منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب - عرض مشاركة واحدة - لأول مرة زوجة محمد بلونيس تتحدث
عرض مشاركة واحدة
قديم 2016-10-11, 17:08   رقم المشاركة : 26
معلومات العضو
mouradinho24
عضو مشارك
 
الصورة الرمزية mouradinho24
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

"عن الجنرال محمد بن لونيس"
عندما اندلعت ثورة نوفمبر 1954، كان محمد بلونيس مستشارا بلديا لحزب الشعب الجزائري في مدينة برج منايل، قبل ذلك كان يمارس مسؤولياته السياسية على مستوى الدائرة و بتلك الصفة كسب شعبية واسعة في ما يسمى منطقة القبائل بتفانيه في العمل من اجل انجاح مشروع المجتمع الذي بشر به حزبه و الذي يتمثل اساسا في ضرورة بعث الدولة الجزائرية المعتدى عليها سنة 1830.
كان محمد بلونيس من المسؤولين المؤمنين بحتمية الكفاح المسلح كوسيلة وحيدة لاسترجاع الحق المغتصب و كان لأجل ذلك قد ساهم فعليا في جلب الأسلحة و خزنها و في اعداد مجموعات المناضلين الشباب عسكريا في انتظار اليوم المناسب الذي تحدده القيادة العليا.
كل هذه الصفات هي التي جعلت الحاج مصالي يعتمد عليه في تنظيم الافواج المسلحة الاولى التي ستتشكل منها النواة الصلبة لما سيعرف فيما بعد بالجيش الوطني للشعب الجزائري و الذي سيتولى قيادته بمساعدة كل من احمد بن عبد الرزاق (سي الحواس لاحقا) و سي زيان و سي مفتاح ، و كل هذه الصفات ايضا هي التي مكنت قواته من الانتشار بسرعة متخذة في تلك الاشهر الأولى منطقة القبائل منطلقا و مقرا للقيادة العامة .
و بينما كان بلونيس ينشط خاصة في نواحي برج منايل (برج ام نائل) كان نائباه يقودان العمليات المسلحة في جزء كبير من المنطقة الاولى و قسم ضئيل من المنطقة الثانية و اذا كان الصدام بين الحركة الوطنية الجزائرية و جبهة التحرير الوطني قد حدث من البداية في اوربا و فرنسا على وجه الخصوص فإن الصراع الدموي بين الأشقاء لم يظهر داخل الوطن إلا بعد منتصف عام 1955 و يحتمل ذلك تفسيرات نقدمها كالآتي :

1 : إن القواعد المناضلة في حزب الشعب الجزائري متشبعة بنفس الايديولوجية التي ترى ان الإستعمار الفرنسي لا يمكن القضاء عليه إلا بواسطة العنف الثوري بالإضافة الى الإيمان بضرورة الإنتقال بسرعة الى مرحلة الكفاح المسلح كان اغلبية المناضلين تعتقد ان الحاج مصالي هو منقذ الامة و الثورة لا يمكن الا ان تكون بزعامته و عليه كان من الصعب جدا في تلك الأشهر الأولى التسليم بأن تنظيما آخر يسيره غير الحاج مصالي قادر على قيادة المعركة من اجل استرجاع الاستقلال الوطني و حتى عندما بدأ الامر يتضح و ظهرت جبهة التحرير الوطني الى جانب الحركة الوطنية الجزائرية فإن المجاهدين في القاعدة لم يرو ما يدفعهم الى التناحر فيما بينهم مادام جميعهم يسعى الى تحقيق هدف واحد و هو تقويض الإستعمار الفرنسي
2: إن العناصر القيادية في جبهة التحرير الوطني كانت كلها في الأشهر الاو لى من اندلاع الثورة اطارات صغيرة و متوسطة مارست بداياتها النضالية في صفوف حزب الشعب الجزائري بمختلف واجهاته و المنظمة الخاصة منها على وجه الخصوص لاجل ذلك فإنها لم تستسغ الدخول في صراع دموي مع تنظيم منافس كل قياداته تنمي هي الأخرى الى حزب الشعب الجزائري و تتمتع بنفس خاصياتها من حيث التكوين السياسي و الإلتزام العقائدي و الإستعداد لمواجهة القوات الإستعمارية بجميع الوسائل .
و بعد ان فشلت كل محاولات التصالح و ضاعت فرص اعادة رتق الخرق وقع الصدام و عاشت المنطقتان الأولى و الثالثة على وجه الخصوص اشتباكات مسلحة مؤلمة راح ضحيتها رجال ابطال من الطرفين كان يمكن ان يكونو قوة ضاربة تستفيد منها ثورة التحرير الوطني.
و عرفت فرنسا كيف توظف الصراع لصالحها فاختار الجنرال "صالان" الإتصال بالجينرال "بلونيس" و عرض عليه اتفاقا ابرم يوم 13/05/1957 بعد ان وقع التمهيد له بمجزرة "ملوزة" التي ارغمت قائد الجيش الوطني للشعب الجزائري على قبول التعاون مع الجيش الفرنسي الذي كان قادته يعتقدون ان باستطاعتهم توظيفه للقضاء على جيش التحرير الوطني.
لكن الجنرال بلونيس اغتنم الفرصة و راح يعين المحافظين السياسيين من اجل توعية الجماهير الشعبية و عزلها نهائيا عن الإدارة الكولونيالية.
و جاء في كتاب "كلود بايا" ملف الجزائر السري :""وقعت الاسواق ضحية الدعاية المناهضة لفرنسا و لم ينج حتى الأطفال من تأثير نشاط ممثلي بلونيس إذ تأتي الشاحنة وقت القيلولة فتأخذهم إلى الساحة حيث يعلمون الأناشيد الوطنية و انشئت اللجان السياسية و الإدارية على غرار لجان جبهة التحرير الوطني و حسب تقرير الجنرال بارلانج الموجه الى عامل عمالة قسنطينة السيد موريس بابون فإن افراد الجيش الوطني للشعب الجزائري قد بدأو في الخامس جويلية 1957 في وضع ابهر السكان لا من حيث اللباس و السلاح و لا من حيث التنظيم و الإنضباط لقد ظهرو في هيئة الجيش النظامي يتقدمهم العلم الجزائري رمز الإستقلال"".

