَلَى بَلَايَا الدُّنْيَا يُورِث الْجَنَّة , وَأَنَّ الْأَخْذ بِالشِّدَّةِ أَفْضَل مِنْ الْأَخْذ بِالرُّخْصَةِ ، لِمَنْ عَلِمَ مِنْ نَفْسه الطَّاقَة ، وَلَمْ يَضْعُف عَنْ اِلْتِزَام الشِّدَّة .
وَفِيهِ دَلِيل عَلَى جَوَاز تَرْك التَّدَاوِي .
وَفِيهِ أَنَّ عِلَاج الْأَمْرَاض كُلّهَا بِالدُّعَاءِ وَالِالْتِجَاء إِلَى اللَّه أَنْجَع وَأَنْفَع مِنْ الْعِلَاج بِالْعَقَاقِيرِ , وَأَنَّ تَأْثِير ذَلِكَ ، وَانْفِعَال الْبَدَن عَنْهُ : أَعْظَم مِنْ تَأْثِير الْأَدْوِيَة الْبَدَنِيَّة .
وَلَكِنْ إِنَّمَا يَنْجَع بِأَمْرَيْنِ : أَحَدهمَا مِنْ جِهَة الْعَلِيل وَهُوَ صِدْق الْقَصْد , وَالْآخَر مِنْ جِهَة الْمُدَاوِي وَهُوَ قُوَّة تَوَجُّهه ، وَقُوَّة قَلْبه بِالتَّقْوَى وَالتَّوَكُّل , وَاَللَّه أَعْلَم "
انتهى من "فتح الباري" (10/ 115).
وجمهور العلماء على عدم وجوب التداوي .
وذهب جماعة منهم إلى وجوبه إذا خشي الإنسان على نفسه التلف بتركه.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: " ليس بواجب عند جماهير الأئمة ، إنما أوجبه طائفة قليلة من أصحاب الشافعي وأحمد "
نقله السفاريني في "غذاء الألباب" (1/459).
وقال الهيتمي في "تحفة المحتاج" (3/182) :
" ونقل عياض الإجماع على عدم وجوبه ، واعتُرض بأن لنا وجهاً بوجوبه إذا كان به جرح يخاف منه التلف .
وفارق وجوب نحو إساغة ما غص به ، بخمر ، وربط محل الفصد ؛ لتيقن نفعه " انتهى .
وفي حاشيته : " عن البغوي : أنه إذا علم الشفاء في المداواة : وجبت " انتهى .
وفي "حاشية قليوبي وعميرة" (1/403)
: " وقال الإسنوي : يحرم تركه في نحو جرح يظن فيه التلف كالقصد " انتهى .
وينظر جواب السؤالين القادمين
والله أعلم.