السؤال :
أنا أود أن أصبح مخرجاً سينمائيّاً ، فهل هذا يتعارض مع الشريعة الاسلامية ؟
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
إن معرفة واقع السينما اليوم يسهِّل علينا تعريفك بحكم التأليف والإنتاج والتمثيل والإخراج السينمائي ، فهو واقع مزرٍ ، ولا يكاد يخلو فيلم سينمائي – عربي أو أجنبي – من نشر للفاحشة والرذيلة والجريمة ، فالأفلام مليئة بمشاهد الحب والعري ، وشرب الخمور ، ومصادقة الأجنبيات وتقبيلهن والزنا بهن ، مع ما فيها من نشر جرائم الاغتصاب والسرقة والقتل ، وهو ما أثَّر في نفوس المشاهدين من الرجال والنساء والأطفال ، وقد ذكر أهل الاختصاص في تقاريرهم ما ينبئ عن خطر هذه الأفلام السينمائية على الخلق والدين والمجتمع والأسرة .
ولذا كانت المساهمة في ظهور هذه الأفلام مشاركة في الإثم والعدوان ، ولا يشك أحد له اطلاع على واقع هذه السينما في تحريم إنتاجها وتمثيلها وإخراجها .
وقد حاول بعض المفتين المعاصرين أن يضع ضوابط للسينما ! لكنها أشبه ما تكون بالخيال ، وهي بعيدة كل البعد عن الواقع العملي .
فقال صاحب كتاب " الحلال والحرام في الإسلام " – في ذِكر ضوابط السينما - :
1. أن تنزه موضوعاتها التي تعرض فيها عن المجون والفسق وكل ما ينافي عقائد الإسلام وشرائعه وآدابه .
2. أن لا تشغل عن واجب ديني أو دنيوي كالصلوات الخمس .
3. أن يتجنب مرتادها الملاصقة والاختلاط المثيرين بين الرجال والنساء الأجنبيات عنهم منعاً للفتنة ودرأ للشبهة . انتهى .
وقد ردَّ عليه كثيرون ، ومنهم الشيخ صالح الفوزان حفظه الله فقال :
"والجواب عن ذلك من وجهين :
الوجه الأول :
أن نقول : بعيد كل البعد أو قد يكون مستحيلاً في السينما أن تتوفر هذه الشروط التي ذكرها المؤلف وخلوها من هذه المحاذير لأنها لو خلت من هذه الأشياء وتمحضت للتوجيه النافع - على حد زعم المؤلف - لم يحصل الإقبال عليها من الناس ولم يكثر مرتادوها - ومهمة القائمين عليها استجلاب الناس إليها بشتى الوسائل ليحصلوا منهم على الكسب المادي لأنها أداة كسب في الغالب .
الوجه الثاني :
لو فرضنا خلوها من هذه المحاذير - فإنها لا تخلو من عرض الصور المتحركة ومشاهدتها - ولا شك أن التصوير لذوات الأرواح واستعمال الصور المحرمة محرم ، وقد امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من دخول الكعبة حتى محى ما فيها من الصور وامتنع صلى الله عليه وسلم من دخول بيت عائشة رضي الله عنه من أجل نمرقة فيها تصاوير ، وامتنع من دخول بيت علي بن أبي طالب رضي الله عنه لما رأى فيه تصاوير ، فدل ذلك على أنه لا يجوز مشاهدة الصور في البيت ولا في السينما ولا في غيرها ولا دخول مكان تعرض فيه .
وكشاهد على ما ذكرنا من أنه لا يمكن خلو السينما من المحاذير والشرور وأنها أداة شر : ننقل لك جملة من أقوال من عرفوا تلك الأضرار في السينما فحذروا منها :
قال في كتاب " النهضة الإصلاحية " صحيفة ( 357 ) وهو يعدد جملة من المنكرات قال : ومنها : وقوع نظر النساء على الصور المتحركة - السينما - ذلك أن تلك الشاشة البيضاء كما يسمونها لا تخلو أبدا من مناظر فاجرة تمثل الفسق والغرام والهيام المفرط الذي جاوز الحد ، ومعروف أن النفوس مجبولة على التقليد ، ولها من الإحساس ما يتحرك ويهيج إذا رأى المحرم المهيج ، وأي مهيج أقوى وأشد من هاتيك المناظر المتعمدة المقصودة للتهييج ، وكيف لا تسارع المرأة ناقصة العقل والدين كل المسارعة إلى تقليد ما ترى على الشاشة البيضاء من ترام في الأحضان وتضام وعناق وتقبيل وما يتلو ذلك .
