منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - السيرة النبوية.. سؤال وجواب
عرض مشاركة واحدة
قديم 2018-02-20, 05:35   رقم المشاركة : 52
معلومات العضو
*عبدالرحمن*
مشرف عـامّ
 
الصورة الرمزية *عبدالرحمن*
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

السؤال:

هل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما صام رمضان لم تكن السنة الهجرية تعتمد على رؤية الهلال ، بل كانت ثابتة كما هو الحال في التاريخ الميلادي؟

الجواب
:
الحمد لله

أولا :

الذي تدل عليه نصوص الكتاب والسنة ووقائع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ أن شهر رمضان كان يصام برؤية الهلال ، وينبني على هذا أنه كان يدور في فصول السنة ، ولم يكن ثابتا كما هو الحال في الأشهر الميلادية ؛ ومن الأدلة على ذلك ، الآتي :

1- أكد القرآن الكريم أن الشهور والأعوام إنما تعرف بسير القمر ومنازله . قال الله تعالى : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ) يونس ( 5 ) .

قال ابن كثير رحمه الله تعالى :

" ( وَقَدَّرَهُ ) أي: القمر ( وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ) ، فبالشمس تعرف الأيام – أي الليل والنهار - ، وبسير القمر تعرف الشهور والأعوام

" انتهى من " تفسير ابن كثير " ( 4 / 248 )
.
وأكد القرآن على أن عدد شهور السنة اثنا عشر شهرا . قال الله تعالى : ( إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) التوبة ( 36 ) .

قال القرطبي رحمه الله تعالى :

" هذه الآية تدل على أن الواجب تعليق الأحكام من العبادات وغيرها إنما يكون بالشهور والسنين التي تعرفها العرب

" انتهى من " الجامع لأحكام القرآن " ( 10 / 196 ) .

وقال الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى :

" والمراد بالشهور : الشهور القمرية بقرينة المقام ، لأنها المعروفة عند العرب وعند أغلب الأمم ، وهي أقدم أشهر التوقيت في البشر ، وأضبطها ؛ لأن اختلاف أحوال القمر مساعد على اتخاذ تلك الأحوال مواقيت للمواعيد ، والآجال ، وتاريخ الحوادث الماضية، بمجرد المشاهدة "

انتهى من " التحرير والتنوير " ( 10 / 180 - 181 ) .

ودلت نصوص القرآن والسنة على أن الشهر إنما يعرف دخوله وخروجه برؤية الهلال .

قال الله تعالى : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ) البقرة / 189 .

وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: ( لاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ ، وَلاَ تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ

) رواه البخاري ( 1906 ) ومسلم ( 1080 ) .

فهذه الآية والحديث وغيرهما : تدل على أن المعتمد في دخول الشهور وانتهائها هو رؤية الهلال.

فينتج من كل ما مضى ؛ أن السنة شرعا اثنا عشر شهرا ، مقدرة بالقمر ومنازله ، وليس بالشمس ، والشهر يدخل برؤية الهلال ، فتكون السنة التي شرعها الله للنبي صلى الله عليه وسلم ليعتمدها المسلمون في مواقيت عباداتهم ومعاملاتهم : هي السنة القمرية .

والسنة القمرية تنقص عن الشمسية بحوالي أحد عشر يوما ، وهذا يجعل الشهر القمري يتنقل بين فصول السنة ، ولا يكون ثابتا أبدا .

2- إذا رجعنا إلى حوادث السيرة النبوية - التي ضبط المؤرخون تواريخها - ثم قارنا بينها سنخرج بنتيجة واحدة ؛ هي أن شهر رمضان كان متنقلا بين فصول السنة ، ومما يدل على ذلك أن غزوة بدر الكبرى كانت في 17 من شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة ، الموافق 13 مارس (آذار) سنة 624 م .

وبعد ست سنوات وقع فتح مكة ، وكان في يوم 20 من رمضان في السنة الثانية من الهجرة الموافق 10 يناير (كانون الثاني) سنة 630 م .

وهذا يدل على أن شهر رمضان لم يكن شهرا ثابتا بل كان ينتقل في فصول السنة .

فبين الغزوتين (غزوة بدر الكبرى وغزوة فتح مكة) ست سنوات . فينقص التاريخ القمري عن التاريخ الشمسي في هذه السنوات الست 66 يوما تقريبا ، وهو الفرق بين تاريخ الغزوتين فعلا .

وبهذا تتفق الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة مع حوادث التاريخ والسيرة النبوية ، ويدل ذلك كله على أن شهر رمضان ، وكذلك جميع الشهور القمرية لم تكن ثابتة بل كانت تنتقل في فصول السنة .

ثانيا :

زعم بعض الباحثين أن العرب قبل الإسلام كانت تؤخر الحج كل سنة أحد عشر يوما ، حتى لا يأتي الحج في وقت غير مناسب للسفر كالحر أو البرد الشديدين .

وهذا القول – وإن كان قد قاله بعض المؤرخين- إلا أنه مجرد قول قد قيل ، وليس هناك من الروايات الصحيحة ما يثبته .
وقد بنوا على هذا القول أن حجة أبي بكر الصديق رضي الله عنه في العام التاسع : كانت في شهر ذي القعدة ، وهذا قول قد أنكره العلماء ، إذ كيف يرسل الرسول أبا بكر والمسلمين للحج في غير ميقاته الشرعي ؟!

وقد أنزل الله تعالى قرآنا وصف فيه يوم النحر ذلك العام بأنه يوم الحج الأكبر ، وهذا لا يكون إلا إذا كان الحج في موعده .

قال ابن كثير رحمه الله تعالى :

" وكيف تصح حجة أبي بكر وقد وقعت في ذي القعدة ، وأنى هذا ؟ وقد قال الله تعالى: (وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) ، وإنما نودي بذلك في حجة أبي بكر ، فلو لم تكن في ذي الحجة ، لما قال تعالى : ( يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ ) " انتهى من " تفسير ابن كثير " ( 4 / 152 ) .

والحاصل : أن صيام النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك حجه ، وسائر مواقيت أشهره : إنما وقع حسب الأشهر القمرية التي تنتقل في فصول السنة ، وهذا هو الحساب نفسه الذي كان يعتمده العرب في الجاهلية – فيما يظهر – إذ لم يثبت خلاف هذا .

قال العلامة المؤرخ الفلكي : محمود باشا الفلكي ، رحمه الله ، بعد بحث مطول لذلك :

" وكان العرب ، قبل الإسلام وبعده ، ينظمون شهورهم حسب سير القمر ، وكان الشهر تارة 29 يوما ، وتارة أخرى 30 يوما . والسنة كانت تتكون من 12 دورة قمرية ، ومن حين لآخر كانوا يضيفون دورة قمرية ثالثة عشر ـ كما يقول المؤرخون ـ .
..
وعلى ذلك ؛ فإني أنتهي إلى القول بأن أهالي مكة ، في خلال الخمسين سنة السابقة للهجرة ، كانوا يتخذون التقويم القمري البحت "

. انتهى، من كتابه " التقويم العربي قبل الإسلام" (46-47) .









رد مع اقتباس