ها هو ذا أخونا عزيز يضع بين أيديكم إخوتي الأفاضل ظ±خر جزء من باكورة أعماله، أرجو أن تنال اعجابكم وتقديركم...
****النهاية****
بعد أيام طرقت الآنسة ليلى أبواب المدير طالبة الإذن في إقامة تأبينية للفقيدة تستذكر فيها مآثرها وتجعلها محطة تستوقفهم جميعا لتجديد العهود بأن يخلصوا في أعمالهم، فانشرح صدر المدير للآنسة ليلى التي اتضح في الأخير أنها لم تعد حقودة غيورة وقد تركت كل ذلك وراءها عازمة كل العزم على المضي في اختراق مرافئ البذل والإحسان
بدأ الكل ككيان واحد يعملون لغاية منشودة غير أن ذلك الاستاذ لم يستسغ الأمر وطلب تأجيله كونه سيؤثر على نفسية المتعلمين وسيذكرهم بمحطة أليمة ما صدّق أنهم استهلوا نسيانها ليركزوا في دروسهم، حاول الجميع ردع عنفوانه وغيرته على مشاعر تلاميذه الذين استحوذوا على سويداء قلبه وتربعوا فيه على مركز قوة تدفعه دفعا رغم ما يعانيه من عسر في هضم الطرائق ومستجدات عالم التربية، ساند بعض المعلمين الأستاذ في رأيه وحاولوا تأجيل الأمر غير أن الآنسة ليلى اتهمت الجميع بالتآمر عليها انتقاما لما فعلته مع الفقيدة، وتراجع المدير في هذه الأثناء إلى الخلف في حالة ترقب واستعداد للتصرف بحكمة الشيوخ وخبرة السنون... تعالت أصوت المعلمين واحتدم النقاش حتى وصل الأخذ والرد بينهم إلى حالة احتقان بين الأستاذ والآنسة ليلى انتهت ببتر ركائز التواصل بينهما تماما، فهي تحاول تصحيح أخطائها ولكن الأستاذ لم يتقبل ذلك حماية لمصالح البراءة، وإلا كيف يكون أستاذا إن لم يحمي تلاميذه؟! فما صدق الجميع عدول الآنسة ليلى على قرارها إلا وجدوها عادت لعاداتها القديمة من بث السموم في المؤسسة وأخذ الأمر على محمل العداوة للكثيرين هناك فترمق الجميع بنظرات شزراء، وترميهم بسهام صنعتها من خيلاء كاذبة تصيب بها الجميع تهكما دون رادع أو وازع، حتى جاءها الأستاذ المستجد ذات يوم وقال لها: لا ترحلي عن نفسك! .. ثم هزّ الأرضَ بخطواته وغادر من أمامها كسراب هائم على وجه البسيطة وتركها واقفة حائرة لا تقوي لا على حرراك ولا كلام..عادت إلى بيتها وكانت تلك الكلمات لا تفارق فكرها السابح في بحور المعاني لعله يجد لها تفسيرا، ارتمت على الأريكة بعد أن أعدت فنجانا من القهوة التي تشتهيها نفسها وبدأ رحلة تحليل الحروف والمعاني تحدث نفسها في حلقة من فراغ..
كيف رحلت عن نفسي؟ وهل يرحل الإنسان عن نفسه؟!
ما إن أوشكت على إنهاء فنجانها حتى اهتدت إلى سبيل الرشاد وحل هذه العقدة وفهمت أن رحيل المرء عن نفسه هو تجرده من رداء الإنسانية،
ضربت كفا بكف وعاتبت نفسها مليا ... كم أنا حمقاء غبية لا تتعلم الدروس من هذه الحياة .. وفي صباح اليوم الموالي قررت أن تذهب للمعلم وإخباره بأنها قد وعت الدرس الذي لخصه لها في كلمات مقتضبة.. وذلك ما كان منها أول ما دخلت إلى المدرسة فحدثته بما اختلج في صدرها فكان رده كان أقوى هذه المرة، قصدت يا زميلتي من كلامي أننا رأينا فيك إشراقة الربيع وكل خلق بديع لما بدر منك من صنيع، لكن غريزة الشر في نفسك قد استحكمت على مقاليد نفسك فما وجدناك إلا تعودين إلا لسوء كنت تحاولين درأه عنك ، فلا تصححي خطأ بآخر أبدا، فما من خِرقَة تغطي أختها ، وما من جهل يُعالج بمثيله، .. لم يكد المستجد أن يكمل كلامه حتى قاطعته بقولها لقد فهمتك ولكن من أنت لتنصحني وتريني طريق الحق وجادة الصواب؟... فقال لها يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر وذهب من أمامها يتمتم قائلا: الطبع يغلب التطبع .... انتهى.
أيها السادة الكرام، يا من جادت عيونكم بنظرة متأملة لمطالعة هذه السطور وفهم ما بين ثانياها من عبر وعظات جمعت فيها بعضا من الأحداث المعاشة في مدارسنا، وما هذا المنقول في القصة الأصلية أو التكملة إلا ضرب من ضروب الأدب التعلمي التربوي الهادف الذي يتم تسليط الضوء فيه على مظاهر بارزة للعيان، وعبر مستترة وجب نفض الغبار عنها ليتلقاها القارئ الكريم ويتعلم منها ما يفيده في حياته أو لربما يجهد نفسه في تعلم خصلة من الخصال حتى تكون طبعا وأصيلة في نفسه فتعطرها بريح من أريج صفات المعلم الأول للبشرية سيدنا محمد عليه أفضل صلاة وأزكى سلام ...
أتمنى أن أكون قد أجدت ما طرحت فإن وفقت فمن الله تبارك وتعالى وإن أخطأت فمني أو من الشيطان لأنه مهما نظم الإنسان من عقود اللفظ وزينها إلا قال في غده عنها : لو أخرت هذا وقدمت هذا لكان أحسن ، ولو ترك هذا ووضع هذا لكان أجمل، وهذا دليل على استيلاء النقص على كل البشر.
تقبلوا تحياتي أيها السادة الكرام الأفاضل.