منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - الإيمان باليوم الآخر وأشراط الساعة
عرض مشاركة واحدة
قديم 2018-03-23, 02:47   رقم المشاركة : 33
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


ثانيا :

يبقى الخوف على المسلم العاصي ، أو المسلم الفاسق - والمقصود هو المصر على كبائر الذنوب ، أو الظالم المعتدي على الخلق ومات على ذلك - :

بأي القسمين السابقين يلحق ؟

هل تقبض روحه ملائكة الرحمة ويلقى ما يلقاه المؤمنون ، أم تقبضها ملائكة العذاب ويلقى ما يلقاه الكافرون ؟

هذا من عالم الغيب الذي لم نقف فيه على نصوص صريحة تجزم لنا بحقيقة الحال الذي سيؤول إليه أصحاب الكبائر .

ولكن ثمة بعض الإشارات التي يمكن أن تدل على أن ملائكة العذاب هي التي تتولى قبض أرواح أصحاب الكبائر ، ومن ذلك :

1- حديث الرجل الذي قتل مائة نفس ، ثم تاب إلى الله عز وجل ، فلما قبضت روحه اختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب أيهم يقبضها ويرفعها ، فقد جاء في قصته التي يرويها أبو سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( فَاخْتَصَمَتْ فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ وَمَلَائِكَةُ الْعَذَابِ ، فَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ : جَاءَ تَائِبًا مُقْبِلًا بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ . وَقَالَتْ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ : إِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ . فَأَتَاهُمْ مَلَكٌ فِي صُورَةِ آدَمِيٍّ ، فَجَعَلُوهُ بَيْنَهُمْ ، فَقَالَ : قِيسُوا مَا بَيْنَ الْأَرْضَيْنِ ، فَإِلَى أَيَّتِهِمَا كَانَ أَدْنَى فَهُوَ لَهُ ، فَقَاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أَدْنَى إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي أَرَادَ ، فَقَبَضَتْهُ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ )

رواه البخاري (3740)، ومسلم (2766)

فتأمل كيف أن ملائكة العذاب همت أن تقبض روح هذا العاصي الذي قتل مائة نفس ، ولولا صدق توبته لكانت روحه من نصيب ملائكة العذاب ، فالخوف على جميع أصحاب الكبائر بعد ذلك أن تتولى ملائكة العذاب قبض أرواحهم إن لم يتوبوا إلى الله عز وجل .

2- الأحاديث الكثيرة التي جاءت في وصف حضور الملائكة قبض روح الميت ، وإصعادها بها إلى السماوات العلى ، والمقابلة بين حال المؤمنين وحال الكافرين ، جاء في بعض روايات هذه الأحاديث ذكر ( الفاجر ) بدلا من ( الكافر ) ، وفي بعضها تصفه بـ ( الرجل السوء ) وقد يكون في ذلك إشارة أيضا إلى أن أصحاب الكبائر على خطر عظيم في هذا الشأن .

عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال – في حديث طويل يبين فيه حال المؤمن والفاجر عند قبض الأرواح - :

( وأما الفاجر : فإذا كان في قبل من الآخرة ، وانقطاع من الدنيا ، أتاه ملك الموت ، فيقعد عند رأسه ، وينزل الملائكة سود الوجوه ، معهم المسوح ، فيقعدون منه مد البصر ، فيقول ملك الموت : أخرجي أيتها النفس الخبيثة إلى سخط من الله وغضب ...إلى آخر الحديث )

هذه رواية الحاكم في "المستدرك" (1/93)، وصححها الشيخ الألباني في "أحكام الجنائز" (فقرة/108)

والحديث أصله في السنن. وقد جمع ابن طولون في كتابه: "التحرير المرسخ في أحوال البرزخ" (ص/75-112) الأحاديث والآثار الواردة في هذا الشأن يمكن الاطلاع عليها هناك.

إلا إذا قلنا : إن المراد بالفاجر ، أو الرجل السوء ، في هذه الروايات ، هو : الكافر ، المذكور في الروايات الأخرى ، لتتفق روايات الحديث ، كما هو الأظهر ، فيعود الأمر إلى السكوت عن أهل المعاصي والكبائر من المسلمين . والله أعلم .

قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله :

" ( الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) النحل/32

ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة : أن المتقين الذين كانوا يمتثلون أوامر ربهم ، ويجتنبون نواهيه ، تتوفاهم الملائكة : أي يقبضون أرواحهم ، في حال كونهم طيبين : أي طاهرين من الشرك والمعاصي - على أصح التفسيرات - ويبشرونهم بالجنة ، ويسلمون عليهم .

وبين هذا المعنى أيضاً في غير هذا الموضع . كقوله : { إِنَّ الذين قَالُواْ رَبُّنَا الله ثُمَّ استقاموا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الملائكة أَلاَّ تَخَافُواْ وَلاَ تَحْزَنُواْ وَأَبْشِرُواْ بالجنة التي كُنتُمْ تُوعَدُونَ } [ فصلت : 30 ]

وقوله : { وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فادخلوها خَالِدِينَ } [ الزمر : 73 ]

وقوله : { وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عقبى الدار } [ الرعد : 23-24 ] .

والبشارة عند الموت ، وعند دخول الجنة من باب واحد . لأنها بشارة بالخير بعد الانتقال إلى الآخرة .

ويفهم من صفات هؤلاء الذين تتوفاهم الملائكة طيبين ويقولون لهم سلام عليكم ادخلوا الجنة - أن الذين لم يتصفوا بالتقوى لم تتوفهم الملائكة على تلك الحال الكريمة ، ولم تسلم عليهم ، ولم تبشرهم .
وقد بين تعالى هذا المفهوم في مواضع أخر . كقوله : { الذين تَتَوَفَّاهُمُ الملائكة ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السلم } [ النحل : 28 ] الآية

وقوله : { إِنَّ الذين تَوَفَّاهُمُ الملائكة ظالمي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ } [ النساء : 97 ] - إلى قوله - { وَسَآءَتْ مَصِيراً } [ النساء : 97 ]

وقوله : { وَلَوْ ترى إِذْ يَتَوَفَّى الذين كَفَرُواْ الملائكة يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ } [ الأنفال : 50 ] الآية ، إلى غير ذلك من الآيات " انتهى . أضواء البيان (3/3) .

ولعله أن يقال هنا ـ والله أعلم ـ أن حال أهل المعاصي والكبائر ، عند الموت ، يتفاوت بحسب معاصيهم وطاعاتهم ؛ فمن كان من الموحدين ، الطيبين المستقيمين ، فله من البشارة وطيب الحال ما وعد الله به هنا ، ومن خلط خُلط له ، فيحرم من البشارة وطيب الحال ، ورحمة الملائكة به ، بحسب حاله وعمله .

والله أعلم .









رد مع اقتباس