منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الإيمان باليوم الآخر وأشراط الساعة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2018-03-25, 03:01   رقم المشاركة : 50
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


ثانياً :

ومن أحب الله لكماله وجلاله واستحقاقه المحبة والتأله والتعبد لا شك أنه يحب قربَه سبحانه ، ويتشوف إلى النظر إليه ، ويتشوق إلى لقائه ، يسعى للحصول على رضاه ، ويرجو أن ينال محبته وكرمه ويكون عنده من المقربين .

وذلك كله لا يكون إلا بدخول الجنة التي هي محل رضوان الله ، وفيها ينظر أهلها إلى وجه الله ، وتمتلئ قلوبهم بمحبة معبودهم وإلههم الذي تنفطر القلوب شوقا إليه وإجلالا له ، كما يكون فيها من النعيم ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .

هذه هي الجنة التي طمَّعنا الله فيها ، وطَمِعَ بها الأنبياء والصالحون والأولياء ، كي يكونوا فيها بجوار الكريم سبحانه ، ويتنعمون فيها برضوانه والقرب منه ، فذلك أكبر لذات الجنة .

يقول سبحانه وتعالى : ( وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) التوبة/72 .

وبهذا نعلم أن ليس ثمة تعارض بين عبادة الله محبة له وإجلالا ، وبين سؤال الجنة وطلبها والشوق إليها والحرص على المسابقة إليها ، وكذا الاستعاذة من النار والخوف منها ، فإن العبد الذي يحب الله لذاته إذا استحضر أن الجنة دار رضوان الله ودار كرامته ، وأنه سيجد فيها من قرب الله ما يزيد محبته وأنسه وشوقه :

فلا شك أنه سيعمل لدخولها ، ويسعى للدرجات العلى منها ، ويحتسب طاعاته في الدنيا وسائلَ تقربه إليها وتبعده عن النار التي هي دار المهانة والبعد والغضب والعذاب .

ثالثا :

وأنتِ - أختنا الفاضلة - إذا تصورتِ معي ما سبق علمت خطأك حين ظننت أن الطمع في الجنة والخوف من النار يتعارض مع محبة الله إجلالا وتعظيما ؛ لأن محبة الله تعني الشوق إليه ، والرغبة في القرب منه ، والسعي إلى رضوانه وتجنب سخطه ؛ ولأن المحب يشتاق إلى محبوبه ، وعذابه في البعد عنه ، فكيف بسخطه عليه .

ولكن لما توهم كثير من الناس أن نعيم الجنة إنما هو طعام وشراب وحور عين ونحوها من اللذات الحسية قامت في أذهانهم تلك المعارضة بين محبة الله وعبادته وبين سؤال الجنة والاستعاذة من النار .

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :

ومن هنا يتبين زوال الاشتباه فى قول من قال : ما عبدتك شوقاً إلى جنَّتك ولا خوفاً من نارك ، وإنما عبدتك شوقاً إلى رؤيتك .

فإن هذا القائل ظنَّ هو ومن تابعه أن الجنة لا يدخل فى مسماها إلا الأكل والشرب واللباس والنكاح ونحو ذلك مما فيه التمتع بالمخلوقات ، ولهذا قال بعض من غلط من المشائخ لما سمع قوله : ( مِنْكُم مَنْ يُريدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَن يُرِيدُ الآخِرَةَ ) قال : فأين من يريد الله ؟! وقال آخر فى قوله تعالى : ( إِنَّ الله اشْتَرَى مِنَ المُؤمِنينَ أنْفُسَهُم وَأَمْوَالُهُم بِأَنَّ لَهُم الجَنَّةَ ) قال : إذا كانت النفوس والأموال بالجنة فأين النظر إليه ؟! .

وكل هذا لظنِّهم أنَّ الجنَّة لا يدخل فيها النظر ، والتحقيق أن الجنة هي الدار الجامعة لكل نعيم ، وأعلى ما فيها النظر إلى وجه الله ، وهو من النعيم الذى ينالونه فى الجنة كما أخبرت به النصوص ، وكذلك أهل النار ، فإنهم محجوبون عن ربهم يدخلون النار ، مع أن قائل هذا القول إذا كان عارفاً بما يقول فإنما قصده أنك لو لم تخلق ناراً ، أو لو لم تخلق جنَّة لكان يجب أن تعبد ، ويجب التقرب إليك ، والنظر إليك ، ومقصوده بالجنة هنا ما يتمتع فيه المخلوق .

" مجموع الفتاوى " ( 10 / 62 ، 63 ) .

ويقول ابن القيم - رحمه الله - :

والتحقيق أن يقال : الجنة ليست اسماً لمجرد الأشجار والفواكه والطعام والشراب والحور العين والأنهار والقصور ، وأكثر الناس يغلطون في مسمى الجنة ، فإن الجنة اسم لدار النعيم المطلق الكامل ، ومن أعظم نعيم الجنة : التمتع بالنظر إلى وجه الله الكريم ، وسماع كلامه ، وقرة العين بالقرب منه وبرضوانه

فلا نسبة للذة ما فيها من المأكول والمشروب والملبوس والصور إلى هذه اللذة أبدا ، فأيسر يسير من رضوانه : أكبر من الجنان وما فيها من ذلك ، كما قال تعالى : ( ورضوان من الله أكبر ) التوبة/72 ، وأتى به مُنَكَّرًا في سياق الإثبات ، أي أي شيء كان من رضاه عن عبده : فهو أكبر من الجنة .

قليل منك يقنعني ... ولكن قليلك لا يقال له قليل

وفي الحديث الصحيح حديث الرؤية : ( فوالله ما أعطاهم الله شيئا أحب إليهم من النظر إلى وجهه ) وفي حديث آخر : ( أنه سبحانه إذا تجلى لهم ورأوا وجهه عيانا : نسوا ما هم فيه من النعيم وذهلوا عنه ولم يلتفوا إليه ) .

ولا ريب أن الأمر هكذا ، وهو أجل مما يخطر بالبال أو يدور في الخيال ، ولا سيما عند فوز المحبين هناك بمعية المحبة ، فإن المرء مع من أحب ، ولا تخصيص في هذا الحكم بل هو ثابت شاهدا وغائبا ، فأي نعيم وأي لذة وأي قرة عين وأي فوز يداني نعيم تلك المعية ولذتها وقرة العين بها ، وهل فوق نعيم قرة العين بمعية المحبوب الذي لا شيء أجل منه ولا أكمل ولا أجمل قرة عين ألبتة ؟ .

وهذا - والله - هو العلَم الذي شمر إليه المحبون ، واللواء الذي أمه العارفون ، وهو روح مسمى الجنة وحياتها ، وبه طابت الجنة وعليه قامت .

فكيف يقال : " لا يعبد الله طلباً لجنته ولا خوفاً من ناره " ؟! .

وكذلك النار أعاذنا الله منها ، فإن لأربابها من عذاب الحجاب عن الله وإهانته وغضبه وسخطه والبعد عنه : أعظم من التهاب النار في أجسامهم وأرواحهم ، بل التهاب هذه النار في قلوبهم : هو الذي أوجب التهابها في أبدانهم ، ومنها سرت إليها .

فمطلوب الأنبياء والمرسلين والصديقين والشهداء والصالحين : هو الجنة ، ومهربهم : من النار . والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله وحسبنا الله ونعم الوكيل .

" مدارج السالكين " ( 2 / 80 ، 81 ) .

والله أعلم









رد مع اقتباس