تغيير شرع الله تعالى ؛ بتحريم ما أحل الله ، وتحليل ما حرم
والدليل على أن ذلك الإلحاد في شرع الله تعالى سبب من أسباب العذاب في القبر قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرٍ الْخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ ؛ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ ) . رواه البخاري (4623) .
قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَجُرّ قُصْبه فِي النَّار ) وَهِيَ الأَمْعَاء .
والسائبة : هي ناقة أو بقرة أو شاة كانوا يسيبونها فلا تركب ولا تؤكل ولا يحمل عليها ، وكان بعضهم ينذر شيئا من ماله يجعله سائبة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " العرب من ولد إسماعيل وغيره ، الذين كانوا جيران البيت العتيق الذي بناه إبراهيم وإسماعيل ، كانوا حنفاء على ملة إبراهيم ، إلى أن غير دينه بعض ولاة خزاعة ، وهو عمرو بن لحي ، وهو أول من غير دين إبراهيم بالشرك وتحريم ما لم يحرمه الله ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه " انتهى . "دقائق التفسير" (2/71) .
عدم الاستبراء من البول ، والمشي بين الناس بالنميمة
فعن ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ : إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ...الحديث . رواه البخاري (218) ومسلم (292) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( إن عامة عذاب القبر من البول فتنزهوا منه ) أخرجه الدارقطني ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1/152) .
الغيبــــــة
وعلى ذلك ترجم البخاري رحمه الله في كتاب الجنائز بقوله : " عذاب القبر من الغيبة والبول " .
ثم روى فيه حديث القبرين السابق مع أن لفظ البخاري ليس فيه ذكر الغيبة ، وإنما فيه النميمة ، لكنه جرى عَلَى عَادَته فِي الْإِشَارَة إِلَى مَا وَرَدَ فِي بَعْض طُرُق الحديث : ( وأما الآخر فيعذّب في الغيبة )
أخرجه أحمد (5/35) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ( 1/66 ) .
الكـــــــذب
ففي حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُسْتَلْقٍ لِقَفَاهُ ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِكَلُّوبٍ مِنْ حَدِيدٍ ، وَإِذَا هُوَ يَأْتِي أَحَدَ شِقَّيْ وَجْهِهِ فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ إِلَى قَفَاهُ ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ ، قَالَ : ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الأَوَّلِ ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ كَمَا كَانَ ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى . قَالَ : قُلْتُ : سُبْحَانَ اللَّهِ ! مَا هَذَانِ ؟
ثم قال عن هذا المعذب في آخر الحديث : ( إنه الرجل يغدو من بيته ، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق .. ) رواه البخاري (7074) .
فيشرشر : أي يقطعه .
والشدق : جانب الفم .
هجر القرآن بعد تعلُّمه ، والنوم عن الصلاة المكتوبة
ففي حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ ، فَيَتَدَهْدَه الْحَجَرُ هَا هُنَا فَيَتْبَعُ الْحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ فَلَا يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الأُولَى . قَالَ : قُلْتُ لَهُمَا : سُبْحَانَ اللَّهِ ! مَا هَذَانِ ؟
وفيه : ( والذي رأيته يُشْدَخ رأسُه فرجل علمه الله القُرْآن ، فنام عنه بالليل ، ولم يعمل به بالنهار ) .
(يثلغ رأسه) : أي يشدخه ويشقه .
(يتدهده) : أي يتدحرج .
وفي رواية : ( أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنْ الصَّلاةِ الْمَكْتُوبَةِ ) رواه البخاري (7076) .
وذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله أن هذه الرواية أوضح من الأولى ؛ فإن ظاهر الأولى أنه يعذب على ترك قراءة القُرْآن بالليل ، وأما الأخرى فتدل على أنه يعذب على نومه عن الصلاة المكتوبة .
قال : ويحتمل أن يكون العذاب على مجموع الأمرين ؛ ترك القراءة ، وترك العمل .
قال ابن حجر : " قال ابن هبيرة : رفض القرآن بعد حفظه جناية عظيمة ؛ لأنه يوهم أنه رأى فيه ما يوجب رفضه ، فلما رفض أشرف الأشياء وهو القرآن عوقب في أشرف أعضائه وهو الرأس " فتح الباري (3/251) .