و كانت هذه النتائج الاولية للإتفاق المشار اليه انفا مصدر انزعاج تنظيمات الكولون و كثير من الضباط السامين في الجيش الفرنسي فاتحادية رؤساء البلديات اصدرت في شهر سبتمبر 1957 بيانا ترفض فيه الإعتراف بالجيش الوطني للشعب الجزائري و وزع الضباط منشورا جاء فيه على الخصوص : يجب الحذر من أمثال التجربة الرخيصة التي عرفناها في الهند الصينية و التي ما من شك ان الجنرال صالان مازال يذكرها.
لكن بلونيس لم يأبه بكل هذه التحرشات بل قابلها بمنشورات وزعت على نطاق واسع و كان أهمها بعنوان "نداء لجميع المكافحين من اجل تحرير وطننا العزيز الجزائر" و قد ختمه بما يلي "اننا نعاهدكم ايها الشهداء و انتم يا من تتألمون في السجون بأننا لن نتوقف عن القتال حتى تسترجع الجزائر استقلالها".

و يقول الجنرال بارلانج عندما كلفه روبار لاكوست بمهمة اعلامية حول الجيش الوطني للشعب الجزائري "ان بلونيس يهدف باستمرار الى توسيع منطقته و هو لا يهدف الى القضاء على جبهة التحرير الوطني بل يسعى الى الإحلال محلها بواسطة تركيز جهازه السياسي و الإداري السري من اجل القضاء على مظاهر الوجود الفرنسي.
و لم يكن هذا التحقيق بعيدا عن الصواب لان بلونيس شرع فعلا في بداية افريل 1958 يتفاوض مع جيش التحرير الوطني و يستعد للإلتحاق بتونس غير ان الجيش الاستعماري حال دون ذلك اذ حاصره في قصر الجيران مع نهاية شهر مايو و ضلت المعارك متواصلة بين الطرفين الى ان سقط شهيدا في مستهل شهر جويلية من نفس السنة .

من هذا المنطلق فإن الحكم بالخيانة على بلونيس ابعد ما يكون على الحقيقة صحيح ان الرجل كان مناهضا لجبهة التحرير الوطني و لكنه كان ينفذ تعليمات الحاج مصالي الذي كان يعتبر قادة جبهة التحرير مجموعة من المطرودين من الحزب بسبب تمردهم على سلطته و على الرغم من عدم الإعتراف بجبهة التحرير الوطني فإن الجيش الوطني للشعب الجزائري كان يضم في وحداته جزائريين حملو السلاح و طلبو الشهادة لتستعيد الجزائر حريتها و استقلالها .
و بعد استشهاد بلونيس فإن أعدادا كبيرة من جنود الجيش الوطني للشعب الجزائري و اطاراته قد التحقو بصفوف جيش التحرير الوطني منهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر ، و اذا كان لابد من محاكمة فإنها لن تكون عادلة إلا في إطار تقييم شامل لثورة نوفمبر في جميع مراحلها التي تتضمن المسار و الإعداد و النتائج عندها يوضع كل فعل في الميزان و ينظر الى صانعي التاريخ ليس كملائكة مطهرين و لكن كطلائع من البشر مؤمنة بقضية و مختصة في التعامل معها الى حد التضحية بالنفس و النفيس لكنها غير معصومة من الاخطاء التي يتحتم عرضها على الاجيال ليس كمقدمة و لكن لتوظيفها إيجابيا في عملية بناء المستقبل الأفضل.

المصدر ....محمد العربي الزبيري : "قراءة في كتاب عبد الناصر و ثورة الجزائر"










رد مع اقتباس