ثالثاً :
والواجب على النائم قبل نومه أن يحرص على الاستيقاظ في وقت الصلاة ، وأن يأخذ بالأسباب التي تعينه على أداء الصلاة في وقتها ، فإن فعل ولم يستيقظ فهو معذور لأنه أدى الذي عليه و
( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) ،
وقد حصل هذا مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره .
فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال : سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فقال بعض القوم : لو عَرَّست بنا يا رسول الله
( أي : نزلت بنا آخر الليل حتى نستريح )
قال : أخاف أن تناموا عن الصلاة ، قال بلال : أنا أوقظكم ، فاضطجعوا وأسند بلال ظهره إلى راحلته فغلبته عيناه فنام ، فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس
فقال : يا بلال أين ما قلت ؟ قال : ما ألقيت علي نومة مثلها قط ، قال : إن الله قبض أرواحكم حين شاء وردها عليكم حين شاء ، يا بلال قم فأذن بالناس بالصلاة ، فتوضأ فلما ارتفعت الشمس وابياضت قام فصلى .
رواه البخاري ( 570 ) ومسلم ( 681 )
وعنده : ( احفظوا علينا صلاتنا ) .
فالنبي صلى الله عليه وسلم قد أخذ بأسباب الاستيقاظ بجعله بلالاً لينبههم لصلاتهم ، إلا أنه غلبته عيناه ، فنام ونام القوم معه حتى طلعت الشمس ولم يكونوا مفرطين ، ولذلك قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنه ليس في القوم تفريط ) .
وأما من سهر في عمل أو غيره ولم يأخذ بأسباب الاستيقاظ فصلَّى بعد الوقت : فيعتبر تاركاً للصلاة متعمداً ، وهو غير معذور بنومه .
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
عمن يسهر ولا يستطيع أن يصلي الفجر إلا بعد خروج الوقت فهل تقبل منه ؟ وحكم بقية الصلوات التي يصليها في الوقت ؟
فأجاب :
" أما صلاة الفجر التي يؤخرها عن وقتها وهو قادر على أن يصليها في الوقت لأن بإمكانه أن ينام مبكراً فإن صلاته هذه لا تقبل منه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :
( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )
رواه مسلم
والذي يؤخر الصلاة عن وقتها عمداً بلا عذر :
قد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون مردوداً عليه .
لكن قد يقول : إنني أنام ، وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم : ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا
ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ) .
فنقول : إذا كان بإمكانه أن ينام مبكراً ليستيقظ مبكراً ، أو يجعل عنده ساعة تنبهه
أو يوصي من ينبهه :
فإن تأخيره الصلاة ، وعدم قيامه يعتبر تعمداً لتأخير
الصلاة عن وقتها ، فلا تقبل منه " انتهى .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين "
( 12 / السؤال رقم 14 ) .
رابعاً :
وقد يكون الرجل ثقيل النوم ، فهذا على حالين :
الحال الأولى :
أن يكون ثقل نومه بسبب سهره في العمل أو في طلب العلم أو قيام الليل : فمثل هذا لا يجوز له أن يتسبب في تضييع الصلاة عن وقتها من أجل ما سبق
ويجب عليه أن يبحث عن عمل آخر لا يسبب له تضييع الصلوات ، كما لا يجوز له الاشتغال بالنوافل أو حتى طلب العلم – وهو واجب في أصله – على حساب تضييع الصلوات ، وترك الصلاة هنا يعتبر تعمداً ؛ لأنه يستطيع تغيير العمل ، ويستطيع ترك السهر .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
" الواجب على الإخوة الذين يخرجون إلى الرحلات أن يشكروا الله تعالى على هذه النعمة حيث جعلهم في رخاء ويسر من العيش ، وفي أمن وأمان من الخوف ، ويقوموا بما أوجب الله عليهم من الصلاة في أوقاتها ، سواء صلاة الفجر أم غيرها
ولا يحل لهم أن يؤخروا صلاة الفجر عن وقتها بحجة أنهم نائمون ، لأن هذا النوم لا يعذرون فيه غالباً لكونهم يستطيعون أن يكون لهم منبهات تنبههم للصلاة في وقتها ، ويستطيعون أن يناموا مبكرين حتى يقوموا نشيطين " انتهى .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين "
( 12 / السؤال رقم 14 ) .
وأما الحال الثانية :
أن يكون ثقل النوم طبعاً في الرجل ، وليس له تعلق بسهر أو عمل ، وقد عرف هذا عن بعض الأقوام والأشخاص
فإن كان كذلك :
فهو معذور إن كان قد أخذ بالأسباب ولم يستيقظ .
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده فقالت : يا رسول الله إن زوجي صفوان بن المعطل لا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس ، قال : وصفوان عنده ، قال : فسأله عما قالت ، فقال : يا رسول الله إنا أهل بيت قد عرف لنا ذاك لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس قال : ( فإذا استيقظت فصلِّ ) .
رواه أبو داود ( 2459 )
وصححه الشيخ الألباني في " إرواء الغليل " ( 7 / 65 ) .
والخلاصة :
أن الذي يظهر من حالك أن ثقل نومك له تعلق بالسهر ، والسهر كان بسبب العمل وعليه :
فلا يجوز لك البقاء في عملك هذا ؛ لأنه يؤدي بك إلى ترك أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين
فابحث عن عمل غيره يعوضك الله خيراً منه .
وسترى التغير الطيب في دينك وجسمك ونفسيتك
أما الدين :
فإن أداء الصلوات في أوقاتها من أعظم الواجبات ، وتركه من أعظم المحرمات
وأما جسمك :
فإن علماء الطب قد ذكروا مضار كثيرة لمن يعمل بالليل ، وأن نوم النهار لا يعطي الجسم الراحة التي تحصل له من نوم الليل
وكل ما سبق يؤثر على نفسيتك تأثيراً سلبيّاً .
والله أعلم .