قال الله تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (الأنعام:73) وقال تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الروم:27) وقال تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ) (الزخرف:84)
والآيات في ذلك أكثر من أن تحصى .
فكيف إذا كان الله تعالى قد عاب على المشركين أنهم يدعون عبادة الله الواحد الواحد القهار ، ويعبدون من دونه إناثا ، وذمهم على ذلك وبين قبيح عملهم . قال تعالى : ( إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثاً وَإِنْ يَدْعُونَ إِلَّا شَيْطَاناً مَرِيداً) (النساء:117) .
يقول الإمام الطبري رحمه الله :
" يقول جل ثناؤه: فحسب هؤلاء الذين أشركوا بالله، وعبدوا ما عبدوا من دونه من الأوثان والأنداد، حجّة عليهم في ضلالتهم وكفرهم وذهابهم عن قصد السبيل، أنهم يعبدون إناثًا ويدعونها آلهة وأربابًا، والإناث من كل شيء أخسُّه، فهم يقرون للخسيس من الأشياء بالعبودة، على علم منهم بخساسته، ويمتنعون من إخلاص العبودة للذي له ملك كل شيء، وبيده الخلق والأمر "
تفسير الطبري (9/211) ط محمود شاكر .
وقال الشيخ ابن سعدي رحمه الله :
" أي: ما يدعو هؤلاء المشركون من دون الله إلا إناثا، أي: أوثانا وأصناما مسميات بأسماء الإناث كـ "العزى" و "مناة" ونحوهما .
ومن المعلوم أن الاسم دال على المسمى ؛ فإذا كانت أسماؤها أسماء مؤنثة ناقصة ، دل ذلك على نقص المسميات بتلك الأسماء ، وفقدها لصفات الكمال ، كما أخبر الله تعالى في غير موضع من كتابه ، أنها لا تخلق ولا ترزق ولا تدفع عن عابديها ، بل ولا عن نفسها نفعا ولا ضرا ، ولا تنصر أنفسها ممن يريدها بسوء ، وليس لها أسماع ولا أبصار ولا أفئدة ، فكيف يُعبد من هذا وصفه ، ويترك الإخلاص لمن له الأسماء الحسنى ، والصفات العليا ، والحمد والكمال ، والمجد والجلال ، والعز والجمال ، والرحمة والبر والإحسان ، والانفراد بالخلق والتدبير، والحكمة العظيمة في الأمر والتقدير ؟!!
هل هذا إلا من أقبح القبيح الدال على نقص صاحبه ، وبلوغه من الخسة والدناءة أدنى ما يتصوره متصور، أو يصفه واصف ؟!! " انتهى ،
من تفسير السعدي (203) .
على أننا ننبه أن الله تعالى لا يوصف بشيء من ذلك ، وإنما ذلك من ضرورات الخطاب في اللغة ، وما يحتاجه الناس في التفاهم ؛ فكل ذكر وأنثى مخلوق ، والله تعالى هو خالق الذكر والأنثى : ( وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ) (النجم:45) .
وتعالى الله أن يكون له ند أو شبيه ، أو زوجة أو ولد : ( بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (الأنعام:101) .
وقال تعالى ، في خبره عن مؤمني الجن أنهم لما سمعوا القرآن آمنوا به ، وعرفوا ربهم سبحانه : ( وأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً) (الجـن:3) .
وما عليك أيتها السائلة إلا أن ترشديها إلى كتابها ، إن كانت تؤمن بأن لها إلاها ، أرسل رسولا ، وأنزل عليه كتابا ، فلتنظر فيه ، ولتعلم لماذا .
فإن كانت قد تفجرت غيظا أو لعلها اغتاظ قلبها ، لأنها الأنثى ، والله تعالى لا يوصف بما توصف به الأنثى ؛ فلقد بلغ الكفر من الناس في زماننا كل مبلغ ، فراحت الأنثى تطلب أن تنتصر لبني جنسها من الإناث ، بالحق وبالباطل ، كفعل أهل الجهل والنقص ، يشعر أحدهم بخسة نفسه ، ودناءة حاله ، فيريد أن يعوضه ولو بالباطل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" الذي يعظّم نفسه بالباطل يريد أن ينصر كل ما قاله ، ولو كان خطأ " .
مجموع الفتاوى ( 10/292 ) .
فإن كان وصل بها الجهل والنقص إلى أن تشبه الله تعالى بخلقه ، بل بالإناث من خلقه ، فتلك حال لم يصلها جهال العرب في عبادتهم للأوثان ؛ فإنهم كانوا يعلمون أن الله الخالق الرازق هو أجل من أوثانهم هذه ، ولا يليق أن يكون مثلها .
فاحذري يا أمة الله من كل جاهل مارق ، واعلمي أن المرء على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل .
( سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) .
والله أعلم .