منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الهدية والهبة والعطية
عرض مشاركة واحدة
قديم 2018-07-15, 16:03   رقم المشاركة : 59
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

يريد والده أن يرجع في هبته بعد أن نجحت تجارته

السؤال:

الوالد أعطى الولد مبلغا من المال ، قرابة 50 ألفا ، لكي يفتح مشروعا ، ويكون نفسه . هذا بعد أن أنهى دراسته بالثانوي ، وبدأ المشروع واستمر ، وللمشروع الآن 15 سنة ، وهو في تطور ، وقبل فترة طلب الوالد من الولد أن يعطيه كل المشروع بكل ما فيه ، ويستدل بقوله : ( العبد وما ملك لسيده )

أو ( أنت ومالك لأبيك ) ، فغضب الابن لذلك ، ولم يرض ، واستمرت فترة سكوت ، والآن عاد الوالد يطالب بحقه في المشروع ، والآن أصبح يطالب بالنصف في كل ما يملك الابن ، وليس فقط المشروع

علما أنه عندما أعطى الوالدُ الابنَ المبلغ لم يشترط عليه شيئا ، ولا حتى طلب أن يكون شراكة بينهما ، ولا حتى وقف على المشروع بنفسه ، إلا في أول أيام المشروع . فكيف تحل هذه القضية ؟


الجواب :


الحمد لله


اختلف الفقهاء فيما إذا وهب الوالد لولده شيئا ثم بدا له أن يرجع فيه ، فهل يجوز له أن يسترد ما وهبه إياه ، وذلك على قولين :

القول الأول :

يجوز للوالد الرجوع فيما وهبه لولده ، وهو قول جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة .

واستدلوا على مذهبهم بحديث ابْنِ عُمَرَ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( لاَ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا إِلاَّ الوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ )

رواه الترمذي في " الجامع الصحيح " (2132)

وقال : حسن صحيح . وصححه ابن عبد البر في " الاستذكار " (6/244)

وابن حجر في " فتح الباري " (5/251)

وصححه الألباني في " إرواء الغليل " برقم : (1624) .

كما استدلوا بحديث النعمان بن بشير رضي الله عنه لما خصه والده بالعطية دون إخوانه فقال له صلى الله عليه وسلم : ( اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ ). قَالَ : فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ " .

رواه البخاري في " صحيحه " (2587) .

يقول النفراوي المالكي رحمه الله :

" لأب أن يعتصر - أي يأخذ قهرا - ما وهب لولده الصغير أو الكبير ، لا لصلة الرحم ، ولا لفقره ، ولا لقصد ثواب الآخرة ، بل وهبه لوجهه "

انتهى من " الفواكه الدواني " (2/155) .

ويقول الخطيب الشربيني رحمه الله :

" للأب الرجوع على التراخي في هبة ولده ، الشاملة للهدية والصدقة ، من دون حكم حاكم ، على المشهور ، سواء أقبضها الولد أم لا ، غنيا كان أو فقيرا ، صغيرا أو كبيرا "

انتهى من " مغني المحتاج " (3/568) .

ويقول ابن قدامة رحمه الله :

" للأب الرجوع فيما وهب لولده ، وهو ظاهر مذهب أحمد ، سواء قصد برجوعه التسوية بين الأولاد أو لم يرد ، وهذا مذهب مالك ، والأوزاعي ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبي ثور "

انتهى من " المغني " (6/55) .

القول الثاني : ليس للوالد الرجوع فيما وهبه لولده ، وهو مذهب الحنفية .

واستدلوا على ذلك بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " مَنْ وَهَبَ هِبَةً لِصِلَةِ رَحِمٍ ، أَوْ عَلَى وَجْهِ صَدَقَةٍ ، فَإِنَّهُ لاَ يَرْجِعُ فِيهَا ، وَمَنْ وَهَبَ هِبَةً يُرَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ بِهَا الثَّوَابَ فَهُوَ عَلَى هِبَتِهِ ، يَرْجِعُ فِيهَا إِذَا لَمْ يُرْضَ مِنْهَا " رواه مالك في " الموطأ " (4/1091) .

يقول الإمام السرخسي رحمه الله :

" وهو دليل لنا أن الوالد إذا وهب لولده هبة ليس له أن يرجع فيها ، كالولد إذا وهب لوالده ، وهذا لأن المنع من الرجوع لحصول المقصود - وهو صلة الرحم - ، أو لما في الرجوع والخصومة فيه من قطيعة الرحم ، والولاد في ذلك أقوى من القرابة المتأبدة بالمحرمية "

انتهى من " المبسوط " للسرخسي (12/ 49) .

