3. وقال ابن القيم رحمه الله :
وحدَّثني – أي : شيخه ابن تيمية - أنه قرأها مرة – أي : قوله تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إلَيْنَا لاَ تُرْجَعُونَ) المؤمنون/115 - في أُذن المصروع ، فقالت الروح : نعمْ ، ومد بها صوته ، قال : فأخذتُ له عصا ، وضربتُه بها في عروق عنقه حتى كَلَّتْ يدَايَ من الضرب ، ولم يَشُكَّ الحاضرون أنه يموتُ لذلك الضرب
ففي أثناء الضرب قالت : أَنا أُحِبُّه ، فقلتُ لها : هو لا يحبك ، قالتْ : أنَا أُريد أنْ أحُجَّ به ، فقلتُ لها : هو لا يُرِيدُ أَنْ يَحُجَّ مَعَكِ ، فقالتْ : أنا أدَعُه كَرامةً لكَ ، قال : قلتُ : لا ، ولكنْ طاعةً للهِ ولرسولِه ، قالتْ : فأنا أخرُجُ منه ، قال : فقَعَد المصروعُ يَلتفتُ يميناً وشمالاً ، وقال : ما جاء بي إلى حضرة الشيخ ؟ قالوا له : وهذا الضربُ كُلُّه ؟ فقال : وعلى أي شيء يَضرِبُني الشيخ ولم أُذْنِبْ؟ ولم يَشعُرْ بأنه وقع به الضربُ البتة .
"زاد المعاد في هدي خير العباد" (4/68 ، 69) .
فتبين بما سبق أن ضرب المصروع جائز من حيث الأصل ، لكن له شروط ، منها :
1. أن يكون الضرب من خبير بمواضع الضرب ، وبحال المضروب ، وبحال الجني في بدن المصروع ، فقد يقع الضرب على مواضع حساسة فيؤثر فيها تأثيراً بالغاً أو يفقدها صاحبها ، وقد تُضرب المرأة الحامل فيسقط جنينها ، وقد يضرب المصروع ولا يكون الجني قد دخل في كامل بدن المصروع ، وكم حصل من ضربٍ من جاهل أحمق لمصروع فمات المصروع بين يديه ، فأسيء بعده للرقية ، وللإسلام .
2. أن لا يقع الضرب على المصروع بل على الجني ، وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – كما سبق - : " وإنما هو – أي : الضرب - على الجني " ، ويتبين ذلك بأمرين :
أ. بوجود الأثر على البدن .
وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – كما سبق - : "ولا يؤثِّر في بدنه" .
ب. أو بإحساس المصروع به .
وفي ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية – كما سبق - : "والمصروع مع هذا لا يحس بالضرب" ، وقال : "لم يحس بشيء من ذلك" ، وقال عن المصروع – كما في نقل ابن القيم - : "ولم يَشعُرْ بأنه وقع به الضربُ البتة" .
فهذه هي الضوابط الشرعية للذين يستعملون الضرب بالعصا في علاج المصروع ، وعلى من لا يحسن ذلك أن يكتفي بالضرب اليسير على الصدر ، أو بقراءة الرقية الشرعية ، وأن لا يزيد على قول "اخرج عدو الله" .
قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله :
ولكنني من جانب آخر أُنكر أشد الإنكار على الذين يستغلون هذه العقيدة ، ويتخذون استحضار الجن ومخاطبتهم مهنة لمعالجة المجانين والمصابين بالصرع ، ويتخذون في ذلك من الوسائل التي تزيد على مجرد تلاوة القرآن مما لم ينزل الله به سلطاناً ، كالضرب الشديد الذي قد يترتب عليه أحيانا قتل المصاب ، كما وقع هنا في "عمَّان" ، وفي "مصر" ، مما صار حديث الجرائد والمجالس .
لقد كان الذين يتولون القراءة على المصروعين أفراداً قليلين صالحين فيما مضى ، فصاروا اليوم بالمئات ، وفيهم بعض النسوة المتبرجات ، فخرج الأمر عن كونه وسيلة شرعية لا يقوم بها إلا الأطباء عادة ، إلى أمور ووسائل أخرى لا يعرفها الشرع ولا الطب معا ، فهي - عندي - نوع من الدجل والوساوس يوحي بها الشيطان إلى عدوه الإنسان" انتهى .
"السلسلة الصحيحة" (6/417) .
والله أعلم