إن من لا يقول إن المرأة تتأثر بهذه المناظر تأثراً خطراً يكون مريض العقل فاقد الإحساس عادم التقدير ، لا أتردد أنا في ذلك ، ولقد هيئت الفرص أن أتكلم في هذه النقطة مع سيدات ممن تعوَّدن الذهاب إلى حيث الصور المتحركة ، فلم يترددن في موافقتي على أن تلك المناظر تؤثر عليهن كل التأثير ، ولقد أخبرتني سيدة رأت في تلك الشاشة صورة حرب فيها كر وفر وتصادم وهجوم وطعن وضرب وإطلاق نيران وما إلى ذلك من فنون الحروب المهلكة تقول لي - وزوجها الذي يرغمها إلى الذهاب إلى تلك المناظر يسمع-: إني لم أقم من ذلك المكان بعد رؤية هاتيك الصور إلا وكلي رعب وفزع لا يتصل مني عضو بالآخر من شدة ما نزل من التأثر ، وهي تريد أن تقول لي بتلك الحكاية : إن كل منظر مؤذ يؤثر في موضوعه فإذا كان على الشاشة صور غرامية أثرت في النفوس للحد الذي يفهمه من يعرف قوة الطبيعة الحيوانية في الإنسان . ا.هـ .
وجاء في " مجلة الأزهر " ( 26 - 442 ) ما نصه :
( وبحْث مشكلة السينما في مصر متشعب النواحي فقد تبحث باعتبارها فنّاً من الفنون ، أو صناعة من الصناعات ، أو أداة ووسيلة حيوية لتوجيه الشعب وتثقيفه وإرشاده ، وهي الناحية التي سنعرض لها هنا لنتبين إلى أي مدى استطاعت السينما أن تحقق هذه الوظائف القومية في المجتمع المصري ، وإن من يتابع الأفلام المصرية ويشاهد منها الكثير والكثير - وهي وفيرة العدد - لَيخرج بحقيقة واحدة لا يستطيع عنها حوَلاً ، وإن أكثر من المشاهدة والتدقيق وتعب في الفحص والاختبار ، هذه الحقيقة الوحيدة هي : أن هذه الأفلام قد فشلت فشلاً ذريعاً في تحقيق الأهداف المذكورة ، وعجزت عجزاً تامّاً عن أداء الوظائف الحيوية في خدمة الإرشاد العام في المجتمع المصري ، مؤثرة عناصر التجارة على عنصر التوجيه ، ومطرحة لعنصر الفن ، وضاربة الصفح إلا عن ابتزاز الأموال . ا.هـ .
وجاء في صحيفة (517) من المجلد (26) من تلك المجلة أيضا : ( يندر أن يجد المدمن على مشاهدة الأفلام فيلما يخلو من قبلات ، حتى لقد أصبحت من لوازم هذه الأفلام ! إذا جلست في دار الخيالة تشاهد واحداً منها فلا بد أن تكون موطِّناً نفسك على أن تشهد منها الكثير والكثير بمناسبة وبغير مناسبة ، بل إن الكثير من المراهقين والشبان والفتيات ليدخلون دور الخيالة ليشهدوا هذه الطبعات التي يحلمون بها ويشتاقون إلى ذوق أمثالها ، وهنا بيت الداء ومبعث انتشاره . ا.هـ .
هذه شهادات ممن خبروا أضرار السينما وواقعها وما تجر على مشاهدها من أضرار وخسارة في الأخلاق والسلوك وأنها لا يمكن بحال خلوها من تلك المفاسد وأن القائمين عليها لا ينظرون في صالح الناس ، وإنما ينظرون إلى ما يمكنهم من ابتزاز الأموال .
وبالجملة فلا خير فيها بوجه من الوجوه وإن زعم من زعم أنها أداة إصلاح وتوجيه .