والراجح قول جمهور الفقهاء الذين استدلوا بالحديث الصحيح الصريح

وأما دليل الحنفية فهو محتمل وليس بصريح ، فقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( من وهب هبة لصلة رحم ) يحتمل أن يريد به الأقارب والأرحام عدا ما بين الأب وابنه ، وعلى فرض إرادته ذلك فالحديث المرفوع مقدم على رأي الصحابي باتفاق الفقهاء .

ثانيا :

رغم ترجيح قول جمهور الفقهاء بجواز رجوع الوالد فيما وهبه لولده ، إلا أن هؤلاء الفقهاء اشترطوا لجواز الرجوع شروطا مهمة ، منها أن يبقى المال في يد الولد ، أما إذا باعه ، أو اشترى به ، أو تصرف فيه : فقد سقط حق الوالد في الرجوع عن الهبة .

جاء في " الشرح الكبير " (4/111) من كتب المالكية – في معرض ذكر موانع الرجوع - :

" إن لم تفُتْ عند الموهوب له ببيع ، أو هبة أو عتق ، أو تدبير ، أو بجعل الدنانير حليا ، أو نحو ذلك " انتهى .

ويقول النفراوي رحمه الله :

" محل رجوع الأب في هبته لولده : ما لم يُحدِث في الهبة حدث ، أي حادث ينقصها في ذاتها ، أو يزيدها ، فإنها تفوت عليه ، ولا يحل له اعتصارها "

انتهى من " الفواكه الدواني " (2/155).

ويقول الخطيب الشربيني رحمه الله :

" شرط رجوع الأب بقاء الموهوب في سلطنة المتَّهِب ، وهو الولد ... فيمتنع الرجوع في الموهوب بزوال السلطنة ، سواء أزالت بزوال ملكه عنه ببيعه كله ، ووقفه ، وعتقه ، ونحو ذلك ، أم لا... ولو زرع الولدُ الحبَّ ، أو فرخ البيض ، لم يرجع الأصل فيه ؛ لأن الموهوب صار مستهلكا "

انتهى من " مغني المحتاج " (3/570)

ويقول البهوتي رحمه الله :

" إن خرجت العين الموهوبة عن ملك الابن ، ببيع أو هبة أو وقف أو بغير ذلك ... لم يملك الأب الرجوع فيها " انتهى

باختصار من " كشاف القناع " (4/313) .

والحاصل من جميع ما سبق أنه لا يجوز لوالدك الرجوع فيما وهبه لك بعد أن أنفقت المال ، واشتريت به ما تحتاجه في تجارتك أو عملك ، وذلك باتفاق الفقهاء ، الجمهور بسبب تخلف شروط جواز الرجوع ، والحنفية لعدم جواز رجوع الوالد فيما وهبه لولده أصلا كما سبق بيانه .

ثالثا :

سبق في موقعنا بيان توجيه قوله عليه الصلاة والسلام : ( أنت ومالك لأبيك )، وأن ذلك مقيد بحال حاجة الوالد إلى شيء من نفقته ، وليس له من ماله ما يغنيه عما في يد ولده ؛ فله حينئذ أن يأخذ من مال ولده ليسد حاجته ، فحسب ، لا ليكون ثروة ، أو يدخر مالا .

والخلاصة :

أن نصيحتنا للوالد أن يتقي الله في ولده ، ولا يدفعه ما رآه من نجاح ولده في تجارته وعمله أن يقع في الظلم والعدوان ، فيأكل مال ولده بالباطل ، ويحتج بما لا يعرف حكمه من الأحاديث النبوية أو الأحكام الشرعية

فالولد له ذمة مالية مستقلة ، لا يجوز للوالد أن يطغى عليها أو يتخوض فيها ، من غير وجه حق ، فالحساب بين يدي الله عسير ، ويومئذ يفر المرء من أبيه ، وصاحبته وبنيه ، والجزاء بين الناس بالحسنات والسيئات .

وفي المقابل : نصيحتنا للولد أن يحسن إلى والده قدر المستطاع ، ويطيب نفسا بما يتمكن من المال الذي يرضى به الوالد ، ويترفق به ، كي يجتنب الشقاق والنزاع معه ، ويعبر له عن شكره وامتنانه لمساعدته بالمال في السنوات الماضية .

والله أعلم .









رد مع اقتباس