عن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قال :
ومات أبو طالب ، وازداد من البلاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم شدةً ، فعمد إلى ثقيفٍ يرجو أن يؤوه وينصروه ، فوجد ثلاثة نفرٍ منهم سادة ثقيف ، وهم إخوةٌ ، فعرض عليهم نفسه ، وشكا إليهم البلاء وما انتهك قومه منه ـ ـ فقال أحدهم : أنا أسرق ثياب الكعبة إن كان الله بعثك بشيءٍ قط ـ أي أنت كذاب ـ وقال الآخر : والله لا أكلمك بعد مجلسك هذا كلمةً واحدةً أبداً ، لإن كنت رسولاً لأنت أعظم شرفاً وحقاً من أكلمك ، وقال الآخر : أيعجز الله أن يرسل غيرك ـ لم يجد غيرك لأن يبعثه ؟! هذا الرد ، هذا رد أهل الطائف على دعوة النبي ـ وأفشوا ذلك في ثقيف ـ ما كتموا هذا الخبر ، مجيء النبي وعرض نفسه عليهم ، أشاعوه في ثقيف ـ واجتمعوا يستهزؤون برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقعدوا له على صفين على طريقه ، فأخذوا بأيدهم حجارةً ، فجعل لا يرفع رجله ولا يضعها إلا رضخوها بالحجارة ، وهم في ذلك يستهزؤون ويسخرون ، فلما خلص من صفَّيهم وقدماه تسيلان بالدماء ، عمد صلى الله عليه وسلم إلى حائطٍ من كرومهم ، فأتى ظل حبلةٍ من الكَرم ، فجلس في أصلها مكروباً موجعاً تسيل قدماه بالدماء
فأتى ظل شجرةٍ من عنبٍ فصلى ركعتين وقال :
اللهم إن أشكو إليك ضعف قوتي ، وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين أنت أرحم الراحمين وأنت رب المستضعفين ، إلى من تكلني ، إلى عدوٍ بعيدٍ يتجهمني ، أم إلى قريبٍ ملَّكته أمري إن لم يكن بك غضبٌ علي فلا أبالي ، غير أن عافيتك أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الكريم الذي أضاءت له السماوات والأرض ، وأشرقت له الظُلمات ، وصلُح عليه أمر الدنيا والآخرة ، أن ينزل بي غضبك ، أو أن يحل بي سخطك ـ وفي روايةٍ : أن يحل علي غضبك ، أو أن ينزل علي سخطك ـ ولك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك
فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ يَا مُحَمَّدُ فَقَالَ ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا